الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
فبعد الانتهاء من المقدمات العشر المتعلقة بعلم السيرة النبوية، نتناول الأسئلة المتعلقة بهذا الموضوع.
السؤال: ما هي أشهر الكتب المستقلة في علم الشمائل؟
الجواب: هناك كتاب الترمذي وكتاب ابن كثير، وقد نظم جمهور ما فيهما العلامة محمد في كتابه نظم الشمائل النبوية، وهو نظم طويل، زاد عليه العلامة حسين بن الجبل زيادات.
وأما الكتب المختصة بالخصائص النبوية فمن أهمها كتاب جلال الدين السيوطي رحمه الله الخصائص الكبرى، وإن كان قد ألف في الباب بعض الكتب، لكن السيوطي حاول جمعها في كتابه الخصائص.
السؤال: ما هي أهم كتب السيرة المعاصرة؟
الجواب: كتب السيرة المعاصرة هي كثيرة جداً، وكذلك في الأصول السابقة القريبة، لكن كثيراً منها إنما كان ترتيباً وجمعاً لبعض ما ذكر في الكتب السابقة، ولهذا كثير منها إنما يعتبر نسخاً من الكتب السابقة أيضاً، إلا أن الدكتور أكرم ضياء العمري كان صاحب تطبيق المنهج الحديثي على السيرة النبوية، وقد بدأ هذا المشروع وألف على أساسه عدداً من رسائل الدكتوراه والماجستير في الجامعة الإسلامية، وسار عليه بعض المعاصرين مثل إبراهيم العلي في كتابه صحيح السيرة النبوية وعدد من الكاتبين في هذا الباب.
وعموماً فإن كتاب الرحيق المختوم للصفي المباركفوري كان كتاباً معتدلاً، ليس فيه كثير من الإطراء والغلو، وفيه تنسيق جيد وترتيب حسن، اعتمد فيه كثيراً على كتاب عيون الأثر لـابن سيد الناس .
السؤال: ما هي أهم الكتب التي تحدثت عن فقه السيرة؟
الجواب: أما ما يتعلق بفقه السيرة وتطبيقه على العمل الإسلامي، فمن أشهر المؤلفين فيه منير الغضبان، وله كتاب فقه السيرة النبوية، ومنهج الحركة السيرة النبوية، وكتب أخرى في هذا الباب، له عدد من الكتب كلها في هذا الباب.
وكذلك كتاب الشيخ محمد الغزالي رحمه الله فقه السيرة، وكتاب محمد سعيد رمضان البوطي في فقه السيرة، وكلها في أخذ الدروس والعبر من السيرة، وقد اشتهر في هذا الباب أيضاً الدكتور عبد العزيز الحميد، وله فيه دروس وعبر في السيرة النبوية، وكذلك في مجال القصص وإن كان لا يعتني بالتصحيح، هناك كتابات عبد الرحمن رأفت باشا في صور من حياة الصحابة وصور من حياة التابعين .. إلى آخره.
السؤال: هل وجدت سيرة ابن إسحاق؟
الجواب: بالنسبة لسيرة ابن إسحاق قد وجد منها جزء يسير، وقد طبع، ولم يوجد منها شيء ما عدا ما هذبه ابن هشام في تهذيب السيرة النبوية، وحتى تهذيب ابن هشام أيضاً هذبه عبد السلام هارون فصار مختصراً صغيراً.
