بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، وبعد..
قال: (باب المقطوع والموصول وحكم التاء) عقد هذا الباب لما له تعلق بالوقف، وهو أن رسم الصحابة لا بد من اتباعه في الوقف، فإذا رسم الصحابة كلمتين منفصلتين بالوصل فلا يحل الوقف بينهما؛ لأن الصحابة قدروهما كالكلمة الواحدة، وكلام العرب منه ما يكون شديد الاتصال فيكون بمثابة الكلمة الواحدة كـ(أل) مع مدخولها، (أل) المعرفة مع مدخولها شديدة الاتصال؛ ولذلك يعمل العامل السابق عليها فيما بعدها فيتعداها العمل، غَيْرِ المَغْضُوبِ [الفاتحة:7]، (أل) هنا فصلت بين العامل والمعمول، وهذا يدلنا على تمام الاتصال، (فحُجة الثاني تخطي العمل)، فــ(أل) هنا حالت بين المضاف والمضاف إليه؛ لأن المضاف إليه هو المجرور آخره، وهو مجرور بالكسرة التي على آخره وهي الكسرة التي على الباء في (المغضوب)، فــ(أل) إذًا حالت بين العامل والمعمول، ونظير هذا (لله)، فــ(أل) حالت بين العامل والمعمول، مِنَ المَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى [الإسراء:1]، فــ(أل) حالت بين العامل والمعمول، فهذا النوع هو تمام الاتصال.
وتاء التأنيث، ومثلها ألف التأنيث هي في تقدير الانفصال في الأصل عن الكلمة، ومع ذلك في الرسم هي في تقدير الاتصال، ولهذا إذا جاء بعدها ضمير فإنها تكتب تاء متصلة، فتقول: (عاقبة) فإذا وصلتها بضمير قلت: (عاقبته)، فجعلتها جزءًا من الكلمة، لكنها لدى أهل النحو في تقدير الانفصال؛ ولهذا تحذف عند تكسيره وجمعه، سواء كان الجمع تكسيرًا أو تصحيحًا تحذف، كما قال ابن مالك:
وألف التانيث حيث مدا وتاؤه منفصلين عدا
فهما في تقدير الانفصال.
وهذا الباب لا مدخل للعقل فيه وإنما المرجع فيه إلى رسم الصحابة فهو نقل محض، وهو أمور نقلية المرجع فيها إلى النقل من المصحف مما رسمه الصحابة في مصاحف عثمان.
أما القواعد العربية فلا دخل لها فيه؛ لأن قاعدة الرسم في الأصل وهي القاعدة الأولى من قواعد الرسم أن الأصل أن يوافق المقروء ما يكتب، والقاعدة الثانية: الأصل انفصال كل لفظ عن آخر، والصحابة وصلوا بعض الألفاظ، لكن مع هذا فنحن نحتاج إلى التوجيه، والتوجيه هو إبداء ما ناسب، كما قال المرابط اتاه يحظيه بن عبد الودود رحمه الله، قال:
إبداء ما ناسب لا الإثبات لثابت الأحكام توجيهات
فنحن نحتاج إلى التوجيه؛ فنقول: إن بعض الكلمات تستعمل بسيطة وتستعمل مركبة، فما كان منها بسيطاً وصل، وما كان مركباً فصل، مثل: (إنما) تأتي بسيطة، فهي في الأصل حرف حصر، إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ [النساء:171]، إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ [هود:12]، وتأتي مركبة، فـ(إن) وحدها أداة توكيد و (ما) كذلك وحدها، فيكون الحرف مركباً من حرفين، وكذلك (كلما) تأتي أيضاً بسيطة وتأتي مركبة.
قال: (واعرف لمقطوع وموصول) أي: اعرف المقطوع والموصول، وأتى باللام هنا زائدة وهي لتقوية العامل، واللام الزائدة في الأصل تأتي لتقوية عامل ضعف لكونه فرعاً في العمل أو لتقدم معموله عليه، وهنا الفعل أصل في العمل ومعموله متأخر عنه، (واعرف لمقطوع وموصول) أي: لما قطعه الصحابة ففصلوه في الرسم، (وموصول) وهو ما وصله الصحابة في الرسم، ولهذا إذا سئلت: ما هو المقطوع والموصول، فتقول: المقطوع ما قطعه الصحابة من الألفاظ في الرسم، والموصول ما وصله الصحابة في الرسم.
الالفاظ القابلة للوصل والفصل إجمالاً:
والمقطوع والموصول، أي: الذي يحتمل ذلك من الألفاظ متعدد؛ فأورد المؤلف رحمه الله تعالى هنا عدداً من الحروف القابلة للوصل بغيرها، وهي: (أَنْ -بفتح الهمزة والتخفيف أي: سكون النون- وإِنْ -بكسر الهمزة والتخفيف- وأَنَّ -بفتح الهمزة والتشديد- وإِنَّ -بكسر الهمزة والتشديد- وحيث، عن، من، أم، كل، بئس، في، أين، كي، يوم، ولام الجر بعد ما ولات، كالوهم، وزنوهم، أل، هاء التنبيه، ياء النداء) ونحو ذلك، فهذه الكلمات قابلة للوصل والقطع في الأصل؛ نظراً لقلة حروفها ولشدة تعلق ما بعدها بها، فـ(أَنْ) توصل بـ(لا) فتسقط النون وتقطع عنها، وقد قطعها الصحابة عن (لا) في عشرة مواضع اتفاقاً، وفي موضع واحد على خلاف، وتدخل كذلك على (لو) وقد قطعها الصحابة عنها في ثلاثة مواضع اتفاقاً، وفي موضع واحد على الخلاف.
