إسلام ويب

مقدمات في العلوم الشرعية [27]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من المذاهب الفقهية مذهب الظاهرية الذي أسسه ابن حزم الظاهري, وألف فيه بعض الكتب, وقد انتشر في بلاد المغرب في الأندلس, وكان له بعض العلماء الذين تبنوه وسعوا في نشره, وهو خامس مذاهب أهل السنة الفقهية, أما غير أهل السنة فلهم ثلاثة مذاهب فقهية هي: الجعفرية, والزيدية, والإباضية, ولكل مذهب منها أصول وقواعد, ولها مصنفات ومؤلفات, وعلماء سعوا في نشرها.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين, وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    مؤسس المذهب الظاهري وكتبه

    فإن المذهب الظاهري قد اندرست كتبه، ولم يبقَ منها إلا بعض كتب الإمام ابن حزم رحمه الله, وأهمهما كتاب المحلى بالآثار, وهو اختصار لكتابه الكبير المجلى, وقد وجد أكثره مسوَّداً في صحفه ولم يروَ عنه, ولذلك حصل فيه بعض الأخطاء عن المؤلف رحمه الله, وسقط منه بعض الأبواب فوصلت، فإما أن يكون ولده اختصرها من كتاب المجلى فأضافها تحت عنوان إيصال, أي: إضافة على ما كتبه ابن حزم, أو أن يكون أحد طلابه فعل ذلك.

    وقد تعرض ابن حزم في كتبه الأخرى لكثير من المباحث للمذهب الظاهرية, ومن أهم ذلك: أبحاثه في كتابه الإحكام في أصول الأحكام، وهو في أصول الفقه, والكتاب الصغير الذي اسمه النبذ في الأصول, وكذلك كتابه في العموم والخصوص في الأصول أيضاً, وبعض آراء الظاهرية تعرض لها في ردوده على اليهود والنصارى من أهل الكتاب عموماً, فله معهم مساجلات طويلة.

    وقد ألف عدداً من الكتب لكن لأنه كان شديداً على المالكية في الأندلس تعصب عليه بعضهم، فأمر أحد السلاطين بإحراق كتبه, فأُحرق ما ليس فيه حديث من كتبه, فالكتب التي ليس فيها الحديث أحرقوها, مثل: الكتب الفلسفية والكلامية ونحو هذا, فأحرقوها ولم ينجُ منها إلا الفصل في الملل والنحل, وبعض كتبه الأدبية أحرقت أيضاً فلم ينجُ من كتبه الأدبية تقريباً إلا طوق الحمامة, وكذلك المفاضلة بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المسمى: المفاضلة بين الصحابة. وما سوى ذلك من كتبه أحرق, وفيه يقول هو رحمه الله:

    فإن يحرقوا القرطاس لا يحرقوا الذي تضمنه القرطاس بل هو في صدري

    يسير معي حيث استقلت ركائبي ويمكث إن أمكث ويدفن في قبري

    ولا شك أن كتابه المجلى من كتب أهل العلم البارزة النافعة, لكن الإسبان وضعوه في النهر لما احتلوا قرطبة، فكان من الكتب التي وضعت في النهر فضاعت, وقد تلف في فعلتهم تلك الكثير من أمهات كتب الإسلام العظيمة جداً, ولم يبقَ منها إلا بقايا قليلة وضعوها في مكتبتهم الموجودة الآن باسم لوسكريال في مدريد.

    ظاهرية المشرق

    أما ظاهرية المشرق فقد كان حظهم من التعصب أكثر؛ لمعايشتهم الحنفية, وهم أولو دولة وسلطان, فلذلك لم يبقَ لكتبهم باقية, مع أن كثيراً منهم قد كان لهم مكانة علمية كبيرة، فـابن داود كان يجلس في مجلسه سبعون صاحب طيلسان، أي: سبعون عالماً يحضرون درسه, وحصلت له قصة عظيمة عجيبة جداً مع أحد الصوفية, وهي أنه دخل عليه في مجلسه وهو شاب صغير ما في وجهه لحية، وهو يدرس حوله سبعون صاحب طيلسان من مشاهير العلماء يكتبون عنه, وهو على كرسيه والناس مطرقون من حوله, فجلس الصوفي في ثيابه المتقشفة فسمع الدرس فأعجب به؛ لكنه خشي العجب على صاحبه, فأراد أن يعالج عنه ذلك، فلما انتهى قال له: أحسنت يا غلام, اسأل عما بدا لك, فضحك من حوله في المجلس فقال له هو: لا أسألك إلا عن الحجامة؟ يريد الاستهزاء به أن لباسه وشكله على هيئة حجام، فلا يسأل إلا عن الحجامة, فقال الصوفي: بسم الله, والحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله.

    أما بعد: فإن الحجامة فعالة للمصدر من حجم، وبدأ يتكلم عن اشتقاقها اللغوي ثم بعد ذلك عن تاريخ الحجامة، ثم عن مواضعها في البدن ثم عن الأمراض التي تعالجها ثم عن فوائدها وتنشيطها للبدن, ثم عن ما ورد فيها من النصوص الشرعية, ثم عن الخلاف الفقهي في الحجامة، هل تفطر الصائم, وهل تنقض الوضوء أم لا، وذكر أقوال أهل العلم وأدلتهم في المسألة, ثم عن الاشتغال بها وحكمه, وذكر الحديث الذي أخرجه أبو داود: ( وكسب الحجام خبيث )، وذكر علله وما يتعلق بإسناده وتراجم أهله, ثم ذكر ( أن النبي صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة وأعطاه صاعاً من تمر أو صاعين من تمر ). فجمع بين الحديثين بجمع بديع جداً، وعليه يعتمد الناس اليوم في الجمع بين الحديثين, وأتى بأشياء عجيبة جداً في الحجامة, ثم ذكر ما في التاريخ من الحجامين في الإسلام وقصصهم ومشاهيرهم, وذكر ما يتعلق بأدوات الحجامة ومشارطها، ثم الخلاف فيما يعفى عنه الدم بين الشرطات والشرطات, وما يمسح عليه من القرطاس الذي يوضع عليها, والفرق بين الحجامة والفصد, والآثار التي ترتب على الفصد, وما يعفى عنه من النجاسة من الدم عموماً, من دم الحجامة مطلقاً للحاجم والمحجوم.

    وأطال الكلام في هذا الأمر والناس يتعجبون منه, ثم لما انتهى فإذا ابن داود مشدوه ينظر إليه بتعجب, وأتى بأشياء عجيبة كأنه حضرها من قبل وما حضر شيئاً، مع هذا أحاط بالموضوع من كل جوانبه, فسأله: من أين أنت؟ فقال: ما أنا إلا عبيد من عباد الله، لكني حضرت الدرس فوجدت به أي: أعجبت به, فخشيت عليك أن يحصل في نفسك ما حصل في نفسي. وأستغفر الله لي ولك, وانصرف وما رأوه، ورجع إلى مكانه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088460578

    عدد مرات الحفظ

    776860807