إسلام ويب

شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني [3]للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • عقيدة أهل السنة أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية خلافاً للخوارج والمرجئة، كما أنهم لا يكفرون أحداً بذنب خلافاً للخوارج الذين يحكمون بكفر مرتكب الكبيرة، كما يعتقدون بعذاب القبر وفتنته، وأن الصحابة عدول ولا يلزم من هذا عصمتهم، وهم على مراتب، ولا يجوز القدح فيهم أو التنقص من شأنهم، ومن يسبهم أو أغلبهم فقد خرج من ملة الإسلام، ولا يشرع للمسلم المراء والجدال في الدين، وقد ورد النهي في السنة عن الأغلوطات.

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

    عقيدة أهل السنة في زيادة الإيمان ونقصانه

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وأن الإيمان قول باللسان وإخلاص بالقلب وعمل بالجوارح، يزيد بزيادة الأعمال وينقص بنقصها، فيكون فيها النقص وبها الزيادة].

    تقدم معنا الإشارة أن الإيمان قول وعمل واعتقاد, وتقدم أيضاً شرح ذلك وبيانه.

    وهنا في قول المصنف عليه رحمه الله في زيادة الإيمان ونقصانه, نقول: إن الإيمان يزيد وينقص, ولكنه لا يزول إلا بالكفر, والكفر بوروده على أحد هذه الأنواع: الاعتقاد, أو القول, أو العمل.

    وزيادة الإيمان ونقصانه هو معتقد أهل السنة والجماعة, على خلاف أهل البدع في ذلك, خلافاً لقول الخوارج الذين يكفرون بالكبيرة ويزيلون الإيمان بمجرد اقتراف الإنسان لها, وخلافاً للمرجئة الذين يجعلون الإيمان جزءاً واحداً, فمن آمن فإيمانه كاف, ويختلفون في ذلك في آثار ذنوبهم عليهم بعد ذلك, منهم من يفرط في آثار هذا القول, ومنهم من يُعمل آثاره, وعقيدة أهل السنة والجماعة أنهم يقولون: إن الإيمان قول وعمل واعتقاد, يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية, يقولون يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية؛ لأنه بالشرك يزول, والطاعة كلما زاد الإنسان في عملها أو قولها أو اعتقادها زاد إيمانه حتى يكتمل الإيمان, والزيادة قد دل الدليل عليها من كلام الله عز وجل وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كما في قول الله جل وعلا: وَزِدْنَاهُمْ هُدًى [الكهف:13]، لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا [الفتح:4], وكذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي سعيد الخدري , قال: ( وذلك أضعف الإيمان ), يعني: أن الإيمان يضعف ويقوى ويزيد وينقص, ولكنه لا يزول إلا بالكفر والشرك, وذلك لقول الله سبحانه وتعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65], الذي حبط هو العمل الصالح, إذا زال كله زال كل الإيمان, فالله سبحانه وتعالى لا يبقي لصاحب الكفر عمل صالح؛ لأن الشرك يزيلها ويحبطها جميعاً, ولهذا نقول: إنه لا ينفع مع الكفر عمل صالح, وهل يضر مع الإيمان معصية؟ نعم؛ لأننا نقول: إن الكفر الأكبر شعبة واحدة, إذا تحققت فإن الكفر يتحقق بالإنسان, وإن تنوعت صوره وأحواله وأقواله, بالنسبة للإيمان أن الإيمان لا يكتمل في الإنسان إلا باجتماع شعبه, أما الكفر فبورود شعبة من شعبه يكفر الإنسان, وهذا هو الفرق بين الإيمان وبين الكفر, فالكافر يكفر بمجرد فعله لمكفر واحد كسجود لصنم, أما المؤمن فلا يكتمل إيمانه لمجرد عمله طاعة واحدة, بل لا بد أن تكتمل شعب الإيمان فيه, وتنتفي أيضاً شعب الكفر, بخلاف الكفر، فشعبة واحدة من شعب الكفر الأكبر كافية في كفر الإنسان كفراً أكبر ولا ينفعه من ذلك شيء من الأعمال الصالحة التي يعملها, ولهذا نقول: هذا هو الفرق بين مسألة الإيمان ومسألة الكفر في هذا الباب.

    زيادة نقصان الإيمان العملي

    وكذلك أيضاً بالنسبة لزيادة الأعمال, زيادة الأعمال تزيد ظاهراً وباطناً, وزيادتها في الباطن أقوى من زيادتها في الظاهر, فإن العمل الذي يكون في باطن الإنسان إذا عظم جعل من العمل اليسير عظيماً, وإذا استهان الإنسان بالمحرم حوله ها من ذنب صغير إلى ذنب عظيم, وإذا فعل الإنسان الذنب العظيم بوجل وخوف من الله سبحانه وتعالى حوله من ذنب عظيم إلى ذنب صغير؛ لأن عمل القلب في التعظيم والتحقير أعظم من عمل الظاهر, ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث أبي هريرة وهما اللذان قال فيهما ابن شهاب : أعجب حديثين, قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الأول: ( دخلت امرأة النار في هرة حبستها, لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ), يعني: حتى ماتت.

    والحديث الثاني: ( كان فيمن كان قبلكم رجل لم يعمل خيراً قط, فلما حضرته الوفاة قال لأبنائه: إن أنا مت فأحرقوني, ثم اطحنوني, ثم ذروني في الريح, فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً ما عذبه أحد من العالمين, فلما توفي فعل به أبنائه ما أوصاهم به, فقال الله عز وجل لجسده: كن فلاناً فكان فلان, وقال: ما حملك على هذا؟ قال: خشيتك يا رب, قال: قد غفرت لك ), المرأة دخلت النار في هرة حبستها, مفهوم ذلك أنها لم تحبس آدمياً، ولم تقتل إنساناً, لأن دخول النار بالآدمي أولى وأعظم, يعني: أعظم ذنب لديها هو حبس الهرة والذي أوجب دخولها النار, ولماذا ذكر الحبس ولم يذكر القتل؟ لأن الحبس يلزم منه عدم الاكتراث؛ لأنه ليس موتاً فورياً, يغلق الباب ثم يبقى ساعات أو ربما أياماً, ولا يبالي, ويستحضر في ذهنه أنها لا تجد طعاماً ولا تجد شراباً ومع ذلك يصر على هذا العمل, الإنسان قد يصيبه فورة غضب ويقوم بالقتل, سواء لبهيمة أو غير ذلك, هذا أهون ممن يقتل بالحبس؛ لأن هذا هذا دليل على عدم اكتراث القلب وعدم استحضار هيبة وحساب الخالق سبحانه وتعالى, فعظم هذا الذنب فأوجب دخول النار.

    وذاك الذي لم يعمل خيراً قط, لما كان العمل ذلك مقترناً في خاتمته بالوجل والخوف أضعف هذا العمل وأوجب التوبة والرحمة من الله سبحانه وتعالى, ولهذا نقول: إن الذنب العظيم إذا وجل منه القلب وخاف من عقاب الله سبحانه وتعالى عليه فإنه يقل أثراً على صاحبه حتى تقوى عليه أدنى الطاعات فتمحوه, ولهذا جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( بينما امرأة بغي من بني إسرائيل ), والبغي هي التي تتاجر بالزنا, ففعلها أعظم من مجرد الزنا, ( بينما كانت امرأة بغي من بني إسرائيل تمشي فرأت كلباً يلعق الثرى من العطش, فنزعت موقها ( يعني: خفها ) فنزلت في بئر فسقت له فاستغفرت فغفر الله عز وجل لها ), هذا فيه إشارة إلى أن هذا الجرم العظيم, وهو الذنب, وهو من السبع الموبقات, غفره الله عز وجل لصاحبته بسبب عمل وهو إسقاء الكلب, وذكر الكلب مع أن اقتناء الكلب محرم من غير ما أذن الله عز وجل فيه؛ ككلب الحراسة والماشية والزراعة أو الصيد ونحو ذلك.

    الله عز وجل جعل موازنة, فالحسنات تمحو السيئات, لله عز وجل سنة في ذلك, ومن رحمة الله عز وجل أن العمل إذا كان عظيماً وفعله الإنسان بوجل يختلف عن فعله من غير وجل ولا اكتراث, ولهذا ربما تكون الصغائر عند بعض العباد كبائر إذا كانوا لا يكترثون, وكلما قام داعي الذنب في نفس الإنسان اختلف عنه إذا لم يقم داعيه, ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين الأشيمط الزاني وغيره, وفرق بين الملك الكذاب وغيره, وهذا دليل على أن الداعي إذا ضعف كان دليلاً على عدم مبالاة الفاعل بمعصيته لله سبحانه وتعالى, ولهذا لله عز وجل حكمة في التعامل مع ذنوب المخلوقين, لهذا نقول: إن زيادة الإيمان ونقصانه مردها إلى عمل الظاهر وعمل الباطن جميعاً ولو كان في صورته واحداً, ولهذا نقول: إن لله عز وجل حساب دقيق وحكمة في التعامل مع ذنوب المخلوقين, فهذه البغي ضعف عملها ذلك وهو عند الله عز وجل عظيم من جهة الأصل لوجلها؛ لأنها سقت الكلب واستغفرت من ذلك الذنب, إذاً هو حاضر أو ليس بحاضر؟ حاضر وإلا ما بادرت بقرن التوبة وطلبت الغفران بسقي الكلب, ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم جعل سقي الكلب موجباً لغفران ذلك الذنب, ولهذا نقول: إن سقي الكلب هو من الحسنات ولكن البغي ذنب أعظم من ذلك, ولكن لما كان القلب وجلاً ضعف ذلك الذنب حتى قوي عليه ذلك العمل, وهذا كما أنه في مسألة المقاومة للسيئات كذلك أيضاً بالنسبة للحسنات مع السيئات.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088462796

    عدد مرات الحفظ

    776871425