بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.
موضوع هذا الدرس:
(فقه الخلاف)
والعناصر التي سنتعرض لها فيه هي:
أولاً: التحذير من الفرقة والاختلاف.
ثانيًا: أنوع الخلاف.
ثالثًا: آداب المتخالفين.
رابعًا: علاج الخلاف.
إن الخلاف من ضرورات التعايش، فقد جعل الله البشر متفاوتين في الخِلقة والخلق والعقل، وميَّز بعضهم على بعض، وهذا التنوع الذي جعلهم الله عليه مقتضٍ لئلا يتفقوا في بعض المسائل، وعدم اتفاقهم فيه إثراء وفائدة للبشر، وفائدة لأهل الأرض؛ فليس أصل الخلاف إلاَّ ممكنًا في كل أمرٍ نظرًا للتنوُّع، ولذلك يقول الحكماء: ما من أحدٍ إلا وهو راضٍ عن الله في عقله، وأقلهم عقلاً أرضاهم به، فأقل الناس عقلاً يظن أنه أعقل الناس، ومن هنا من تفاوتت عقولهم فبالإمكان أن تتفاوت اتجاهاتهم، وألاَّ تتحدد رؤاهم، وألاَّ تتحد مواقفهم، وكل ذلك ممكن.
أول عنصرٍ أبدأ به هو ما جاء من النصوص في التحذير من الفرقة والاختلاف.
فأقول: إن الله سبحانه وتعالى قد حذَّر من الفرقة والاختلاف في كثير من الآيات في القرآن، فقد قال الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ[الأنفال:45-46]، وجعل الاختلاف نوعًا من أنواع العذاب فقال: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ[الأنعام:65] ، فجعل العذاب ثلاثة أقسام:
- عذابًا منزلاً من الأعلى.
- وعذابًا خارجًا من الأسفل.
- وعذابًا في الوسط، وهو الخلاف.
وجعله -كذلك- مظهرًا من مظاهر الشرك فقال: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ * مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ[الروم:30-32]، و(من) هنا بيانية، أي أن المشركين هم الذين فرقوا دينهم، وكانوا شيعًا.
وجعله منافيًا للرحمة فقال: وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ[هود:118-119].
وبيَّن براءة النبي صلى الله عليه وسلم من المختلفين فقال: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ[الأنعام:159] .
وحض على اجتماع الكلمة وعلى التعاون فقال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ[المائدة:2] ، وقال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ[آل عمران:103-105] .
وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفرقة والاختلاف، وجعل ذلك عامل هدم للأمم؛ فقد صح عنه أنه قال: (لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض) وقال: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر).
حذر صلى الله عليه وسلم من كل ما يؤدي إلى النزاع والخلاف؛ فقد ذكر الله سبحانه تعالى في كتابه أسباب النزاع؛ فذكر في سورة الحجرات وحدها ثلاثة عشر سببًا من أسباب النزاع وحسمها جميعًا.
السبب الأول: قال سبحانه وتعالى في بداية سورة الحجرات:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[الحجرات:1] ، فهذا سبب من أسباب الخلاف، وهو تعدي الصلاحيات وتجاوزها، فمن أخذ ما ليس له من الصلاحيات وتعدى الصلاحيات الممنوحة له؛ فذلك سبب من أسباب الخلاف.
السبب الثاني: سوء الأدب مع من يستحق الأدب، فهو سبب من أسباب الخلاف، ولهذا قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ* وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ[الحجرات:1-5].
السبب الثالث من أسباب الخلاف هو: عدم التثبت في نقل الأخبار وتلقيها، وفيه قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا وفي القراءة الأخرى: (فَتَثَبَّتُوْا) أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ[الحجرات:6] .
السبب الرابع: انعدام المرجعية، وقد حرمه بقوله: وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ[الحجرات:7] .
السبب الخامس: الظلم والاعتداء والبغي؛ فهذا سبب لحصول النفرة والاختلاف، وقد حرمه الله بقوله: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[الحجرات:9-10].
السبب السادس: السخرية والتعالي، وقد حذر الله من ذلك بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ[الحجرات:11] .
السبب السابع: اللمز والهمز، وقد حذر الله منه بقوله: وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ[الحجرات:11] .
السبب الثامن: التنابز بالألقاب والتصنيفات، وقد حذر الله منه بقوله: وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ[الحجرات:11] .
السبب التاسع: ظن السوء، وقد حذر الله منه بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ[الحجرات:12] .
السبب العاشر: التجسس، وقد حذر الله منه بقوله: وَلا تَجَسَّسُوا[الحجرات:12] .
السبب الحادي عشر: الغيبة، وقد حذر الله منها تحذيرًا بليغًا بقوله: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ[الحجرات:12] .
السبب الثاني عشر: التفاخر بالأنساب والأحساب، وقد حذر الله منه بقوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ[الحجرات:13] .
السبب الثالث عشر: الدعاوي الباطلة، بأن يدعي الإنسان ما ليس له، وقد حذر الله منه بقوله: قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ[الحجرات:14] .
