إسلام ويب

رمضان فضائل وأحكامللشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من رحمة الله بعباده أن شرع لهم عبادات متنوعة؛ حتى تتناسب مع أحوالهم وميولهم، ومن تلك العبادات: صيام رمضان الذي يأتي في العام مرة واحدة، وهذه العبادة لها شروط وأحكام ومستحبات.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

    فالله سبحانه وتعالى شرع شرائع وفرض فرائض وحد حدوداً، وبين هذه الفرائض وهذه الشرائع وهذه الحدود للأمة وفصلها في كتابه وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ودلل عليها وبينها وأحكمها وجلاها وأوضحها حتى تقوم الحجة على الناس كافة.

    ومن هذه الشرائع والفرائض التي شرعها الله سبحانه وتعالى للناس: أركان الإسلام الخمسة، ومن هذه الأركان: الصيام، إذ جعله الله سبحانه وتعالى ركناً رابعاً من أركان الإسلام كما جاء في حديث عبد الله بن عمر في الصحيحين وغيرهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً )، فهذه هي أركان الإسلام، والأركان: هي الدعائم التي يبنى عليها أو يقوم عليها بناء الإسلام، وذلك أنها إذا زالت هذه الأركان مجتمعة لا قيمة لهذا البناء.

    تنوع الشرائع من جهة الصفة والهيئة والعدد

    والله سبحانه وتعالى ينوع الشرائع ويعددها من جهة صفتها وهيئتها، ومن جهة زمانها ومكانها، ذلك لجملة من الحكم: من هذه الحكم: لما فطر الله عز وجل الإنسان عليه من جبلة الملل والسآمة؛ فإن الإنسان يسأم حتى من العمل الصالح التعبدي، وليست العلة في العمل الصالح، ولكن العلة فطرية قائمة فيه؛ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول كما جاء في الصحيح: ( مه! عليكم من العمل ما تطيقون؛ فإن الله لا يمل حتى تملوا ).

    فقوله: (من العمل ما تطيقون) يعني: ما يطيقه الإنسان من العمل؛ حتى لا يكثر على نفسه بالاستدامة على عمل معين ولا ينوع في ذلك، أو يستكثر إكثاراً يفقد النفس من ذلك شهوتها ورغبتها وإقبالها على العلم، فرغبة الإنسان في هذا هي على التنويع، فجاءت العبادات منوعة؛ فجاءت الصلاة العبادة البدنية، وجاء الصيام وهو ما يتعلق بالأكل والشرب، وجاء ما يتعلق بالزكاة في الأمور البدنية، وجاء أيضاً ما يتعلق بالأمور الاجتماعية من صلة الأرحام، وبر الوالدين، والإحسان إلى الجار، وإكرام الضيف، وغير ذلك مما يتعلق من منظومة العبادة.

    تنوع الشرائع من جهة الزمان والحكم

    وكذلك اختلفت من جهة الزمان، فمنها ما يكون ليلاً، ومنها ما يكون نهاراً، ومنها ما هو أسبوعي، ومنها ما هو شهري، ومنها ما هو حولي، ومنها ما هو فصلي؛ ولهذا نوعها الله سبحانه وتعالى فجاء ثمة شرائع يومية، وشرائع يومية منها ما هو واجب ومتأكد، ومنها ما هو ليس بواجب وليس بمتأكد فيدخل في دائرة الاستحباب، والاستحباب جعله الله عز وجل على مراتب: منه ما هو من الأمور المتأكدة، ومنه ما هو من الأمور غير المؤكدة، مثل السنن والمستحبات في ذلك؛ ولهذا جاءت الشريعة بهذا التنوع، فلا يوجد عبادة من العبادات إلا وفيها تنوع في زمانها، فنجد مثلاً ما يتعلق بالصلاة، جعل الله سبحانه وتعالى الصلاة في أوقات أو ساعات الليل والنهار، وجعل الله سبحانه وتعالى أيضاً هذه الشعيرة العظيمة، جعل منها فرائض، وجعل منها نوافل، وجعل منها ما يكون في بيت الإنسان، ومنها ما يكون في المسجد، وذلك كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيح: ( أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة ).

    وجاءت أيضاً هذه الشرائع منها ما هي مطلقة وغير محددة بوقت معين ولا بمكان، وذلك من النوافل العامة التي يتعبد بها الإنسان في صلاته، ومنها ما هي مقيدة بمناسبة معينة، المناسبة إما أن تكون مكانية كدخول الإنسان للمسجد، وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي سعيد وغيره: ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين ) ، ومنها ما هو مقيد بعمل يفعله الإنسان، وذلك كصلاة ركعتين بعد الوضوء، وغير ذلك من الأعمال التي يجعلها الله سبحانه وتعالى متنوعةً تدور مع الإنسان، لماذا؟ حتى توافق رغبة من الإنسان حتى يستكثر، فتكثر المناسبات حتى يقبل الإنسان على العمل.

    وكذلك الحج جعل الله عز وجل فيه فريضة، وجعل فيه نافلة، وجعل من جنسه ما زمانه متسع، فيستطيع الإنسان أن يؤدي العمرة وهي من جنس الحج وأعماله يفعلها الإنسان متى شاء من أيام السنة.

    من حكم تنوع العبادات

    والله سبحانه وتعالى يعدد هذه المناسبات وينوعها رحمةً بالعباد، لماذا؟ حتى يستكثروا من العمل الصالح إذا لم تناسبه هذه تناسبه التي تليها، وإذا لم تناسبه التي تليها تناسبه الأخرى وهكذا، فيجد الإنسان أنه قد حصل عملاً صالحاً وفيراً.

    وكذلك اختلاف أحوال الناس من جهة الإقبال على العمل، فمن الناس من يستروح إلى شيء من الأعمال ويقبل عليه، ويجد من ذلك كلفة في بعض الأعمال، والله سبحانه وتعالى جعل أعمال البر متعددة متنوعة بما يتناسب مع فطرة الإنسان وكذلك إمكانيته وقدرته التي آتاه الله عز وجل إياها، فجعل الله سبحانه وتعالى العبادات تتناسب مع قدرة الإنسان وإمكانه.

    ولهذا نجد أنه في أعمال البر والصدقات والإحسان، لم يجعل الله عز وجل الثواب للإنسان على ما يقدم من عطاء، وإنما يؤجر الإنسان على ما يبقى لديه؛ والنبي عليه الصلاة والسلام كما جاء في حديث عمر بن الخطاب عند الترمذي وغيره، قال عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى: ( لأسبقن أبا بكر إن سبقته يوماً ) ، يعني: يريد أن ينافس عمر بن الخطاب أبا بكر الصديق عليه رضوان الله تعالى في عمل من الأعمال، وذلك لمنزلة أبي بكر الصديق عليه رضوان الله تعالى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وإقدامه عليه، وهذا نوع من المنافسة بالخير، فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يستنفق الصحابة وأن يطلب منهم الإكثار من الصدقة، وذلك في مناسبة من المناسبات في غزوة من الغزوات، فجاء أبو بكر الصديق عليه رضوان الله تعالى بماله كله وجاء عمر بن الخطاب بشطر ماله.

    انظروا إلى سؤال النبي عليه الصلاة والسلام لـعمر بن الخطاب ولـأبي بكر ! لما جاء أبو بكر عليه رضوان الله تعالى بالمال، قال له النبي عليه الصلاة والسلام: ( ما أبقيت لأهلك؟ ) ، ما قال له النبي عليه الصلاة والسلام: كم أنفقت، قال: كم أبقيت؟ ( فقال أبو بكر الصديق: أبقيت لهم الله ورسوله، فسأل النبي عليه الصلاة والسلام عمر بن الخطاب فقال له: كم أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم شطر مالي )، النبي عليه الصلاة والسلام سأل: كم أبقى وما سأل: كم أنفق؟ لأن الله سبحانه وتعالى يجعل المال من جهة نفاسته بإمكان الإنسان، من الناس من يملك ألفاً ومن الناس من يملك مائة ألف، النفاسة المالية لدى الإنسان صاحب الألف توازي النفاسة المالية عند الإنسان إذا كان لديه مائة ألف، فإذا أنفق شطر الألف قد يوازي عند الله عز وجل الذي ينفق شطر المائة ألف؛ وذلك لنفاسته عنده؛ ولهذا الله سبحانه وتعالى يأجر الإنسان بما يتركه من حاجة وفاقة بعد إنفاقه؛ ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام جاء عنه في الخبر أنه قال: ( درهم سبق ألف دينار ) ، يعني: أن الإنسان الذي ينفق درهماً لا يملك إلا إياه يسبق من أنفق ألف دينار وهو يملك ألوفاً مؤلفة من الدنانير.

    وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده: أن نوع العبادة من جهة الزمان، ونوعها من جهة المكان، ونوعها من جهة المناسبة، ونوعها من جهة قدرة الإنسان، فمن الناس من هو أشل لا يستطيع أن يؤدي الصلاة قائماً، فلو كانت العبادة مجردة للصلاة فقط ولا يوجد غير هذه الصلاة يؤديها لوجد بعض الناس في نفسه حسرة وانكساراً أن الناس تتقرب إلى الله سبحانه وتعالى ولا يوجد لديه شيء يقربه إلى الله سبحانه وتعالى كما يفعل الناس، فجعل أبواباً من ذلك متعددة منها الصيام، ومنها الصدقة، ومنها ذكر الله عز وجل، ومنها قراءة القرآن.

    فكان هذا التنوع من أمور العبادة يناسب قدرة الإنسان وعجزه، فكان في منظومة المدافعة التي أوجد الله عز وجل الإنسان عليها، السنة الموجودة في الخلق سنة قدرة مالية، سنة قدرة بدنية، وقدرة ذهنبة، وقدرة مكانية، ويختلف الناس في طبائعهم: فمن الناس من هو في بلد فقر ومن الناس من هو في بلد غنى، ومن الناس من هم في بلد بسطة في الجسم، ومن الناس من هو بلد فتن ومنهم من هم في بلد أمن وغير ذلك، فهذا التنوع من العبادات تشبع حالة الإنسان أن يتقرب لله سبحانه وتعالى وأن يكثر من رصيده عند الله جل وعلا، وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى ولطفه في ذلك؛ لهذا تنوعت العبادات وكان من أنواعها ما يتعلق بالصيام.

    التنوع في عبادة الصيام

    ونجد أن الصيام الذي شرعه الله سبحانه وتعالى شرعه متعدداً ومتنوعاً وليس على زمن معين، فجعله الله سبحانه وتعالى على مراتب: منها ما هو حولي وهو صيام شهر رمضان، منها ما هو أيام حولية كصيام عرفة وكصيام يوم عاشوراء، ومنها ما هو أسبوعي كصيام الاثنين والخميس، ومنها ما هو شهري كصيام ثلاثة أيام من كل شهر، أو الأيام البيض، ومنها ما هو يوم وراء يوم كصيام داود: أن يصوم يوماً وأن يفطر يوماً، ومنها أن يصوم الإنسان شهراً بعينه من غير استيعاب له بكامله كصيام شهر الله المحرم وصيام شعبان؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان يكثر من صيامهما.

    ولهذا نقول: إن الله سبحانه وتعالى نوع هذه العبادة حتى تتناسب مع الإنسان، فربما يكون الإنسان مسافراً في هذا الشهر أو مريضاً فتفوته، فلا يستدرك العبادة إلا في العام القادم في تلك المناسبة، فجعل الله عز وجل هذه الشريعة تبقى مع الإنسان على سبيل الدوام، إن فاته هذا الفضل في هذا اليوم فثمة يوم يليه، وإن فاتته المناسبة الأسبوعية أو الشهرية فإن هناك ما يليها، فكان فضلاً من الله سبحانه وتعالى ومنة على العباد أن يستكثروا من أعمال الطاعات، وذلك رحمةً بالعباد ولطفاً بهم.

    والله سبحانه وتعالى يمتن على عباده كثيراً في أمور التشريع فيقول: لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [البقرة:53] ، لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21] ، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:52] ، يعني: أمثال هذا التنوع من العبادات هو الذي يقرب العباد إلى الله سبحانه وتعالى حتى يستكثروا من الطاعات رحمةً منه، فلو كانت العبادة نوعاً واحداً أو زمناً واحداً أو مناسبةً واحدة، أو على صفة وحال واحدة، فإن الإنسان يفوته من الخير الكثير الذي لا يمكن له أن يستدرك ذلك، وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى وسعة فضله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3088790795

    عدد مرات الحفظ

    779061682