وتدخل على (لم)، وقد قطعها الصحابة عنها في موضعين، وتدخل على (لن) وهي مقطوعة عنها إلا في موضعين وصلهما الصحابة، فإذاً (أن) لها أربع حروف تتصل بها وهي: (لا) و (لو) و (لم) و (لن)..
أما (إن) فتدخل على ثلاثة حروف هي: (لا) و(ما) و (لم) فــ(لا) كلها موصولة معها في رسم المصحف لا تثبت قبلها النون في الرسم، و(ما) قطعها الصحابة عنها في موضع واحد و(لم) كذلك قطعوها عنها في موضع واحد.
و(أَنَّ) تدخل على (ما) وقد قطعها عنها الصحابة في موضعين اتفاقاً وفي موضع واحد على خلاف.
و(إن) تدخل على (ما) أيضاً وقد قطعها الصحابة عنها في موضع واحد اتفاقاً وفي موضع واحد أيضاً على الخلاف.
و(حيث) تدخل على (ما) وقد قطعها عنها الصحابة في موضعين فقط ووصلوها بها في البقية.
و(عن) ليست في القرآن أصلاً في غير هذين الموضعين وقد قطعهما الصحابة، وسيأتينا الخلاف أيضاً فيهما.
و(عن) تدخل على (ما) وقد قطعها عنها الصحابة في موضع واحد، وتدخل على (من) وقد قطعها عنها الصحابة في موضعين.
و(مِنْ) تدخل على (ما)، وقد قطعها الصحابة عنها في موضعين اتفاقاً وفي موضع واحد على الخلاف، وتدخل على (مَنْ) وهي موصولة معها دائماً: (ممن)، و(أم) تدخل على (من)، وقد قطعها عنها الصحابة في أربعة مواضع، وتدخل على (ما) وذلك في موضع واحد وهي موصولة، أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ [الأنعام:143].
و(كل) تدخل على ما وقد قطعها عنها الصحابة في موضع واحد اتفاقاً وفي أربعة مواضع على الخلاف.
و(بئس) تدخل على (ما)، وقد قطعها عنها الصحابة إلا في موضعين اتفاقاً، وفي موضع واحد على الخلاف.
و(في) تدخل على (ما) وقد قطعها عنها الصحابة في موضع واحد، وفي عشرة مواضع على الخلاف.
و(أين) تدخل على (ما) وقد قطعها عنها الصحابة إلا في موضعين اتفاقاً وثلاثة مواضع على الخلاف.
وإذا قلنا على الخلاف معناه خلاف المصاحف، لأن عثمان كتب له الصحابة ست مصاحف فيختلف الرسم بينها.
و(كي) تدخل على (لا) وقد قطعها عنها الصحابة إلا في أربعة مواضع، و (يوم) توصل بـ(هم) سواءً كانت مضافة إليها أو كانت مبتدأ وهي مضافة إلى الجملة، وذلك في موضعين قطعها الصحابة عنهما، ولام الجر بعد (ما) قطعها الصحابة عن مجرورها في أربعة مواضع، و(لات) لا تدخل إلا على (حين) وهي في موضع واحد في القرآن وهو محل خلاف بين القطع والوصل، و(ال) دائماً موصولة بما بعدها، و(هاء) التنبيه كذلك موصولة بما بعدها مثل: (هذا) (هؤلاء) فهي موصولة بما بعدها دائماً في الرسم، وياء النداء كذلك موصولة بما بعدها دائماً: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:104]، يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ [الانفطار:6] موصولة بما بعدها دائماً.
قال المؤلف رحمه الله: (فاقطع بعشر كلمات ألا) (أن) تقطع عن (لا) في عشر كلمات اتفاقاً وفي كلمة واحدة على خلاف، وهنا قال: (وتا في مصحف الإمام فيما قد أتى) أي: اعرف التاء التي كتبت بالتاء، تاء التأنيث التي كتبت بالتاء في مصحف الإمام، وهنا أضاف المصحف إلى الإمام، أي مصحف عثمان، ويمكن أن يكون هذا من إضافة الشيء إلى نفسه فالمصحف نفسه هو الإمام كما سبق، وإضافة الشيء إلى نفسه تحصل فيقال: مسجد الجامع، ويقال: سحق عمامة، ونحو ذلك كقول الشاعر:
فقلت انجوا عنها نجا الجلد إنه سيرضيكما منها سنام وغاربه
فالنجا هو الجلد، في مصحف الإمام فيما قد أتى، (فاقطع بعشر كلمات ألا) يقول: إن (أن) -بفتح الهمزة والتخفيف- تقطع عن (لا) في عشر كلمات اتفاقاً وفي واحدة على الخلاف، فهذه العشر ذكرها بالتشويش، أي: من غير ترتيب، فهي على ترتيب المصحف:
أولها: قوله تعالى: حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ [الأعراف:105]، أو: (حقيق عليّ أن لا أقول على الله إلا الحق) في سورة الأعراف، (أن لا) فالصحابة فصلوها أي: أثبتوا النون في رسم المصحف.
وكذلك: أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ [الأعراف:169] رسمها الصحابة بـ(أن) أيضاً فهي مفصولة في المصحف، أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ [التوبة:118] في سورة براءة، فقد رسمها الصحابة مفصولة، أي: بالنون، وكذلك: وَأَنْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [هود:14] في سورة هود، فقد رسمها الصحابة مفصولة أي: بأن، وكذلك: أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ [هود:26]؛ فقد رسمها الصحابة في سورة هود أيضاً مفصولة، وهذا احتراز من قوله: أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ [هود:2]؛ فتلك قد رسموها موصولة.
أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ [هود:2] في سورة هود جاءت مرتين:
إحداهما: أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ [هود:26]، فهذه مفصولة.
والأخرى: أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ [هود:2]، وهذه مفصولة.
والمقصود بالوصل: إسقاط النون وبالفصل: كتابة النون، كذلك: أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا [الحج:26]، في سورة الحج، فقد فصلها الصحابة، وكذلك: أ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ [يس:60]، في سورة يس، فقد فصلها الصحابة، وكذلك: وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ [الدخان:19]، في سورة الدخان؛ فقد فصلها الصحابة، وذلك احتراز من قوله: أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ [النمل:31]، في سورة النمل؛ فهي موصولة، كذلك: أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا [الممتحنة:12]، في سورة الممتحنة، (أن لا يشركن) فهي مفصولة.
كذلك: أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ [القلم:24]، في سورة القلم؛ فهي كذلك مفصولة، والخلاف هو في موضع واحد وهو في سورة الأنبياء وهو: فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ [الأنبياء:87]، فقد اختلف هل هي موصولة أو مفصولة، ذكر هذه المواضع بالتشويش فقال: (فاقطع بعشر كلمات ألا مع ملجأ) أي: أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ [التوبة:118]، وهي في سورة التوبة، و(لا إله إلا) يقصد بذلك: فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87]..
وهي التي فيها الخلاف، لكن و (أن لا إله إلا هو) محل اتفاق، وهو المقصود هنا، قوله: (ولا إله إلا هو) في سورة هود: وَأَنْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [هود:14]؛ فهذه مفصولة بالاتفاق، و (تعبدوا يس)، أي: أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ [يس:60] في سورة يس، أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ [يس:60] فهي مفصولة.
(ثاني هود) أي: الثانية في هود وهي: أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ [هود:26]؛ فهي مفصولة وهي احتراز من الأولى في هود وهي: أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ [هود:2]؛ فهي موصولة، (ثاني هود لا يشركن) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا [الممتحنة:12] في سورة الممتحنة؛ فهي مفصولة، (تشرك) أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [الحج:26] في سورة الحج؛ فهي مفصولة، (يَدْخُلَنْ) أي: يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ [القلم:24]، أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ [القلم:24] في سورة (ن) فهي مفصولة كذلك، وهنا اكتفى هو ببعض الكلمة، هذا اكتفاء كان الأصل أن يذكر الكلمة كما هي في القرآن وقد اكتفى فذكر بعضها ليدل عليها..
(تعلوا على) وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ [الدخان:19] في سورة الدخان؛ فهي كذلك مفصولة لا خلاف فيها، (أن لا تقولوا) أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ [الأعراف:169] في سورة الأعراف، (لا أقولَ) يقصد: حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ [الأعراف:105]، (لا أقول) صححوا الشكل هنا.
أن لا يقولوا لا أقول إما بالرعد والمفتوح أصل وعم
انتهى من أن المفتوحة في هذا الموضع، وإن كان لم يستوعب مواضعها فهي أربعة، الموضع الأول: مع (لا) وهذا الذي ذكرناه وهو أحد عشر موضعاً، عشر منها محل اتفاق وواحدة محل خلاف، والتي هي محل خلاف هي التي في سورة الأنبياء، وهي قوله: فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87]، فهذه هي التي محل خلاف، هي التي اختلف فيها، اختلفت فيها المصاحف، وما عدا ذلك موصول كله، وهو مثل قوله تعالى: أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [النجم:38] بالنجم، ومثل قوله: أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ [النمل:31] بالنمل، فهذه كلها موصولة.
ثم بعد هذا قال: (إما بالرعد) كذلك (إن) فإنها مفصولة عن (ما) فتقطع عنها في الرعد وذلك في موضع واحد في سورة الرعد، وهو قول الله تعالى: وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ [الرعد:40]، فهي في هذا الموضع مفصولة، أي: أثبتت النون في الرسم، وما عدا هذا الموضع فهي موصولة فيه، وذلك مثل قوله تعالى: وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ [يونس:46] في سورة يونس، وكذلك، وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ [الأنفال:58]، في سورة الأنفال؛ فهي حينئذ موصولة، صححوا الشكل هنا، قال: (إما بالرعد والمفتوح صل) يقول: إن (أن) إذا جاءت بعدها (ما) فهي موصولة لكن لم يرد ذلك في القرآن، وهو هنا حصل غلط في دخول (أم) على (ما) فالتبست عليه (أن) و(أم)، فالمفتوحة هي (أم) وليست (أن) لكن بما أنها مدغمة فيما بعدها، ومن المعلوم أن النون إذا ادغمت في الميم صارت ميماً التبس عليه الأمر فقال: (والمفتوح صل) وهو قوله: قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ [الأنعام:143]، فأصلها: (أمْ مَا اشتملت عليه أرحام الأنثيين) فاجتمعت الميم الساكنة من (أم) والميم المحركة من (ما) فوجب الادغام فقيل: أمَّا اشتملت عليه أرحام الأنثيين، وهذه ليس فيها (أن) أصلاً؛ فهي من المواضع التي وصلت فيها (أم) بـ(ما) وقد ذكرنا أن (أم) توصل بـ(من) وتوصل بـ(ما) وصلها بـ(ما) في موضع واحد، فهو قصد هو أنها إذا دخلت على ما توصل بها، وهذا غلط فهي غير موجودة في القرآن أصلاً، هو أراد أن ينبهك على أن قوله تعالى: أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ [الأنعام:143]، موصولة، لكن هذه ليست من (أن) هذه (أم)، فلا يوجد في القرآن (أنْ مَا)، وليس الغلط منه هو وحده، بل أكثر كتب التجويد كذلك، أكثر كتب التجويد تقول بالنص: فإن كانت مفتوحة الهمزة فهي موصولة كذلك نحو: (أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ [الأنعام:143] في سورة الأنعام، لكن هذا غلط.
