إسلام ويب

شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني [1]للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الرسالة في فقه الإمام مالك لابن أبي زيد القيرواني صدرها المؤلف بمقدمة عقدية تعتبر من أنفس العقائد التي دونها المالكية، حيث اقتفى فيها أثر السلف من الصحابة والتابعين، وبعد أن حث في مستهلها على تلقين الصغار المعتقد الصحيح وأصول الديانة افتتح عقيدته بتقرير حقيقة الإيمان، وتعظيم الله والثناء عليه بما هو له أهل.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    ففي عدة مجالس سنتكلم بإذن الله عز وجل على هذه الرسالة المختصرة التي جعلها المصنف رحمه الله مقدمة لكتابه الرسالة, وهي في فقه الإمام مالك رحمه الله, ومعلوم أن هذا الإمام هو من أئمة المالكية, ومن أجلتهم وصفوتهم، ومن متقدميهم ومحرري مذهب الإمام مالك رحمه الله، وعقيدته هذه من أنفس العقائد التي دونها المالكيون، جرى بمجموعها مقتفياً آثار السالفين من الصحابة والتابعين وأتباعهم، وهذا من توفيق الله عز وجل وتسديده.

    وكذلك أيضاً فيه إشارة إلى أن عقائد الأولين في القرون الأولى كانت تمتثل عقيدة السلف الصالح الذي يسير على منهاج الكتاب والسنة، وما جرى عليه أهل الصدر الأول من الصحابة والتابعين وأتباعهم, وهم خير القرون, الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( خير الناس قرني, ثم الذين يلونهم, ثم الذين يلونهم )، وهذا الكتاب إنما هو مُجتزأ من الرسالة, ولأهميته اعتنى به العلماء عناية منفردة منفصلة عن الرسالة الفقهية، فكانت هذه المقدمة تجري على طريقة الأوائل في جمع مسائل أصول الدين مع فروعه.

    طريقة الأقدمين في التصنيف

    وذلك أن الأئمة الأوائل عليهم رحمة الله الذين كانوا يصنفون في الأحكام كانوا يجمعون مسائل العقائد مع مسائل الفقه، وهذه طريقة الذين صنفوا في جمع السنة كالذين صنفوا في الكتب الستة وغيرها؛ كـالبخاري و مسلم وأصحاب السنن الأربع وغيرهم، يضعون كتباً للإيمان, وللتوحيد, وللوحي, ويُضمِّنون ذلك أموراً من الفقه، وذلك أن الفقه والأحكام في اصطلاح الصدر الأول كانوا يريدون به عموم مسائل الدين، ولهذا صنف الإشبيلي رحمه الله كتابه الأحكام، وجمع فيه أحكام الدين ما يتعلق بأمور العقائد وكذلك ما يتعلق بأحكام الفقه، وكان العلماء عليهم رحمة الله يطلقون الفقه على جميع علوم الشريعة، ما يتعلق منها بأصول الدين وكذلك ما يتعلق بفروعه، ولهذا كتاب الفقه الأكبر المراد به أمور العقائد، والنبي صلى الله عليه وسلم حينما قال كما جاء في الصحيح: ( من يرد الله به خيراً يفقه في الدين )، فإن المراد بذلك سائر أنواع الفقه مما يتعلق بمسائل التوحيد ومسائل الأحكام من الحلال والحرام, وكذلك أيضاً أمور الآداب، وما زال العلماء على ذلك حتى توسع العلماء في تصنيف علوم الدين إلى أنواع؛ فجاءت مسائل العقائد والتوحيد، ومسائل الحلال والحرام, والتي أفردت بالفقه, ومسائل الآداب والسلوك، ومسائل الأذكار، عمل اليوم والليلة، جاء هذا التفصيل وإفراد مسائل الدين على سبيل التجزئة, وهو نوع من تقريب العلوم لا تفريق أوصاله، ولهذا ينبغي لطالب العلم أن يعلم أن مسائل الدين وأحكام الشريعة مترابطة فيما بينها وتتلازم من جهة تداخلها، فيجد في مسائل الأذكار تعلقاً بمسائل التوحيد، ويجد أيضاً في أمور العبادات تعلقاً بمسائل العقائد, ومن العقائد ما يدخله العلماء في مسائل الفقه, وكذلك العكس، وربما أدخل بعض العلماء بعض فرعيات الدين في مسائل العقائد؛ لأنها هي الفاصل والفارق بينهم وبين أهل البدع، مثل: المسح على الخفين في مسائل العقائد لأنها فارق بين أهل السنة والرافضة, وغير ذلك من المسائل الفرعية التي يدرجها العلماء من جهة الأصل في أبواب الفقه.

    ضابط الأصول والفروع ومراعاتها في التصنيف

    وهذا التقسيم هو تقسيم حسن إذا عُلمت الغاية منه، وأنه ليس المراد من ذلك التهوين من باب دون باب وتقديم باب من جميع الوجوه على باب آخر، وإلا فيوجد من مسائل العقائد ما هي فرعيات وجزئيات, ويوجد من الفروع ما هي أصول كليات؛ كمثل أركان الإسلام؛ كالصلاة والصيام والزكاة والحج، ولهذا نجد التأكيد على الصلاة في الشريعة متظافر؛ وذلك لأهميتها وجلالة قدرها، بل جاء في النصوص الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وصف تاركها بالكفر، كما جاء في مسلم من حديث جابر بن عبد الله : ( بين الرجل وبين الشرك ترك الصلاة )، وكذلك أيضاً ما جاء في حديث بريدة في المسند والسنن: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة, فمن تركها فقد كفر )، وغير ذلك من التأكيدات، وهذه تدرج عند العلماء في أبواب الفروع, ونجد أيضاً في أبواب مسائل العقائد من المسائل الجزئية اليسيرة من دقائق الأسماء والصفات ما لم يؤكد عليها الشارع، وتجد كثيراً من العلماء لا ينبهون عليها, باعتبار أن الشارع ما أكد عليها وأكثر من سياقها، فنجد أن أصول العقائد من جهة الأصل هي أولى بالاهتمام من الفروع، ونجد أن من الفروع ما هو أولى بالاهتمام من بعض جزئيات مسائل العقائد؛ كفرعيات الأسماء والصفات, لا أصولها, فإن هذه يفوقها ما يتعلق ببعض أصول الفروع, وغير ذلك، لهذا نجد أن ثمة تداخلا ومغالبة بين أهمية هذه المسائل المتعلقة بأحكام الدين، والعلماء الأوائل كانوا ينظرون إلى أحكام الدين على أنها جزء واحد لا يتجزأ، فتجد من يتكلم في مسائل العقيدة ويدرج فيها أمور الفقه وربما الآداب والسلوك والأذكار وغير ذلك، والتوسع في التصنيف أوغل فيه المتأخرون كثيراً خصوصاً في الزمن المتأخر, حتى جزئت كثير من مسائل الفروع إلى جزئيات دقيقة، وربما بلغ في بعض الأزمنة إلى حد ... ولهذا كان من السلف الصالح من ينكر التوسع في تجزئة مسائل الدين، ولهذا يروى عن علي بن أبي طالب أنه قال: العلم نقطة كبرها الجهال، يعني: توسعوا به وجزءوه أجزاء متعددة حتى ظُن أنه يجب على الإنسان أن يتعلمه بتوسعه, حتى ربما خلط الناس بين مراتب العلم فأخذوه من أدناه وتركوا أعلاه، وربما كثير من الناس يحرص على دعوة الناس بالأدنى ويترك الأعلى وهو المتأكد؛ لأن علم الشريعة أصبح يوصف بعلم الشريعة مع كثرة أجزائه وأنواعه، ولهذا نجد السلف الصالح لما اهتموا بالأصول واهتموا أيضاً بالفرعيات وغرسها في نفوس الناس وجدوا الناس يذعنون للجزئيات، ولما اهتم المتأخرون بالجزئيات وجدوهم لا يهتمون بالأصليات، وهذا أمر مشاهد في كثير من بلدان المسلمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088467118

    عدد مرات الحفظ

    776893716