فهذه ثلاثة عشر سببًا من أسباب الفرقة والاختلاف تضمنتها هذه السورة الكريمة، وحسمت مادتها بالكلية.
العنصر الثاني من عناصر هذا الدرس هو: أنواع الاختلاف، ومن المهم أن نعلم أن الخلاف ينقسم إلى:
1- خلاف في التنوع.
2- خلاف في التضاد.
اختلاف التنوع غير محدود، وليس هو المقصود في النصوص الواردة في النهي عن الخلاف، بل هو من التنوع المحمود الذي يثري ويفيد.
الخلاف المذموم هو اختلاف التضاد، وهو أنواع، ويرجع جمهورها إلى أربعة أنواع:
1- الخلاف السياسي.
2- الخلاف العقدي.
3- الخلاف الفقهي.
4- الخلاف المنهجي الدعوي.
النوع الأول: الخلاف السياسي: وهو أول خلاف شهده المسلمون، وقد عُرف في الأمم السابقة أيضًا، وهو الخلاف فيمن يحكم؟ هل فلان بعينه يستحق ذلك ويكون هو الحاكم أو السلالة المعينة الفلانية؟
وهذا خلاف عصف بالأمم السابقة، وحصل -أيضًا- في صدر هذه الأمة، حيث اختلف الناس على ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول: خص الخلافة بأسرة واحدة هي أسرة علي بن أبي طالب ، وهذا مذهب الشيعة.
المذهب الثاني: عممها في سائر المسلمين، وهذا مذهب الخوارج كما قالوا:
ألم تر أن الله أظهر دينه وصلت قريش خلف بكر بن وائل
المذهب الثالث: خصها بقبيلة، وهو مذهب أهل السنة، حيث جعلوها في قريش.
وقد استمر هذا الخلاف السياسي، وتوصلوا إلى أن ينقل الخلاف من الأشخاص والسلالات إلى الصفات، فتحدد صفات معينة وشروط معينة مستنبطة من الوحي، وتطبق على الناس، ومن كانت أبلغ فيه وأمكن؛ كان محل اتفاق، وكان أولى ولا محالة.
ومما تجدر الإشارة إليه في الخلاف السياسي أنه لا يحل أن يكون حافزًا للتنكر للحق ومعارضته، فمن المعقول أن تقع معارضة في السياسية، لكن لابد أن تكون تلك المعارضة للباطل، فلا يمكن أن تكون معارضة للحق والباطل معًا أو للحق، فهذا غير مقبول شرعًا ولا عقلاً.
النوع الثاني من أنواع الخلاف: الخلاف العقدي، ومن المعلوم أن أصول الدين الأصلية: هي الثوابت التي لا يقبل الخلاف فيها، وقد بينها النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل في قوله: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) فهذه الستة الأمور هي أركان الإيمان، من آمن بها ولم يزد عليها دخل الجنة، ويبقى تفصيلاتها وجزئياتها، منها ما حسمته النصوص، ومنها ما ترك للاجتهاد، وما ترك للاجتهاد فيه خلاف كثير، وما وردت فيه النصوص منها ما لم يكن صريحًا قطعي الدلالة، ومنها ما كان قطعي الدلالة، لكنه غير قطعي الورود، فكان ذلك مثارًا للخلافات، وتلك الخلافات ينبغي أن يقتصد فيها، و ألاَّ يفتح الإنسان أمام تنوعها، والمخاصمة فيها، ولهذا حذر الله من الجلوس مع الذين يخوضون في آياته فقال: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ[الأنعام:68-69]، وقال تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا[النساء:140]، وقد كان أئمتنا يكرهون الخوض في ذلك، قال مالك للرجل الذي جاء يسأله في بعض تلك المسائل: (أرأيت إن جاء من هو ألسن منا فخالفنا -خالف ما أنا عليه وما أنت عليه- وأتى بقول أظهر لسنًا وحجةً أتتبعه؟ قال: نعم، قال: فإن جاء من هو ألسن منه وأقوى حجة؟ قال: تبعته، قال: ما هي إلا سلسلة متصلة ......).
وأتاه أحد القدرية فقال: أريد المجادلة في القدر، فقال: (أما أنا فعلى بينة من أمري، وأنت شاك؛ فاذهب إلى شاك مثلك فجادله).
وعندما سأله رجل عن صفة الاستواء قال: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة؛ وما أراك إلا صاحب سوء، أخرجوه عني).
وقد كان كثير من الأئمة يتحرزون من الكلام في هذه الموضوعات، ويقولون: (سلني عما إذا أخطأت فيه قلتَ: أخطأتَ، ولا تسلني عما إذا أخطأت فيه قلتَ: كفرتَ).
