إسلام ويب

شرح المنظومة البيقونية [3]للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • هناك أنواع للحديث، فمنها ما هو باعتبار القائل، وهي المرفوع الذي يضاف إلى النبي، والموقوف الذي يضاف إلى الصحابي والمقطوع الذي يضاف إلى من دون الصحابي، ومنها ما هو باعتبار الناقل، وفيها العزيز الذي يكون في أقل طبقاته اثنين أو المشهور الذي يكون في أقل طبقاته فوق الثلاثة، ومن أنواع الحديث كذلك المسند والمعنعن والعالي والنازل وغيرها.

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا ورسولنا وحبيبنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:

    قال البيقوني رحمه الله تعالى:

    [ وكل ما عن رتبة الحسن قصر فهو الضعيف وهو أقساماً كثر ]

    فقد ذكر المصنف رحمه الله القسم الثالث من أقسام الحديث باعتبار حكمه وهو الحديث الضعيف، فقال: (وكل ما عن رتبة الحسن قصر)، ذكر هنا ما عن رتبة الحسن قصر، ليدخل في ذلك الضعيف بأعلى مراتبه، ويدخل في ذلك ما دونه، وذلك كالضعيف جداً، والمنكر، والمطروح، والمتروك، والموضوع، والمكذوب، وغير ذلك من أنواع وأجناس الضعيف، فذكر الضعيف بأعلاه ليدخل في معناه أدناه من باب أولى، ولهذا قال: (وكل ما عن رتبة الحسن قصر).

    ويدخل في ذات الضعيف ما كان ضعيفاً في نفسه ولو اعتضد بغيره، وما كان ضعيفاً في نفسه ولو لم يعضده غيره، فهو داخل في هذا التعريف في الاصطلاح.

    تقدم معنا أنه في كلام بعض الأئمة الأوائل جعل الحديث على قسمين: حديث صحيح وحديث ضعيف، ولا يجعلون مرتبة وسطاً في ذلك، ويجعلون الضعيف على نوعين: ضعيف يحتج به وضعيف لا يحتج به، وهم يختلفون ويتباينون في ذلك، ويتوسع الفقهاء في هذا الباب، وذلك لضعف عنايتهم بأبواب العلل، فيتوسعون بالاحتجاج بالضعيف، فيخلطون بين الضعيف الذي يحتج به، وبين الضعيف الذي لا يحتج به، وكلما كان الفقيه بالسنة والحديث أقل دراية فإنه أكثر جسارة في الاحتجاج بالحدث الضعيف، ولهذا تمتلئ كتب الفقه بالاحتجاج بالحديث الضعيف في أبواب الأحكام، والأئمة عليهم رحمة الله يجمعون على عدم الاحتجاج بالحديث الضعيف في الأحكام، إلا في بعض الصور.

    صور الاحتجاج بالحديث الضعيف

    من هذه الصور الحديث الضعيف الذي يعتضد بغيره، فهو ضعيف في ذاته، لكنه صحيح لغيره، أو حسن لغيره، وهذا يحتجون به، وكذلك أيضاً الحديث الضعيف في أبواب الاحتياط، وذلك ككراهة التنزيه، فإن الإمام أحمد عليه رحمة الله ينزع هذا المنزع، وكذلك أيضاً بعض الأئمة في بعض المسائل كـالشافعي رحمه الله فإنه يميل إلى الأخذ بالحديث الضعيف في أبواب الاحتياط.

    معنى أبواب الاحتياط: أي الفعل الذي يتضمن كراهة، وذلك أنه ليس بتعبد ولا ديانة، وإنما تروك واحتياط؛ وذلك أنه لا يكلف بالفعل ويؤخذ بالترك، فيأخذ بهذا في كثير من المسائل: ولو كان الحديث في ذلك ضعيف، وذلك كمسألة النهي عن المشي بخف واحدة، وغير ذلك من أمور التنزيه التي لا تصل إلى مرتبة التحريم، فإذا جاء في حديث ولم يكن ثمة شيء يحسم هذه المسألة من الأحاديث الصحيحة فإنه يأخذ بهذا، وهذا مسلك لكثير من الأئمة النقاد للعمل بالحديث الضعيف في أبواب الاحتياط وكذلك في العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، فإنهم يقولون بذلك.

    شروط العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال

    والعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال له شروط عند الأئمة:

    الشرط الأول: ألا يكون الحديث شديد الضعف، بل ضعفه متوسط يسير، فليس بالحسن حتى يحتج به، ولا بشديد الضعف حتى يترك، وإنما هو ضعيف متوسط الضعف.

    الشرط الثاني: يقولون: بأن المسألة التي دل عليها الحديث لا بد أن يكون قد دل على أصلها حديث آخر، بمعنى أن الحديث جاء بالفضل والأجر، وأما التشريع فثبت في حديث آخر، وهذا ما ينبغي أن يتنبه له، أن بعض الناس يظن أن كل حديث جاء في عبادة ليست بواجبة من السنن والمستحبات أن هذا من فضائل الأعمال وهذا خطأ؛ وذلك أنه لا بد أن تكون العبادة التي جاء فيها الدليل ثبتت في حديث آخر، مثلاً كصلاة الضحى فهي ثابتة في أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما، ولكن لو جاء حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام في أجر فاعلها، هذا في الأجر أم في التشريع؟ هذا في الأجر.

    ولهذا العلماء يقولون: الحديث في فضائل الأعمال لا في الأعمال، وبعض الناس يحمل الحديث الضعيف في كلام العلماء على جواز روايته في الأعمال لا في فضائلها، فالعمل ثابت في حديث آخر، فإذا جاء حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام وهو ضعيف، فانظر إلى العمل الذي جاء به، هل ثبت في حديث آخر أم لا؟ فإذا ثبت في حديث آخر وهذا الحديث إنما استقل بالأجر والفضل فإنك تحدث به في أمور التذكير والوعظ وغير ذلك، ولهذا يرخص في هذا العلماء.

    الشرط الثالث: ألا يجزم بنسبته للنبي عليه الصلاة والسلام، فيذكر بصيغة التمريض فيقال: يروى أو يقال عن النبي عليه الصلاة والسلام، أو روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يجزم بذلك.

    والأحاديث الضعيفة كما تقدم هي على مراتب: منها ما يدنو من الحسن، وهذا من مواضع الخلاف، وما كان من الحديث الضعيف وهو قريب من الحديث الحسن فهو أيضاً يشكل كما يشكل الحديث الصحيح القريب من الحديث الحسن بمعرفة المرتبة، مع أن الحديث الصحيح الذي في أدنى مراتب الصحة وأعلى مراتب الحسن يحتج به بخلاف الحديث الضعيف، فإنه مشكل في مسألة الاحتجاج إذا كان قريباً من الحديث الحسن.

    يقول: (فهو الضعيف وهو أقسامٌ كثر)، والضعيف هو ضد القوي، وإنما سمي ضعيفاً؛ لأنه لا يقوم بنفسه، فلا بد للحديث أن يقوم بنفسه أو أن يقوم بغيره، وهو الاعتضاد، وقد صنف العلماء عليهم رحمة الله في الأحاديث الضعيفة وجمعها حتى يحترز في ذلك، وصنف العلماء مصنفات في الرواة الضعفاء، وذلك كالضعفاء للبخاري، والضعفاء للنسائي، والضعفاء للعقيلي، وغيرها من المصنفات في هذا الباب.

    وثمة مظان للحديث الضعيف، كما أن ثمة مظاناً للحديث الصحيح.

    مسالك استيعاب طالب العلم للحديث الصحيح والضعيف

    وهناك شيء يتعلق بالحديث الضعيف، وهو عناية طالب العلم بالحديث الضعيف، هل يعتني به أو لا يعتني به؟ نقول: لا بد لطالب العالم أن يعتني بالبابين بالحديث الضعيف والحديث الصحيح، لكنه من جهة الابتداء يعرف الحديث الصحيح، فإذا استوعبه يأخذ الحديث الضعيف، والمسالك في ذلك على طريقين:

    الطريقة الأولى: أن يستوعب طالب العلم الحديث الصحيح منفرداً، ثم إذا انتهى منه استوعب بعد ذلك الحديث الضعيف.

    والطريقة الثانية: أن يعمد طالب العلم إلى كل مسألة من المسائل فيأخذ الصحيح والضعيف منها منفرداً، فيأتي إلى مسألة من المسائل كالطهارة، فيستوعب الأحاديث الصحيحة ثم يرجع بعد ذلك إلى معرفة الأحاديث الضعيفة، وهذه الطريقة الطريقة الثانية هي أدق، وهي أقرب إلى التحقيق، أن يعرف طالب العلم الحديث الصحيح والضعيف حتى يعرف حجج المخالفين، وهي أيسر كذلك على طالب العلم، وكذلك تعطيه ملكة في هذا.

    وكان الأئمة عليهم رحمة الله يعتنون بمعرفة الحديث الضعيف حتى يعرفوا حجج الخصوم، ويعرفوا أيضاً مفاريد الرواة التي يشذون فيها، وأحاديثهم الضعيفة حتى لا تختلط بغيرها، ولهذا ربما يحفظون نسخ الضعفاء حتى لا تلتبس بمروياتهم؛ لأنهم كانوا يكتبون الأحاديث بالأسانيد من غير نقط، فربما رأوها فظنوا أن هذا الحديث حديث لفلان، فمثلاً: أبان وثابت ربما يستشكلون هذا وهذا في بعض الرسوم والخطوط، فيظنون أن هذا حديث فلان، وهذا ليس بحديثه؛ ولهذا الإمام أحمد رحمه الله جمع الحديث الصحيح والضعيف في كتابه المسند؛ لأنها أحاديث تدور بين الناس.

    وتارة يلزم طالب العلم بمعرفة الحديث الضعيف لا لذاته، ولكن ليبين لغيره ضعف حجته ليسلم من التعلق بالضعيف، ولهذا الإمام أحمد لما صنف كتابه المسند دفعه إلى ابنه عبد الله فقال: خذ هذا الكتاب وهذا المسند فعليه يدور الناس، يعني: من جهة الاحتجاج سواء داروا بصحة أو داروا بضعف، والإمام أحمد رحمه الله شرطه في كتابه المسند أن يجمع الحديث المشتهر عند الفقهاء، وربما لا يكون مشتهراً عند بعض المتأخرين، أو عند أوساط المتعلمين، لكنه مشتهر عندهم في ذلك الزمن، أو في أفواه الفقهاء؛ فأورده حتى يبين في ذلك؛ ولهذا يحكم على الأحاديث في كتابه المسند بالضعف في بعض المواضع، فيقول لابنه: اضرب عليه، أو هذا منكر، أو هذا شاذ.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088529327

    عدد مرات الحفظ

    777149196