الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن من الحروف ما هو مختص ببعض الأحكام، فلابد من العناية به للعناية بتلك الأحكام التي تختص به، وهذه الحروف هي: الميم، والنون، واللام، فهذه الحروف الثلاثة تخرج عن قواعد الحروف، لبعض الاختصاصات التي تختص بها، فاحتيج لبيان أحكام تختص بها، وقد عقد المؤلف رحمه الله تعالى هذا الباب لبيان أحكام الميم، ولبيان حكم النون المشددة فقال:
وأظهر الغنة من نون ومن ميم إذا ما شددا
هذه القاعدة تقتضي أن الميم والنون تزداد الغنة معهما في حال الإدغام؛ أي: في حال التشديد؛ لأن كل واحد منهما في الأصل حرف أغن، فإذا تكرر ازداد نصيبه من الغنة؛ فلذلك لابد من العناية بهما في حال التشديد، وهذا ما لا يفعله كثير من الناس، فكثير من الناس إذا نطقوا بالنون المشددة أو بالميم المشددة لم تزدد الغنة لديهم، وبعض الناس أيضًا يزيد فيها حتى تكون بمثابة المد، وهذا غير صحيح، فلابد من التوسط بين الأمرين، فإنها إذا كانت النون مشددة، أو الميم مشددة تكون بمقدار حركتين؛ أي: الغنة تكون بمقدار حركتين، فتقول: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:62]، فالذي يقول: (إن الذين آمنوا) لم يأت بحق هذا الحرف، وهو الغنة، والذي يقول: (إنّ الذين آمنوا) زاد في حق الحرف، فجعله بمثابة المد، وكلا الأمرين من اللحن الخفي، وقد سبق أن اللحن الخفي يختلف عن اللحن الجلي في الحكم، فالجلي نوعان: جلي يغير المعنى، وجلي لا يغير المعنى، فالذي يغير المعنى يبطل الصلاة بالاتفاق، والجلي الذي لا يغير المعنى حرام، ولكنه لا يبطل الصلاة، والخفي لا يبطل الصلاة مطلقًا، لكن ما حكم الإقدام عليه؟ الخفي من كان يعرف حكمه يحرم عليه، ومن لم يكن يعرف حكمه يعذر فيه.
قال: (وأظهر الغنة من نون ومن ميم)، والمقصود بإظهارها هنا هو زيادتها، حتى تكون بمقدار حركتين، (إذا ما شددا).
ثم بدأ القاعدة الثانية، وهي أحكام الميم، فذكر أن الميم الساكنة لها ثلاثة أحكام:
الحكم الأول هو: الإخفاء، والحكم الثاني هو: الإدغام، والحكم الثالث هو: الإظهار، وهذه كلها تنسب إلى الشفة، فيقال: الإدغام الشفوي، والإظهار الشفوي، والإخفاء الشفوي.
وسبب ذلك أنه في الإدغام يكون الحرف المدغم فيه والحرف المدغم كلاهما شفوي؛ أي: مخرجهما الشفتان، وأما الإخفاء فهو كذلك بين حرفين شفويين، وهما الميم والباء، وأما الإظهار الشفوي فالحرف المظهر شفوي، وبقية الحروف تختلف باختلاف مخارجها.
وإنما اصطلح أهل الأداء على تسمية هذه الأحكام بــ(الشفوي) أو (الشفهي) ليميزوها عن أحكام النون، فهي أكثر من أحكام الميم؛ فلذلك يذكر الإظهار والإخفاء والإدغام الخالص والإدغام الناقص في النون مستقلة، بخلاف هذه، فتقيد بـ(الشفوي) لبيان اتصالها بالميم؛ لأن النون ليست شفوية، والميم هي الشفوية، وهذه الأحكام الثلاثة هي التي ترونها هنا، فالإدغام الشفوي هو عند حرف واحد وهو الميم، فتدغم الميم في الميم، إِنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ [المطففين:4]، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ [قريش:4]، فهذا إدغام شفوي، تدغم فيه الميم الأولى- وهي الساكنة- في الميم الثانية وهي المحركة، سواء كان هذا في كلمتين- كما هنا- أو كان في كلمة واحدة، فكل ذلك إدغام شفوي.
والحكم الثاني هو الإخفاء، وهو أيضًا عند حرف واحد، وهو حرف الباء، فالباء والميم سبق تقاربهما، فهما من مخرج واحد، من بين الشفتين؛ فلذلك إذا نطق بالميم ساكنة قبل الباء فإنها تخفى، ومعنى الإخفاء: ذهاب الحرف وبقاء صفته، هذا هو تعريف الإخفاء،
فالميم صفتها الغنة، فتحذف الميم، وتبقى غنتها عند الباء، فتقول: تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ [الفيل:4]، (تَرْمِيهِب ) فالميم ذهبت فلم تنطق بها؛ فلذلك عند النطق بالغنة أخرجت الغنة من الخيشوم، ولم تفتح الشفتين، فتقول: (ترميهم بـ) فالميم وقت النطق بمكانها لم يخرج هواء من الفم أصلًا، فدل هذا على أن الحرف قد ذهب، وصفتها قد خرجت من الخيشوم، وهي الغنة، وهكذا: إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ [العاديات:11]، (ربهبهم) فالميم ذهبت، وبقيت صفتها، وهي الغنة، فخرجت من الخيشوم، هذا هو الإخفاء.
ولابد من التنبه إلى أن بعض الناس في هذا الإخفاء يبالغ أيضًا في الغنة، فيجعلها بمثابة حركتين، ويجعل هذا من باب الإدغام، وليس الحال كذلك، فمن قال مثلًا: (ترميهم بحجارة) قد لحن لحنا خفيًا، فلابد أن تكون الغنة بمقدار حركة واحدة؛ لأنها غنة لحرف واحد، الباء ليست حرفًا أغن، فالغنة إذًا في الإخفاء بمثابة حركة واحدة، والغنة في الإدغام بمثابة حركتين؛ لأن الإدغام فيه حرفان كلاهما أغن، وفي الإخفاء حرف واحد أغن، والباء ليست حرفًا أغن؛ فلذلك قال:
وأخفين الميم إن تسكن بغنة لدى باء على المختار من أهل الأدا
هذا هو المختار لدى أهل الأداء، وهو مذهب أبي عمرو الداني وأبي داود سليمان بن نجيح، وهو اختيار ابن الجزري، كما اختاره هنا وصرح بذلك، وهو يشير إلى القول الآخر، وهو مقابل المختار، وهو مذهب الإمام مكي بن أبي طالب، وهو أنها تظهر قبل الباء كبقية الحروف، فـمكي بن أبي طالب يقرأ: تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ [الفيل:4]، ويقرأ: إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ [العاديات:11]، (ربهم بهم) بالإظهار، فيظهرها قبل الباء كبقية الحروف، فتذكروا أن الإخفاء هو المختار لدى أهل الأداء، وهو مذهب الداني، وهو اختيار ابن الجزري، وأن الإظهار قبل الباء هو مذهب مكي بن أبي طالب.
قال بعد هذا: (وأظهرنها عند باقي الأحرف)، الحكم الثالث هو: الإظهار، وهو عند بقية الحروف، والواقع أنه أسقط حرفًا آخر، وهو الألف اللينة، فلا يمكن أن تظهر عندها أصلًا؛ لأنها لا يمكن أن تلتقي بها، فالألف لا تكون إلا ساكنة، والميم إذا سكنت لا يمكن أن تجتمع مع ساكن؛ لأنه لا يلتقي ساكنان في محض الوصل؛ فلذلك لا تلتقي الميم الساكنة بالألف أصلًا، فهذا غير موجود في لغة العرب، ولا في أية لغة أخرى، لا يمكن أن تلتقي الميم ساكنة بالألف؛ لأن الألف ساكنة دائمًا، فباقي الحروف هو ستة وعشرون حرفًا بإسقاط الألف والباء والميم، إذا أسقطنا ثلاثة أحرف من تسعة وعشرين فقد بقي لدينا ستة وعشرون، وهذه هي بقية الحروف فتظهر عندها: الْحَمْدُ للهِ [الفاتحة:2]، (الحمد) لا يمكن أن تقول: (الحمد) فهذا بمثابة الإدغام وهو غير صحيح أمام الدال، وهكذا في بقيتها، فالميم تظهر أمام جميع الحروف ما عدا الباء على خلاف، وما عدا الميم التي تدغم أمامها، فالميم تدغم أمامها فتدخل فيها بالتشديد مع الغنة، والباء المختار فيها أنها تذهب هي وتبقى غنتها مكانها، والألف لا تلتقي معها أصلًا، فبقي ستة وعشرون حرفا تظهر الميم الساكنة أمامها، هذه هي أحكام الميم.
