إسلام ويب

شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [8]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • النون والميم المشدتان تغنان بمقدار حركتين، أما الميم الساكنة فلها ثلاثة أحكام: الإظهار والإدغام والإخفاء، والتنوين هو نون ساكنة في الواقع، وذكر له أهل العلم ما يربو على عشرة أنواع، وله أربعة أحكام: الإظهار والإدغام والإقلاب والإخفاء، وتنقسم المدود على أنواع هي: الطبيعي، واللازم، والواجب، والجائز، والعارض للسكون.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد:

    فإن من الحروف ما هو مختص ببعض الأحكام، فلابد من العناية به للعناية بتلك الأحكام التي تختص به، وهذه الحروف هي: الميم، والنون، واللام، فهذه الحروف الثلاثة تخرج عن قواعد الحروف، لبعض الاختصاصات التي تختص بها، فاحتيج لبيان أحكام تختص بها، وقد عقد المؤلف رحمه الله تعالى هذا الباب لبيان أحكام الميم، ولبيان حكم النون المشددة فقال:

    وأظهر الغنة من نون ومن ميم إذا ما شددا

    هذه القاعدة تقتضي أن الميم والنون تزداد الغنة معهما في حال الإدغام؛ أي: في حال التشديد؛ لأن كل واحد منهما في الأصل حرف أغن، فإذا تكرر ازداد نصيبه من الغنة؛ فلذلك لابد من العناية بهما في حال التشديد، وهذا ما لا يفعله كثير من الناس، فكثير من الناس إذا نطقوا بالنون المشددة أو بالميم المشددة لم تزدد الغنة لديهم، وبعض الناس أيضًا يزيد فيها حتى تكون بمثابة المد، وهذا غير صحيح، فلابد من التوسط بين الأمرين، فإنها إذا كانت النون مشددة، أو الميم مشددة تكون بمقدار حركتين؛ أي: الغنة تكون بمقدار حركتين، فتقول: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:62]، فالذي يقول: (إن الذين آمنوا) لم يأت بحق هذا الحرف، وهو الغنة، والذي يقول: (إنّ الذين آمنوا) زاد في حق الحرف، فجعله بمثابة المد، وكلا الأمرين من اللحن الخفي، وقد سبق أن اللحن الخفي يختلف عن اللحن الجلي في الحكم، فالجلي نوعان: جلي يغير المعنى، وجلي لا يغير المعنى، فالذي يغير المعنى يبطل الصلاة بالاتفاق، والجلي الذي لا يغير المعنى حرام، ولكنه لا يبطل الصلاة، والخفي لا يبطل الصلاة مطلقًا، لكن ما حكم الإقدام عليه؟ الخفي من كان يعرف حكمه يحرم عليه، ومن لم يكن يعرف حكمه يعذر فيه.

    قال: (وأظهر الغنة من نون ومن ميم)، والمقصود بإظهارها هنا هو زيادتها، حتى تكون بمقدار حركتين، (إذا ما شددا).

    ثم بدأ القاعدة الثانية، وهي أحكام الميم، فذكر أن الميم الساكنة لها ثلاثة أحكام:

    الحكم الأول هو: الإخفاء، والحكم الثاني هو: الإدغام، والحكم الثالث هو: الإظهار، وهذه كلها تنسب إلى الشفة، فيقال: الإدغام الشفوي، والإظهار الشفوي، والإخفاء الشفوي.

    وسبب ذلك أنه في الإدغام يكون الحرف المدغم فيه والحرف المدغم كلاهما شفوي؛ أي: مخرجهما الشفتان، وأما الإخفاء فهو كذلك بين حرفين شفويين، وهما الميم والباء، وأما الإظهار الشفوي فالحرف المظهر شفوي، وبقية الحروف تختلف باختلاف مخارجها.

    وإنما اصطلح أهل الأداء على تسمية هذه الأحكام بــ(الشفوي) أو (الشفهي) ليميزوها عن أحكام النون، فهي أكثر من أحكام الميم؛ فلذلك يذكر الإظهار والإخفاء والإدغام الخالص والإدغام الناقص في النون مستقلة، بخلاف هذه، فتقيد بـ(الشفوي) لبيان اتصالها بالميم؛ لأن النون ليست شفوية، والميم هي الشفوية، وهذه الأحكام الثلاثة هي التي ترونها هنا، فالإدغام الشفوي هو عند حرف واحد وهو الميم، فتدغم الميم في الميم، إِنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ [المطففين:4]، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ [قريش:4]، فهذا إدغام شفوي، تدغم فيه الميم الأولى- وهي الساكنة- في الميم الثانية وهي المحركة، سواء كان هذا في كلمتين- كما هنا- أو كان في كلمة واحدة، فكل ذلك إدغام شفوي.

    والحكم الثاني هو الإخفاء، وهو أيضًا عند حرف واحد، وهو حرف الباء، فالباء والميم سبق تقاربهما، فهما من مخرج واحد، من بين الشفتين؛ فلذلك إذا نطق بالميم ساكنة قبل الباء فإنها تخفى، ومعنى الإخفاء: ذهاب الحرف وبقاء صفته، هذا هو تعريف الإخفاء،

    فالميم صفتها الغنة، فتحذف الميم، وتبقى غنتها عند الباء، فتقول: تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ [الفيل:4]، (تَرْمِيهِب ) فالميم ذهبت فلم تنطق بها؛ فلذلك عند النطق بالغنة أخرجت الغنة من الخيشوم، ولم تفتح الشفتين، فتقول: (ترميهم بـ) فالميم وقت النطق بمكانها لم يخرج هواء من الفم أصلًا، فدل هذا على أن الحرف قد ذهب، وصفتها قد خرجت من الخيشوم، وهي الغنة، وهكذا: إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ [العاديات:11]، (ربهبهم) فالميم ذهبت، وبقيت صفتها، وهي الغنة، فخرجت من الخيشوم، هذا هو الإخفاء.

    ولابد من التنبه إلى أن بعض الناس في هذا الإخفاء يبالغ أيضًا في الغنة، فيجعلها بمثابة حركتين، ويجعل هذا من باب الإدغام، وليس الحال كذلك، فمن قال مثلًا: (ترميهم بحجارة) قد لحن لحنا خفيًا، فلابد أن تكون الغنة بمقدار حركة واحدة؛ لأنها غنة لحرف واحد، الباء ليست حرفًا أغن، فالغنة إذًا في الإخفاء بمثابة حركة واحدة، والغنة في الإدغام بمثابة حركتين؛ لأن الإدغام فيه حرفان كلاهما أغن، وفي الإخفاء حرف واحد أغن، والباء ليست حرفًا أغن؛ فلذلك قال:

    وأخفين الميم إن تسكن بغنة لدى باء على المختار من أهل الأدا

    هذا هو المختار لدى أهل الأداء، وهو مذهب أبي عمرو الداني وأبي داود سليمان بن نجيح، وهو اختيار ابن الجزري، كما اختاره هنا وصرح بذلك، وهو يشير إلى القول الآخر، وهو مقابل المختار، وهو مذهب الإمام مكي بن أبي طالب، وهو أنها تظهر قبل الباء كبقية الحروف، فـمكي بن أبي طالب يقرأ: تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ [الفيل:4]، ويقرأ: إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ [العاديات:11]، (ربهم بهم) بالإظهار، فيظهرها قبل الباء كبقية الحروف، فتذكروا أن الإخفاء هو المختار لدى أهل الأداء، وهو مذهب الداني، وهو اختيار ابن الجزري، وأن الإظهار قبل الباء هو مذهب مكي بن أبي طالب.

