إسلام ويب

الأحاديث المعلة في الأذان والإقامة [3]للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من الأحاديث المعلة، والتي يستدل بها الفقهاء على مسائل الأذان والإقامة؛ حديث: (أقامها الله وأدامها)، وحديث: (إذا سمعتم المؤذن يثوب للصلاة فقولوا مثلما يقول)، وحديث: (ألا إن العبد نام)، وحديث: (بين كل أذانين صلاة خلا المغرب)، وحديث: (إذا قام المؤذن قام أناس من أصحاب رسول الله يصلون حتى تقام الصلاة..) وكلها أحاديث لا تصح.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أول أحاديث هذا المجلس: هو حديث أبي أمامة عليه رضوان الله، ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع المؤذن يقول: قد قامت الصلاة، قال: أقامها الله وأدامها ).

    هذا الحديث أخرجه أبو داود في كتابه السنن، و ابن السني في عمل اليوم والليلة، من حديث محمد بن ثابت العبدي ، عن رجل من أهل الشام، عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة أو بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبي عليه الصلاة والسلام.

    علة حديث: (أقامها الله وأدامها)

    وهذا الحديث ضعيف وهو معلول بعلل:

    الأولى: الاختلاف على محمد بن ثابت فتارة يذكر فيه شهر بن حوشب وتارة يسقطه، فرواه عن محمد بن ثابت سليمان بن داود العتكي ، ورواه أبو الربيع الزهراني ، كلاهما عن محمد بن ثابت عن رجل من أهل الشام، عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة أو بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخالفهم في ذلك وكيع كما رواه الطبراني في كتابه الدعوات من حديث وكيع عن محمد بن ثابت عن رجل من أهل الشام، عن أبي أمامة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسقط فيه شهر بن حوشب ، وهذا الاضطراب في الحديث علامة وأمارة على عدم حفظه، وتقدم معنا أن عدم حفظ الإسناد على وجهه أمارة على عدم ضبط المتن، وهذا أول اختلاف وأدناه ممن دون محمد بن ثابت العبدي .

    العلة الثانية: أن محمد بن ثابت العبدي متكلم فيه، وقد تقدم معنا في حديث سابق، وهو حديثه في التيمم في روايته عن نافع ، عن عبد الله بن عمر : ( التيمم ضربتان )، فهذا حديث منكر، أنكره الأئمة قاطبة، أحمد ، و أبو داود ، و أبو حاتم و الدارقطني ، و البيهقي ، وسائر الحفاظ من المتقدمين والمتأخرين، ورفعه في ذلك غلط، والراوي إذا كان له أحاديث يتفرد بها فإن ذلك أمارة على ورود الخطأ فيه، خاصة في الأحاديث الأصول، فتفرد الراوي في حديث مما يؤخذ عليه، إذا كان هذا الحديث من المسائل المشهورة والمعاني الجليلة هذا يساوي أحاديث كثيرة عند غيره مما هو دون هذا المتن، فالراوي مثلاً حينما يأتي يتفرد في بابٍ من الأبواب جليلة القدر مما يبعد أن يتفرد بها إنسان، فهذا يؤاخذ به أشد، وأما ما لا يحتاج الناس إليه، كتفرد الإنسان في بعض الفضائل البعيدة، أو نحو ذلك، أو فضائل الأعمال التي لا يتلبس فيها إلا أفراد ونحو ذلك، فهذا لا يسقطه؛ لأنه يغيب عن الذهن العمل بذلك، أما التفرد في مسائل في الصلاة والطهارة ونحو ذلك، فهذا مما يسقط الراوي غالباً، ومسائل التيمم في التفريق بين الضربة والضربتين، ونحو ذلك، هذا مما يحتاجه الناس كثيراً، ولا يخلو الإنسان في كثير من الأحيان من الحاجة إلى التيمم، خاصة في الأزمنة الغابرة، فإنهم كانوا يتيممون كثيراً، ففي كل أسفار ونحو ذلك لا يحملون معهم الماء، بخلاف زمننا فإن الماء متيسر ولو لم يحمله الإنسان في حله وترحاله.

    وهذا الحديث تفرد به محمد بن ثابت العبدي ، و محمد بن ثابت العبدي ضعيف، وهذا الحديث الذي تفرد به منكر، وشيخه في ذلك مجهول، و محمد بن ثابت في روايته لهذا الخبر لم يصرح بهذا الشيخ، وكذلك هذا الشيخ يرويه عن شهر بن حوشب ، وشهر بن حوشب من الرواة الذين اختلف فيهم كلام العلماء، فجاء عن ابن عون كما رواه النضر عن ابن عون قال: إن شهراً نزكوه، قال مسلم رحمه الله في كتابه المقدمة: يعني: وقعوا بألسنتهم فيه، يعني: أن الناس قد طعنوه وأكثروا من طعنه، وقال شعبة بن الحجاج : لقيت شهراً ولم أعبأ به، يعني: أني لم آخذ من حديثه شيئاً، وكذلك قد ضعفه وطعن فيه غير واحد كـابن هارون ، وكذلك النسائي ، وغيرهم، وجاء عن بعض العلماء أنه قوى حديثه، وقال: جاء عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه قال: ما يرويه عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب لا بأس به، وقال بذلك أيضاً أبو حاتم ، وقال الإمام أحمد رحمه الله: روى شهر عن أسماء بنت يزيد أحاديث حسانا، وهذا يدلنا على أن شهر بن حوشب ليس ضعيفاً على الإطلاق، وإنما أكثر أحاديثه الأصل فيها أن ما يتفرد به شهر أنه مردود، ويحتاج إلى المتابعة، خاصة في الأصول، وأما ما يرويه عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب فهو مقبول، فالإمام أحمد رحمه الله جاء عنه أنه قوى أمر شهر بن حوشب ، كما نقل ذلك عنه غير واحد من الرواة من أصحابه، وكذلك جاء عن الإمام أحمد رحمه الله أنه لين شهراً، فنحمل ما جاء عن الإمام أحمد رحمه الله من تقوية حال شهر بن حوشب على أنه أراد أحاديث عبد الحميد بن بهرام ، وهذه التقوية لا يمكن أن تكون إلا في أحاديث كثيرة، فلا يمكن الإمام أحمد رحمه الله أن يوثق راوياً وهو مضعف من جهة الأصل، إلا والأحاديث التي يوثق الإمام أحمد هذا الراوي لأجلها كثيرة، والأحاديث التي يرويها عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب هي نحوٍ من السبعين حديثاً، قال الإمام أحمد رحمه الله: روى عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب سبعين حديثاً طوالاً، يحفظها كالقرآن، يعني: أن عبد الحميد بن بهرام في روايته عن شهر بن حوشب يروي أحاديث كثيرة، فيستحق التوثيق لأجل هذا العدد، لهذا يتباين كلام بعض الأئمة رحمهم الله في الرواة الذين يوثقون من وجه ويلينون من وجه آخر، فتختلف ألفاظ الجرح والتعديل فيهم، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى في رواية شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد .

    روى عنها أحاديث حسنة، ولكن الأصل أن ما يرويه شهر بن حوشب ولم يوافق عليه فإنه ضعيف، ويستثنى من ذلك ما تقدمت الإشارة إليه من رواية عبد الحميد بن بهرام كما استثناه الإمام أحمد رحمه الله، وأبو حاتم ، وغيرهم، وكذلك رواية شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد ، و شهر بن حوشب من أئمة القراءة وكذلك رجل صاحب ديانة وتنسك، وطعن فيه بعض الأئمة، تارة لحفظه وتارة لما اتهم في دينه، والكلام في ذلك تقدمت الإشارة إليه، منهم من أخذ عليه بعض المفسقات ونحو ذلك، ومنهم من طعن فيه بسبب قربه من السلطان.

    ومن العلل وهي العلة الرابعة في هذا الحديث: أن هذا الحديث لو ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه الحقيقة لوجب أن يروى بأصح الأسانيد ويشتهر، وهذا المتن لا يحتمله مثل هذا الإسناد، فالنبي صلى الله عليه وسلم كما في هذا الخبر يروى عنه ( أنه إذا سمع المؤذن يقول: قد قامت الصلاة قال: أقامها الله وأدامها )، وبقية ألفاظ الأذان يقولها كما هي، كما جاء في حديث عبد الله بن عمر ، فهذا يلزم أن يشتهر.

    تضعيف الحديث بورود ما هو دونه من حيث التشريع بأسانيد أقوى منه

    ثم إن الإقامة أكثر حضوراً من الأذان، الأذان الناس أوزاع كلٌ في داره، أما عند الإقامة فالناس مجتمعون، فينبغي أن يرد الترديد في الإقامة بأسانيد أصح وأكثر من الأذان؛ لأنها تشاهد أكثر من غيرها، ولهذا نقول: إن هذا الحديث مع نكارته إسناداً منكر متناً، والأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الترديد في الأذان كثيرة، وفي الصحيحين كحديث أبي سعيد الخدري وهو في صحيح البخاري و مسلم ، وكذلك حديث معاوية ، و عبد الله بن عمرو ، و جابر ، وغيرهم عليهم رضوان الله في الترديد، وجاء أيضاً من حديث عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى الترديد خلف المؤذن، فهذا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقله الصحابة واشتهر، والترديد في الإقامة لو كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعله والصحابة يفعلونه لنقل عنهم؛ لأن الناس في حال الأذان في الغالب أنهم متفرقون، وأما بالنسبة للإقامة فإنهم يجتمعون، فيسمع بعضهم بعضاً في حال الترديد خلف المقيم، وأما بالنسبة لهذه اللفظة (أقامها الله وأدامها) لو قلنا بمشروعية الترديد للزم أن استثناء هذه اللفظة في قوله: قد قامت الصلاة، أنها ترد بعد ثبوت الأصل، بمثله أو أقوى منه، وثبوت الأصل هو الترديد في حال الإقامة، فيأتي الاستثناء في نص مشابه آخر مثله أو أقوى منه، وهذا من علامات نكارة هذا المتن، وكذلك أحاديث كثيرة جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها أن النبي عليه الصلاة والسلام ينقل من أقواله وذكره مما يفعله النبي عليه الصلاة والسلام وهو أقل من ذلك، فالإقامة يشهدها عامة الصحابة، وعامة من يحرص على صلاة الجماعة يشهد الإقامة، ومع هذا فقد نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو دونه واستفاض مثل: أذكار الصباح والمساء، وما يذكره الإنسان في صلاة الليل، بل في دعاء السجود الذي لا يكاد يسمعه أحد إلا من دنا من الإنسان، وكذلك في ذكر الإنسان لبعض الأحوال العارضة ونحو ذلك من ذكرٍ عند طعام، وعند دخول المسجد، ونحو ذلك، فالإنسان في الغالب أنه يدخل المسجد وحده، وقد يصاحبه واحد، أو اثنان ونحو ذلك، ومثل هذا نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك عن أصحابه قولاً وعملاً، وهذا مما ينبغي أن يشتهر ما هو أقوى منه بالأسانيد في أحاديث هذا الباب لو صحت، ولهذا نقول: إن الأحاديث في أبواب الأذان وكذلك في غيره من هذه المسائل علامات على نكارة هذا الحديث.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088534536

    عدد مرات الحفظ

    777183485