إسلام ويب

الأحاديث المعلة في الطهارة [26]للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من الأحاديث المعلة في كتاب الطهارة حديث: (أن رسول الله لم يكن يمنعه من القراءة شيء إلا الجنابة)، فهو من مفاريد عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة، وهو أيضاً مقل في الحديث وقد ضعفه غير واحد من أهل العلم، وهذا الحديث يحتاجه المتعلمون والفقهاء كثيراً وكان ينبغي أن يرد من طرق قوية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومنها حديث: (سنة مسنونة إذا أراد المؤذن أن يتوضأ وأن يكون قائماً)؛ فقد تفرد به عمير عن الحارث بن عيينة وفيه انقطاع كما نص على ذلك جماعة.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد: فالحديث الأول في هذا المجلس حديث علي بن أبي طالب عليه رضوان الله: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يمنعه من القراءة شيء إلا الجنابة ) وهذا الحديث رواه الإمام أحمد في المسند وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث شعبة بن الحجاج عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي بن أبي طالب، وذكره.

    علل حديث: (أن رسول الله لم يكن يمنعه من القراءة شيء إلا الجنابة)

    وهذا الحديث أعل بعلل:

    منها أن هذا الحديث من مفاريد عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة، وعبد الله بن سلمة مقل للحديث، وهو من فقهاء الكوفة، وقد تفرد برواية هذا الحديث عن عبد الله بن سلمة عمرو بن مرة كما نص على ذلك غير واحد كالإمام أحمد والدارقطني وغيرهم.

    و عبد الله بن سلمة مع قلة حديثه فقد ضعفه غير واحد كـالدارقطني، وقال أبو حاتم والنسائي: تعرف وتنكر. يعني له أحاديث مناكير لا يوافق فيها الثقات، وله أحاديث معانيها معروفة، وقد أعل غير واحد من الحفاظ هذا الحديث به، كما أعله الإمام أحمد عليه رحمة الله.

    كذلك منها أن هذا الحديث لم يوجد مرفوعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدنيين والمكيين لا بلفظه ولا بمعناه، بل جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألفاظ العموم ما يخالفه بعمومه.

    وهذا الحديث جاء من وجه آخر أيضاً عن علي بن أبي طالب، فقد رواه أبو يعلى في كتابه المسند، وعبد الرزاق في المصنف من حديث عامر بن السمط عن أبي الغريف عن علي بن أبي طالب، وجعله موقوفاً عليه، ولم يرفعه.

    والصواب فيه الوقف، ويؤيد الموقوف حتى عند الكوفيين أنه جاء عن علي بن أبي طالب من وجه آخر وإن كان فيه ضعف، أنه رواه ابن أبي شيبة في كتابه المصنف من حديث أبي إسحاق عن الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب، فجعله موقوفاً عليه، وهذا وإن كان في إسناده الحارث الأعور وهو ضعيف، وتفرد به أبو إسحاق عنه إلا أنه لو كان مرفوعاً لحمله الحارث وأضرابه بالرفع؛ لأن الضعيف يتشوف إلى المرفوع أكثر من الموقوف، خاصة فيما لا يقال من قبيل الرأي من أمثال هذا الحديث.

    كذلك أيضاً فإن الآثار الواردة في ذلك والتي يعمل بها الفقهاء إنما هي موقوفات، فقد جاء هذا عن عمر بن الخطاب بإسناد صحيح يرويه ابن أبي شيبة، وكذلك ابن المنذر من حديث عبيدة السلماني عن عمر بن الخطاب أنه كره للجنب أن يقرأ القرآن.

    ولكن هذا أيضاً موقوف على عمر، ولا يثبت فيه الرفع، ولو كان فيه شيء مرفوع لاعتمد عليه، ويؤيد هذا ويؤكده أن هذه المسألة ليست محل إجماع، ولو كان فيها نص مرفوع فأعلم الناس بفقه عمر من الصحابة عبد الله بن عباس؛ لأنه كان جليساً له ويدنيه، وقد ثبت عن عبد الله بن عباس جواز قراءة القرآن للجنب من غير طهر، ثبت هذا عند ابن المنذر في كتابه الأوسط من حديث عبيد بن عبيدة عن عبد الله بن عباس أنه قرأ القرآن وهو على جنابة، فقيل له في ذلك، فقال: ما في جوفي أكثر. يعني أنني أحمل القرآن بين جنبي وأنا على طهر وأنا لست على طهر، فما في الجوف أكثر، يعني أنني إن ذكرت شيئاً من القرآن كالسورة والسورتين وأنا جنب فأنا أحمل القرآن كله، ولو كنت على جنابة.

    ولو كانت المسألة محسومة عند عبد الله بن عباس، ويعلم ما جاء عن عمر في ذلك أن له حكم الرفع لما خالف في ذلك عبد الله بن عباس عمر بن الخطاب .

    وثمة قرينة تؤخذ في مسائل المتون والفقه، ولها أثر في العلل أننا إذا جاء عندنا أثر عن عمر بن الخطاب فالأصل أن عبد الله بن عباس يوافقه، وإذا جاء عن عبد الله بن عباس روايتان، وجاء عن عمر رواية، فالأرجح عن عبد الله بن عباس ما يوافق فيه قول عمر؛ لأن عبد الله بن عباس يهاب مخالفة عمر بن الخطاب، ولا يخالفه في حياته، وما كان من أقوال يخالفه فيها فيظهرها بعد موته؛ جمعاً للكلمة، وهذا من فقهه عليه رضوان الله.

    أوجه نكارة متن حديث: (أن رسول الله لم يكن يمنعه من القراءة شيء إلا الجنابة)

    وينبغي أن يعلم أيضاً أن هذه المسألة -وهذا يتعلق بالمتن- من المسائل التي يحتاج إليها، وهي قراءة القرآن للجنب، وتعرض للإنسان، ومثلها يسأل عنها، وتطرأ للمتفقهة والمتعلمين كثيراً، فلما لم يرد فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر دل على عدم وجود المرفوع في ذلك على سبيل الحسم، وأما الفعل فهذا محتمل، وقد جاء عن عائشة عليها رضوان الله تعالى في الصحيح أنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه ) والمراد بهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمتنع من ذكر الله على الإطلاق في كل حين إلا ما دل الدليل عليه، كأن يكون الإنسان في الخلاء كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ( إني كرهت أن أذكر الله وأنا على غير طهر ) وهذا في مسألة الجنابة لما كانت تعرض للإنسان.

    ومن علامات نكارة المتن أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجنب، ويتوضأ وينام، ولا يغتسل، ومعلوم أن المتوضئ إذا توضأ وهو جنب أن الوضوء لا يرفع الحدث، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدع الذكر عند النوم، ومن الذكر ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قراءة المعوذات والنفث فيها، وكذلك من قراءة آية الكرسي، وهذه من القرآن، فلما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه ينام وهو جنب إذا توضأ دل هذا على نكارة المتن بالإطلاق.

    وأما ما جاء عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى أنه كره قراءة الجنب للقرآن، وقول بعض الفقهاء والمحدثين في ذلك إن الكراهة عند الصحابة يراد بها التحريم، هذا في الأغلب، ولكنه ليس على الاطراد، وإنما دفعنا التحريم هنا لهذه القرائن.

    وكذلك أيضاً لما جاء عن عبد الله بن عباس، قد يقول قائل: إن عمر بن الخطاب يقول بالتحريم، وعبد الله بن عباس يقول بالجواز، نقول: أوفق الوجوه في ذلك أن تجمع هذه على وجه تتقارب فيه أقوال الفقهاء من الصحابة كـعمر وعبد الله بن عباس، فـعبد الله بن عباس لم يخالف نظيراً له، أو رجلاً من الصحابة من الفقهاء وهو بعيد عنه، أو متقدماً عليه تقدماً لم يدرك عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى معه فقهه، وإنما كان ذلك مع عمر بن الخطاب، وفقه عمر بن الخطاب قد انتشر، واحتاج إليه الناس، وكان عبد الله بن عباس أقرب الناس إليه، فلما كانت هذه المخالفة دل على أنها تدور بين الكراهة والجواز.

    كذلك أيضاً فإن حديث علي بن أبي طالب المرفوع الذي يتفرد به عبد الله بن سلمة عن علي بن أبي طالب جاء مرفوعاً في أحاديث الكوفيين، وجاء من غير حديث عبد الله بن سلمة ما تقدم من حديث عامر عن أبي الغريف عن علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى، فجعله موقوفاً.

    وتقدم معنا أن اختلاف الرفع والوقف على حديث من الأحاديث أن النفس تميل غالباً فيه إلى الوقف، والعلة في ذلك أن الضعيف يميل إلى الرفع وتتشوف النفس إليه، وخاصة أن عبد الله بن سلمة قد اختلط، وعمرو بن مرة الذي يروي عنه روى عنه بعد اختلاطه، وذلك أن شعبة بن الحجاج يقول: قال لنا عمرو بن مرة: أدركنا عبد الله بن سلمة، فكان يحدثنا وكنا نعرف وننكر.

    أي: أننا نعرف من حديثه شيئاً وننكر شيئاً آخر، مما يدل على أنه اختلط، ولم يكن ثابتاً في ذلك، وأما ما ينقله بعض المحدثين، ويعتمد عليه في تحسين هذا الحديث أن شعبة بن الحجاج قال في هذا الحديث: أحسن ما أرويه عن عمرو بن مرة، وجاء عنه أنه قال: هذا الحديث ثلث رأس مالي. والمراد بذلك في حديثه عن عمرو بن مرة خاصة، ليس المراد بذلك هو سائر الأحاديث التي يرويها شعبة بن الحجاج .

    أولاً: إذا قلنا: إن هذا الحديث يريد به أنه ثلث رأس ماله بالنسبة للسنة، فهذا لا يمكن أن يكون لوجود أحاديث في الأصول والأحكام والثوابت في الدين وكلياته يرويها شعبة بن الحجاج لا يمكن أن تحمل هذه العبارة على مثل هذا الحديث، ولا يليق حملها على من هو بمثل حفظ وإدراك شعبة بن الحجاج، وإنما المراد بذلك أنه ثلث رأس ماله عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى، وهذا هو أولى ما ينبغي أن يحمل عليه.

    وأما قول: أحسن ما أرويه عن عمرو بن مرة. يعني أن ما يرويه عن عمرو بن مرة منه الضعيف، ومنه ما هو أحسن حالاً منه، فهو أحسن الأحاديث التي يرويها عن عمرو بن مرة، ويحتمل أن المراد بالحسن هنا هو الغرابة، وذلك أنه ينبغي أن يحمل قول الإمام وكذلك الناقد على ما يوافق فيه الأئمة الثقات، ونجد أن عامة الحفاظ من المتقدمين لا يقولون بصحة هذا الحديث مرفوعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نص على عدم صحته مرفوعاً أحمد بن حنبل والشافعي كما في كتابه الأم، وقال: أستحب لمن كان على جنب أن يتطهر احتياطاً، وإن كان الوارد فيه حديث لا يثبته الحفاظ.

    والمراد بهذا أن الشافعي عليه رحمة الله إنما عمل بهذا الحديث على الاحتياط لا عمل به لكونه حجة، وتقدم معنا أن العلماء في أبواب الحديث الضعيف لا يعملون في الأحكام إلا في أبواب الاحتياط، ومعنى أبواب الاحتياط يعني أن الوجود أفضل بالاتفاق، والعدم فيه خلاف، معنى الوجود أفضل يعني: الإنسان إذا كان جنباً وأراد أن يقرأ القرآن لدينا حالتان: الحالة الأولى: أن يتوضأ ويقرأ. الحالة الثانية: أن لا يتوضأ ويقرأ. والاحتياط في ذلك أن يتوضأ ويقرأ، فوجود الوضوء هو محل اتفاق عندهم أنه أتم وأكمل وأصح، وقراءة القرآن صحيحة بالاتفاق، فيرون هذا هو الاحتياط، وعدم الاحتياط هو ما كان من مواضع الخلاف، وأما الاحتياط فيما لم يرد فيه دليل فهذا هو التنطع، وفرق بين التنطع والاحتياط فيما ورد فيه دليل عن الشارع ولو كان فيه ضعف يسير.

    ومعنى التنطع أن الإنسان على سبيل المثال أن يحتاط من لباس من الألبسة لم يرد الدليل لا في المرفوع الصحيح، ولا في الضعيف، ولا في الموقوف نهي عنه، كأن ينتهي الإنسان مثلاً عن لبس اللون الأخضر من الثياب، أو الأزرق أو نحو ذلك، هذا لم يرد فيه لا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة، فيقال الأمر حينئذ على الترخيص، وترك ذلك على سبيل الاحتياط يقال: إنه تنطع، ولكن لو وردت الكراهة في ذلك عن أحد الصحابة، فتركه الإنسان، أو ورد فيه شيء ضعيف، نقول: ولو كان ضعيفاً إذا فعله الإنسان فهو حسن؛ لهذا نقول: إن العلماء يقولون بهذا الحديث على سبيل الاحتياط، وإنما لم نقطع بالقول بالتحريم في القراءة للجنب لضعف الحديث المرفوع، وللخلاف الواقع بين الصحابة، وللخلاف الواقع بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089274438

    عدد مرات الحفظ

    783311985