إسلام ويب

شرح متن الرحبية [2]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يشرع البداءة بالحمد في بداية الكتب اقتداءً بكتاب الله تعالى، والحمد معناه الثناء عليه بما هو أهله، وذكر محامده جل جلاله، وهو أربعة أقسام: حمدان قديمان، وحمدان حادثان، فالحمدان القديمان: حمد الله لنفسه، وثناؤه على بعض خلقه، والحمدان الحادثان فهما حمدنا لله جل جلاله، فكل حمد يصدر منا لله جل جلاله فهو مستحق له، هذا الحمد. والثاني: حمد بعضنا لبعض. وبعد أداء حق الله نؤدي حق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة والسلام عليه، فهو خاتم الرسل والنبيين.

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    يقول المؤلف رحمه الله:

    (أول ما نستفتح المقالا بذكر حمد ربنا تعالى)

    بعد البسملة افتتح كتابه بما افتتح الله به كتابه؛ اقتداءً بكلام الله جل جلاله، فإن الله افتتح القرآن بعد البسملة بقوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، فهو كذلك أول ما يستفتح به مقاله، والاستفتاح معناه: طلب الفتح، والمقصود به: ابتداء الكلام، (بذكر حمد ربنا تعالى) معناه: بأن نحمد ربنا جل جلاله، وذكره يشمل ذكر القلب، وذكر اللسان، فذكره بالقلب بمعنى: تذكر أن الله يستحق الحمد، والتفكر في ذلك بمحامده كلها، فمنها صفات ذاته، ومنها ما أسداه إلى خلقه من المعروف، والجود، والكرم، فهو يستحق الحمد لذاته جل جلاله؛ لأنه اتصف بكل كمال، وتنزه عن كل نقص، وهو عليه محال، ويستحق الحمد لنعمه، فإن نعمه لا تحصى، وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34]، وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل:53].

    وحمد الله معناه الثناء عليه بما هو أهله، وذكر محامده جل جلاله (بذكر حمد ربنا تعالى)، فهو ربنا، أي: مربينا، وموصلنا إلى كمالنا بالتدريج شيئاً فشيئاً، والرب: أصل هذه الكلمة: راب، فاعل، فحذف منها الألف؛ لكثرة الاستعمال، وهذا نادر، وله أمثلة في اللغة، ومن ذلك قول ابن مالك رحمه الله:

    وينحذف بقلة مضاعفًا منه ألف

    فإذا كان فاعل مضاعفاً، فإنه ينحذف منه الألف بقلة في لغة العرب، فيقال: رب وشت وفذ، بمعنى: راب، وشات، وفاذ، والعرب يستعملون من هذه المادة أربعة أفعال، فيقولون: ربه يربه، إذا ترأس عليه وتأمر، ومن ذلك قول صفوان بن أمية بن خلف يوم حنين: فلأن يربني رجل من قريش خير من أن يربني رجل من هوازن، أي: أن يتأمر علي، ويترأس علي رجل من قريش خير من أن يترأس علي رجل من هوازن، وقد كانت بين قريش وهوازن في الجاهلية حرب تسمى حرب الفجار، وقد حضر النبي صلى الله عليه وسلم أحد أيامها، ويقال: رباه يربيه، ومن ذلك قول الشاعر:

    وربيته حتى إذا تم واستوى كمخة ساق أو كمتن إمام

    قرنت بحقويه ثلاثاً فلم يزغ عن القصد حتى بصرت بدمام

    وقول آخر:

    وربيته حتى إذا ما تركته أخا القوم واستغنى عن المسح شاربه

    وبالمحض حتى آض جعدًا عنطنطا إذا قام ساوى غارب الفحل غاربه

    ويقال أيضاً: رببه يرببه، ومن ذلك قول أمية بن أبي الصلت الثقفي:

    بيضاً مرازبةً غلباً أساورةً أسداً ترببن في الغيضات أشبالا

    وتقلب إحدى الباءين تاءً، فيقال: ربته يربته، ومن ذلك قول الشاعر:

    ألا ليت شعري هل أبيتن ليلةً بجمهور حزوى حيث ربتني أهلي

    بلاد بها نيطت علي تمائمي ومزقن عني حين تم بها عقلي

    فهنا قال: حيث ربتني أهلي، بمعنى: رباني أهلي، والرب اسم من أسماء الله جل جلاله، وإن كان غير معدود في الأسماء التسعة والتسعين، كما في حديث أبي هريرة الذي قيل بإدراجه، ولكن الله سبحانه وتعالى تمدح به في كتابه، فأبلغ ثناء على الله ربوبيته للعالمين، وأبلغ ثناء على المخلوقين عبوديتهم لله، فأبلغ ما يثنى به على الله ربوبيته للعالمين؛ ولذلك كان ذلك أول ثنائه على نفسه بالقرآن: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2].

    وأبلغ ثناء على المخلوق عبوديته لله، كما قال الله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى [الإسراء:1]، فهذا مقام إجلال وإكرام لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يوصف بالخلة ولا بالنبوة ولا بالرسالة في هذا المقام، وإنما وصف بالعبودية لله جل جلاله، فلهذا قال: (حمد ربنا تعالى) تعالى بمعنى: علا، فتفاعل تأتي موافقةً لفَعَل في المعنى، فتعالى بمعنى: علا، وهو العلي على عباده جل شأنه، وهذا الذكر جسده بقوله:

    فالحمد لله على ما أنعما حمداً به يجلو عن القلب العمى

    (فالحمد لله على ما أنعما) معناه: وفاءً بأننا نذكر حمد ربنا تعالى، فنقول: الحمد لله، وهذه جملة اسمية تفيد الدوام والاستمرار، وهذه قاعدة الجملة الاسمية، أنها تفيد الدوام والاستمرار، وأن الجملة الفعلية تفيد التجدد والحدوث، فمن دلالة الجملة الاسمية على الاستمرار قول الشاعر:

    قالت أمامة ما تبقى دراهمنا وما لنا سرف فيها ولا خُرُق

    إنا إذا اجتمعت يوماً دراهمنا ظلت إلى طرق المعروف تستبق

    لا يألف الدرهم المضروب صرتنا لكن يمر عليها وهو منطلق

    حتى يصير إلى نذل يخلده يكاد من صره إياه ينمزق

    فقوله: (وهو منطلق) جملة اسمية، وهي تدل على الاستمرار، فكذلك (الحمد لله) معناه: كان محموداً في الأزل قبل خلق الكون، وهو محمود مع الكون في وقت خلقنا، وسيبقى محموداً بعدنا، فهو المحمود على كل لسان في كل أوان، فلم يكتسب من خلقه للخلق صفةً، فهو الخالق ولا خلق، وهو الرازق ولا رزق، وهو على ما عليه كان قبل خلق الكون كله جل شأنه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088457882

    عدد مرات الحفظ

    776844728