إسلام ويب

شرح متن الرحبية [9]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أصحاب الثلث هما: الأم، والإخوة لأم بشروط مفصلة، والإخوة لأم لهم خصائص في الميراث ومنها: أنه لا فرق بين ذكرهم وأنثاهم وأنه لا فرق بين الذكور والإناث منهم عند التعدد وأنهم يدلون بالأم، ومع ذلك يحجبونها حجب نقصان وأنهم يدلون بأنثى ويرثون، وأنهم يرثون مع من يدلون به. وأما أصحاب السدس فهم: الأب والأم وبنت الابن والجد والجدة والأخ لأم.

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    قال المؤلف رحمه الله:

    (والثلث فرض الأم حيث لا ولد ولا من الإخوة جمع ذو عدد)

    هذا هو الفرض الخامس من الفروض المقدرة في كتاب الله، وهو الثلث، وقد جاء ذكره في القرآن في موضعين: في موضع ذكر فريضة الأم، وفي موضع ذكر الإخوة لأم، ويرثه صنفان: الأم، والإخوة لأم إذا تعددوا.‏

    شروط ميراث الأم للثلث

    والأم ترثه بثلاثة شروط:

    الشرط الأول: ألا يكون للميت فرع وارث، فإن كان للميت فرع وارث كابن، أو ابن ابن، أو بنت، أو بنت ابن، فإن الأم ترث السدس كما سيأتي.

    الشرط الثاني: ألا تكون المسألة إحدى العمريتين، وقد سبق ذكر العمريتين اللتين ترث الأم فيهما ثلث الباقي، وهي: أم وأب وزوج، والثانية: أم وأب وزوجة.

    وسبق الخلاف في العمريتين على ثلاثة أقوال:

    القول الأول: أنها ترث الثلث، وهذا مذهب عبد الله بن عباس وداود الظاهري.

    القول الثاني: أنها ترث ثلث الباقي، وهذا مذهب الجمهور، المذاهب الأربعة.

    القول الثالث: التفريق بين مسألة الزوج فترث الثلث، وفي مسألة الزوجة ترث ثلث الباقي وهذا مذهب محمد بن سيرين، والسبب لئلا يزيد حظها على حظ الأب.

    الخلاف حول حجب نقصان الأم من الثلث إلى السدس

    الشرط الثالث من شروط ميراث الأم للثلث: ألا يكون للميت عدد من الإخوة، فإن كان للميت عدد من الإخوة، فإنهم يحجبون الأم حجب نقصان من الثلث إلى السدس، كما سيأتي في الحجب، وهذه المسألة اختلف فيها من جهتين:

    الجهة الأولى: في جنس من يحجب الأم من الإخوة، فذهب جمهور أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم إلى أن الجنس لا اعتبار له في هذا الباب، سواء كان العدد من الإخوة ذكوراً، أو إناثاً، أو متنوعين، فإنهم يحجبون الأمة من الثلث إلى السدس.

    القول الثاني: مذهب معاذ بن جبل: أن الإخوة الذين يحجبون الأم عند تعددهم من الثلث إلى السدس لا بد أن يكون فيهم ذكر، كأن يكونوا ذكرين، أو ثلاثة ذكور، أو أنثى وذكر، أو أنثى وذكرين مثلاً، لكن الإناث الخلص لا يحجبن الأم من الثلث إلى السدس عند معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ وسبب ذلك: أن الجمع في أصله مذكر، فإطلاقه على الذكور نص، وإطلاقه على الإناث وحدهن مقابل للنص، فرأى معاذ أن قوله: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11]، يختص بالذكور؛ لأنه لو كان يشمل الإناث لقال: إن كان له إخوة أو أخوات، فلأمه السدس.

    أما الموضع الثاني الذي فيه خلاف: فهو عدد الإخوة الذين يحجبون الأم من الثلث إلى السدس، وقد اختلف الناس في ذلك على قولين:

    القول الأول: أن المقصود العدد، سواء كان اثنين، أو ثلاثةً، أو أكثر، وهذا مذهب جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين، وهو مذهب المذاهب الأربعة، أن العدد يشمل اثنين فصاعداً، سواء كانا ذكرين، أو أنثيين، أو ذكراً وأنثى فصاعداً.

