شرع الله لنا الشرائع لإصلاح النفس البشرية، وتقويمها وربطها بالله سبحانه وتعالى، فالحج شرعه الله تعالى وفرضه مرة واحدة في العمر، ولكنه زاد لذلك العمر كله يتزود منه الإنسان بتقوى الله عز وجل، والثبات عليها. ومن أخطاء المسلمين في هذه العبادات: أن بعضهم مع الأسف يظن أنه يكفي أن يؤدي شكلها وصورتها، ثم بعد ذلك ينسى مضمونها ومعناها وثمرتها، وتزكية النفس لا تقوم إلا بأمرين: الإخلاص لله سبحانه وتعالى، والاستقامة على طريق النبي صلى الله عليه وسلم.
فإن أصدق الحديث كتاب الله عز وجل، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعةٍ ضلاله وكل ضلالة في النار.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، ويتقبل حجنا وحجكم، ويجعله حجاً مبرورا، وأن يردنا مغفورة ذنوبنا، وأن يوفقنا للاستمرار في العمل الصالح أيامنا كلها حتى نلقاه، وأهنئكم بأن وفقكم الله سبحانه وتعالى لأداء هذه الفريضة العظيمة، وهذا النسك العظيم، وهذه العبادة الجليلة التي تقرب من الله سبحانه وتعالى، والتي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ليس له جزاء إلا الجنة، ( والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ).
فنسأل الله سبحانه وتعالى ألا يحرمنا وإياكم من الحج المبرور، وألا يحرمنا بعد ذلك من ثوابه وجزائه، وأسأل الله أن يزيدنا وإياكم توفيقا، وعملاً بما يرضيه وبراً وطاعة، وهذا العمل هو من جملة شرائع الإسلام، وشعائره التي شرعها الله سبحانه وتعالى لإصلاح النفس البشرية، وتقويمها وربطها بالله سبحانه وتعالى، ولا يخفى عليكم أن الله سبحانه وتعالى شرع لنا شعائر تقربنا منه زلفى، وتطهر نفوسنا وتزكيها، وتنمي الخير في نفوسنا، وتربينا على الاستمرار على الصراط المستقيم، والاستقامة على هدى الله عز وجل.
وهذه العبادات وهذه الشعائر منها ما هو مؤقت، ومنها ما هو غير مؤقت، والإنسان يحتاج إلى أن يتزود منها دائماً لأنه في سفر، فالإنسان مسافر في رحلة الدينا ومستقره بعد هذا السفر إما جنة وإما نار، نسأل الله أن يجعل مستقرنا وإياكم والجنة، وأن يعيذنا وإياكم من النار، ولكي يستقر الإنسان من هذا السفر في مستقر رحمة الله سبحانه وتعالى، لابد أن يظل على صلة بالله، وارتباطاً به، فأعظم ما يصل بالله سبحانه وتعالى ذكره، ذكر الله عز وجل من أعظم ما يصل بالله، والعبد لابد أن يذكر الله سبحانه وتعالى حتى لا ينساه فينسيه الله نفسه، كما قال سبحانه وتعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [الحشر:19-20]، فلا يحق للإنسان ولا يليق به ولا يجوز له أن ينسى الله سبحانه وتعالى.
وهذه الأعمال التي يذكر به الله سبحانه وتعالى، منها ما يتكرر في اليوم الواحد، ومنها ما يتكرر في السنة، ومنها ما يتكرر سنة بعد سنة، ومنها ما لا يجب إلا مرة واحدة في العمر، ويحث وينبغي تكراره كلما استطاع الإنسان إلى ذلك، فالحج الذي نحن فيه مثلاً، شرعه الله تعالى وفرضه مرة واحدة في العمر، ولكنه زاد لذلك العمر كله يتزود منه الإنسان بتقوى الله عز وجل، والثبات عليها.
والصلاة شرعها تعالى خمس مرات في اليوم، كلما غفل الإنسان أو كاد أن يغفل أو خيف عليه أن يغفل، إذا بالصلاة تأتيه، فتذكره بالله سبحانه وتعالى، وتنبهه وتوقظه وتصل ما بينه وبين الله عز وجل.