    قال بعد هذا: (وأظهرنها عند باقي الأحرف)، الحكم الثالث هو: الإظهار، وهو عند بقية الحروف، والواقع أنه أسقط حرفًا آخر، وهو الألف اللينة، فلا يمكن أن تظهر عندها أصلًا؛ لأنها لا يمكن أن تلتقي بها، فالألف لا تكون إلا ساكنة، والميم إذا سكنت لا يمكن أن تجتمع مع ساكن؛ لأنه لا يلتقي ساكنان في محض الوصل؛ فلذلك لا تلتقي الميم الساكنة بالألف أصلًا، فهذا غير موجود في لغة العرب، ولا في أية لغة أخرى، لا يمكن أن تلتقي الميم ساكنة بالألف؛ لأن الألف ساكنة دائمًا، فباقي الحروف هو ستة وعشرون حرفًا بإسقاط الألف والباء والميم، إذا أسقطنا ثلاثة أحرف من تسعة وعشرين فقد بقي لدينا ستة وعشرون، وهذه هي بقية الحروف فتظهر عندها: الْحَمْدُ للهِ [الفاتحة:2]، (الحمد) لا يمكن أن تقول: (الحمد) فهذا بمثابة الإدغام وهو غير صحيح أمام الدال، وهكذا في بقيتها، فالميم تظهر أمام جميع الحروف ما عدا الباء على خلاف، وما عدا الميم التي تدغم أمامها، فالميم تدغم أمامها فتدخل فيها بالتشديد مع الغنة، والباء المختار فيها أنها تذهب هي وتبقى غنتها مكانها، والألف لا تلتقي معها أصلًا، فبقي ستة وعشرون حرفا تظهر الميم الساكنة أمامها، هذه هي أحكام الميم.

    بقي تنبيه لابد منه وهو قوله: (واحذر لدى واو وفا أن تختفي)، قد سبق أن الميم والباء بينهما تقارب وتناسب لخروجهما من بين الشفتين، كذلك الواو، فهي تخرج من هذا المخرج فهي شفوية أيضًا، والفاء قد سبق أنها تخرج من باطن الشفة، فهي قريبة أيضًا من هذا المخرج؛ فلذلك لابد من التنبيه على النطق بالميم الساكنة قبل الواو وقبل الفاء، فيخرجها الإنسان من مخرجها بالإظهار، دون قلقلة، ودون إخفاء، فالأمران محظوران، فالمبالغة في إظهارها حتى يكون ذلك بمثابة القلقلة هذا لحن، وإخفاؤها قبل الواو والفاء لحن أيضًا، فيحتاج الإنسان إلى أن يتوسط بين الأمرين، وأهل بلادنا هذه في أغلب الأحيان يقلقلون الميم الساكنة قبل الواو والفاء، فتسمعون بعض الناس يقرأ قول الله تعالى: فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ [آل عمران:61]، يقرؤها: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا)، (كم) هذه قلقلة، (ونساءنا ونساءكم وأنفسنا)، هذه قلقلة، وهذا لحن؛ فلذلك لابد من الحفاظ على إظهارها دون قلقلة، وأيضًا من الناس من يخفيها، فيقول: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم وَنساءنا) (كُمْ) أخفيت أو أدغمت في الواو، وهذا غير صحيح، فلهذا لابد من إظهارها دون قلقلة قبل الواو وقبل الفاء أيضًا، ولهذا قال: (واحذر لدى واو وفا أن تختفي)، والسبب هو قرب المخرج، فالواو شفوي، والفاء كذلك تخرج من باطن الشفة، فاحتيج إلى التنبيه على إظهارها دون مبالغة عند النطق بها ساكنة قبل أحد هذين الحرفين، بعض الناس يسكت بين الميم الساكنة والواو أو الفاء؛ لأنه لا يستطيع أن يظهرها قبل الواو أو الفاء، ولا يريد أن يخفيها ولا أن يدغمها فيسكت، مثل ما تسمعون بعض الأئمة يقولون: (السلام عليكمْ وَرحمة الله)، يسكتون في هذا الموضع بين الميم والواو، لماذا؟ لأنهم يخافون أن ينطقوا بها مخفاة أو أن ينطقوا بها مدغمة، ويشق عليهم أن يظهروها قبل الواو خالية، فيقولون: (السلام عليكمْ وَرحمة الله)؛ فلهذا لابد من الانتباه إلى أن الوقف والسكوت لهما أحكامهما؛ فالسكوت لابد أن يكون في موضع مروي، والوقف ستأتينا أحكامه إن شاء الله تعالى وبيان أنواعه؛ فلذلك ليس الوقف أو السكوت معينًا على النطق بالحروف، وقد سبق أن النطق بالحروف أن التجويد يمر بمراحل، منها: إتقان الحرف في مخرجه وصفته، ثم إتقانه مقترنًا بغيره، فلا يكون الإنسان مجودًا إلا إذا أتقن الحرف وحده ثم أتقنه مع غيره.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088456445

    عدد مرات الحفظ

    776839665