وقد توسع الناس -وبالأخص في أيام المتأخرين- في المناظرات العقدية والخلافات التي شغلوا بها الأمة، وأكثروا فيها من التعصب والفرقة، والأمة في غنىً عن الخوض فيها أصلاً، فقد قال العلامة الشيخ بابا بن الشيخ سيديا :
كن للإله ناصرًا وأنكر المناكرا
وكن مع الحق الذي يرضاه منك دائرا
ولا تعد نافعًا سواءه أو ضائرا
واسلك سبيل المصطفى ومت عليه سائرا
فما كفى أولنـا أليس يكفي الآخرا
وكل قوم أحدثوا في أمره مهاجرا
قد زعموا مزاعمًا وسودوا دفاترا
واحتنكوا أهل الفلا واحتنكوا الحواضرا
وإن دعا مجادل في أمرهم إلى مرا
(فلا تمارِ فيهم إلا مراءً ظاهرا)
ويقول أيضًا:
آمن أخي واستقمْ ونهج أحمد التزمْ
واجتنب الطرق لا تغررك أضغاث الحلمْ
لا خير في دين لدى خير القرون قد عُدِمْ
أحدثه من لم يجئ قطع بأنه عصمْ
من بعد ما قد أنزلت (اليوم أكملت لكمْ)
وبعد ما صح لدى جمع على غدير خمْ
ادعُ إلى سبيله وخص في الناس وعمْ
وقل إذا ما أعرضوا (عليكمُ أنفسكم)
والخلاف العقدي منه الخلاف السلوكي، كالخلاف مع الصوفية، وهو داخل فيما سبقت الإشارة إليه.
النوع الثالث: الخلاف الفقهي:
الخلاف الفقهي: وهذا الخلاف أغلبه إما في اعتبار الدليل دليلاً، أو الخلاف في دلالته، أو بسبب عدم بلوغه أصلاً.
وأسباب هذا الخلاف أرجعها العلماء إلى اثني عشر سببًا، والأصل فيه أنه إثراء للفقه، وتوسعة على الأمة، وعناية بدراسة الشرع؛ لذلك ينبغي ألاَّ يلحق بخلاف التضاد، وإنما ينبغي أن يجعل من خلاف التنوع؛ وذلك إذا خلا أهله من التعصب، وعرفوا أن الأمور الاجتهادية وسع الشارع فيها ولم يحسمها بالدليل؛ لحصول التوسعة فيها، فهي من العفو، ولذلك قال الشعراني : (إن للشريعة سورين: سور الرخصة وسور العزيمة، والمتخالفان من أهل المذاهب داخل هذين السورين، فمن نحا جهة التحريم فقد اقترب إلى سور العزيمة، ومن نحا إلى جهة الإباحة فقد اقترب إلى سور الرخصة، والجميع بين سوري الشريعة).
الخلاف المنهجي:
النوع الرابع: الخلاف المنهجي: ومن أبرز أمثلته الخلاف الدعوي بين المناهج الدعوية المختلفة، وهذا الخلاف هو مثل الخلاف الفقهي، فلا شك أن الدعوة يُحتاج فيها إلى توسيع المدارك وتنويع الوسائل، وينبغي أن تكون مناهجها كجوارح البدن؛ فللبدن عين لا يمكن أن تقوم مقامها الأذن، والأذن لا يمكن أن تقوم مقامها الرجل، والرجل لا يمكن أن تقوم مقامها الشفتان أو الفم مثلاً، والفم لا يمكن أن تقوم مقامه اليد.. وهكذا، فكلها جوارح مفيدة يحتاج إليها، والقلب يوجه الجميع، ويستفيدوا منه، وهي وسائل إدراكه، فهكذا ينبغي أن يكون التنوع في المناهج من باب التنوع لا من باب التضاد، ولكن مع ذلك قد جعل في كثير من الأحيان من باب التضاد، وما ذلك إلا للتعصب المقيت الذي نحن في غنى عنه.
هذه هي أهم أنواع الاختلاف.
العنصر الثالث: الآداب التي يقتضيها الاختلاف:
ينبغي أن نعلم أن المتخالفين لابد أن يكونوا غير معصومين، فليس فيهم معصوم، فالمعصوم يلزم الانقياد له مطلقًا، ولا عصمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، والمعصوم بعده الإجماع فقط، أما إذا حصل الخلاف فلا عصمة حينئذٍ.
وهنا عشرة آداب لابد من استحضارها في مسائل الخلاف:
الأدب الأول: البدء بنقاط الاتفاق قبل نقاط الاختلاف، فإذا حصرنا نقاط الاتفاق هانت نقاط الخلاف وذابت، وسهل تجاوزها أو الاتفاق فيها على أمر، وإنما تشتد شقة الخلاف وتكبر الفجوة بسبب البدء بنقاط الاختلاف أولاً، وتجاهل نقاط الاتفاق التي قد تكون أكبر.
من أشهر الخلافات بين المسلمين اليوم -وبالأخص بين أهل السنة-: الخلاف في بعض المسائل العقدية، وأكثرها اجتهادية لم تحسم بالنص، إذا لم يُبدأ بمسائل الاتفاق وذُهب إلى مسائل الخلاف اتسعت شقة هذا الخلاف، لكن إذا ذهبنا إلى مسائل الاتفاق وجدنا أن أركان الإيمان ستة، وأن ثلاثة منها ليس فيها خلاف أصلي، وهي فيما يتعلق بالإيمان بالملائكة، وما يتعلق بالإيمان بالرسل، وما يتعلق بالإيمان باليوم الآخر؛ هذه مسائل اتفاق.
أما الثلاثة الأركان الأخرى؛ فأولاً: الإيمان بالله، وهو ثلاثة أقسام: اثنان منها -تقريبًا- ليس فيها اختلاف بين أهل السنة: الإيمان بربوبية الله للكون، والإيمان بألوهيته، فلا يخالف في ربوبيته إلا من كان خارجًا عن الإسلام، ولا يخالف في ألوهيته إلا بعض المنحرفين في جانب العبادة، فانحصر الخلاف في القسم الثالث، وهو الخلاف في أسمائه وصفاته.
وأيضًا هذا قسمان الأسماء والصفات، فالأسماء لا اختلاف فيها بين أهل السنة، ويبقى الخلاف في الصفات.
والصفات أيضًا ثلاثة أقسام:
قسم منها صفات الأفعال، وهذه لا خلاف في جمهورها، كالإحياء والإماتة والخلق والرزق.. ونحو ذلك.
ثم الصفات الأخرى صفات المعاني؛ وهذه -أيضًا- لا خلاف فيها، كالحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام تقريبًا، وسيأتينا الخلاف في الكلام بمعنى التكلم.
وكذلك السلوب من الصفات: كالقدم والبقاء والغنى والمخالفة للحوادث والوحدانية؛ فهذه لا اختلاف فيها.
فانحصر الخلاف في الشق الثالث، وهذا يشمل بعض الصفات الذاتية، كالوجه واليدين والقدم والساق والأصابع والعين والشخص، وبعض صفات الأفعال اليسيرة جدًا كالاستواء والتكلم والنزول. فهذا عدد من الصفات يسير جدًا، والذين اختلفوا فيه اتفقوا على ثبوت النصوص الواردة فيه، وأنها حق، وأن الله أعلم بنفسه، لكن اختلفوا فقط: هل تفسر أو ما تفسر؟
فالذين قالوا بعدم تفسيرها أصلاً نجوا من كثير من التفصيلات، والذي قالوا بتفسيرها اختلفوا، فمنهم من قال: نفسرها بظاهرها مع تنزيهه عن التشبيه بالمخلوقين، ومنهم من قال: نؤولها بما يدركه العقل بأعمال القياس، كما نعمل القياس في آيات الأحكام وآيات الصفات، وكل من عند ربنا.
أما الإيمان بالكتب المنزلة، فلا خلاف فيها إجمالاً، ولا خلاف في أن القرآن كلام الله، الخلاف فقط هو فيما يتعلق بالتكلم اللفظي، وهذا راجع إلى صفة من صفات الله، فقد اختلف: هل القرآن صفة الله أم لا؟
الذين يقولون: هو صفة الله مقصودهم: أن الله تكلم به، لكن هل يوصف هذا الكلام نفسه بكونه صفة بعد أن تكلم الله به؟ هذا محل خلاف: فالقرآن فيه صفة الله التي لا اختلاف فيها: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ[البقرة:255] ، وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ[البروج:14-16]،قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ[الإخلاص:1-4]، وهذا ليس فيه خلاف أنه صفة الله، لكن فيه أيضًا صفة عدو الله: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ[المدثر:11-15].
فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ * وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ * وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ[القلم:8-13]، فهذه من صفات عدو الله، وكونه يحفظ في الصدور، ويكتب في المصاحف، ويأتي يوم القيامة يجادل على صاحبه تتقدمه البقرة وسورة آل عمران كالغمامتين يقتضي انفصاله عن الذات، والصفة لا تنفصل عن الذات، فهذا سبب الخلاف، وهو سبب معقول، مع اتفاقهم على أن الكلام النفسي -الذي يعبر عنه بعضهم بنوع الكلام- أو جنس الكلام: صفة ملازمة لذاته، والاختلاف فقط في اللفظ الذي يسميه بعضهم آحاد الكلام، فتنحصر شقة الخلاف في مسألة ضيقة.
أما الإيمان بالقدر فأكثر مسائله لا خلاف فيها، فلا خلاف في أن الأمور كلها بإذن الله، وأنها مكتوبة عنده، وأنها لا يقع منها شيء إلا بعد علمه به وكتابته، وهذا عند أهل السنة، واختلافهم فقط هو في أفعال العباد، هل هي من فعل الله؟
بمعنى هل العباد يكسبونها، ولهم إرادة وقدرة لا توجدها، أو أنها من فعل العباد، وهي من خلق الله؟
لم يختلفوا أنها من خلق الله وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ[الصافات:96] ، إنما الخلاف فقط في نسبتها بعد ذلك، فمن المعلوم قطعًا أنها تنسب للمخلوق، وأنه يثاب على حسنها ويعاقب على سيئها، ولكن وجه تعلق المخلوق بها: هل هو الفعل المطلق -أي: أنه هو الذي فعلها- وهذا هو الصحيح، أو أنها كسب أي: أن له كسب وإرادة لا تتعلقان بإيجادها، فتحصل الأعمال عند الإرادة والقدرة لا بها، وهذا الذي يسمى بنظرية الكسب.
