إسلام ويب

الأحاديث المعلة في الطهارة [10]للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من الأحاديث المعلة في كتاب الطهارة حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى الغائط لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض)، فهذا الحديث من حيث الإسناد لا يصح، وأما من جهة المعنى فإن الأدلة العامة قد دلت عليه. وكذلك حديث: (إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة بغائط ولا بول ولا يستقبل الريح)، فهو حديث منكر بهذا الوجه؛ وذلك لتفرد عبد الله بن لهيعة به، ومنها حديث: (حولوا مقعدتي إلى القبلة) عله المحدثون بسبب سماع خالد بن أبي الصلت من عراك، وحصول الاضطراب في سنده، وأيضاً حديث: (نهى عن استقبال القبلتين بغائط أو بول) لمخالفته ما جاء في الصحيحين وكذا تفرد أبي زيد به وهو مجهول لا يعرف.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد :

    فأول أحاديث اليوم حديث عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى الغائط لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض ).

    هذا الحديث رواه أبو داود في كتابه السنن والترمذي من حديث وكيع عن الأعمش عن رجل عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء أيضاً من وجه آخر من حديث وكيع و أبي يحيى الحماني عن الأعمش قال: قال عبد الله بن عمر وأسقط الواسطة، وجاء من وجه آخر أيضاً من حديث وكيع بن الجراح عن الأعمش عن القاسم بن محمد عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وهذه ثلاثة وجوه يرويها الأعمش ، الوجه الأول: هو بذكر واسطة مجهولة.

    الوجه الثاني: بإسقاط الواسطة.

    الوجه الثالث: بإبدالها بـالقاسم بن محمد عن عبد الله بن عمر .

    وجاءت وجوه أخرى في هذا، فقد رواه عبد السلام بن حرب عن الأعمش عن أنس بن مالك ، فجعله من حديث أنس بن مالك بدلاً من حديث عبد الله بن عمر ، وقد ذكر هذا أبو داود في كتابه السنن ورواه الترمذي وأعله، وجاء من حديث محمد بن ربيعة عن الأعمش عن أنس بن مالك كما رواه البزار ، ورواه العقيلي من حديث سعيد بن مسلمة عن الأعمش عن أنس بن مالك.

    فعندنا هنا حديثان: الحديث الأول: حديث عبد الله بن عمر ، والثاني: حديث أنس بن مالك ، وحديث عبد الله بن عمر و أنس بن مالك كلها مرسلة؛ وذلك أن الأعمش لم يسمع من أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نص على هذا غير واحد من الحفاظ، فيقول الحاكم عليه رحمة الله: لم يسمع من أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى أنساً يصلي فذكر الحكاية، يعني: صلاة أنس بن مالك عليه رضوان الله تعالى، وقد سأل الترمذي البخاري عن هذا الحديث، فقال: أيهما أصح، يعني: حديث عبد الله بن عمر أم حديث أنس بن مالك ؟ فقال: كلاهما مرسل، ولم يقدم أحدهما على الآخر.

    الترجيح عند تساوي علة حديثين

    وهنا مسألة من مسائل العلل في هذا: وهي أن الناقد إذا استوت وجوه التضعيف عنده فأنه ينبغي ألا يرجح بينهما إن اشتركا في علة واحدة، فحديث عبد الله بن عمر و أنس بن مالك كلها منقطعة، وهي من جهة الإعلال سواء، فلا حاجة إلى أن نرجح أن الحديث جاء من حديث عبد الله بن عمر وهو الأرجح، أو أن الحديث جاء من حديث أنس بن مالك وهو الأرجح، وإن كان ظاهر سياقات الحفاظ أنهم يرجحون ما جاء من حديث عبد الله بن عمر على ما جاء من حديث أنس بن مالك ، وأن الأصح في ذلك هو حديث عبد الله بن عمر ، ولكن البخاري لما سئل عن هذا؟ قال: كلاهما مرسل، يعني: أنهما قد اشتركا في علة واحدة فتصحيح أحدهما لا يعني تقويةً وذلك للاشتراك في العلة.

    فلهذا ينبغي لطالب العلم إذا نظر في مجموع الأحاديث المتقاربة من جهة الضعف ألا يقدم أحدها على الآخر إن استوت من جهة الضعف أو تقاربت من جهة الترجيح، بخلاف الوجهين غير المتقابلين، وذلك كأن يكون الحديث من وجه قوي ومن وجه فيه ضعف، فإن الأئمة حينئذ يجسرون على الترجيح، ولو على سبيل الاحتياط كأن يميلوا مثلاً إلى الضعف.

    على سبيل المثال كـالأعمش مثلاً لو قلنا: إنه صح سماع الأعمش من أنس بن مالك ولم يصح من عبد الله بن عمر ، فمثل هذا هل يقال: بالتكافؤ في الطريقين؟

    الجواب لا نقول بالتكافؤ باعتبار أن طريق أنس بن مالك طريق متصلة وصحيحة، وطريق عبد الله بن عمر طريق ضعيفة، فحينئذ نميل إلى الترجيح، ولكن إذا استوت الطرق من جهة العلة فلا نرجح، وهذا هو الأغلب في صنيع العلماء، ومن نظر في كلام أبي حاتم و أبي زرعة وأحمد و الدارقطني وغيرهم في أمثال هذه المسائل، وجد أنهم لا يرجحون إن كانت العلة متقاربة ولا مرجح ظاهر إلا قرائن دقيقة، أو كان الترجيح ضعيفاً أو دقيقاً، وربما لو كان الترجيح ظاهراً لا يرجح الأئمة إذا كانت الطرق كلها معلولة، كما في هذا الحديث.

    وهذا الحديث قد جاء من طرق واهية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصح منها شيء، كما رواه البيهقي وغيره من حديث الحسين بن عبيد الله عن شريك بن عبد الله النخعي عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب إلى الخلاء لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض ) ، هذا الحديث منكر؛ وذلك أنه قد تفرد به من هذا الوجه الحسين بن عبيد الله وهو متهم بالوضع، وقد حكم ببطلان الخبر غير واحد من الأئمة كـابن عدي عليه رحمة الله تعالى في كتابه الكامل، وهذا الحديث من مفاريد الحسين بن عبيد الله.

    الحث على ستر العورة

    وقد جاء من وجوه أخرى أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصح منها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جاء من حديث عائشة عليها رضوان الله تعالى ولا يصح أيضاً، ولكن من جهة المعنى يقال: إن الأدلة العامة قد دلت على ذلك، وهو أن الإنسان يستحب له أن يستر العورة، لكن أن يقال: إن الإنسان يأخذ ذلك على الإطلاق حتى في الأبنية ونحو هذا، بحيث يفعل هذا تعبداً، فنقول: هذا لا دليل عليه، أو يكون الإنسان بفلاة لا يراه أحد على الإطلاق ففي مثل هذا لا يقال: إنه يتعبد بألا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض، ولهذا نقول: إن الإنسان إذا غلب على ظنه أو ورد شك أن يراه أحد فإنه يحتاط في هذا، ولهذا قد جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في أبواب الاحتياط في مسائل العورات:

    منها: أنه كان إذا أراد الغائط أبعد المذهب، ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستتر إذا ذهب إلى الخلاء، وغير ذلك مما يدل على أهمية الاحتياط لمسألة العورة، بل جاء في الشريعة ما هو أشد من ذلك، وهو الاحتياط في مسألة العورات عن أعين الجن، وذلك بذكر الله سبحانه وتعالى، وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من هذا مما هو معلول، وأشرنا إلى شيء من هذا أيضاً مما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088522023

    عدد مرات الحفظ

    777106542