بقي تنبيه لابد منه وهو قوله: (واحذر لدى واو وفا أن تختفي)، قد سبق أن الميم والباء بينهما تقارب وتناسب لخروجهما من بين الشفتين، كذلك الواو، فهي تخرج من هذا المخرج فهي شفوية أيضًا، والفاء قد سبق أنها تخرج من باطن الشفة، فهي قريبة أيضًا من هذا المخرج؛ فلذلك لابد من التنبيه على النطق بالميم الساكنة قبل الواو وقبل الفاء، فيخرجها الإنسان من مخرجها بالإظهار، دون قلقلة، ودون إخفاء، فالأمران محظوران، فالمبالغة في إظهارها حتى يكون ذلك بمثابة القلقلة هذا لحن، وإخفاؤها قبل الواو والفاء لحن أيضًا، فيحتاج الإنسان إلى أن يتوسط بين الأمرين، وأهل بلادنا هذه في أغلب الأحيان يقلقلون الميم الساكنة قبل الواو والفاء، فتسمعون بعض الناس يقرأ قول الله تعالى: فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ [آل عمران:61]، يقرؤها: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا)، (كم) هذه قلقلة، (ونساءنا ونساءكم وأنفسنا)، هذه قلقلة، وهذا لحن؛ فلذلك لابد من الحفاظ على إظهارها دون قلقلة، وأيضًا من الناس من يخفيها، فيقول: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم وَنساءنا) (كُمْ) أخفيت أو أدغمت في الواو، وهذا غير صحيح، فلهذا لابد من إظهارها دون قلقلة قبل الواو وقبل الفاء أيضًا، ولهذا قال: (واحذر لدى واو وفا أن تختفي)، والسبب هو قرب المخرج، فالواو شفوي، والفاء كذلك تخرج من باطن الشفة، فاحتيج إلى التنبيه على إظهارها دون مبالغة عند النطق بها ساكنة قبل أحد هذين الحرفين، بعض الناس يسكت بين الميم الساكنة والواو أو الفاء؛ لأنه لا يستطيع أن يظهرها قبل الواو أو الفاء، ولا يريد أن يخفيها ولا أن يدغمها فيسكت، مثل ما تسمعون بعض الأئمة يقولون: (السلام عليكمْ وَرحمة الله)، يسكتون في هذا الموضع بين الميم والواو، لماذا؟ لأنهم يخافون أن ينطقوا بها مخفاة أو أن ينطقوا بها مدغمة، ويشق عليهم أن يظهروها قبل الواو خالية، فيقولون: (السلام عليكمْ وَرحمة الله)؛ فلهذا لابد من الانتباه إلى أن الوقف والسكوت لهما أحكامهما؛ فالسكوت لابد أن يكون في موضع مروي، والوقف ستأتينا أحكامه إن شاء الله تعالى وبيان أنواعه؛ فلذلك ليس الوقف أو السكوت معينًا على النطق بالحروف، وقد سبق أن النطق بالحروف أن التجويد يمر بمراحل، منها: إتقان الحرف في مخرجه وصفته، ثم إتقانه مقترنًا بغيره، فلا يكون الإنسان مجودًا إلا إذا أتقن الحرف وحده ثم أتقنه مع غيره.
هنا قال: (باب حكم التنوين والنون الساكنة)، عقد هذا الباب لأحكام النون الساكنة، والتنوين هو نون في الواقع، فهو معدود من النونات السواكن، ولكن الفرق أن أهل الأداء يهتمون كثيرًا برسم الصحابة، فما كان غير مرسوم؛ أي: لا يكتب، لابد من التنبيه عليه؛ فلذلك (نبه) على التنوين وحده، فالنون إذا سكنت سهل اندماجها مع ما بعدها؛ لأنها حرف مذلق، وللغنة التي فيها التي تخرج من الخيشوم، فاحتيج إلى التنبيه على أحكامها.
والتنوين هو مصدر نونت الكلمة إذا أدخلتها نونًا، هذا التنوين في اللغة، هو مصدر نونت الكلمة إذا أدخلتها نونًا، فكل نون زائدة هي في الأصل تنوين، سواء كانت في الأوائل مثل (انطلق)، أو في الأواسط مثل (غضنفر)، أو في الأواخر، سواء كانت نون تنوين، أو نون إناث، أو غير ذلك، (قمن)، كل هذا هو من التنوين في اللغة.
أما التنوين في الاصطلاح فهو: نون ساكنة تلحق الأواخر لفظًا لا خطًّا لغير توكيد.
(نون ساكنة) هو في الواقع من ناحية النطق هو نون، ولكن القاعدة- قاعدة الرسم التي سبقت- هي الأصل أن يوافق المرسوم ما ينطق، هذه قاعدة الرسم، الرسم كله تضبطه قاعدتان، إحداهما: الأصل انفصال كل لفظ عن آخر، والأخرى: الأصل أن يوافق المرسوم ما ينطق، فلما كانت هذه النون تسقط في الكتابة ولا تذكر احتيج إلى بيان أحكامها المختصة، فهي نون ساكنة تلحق الأواخر، فخرجت النون التي تلحق الأوائل كـ(انطلق)، والتي تلحق الأواسط كـ(غضنفر)، فهذه النون تلحق الأواخر؛ أي: آخر الكلمة، سواء كان ذلك لفظًا؛ أي: حقيقة، أو كان تقديرًا، فالآخر في وضع الكلمة في النطق بها قد لا يكون آخرها في لغة العرب، كــ(يد) و(دم)، فالدال في (يد)، والميم في (دم)، هذا ليس آخر الكلمة من الناحية اللغوية من ناحية المادة اللغوية، فـ(يد) أصلها (يديٌ)؛ ولذلك رويت تثنيتها بالإثبات كقول الشاعر:
يديان بيضاوان عند محلم قد يمنعانك أن تضام وتضهدا
و(دم) أصلها (دموٌ) فلامها واو؛ ولذلك قال الشاعر:
ولو أنا على حجر ذبحنا جرى الدموان بالخبر اليقين
وتثنى أيضًا على دميين، (جرى الدميان) في لغة بعضهم بالقلب، فالدال والميم ليسا آخر الكلمتين، ولكنهما آخرهما في النطق؛ ولذلك يقع عليهما الإعراب، (هذه يدٌ) و(رأيت يدًا) و(نظرت إلى يدٍ)، والإعراب محله في الأصل أواخر الكلم، (نون ساكنة تلحق الأواخر)، قولنا: نون ساكنة سقطت به نون الإناث، (قمن)، (ضربن) هذه نون متحركة لا ساكنة، تلحق الأواخر، بخلاف التي تلحق الأوائل كـ(انطلق)، أو التي تلحق الأواسط كـ(غضنفر)، (لفظًا لا خطًّا)؛ أي: يلفظ بها ولا تكتب، بخلاف نون التوكيد، ولهذا قال: (لغير توكيد)، فنون التوكيد الساكنة، التوكيد له نونان، إحداهما مشددة، والأخرى مخففة، فالمشددة لا لبس فيها؛ لأنها غير ساكنة، والمخففة ساكنة وهي تلحق الأواخر، وقد لا تكتب، بل يكتب مكانها ألف، لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ [العلق:15]، فهذه نون ساكنة لحقت الآخر، لفظًا لا خطًّا، لكنها لتوكيده، وأيضًا في حال الحذف، فإنها إذا كانت بعد الفتح يقاس حذفها، وتنوب عنها الفتحة، كما قال المختار بن بونه رحمه الله:
وبعد فتح حذفها يطرد كقولَ بالذي يقول أحمد
(قُولَ) أصلها (قولَنْ) فحذفت نون التوكيد، وبقيت الفتحة مكانها، فقيل: (قولَ بالذي يقول أحمد) وهذا فعل أمر، وهو مبني في الأصل على السكون، ولكن نظرًا لالتحاق الآخر به ثبتت الواو فيه، وإذا ثبتت الواو بقيت الفتحة على اللام؛ لأنها نائبة عن نون التوكيد، وهي الفتحة المناسبة لها، وإلا لو حذفت هذه الفتحة لالتقى ساكنان، فيجب حذف الأول منهما، وهو الحرف المعتل فيقال: (قُلْ).
والتنوين أنواعه عند النحويين عشرة، ويمكن أن أزيدكم حادي عشر إذا أردتم، هذه الأنواع نظمها ابن مالك رحمه الله بقوله:
أنواع تنوينهم عشر عليك بها فإن تحصيلها من خير ما حرزا
مكن وقابل وعوض والمنكر زد ورنم اضطر غال واحك ما همزا
بيت واحد يجمع هذه الأنواع العشرة، (مكن وقابل وعوض والمنكر زد)، هذه خمسة في الشطر الأول، وخمسة في الشطر الأخير أيضًا، (ورنم اضطر غال واحك ما همزا)، فهذه هي أنواع التنوين لدى النحويين، النوع الأول منها: تنوين التمكين وهو تنوين الصرف، فقد عرف ابن مالك الصرف بقوله:
الصرف تنوين أتى مبينا معنى به يكون الاسم أمكنا
أي: هو تنوين يكون الاسم به أمكن من غيره في باب الاسمية، فالاسم المنون تنوين التمكين لم يشبه الحرف فيبنى ولم يشبه الفعل فيمنع من الصرف؛ فلذلك كان أمكن من غيره في باب الاسمية، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ [الفتح:29]، فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا [الأحزاب:37]، وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى المَدِينَةِ يَسْعَى [القصص:20]، هذه الأسماء كلها مصروفة؛ لأنها لم تشبه الحرف، فتبنى ولم تشبه الفعل فتمنع من الصرف، فهذا النوع من التنوين هو الذي يسمى تنوين التمكين، وهو تنوين الصرف.