(عما نهوا اقطعوا) يقول: إن (عن) تقطع عن (ما) في موضع واحد وهو قوله تعالى: عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ [الأعراف:166] في سورة الأعراف، فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ [الأعراف:166]، فهي مقطوعة، وما عدا ذلك فموصول، مثل قوله تعالى: عَمَّا يُشْرِكُونَ [الأعراف:190].
(مما بروم والنسا خلف المنافقين) يقول: إن (من) وقد خرجنا إليها تقطع عن (ما) في موضعين اتفاقاً وفي موضع واحد على الخلاف، فالموضعان اللذان تقطع فيهما (من) عن (ما) في سورة الروم وفي سورة النساء، والموضع المختلف فيه في سورة المنافقون، فالموضعان المتفق على قطع (من) عن (ما) هما قوله: فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ المُؤْمِنَاتِ [النساء:25]، في سورة النساء، وقوله: هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ [الروم:28]، في سورة الروم، ويسهل ضبط ذلك لأنه كله مع (ما ملكت أيمانكم) التي في سورة النساء: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ المُؤْمِنَاتِ [النساء:25]، فهي مقطوعة، والثانية أيضاً هي في سورة الروم وهي قوله: هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ [الروم:28]، فهي مقطوعة، ووقع الخلاف في موضع واحد وهو الذي أشار إليه بقوله: (خلف المنافقين) أي: الخلاف في الموضع الذي في سورة المنافقون، وهو قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ [المنافقون:9-10] (من ما) فيها خلاف في المصاحف، فبعض المصاحف وصلت فيه، وبعضها فصلت، والفصل هو بإثبات النون..
قال: وما سوى ذلك فالعمل فيه على القطع، إثبات النون، وما عدا ذلك فهو موصول نحو: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [البقرة:3] في سورة البقرة مثلاً وغيره فهذا موصول.
ثم بعد هذا قال: (أمن أسسا) (أم) تتصل بـ(مَنْ) فتقطع عنها في أربعة مواضع:
الموضع الأول أشار إليه بقوله: (أم) تتصل بـ(من) فتقطع عنها في أربعة مواضع:
الموضع الأول في ترتيب المصحف هو قوله: أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا [النساء:109] في سورة النساء.
والموضع الثاني: (أم من أُسس بنيانه) أو: أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ [التوبة:109] في سورة التوبة وسيان (أَسَّس) أو (أُسِّس) فهما قراءتان سبعيتان.
والموضع الثالث: أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ [فصلت:40] في سورة فصلت..
الموضع الرابع: أَمْ مَنْ خَلَقْنَا [الصافات:11] في سورة الصافات.
هذه أربعة مواضع أشار إليها بذكر السور فقال: (أمن أسسا) وهذه لا يحتاج إلى ذكر سورتها لأنها موضع واحد في سورة التوبة.
ثم قال: (فصلت النساء وذبح) أي: التي في سورة فصلت أيضاً، وهي قوله تعالى: أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ [فصلت:40]، ثم بعد ذلك قال: النساء وهي قوله تعالى: أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا [النساء:109]، ثم قال: (وذبح) أي: في سورة الذبيح وهي سورة الصافات وهي فيها ذكر قصة الذبيح، فتسمى سورة الذبيح وسورة الذبح، فالفعل فعل بمعنى مفعول، وذلك في قوله تعالى: أَمْ مَنْ خَلَقْنَا [الصافات:11]، وما عدا ذلك فموصول مثل قوله تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ المُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62].
(حيثما) ذكر أن (حيث) فصلها الصحابة عن (ما) في موضعين وهما في سورة البقرة وهما قوله تعالى: وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة:144]، وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ [البقرة:150] فهي في الموضعين مفصولة، أي: (ما) مفصولة عن (حيث) فلهذا قال: (حيثما) واقتصر على ذلك لأنها لم ترد إلا في هذين المكانين وقد فصلها الصحابة فيهما، فلا إشكال إذاً.
ثم بعد هذا قال: (وأنْ لم المفتوح) يقصد أن (أن) المفتوحة توصل بـ(لم) فتتصل بـ(لم) فتفصل عنها في موضعين، فـ(أن) المفتوحة تفصل عن (لم) في موضعين وهما: أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ [البلد:7] في سورة البلد، والأخرى: ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ [الأنعام:131]، هذان موضعان فقط تفصل فيهما، قال: (وأن لم المفتوح) أي: وتقطع (أن) المفتوحة الهمزة عن (لم) وذلك في الموضعين السابقين.
ثم قال: كسر (إنما).. وهنا بالنسبة لـ(إنْ) المكسورة فإنها أيضاً توصل بها في موضع واحد، وهو: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ [القصص:50] وتقطع عنها فيما سوى ذلك من المواضع نحو: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24]، (إن لم تفعلوا) مقطوعة، (إن لم يستجيبوا لكم) موصولة، والمؤلف إذا أطلق فمعنى هذا أنه في كل القرآن كذلك، فعندما قال: و (أن لم المفتوحة) معناه: حيث وجدت في القرآن.