فالخلاف إذًا: محصور، وشقته محصورة، هذه هي مسائل الخلاف، في كبريات مسائل العقيدة، وما سواها كله تفصيلات وجزئيات، وهذا بين أهل السنة فقط، أما ما سوى ذلك فكله ابتداع، وخروج عن هذا المنهج العقدي الصحيح.
فالبدء بنقاط الاتفاق من الآداب المهمة في مراعاة الخلاف.
الأدب الثاني: عدم الجرح والاستطالة، فالمتخالفان لابد أن يتأدبا بالأدب الشرعي، فلا يستطيل أحدهما على الآخر ولا يجرحه، وقد قال الله تعالى في مخاصمة الكفار: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ[العنكبوت:46] ، وقال لموسى وهارون حينما أرسلهما إلى فرعون: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى[طه:44] ، وقال لمحمد صلى الله عليه وسلم: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ[آل عمران:159].
الأدب الثالث: عدم رفع الصوت، فرفع الصوت في حال الخلاف مدعاة لدخول الشيطان، ومدعاة لترك الأدب السابق، وهو الاستطالة، ولهذا حذر الله تعالى منه فقال: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً[النساء:148].
الأدب الرابع: قبول الحق والإنصات له، فلابد أن يكون المختلفان يطلبان الحق، وينصتان له، ويقبلانه، فالذي يصم عن الحق ولا يقبله لا يمكن أن يتأدب بأدب الخلاف أصلاً، ولهذا قال الله تعالى: فَبَشِّرْ عِبَادِي * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ[الزمر:17-18]، فهم يستمعون أولاً ثم يتبعون، وعاب على الكفار قولهم: لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ[فصلت:26] ، فلابد من الإنصات للخصم حتى يسمع الإنسان ما عنده، ولابد أن يقبل ما في كلامه من الحق، ولهذا علمنا الله في مجادلة المشركين أدبًا عجيبًا فقال: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ[سبأ:24] ، فمن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي على هدى، وأن المشركين في ضلال مبين، لكنه أتى بـ (أو) في هذا الأسلوب لأدب الخلاف؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم في أدب الخلاف مع المشركين يخاطبهم بأحب أسمائهم إليهم، فلما أتاه عتبة بن ربيعة قال له: (اسمع أبا الوليد !..)وكناه، وهذا يقتضي الأدب مع كل مخالف، فلا فائدة من نقص الأدب معه، وإنما يزيده نفرة، ولا يزيد الحق ظهورًا، ولهذا قال الشافعي رحمه الله: (ما ناظرت أحدًا إلا سألت الله أن يظهر الحق على لسانه، قيل ولمَ؟ قال: إن ظهر على لسانه عرفت الحق ولم أفتن، وإن ظهر على لساني خشيت أن أفتن).
وقد بين الله سبحانه وتعالى أن الخلاف لا يقتضي استنكافًا عن الحق وإنكارًا له، بل قال: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا[المائدة:2] ، وقال: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى[المائدة:8] ؛ ولذلك فإن عمرو بن العاص رضي الله عنه -كما في صحيح مسلم- أثنى على الروم بما علم فيهم من الخير، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عددًا من المشركين فأثنى عليهم ببعض الصفات الحميدة التي كانت فيهم كـالمطعم بن عدي وغيره.
الأدب السادس: عدم التعصب والاحتكار: فلابد أن ينطلق المتناظران المختلفان من مبدأ طلب الحق والاستسلام له إذا ظهر، والرجوع إليه إذا استبان، فإذا أتيا وكل واحد يريد أن يفرض قوله على صاحبه، ويحتكر الحق لنفسه، ولا يريد أن يغير موقفه بحال من الأحوال؛ فلا يمكن أن يتفقا بوجه من الوجوه، وهذا التعصب مقيت مذموم.
وقد كان مالك رحمه الله يقول في مسائل اجتهادية: إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ[الجاثية:32] ، ويقول: (ما منا أحد إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم).
واحتكار الحق فيه خطورة عظيمة؛ لأنه يقتضي من الإنسان أنه يدعي العصمة لنفسه، والشافعي رحمه الله يقول: (رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب)، أي: الصواب عندي يحتمل الخطأ؛ لأنه ليس منزل من عند الله، وإنما هو اجتهاد مني أنا، ورأي غيري خطأ عندي -لأن الحق لا يمكن أن يختلف اختلاف تضاد- يحتمل الصواب -لأنه اجتهاد شخص محترم كذلك-.
ومن هنا كان العلماء يحترم بعضهم أقوال بعض احترامًا عجيبًا، فهذا أبو يوسف صاحب أبي حنيفة مذهبه أن العلة القاصرة لا تصلح للتعليل، وأن أي نجس خرج من البدن ناقض للوضوء إذا تفاحش، فقرر ذلك يومًا في مجلسه فقال له رجلٌ: أرأيت إن كان الإمام قد جرحت ساقه فخرج منها دم فتفاحش، فصلى بالناس من غير وضوء أأصلي وراءه؟! قال:
(سبحان الله! ألا تصلي خلف مالك؟!).
فـمالك كان يرى أن العلة القاصرة تصلح للتعليل، وأن الناقض إنما هو ما خرج من أحد السبيلين فقط، وأن ما سواه من النجاسة لا ينقض الوضوء.
وكذلك فإن الإمام أحمد رحمه الله عندما سئل عن تعليق الطلاق على النكاح: ذكر أنه لا ينفذ، قيل: أرأيت إن مررت بحلقة المدينة فأفتوني بخلاف ما تقول فآخذ بقولهم؟! قال:
(سبحان الله! ألا تأخذ بقول مالك ؟!).
فقد كان جمهور أهل السنة يحترمون أقوال المجتهدين ويقدرونها، ولهذا قال الشافعي :
(لا أرد شهادة أحد من أهل الأهواء، إلا الخطابية؛ فإن من مذهبهم أنهم يستبيحون الكذب لنصرة من وافقهم في مذهبهم).
الأدب السابع: الإنصاف: أن يكون الإنسان منصفًا لخصمه، فإذا وقع هو في خطأ سهل عليه الاعتراف به، وإذا كان دليله ضعيفًا اعترف بذلك، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كتابه إلى أبي موسى الأشعري :
(ولا يمنعك قضاء قضيت فيه بالأمس فراجعت فيه نفسك فهديت فيه إلى رشدك أن ترجع إلى الحق؛ فإن الحق قديم لا ينقضه شيء، وإن الرجوع في الحق خير من التمادي في الباطل).
وقد قال العلامة .... رحمه الله:
ليس من أخطأ الصواب بِمُخْطٍ إن يؤب لا ولا عليه ملامة
إنما المخطئ المسيء من إذا ما ظهر الحق لَجَّ يحمي كلامه
حسنات الرجوع تذهب عنه سيئات الخطأ وتمحي الملامة
الأدب الثامن: الأمانة في النقل، فعلى كل واحد من المتخالفين أن يكون أمينًا في نقله، وألا ينقل عن الآخر ما لم يقله، حتى ولو كان لازم قوله، فإن لازم القول لا يعد قولاً، فلا ينسب لساكت قول، واللوازم كثير منها لا يخطر على البال؛ فلا يمكن أن يلزم باللازم أصحابه، ولا أن ينسب إليهم، وهذا قد تساهل فيه كثير من الناس مع الأسف، فيأخذون بعض اللوازم التي بعضها لا يلزم فينسبوها إلى صاحب ذاك المذهب، ويجعلونها من مذهبه، وهذا هو من التجني والكذب، فيلزم المؤمن أن يكون أمينًا في نقله، والأمانة أخت الدين، (لا إيمان لمن لا أمانة له)، وقد كان سلفنا يتحرجون جدًا من نسبة الأقوال، ويتأدبون غاية الأدب، فمثلاً: مسلم في الصحيح يقول: قال فلان: أخبرنا. وقال فلان: حدثنا؛ حتى لا ينسب إلى أحد قولاً لم يقله.
الأدب التاسع: حسن الظن والتماس أحسن المخارج، فالمختلفان إذا كانا من أهل العلم والإيمان والتقوى فينبغي أن يحسن كل واحد منهما الظن بصاحبه، وأن يظن به أنه ما قصد إلا إعلاء كلمة الله، ونصرة دينه، وأنه أعمل اجتهاده، وهذا الذي أداه علمه واجتهاده، وأنه مكلف بمقتضى عقله لا بمقتضى عقول الآخرين، ويُظن به أنه ما أراد إلا الخير.
والتماس أحسن المخارج مطلوب دائمًا، كما التمس أحسن المخارج لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان بعضهم يلتمس ذلك لبعض، فهذا مهم جدًا، ولذلك قال علي رضي الله عنه في قول الله تعالى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً[الحجر:47] :
(نزلت فينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حينما اختلفنا واقتتلنا).
وعندما مر يوم الجمل على طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قتيلاً، وقف عليه يبكي، وهو يقول:
فتىً كان يدنيه الغنى من صديقه إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر
فتىً لا يعد المال ربًا ولا يرى له جفوة إن نال مالاً ولا كبر
فتىً كان يعطي السيف في الروع حقه [إذا ثَوَّبَ الداعي وَتَشْقَى بهِ الْجُزْرُ]
فشهد له بهذه الصفات العظيمة التي يشهد بها الجميع لـطلحة رضي الله عنه.
وهكذا كانوا جميعًا يقر بعضهم لبعض بما فيه من الخير، ولذلك في كتابة معاوية رضي الله عنه إلى علي رضي الله عنه حين أرسل إليه يذكر سبب عدم بيعته له، وأن بيعة أهل المدينة وأهل العراق غير ملزمة لأهل الشام، وقال في آخر الكتاب:
(وأما قربك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسابقتك بالإسلام فأمر لست أنكره أو قال: فأمر لست أدفعه).
فهذا إقرار له بالفضل والسابقة بالإسلام والقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الأدب العاشر: عدم التشدد مع المؤمنين: فالتشدد إنما يكون مع الكفار، أما المؤمنون فحقهم الرحمة كما قال الله تعالى: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ[الفتح:29] ، وكما قال الله تعالى: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ[المائدة:54] .
فالتشدد مع المؤمنين والتساهل مع الكافرين إنما هو دأب الخوارج والملحدين؛ ولذلك فإن الخوارج ذبحوا عبد الله بن خباب بن الأرت رضي الله عنهما على شاطئ الفرات، فاستطال دمه حتى قطع النهر، وجلسوا تحت ظل نخلة لرجل من أهل الذمة يختصمون فيما بينهم، فقال بعضهم لبعض: إنكم قد جلستم في ظل هذه النخلة، ولم تستأذنوا صاحبها، وهو من أهل الذمة، فإما أن ترضوه، وإما أن تَكْفُرُوا، فذهبوا إليه يريدون أن يرضوه عن جلوسهم في ظل نخلته بما أراد من المال، فقال: عجبًا عمن يتورعون عن ظل نخلة لرجل يهودي ويستبيحون قتل عبد الله بن خباب!!
ومثل هذا قول ابن عمر: (يا أهل العراق! تستبيحون قتل الحسين في الشهر الحرام، وتسألون عن دم البعوض في الحرم).
نصل إلى العنصر الرابع من عناصر هذا الدرس، وهو: العلاج للخلاف إذا حصل:
ظاهرة الخلاف منتشرة موجودة فلابد من البحث عن علاج لها، وهذا العلاج لابد فيه من التدرُّج، فليس المقصود من العلاج حصول الاتفاق المطلق، فهذا قد لا يحصل، لكن إذا حصل وضع السلاح من الجانبين فهذا هو مكسب، وإذا حصل الاتفاق على نقاط عملية فهذا مكسب، وإذا اتجه كل جانب من الجانبين في اتجاه لا يعارضه فيه غيره فهذا مكسب.
إذًا: لابد من البحث في علاج الخلاف، وذلك في النقاط التالية:
العلاج الأول: الاتفاق على المرجع: فمن المهم جدًا وجود مرجع في الخلاف، وهذا المرجع إما أن يكون مرجعًا دينيًا، والمرجع لدى المسلمين هو الوحي: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ[النساء:59] ، فالرد إلى الله بالرد إلى كتابه، والرد إلى رسوله بالرد إلى سنته، ولكن لابد أن يعلم أن الرد نفسه لا يمنع الخلاف ولا يردعه، وإنما يعود ذلك إلى الفهم والاستيعاب والاستنباط، كما قال تعالى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ[النساء:83] ، ولم يقل: (لعلموه جميعًا)، فليس مجرد الرد كافياً في رفع الخلاف كما يتوهمه كثير من المستعجلين، فيمكن أن نرد إلى الكتاب ونرد إلى السنة، ويبقى الخلاف وارداً؛ لوجود خلاف في الدلالة لا في الدليل، فالكتاب والسنة على الرأس والعين، لكن ما معناهما؟ هل فهمك أنت فيهما مرجع بالنسبة لي أنا؟ فهذا أمر لابد أن ينتبه له من البداية.
النوع الثاني من أنواع المراجع: الأشخاص الذين هم محل ثقة، وهم أهل العلم والتقوى والورع الذين أحال الله عليهم في قوله: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ[النحل:43] ، وفي قوله: لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ[النساء:83] ، ومن المعلوم أن هذه الأمة لا تخلو منهم، فإذا كان للأمة مرجع يُصدر عن قوله في الأمر؛ فذلك قمن لرفع الخلاف وإزالته.
النوع الثالث: المرجع النظامي، والمرجع الرسمي ومن أبرزه الخليفة، فلو وجد للمسلمين خليفة، فإنه يرفع الخلاف بينهم؛ لأن حكمه يرفع الخلاف.
ومثل ذلك القاضي الذي تنصيبه صحيح، فإن حكمه يرفع الخلاف في المسائل الخلافية، ومع الأسف أن وجود المرجع اختص بها أهل البدع اليوم، فاشتهرت لدى الشيعة، وفقدت لدى أهل السنة، فالشيعة لديهم مرجع يرجعون إليه في حل خلافاتهم، ويصدرون عن رأيه جميعًا -وهذا في بعض فرقهم لا كلها- وأهل السنة ليس لهم من المراجع ما يرجعون إليه، ويتراجعون عن أقوالهم أمامه.
العلاج الثاني: التحكيم؛ أن يحكم في المسألة من هو أهل لذلك، ويتراضى به الخصمان، فتُدرس المسألة من الجانبين، ويحكموا فيها عند عدم وجود المرجع، فإذا لم يوجد مرجع فنضطر للتحكيم، كما حصل للصحابة رضوان الله عليهم عندما اختلفوا، ولم يجدوا مرجعًا معصومًا -لأن المعصوم قد توفي صلى الله عليه وسلم- ولم يفصل بينهم النص من الوحي، فحكموا رجلين مرضيين عندهم جميعًا، وهما أبو موسى الأشعري رضي الله عنه وعمرو بن العاص رضي الله عن الجميع.
وهذا التحكيم، ينبغي أن يرفع الخلاف عمليًا، فيصادر العمل، ولا يصادر الرأي.
العلاج الثالث: التنازل: وهو أن يتنازل أحد الطرفين عن قوله جمعًا للكلمة وتعقلاً في الأمر، فإن الحسن رضي الله عنه عندما تنازل في قضية الخلاف السياسي كان ذلك رفعًا لدرجته ومنزلته، وقد أثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: (إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)
وتنازل أحد المختلفين عن رأيه لصالح جمع الكلمة ليس تنازلاً لصالح الآخر، ولا انهزامًا أمامه، بل هو موازنة بينما يترتب على رأيه هو من المصالح، وما يترتب على اجتماع الكلمة من المصالح، وسيرى أن اجتماع الكلمة بلا شك أفضل، وما يترتب عليه من المصالح أقوى، فيشرع حينئذٍ التنازل ويحب، وبالأخص في الخلاف السياسي، ويمكن أن يحمل عليه الخلاف المنهجي الدعوي.
العلاج الرابع: أن يتعاونوا فيما اتفقوا عليه، ويعذر بعضهم بعضًا فيما اختلفوا فيه: فإذا حددت نقاط الاتفاق أولاً، وحددت نقاط الخلاف: بدءوا أولاً بنقاط الاتفاق فتعاونوا في نطاقها، وعملوا بها، ولم يبقَ إلا نقاط الخلاف، وإذا لم يستطيعوا حلها؛ دل ذلك على أنها ليست من ثوابت الدين، وأنها ليس عليها دليل حاسم في المسألة، فيعذر بعضهم بعضًا في الخلافات الفقهية، كما عذر بعض المجتهدين بعضًا في المسائل الاجتهادية، وهذه قاعدة مهمة، وقد نبه عليها عثمان رضي الله عنه عندما أطل على الناس وهو محصور في الدار، فقال له رجل: يا أمير المسلمين! أنت إمام سنة، وهؤلاء إمامهم إمام بدعة، وهم يصلون، أفنصلي معهم؟ قال:
(إن الصلاة من أحسن ما يصنع الناس، فإذا أحسنوا فأحسن معهم، وإذا أساءوا فتجنب إساءتهم).
إذا أحسنوا فأحسن معهم: هذه نقاط الاتفاق.
وإن أساءوا فتجنب إساءتهم: هذه نقاط الخلاف.
العلاج الخامس: المعذرة، وهي مهمة جدًا، ولذلك قال الخليل بن أحمد لولده:
لو كنت تعلم ما أقول عذرتني أو كنت أجهل ما تقول عذلتك
لكن جهلت مقالتي فعذلتني وعلمت أنك جاهل فعذرتك
وحصول العذر مدعاة لأن يسير كل على شاكلته، كما حصل في المذاهب الفقهية، فتتعايش بينها، ويستمر هذا التعايش زمانًا حتى تزول من النفوس تلك الحزازة، وتأتلف القلوب، حينئذٍ من شاء أخذ بهذا القول، ومن شاء أخذ بالآخر على اعتبار تساويهما وعدم الانفصال بينهما، ومن ترجح لديه أحدهما وجب عليه الأخذ به، ومن لم يترجح لديه أحد القولين فهو بالخيار أو يأخذ بالاحتياط بينهما.
فهذا هو علاج الخلاف الذي ينبغي أن يؤخذ به.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
وأسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يأخذ بنواصينا إلى الخير أجمعين، وأن يجعلنا هداة مهديين، غير ضالين ولا مضلين، وأن يرينا الحق حقًا، وأن يرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً، وألاَّ يجعلنا أتباعه، وأن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا، وأن يجمع على الحق قلوبنا، وأن يملكنا أنفسنا بخير، وألاَّ يسلطها علينا بشر، وأن يجعل سرائرنا خيرًا من علانياتنا، وأن يجعل علانياتنا صالحة.
اللهم! آت أنفسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم! اجعل قلوب المسلمين على الحق يا أرحم الراحمين!
اللهم! اخلف نبيك محمدًا صلى الله عليه وسلم في أمته بخير.
اللهم! أبرم لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، وتقام فيه حدودك يا أرحم الراحمين!
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الصافات:180-182].
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر