إسلام ويب

أسباب النزول [3]للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • اختلف العلماء في المرويات المتعلقة بأبواب التفسير بين الوقف والرفع لأدلة ذكروها في هذا الجانب، وأما ما كان من أسباب النزول فقد نص بعضهم على أن لها حكم الرفع، ولهم حالات في التعامل معها بين التشديد والتساهل، فيشددون في المرفوع والوارد في آي الأحكام وما كان خاصاً ما لا يشددون في غيرها. وقد اعتنى الأئمة بأسانيد أسباب النزول رواية وتصنيفاً إلا أن في مصنفاتهم ذكر الصحيح والضعيف مما ينبغي على طالب العلم أخذ الحيطة في الاستفادة من ذلك، والنظر في صور التمييز بينها.

    الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد, وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, أما بعد:

    فتقدم معنا الكلام على جملة من مسائل أسباب النزول, وفي هذا المجلس بإذن الله تعالى نتكلم على ما يتعلق بأسانيد أسباب النزول, وكذلك مظانها من جهة الصحة والضعف, والمصنفات الممكنة في ذلك, وكذلك طرائق العلماء في التعامل مع هذه الأسانيد. وهذا من الأمور المهمة, وهي خلاصة ما نتكلم عليه من أسباب النزول.

    وينبغي لطالب العلم أنه ما دخل علماً من العلوم إلا ويعتني بصحته ونقاوته من الدخيل فيه, وذلك أنه لا يخلو علم من العلوم أياً كان، سواء كان من العلوم العقلية أو العلوم النقلية إلا ويوجد دخيل فيها, فعناية طالب العلم بذلك من أعظم المهمات وأجلها.

    وذلك أن عدم العناية بذلك يؤثر على عمله بذلك المعلوم, فإذا كان ضعيفاً كان عمله ضعيفاً, وإذا كان ذلك المروي أو ذلك المعلوم خطأ كان العمل خطأ, وإذا كان ممزوجاً بخطأ وضعف كانت نسبة الخطأ في العمل بقدر نسبته في الضعف. وهذا أمر معلوم.

    أولاً: العلماء عليهم رحمة الله كما تقدم يتعاملون مع المروي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبواب التفسير على أنه في حكم المرفوع, وقد تقدم هذا أنه على قولين عند العلماء, منهم من قال: إنه على الإطلاق سواء كان في أسباب النزول أو كان في غيرها.

    وهذا جاء الإشارة إليه في كلام بعض العلماء كما تقدم الكلام عليه عند الحاكم كما في كتابه المستدرك, وكذلك في علوم الحديث وغيرها.

    ومنهم من قال: إن لها حكم الوقف وليس لها حكم الرفع, ويستثنون من ذلك ما كان من أسباب النزول, قال: وما كان من أسباب النزول فقد حكي الإجماع على هذا.

    وقد نص بعض العلماء أن ما كان من أسباب النزول فإنه على الإجماع له حكم الرفع.

    وإذا قلنا بذلك, والمتقرر في طرائق الأئمة النقاد أن الحكم على الأحاديث يتباين, فالمرفوع يشدد فيه ما لا يشدد في الموقوف, وما كان من أبواب الأحكام فإنه يشدد فيه ما لا يشدد في غيره, وهذا من الأمور التي ينبغي أن يعتني بها طالب العلم, أي: أنه يميز بين مراتب المتون التي يحكم عليها.

    وقد أشار غير واحد من العلماء في أثناء كلامهم على التفريق بين الموقوف والمرفوع, ونحن في أبواب التفسير وفي أبواب أسباب النزول يندرج الخلاف في هذه تحت خلاف آخر, وهو: هل هذا في حكم المرفوع أم لا؟

    فيتبع ذلك خلاف, وهو الخلاف الذي يقع فيه في التعامل مع تلك المرويات التي هي في أسباب النزول أو في أبواب التفسير على وجه العموم. وطرائق العلماء في التعامل معها, وهذا ما سنتكلم عليه بإذن الله تعالى.

    أولاً: من أشار إلى أن المرويات في أسباب النزول قد تقدم تعليلهم في ذلك, والوجه الذي قالوه: إن لها حكم الرفع, وأما من قال: إن جميع مرويات التفسير لها حكم الرفع, وهذا مروي عن بعضهم كما تقدم الكلام عليه.

    وتعليلهم في ذلك: أنه لا يجوز لأحد أن يخوض في كلام الله جل وعلا إلا ببينة ودليل, فإذا كان كذلك فهو مستندهم للرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فوجب حينئذ في هذا أن يرجع إلى التعامل مع المرويات الموقوفة في أبواب التفسير في تعاملنا مع المرويات المرفوعة. وإذا كان كذلك فإننا نشدد فيها من هذا الوجه.

    وكذلك قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم حينما أنزل الله جل وعلا عليه كتابه فإن التأويل إلى الله, كما تقدم الإشارة إليه: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [القيامة:19] , أي: أنه ليس عليك ولا على غيرك, وإنما هو من حق الله جل وعلا, فليس لأحد أن يخوض في كلام الله سبحانه وتعالى بظن أو بغلبة ظن إلا بالرجوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وما أقر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة على تأويل فله حكم الرفع, وذلك أن المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون من القول والفعل والتقرير.

    فكان اللسان العربي نزل عليه القرآن فأدركوا ذلك المعنى, فيكون حينئذ خطاب القرآن إلى الصحابة كخطاب النبي صلى الله عليه وسلم إليهم من جهة إدراك المعنى, فهم يدركونه على حد سواء, بل إن كلام الله جل وعلا أفصح وأدق وأشمل من سائر كلام البشر, وهذه مزية لكلام الله سبحانه وتعالى ليست لغيره من سائر أنواع الكلام.

    ولكن من جهة الأصل ينبغي قبل الولوج في الخوض في أحكام العلماء على أسانيد أسباب التنزيل أن ينبه على مسألة: أن العلماء من جهة الأصل والتقعيد يخففون في النظر في أسانيد التفسير على وجه العموم. وإذا كان كذلك فهل يندرج في هذا أسباب النزول باعتبار أنها من وجوه التفسير أم لا؟

    وهذا ما ينبغي أن ندقق فيه، وأن نفرق بين أمرين:

    الأمر الأول: أن نفرق بين المرويات التي تسمى النسخ, أي: أسانيد مدونة ومكتوبة ولم تكن مما ينقل في الحفظ, وما كان كذلك فإنه لا ينظر إليه بالنظر في أبواب الأحكام, وخاصة في أسباب النزول التي تدل على سبب معين لآية دلت على الأحكام, فإننا نتعامل معها بتعامل يختلف عن غيرها.

    وذلك أن النسخة التي تروى وفيها سبب نزول هي نسخة لا ينظر فيها إلى الضبط, وذلك أن الضبط على نوعين: ضبط صدر, وضبط كتاب, وضبط الصدر هو الذي يعتني به الإنسان، بضبط المروي من تلقاء نفسه وما ملكه من ملكة الضبط والحفظ والإتقان من غير أن يقيد من ذلك شيئاً في ورق أو رق أو جلد أو غير ذلك, فإنه لا يدون هذا باعتبار أنه يعتمد على محفوظه.

    وأما من يدون في النسخ فإنه لا ينظر إلى الضبط وإنما ينظر إلى العدالة, وعدالة الإنسان هي ما كان مسلماً وما كان مأموناً من الفسق, وكذلك يؤمن من الكذب, أما الضبط فإنه لا ينظر إليه في هذا الباب.

    لهذا ينبغي لطالب العلم أن يهتم بمعرفة النسخ المروية في ذلك, ومن نظر في الكتب المصنفة في هذا الباب ممن يتكلم على علل مرويات التفسير وأسباب النزول على سبيل التخصيص يجد أنه لا يفرق بين النسخ, ولا يفرق أيضاً بين أسانيد التفسير وغيرها, وهذا من الخطأ والخلل.

    وذلك أن الشخص حينما يأتيك بمكتوب ورسالة من شخص حملها إليه, وهذا الرجل ثقة في دينه لكنه لا يحفظ, وكانت هذه الورقة فيها كلام كثير أو منظومة شعرية في ثلاث صفحات أو أربع صفحات أو ملحمة أو مدونة ونحو ذلك, ثم أتاك وسلمك إياها, هل تنظر إلى حفظه هل هو يحفظ الكلام أو لا يضبط الكلام؟

    نقول: لا تنظر إلى ذلك, وإنما تنظر إلى عدالته وشدة احترازه, يعني: أنه هل إذا أتى إليك رمى الكتاب في موضع ثم تركه, وربما أتى شخص وأخذ الكتاب ووضع مكانه كتاباً آخر وهو غافل عنه, أو هو رجل حريص يقدر معنى الأمانة, فإذا كان هو من أهل العدالة في ذلك فلا ينظر إلى ضبط صدره.

    وما يدون في كتب الرجال هو من الضبط الذي يسمى ضبط الصدر لا ضبط الكتاب, وهذا ينبغي أن يلتفت إليه، أنه في أبواب الجرح والتعديل للرواة، العلماء يتكلمون على ضبط الصدر ولا يتكلمون على ضبط الكتاب.

    وإذا وجدت راوياً في أبواب التفسير قد تكلم عليه العلماء بضعف أو توثيق فإنهم يريدون بذلك في الأغلب ضبط الصدر لا ضبط الكتاب, وهذا من الأمور المهمة التي ينبغي أن يعتني بها طالب العلم.

    وإذا قلنا بهذا: فما هو المرد والفيصل في التمييز بين ضبط الصدر وضبط الكتاب؟

    نقول: يجب على طالب العلم أن يرجع في ذلك إلى مظانها من كلام العلماء في أبواب العلل وغيرها.

    العلماء لهم كلام مفرق في أبواب العلل, وكذلك أيضاً في كتب التفسير وطرائقهم في التعامل مع تلك المرويات المنثورة وليس لها قاعدة في ذلك.

    ثمة مصنفات في أبواب العلل نشير إليها مراراً, منها كتاب العلل لـــــابن المديني, كذلك العلل لـــــ ابن أبي حاتم والتاريخ الكبير للبخاري , وكذلك العلل للدارقطني , والضعفاء للعقيلي , والكتب التي اعتنت بالمفاريد، كالأفراد والغرائب للدارقطني، وكذلك مسند البزار , ومعاجم الطبراني . وكذلك الكتب التي اعتنت ببيان المعلول من الأحكام ولو اشتمل على شيء من معاني القرآن ككتاب سنن الدارقطني وغيره.

    ينبغي أن يرجع فيها إلى مظانها، فإن من كان له نسخة في ذلك فأمره يسير, بمعنى أن الراوي في أبواب ضبط الكتاب المشقة في ذلك أنك تنظر إليه, فإذا وجدته ضعيفاً فإنك تعمل ذلك في كل مروي من مروياته, وهذا يخضع إلى جملة من الضوابط لا توجد في ضبط الكتاب.

    ضبط الكتاب أنك إذا وجدت أن فلاناً يروي نسخة فإنك تحتاج إلى الوقوف على حكم العلماء على هذه النسخة فقط, وتكون هذه النسخة حينئذ فيها مئات أو آلاف الروايات, فحينئذ هذا ييسر عليك شيئاً كثيراً.

    فينبغي لطالب العلم أن يعتني بمعرفة النسخ عن غيرها, وألا يستعجل بالحكم على نسخة بحكم العلماء على راو من رواتها فيقع في الوهم والغلط.

    وكذلك أيضاً ينبغي أن يعتني طالب العلم بالأسانيد المروية عن تلك النسخ, فالنسخ قد تكون متداولة, لكن يروي تلك النسخة راو لم يسمعها من صاحب تلك النسخة, فيقع حينئذ خلط بين ضبط الصدر الذي هو نقل هذه النسخة, وبين ضبط الكتاب الذي تقدم عن تلك المرحلة, فينبغي أن يميز هذا عن هذا.

    العلماء عليهم رحمة الله من جهة الأصل يتساهلون في مرويات التفسير, ولهذا يقول عبد الرحمن بن مهدي : إذا روينا في فضائل الأعمال والثواب والعقاب تساهلنا, وإذا روينا في الحلال والحرام تشددنا في الرواة, والمراد من هذا أن العلماء لا يلتفتون إلى التشديد في أبواب التفسير على الإطلاق, هذه هي القاعدة الأصلية.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088526413

    عدد مرات الحفظ

    777136275