(كسر إنما الانعام) يقول: إن (إن) المكسورة تفصل عن (ما) الموصولة في موضع واحد بلا خلاف وهو في سورة الأنعام، وهو قول الله: إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [الأنعام:134]، وتفصل كذلك في موضع آخر على الخلاف، وهو قوله تعالى: إِنَّمَا عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [النحل:95] في سورة النحل، ففيها خلاف بين الوصل والقطع، وما عدا ذلك فهي موصولة بلا خلاف، كقوله تعالى: إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ [طه:69]، ومثل قوله تعالى: إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ [النساء:171]، وقوله تعالى: إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ [المرسلات:7] التي في سورة المرسلات، وكذلك التي في سورة الذاريات: إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ [الذاريات:5] فكلها موصولة، فالمفصولة إذاً هي: إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ [الأنعام:134] في سورة الأنعام، هذه محل اتفاق، والمختلف فيه أيضاً هو موضع واحد وهو: إِنَّمَا عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [النحل:95] في سورة النحل، فلهذا قال: (إنما الانعام والمفتوح يدعون معا) والمفتوح أي: إن (أن) المفتوحة المشددة تقطع عن (ما) في موضعين بلا خلاف، وفي موضع آخر بالخلاف، فالموضعان هما المشار إليهما بقوله: (يدعون معا) أي: يدعون مرتين وذلك في قوله تعالى: وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62] في الحج، وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ [لقمان:30]، هذه تقطع بلا خلاف، والتي فيها خلاف هي قوله: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ [الأنفال:41] في سورة الأنفال، فهي محل خلاف والعمل فيها على الوصل، وما عدا ذلك كله موصول كقوله تعالى: فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ المُبِينُ [المائدة:92]..
والراجح في قوله: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ [الأنفال:41] الوصل، لكن هي الموضع الوحيد الذي فيه خلاف، فلذلك قال: (والمفتوح) أي: اقطع المفتوح وهو (أنَّ) عن (ما) وذلك في موضعين اتفاقا (وهما يدعون معا) أي: يدعون مرتين: وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62]، وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ [لقمان:30]، وخلف الأنفال وهو قوله: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ [الأنفال:41] فهذا الخلاف في سورة الأنفال..
(ونحل وقعا) كذلك الخلاف السابق الذي قد ذكرناه نحن من قبل، وهو الخلاف في سورة النحل في (إنما) المكسورة، وهو قوله: إِنَّمَا عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [النحل:95] ذكره هنا من باب جمع النظائر، فأخره عن موضعه، وأتى به هنا، فذكر محل الاتفاق من (إِنَّ) و (أَنَّ) وذكر محل الخلاف منهما، فهذا ليس من (أن) المفتوحة بل هو من (إن) المكسورة..
والمأخوذ به في النحل: إِنَّمَا عِنْدَ اللهِ [النحل:95] الوصل، فلذلك قال: (وخلف الانفال ونحل وقعا) لكن لابد أن نميز بين الخلف الذي في الأنفال فهو في (أن) بالفتح، و (نحل) الذي في النحل وهو في (إن) بالكسر، (خلف الانفال ونحل وقعا).
(وكل ما سألتموه) انتقل إلى (كل) فذكر أنها تتصل بـ(ما)، فتقطع عنها في موضع واحد بلا خلاف وهو: وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ [إبراهيم:34] فيجوز أن تقول: (وكلِّ ما سألتموه) لأنها كذلك في القرآن على الحكاية، وأن تقول: (وكل ما سألتموه) أي: اقطع (كل) عن (ما) في قوله تعالى: مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ [إبراهيم:34]، وذلك في سورة إبراهيم.
ووقع الخلاف في أربعة مواضع، والعمل فيها على الوصل، وهي المشار إليها بقوله:
واختلف ردوا كذا قل بئسما والوصل صف
كُلَّ مَا رُدُّوا [النساء:91]) في سورة النساء، وكذلك: كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا [الأعراف:38] في سورة الأعراف، كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا [المؤمنون:44] في سورة المؤمنون، كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ [الملك:8] في سورة الملك، هذه كلها محل خلاف، وما عدا هذه الخمسة، فهو موصول بالاتفاق نحو: كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا [البقرة:25] فلذلك قال:
وكلما سألتموه واختلف ردوا كذا قل بيسما
قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة:93]، ترك هو الأخريات، ذكر هو موضعاً واحداً وترك الثلاث الأخر وهي: كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا [الأعراف:38]، كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ [المؤمنون:44]، كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ [الملك:8]، فهذه المواضع هي محل الخلاف.
والباقي موصول مثل قوله تعالى: كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ [البقرة:25]؛ فهي موصولة اتفاقاً..
والمختلف فيها كلها العمل فيها على الوصل، واحدة ليست محل خلاف أصلاً وهي متفق على القطع فيها، وهي: وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ [إبراهيم:34].
ثم قال بعد هذا: (قل بيسما والوصل صف) يقول: إن (بيس) تدخل على (ما) وهي مقطوعة عنها إلا في موضعين اتفاقاً وموضع على الخلاف، فتقطع (بيس) عن (ما) في جميع المواضع ما عدا موضعين فبالوصل، وهذان الموضعان هما: بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ [البقرة:90] في سورة البقرة، وكذلك: بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي [الأعراف:150] في سورة الأعراف، ووقع الخلاف في موضع واحد وهو الذي أشار إليه بقوله: (قل بيسما) هو قوله: قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ [البقرة:93]وهو الموضع الثاني في سورة البقرة، فالموضع الأول: بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ [البقرة:90]، وهو بالوصل، والموضع الثاني في سورة البقرة وهو: قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ [البقرة:93] محل خلاف، والراجح فيه الوصل، فلذلك قال: (قل بيسما والوصل صف) أي: الوصل في ذلك أرجح في هذا الموضع الذي اختلف فيه، لكن (خلفتموني) و(اشتروا) كلاهما ليس فيه إلا الوصل، بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ [البقرة:90]، بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي [الأعراف:150] في سورة الأعراف، فهذان الموضعان ليس فيهما إلا الوصل، فلذلك قال: (والوصل صف) (خلفتموني) و (اشتروا).