وبالنسبة لسيرة ابن هشام فقد شرحها الإمام السهيلي الضرير في كتابه الروض الأنف، وهو كتاب اعتنى فيه كثيراً باللغة والنحو وإعراب الشعر الذي ورد، ومع ذلك فالكتاب نفيس في مجاله، اللغويات عموماً، فـالسهيلي مؤلفه من أشهر نحاة الأندلس، وهو منسوب إلى جبل سهيل، وهو جبل في جنوب الأندلس، هو أطول جبالها لا يرى نجم سهيل من أوروبا كلها إلا من على هذا الجبل، ولذلك سمي جبل سهيل، والسهيلي من الصالحين المجابين في الدعاء، كان ضريراً كثيفاً، لكن الله بارك له في عمره، وكان من العلماء ولذلك اشتهر من شعره قوله:
يا من يرى لجمال وجهك سيدي أتشفع ولباب جودك بالدعاء أتضرع
يا من يرى ما في الضمير ويسمع أنت المعد لكل ما يتوقع
يا من يرجى للشدائد كلها يا من إليه المشتكى والمفزع
يا من خزائن رزقه في قول كن امنن فإن الخير عندك أجمع
ما لي سوى فقري إليك وسيلة فبالافتقار إليك فقري أدفع
ما لي سوى قرعي لبابك حيلة فلئن رددت فأي باب أقرع؟
ومن الذي أدعو وأهتف باسمه إن كان فضلك عن فقيرك يمنع؟
حاشا لمجدك أن تقنط داعياً الفضل أجزل والمواهب أوسع
السؤال: ماذا عن دراسة طالب العلم لعلم السيرة النبوية؟
الجواب: بالنسبة لطالب العلم الذي لا يريد تدريس هذا العلم أو التخصص فيه، فبالإمكان أن يصطحب معه كتاب عيون الأثر لـابن سيد الناس، وكذلك يمكن أن يرجع إلى السيرة الحلبية، ففيها كثير من التنسيق والترتيب الجيد، أما طالب العلم الذي يريد التوفيق، وكذلك المدرس الذي يريد تدريس علم السير، فلا بد أن يرجع إلى كتاب شرح المواهب للزرقاني، ولسبل الهدى والرشاد، ولسيرة ابن هشام، والمفضل أن يرجع طبعاً لشرحها الروض الأنف.
ولا شك أن بعض كتب التاريخ فيها بعض الجوانب من السيرة، وإن كانت شجرات متطايرة متفرقة، وبالأخص الكتب القديمة في التاريخ الإسلامي، يجد فيها بعض الأمور المتعلقة بالسيرة النبوية، ولكن الأفضل لدارس العلم والذي يريد تدريسه أن يأخذ من الكتب المؤلفة فيه.
السؤال: ما رأيك في تطبيق منهج المحدثين على دراسة السيرة النبوية؟
الجواب: أنا ذكرت عمل الدكتور أكرم ضياء العمري، ولكن ليس معنى ذلك أن العمل سيستقيم على كل السيرة، أو يأتي عليها كلها، بل إن الأمر في هذا العصر لا يمكن أن يأتي بالجديد، رغم كل الأصول الماضية، فما لم يفعله البخاري ولا الدارقطني ولا أبو زرعة ولا الإمام أحمد ولا غيره من كبار الأئمة فيما يتعلق بتصحيح اليوم، يعتبر من الأمور الشاقة الصعبة، ومع هذا فكثير منها مما لا يترتب عليه معرفة أحكام وهو مجرد قصص، ولم يكن المحدثون يبحثون في هذا التثبت الكامل، مع أن بعضها يتعلق به ثبوت الحديث، وهذه لا تؤخذ في العادة إلا من التواريخ والسير، وأغلبها من غير أسانيد.
وكذلك معرفة أن فلاناً من الصحابة مثلاً، في بعض الأحيان لا يتم معرفة ذلك إلا عن طريق ذكره في غزوة من الغزوات، ونحو ذلك من السير.
السؤال: ماذا عن إدخال سيرة الخلفاء الراشدين ضمن السيرة النبوية؟
الجواب: بالنسبة لإدخال سير الخلفاء الراشدين مع السيرة النبوية في هذا العلم فهو اصطلاح مثل إدخال الفرائض في الفقه، ومثل إدخال علم القضاء في الفقه، وهو أمر درج الناس عليه، فإذا ذكرت السيرة يذكر سيرة الخلفاء الراشدين، وإن كانت سيرة الخلفاء الراشدين قد أفردت في بعض المؤلفات، حيث ألف السيوطي كتاباً مختصاً في تاريخ الخلفاء الراشدين لم يصل إلينا، وإن كان ضمنه كتابه في تاريخ الخلفاء العام الذي هو من التاريخ، وألف كذلك عدد من الناس في سير الخلفاء، فرادى ومجموع، ونظم أحمد البدوي منظومته في الخاتمة، وهي التي تسمى بالخاتمة، وهي خاتمة نظم الغزوات في سيرة الخلفاء الراشدين، وهكذا كثير من الكتب المؤلفة في هذا الفن تتناول هذا العلم.
السؤال: ما هي المميزات التي تميزت بها كتابات الذهبي في علم السير والرجال؟
الجواب: بالنسبة للإمام الذهبي رحمه الله، فقد اشتهر بدقته فيما يتعلق بالجرح والتعديل والرجال، وقد كان تقريباً من أشد الناس حرصاً فيما يتعلق بالجرح والتعديل، ومن أكثر المؤلفين في هذه الأمة في علم الرجال تأليفاً وأوسعهم اطلاعاً، وله باع في هذا المجال، ومع ذلك إذا ألف في السير فلا يقصد بذلك التصحيح والتضعيف، إنما يسير على منهج أهل السير، وهذا الذي سلكه في كتابه العبر وفي غيره من الكتب التي تناول فيها السيرة النبوية.
والأجزاء الآن التي طبعت مع سير أعلام النبلاء، ثلاثة أجزاء، جزءان للسيرة النبوية وجزء لسيرة الخلفاء الراشدين، وهذه الظاهر أنها ليست من كتاب سير أعلام النبلاء، وإنما هي من كتاب تاريخ الإسلام.
ومن عادة المؤرخين أن يفتتحوا تاريخ الإسلام بالسير مثلما فعل الإمام ابن عساكر وغيره.
السؤال: ماذا عن المنظومات في أمهات السيرة النبوية؟
الجواب: أما المنظومات في أمهات السيرة النبوية، فالبدوي يقول رحمه الله:
ست أمهات النسب لستة آمنة أم النبي
عواتك النبي أم وهب وأم هاشم وأم الندب عبد مناف
وهذه الأخيرة عمة عمة أولى الصغيرة.
وهن بالترتيب ذا لذي الرجال الأوقص بن مرة بن هلال
إلى آخر النظم.
وكذلك نظم الشيخ غالي البصادي أمهات العشرة المبشرين بالجنة وأمهات أمهات المؤمنين، وغير هذا كثير في السيرة.
السؤال: ما توجبه تسمية الذهبي لكتابه سير أعلام النبلاء مع ذكره لبعض المبتدعة؟
الجواب: هو لم يقل: سير أعلام الأئمة أو الأثبات أو العلماء، إنما قال: النبلاء، والنبلاء جمع نبيل وهو حسن الهيئة، وكل ما كان حسن الهيئة يسمى نبيلاً في العرف، فيدخل فيه الملوك والقادة والشعراء وحتى المبتدع الذي ترجم له.
السؤال: ما سبب سوء ظن الإمام مالك في محمد بن إسحاق؟
الجواب: سببه أن محمد بن إسحاق حدث بأحاديث عن فاطمة بنت المنذر بن جبير بن العوام، وهي زوجة هشام بن عروة بن الزبير، وأنكر ذلك هشام وقال: من أين له أن يحدث عنها، وهو ما رآها ولا سمع منها، وهشام أيضاً قد روى عن زوجته كل أحاديثها، وما روى في هذه الأحاديث، وكان مالك تلميذ لـهشام بن عروة، فقد أخرج له في الموطأ كثيراً من الأحاديث، فلما كذبه هشام بن عروة واتهمه بالكذب وأنه يروي هذه الأحاديث عن فاطمة بنت المنذر دون أن يكون عرفها ولا رآها، فكان هذا سبب طعن مالك فيه، لكن الواقع أنهما في عصر واحد، والمتعاصرون لا يسمع كلام بعضهم في بعض، بل هذا اختلف الناس في محمد بن إسحاق، لكن يمكن أن يقبل في السير والتاريخ، ولا يقبل في الأحكام.
السؤال: ما سبب اشتهار أبان بن عثمان بالقضاء؟
الجواب: بالنسبة لـأبان بن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، فهو قاضي المدينة في أيام عمر بن عبد العزيز وأحد الأئمة، وهو أحد أولاد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأمه نائلة بنت الفرافصة، وقد روى عنه عدد من أتباع التابعين، واشتهر بأقضيته وعمله، وما قضى به أبان ولم يخالفه فيه الفقهاء، كان من عمل أهل المدينة المعروف، وقد اعتنى أبان رحمه الله برواية السير والقصص، وكان يبني أكثر أقضيته على أقضية عمر بن الخطاب، ولذلك كان أبان يتقصى كتب عمر وأقضيته، وكتب علي وعثمان وأقضيتهما، والرسائل التي كتبها النبي صلى الله عليه وسلم أو كتبها أبو بكر فاشتهر هو بهذا.
السؤال: نريد أسماء بعض الكتب الخاصة بالمعجزات، وهل كل ما تذكره صحيح؟
الجواب: هناك الكثير من الكتب التي اختصت بالمعجزات النبوية، وإن كان كثيراً منها مروياً بالأسانيد، لكن أكثرها ما درس وما صحح، وقد ذكرنا أن المعجزات بعضها في القرآن، وبعضها في الصحيحين، وغير ذلك، لكن مع هذا هناك كتب مختصة بالمعجزات فيها كثير مما ليس صحيحاً، ومنها كتاب الدلائل لـأبي نعيم الحافظ الأصبهاني، ومنها كتاب الدلائل للبيهقي، وغير ذلك من الكتب المختصة بالمعجزات، لكن كثير مما تذكره لا يصح.
ومن شأن المعجزات إثبات النبوة والحجية على الناس، فيحتاج فيها إلى القطع؛ لأن عليها مبنى الإيمان، ولذلك لا تعامل معاملة غيرها من السير، لكن مع هذا هم يقولون بمجموع هذه حصل اليقين، فما زاد على ذلك فيكون بمثابة ما يستأنس به.
السؤال: ما هي أهم الكتب في رد الشبهات المتعلقة بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب: من أهم الكتب المؤلفة في هذا كتاب الشفاء للقاضي عياض، وشروح الكتاب هذا، فيما بعد ذلك جاءت شبهات تجمع بين السنة والسيرة، ومن أهم الكتب في الرد على أصحابها: كتاب السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، للشيخ مصطفى السباعي، وكذلك كتاب المعلمي في رده على أبي رية، وكتاب دفاع عن أبي هريرة، وغير هذه من الكتب التي ترد الشبهات.
ومن الكتب التي ترد على الشبهات حول التاريخ الإسلامي عموماً وبالأخص الخلفاء والصحابة وما شجر بينهم، كتاب العواصم من القواصم لـأبي بكر العربي، وهذا الكتاب طبع قديماً كاملاً تحت إشراف الشيخ عبد الحميد بن باديس، ثم اختار منه محب الدين الخطيب جزءاً استله منه وطبع، وأصبح اليوم مشتهراً باسم الكتاب، ولكن الواقع أنه جزء صغير فقط من الكتاب.
السؤال: ما الكتب التي تخصصت في مدح النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب: بالنسبة للمدح التي مدح بها النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، فقد ألف فيها بعض الكتب المختصة بها، ككتاب المنح في المدح لـسيد الناس، وذكر فيها مدح الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم فقط، ما مدح به صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ألف بعد ذلك كثير من المدائح النبوية بعضها دواوين شعر كاملة مثل ديوان البرعي اليماني، وكثير من قصائده في مدح النبي صلى الله عليه وسلم.
واشتهرت قصائد البوصيري، وذلك لإجادته من الشعر، وإتقانه له، حتى لم يكن في عصره من هو مثله، ولهذا قال هو في نفسه:
أنا حسان مدحكم فإذا ما نحت فيكم فإنني الخنساء
(أنا حسان مدحكم) قاس نفسه بـحسان بن ثابت في المدح.
وقد شرحت قصائده أيضاً، فزادها ذلك شهرة بين الناس، شرحت البردة، وشرحت الهمزية شرحاً مطولاً.
وبالنسبة للشطحات التي قد تقع، هو له ملتمسه فيها، وهو أن الضمائر التي قد يظن بعض الناس إذا قرأها بالأخص، وليس من علم البلاغة أنها تعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما قصد إعادتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ردها على الله تعالى، فتداخل الضمائر في هذا النوع مقبول في اللغة، مثل قول الله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً[الفتح:8-9]، فالضمير في قوله: ((وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً)) ليس بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي ترجع عليه الضمائر السابقة، وإنما هو لله عز وجل، وكذلك قصده في بعض المواضع من البردة، لكن يفهم الناس ذلك على وجه الغلط أنه يقصد به النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله:
من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علوم اللوح والقلم
فهذا ثناء على الله عز وجل.
ولا شك أنه صوفي، لكن ليس مثل ابن الفارض، لكن هو مبدع جداً في الشعر وفي الوصف، وذلك بسبب محبته للنبي صلى الله عليه وسلم، وبعض الكرامات التي ظهرت على يديه، وبعض الأحوال التي تحصل لبعض المحبين من قراءة قصائده.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر