إسلام ويب

شرح أحاديث مختارة من كتاب التجريد الصريح [3]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لا يضر بقاء أثر الطيب بعد الغسل؛ لأن الاغتسال إذا بقي بعده لون أو رائحة صعبت إزالته بعد أن أوصل الإنسان الماء إلى كل جسده ودلكه، فما بقي داخلٌ في العسر، والعسر مرفوع عن هذه الأمة، فلا يجب على الإنسان استعمال الصابون أو نحوه مما يزيل كل آثار الوسخ، وما عسرت إزالته مما في الشعر أو في البدن من الأثر فهو معفو عنه إذا غسله الإنسان.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فقد وصلنا في شرح الأحاديث المختارة من التجريد الصريح إلى قوله: (باب: من تطيب واغتسل).

    عقد هذا الباب للاغتسال بعد الطيب إذا بقي أثر من الطيب بعد الغسل فلا يضر؛ لأن الاغتسال إذا بقي بعده لون أو رائحة صعبت إزالته بعد أن أوصل الإنسان الماء إلى كل جسده ودلكه، فما بقي داخلٌ في العسر، والعسر مرفوع عن هذه الأمة؛ لقول الله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ[الحج:78]، فلا يجب على الإنسان استعمال الصابون أو نحوه مما يزيل كل آثار الوسخ، وهنا يلزم التفريق بين أمرين:

    الأمر الأول: ما هو متجسد فوق الجسد يمنع وصول الماء إليه، وهذا الذي يسمى بالحائل، فالحائل الذي يكون فوق الجسد يمنع وصول الماء إليه لا بد من إزالته.

    والأمر الثاني: هو ما كان بداخل الجسد من لون، أو رائحة، أو أمر قد استحكم؛ كالدهان إذا دخل في داخل الجسد تشربته في المسام، ومثل ذلك الألوان التي تدخل ولها نفوذ فتدخل به داخل الجسد، فهذه لا يلزم إزالتها، فإذًا فرق بين الأمرين، ومن هنا إذا ادهن الإنسان بدهان، دهن به وجهه، أو يديه، وتوضأ، أو اغتسل، وبقي أثر الدهن على وجهه، أو على يديه، فلا حرج في ذلك إلا إذا كان الدهن متجسمًا فوق جسده، مثل بعض الدهان الغليظة، مثل: الفازلين أو غيره من الدهان الغليظة التي تبقى ملبدة فوق الجسم؛ فهذه لا بد من إزالتها، أما ما سوى ذلك فلا يلزم إزالته، وكذلك الخاتم الذي يستعمله الإنسان إذا كان في يده فلا يلزم إزالته وتكفي إجالته، والفرق بين الإزالة والإجالة: أن الإزالة هي القلع، والإجالة هي أن يديره؛ حتى يصل الماء إلى ما تحته.

    عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم) هذا طرف من حديث عائشة السابق، وفيه أنها طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم للإحرام قبل أن يغتسل، وللحل قبل أن يفيض، فالتطييب للإحرام سنة، وهو بالطيب الذي لا يبقى أثره بعد الغسل، أو يبقى منه الشيء الخفيف، ولا منافاة بين هذا وبين ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل الذي أتاه بالجعرانة، كما في حديث يعلى بن أمية أنه: (سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إذا نزل عليه أريتك، فبينما هو عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل قد تضمخ بالطيب وعليه جبة، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد أحرم بعمرة، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل عليه الوحي، فدعاني عمر، فنظرت إليه فإذا هو يغط قد ارْبَدَّ وجهه، فلما أُسْرِيَ عنه دعا بالرجل، فأمره أن يخلع جبته، وأن يزيل أثر الطيب عنه، وأن يفتدي)، فهذا الرجل كان قد تطيب بعد إحرامه، والنبي صلى الله عليه وسلم تطيب قبل الإحرام، واغتسل؛ أي: غسل أثر الطيب في اغتساله، ولكن بقي شيء منه، وقد ذكرنا من قبل أنه لبد شعره، وتلبيد الشعر هو: جعل الصمغ عليه؛ لئلا يتساقط منه شيء، فتلبيد الشعر يقتضي بقاء شيء من أثر ما كان فيه من الطيب، والوبيص هو اللمعان، فـعائشة كانت ترى وبيص الطيب في مفرقه، والمفرق هو: وسط الشعر حيث يفرق الشعر إلى قسمين، وهذا حال من أحوال شعر النبي صلى الله عليه وسلم، فكان تارة يسدله خلفه، وتارة يفرقه نصفين حتى يبلغ شحمة أذنه، و«الفرق» آخر الأمرين منه صلى الله عليه وسلم، أنه كان يفرق شعره، و«المفرق» هو وسط الرأس، وهو مكان ضرب السيف من الرأس، ومنه قول الأحوص بن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح رضي الله عنهم:

    فطلقها فلست لها بكفء وإلا يعلو مفرقك الحسام

    (يعلو مفرقك الحسام) المفرق هو وسط الرأس، فعائشة قالت: (كأني أنظر)؛ أي: لتأكيدها على ثبوت الطيب وبقائه كأنما تنظر إليه بعد مدة طويلة، فهي موقنة بوجوده، (كأني أنظر إلى وبيص الطيب)، والطيب المقصود به: الذريرة، ذريرة المسك، (في مفرق النبي صلى الله عليه وسلم)؛ أي: في شعر رأسه، في أعلى شعر رأسه، (وهو محرم)؛ لأنه قد لبد شعره.

    وهذا الحديث يؤخذ منه من الأحكام أن ما عسرت إزالته مما في الشعر أو في البدن من الأثر فهو معفو عنه إذا غسله الإنسان، والنبي صلى الله عليه وسلم قد سبق أن عرفنا أنه يوصل الماء إلى أصول الشعر، وأنه يخلله، وينفضه، ويفيض عليه ثلاثًا، فما عسر وبقي بعد ذلك فهو معفو عنه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088541814

    عدد مرات الحفظ

    777223139