والصوم يتكرر كل سنة، فعلى الإنسان أن يتزود منه بالتقوى لسنته كلها، ولهذا قال سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ [البقرة:183-184]، ومن أخطاء المسلمين في هذه العبادات أن بعضهم مع الأسف يظن أنه يكفي أن يؤديها أو أن يؤدي شكلها وصورتها، ثم بعد ذلك ينسى مضمونها ومعناها وثمرتها، يظن أنه يكفي أن يؤدي صورتها وبعد ذلك ينسى مضمونها، ومغزاها، ونتيجتها، وهذا لا ينبغي، فإن الإنسان ينبغي أن يحرص على الخير، وأن لا يضيع ما حصل عليه من الخير، فأنتم تعلمون جميعاً أن الإنسان إذا حصل على دراهم معدودة لا يحب أن يضيعها، ولا يرضى بأن تضيع منه، ويبذل كل الوسائل لحفظ هذه الدراهم المعدودة، فكيف إذا حصل الإنسان على زاد من التقوى زادٍ يقربه من الله سبحانه وتعالى، وزاد يباعده عن النار، كيف يرضى أن يضيع منه هذا الزاد، كيف ترجع من الحج مغفوراً ذنبك، ثم بعد ذلك تبدأ تتزود من الذنوب، وتتحمل الذنوب على نفسك، كيف تخرج من الصلاة وقد ذكرت الله سبحانه وتعالى، وشكرته وتقربت منه ثم بعد ذلك تبعد نفسك عن الله سبحانه وتعالى بالمعاصي، كيف تخرج من الصوم وقد حصلت على التقوى ثم تضيع هذه التقوى بمعصية الله سبحانه وتعالى،.. فكيف يقبل الإنسان وكيف يرضى بأن يضيع زاداً حصل عليه من التقوى بالصوم، أو بالصلاة، أو بالحج، أو بالزكاة، أو بغير ذلك، هذا لا يليق بمسلم.
والاستمرار على العمل الصالح والمداومة عليه وعدم تضييع ما حصل عليه الإنسان منه يحيلنا إلى مسألة أساسية وعظيمة الفائدة، وهي أن المقصود بهذه العبادات وهذه الأعمال الصالحات هو تزكية الإنسان نفسه، أن يزكي الإنسان نفسه ويربيها ويمرنها على العمل الصالح، والله سبحانه وتعالى بين لنا أن النفس إذا زكها الإنسان فقد فاز صاحبها، وإذا دساها ولم يطهرها فقد خسر الخسران المبين، قال سبحانه وتعالى: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:7-9]، أي طهرها من الذنوب والمعاصي ورباها على طاعة الله، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:10]، أي: أفسدها وضيعها، ونجسها بالمعاصي والذنوب، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:10].
فينبغي ونحن نستعد، أو نكاد نستعد للانصراف من حجتنا هذه، نسأل الله أن يتقبلها، أن نسائل أنفسنا، كيف نستمر على عمل تزكوا به نفوسنا وتتطهر به قلوبنا، ونتقرب به إلى ربنا، ونستمر على العمل الصالح في أوقاتنا كلها، كيف يمكن ذلك؟
والجواب: على هذا يقتضي أن نعلم أولاً مسلمة عند كل مسلم، وهي أن الطريقة التي ربى بها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وزكى بها نفوسهم هي الطريقة المثلى للتربية، بل ليس لتزكية النفوس طريقة صالحة مرضية عند الله سبحانه وتعالى إلا الطريقة التي زكى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم نفوس أصحابه.
فنحن مثلاً مضت علينا فترة يحرم علينا أن نلبس المخيط، ويحرم علينا أن نغطي رؤوسنا بملاصق، ويحرم علينا أن نتطيب، ويحرم علينا أن نزيل الشعر، ثم جاءت فترة وجب علينا فيها أن نزيل الشعر، وحل لنا أن نلبس المخيط، وأن نتطيب وأن نفعل محظورات الإحرام، لماذا كان حلق الشعر حراماً ثم أصبح واجباً؟
لأنها سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأننا لا نعبد الله بأهوائنا، إنما نعبده بحسب ما جاءنا به النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا جاءنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن نحلق شعورنا حلقناها، وإذا جاءنا بأن نتركها تركناها، وإذا جاءنا بأن نقص أظافرنا قصصناها، وإذا جاءنا بأن نتركها تركناها، وإذا جاءنا بأن نترك المخيط تركناه، وإذا جاءنا بأنه يحل لنا لبس المخيط لبسناه، فهذا يدلنا ويبين لنا أن الطريقة الصحيحة لكل عمل يتقرب به الإنسان لله سبحانه وتعالى، هو أن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم حذو القذة بالقذة، وأن لا يقدم هواه، واجتهاده، ورأيه على ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه إن فعل ذلك كان مقدماً بين يدي الله ورسوله، والله سبحانه وتعالى يقول يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا[الحجرات:1].