ثم بعد هذا انتقل إلى (في) فقال: إنها تدخل على (ما) فتقطع عنها في موضع واحد اتفاقاً وفي عشرة مواضع على الخلاف..
هذا الباب كله هو والذي يليه كلاهما المرجع فيهما إلى النقل المحض، فلا يحتاج إلى إعمال عقل، وبذلك إذا حفظ الإنسان هذه الأبيات وتذكر معانيها يكفيه هذا.
ثم بعد هذا قال: (في ما اقطعا) يقول: إن (في) تقطع عن (ما) في موضع واحد بلا خلاف، وهو: أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ [الشعراء:146] في سورة الشعراء، فهي مقطوعة بلا خلاف، ووقع الخلاف في عشرة مواضع والعمل فيها على القطع، وهي قوله تعالى: فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ [البقرة:240]، وهي الموضع الثاني في سورة البقرة، وكذلك: فِي مَا آتَاكُمْ [المائدة:48]، وذلك في موضعين، وقد أشار إليهما بقوله: (يبلو معا) لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ [الأنعام:165]، وذلك في موضعين: في سورة الأنعام، في آخر آية منها، وفي سورة المائدة أيضاً: لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [المائدة:48]، لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ [الأنعام:165]، فالتي فيها (فاستبقوا الخيرات) في سورة المائدة، والأخرى في آخر آية في سورة الأنعام، وكذلك في (ما أوحي) قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا [الأنعام:145] في سورة الأنعام فيها خلاف أيضاً، وكذلك: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ [الأنبياء:101-102] (في ما اشتهت أنفسهم) بالأنبياء فيها خلاف، كذلك: فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:14] في سورة النور فيها خلاف، كذلك في قوله: فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ [الروم:28] في سورة الروم، كذلك في قوله: فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [البقرة:113] مرتين فيما كانوا، فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [البقرة:113]، (فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [الزمر:3] في سورة الزمر، كلاهما فيها خلاف، كذلك: فِي مَا لا تَعْلَمُونَ [الواقعة:61] في سورة الواقعة، وهذه المواضع أشار إليها جميعاً بالاختصار فقال: (فيما اقطعا أوحي) أي: قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ [الأنعام:145] في سورة الأنعام، (أفضتم) أي: فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ [النور:14] في سورة النور، (اشتهت) فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ [الأنبياء:102] في سورة الأنبياء، (يبلو معا) أي: لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ [المائدة:48] (في ما آتاكم) موضعان في سورة المائدة وفي سورة الأنعام، (ثاني فعلن) أي: الثاني في سورة البقرة في قوله: فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ [البقرة:240]، والأخرى: فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالمَعْرُوفِ [البقرة:234]، (من معروف) هي التي فيها الخلاف، (ثاني فعلن كذلك في وقعت) أي: في سورة الواقعة، يشير هنا بقوله (وقعت) إلى التي في سورة الواقعة وهي قوله: وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ [الواقعة:61]، فهي محل خلاف ولذلك قال: (وقعت روم) أي: في موضع واحد في سورة الروم وهو قوله: فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ [الروم:28] (كلا) تنزيل أي في الموضعين في سورة تنزيل، أي: في سورة الزمر، وهما قوله: فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [الزمر:3]وقوله: فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [الزمر:46] هذان موضعان في سورة تنزيل، أي: في سورة الزمر، وكلاهما محل خلاف، (كلا تنزيل) أي: الموضعان في سورة تنزيل، هنا غلط في الطباعة صححوه (تنزيل ظلة وغيرها صلا) ظلة أي: سورة الشعراء فهي سورة الظلة، (تنزيل ظلة وغيرها صلا)، شُعرا غير موزونة، (تنزيل ظلة وغيرها صلا) ظلة، أي: سورة الظلة وهي سورة الشعراء، وهذا يدلنا على ما ذكرناه سابقاً أن بعض المناطق تلتبس عليها الظاء بالغين، سورة الظلة هي سورة الشعراء، الكلمة التي في سورة الشعراء هي: أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ [الشعراء:146]، وهي التي لا خلاف فيها، فهي محل اتفاق لكن ذكرها المؤلف هنا بل ذكر الجميع على أنها مقطوعة، لكن عشر منها محل خلاف وواحدة متفق عليها، وهذه المتفق عليها هي آخر ما ذكر، لأنه قال: (ظلة وغيرها صلا) أي: غير هذه المواضع وهي أحد عشر موضعا غيرها توصل فيه (في) بـ(ما) باتفاق، وذلك مثل قوله تعالى: فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالمَعْرُوفِ [البقرة:234] في سورة البقرة، ومثل قوله: فِيمَا أَخَذْتُمْ [الأنفال:68]. في سورة الأنفال، في قوله تعالى: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [الأنفال:67-68]، (فيما أخذتم) فهي موصولة بالاتفاق..
ثم بعد هذا قال: (فأينما كالنحل صل) (أين) تدخل على (ما) وتقطع عنها في جميع المواضع في القرآن ما عدا موضعين فبالوصل اتفاقاً، وثلاثة مواضع محل خلاف، فالموضعان اللذان توصل فيهما بالاتفاق أشار إليهما بقوله: (فأينما) يقصد: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ [البقرة:115] وذلك في سورة البقرة، كذلك: أَيْنَمَا يُوَجِّهُّ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ [النحل:76] في سورة النحل؛ فهذان الموضعان محل اتفاق، ووقع الخلاف في ثلاثة مواضع والأكثر القطع، وهي أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ المَوْتُ [النساء:78]في سورة النساء، أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ [الشعراء:92] في سورة الشعراء، أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا [الأحزاب:61] في سورة الأحزاب، وهذه كما ترون واحدة منها يتضح فيها القطع، فـ(أين ما كنتم تعبدون) (أين) هنا استفهام (ما كنتم تعبدون) أي: الذي كنتم تعبدون؛ فهي منفصلة تماماً من ناحية المعنى..
و أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ المَوْتُ [النساء:78]فيها خلاف، والقطع أكثر، هذه في سورة النساء، والأكثر فيها القطع، و أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ [الشعراء:92] في سورة الشعراء، والأكثر فيها القطع، و أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا [الأحزاب:61] في سورة الأحزاب، والأكثر فيها القطع..
والباقي مقطوع، مثل: أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعًا [البقرة:148] فهي مقطوعة اتفاقاً، فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ [البقرة:115]، أَيْنَمَا يُوَجِّهُّ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ [النحل:76] موصولتان بالاتفاق، فلذلك قال: (فأينما كالنحل) ويشير بالكاف هنا إلى إدخال التي في البقرة أيضاً، فـ(أينما) هذه فيها الفاء، وهي متعينة وهي التي في البقرة فليس في غيرها الفاء، (كالنحل) أي: كالتي في النحل فهي موصولة أيضاً وهي قوله: أَيْنَمَا يُوَجِّهُّ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ [النحل:76]، (ومختلف في الشعرا الأحزاب والنسا) أي: في هذه المواضع الثلاثة الموضع الذي في الشعراء، وهو قوله: أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ [الشعراء:92]، والأحزاب وهو قوله: أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا [الأحزاب:61]، والنساء وهو قوله: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ المَوْتُ [النساء:78]؛ فهذه المواضع الثلاثة محل خلاف، فلذلك قال: (ومختلف في الشعرا الأحزاب والنسا)..
ثم قال: (وصل فإلم هود) يقول: إن رجعنا إلى (إن) بالكسر والتخفيف، وقد سبق أنها توصل مع (لم) في موضع واحد؛ فلذلك قال: (وصل فإن لم هود) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللهِ [هود:14]؛ فهذه موصولة، (وصل فإن لم هود).
هي إذا وصلت، معناه: أن النون تسقط، إذا أثبتت النون معناه: انقطع، (أن لن اجعلا) كذلك (أن) وهي أول حرف ذكرناه، فهي موصولة مع (لن) إلا في موضعين أشار إليهما بقوله: (أن لن نجعلا أن لن نجمع) أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ [القيامة:3] وكذلك: أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا [الكهف:48] في سورة الكهف، و أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ [القيامة:3] في سورة القيامة، وبهذا يعلم أن (أنْ) تقطع عن (لن) في جميع مواضع القرآن مثل: أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالمُؤْمِنُونَ [الفتح:12] فالنون مثبتة في الرسم ما عدا موضعين فهما بالوصل وهما قوله: أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا [الكهف:48] في سورة الكهف، (نجمع) أي: أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ [القيامة:3] وذلك في سورة القيامة؛ فهذان قال: (أن لا نجعلا نجمع) فهذان الموضعان توصل فيهما (أنْ) بـ(لَنْ).
(كي لا تحزنوا) أشار هنا إلى أن (كي) تدخل على (لا) وأنها تقطع عنها في جميع المواضع في القرآن إلا أربعة مواضع فهي بالوصل، فالأصل قطعها عنها مثل: كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ [الحشر:7] في سورة الحشر فهي مقطوعة، والمواضع الأربعة التي توصل فيها هي قوله تعالى: لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ [آل عمران:153] بسورة آل عمران، وقوله تعالى: لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا [الحج:5] في سورة الحج..
وكذلك: لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ [الأحزاب:50] في الموضع الثاني من سورة الأحزاب، وكذلك: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ [الحديد:23] في سورة الحديد؛ فهذه أربعة مواضع توصل فيها، فالأصل قطعها مطلقاً، الأصل قطعها مثل: كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ [الحشر:7]، والمواضع التي توصل فيها كلها مع اللام، كلها (لكي) (لكيلا تحزنوا على ما فاتكم)، (لكيلا تأسوا على ما فاتكم) وكذلك: (لكي لا يعلم من بعد علم شيئاً) وكذلك: (لكيلا يكون عليك حرج) فلذلك إذا كانت مع اللام كما في هذه المواضع الأربعة فهي موصولة والأصل قطعها..
فلذلك قال: (لكي لا تحزنوا تأسوا على) فهذه توصل: (لكيلا تحزنوا على ما فاتكم)، (لكيلا تأسوا على ما فاتكم) وكذلك: (لكي لا يعلم من بعد علم شيئاً) وكذلك: (لكيلا يكون عليك حرج) فلذلك قال: (حج عليك) أي: التي في سورة الحج وهي لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا [الحج:5]، والتي مع: عليك هي في سورة الأحزاب وهي: لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ [الأحزاب:50]..
ثم بعد هذا قال: (وقطعهم عمن يشاء من تولى) يقول: إن (عن) تقطع عن (من) في موضعين ولا يوجد غيرهما وهما قوله تعالى: وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ [النور:43] في سورة النور، وقوله تعالى: فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا [النجم:29] في سورة النجم، فهذان الموضعان تقطع فيهما (عن) عن (من) وقد سبق أنها تقطع عن (ما) في موضع واحد..
في سورة النجم: فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [النجم:29]، وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ [النور:43]، فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ [النور:43]..
ثم بعد هذا قال: (عن من يشاء من تولى) أي: يصفه عن من يشاء، فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا [النجم:29] (يوم هم) أي: تقطع (يوم) عن (هم) وذلك في موضعين، وأحدهما هي مضافة إلى (هم) والموضع الثاني هي فيه مضافة إلى الجملة و (هم) مبتدأ، يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ [غافر:16]، يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ [الذاريات:13]، يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ [غافر:16] مقطوعة في الموضعين، يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ [غافر:16] هنا مضافة إلى (هم) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ [الذاريات:13] مضافة إلى الجملة، فتقطع عن (هم) في هذين الموضعين، أما ما سوى ذلك فهي موصولة وذلك مثل قوله: يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ [المعارج:42] في سورة المعارج، فهي موصولة..
يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ [غافر:16] في سورة غافر، يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ [الذاريات:13] في سورة الذاريات، وما سوى ذلك موصول، يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ [غافر:16] في سورة غافر، يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ [الذاريات:13] في سورة الذاريات، كلاهما تفصل فيها (يوم) عن (ههم) وباقيها توصل، مثل: يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ [المعارج:42].
ثم بعد هذا قال: (ومال هذا والذين هؤلاء) أشار إلى أن لام الجر بعد (ما) الاستفهامية تفصل عن مجرورها أي: تقطع عنه في أربعة مواضع، وأشار إلى هذه المواضع الأربعة فقال: (مال هذا) وذلك موضعان، الأول قوله: مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً [الكهف:49] في سورة الكهف، والثاني: مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ [الفرقان:7] في سورة الفرقان، تقطع في (مال هذا) وهي.. في موضعين: (مال هذا الكتاب) و (مال هذا الرسول) لهذا قال: (مال لهذا) (والذين) أي: فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ [المعارج:36] في سورة المعارج، ثم قال: (هؤلاء) أي: فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا [النساء:78] في سورة النساء فهي أيضاً مقطوعة، فإذاً تقطع اللام عن مجرورها بعد (ما) الاستفهامية في أربعة مواضع:
الموضع الأول: مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [الكهف:49] في سورة الكهف، مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ [الفرقان:7] في سورة الفرقان، فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا [النساء:78]، في سورة النساء، فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ [المعارج:36] في سورة المعارج، أما ما سوى ذلك فهي موصولة مثل: وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى [الليل:19] ومثل قوله: وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [الحج:71]، فهي موصولة.
ثم قال: (تحين في الإمام صل ووهلا) يقول: إن (لات) وصلت بـ(حين) وهي محل خلاف، ولا يوجد في المصحف إلا موضع واحد من هذا وهو في سورة ص، وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ [ص:3]، وهي محل خلاف، فقيل بالوصل فيها، وقيل بالقطع .. قولان، وقول الوصل ضعيف.
وهي موضع واحد في القرآن وهو هنا قال: (تحين) فالكلمة في الأصل (لات حين) ولكن من لغات العرب أن يقولوا: (تحين) بمعنى: لات حين، وليست في القرآن، الذي في القرآن هو: (لات حين) وهو هنا أشار إلى لغة من لغات العرب وهي (تحين)..
(لات) النحوية فيها خلاف هل هي حرف بسيط أو مركب، فقيل: هي حرف بسيط (لات) كلها، وقيل: حرف مركب من (لا) والتاء، المستقلة التي هي بداية كلمة أخرى، وهي مختصة بـ(حين) فقط، وهي مختصة بـ(حين) فقط، ولا تعمل إلا في (حين) أو ما يشبهها وهو (هَنَّا) فقط.
قال ابن مالك: وما للات في سوى حين عمل..
حنت نواري ولات هنا حنتي وبدا الذي كانت نوار أجنت
فلذلك قال: (تحين في الإمام صل ووهلا) أي: إن الراجح فيها القطع.
(ووزنوهم وكالوهم صل) كذلك يوصل أيضاً الضمير بالفعل في قوله: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [المطففين:1-3]؛ فالضمير هنا يوصل بالفعل، وفائدة هذا الوصل أنه ليس بينهما ألف فقط؛ لأن معنى الوصل هنا أنه لا ألف بعد الواو، واو الجمع هنا ليس بعدها ألف، فـ (كالوهم) (وزنوهم) ليس بعدها ألف في رسم المصحف؛ فلذلك قال: (ووزنوهم وكالوهم صل) كذلك الوصل من (أل) فهي في كل القرآن موصولة بمعرفها، (أل) المعرفة موصولة بالاسم الذي تعرفه في كل القرآن.
وكذلك (ها) التنبيه وهي موصولة أيضاً بـ(ذا) و (أولاء) في كل القرآن، و(هؤلاء) و(هذا) موصولة في كل القرآن وكذلك ياء النداء موصولة في كل موضع من القرآن أيضاً، فـ(يأيها الذين آمنوا)، (يأيها الإنسان)، (يا أيها الإنسان) ونحو ذلك كلها موصولة، ومثل ذلك: (ربما) و (نعما) و (مهما) و (يومئذ) مهما أصلاً لا يحتاج إلى ذكرها في مثل هذا النوع لأنها حرف بسيط.
كذلك (يومئذ) موصولة في القرآن كله، وكذلك (كأنما) وكذلك (ويكأن) وكذلك (حينئذ) فكلها موصولة، كلها موصولة في القرآن.
إذاً انتهينا من هذا الباب وكما رأيتم كله نقلي، يقتصر فيه على رسم الصحابة.
وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر