إسلام ويب

مقدمات في العلوم الشرعية [15]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • علم العلل، من أنواع علوم السنة، والمقصود به ما يعتري الحديث مما ينقص حجيته أو يضعف روايته مما فيه خفاء وستر، ومن الذين اشتهروا بالحديث في علم العلل الإمام يحيى بن سعيد القطان، وشعبة بن الحجاج، وعلم العلل يعتبر قمة ما وصل إليه المحدثون في الدقة؛ فتعلمه فرض كفاية على الأمة، وهو مستمد من علوم الحديث رواية ودراية، ومن علم الجرح والتعديل، وفائدته أنه به ينكشف الزيغ والكذب، وبه يذب عن السنة، وبه يعرف تاريخ أعلام الأمة ومشاهيرها، ويقتدى بهؤلاء ويتبعون.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    فقد تكلمنا عن العلل المتعلقة بالمتن والسند، ونذكر الآن القواعد العشر.

    أما اسم هذا العلم فهو علم العلل، وهذا الاسم جمع (علة) والعلة ما يغير حال الشيء، وتطلق على المرض، والمقصود بذلك ما يعتري الحديث مما ينقص حجيته أو يضعف روايته مما فيه خفاء وستر، وهذا الخفاء إما أن يكون في الإسناد مثلاً مثل التدليس أو السقط في المتعاصرين، سقط في نفس الطبقة أو التدليس كذلك، أو الانقطاع الخفي الذي يقع كثيراً، أو الاضطراب؛ كأن يحدث به في البلد الفلاني عن فلان عن فلان ويحدث به في بلد آخر بإسناد آخر، أو يسمي الشيخ باسم ويسميه بمكان آخر باسم آخر، هذا نوع الاضطراب، أو الاضطراب في المتن، بأسلوبه بالصيغ المتنافية.

    وهذا النوع من العلل اضطراب الإسناد والاضطراب المتن ونحوهما قد يعتبر علة وقد لا يعتبر، مثلاً إذا كان الاضطراب في المتن لا يقتضي اختلافاً في المعنى وإنما هو اختلاف في اللفظ فقط، فهذا ليس علة مثل حديث: ( ثلاث من كن فيه ذاق بهن حلاوة الإيمان.. )، و: ( نال بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.. )، وفي رواية: ( من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء.. )، أو: ( العبد لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر.. )، أو: ( إن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقع في النار )، أو: ( يرمى به في النار )، هذه كلها ألفاظ في الصحيح، وهذا النوع لا يضعف الحديث لأنها متقاربة المعنى ولا تغيره، لا تؤثر شيئاً

    ومثل ذلك الاضطراب في صيغ الأداء، مثل أن يأتي في البخاري بالحديث في باب فيقول فيه: حدثنا، وفي موضع آخر فيقول: حدثني أو أخبرنا، وهذا النوع ليس اضطراباً في صيغ الأداء لأن معناها أنه هو لا يميز بين هذه الصيغ، وهذا اصطلاحه، ومثل ذلك ما لو قال مسلم: وقال مرة حدثنا، أي أنه عرف أنه سمع هذا الحديث، مثلاً إذا قال: عن فلان، هذا يمكن أن يحمل على التدليس، على عدم السماع، بالعنعنة، لكن إذا قال: قال مرة حدثنا، فمعناه أنه جزم فيه بالسماع.

    كذلك يذكرون أن الحديث الذي وجدت له علة وكان مخرجاً في الصحيحين أو أحدهما فرواية الصحيحين قاضية على غيرها، مثلاً لو حصل الاضطراب في حديث في الإسناد أو في المتن، وكان الحديث مثلاً له رواية في الصحيح فتلك الرواية التي في الصحيح قاضية على الاضطراب الذي في غير الصحيح، مثل حديث أبي هريرة في ولوغ الكلب، هذا الحديث أخرجه مالك في الموطأ والبخاري في الصحيح بلفظ: ( إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً )، وأخرجه مسلم كذلك في الصحيح من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً إحداهن بالتراب )، فأتى مسلم بزيادة (إحداهن بالتراب) وبلفظ (ولغ) وفي البخاري والموطأ (شرب) وأتى مسلم كذلك بلفظ: (فليرقه)..

    وأما حديث ابن المغفل ( وعفروه الثامنة بالتراب )، هذا حديث عبد الله بن المغفل، في صحيح مسلم، ليس في البخاري ولا في الموطأ، والمشكلة في زيادة إحداهن بالتراب ... كلها، هذه انفرد بها عن أبي هريرة أبو صالح السمان، ولم يروها أحد من أصحاب أبي هريرة سواه، وانفرد بها عن أبي صالح السمان الأعمش، ولم يروها أحد من أصحابه سواه، فحصل الانفراد بها في طبقتين من طبقات الإسناد؛ ولذلك قال الدارقطني وأبو عمر بن عبد البر: إن رواية مسلم التي فيها (فليرقه) رواية متروكة، ويقصدون بمتروكة معللة، فحكموا عليها بالترك لمعنى الشذوذ أو أنها غير مقبولة، أما رواية: ( إحداهن بالتراب )، فهذه في صحيح مسلم وقد وجدناها في سنن أبي داود: ( وأولاهن بالتراب )، ووجدناها في سنن الترمذي: ( أولاهن أو أخراهن بالتراب )، ووجدناها في صحيح ابن حبان: ( أخراهن بالتراب )، فهذا ليس اضطراباً وإن كان فيه تعارض واضح، (أولاهن) و(أخراهن) في فرق، (أولاهن أو أخراهن) (إحداهن) ... لكن رواية (إحداهن) هي أقواهن لأنها في الصحيح، في صحيح مسلم وهي قاضية على العلة الموجودة التي فيها الاضطراب.

    ونظير هذا حديث البسملة، حديث أنس بن مالك: ( صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فكانوا يفتتحون الصلاة بـ: الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الفاتحة:2] )، هذا الحديث فيه اضطراب في الإسناد واضطراب في المتن، أما الاضطراب في الإسناد فكثير من عدد من الوجوه؛ لأن مداره على قتادة عن أنس، وقتادة قد كتبه إلى الأوزاعي وحدث به كذلك من طريق.. حدث به عبد العزيز بن صهيب وسعيد بن أبي عروبة ورواه عن ... فحصل الاضطراب في إسناده، كذلك من ناحية ما بعد الأوزاعي وطبقته ورواه الوليد بن مسلم، والوليد مشهور بنوع من أنواع التدليس يسمى تدليس التسوية.

    وكذلك من ناحية المتن جاء فيه: ( صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر )، وجاء فيه: ( صليت وراء أبي بكر وعمر وعثمان )، بإسقاط النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء فيه: ( فكانوا يفتتحون الصلاة بـ: الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الفاتحة:2] )، ورواية: ( لا يقرءون: بِسْمِ اللهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ[الفاتحة:1] سراً ولا جهراً )، ورواية: ( فكانوا يسرون بـ: بِسْمِ اللهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ[الفاتحة:1] )، فهذا اضطراب في المتن، لكن يحكم على هذا برواية الصحيح، فرواية الصحيح مقدمة على غيرها، فتقضي على الاضطراب في الإسناد وتقضي على الاضطراب في المتن.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088567792

    عدد مرات الحفظ

    777373413