    القول الثاني: مذهب عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فإنه يرى أن أقل الجمع ثلاثة، وأن ما كان أقل من ثلاثة لا يسمى عدداً، فلا يكون جمعاً، فيرى أن قوله تعالى: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ [النساء:11] لا يتناول إلا ثلاثةً فصاعداً، فيرى أن الأم إذا كان للميت أخوان، أو أخ وأخت، فإنها ترث الثلث حتى يكونوا ثلاثة إخوة؛ والسبب: هو الخلاف في أقل الجمع -أقل ما يطلق عليه لفظ الجمع- وقد سبقت الإشارة إلى هذا في ميراث البنتين، فقد سبق أن الله نص على ميراث ما كان فوق اثنتين، ولم ينص في القرآن على ميراث الاثنتين من البنات، فالجمهور قاسوا الاثنتين على ما فوق اثنتين، وابن عباس لم ير هذا القياس، الإخوة الذين يحجبون الأم من الثلث إلى السدس، سواء كانوا إخوةً أشقاء، أو إخوةً لأب، أو إخوةً لأم، أو منوعين، فإن كان للميت أخت لأب وأخ لأم، فإنهما يحجبان الأم من الثلث إلى السدس، وإن كان للميت أخت شقيقة، وأخت لأب، وأخت لأم مثلاً، فإن الحجب يحصل بذلك، فلا عبرة بجهة الإخوة، جهة الإخوة معناه: سواء كانت شقاقةً، أو لأب، أو لأم، فلا اعتبار لذلك؛ لأن الله أطلق فقال: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11].

    لذلك قال المؤلف رحمه الله: (والثلث فرض الأم)، والأم هنا لا تدخل فيها الجدة، فالجدة لا ترث الثلث أبداً، سيأتي ذكرها فيمن يرثون السدس، وهي ترثه على اعتبار أنها أم؛ لأن الجدة لا ذكر لها في كتاب الله، لما وزع الله التركة لم يضع سهماً للجدة، فلا ذكر لها في كتاب الله، كما أنه لا ذكر للجد أيضاً في كتاب الله، ولكن الجد جعل مكان الأب، كما أن الجدة جعلت مكان الأم، ويستثنى من ذلك مواضع، ومنها: ميراث الثلث، فهو نصيب الأم دون الجدة، فالجدة لا ترث الثلث أبداً.

    (والثلث فرض الأم حيث لا ولد)، معناه: الشرط الأول من شروط توريثها الثلث: ألا يكون للميت فرع وارث، قال: (حيث لا ولد، ولا من الإخوة جمع ذو عدد)، هذا الشرط الثاني: ألا يكون للميت عدد من الإخوة، ولما قال: (جمع) عرف أنه يمكن أن يرد الإشكال في أقل ما يطلق عليه الجمع؛ فلذلك قال: (ذو عدد)، فالمقصود: بالجمع التعدد مطلقاً، وهذا مذهب الجمهور خلافاً لـابن عباس، ولذلك فسر فقال: (كاثنين) سواء كانا ذكرين أو أنثيين، أو كان أحدهما ذكراً والأخرى أنثى، (أو ثنتين): كذلك لو انفرد الإناث وحدهن يحجبنها، خلافاً لـمعاذ بن جبل، أو (ثلاث)، وهذه من الإناث أيضاً، (حكم الذكور فيه كالإناث): فلا فرق بين انفراد الذكور، وانفراد الإناث، والاشتراك.

    (ولا إبن ابن معها أو بنته): اضطر هنا لقطع همزة الوصل وهي همزة ابن، فابن من الأسماء العشرة التي همزتها همزة وصل، تذكرها؟ وفي اسم ابن ابن حذف، فالهمزة هنا همزة وصل، ولكن المؤلف اضطر لقطعها؛ أي: لجعلها همزة قطع، فقال: (ولا إبن ابن معها أو بنته) معناه: الشرط الثالث من شروط ميراث الأم للثلث: ألا يكون للميت فرع وارث، كابن، أو بنت، أو ابن ابن، أو بنت ابن، فهؤلاء فروع وارثون، فلا ترث الأم معهم الثلث، وإنما ترث السدس.

    (ففرضها الثلث كما بينته): إذا اجتمعت الشروط الثلاثة.

    الشرط الثالث هو: ألا تكون إحدى العمريتين، وهذا الذي أشار إليه بقوله: (وإن يكن زوج وأم وأب فثلث الباقي لها مرتب، وهكذا مع زوجةٍ)، هذه إذا كانت إحدى العمريتين، فإنها لا ترث ثلث المال، وإنما ترث ثلث الباقي، وذلك في فريضتين اشتهرتا بالعمريتين، لقضاء عمر بن الخطاب فيهما، وهما: زوج وأبوان، أو زوجة وأبوان، فزوج إذا لم يكن للميت فرع وارث كم نصيبه؟ النصف، والأبوان الأب والأم لهما النصف الباقي، فيرثانه للذكر مثل حظ الأنثيين، فللأب ثلثاه، وللأم ثلثه، فيكون نصيب الأم ثلث الباقي، وهو الربع في هذه الصورة.

    الصورة الثانية: أن تكون الفريضة: زوجة وأبوان، فللزوجة الربع؛ لأنه ليس للميت فرع وارث، وللأبوين ما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين، فللأب النصف، وللأم الربع، فالصورة الأولى: للأم فيها السدس؛ لأن الزوج أخذ ثلاثةً من ستة، والأبوان ورثا ثلاثةً، فللأب اثنان وللأم واحد، فللأب الثلث وللأم السدس، والصورة الثانية: الزوجة ترث الربع، فالمسألة من أربعة: أخذت الزوجة واحداً، وبقي ثلاثةٌ للأبوين؛ فيرثانها للذكر مثل حظ الأنثيين، فللأب اثنان، وللأم واحد، وهو ثلث الباقي؛ أي: الربع.

    فلذلك قال: (وإن يكن زوج وأم وأب)؛ أي: إن يكن الوارث مطلقاً زوج وأم وأب (فثلث الباقي لها مرتب)؛ أي: ثلث الباقي للأم مرتب، والباقي معناه: بعد نصيب الزوج.

    (وهكذا مع زوجة) معناه: لها أيضاً ثلث الباقي بعد نصيب الزوجة إذا ورث الأبوان والزوجة، (مع زوجة فصاعداً): طبعاً تعدد الزوجات لا أثر له في الميراث، أصناف تعددهم لا يؤثر في الميراث: بنت الابن، والأخت لأب حين وجود البنت والشقيقة، والزوجات مطلقاً، والجدات كذلك -الوارثات- فهذه الأجناس تعددها لا يزيدها، بخلاف البنتين، بنت الصلب مثلاً إذا تعددت، فنصيبها يزداد، والأخت الشقيقة إذا تعددت، فنصيبها يزداد، أو الأخت لأب مع عدم الشقيقة مثلاً، أو بنت الابن مع عدم الشقيقة وعدم المعصِّب، كذلك الإخوة لأم فنصيبهم يزداد مع التعدد؛ لأن الواحد منهم نصيبه السدس، فإذا كانوا عدداً ورثوا الثلث، لكن الزوجات لو كن أربعاً فنصيبهن إذا كان للميت فرع وارث هو الثمن، وإذا لم يكن للميت فرع وارث فهو الربع مطلقاً، كثرن أو كن واحدةً، وهكذا في البقية الذين لا يزدادون بالتعدد؛ فلذلك قال: (فلا تكن عن العلوم قاعدا): هذه نصيحة لك ألا تقعد عن العلوم، فالقعود عن العلوم، معناه: الانقطاع في الطريق، كالإنسان الذي كان سائراً في الطريق فقعد، فالعلم طريق وعر طويل، فيحتاج إلى الصبر عليه والمثابرة والمواصلة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088534846

    عدد مرات الحفظ

    777184624