والنوع الثاني: التنكير، وهو تنوين العلم الممنوع من الصرف؛ للدلالة على إرادة غير مشهور، فإذا قلت: (جاء أحمدُ وأحمدٌ آخر)، أو (جاء سيبويهِ وسيبويهٌ آخر)، سواء كان ذلك المنون في الأصل ممنوعًا من الصرف، أو كان مبنيًّا أصلًا، فالممنوع من الصرف كــ(جاء أحمد وأحمد آخر)؛ أي: أحمد المعروف، وأحمد آخر منكر، فــ(جاء سيبويه وسيبويه آخر)، سيبويه في الأصل مبني، وهو مركب تركيبًا مزجيًّا، وهو من اللغة الفارسية، فهذا التنوين الذي فيه هو تنوين التنكير، وهذا التنوين ليس في المصحف، فالممنوع من الصرف فيه، أو المبني فيه لا ينكر بالتنوين.
النوع الثالث: تنوين العوض، وهو في الأسماء المنقوصة فتنون، فيكون ذلك التنوين عوضًا عن الحرف المنقوص، أو عوضًا من حركة الحرف المنقوص، فتقول: (غواشٍ) و(جوارٍ) و(قاضٍ) و(ثانٍ) و(عاصٍ)، هذا التنوين ليس على آخر الكلمة؛ لأن آخر الكلمة محذوف، ولكنه عوض عن آخر الكلمة المحذوف، وقيل: هو عوض من حركته، وقيل غير ذلك، فللنحويين فيه أقوال، وهذا مثل قول الله تعالى: لَهمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأعراف:41]، (ومن فوقهم غواش)، وعلامة هذا التنوين أنه لا تأتي معه حركة الإعراب، فـ(غواش) هنا، ما إعرابها؟ (( وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ ))، (غواش) مبتدأ، وهو مرفوع، والتنوين الذي عليه ليس مع حركة الإعراب، وإنما هو مع حركة ما قبل الياء، وكذلك تقول: (جاء قاض) فهو فاعل هنا، والتنوين الذي معه ليس مع حركة الإعراب، بل مع الحركة التي كانت قبل الياء.
والنوع الرابع هو: المقابلة، تنوين المقابلة، وذلك في جمع المؤنث السالم، فإنه ينون لمقابلة النون التي في جمع المذكر السالم، فــ(النساء ذوات غيرة)، فلما كانت النون تثبت بعد حرف الإعراب في جمع المذكر السالم، فيقال: (المسلمون)، (إن المسلمين) احتيج إلى ما يقابلها للإناث، فلم يعطين نونًا تنطق وتكتب، وإنما أعطين نونًا تنطق ولا تكتب للتعويض؛ فلذلك قال: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا [التحريم:5]، فهذا التنوين الذي في جمع المؤنث السالم هو تنوين المقابلة؛ لأنه مقابل للنون التي بعد حرف الإعراب في جمع المذكر السالم، وهذه هي أقسام التنوين التي تختص بالاسم، فلا توجد في الفعل ولا في الحرف، هي مختصة بالاسم، وهي علامة من علاماته، فمن علامة الاسم التنوين، كما قال ابن مالك:
بالجر والتنوين والندا وأل ومسند للاسم تمييز حصل
أما الزيادة، تنوين الزيادة، فهو تنوين يزاد في وسط الكلمة؛ أي: مع الحرف، تزاد به الكلمة التي نقص منها حرف، كتنوين (يد)، و(دم)، فهذه الكلمة في الأصل ثلاثة حروف، وقد حذف منها حرف، فبقيت على حرفين، وهذان الحرفان أيضًا فيهما حرف علة، مثلا الياء فيهما حرف علة، فلابد من زيادة هذه الكلمة لأنها كلمة معربة، فتعوض بالتنوين تتميمًا لها، فيقال: (هذه يد)، و(رأيت يدًا)، و(نظرت إلى يد)، هذا التنوين هو زيادة للكلمة الناقصة التي نقصت.
وبالنسبة لتنوين التعويض أيضًا قد يكون تعويضًا عن جملة، وقد يكون تعويضًا عن كلمة، وقد يكون تعويضًا عن حرف، أو عن شكل، فالذي يكون تعويضًا عن جملة مثل: (حينئذٍ)، (يومئذٍ) فهذا التنوين عوض عن جملة؛ لأن (إذ) تضاف إلى الجمل:
وألزموا إضافة إلى الجمل حيث وإذ وإن ينون يحتمل
إفراد إذ وما كإذ معنى كإذ أضف جوازا نحو حين جا نبذ
فهذا التنوين عوض عن جملة، وقد يكون التنوين عوضًا عن مفرد، (لو قال كلٌ ما يشاء وفعل)، (كل) هنا؛ أي: كلنا، فهو تنوين عوض عن المضاف إليه، فهذه الكلمة في الأصل من الكلمات التي تضاف، والمضاف إليه محذوف، ومثلها (أَيٌّ)، فهذا التنوين عوض عن كلمة واحدة، وهي المفرد الذي يضاف إليه، ومثلها:
فساغ لي الشراب وكنت قبلًا أكاد أغص بالماء الفرات
وهكذا بعدًا:
ونحن قتلنا الأسد أسد خفية فما شربوا بَعْدًا على لذة خمرا
فهذا التنوين هو عوض عن كلمة واحدة، وقد يكون عوضًا عن حرف أو عن حركة، كما في (غواش) و(جوار) و(قاض) و(داع).. إلى آخره.
النوع السادس هو: تنوين الترنم، والمقصود به: تنوين قطع الترنم، فالإضافة تحصل بأدنى سبب، فبنو تميم إذا ترنموا أثبتوا مدة الروي، وإذا لم يترنموا نونوا الحرف الذي هو الروي بدل المدة فيرون أن المد هو من تجميل الصوت، فلا يثبتونه إلا في حال الترنم، كما قال المختار بن بونه رحمه الله:
وإن ترنم التميميونا فمدة الروي يثبتونا
وإذا لم يترنموا فإنهم يقطعون الترنم بالتنوين، وهذا التنوين لا يختص بالاسم، بل يأتي في الفعل والحرف والاسم في كل كلمة:
أقلي اللوم عاذل والعتابن وقولي إن أصبت لقد أصابن
فهذا التنوين هو بدل عن المدة مدة الروي.
أقلي اللوم عاذل والعتابا وقولي إن أصبت لقد أصابا
فإذا لم يريدوا الترنم أتوا بهذا التنوين، وهو مختص بالقوافي المطلقة، القوافي المطلقة وهي المحركة، فلا يكون إلا في قافية محركة؛ لأنها التي تتصل بها مدة الروي، القوافي المقيدة هي السواكن، لا تتصل بها مدة الروي.
والنوع السابع هو: تنوين الضرورة وهو- كما رأيتم- قسمان: يكون مع المبني ويكون مع الممنوع من الصرف، فيكون مع المبني كقول الشاعر:
سلام الله يا مطر عليها وليس عليك يا مطر السلام
فأنتم تعرفون أن المنادى المفرد العلم يبنى على الضم- (ابن المعرف المنادى المفردا)- فيبنى على الضم، وهنا نون، فقال:
سلام الله يا مطر عليها وليس عليك يا مطر السلام
فهذا التنوين هو تنوين الضرورة؛ لأن البيت لا يتزن لو قال: (سلام الله يا مطرُ عليها) فاضطر للتنوين فأثبته، وكذلك في الممنوع من الصرف:
ويوم دخلت الخدر خدر عنيزةٍ فقالت لك الويلات إنك مرجلي
فـ(عنيزة) علم مؤنث بالتاء فهو ممنوع من الصرف لعلتين، وهما: التأنيث، والعلمية، فهنا صرفه امرؤ القيس؛ أي: نون للضرورة، فلو قال: (ويوم دخلت الخدر خدر عنيزةَ) لم يتزن البيت، فنونه للاتزان فقال:
ويوم دخلت الخدر خدر عنيزةٍ فقالت لك الويلات إنك مرجلي
فهذا التنوين تنوين ضرورة.
والنوع الثامن من أنواع التنوين هو: التنوين الغالي، والغالي معناه: المجاوز للحد، والمقصود بذلك أنه مجاوز لوزن البيت فهو يكسر وزن البيت أصلًا، فهو زيادة على مبنى البيت، ولا يلحق إلا القوافي المقيدة، على عكس تنوين الترنم، تنوين الترنم لا يلحق إلا القوافي المطلقة، والتنوين الغالي لا يلحق إلا القوافي المقيدة.
قالت بنات العم يا سلمى وإنِن كان فقيرا معدما قالت وإنِن
(قالت وإنن)، فهذا التنوين غال؛ لأنه زاد على وزن البيت، وإنما يفعل ذلك الأعراب لاستحلائهم للنطق بالنون في مثل هذا الموضع، فالنون عندما تتكرر في القوافي يحسن ذلك جرس الكلام؛ فلهذا ينطقون بهذا التنوين.
والنوع التاسع من أنواع التنوين هو: تنوين الحكاية، وذلك في حق المسمى باسم مصروف، فيستصحب له الصرف بعد العلمية، فالعلمية إذا كان معها علة أخرى منعت الصرف، فإذا كان الاسم مصروفًا من قبل فسمي به، وحكي؛ أي: حكي حاله قبل التسمية به فإنه سيبقى مصروفًا، فمن أعلام العرب: (عاقلة لبيبة)، اسم لرجل، (عاقلة لبيبة) هذا اللفظ فيه علة في الأصل وهي التأنيث، ولكنها لا تمنع وحدها، فلما اجتمعت معها العلمية لم تمنع أيضًا لأنه محكي؛ فحكي كما هو، والناس عندنا هنا يحكون الأعلام كثيرا فيتركونها كما هي فيقول: محمدُنْ ومحمدَنْ ومحمدِنْ ومريمَ ومريمُ، وهكذا هذه حكاية لحال العلم قبل التسمية به، بعض الناس يظن أن الاسم لا يتأثر بحركات الإعراب، فيقولون: محمد رسول الله، فهذا اسمه محمدٌ، وبعضهم يثبت هذه النون أيضًا- نون التنوين- فيكتبها، فتكون على خلاف ما ذكر، ومحمد كذلك يضيفون إليها واوًا أو أحمد، يكتبونها بالواو أيضًا، وهذه أكبر من أختها.
ولذلك أنبه الإخوة المشاركين في الدورة إلى أن أوراق الامتحان لابد من الحفاظ على إتقان الأسماء فيها؛ لأنها التي ستأتي في الشهادات إن شاء الله؛ فلذلك يحسن أن يكتب الإنسان اسمه على الوجه العربي الصحيح.
النوع العاشر من أنواع التنوين هو: تنوين المهموز، فالهمز سبق أنه يصعب النطق به، وبالأخص إذا كان ساكنًا في آخر الكلمة، فــ(هؤلاء)، هذه الهمزة يصعب النطق بها، ولهذا فإن قراءة حمزة إذا كان الوقف على الهمزة فيها أوجه، منها وجه الإسقاط المطلق: اللهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ [البقرة:255]، هذه قراءة حمزة، إما أن تقول: (ولا يحيطون بشيْ)، فتقف على الياء الساكنة، أو (بشيء) بالروم، لا يقف عليها حمزة بالتحقيق أبدًا، الهمزة لا يقف عليها حمزة بالتحقيق، وكثير من الناس أيضًا عندنا هنا يقرءون دائمًا بقراءة حمزة، فالمهموز إذا وقفوا عليه لا يصلون إلى الهمزة، (جاء) ينطقونها بإسقاط الهمزة، (السماء) ينطقونها بإسقاط الهمزة، وهي مثبتة، ولكن لابد من الحذر من تشديدها، فتقول: (السماءْ)، ولا يمكن أن تقول: (السماءّْ)؛ لأن هذا فيه تشديد لها أو قلقلة، فتقول: (السماءْ)، فتلفظ بها لكن لا تقلقلها ولا تشددها.
والعرب في بعض الأحيان يقولون: (هؤلاءٍ)، فينونون هذا التنوين فيقفون على نون ساكنة بعد الهمزة، توصلًا للنطق بالمهموز؛ لصعوبة النطق بالهمزة ساكنة في آخر الكلمة.
والحادي عشر: تنوين المناسبة، كما قال ابن مالك:
ولاضطرار أو تناسب صرف ذو المنع والمصروف قد لا ينصرف
فالمناسبة مثل: (وعادًا وثمودًا) بالتنوين في القراءة التي تثبت التنوين، فالمصحف رسمه الصحابة بالألف في ثمود، لكن القراءات منها ما ينطق بالألف، فيجعله تنوينًا، ومنها ما لا ينطق به فيجعل عليه دائرة، فيقول: وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ [الفرقان:38]، ومنهم من يقول: (وعادا وثمودًا وأصحاب الرس) وكذلك: سَلاسِلا وَأَغْلالًا وَسَعِيرًا [الإنسان:4]، كتبها الصحابة في المصحف بالألف، فبعض القراء يصرفها للمناسبة؛ لأن المعطوف عليها كذلك، سَلاسِلا وَأَغْلالًا وَسَعِيرًا [الإنسان:4]، هذه الكلمات الثلاثة كلها منونة، فـ(سلاسلا) ممنوعة من الصرف نونت لمناسبة الكلمتين بعدها: (أغلالًا) و(سعيرًا).
والمناسبة أن (عادًا) كلمة منونة، فعطف عليها (ثمود)، فتنون مناسبة للكلمة التي قبلها، وهي معطوفة عليها، وكذلك: سَلاسِلا وَأَغْلالًا وَسَعِيرًا [الإنسان:4]، فهذه الكلمات مصروفة؛ فلذلك يمكن أن يؤتى بصرف الممنوع من الصرف لقصد المناسبة.
ولاضطرار أو تناسب صرف ذو المنع والمصروف قد لا ينصرف
قال:
وحكم تنوين ونون يلفى إظهارٌ ادغام وقلبٌ اخفا
يقول: إن النون الساكنة والتنوين أيضًا- وهو نون ساكنة كما سبق- لهما أربعة أحكام، وهي: الإظهار، والإدغام، والقلب، والإخفاء، فالإظهار في الأصل هو: البيان، أظهر الشيء إذا بينه، وهو في الاصطلاح: النطق بالحرف دون نقص له أو لصفته، إظهار الحرف معناه النطق به دون نقص له أو لصفته، هذا هو الإظهار في الاصطلاح.
والإدغام في الأصل: مصدر أدغم الشيء إذا أدخله، فهو في اللغة بمعنى: الإدخال، أدغم سنان اللجام في فم الفرس؛ أي: أدخله، وهو في الاصطلاح: إدخال حرف في آخر، فإن قلت إدخال حرف ساكن في متحرك فهذا هو الإدغام الصغير، وإن قلت: إدخال حرف في آخر شمل ذلك الإدغام الكبير؛ لأنه إدخال متحرك في متحرك، والإدغام الصغير عند جميع القراء، وهو التشديد مطلقًا، كل تشديد هو إدغام، سواء كان للمثلين أو للمتقاربين أو للمتجانسين، والإدغام الكبير يختص به السوسي، عن أبي عمرو بن العلاء؛ ولذلك فقراءة السوسي فيها هذا الإدغام الكبير في اللفظين المنفصلين، وفي الكلمة الواحدة: (ما سلكُّم)، و(مناسكُّم)، وفي الكلمتين في الفاتحة: (الرحمن الرحيم مَّلك)، من غير وقف: (الرحمن الرحيم ملك) ونحو ذلك، فهذا الإدغام الكبير هو للسوسي عن أبي عمرو.
والحكم الثالث هو: القلب، والقلب في اللغة: هو الصرف، فيقال: قلب الورقة إذا صرف وجهها إلى قفاها، وفي الاصطلاح: إبدال الحرف بحرف آخر.
والإخفاء هو الحكم الرابع، وهو في اللغة: الستر، أخفى الشيء يخفيه إذا ستره، وفي الاصطلاح: إذهاب الحرف وإبقاء صفته.
فهذه أربعة أحكام للنون الساكنة والتنوين، الإظهار اصطلاحًا: النطق بالحرف دون نقص منه أو من صفته، فهذه الأحكام الأربعة هي التي ترونها أمامكم، فأول حكم ذكره المؤلف منها هو: الإظهار، وهو إذا سكنت النون أو جاء التنوين قبل حرف من أحرف الحلق الستة فإنها تظهر، حروف الحلق هي الستة المعروفة: الهمزة، والهاء، والغين، والخاء، والعين، والحاء، فهذه الأحرف هي أحرف الحلق الستة، وإذا جاءت النون ساكنة قبلها، أو كان قبلها تنوين فإن النون هنا ينطق بها، ويؤتى بصفتها التي هي الغنة، وهذا هو الإظهار، يؤتى بها هي وبصفتها، سواء كان ذلك في كلمة، ويختص هذا بالنون دون التنوين، فالتنوين لا يمكن أن يكون في كلمة؛ لأنه لا يكون إلا عند الآخر، وَالمُنْخَنِقَةُ وَالمَوْقُوذَةُ وَالمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ [المائدة:3]، (المنخنقة)، هذه نون ساكنة قبل الخاء، وهي من أحرف الحلق، فتظهر ينطق بها، وهذا الإظهار لا يقصد به القلقلة، فبعض الناس يقلقل في حال الإظهار فيقول: (عليم حكيم)، وهذا لحن؛ لأنه قلقل النون وهي ليست من أحرف القلقلة.
إذًا هذا هو الحكم الأول، ومن أمثلته مثلًا (المنخنقة) قبل الخاء، (تنْحتون) قبل الحاء، (عنه) قبل الهاء، (أنْعمت) قبل العين، (عزيزٌ حكيم) قبل الحاء أيضًا، (جرفٍ هار) قبل الهاء، فهذه كلها مظهرة؛ أي: تثبت النون وتثبت غنتها.
والحكم الثاني هو: الإدغام، وهو قسمان: إدغام خالص، وذلك بأن تسقط هذه النون، تقلب إلى حرف آخر، فيدغم في ذلك الحرف دون أن تبقى النون، ودون أن تبقى غنتها، وذلك قبل اللام والراء، وهذا الإدغام الخالص اجتمع في الشهادتين: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله)، (أشهد أن لا إله إلا الله)، فلا تظهر النون ولا غنتها؛ لأن النون أبدلت لاما، (فادغم) اللام في اللام فقيل: (أن لَّا إله إلا الله)، والذي ينطق: (أشهد أنْ لَا إله إلا الله) مثلًا، أتى بلحن، وكذلك الذي يقول: (أنَّ لا إله إلا الله)، هذا لحن جلي، اللحن الخفي: (أنْ لا إله إلا الله)، واللحن الجلي: (أنَّ لا إله إلا الله)؛ لأن الخبر لم يأت، أن لا إله إلا الله، ماذا؟ فكذلك (أشهد أن محمدَا رَّسول الله)، فالتنوين هنا هو هذه النون الساكنة أبدلت راء فأدغمت الراء في الراء فقيل: (محمدًا رسول الله)، فلم يبق للنون أثر، لم يبق شيء منها، ولا من صفتها التي هي الغنة، (أن محمدًا رسول الله)، فهذان الحرفان تدغم فيهما إدغاما خالصًا، (من رَّسول)، (ما جاءنا من رسول)، (من رسول)، فالنون هنا لم تبق، ولم تبق غنتها، وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ [البقرة:13]، أدغمت ولم يبق لها أثر، لم تبق غنتها.
والنوع الثاني هو: الإدغام الناقص؛ وذلك بأن تذهب النون فتبقى غنتها، فتدغم إدغامًا ناقصًا، وذلك في هذه الحروف الأربعة، وهي: الياء، والنون، والميم، والواو، وهذه على تفاوت بينها، فالياء والواو لدى بعض القراء الإدغام معهما خالص مثل اللام والراء: مِنْ وَالٍ [الرعد:11]، (من يَّعمل)، (من وَّال) بدون غنة، فهذا لبعض القراء؛ فلذلك الإدغام مع الواو والياء أشد منه مع النون والميم، أما مع النون والميم فهو إدغام بالغنة، كما سبق أن الغنة تزيد عند التشديد، ويستثنى من ذلك ما إذا كان في كلمة واحدة، إذا كانت النون ساكنة وبعدها بعض أحرف (ينمو) في كلمة واحدة فلا إدغام، كـ(الدنْيَا) مثلًا، فالنون ساكنة وبعدها الياء، لكنهما في كلمة واحدة، فلا إدغام، وكذلك (بنْيَان)، فالنون ساكنة قبل الياء في كلمة واحدة، فلا إدغام، وكذلك (صنْوَان)، و(قنْوَان)، فالنون ساكنة قبل الواو في كلمة واحدة؛ فلا إدغام، وهكذا إذا كان ذلك في فواتح السور: ن وَالْقَلَمِ [القلم:1]، عند بعض أهل الأداء، وكذلك (يس والقرآن)، وهذا لـورش فيه الإدغام، (ن وَّالقلم)، (يس وَّالقرآن)، لـورش فيه الإدغام، لكن بقية القراء ليس لديهم ذلك.
وبالنسبة للإدغام في النون، هي بقيت نونًا كما هي، وأدغمت النون في النون، (إنَّ)، أصلها (إنْ نَ)، فاجتمعت لديك نون ساكنة ونون متحركة، فأدخلت النون الساكنة في النون المتحركة، فقلت: (إنَّ)، فكان النطق شديدًا، وهذا الذي يسمى بالتشديد؛ والغنة زادت لأنهما حرفان، أحدهما ساكن والآخر متحرك، وإذا أردت أن تعرف ذلك لا تنظر إلى الخط، وانظر إلى الوزن، ففي وزن الشعر المشدد دائمًا حرفان، أحدهما ساكن والآخر محرك.
ثم بعد هذا الحكم الثالث هو: القلب، وبعض أهل الأداء يسميه (إقلابًا)، وبالأخص المتأخرون الذين لا يعرفون العربية، فـ(الإقلاب) مصدر (أقلب)، وهي غير موجودة في العربية، لا وجود لها، اللهم، إلا على مذهب من يرى قياس التعدية بالهمزة مطلقًا، وهو مذهب الأخفش أبي الحسن، فإنه يرى قياس التعدية بالهمزة لكل فعل، سواء كان لازمًا أو متعديًا لواحد أو متعديًا لاثنين، وتعرفون الأقوال في هذا:
أقوال تعديتك الثلاثي بالهمز واحد مع الثلاث
يقاس أو لا مطلقا وأسند هذين لـلأخفش والمبرد
وعمرو الظاهر من تعبيره يقاس في اللازم لا في غيره
ولـأبي عمرو يقاس مسجلا إلا علمته ونحوه فلا
وقد قال المختار بن بونه رحمه الله:
وزاد الاخفش أظن أزعما أحسب أوجد أخال فاعلما
فالقلب هو: قلب النون الساكنة والتنوين ميما قبل الباء، فإذا اتصلت النون الساكنة أو التنوين بباء فإن النون تقلب ميمًا في النطق، وتبقى في الكتابة نونًا، فهي تبقى في الكتابة نونًا، فالقلب هو إبدال حرف بآخر، فهذه النون أبدلناها ميمًا عند النطق بها قبل الباء، فيقال: (أنبأك)، (من بخل)، (زوج بهيج)، والدليل على أنك قلبتها ميمًا أنك عند النطق بالباء تفتح شفتيك، وعند النطق بالميم تضمهما كما سبق، فمخرجهما واحد، (من بخل) فقد ضممت الشفتين (من بـ)، وهنا لو كان النطق بالنون لتحرك اللسان؛ لأن النون لسانية؛ فلذلك قلبت النون ميمًا، فذلك في النون مثل (من بخل)، (أنبأك)، وفي التنوين (زوج بهيج).
والغنة بمقدار حركة واحدة، ولابد من التنبيه إلى أنها في المصحف تكتب ميمًا صغيرة، وهي من الضبط لا من الرسم، فالرسم كما هو تكتب فيه النون، لكن الضبط تكتب فيه ميم صغيرة، وكثير من الناس في بلادنا هذه لا يميزون هذه أيضًا، محمد امْبارك، هذا العلم كثيرًا ما.. هو فيه هذا القلب، فيظن الناس فيه القلب، وليس كذلك، فهو مُبارَك، لكن الميم ساكنة قبل الباء، فيظن الناس أنه من هذا القلب يظنون أنه (انْبارك)، فيكتبونه: (انبارك)، وهذا غير صحيح، هو بالميم، وكذلك العكس (تنْبدغه)، بعض الناس يكتبها بالميم، وهي في الأصل من اللغة البربرية (تن) بمعنى (ذات)، فهي بالنون لا بالميم، ولكن بعض الناس يكتبها بالميم، وهذه الميم من الضبط لا من الرسم كما ذكرنا.
الحكم الرابع من هذه الأحكام هو الإخفاء وذلك قبل بقية الحروف، والحروف بقي منها ستة عشر، فأنتم تطالبوننا بستة عشر حرفًا؛ لأننا أخذنا ستة أحرف هي أحرف الحلق، وأخذنا حرفًا واحدًا وهو الباء هنا، وأخذنا حرفين في الإدغام الخالص، وأربعة في الإدغام الناقص ستة، ستة على ستة كم؟ اثنا عشر، وعليها واحد؟ ثلاثة عشر، كم بقي من تسعة وعشرين؟ بقي ستة عشر حرفًا، هذه الحروف واحد منها هو الألف لا يكون إلا ساكنًا، فلا يمكن أن تأتي قبله النون ساكنة؛ فلذلك نخرجه من العد، فبقي خمسة عشر حرفًا، وهي التي نظمها أحدهم بقوله:
ألا أخفين النون من قبل أحرف أوائل هذا البيت خمس مع العشر
ترى جار دعد قد ثوى زيد في ضنًى كما ذاق طير صيد سوء شبا ظفر
(أوائل هذا البيت خمس مع العشر)؛ أي: أوائل الكلمات في هذا البيت، (خمس مع العشر)، (ترى) هذه التاء (جار) الجيم، (دعد) الدال، (قد) القاف، (ثوى) الثاء، (زيد) الزاي، (في) الفاء، (ضنن) ىالضاد، (كما) الكاف، (ذاق) الذال، (طير) الطاء، (صيد) الصاد، (سوء) السين، (شبا) الشين، (ظفر) الظاء، وأسقطت هنا (زيد في ضنًى) (زيد) الزاي أيضًا، هذه خمسة عشر حرفًا وقد نظمها صاحب التحفة بقوله:
صف ذا ثنًى كم جاد شخص قد سما دم طيبًا زد في تقى ضع ظالما
لكن البيت فيه خلل في القافية، وهو التأسيس في الشطر الثاني، وعدمه في الشطر الأول، الشطر الثاني مؤسس بالألف التي قبل اللام، والشطر الأول ليس كذلك، هذا خلل في القافية.
فهذه الحروف تخفى النون والتنوين قبلها مع الغنة، تبقى معها الغنة، وقد نظم ابن مالك هذه الأحكام في الكافية إذ قال:
والنون ساكنًا بلام وبرا أدغم دون غنة وأظهرا
مع أحرف الحلق وميما قلبا حتما إذا ما كان متلوًا ببا
وإن تلاه بعض ينمو وانفصل يدغم بغنة كمن يعن وصل
في غير ذا في الباقيات يخفى كعندنا كن تنجبر وتكفى
بالنسبة لبعض القراء قد يأتي ببعض الغنة قبل اللام، ولكن هذا غير مأخوذ به، بين المؤلف رحمه الله هذه الأحكام بقوله:
وحكم تنوين ونون يلفى إظهار إدغام وقلب إخفا
(فعند حرف الحلق أظهر)، (فعند حرف الحلق)، الحكم الأول هو: الإظهار، وهو المذكور في قوله: (فعند حرف الحلق أظهر)، والحرف هنا مفرد، ولكنه نكرة مضافة إلى المعرفة فتعم؛ لأن كل نكرة أضيفت إلى المعرفة تعم، كقول الشاعر:
بها جيف الحسرى فأما عظامها فبيض وأما جلدها فصليب
جلدها؛ أي: جلودها، وقد سبق بيان ذلك في قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ [الأحزاب:50]، فالمفرد هنا أضيف إلى المعرفة فعم، فكذلك هنا قال: (فعند حرف الحلق)؛ أي: عند حروف الحلق الستة تظهر، (أظهر)، (وادغم في اللام والرا لا بغنة لزم).
فعند حرف الحلق أظهر وادغم في اللام والرا لا بغنة لزم
(ادغم) بمعنى (أدغم)؛ لأنها في الأصل (افتعل)، أصلها (ادتغم)، ولكن تاء الافتعال بعد الدال تبدل دالا، فتدغم فيها، كما قال ابن مالك:
طًا تا افتعال رد إثر مطبق في ادان وازدد وادكر دالًا بقي
فكذلك (ادَّغم) أصلها ادتغم افتعل، وهي للتكلف، أدغم الشيء إذا أدخله، لكن إذا قال: ادغمه، معناه: تكلف إدخاله.
قال: (وادغم في اللام والراء لا بغنة)، فهذا إدغام شديد؛ ولذلك جاء فيه بالافتعال؛ لأنه ليس معه غنة (في اللام والراء لا بغنة لزم)، و(لزم) تتميم للبيت؛ أي: لزم ذلك، (وأدغمن بغنة في يومن)، قد جمع هذه الحروف التي هي حروف (ينمو) جمعًا حسنًا، فقال: (في يومن)، والحرفان الأولان، وهما الياء والواو، قد ذكرنا الخلاف فيهما، هل هما مما تدغم فيه النون بغنة أو بدون غنة، ويرجع في ذلك إلى القراءات، وليس من علم الأداء.
قال:
وأدغمن بغنة في يومن إلا بكلمة
أي: إلا بكلمة واحدة، فيجوز أن تقول: إلا بكَلْمة أو إلا بكِلْمة، فالكِلْمة والكَلْمة هي الكَلِمة؛ أي: إلا إذا كانت النون ساكنة قبل أحد هذه الحروف في نفس الكلمة، فحينئذ لا إدغام، كـ(دنْيا)، (عنونوا)، أيضًا فيها النون ساكنة قبل الواو، وليست في القرآن، ولكنها مثال في اللغة.
(والقلب عند البا بغنة كذا)، كذلك الحكم الثالث هو: القلب؛ أي: قلبها ميمًا، وذلك عند الباء، ويكون بغنة.
(كذا الإخفا)، وهنا أثبتوا الألف قبل اللام في النسخة، (كذا الإخفا لدى باقي الحروف أخذا)، كذا أخذ الإخفاء؛ أي: أخذ به في التجويد، (لدى باقي الحروف)، وهو بغنة أيضًا، لدى باقي الحروف، وهي خمسة عشر منها، والحرف السادس عشر لا يمكن أن يجتمع مع النون ساكنة أصلًا، وهو الألف كما سبق.
وقد اجتمعت هذه الأحكام كلها- أحكام الميم وأحكام النون كلها- في آية واحدة من كتاب الله، وهي الآية السادسة من سورة الأنعام، جمع الله فيها أحكام الميم وأحكام النون، وقد ألغز بها من قال:
خبروني عن آية جاء فيها كل حكم قد كان للنونات
وإمالات أربع بمحل قد عزوها لـحمزة الزيات
(خبروني عن آية جاء فيها كل حكم قد كان للنونات)، والواقع أيضًا: (وكل حكم قد كان للميمات)، (وإمالات أربع بمحل قد عزوها لـحمزة الزيات)، يقصد قراءة حمزة في: (كهيعص)، فهذه مختصة بحمزة، وهو أربع إمالات في كلمة واحدة، هذه الآية هي قول الله تعالى: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ [الأنعام:6]، فهذه الآية جمعت أحكام الميم، فهنا قال: (ألم يروا)، الإظهار الشفوي قبل الياء، ومثل ذلك (كم أهلكنا)، الإظهار الشفوي قبل الهمزة، والحكم الثاني من أحكامها هو المذكور في قوله: (من قبلهم من)، إدغام، أيضًا قال: (مكناهم في الأرض)، الإظهار أيضًا، وهنا قال: (ما لم نمكن لكم)، أيضًا كذلك، وهنا قال: (لكم وأرسلنا) إظهار، لكن مع التنبيه الذي قاله المؤلف: (واحذر لدى واو وفا أن تختفي)، يسميه بعض الناس (الانفكاك)، لكن هو في الواقع ليس فكًا؛ لأن الفك هو عند حرفين متماثلين، فهنا (نمكن لكم)، و(أرسلنا)، ونظيرها (بذنوبهم)، و(أنشأنا)، وكذلك هنا: (من تحتهم فـ)، فهذا الإظهار مع التنبيه للنطق بالميم ساكنة قبل الفاء دون قلقلة ودون إخفاء، لكن هنا: (أهلكناهم بــ)، وهذا إخفاء شفوي، وليس قلبا لأن القلب ليس من أحكام الميم، الميم لها ثلاثة أحكام: إما الإظهار، وإما الإدغام، وإما الإخفاء، فاجتمعت أحكامها هنا الثلاثة.
ثم نذهب إلى أحكام النون، وتذكروا أنها أربعة، هنا: (من قبلهم)؛ الإخفاء قبل القاف، (من قرن) كذلك، (قرن مكناهم) الإدغام الناقص قبل الميم، قبل أحرف (يومن)، (مكناهم) الإدغام الناقص قبل (ينمو)، النون من أحرف (ينمو)، الإدغام الخالص هو الذي لا غنة فيه، وهذا فيه غنة زائدة بمقدار حركتين كما سبق، (نمكن لكم)، هذا الإدغام الخالص بدون غنة قبل اللام، (مدرارًا و)، هذا الناقص أيضًا مثل التنوين، (الأنهار)، هذا الإظهار قبل حرف الحلق، (من تحتهم) إخفاء كما سبق، (أنشأنا) إخفاء كذلك، لا، إخفاء قبل الشين، (من بعدهم) قلب، فتقلب ميما هنا، (قرنا آخرين) إظهار، فالإخفاء تكرر، والإظهار جاء مرتين قبل الهمزة كما هنا، وقبل الهاء كما هنا، والإدغام الخالص جاء مرة واحدة هنا (نمكن لكم)، والإدغام الناقص جاء متكررًا جاء هنا وجاء هناك، والقلب جاء مرة واحدة هنا؛ فإذًا اجتمعت أحكامها، كلها أحكام النون وأحكام الميم.
قال بعد هذا: (باب المد والقصر)، عقد هذا الباب للمد، وقد سبق أن حروف المد هي حروف الجوف، وهي ثلاثة: الألف، والواو، والياء، إذا سكن وتحرك ما قبلهن بحركة مجانسة لهن، فالألف لا تكون إلا كذلك، الألف دائمًا ساكنة، وما قبلها مفتوح، والياء إذا سكنت وكسر ما قبلها، والواو إذا سكنت وضم ما قبلها، فهذه هي أحرف المد، وهذا المد سبق أنه ينتهي إلى الهواء، (للهواء تنتهي)، وعلى هذا فإنه متفاوت، فقد يكون مدًا طويلًا، وقد يكون متوسطًا، وقد يكون مدا قصيرًا، فطبيعة هذه الحروف أن فيها مدًا، وهذا المد هو الذي يسمى بالطبيعي، نسبة إلى طبيعة الحرف، فكلما وجد- ولو لم يوجد سبب آخر- فتمد مدًّا طبيعيًّا، وهذا المد الطبيعي هو أصل هذه الحروف، فكلها فيها مد، لكن هذا المد هو بمقدار حركة واحدة، نُوحِيهَا إِلَيْكَ [هود:49] (نو) فهذه الواو ساكنة وقبلها ضمة، (حي) هذه الحاء مكسورة وبعدها الياء ساكنة، فالياء إذًا ساكنة وقبلها كسرة، (ها) الألف لا تكون إلا ساكنة وهنا قبلها فتحة، فاجتمعت هذه الثلاثة، ثلاثة أمثلة في كلمة واحدة، فهذا هو المد الطبيعي، ما سوى ذلك من المدود له سببان: السبب الأول الهمزة، والسبب الثاني السكون، ولا مد إلا بأحد هذين السببين، إما بسبب الهمز، وإما بسبب السكون، والمد بحسب الحكم لدى أهل الأداء ثلاثة أقسام، قال فيه المؤلف:
والمد لازم وواجب أتى وجائز وهو وقصر ثبتا
المقصود هنا: المد الفرعي لا الطبيعي الأصلي، المد الأصلي هو الطبيعي. هذا أصل؛ لأنه هو الأصل في هذه الحروف، وما سواه وهو المد الفرعي؛ أي: الذي تجدد لسبب هذا ثلاثة أقسام: إما أن يكون لازمًا، وإما أن يكون واجبًا، وإما أن يكون جائزًا، واللازم أقوى من الواجب عند أهل الأداء، وإن كان معناهما عند أهل الفقه والأصول واحدًا، فلزم الغريم غريمه، ولزم فلان مكانه، إذا لم يتعده، إذا لم يتجاوزه، والحكم الذي لا يتعدى يسمى باللازم، لا يتجاوز، والواجب كذلك هو الساقط الملازم لمحله، (وجبت الشمس)؛ أي: سقطت، فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالمُعْتَرَّ [الحج:36]؛ أي: سقطت عند النحر.
واللازم في الاصطلاح سببه السكون دائمًا، والواجب سببه الهمزة كذلك، والجائز كذلك سببه إما السكون، وإما الهمزة، فنحن لدينا سببان، ولدينا ثلاثة أقسام، فأحد السببين خالص لأحد الأحكام الثلاثة، وهو السكون، فهو خالص للازم، فلا يكون المد لازمًا إلا بسبب السكون، والآخر أيضًا خالص له الثاني، فالمد الواجب لا يكون إلا بسبب الهمزة، أما المد الجائز فيكون بسبب الهمزة، ويكون بسبب السكون، وهذه قسمة عادلة ليس فيها وكس ولا شطط.
قال:
والمد لازم وواجب أتى وجائز وهو وقصر ثبتا
أي: الجائز فسره بقوله (وهو وقصر ثبتا)، والواو هنا لعطف التفسير ليس للإنشاء، قال: (وهو)؛ أي: (المد والقصر) ثبتا؛ أي: كلاهما ثابت، والمقصود بجواز المد هنا: إما التخيير بينه وبين تركه، وإما التخيير بين تطويله وبين توسطه، فكلا ذلك وارد كما سنذكر، قال:
فلازم إن جاء بعد حرف مد ساكن حالين وبالطول يمد
فالقسم اللازم سببه هو السكون، فإذا جاء بعد حرف المد ساكن حالين؛ أي: الساكن في الحالين، وهما الوصل والوقف؛ أي: الساكن الذي هو ساكن دائمًا في الوقف والوصل، فهذا هو المد اللازم، وبالطول يمد؛ أي: لا يأتي إلا طويلًا، والمد الطويل هو بمقدار ست حركات.
وواجب إن جاء قبل همزة متصلًا إن جمعا بكلمة
والواجب سببه الهمزة دائمًا، فإذا جاء حرف المد ومعه الهمزة في كلمة، وجاء هو قبل الهمزة فهذا المد هو الذي يسمى بالمتصل، وهو المد الواجب، (السماء)، (السفهاء)، (الفقراء)؛ فلذلك قال: (إن جاء قبل همزة متصلا)؛ أي: جاء متصلا بها، (إن جمعا بكلمة)، هذا تفسير لقوله متصلًا، (إن جمعا بكلمة)، اجتمعا بكلمة واحدة واتصلا، لم يحل بينهما شيء، فهذا هو المد الواجب.
وجائز إذا أتى منفصلا أو عرض السكون وقفا مسجلا
الجائز له سببان، إما بسبب الهمز، وذلك حينما يأتي حرف المد ثم تأتي بعده همزة في غير كلمته، بل في كلمة بعدها.
والقسم الثاني من الجائز سببه السكون، قال: (أو عرض السكون وقفًا)؛ أي: إذا عرض السكون في حال الوقف، فهذا السكون عارض، وليس أصليًّا، وليس في حالين، بل في حال واحد، وهو حال الوقف، والسكون إما أن يكون في الحالين في الوصل والوقف، أو أن يكون في حال واحد، وهو الوقف فقط، لا يمكن أن يكون السكون في الوصل، ويتحرك في الوقف؛ فلذلك قال: (أو عرض السكون وقفًا مسجلًا)؛ أي: مطلقًا، وهذه الأقسام هي ما ترونه هنا، فالفرعي إما أن يكون لازمًا، وهو بسبب السكون، وذلك في المد اللازم، وله حالان: الحال الأول أن يكون كلميًّا؛ أي: في كلمة، والحال الثاني: أن يكون حرفيًّا؛ أي: في فواتح السور فهي حروف تحكى بأسمائها، كما هي (يس)، (ق) ونحوها فهذه أسماء السور، هي حروف، لكن الحرف حكي كما هو، (الم) حكيت هذه الحروف بأسمائها، (المص)، (حم)، (عسق)، حكيت الحروف بأسمائها، فهذا النوع هو: الحرفي، والثاني: هو: الكلمي، وكلاهما ينقسم إلى قسمين؛ لأن الساكن إما أن يكون مخففًا، وإما أن يكون مشددًا، فإن كان الساكن مخففًا فهو اللازم المخفف، وإن كان مشددًا فهو اللازم المثقل، فهذه أربعة أقسام، فالكلمي إما مثقل وإما مخفف، فالمثقل مثل: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فالألف حرف مد، وجاء بعدها حرف مشدد وهو اللام؛ فالسكون الذي عليه هو سبب هذا المد، وتشديده هو الذي سماه مثقلًا، فهذا واجب لازم قدر ست حركات، فمن قال: (ولا الضالين) فقد لحن لحنًا خفيًّا؛ فلذلك لابد أن يمده الإنسان بمقدار ست حركات، فيقول: (( وَلا الضَّالِّينَ ))، وكذلك: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ [الأنعام:38]، (دآبة) بمقدار ست حركات، فحرف المد هو الألف هنا، والباء بعده مشددة، وسبب المد هنا هو السكون الذي بعد حرف المد، وهو مثقل، وكذلك (الحآقة)، (الطآمة)، (الصآخة)، فهذا كله لازم كلمي مثقل، فجميع القراء اتفقوا على مده بقدر ست حركات، والخلاف فقط هل هذا متواتر أم لا، هل هيئة الأداء متواترة أم لا، محل خلاف؛ ولذلك قال السيوطي:
والسبع قطعا للتواتر انتمى
وقيل إلا هيئة الأداء قيل وخلف اللفظ للقراء
وكذلك آلذَّكَرَيْنِ [الأنعام:143]، الحركة فيها خلاف هل المقصود بها حركة الحرف، وهي الشكل الذي عليه، أو المقصود بها حركة الأصابع هكذا.
(آلذكرين)، فالألف هنا هي حرف المد، وجاء السكون بعدها، وكان السكون مشددًا؛ فالمد هنا لازم كلمي مثقل، وإذا جاء سببان للمد فإنه يؤخذ بأقواهما دائمًا، (آلذكرين) فيها سببان للمد: السبب الأول هو مد البدل؛ لأن الهمزة سبقت حرف المد، وهذا مد ضعيف، وأقوى منه المد اللازم، فيؤتى بالمد اللازم، ويسقط مد البدل، يؤخذ بالأقوى، واللازم المخفف، اللازم الكلمي المخفف مثل (آلْآن)، (محيايْ) في حال السكون، (آنذرتهم)، (آشفقتم)، (جاء آمرنا)، (هؤلاء إن كنتم) فهذا جاء فيه حرف المد وبعده الساكن، لكن الساكن الذي بعده مخفف، فهذا لازم كلمي مخفف، واحتفظوا بالقاعدة التي قلناها، حيث جاء سببان للمد أخذ بأقواهما، (آلآن) فيها سببان للمد، مد البدل واللازم الكلمي.
وكذلك من القواعد أيضًا أنه إذا تجاور مدان في كلمة واحدة سوي بينهما للتحسين، وذلك في مثل قول الله تعالى: وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ [المائدة:2]، (ولا آمين) جاء المد المنفصل، وجاء بعده اللازم الكلمي، فاجتمعا فيساوى بينهما تحسينًا.
أما اللازم الحرفي فهو أيضًا مثقل أو مخفف، ولابد من التفريق في فواتح السور، فالذي يمد منها هو ما يجمعه قولهم: (نقص عسلكم)، هذه الحروف هي التي تمد، هي: النون، والقاف، والصاد، والعين، والسين، واللام، والكاف، والميم، ثمانية أحرف من حروف الفواتح هي التي تقبل هذا المد، وما سواها لا يمد أصلًا، إما أن يبقى لا مد فيه، وإما أن يكون مدًّا طبيعيًّا فقط، لكن ليس فيه مد لازم، فقولنا: (حي طهر)، الحاء والياء والطاء والهاء والراء، هذه لا تمد هذا المد اللازم، فالمد اللازم هنا إما أن يكون أيضًا مثقلًا، وإما أن يكون مخففًا، فإن كان بعده تشديد كان مدًّا مثقلًا، مثل: (الم)، فالإدغام الحاصل فيه لام فيها ميم، وميم فيها ميم، فاجتمع ميمان، فأدغمت الميم الأولى في الثانية، ميم لام وميم ميم؛ فلذلك جاء التشديد بعد ألف لام، فكان المد لازمًا حرفيًّا مثقلًا، لام ميم، وفيها في الواقع مدان حرفيان لازمان، أحدهما مثقل، والآخر مخفف، فالمثقل (لام) والمخفف (ميم)، كلاهما حرفي؛ لأنهما في فواتح السور، كل ما في فواتح السور فهو حرفي، لأنها ليست كلمات ذات معنى، ليست اسمًا ولا فعلًا ولا حرفًا، هي اسماء للحرف.
ف (الم) لابد من الإتيان به ولو كان ذلك؛ لأنك أنت لا تقف على كل حرف إلا وقف اختبار، وقف الاختبار لو حصل لما كان سبب المد موجودًا، هذا وقف الاختبار لو قلت: (ألف) وسكتَّ، ثم قلت: (لام) وسكتَّ، ثم قلت: (ميم) وسكتَّ، لا يكون هنا سبب للمد اللازم الكلمي المثقل في لام، لكن إذا أتيت ببقية الكلمة وجد السبب، وهي كلها حرفية لا كلمية، وكذلك (المر)، (المص)، والمخفف هو مثل: نون، سين، (طس)، (ص)، (ق)، (المص)، (الر)، وهكذا، فهذا مد لازم حرفي مخفف.
أما الذي هو بسبب الهمزة هو: الواجب، المد الواجب غير اللازم، الواجب هو: المتصل، وهو بسبب الهمزة، فالهمزة سبب لثلاثة أنواع من أنواع المد: للمد الواجب، وللمد الجائز بقسميه وهما البدل والمنفصل.
الفرق العملي بين المد الواجب والمد اللازم: أن اللازم عند بعض أهل الأداء أطول من الواجب؛ لأن كثيرًا من القراء عندهم المد المتصل أربع حركات فقط، إذا قرأت مثلا بـقالون أو قرأت بـابن كثير ستمده أربع حركات، بينما اللازم عند الجميع ست حركات، وعند ورش مثلًا، سيان لا فرق بين الواجب واللازم من ناحية العدد.
فالواجب هو المتصل مثل: (جاء)، (أولئك)، (آباؤهم)، (يضيء)، (سيء)، وهكذا، فهذا هو المد الواجب؛ لأنه متصل، فحرف المد في الكلمة التي فيها الهمزة، ولابد من أخذ المد على هيئته ووزنه بما تسمعه من الشيخ بقدره، وهذا من الأمور التي لا يمكن أن تؤخذ إلا من أفواه الرجال، لابد من أخذها من أفواه الرجال.
والجائز هو: المنفصل والبدل فكلاهما جائز، فالمنفصل إذا كان حرف المد في كلمة (بما)، والهمزة في كلمة بعدها: (بما أنزل)، قَالُوا آمَنَّا [البقرة:14]، رَبِّي أَكْرَمَنِ [الفجر:15]، لا أَعْبُدُ [الكافرون:2]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:104]، فحرف المد في كلمة، والهمزة في كلمة بعده، فهذا هو المد المنفصل، وهو جائز، وقد سبق أن الجواز اختلف فيه على قولين، قالت طائفة من أهل العلم: المقصود بالجواز هنا التخيير؛ أي: أنك مخير في حال القراءة بين المد الطبيعي والمد الزائد مطلقًا، سواء كان بالتوسط أو بالإشباع، فأنت مخير بين ثلاث حالات: إما أن تأتي به طبيعيًّا، وإما أن تأتي به متوسطًا، وإما أن تأتي به مشبعًا.
والقول الثاني هو: التخيير فقط بين اثنين، بين التوسط والإشباع، القول الثاني: التخيير فيه ليس على إطلاقه، كيف ذلك؟ لأن المأخوذ به لكل راو هو المرجع، فإذا كان الراوي له طريق بإثبات المد المنفصل وطريق بعدم المد المنفصل، فكنت تقرأ بطريق من الطرق، فلا يمكن أن تجمع معها الطريق الأخرى، مثلًا إذا قرأت بطريق عبيد بن الصباح، عن حفص، عن عاصم من طريق الشاطبية ستثبت المد المنفصل، ومن طريق طيبة النشر لن تأتي بالمد المنفصل، وكذلك قالون فله إثبات المد المنفصل وتركه:
والخلف عن قالون في المنفصل
نحو بما أنزل أو ما أخفي لعدم الهمزة حال الوقف
كما قال ابن بري، والمأخوذ به لـقالون الذي تأخذ به الإجازة هو القصر، قصر المنفصل، ومع ذلك فالمد ثابت عن قالون كالقصر.
ومن الجائز أيضًا مد البدل، وهو ما إذا جاءت الهمزة قبل حرف المد، فالمد المتصل الواجب اجتمع حرف المد وسببه في كلمة واحدة، لكن تقدم حرف المد على سببه، ومد البدل تقدمت الهمزة التي هي السبب على حرف المد، مثل (آتوا الزكاة)، (يا أيها الذين آمنوا)، (آدم) (آزر)، وهذا المد يختص به من القراء ورش، من طريق أبي يعقوب الأزرق، ولكن بشرط وهو أن لا يسبق الهمزة ساكن صحيح، فإذا تقدم على الهمزة ساكن صحيح كـ(قرآن)، (مسئولًا)، (ظمآن) فلا مد، لا يقع مد البدل حينئذ.
بعد هذا بقي من المد الجائز ما كان بسبب السكون، فالمد الجائز ذكرنا أنه إما بسبب الهمز، وهو قسمان: المنفصل، والبدل، وإما أن يكون بسبب السكون، وذلك بالسكون العارض من أجل الوقف، السكون الذي في حال واحد إذا جاء بعد حرف المد فإنه يمد، وهذا المد أيضًا جائز، فيجوز فيه أن يكون طبيعيًّا، وأن يكون متوسطًا، وأن يكون مشبعًا طويلًا، وكثير من الناس يبالغ فيه، فهذه المبالغة غير صحيحة، وبالأخص إذا تذكرنا أن بعض أهل الأداء يذكرون أنه إذا اجتمع في فواصل السورة الواحدة مد لازم كلمي ومد عارض من أجل السكون؛ فإنه يفرق بينهما، فيطال المد اللازم دون العارض، مثل سورة الرحمن، إذا قرأتها: بسم الله الرحمن الرحيم، الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [الرحمن:1-4]، وواصلت فيها بهذا القدر من المد ستصل إلى قول الله تعالى: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهمْ وَلا جَانٌّ [الرحمن:56]، فهذا مد لازم كلمي، فلابد من التفريق بينه وبين المد العارض للسكون في هذا الموضع.
فالمد الجائز دائما إما بقدر حركتين أو أربع أو ست، وترون ذلك هنا في المنفصل، وفي البدل، وفي العارض للسكون، وبالنسبة للمد اللازم دائمًا ستة- كما ترون هنا- والمد الواجب يختلف باختلاف القراء، فمنهم من يجعله ستًا ومنهم من يجعله أربعًا، بحسب القراءة التي تقرأ بها، فلابد من الرجوع فيه إلى القراءة، هنا المد الذي يحصل بسبب اللين، وهذا ليس من المدود التي يتكلم عنها أهل الأداء إلا نادرًا، وهو لبعض القراء لـورش مثلًا، فإنه إذا كان الحرف لينًا وليس حرف مد قد يمد له، مثل: (شيْء)، (ميْت)، ونحوه، (سَوْء) ظَنَّ السَّوْءِ [الفتح:6]، فهذا الحرف ليس حرف مد؛ لأن حرف المد من شرطه أن يكون ساكنًا، وأن تكون الحركة التي قبله مجانسة له، والسوء الواو هنا حرف ساكن، ولكن الحركة التي قبله فتحة، وهي غير مجانسة له، فهو حرف لين وليس حرف مد.
انتهينا إذًا من المدود، بالنسبة للمكتوب هنا، وهو المد العوضي لا نحتاج إلى الكلام فيه؛ لأنه لا أثر له، بل هو مد طبيعي.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعل ما نقوله ونسمعه حجة لنا لا علينا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
السؤال: ما معنى المد في: وَأَطَعْنَا الرَّسُولا [الأحزاب:66]؟
الجواب: هذا مد طبيعي لكن إذا وقف عليه الإنسان زاده، والمد الطبيعي هنا سببه إثبات الصحابة للألف في الرسم، وهي في الأصل اسم منصوب، وكان اللازم أن يوقف عليه بالإسكان، لأنه محلًّى بأل، ولكن الصحابة كتبوه بالألف، فيتبع فيه الرسم.
السؤال: القلب في مثل: (من بعدهم)، هل تجعل علامة القلب على النون أم على الباء؟
الجواب: أنها تجعل على النون لا على الباء، وأنبه فقط على أمر هنا، وهو أن هذه العلامة- وهي الميم- تجعل هنا فوق النون.
السؤال: ما حكم من يقرأ بالانفكاك؟
الجواب: الذي يبالغ هو لا يسمى فكاكًا، الذي يقرأ بالقلقلة بالميم إذا كانت قبل الواو أو الفاء تعمد ذلك حرام؛ لأنه من اللحن الخفي، وذلك بحق من يعرفه، أما من لا يعرفه فهو غير آثم فيه.
السؤال: هل يجوز الإظهار في (أحطت)، (بسطت)؟
الجواب: لا، إلا إذا كان ذلك للتعليم فقط.
السؤال: أود منكم ذكر الحروف الأربعة عشر التي تظهر عندها اللام القمرية، وكذلك الحروف التي تدغم عندها اللام الشمسية؟
الجواب: اللام القمرية هي التي تظهر، وذلك عند الحروف التي يجمعها (ابغ حجك وخف عقيمه)- كما سبق- وما بقي من الحروف هو الذي تدغم معه لام (أل)، وهي التي تسمى بالشمسية، مثل (الشمس)، والأخرى تسمى بالقمرية؛ لأنها في لفظ (القمر).
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر