إسلام ويب

الأحاديث المعلة في الصلاة [37]للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من الأحاديث المعلة في الصلاة: حديث: (إنا معاشر الأنبياء أمرنا بثلاث وذكر منها: وأن نضع الميامن على الشمال في الصلاة)، وقد تفرد به يحيى بن سعيد بن سالم القداح، وله أحاديث مناكير قد تكلم فيه غير واحد من العلماء، وجاء أيضاً من حديث ابن عباس، وهي رواية منكرة لتفرد محمد بن أبي يعقوب الكرماني، وأخرج ابن ماجه حديثا عن أبي هريرة في الجهر بالتأمين وفيه ضعف، وأخرج مثله أبو داود ولكن فيه جهر الإمام فقط، وفيه مقال، والتأمين ثابت بالعمل المتواتر.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فتكلمنا في الدرس الماضي على جملة من الأحاديث، ومن هذه الأحاديث التي تكلمنا عليها مسألة الأمر في وضع اليمين على الشمال في الصلاة وهي مسألة القبض، وأوردنا في ذلك جملةً من الأحاديث منها ما جاء في حديث عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى، في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنا معاشر الأنبياء )، في الخبر.

    وكذلك أيضاً ما يروى في هذا في حديث أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى.

    وتكلمنا عليها، وثمة طرق وكذلك أيضاً روايات لهذا الحديث:

    أول هذه الأحاديث في هذا المجلس: هو حديث عبد الله بن عمر عليه رضوان الله أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنا معاشر الأنبياء أمرنا بثلاث: بتعجيل الفطر، وتأخير السحور، وأن نضع الميامن على الشمال في الصلاة )، هذا الحديث أخرجه الطبراني في كتابه المعجم، ورواه البيهقي و ابن عدي في كتابه الكامل من حديث يحيى بن سعيد بن سالم القداح عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن أبيه عن نافع عن عبد الله بن عمر .

    وهذا الحديث حديث منكر، والنكارة في إسناده ظاهره وذلك أن هذا الحديث تفرد به يحيى بن سعيد بن سالم القداح وله أحاديث مناكير قد تكلم فيه غير واحد من العلماء كـالعقيلي وكذلك ابن عدي في كتابه الكامل، و الدارقطني فإن الدارقطني قال فيه: ليس بالقوي، وكذلك العقيلي لما ترجم له في كتابه الضعفاء قال: يروي الأحاديث المناكير، وكذلك أيضاً فإن ابن عدي في كتابه الكامل لما أخرج هذا الحديث وأورد كذلك غيره قال: هذه الأحاديث غير محفوظة، والمراد بذلك في كلام ابن عدي عليه رحمة الله في هذه العبارة في قوله: هذه الأحاديث غير محفوظة يعني: لا يحفظها الثقات، وإن وردت في كلام بعض الرواة إلا أن الثقات لا يحفظونها ولو كانت هذه الروايات معتداً بها لكان أولى أن يحفظها الثقات، ومعنى محفوظة التي يقصدها المصنف رحمه الله وهو ابن عدي في كتابه الكامل في قوله: غير محفوظة يعني: غير محمولة عند العلماء فيحفظونها، فيمرون عليها ويتركونها.

    والعلة في هذا أن هذا الحديث هو من حديث عبد الله بن عمر ويرويه أيضاً عن عبد الله بن عمر نافع ويرويه عن نافع عبد العزيز بن أبي رواد ويرويه عن عبد العزيز ابنه عبد المجيد، وهذا الإسناد الأولى أن لا يتفرد به أمثال يحيى بن سعيد القداح ؛ وذلك لأن هذا الحديث من المعاني الظاهرة التي ينبغي أن يحملها من هو أولى بالرواية من أصحاب نافع ، ولو تسامحنا برواية عبد العزيز بن أبي رواد في روايته هنا لقلنا بأنه أولى أن يروي هذا الحديث أيضاً من هو أولى من عبد المجيد ، وكذلك أيضاً في حال يحيى بن سعيد القداح ، و عبد المجيد بن عبد العزيز وأبوه صالحان من جهة الرواية إلا أنهما اتهما ببدعة الإرجاء، إلا أنهما من جهة الرواية أحاديثهما صالحة، ونجد أن الأئمة عليهم رحمة الله تعالى يقبلون الأحاديث التي يرويها المبتدع إذا كان ثقةً في حفظه، ولو كان في دينه مغمز من جهة البدعة.

    الإرجاء -وهذا من النوافل- في الأب عبد العزيز إنما جاءه من ابنه، ولهذا الإمام أحمد رحمه الله لما تكلم على عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد قال: أفسد أباه، يعني: هو الذي أعطاه بدعة الإرجاء، وإلا فالأصل أن الابن يتأثر بالأب، وقال غير واحد: ما زال صالحاً حتى جاء وظهر أمر ابنه فقال بقول ابنه، والإرجاء هنا من البدع وهي على مراتب، ولكن البدعة التي يوصف فيها الإرجاء في الرواة الأصل فيها أنها ليست بدعة مكفرة، والعلماء عليهم رحمة الله في الرواية عن المبتدع يقبلونها إذا كان ثقةً في ذاته من جهة الحفظ وهو ليس معروفاً بالكذب.

    الرواية عن المبتدع

    وهنا مسألة هي من المسائل المهمة فيما يتعلق بالرواية عن المبتدع: الرواية عن المبتدع إذا أراد الإنسان أن يضبطها وأن يضبط أيضاً نظائرها من المسائل أن ينظر إلى طرائق العلماء من جهة العمل وأقوالهم أيضاً من جهة الحكم، فلابد من النظر حتى تفهم هذه المسألة إلى جهتين:

    الجهة الأولى: إلى أقوال العلماء في الرواية عن المبتدع، وكذلك أيضاً سياقاتها، النظر إلى تلك الأقوال والسياقات يعرف فيه طالب العلم ذلك اللفظ الذي يقصد به العالم من الحكم على الرواية على المبتدع.

    إذا نظرنا في كلام العلماء في الرواية عن المبتدعة نجد أن من العلماء من يقول: لا ترووا عن فلان فإنه كذا، أو لا يروى عن صاحب البدعة الفلانية ونحو ذلك من العبارات التي يطلقونها، هذا إجمال فيه رد لرواية المبتدع بالكلية، ولكن الخلل في هذا أنه نظر للإطلاق وما نظر للسياق؛ لأن السياق ربما كان هذا المبتدع ممن يدعو إلى بدعته، فالرواية عنه تدعو الناس إلى شهود مجالسه فيشتهر أمره ويتأثر الناس ببدعته، إذاً العلة ليست في الرواية، ولهذا يحيى بن سعيد القطان يقول في عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد هنا يقول: لا ينبغي أن تترك روايته لخطأ رآه. يعني: في ذلك ما يتعلق ببدعة الإرجاء، وكان الإمام أحمد رحمه الله يرى الرواية عن المبتدع إلا إذا كان داعيةً إلى بدعته مخاصماً، يعني: مخاصماً بها وهذا ظاهر فيه أمر مهم جداً في هذه المسألة وهي مسألة الرواية عن المبتدع.

    إذاً: في هذه المسألة فيما يتعلق بمسألة الرواية عن المبتدع أن نقول: إن الرواية عن المبتدع في كلام العلماء لابد من النظر إلى العبارة والنظر إلى السياق، فإن السياق ربما يكون مقيداً لعموم اللفظ، وأكثر النقول عن العلماء عليهم رحمة الله في أبواب الرواية عن المبتدع إنما يؤخذ الإطلاق ولا يؤخذ السياق، فالسياق يقيده، وكذلك اللفظ ربما يقيد السياق كذلك أيضاً ربما يقيد السياق كذلك، ربما كان السياق عاماً واللفظ أخص منه فإنه يقيد ذلك السياق، ولكن الأشهر أن السياق إنما يقيد ذلك اللفظ فلابد من النظر إلى السياق الذي جاء فيه هذا الكلام.

    ولهذا نجد في كلام العلماء عليهم رحمة الله من الإطلاقات ما اضطرب فيها كثير من المتأخرين في مسألة الرواية عن المبتدع، فتجد الإمام الواحد ينقل عنه أقوال في مسألة الرواية عن المبتدع كالإمام أحمد رحمه الله أقواماً ينقلون عنه الرواية عن المبتدع، وأقواماً ينقلون عنه منع الرواية عن المبتدع، وأقواماً ينقلون عنه بالقيد.

    الإمام أحمد رحمه الله فيما ينقل عنه المروذي يقول: إن أبا عبد الله يروي عن المبتدع إلا إذا كان داعيةً أو مخاصماً يعني: على بدعته، والبدعة واحدة، فإذا كان لدينا مرجئان: هذا مخاصم وهذا ليس بمخاصم، وهذا يدعو وهذا لم يدع، البدعة واحدة، إذاً العيب في البدعة أم في غيرها؟ العيب في باب الرواية وليس في البدعة، وإنما في دعوته إليها يدعو الناس إليها، لأنك لو قلت بالرواية عنه والذهاب إليه يعني من ذلك أن الناس يجتمعون عنده وإذا اجتمعوا عنده تأثروا به، والناس تتأثر بالشيوخ، فإذا أخذوا عنه سكنوا إليه، ولهذا الإنسان الذي يديم المخالطة لمبتدع يتأثر ببدعته على أقل الأحوال أنه يدع النكير عليه، أو يلتمس له الأعذار، فيقول: ربما اجتهاد، ولو كان بعيداً عنه لشدد في النكير عليه، ولهذا الإمام أحمد رحمه الله قيد بعدم الرواية عن المبتدع إذا كان داعيةً وإذا كان مخاصماً.

    في هذا نأخذ حكماً من الأحكام المهمة وهو إذا توفي المبتدع كما في زماننا أصحاب الرواية انتهوا، حينئذ هل قول الإمام أحمد رحمه الله ما زال قائماً أم انتهى؟ انتهى، لأن القضية تتعلق بدعوته وبكونه مخاصماً وانتهت خصومته ودعوته بوفاته وأمن هذا الأمر، إذاً لم يكن الأمر في مسألة البدعة، ولهذا نقول: إن الرواية عن المبتدع جائزة.

    وينبغي أن نؤكد إلى مسألة وهي أن العلماء إذا ذكروا مسألة الرواية عن المبتدع فإنهم يوردون البدعة غير المكفرة، ولا يوردون البدعة المكفرة بالاتفاق، كبدع الزنادقة وغير ذلك، وإنما يقصدون من ذلك البدع التي لا يكفر صاحبها.

    النظر إلى قول الإمام وعمله في نهيه عن الرواية عن المبتدعة

    الجهة الثانية التي لابد من النظر إليها في مسألة الرواية عن المبتدع: النظر إلى قول الإمام وعمله، فإن عمله يفسر قوله، وقوله أيضاً يفسر عمله وذلك أن الإمام ربما يقول قولاً في مسألة الرواية عن المبتدع بالمنع عنه، بالمنع من الرواية عنه، ولكن إذا نظرنا إلى عمله وجدنا أنه في رواياته وأسانيده مبتدعة، إذاً: فما مقصده في ذلك فإذا جمعنا قوله إلى فعله فإننا حينئذ نستطيع أن نخرج من ذلك مذهباً له، وهذا يظهر كثيراً، فإذا نظرنا مثلاً إلى الإمام أحمد رحمه الله وجدنا أنه يدعو إلى هجران المبتدعة الذين يدعون إلى بدعتهم، وهل هذا الأمر ما زال قائماً في زماننا عن الشيوخ؟ نقول: في باب الرواية انتهى باعتبار أن الدعوة إلى البدعة ماتت بموت صاحبها، أما من جهة التلقي فنقول: إن هذا الأمر قائم، الشخص الذي يدعو إلى البدعة ويصنف فيها مصنفات ويحدث الناس في محاضراته عن تلك البدعة لا يؤخذ عنه العلم، ليس عيباً في العلم فربما كان الرجل من أشد الناس تحرياً ولكن حتى لا يكثر سواده فيتأثر الناس به.

    ولكن إذا كان مبتدعاً وبدعته خاملة لا يدعو إليها ولم يدون فيها مدون، وإنما يعرفه بعض الناس من خاصته ونحو ذلك وله عموم يحدث فيها فنقول: يؤخذ منه العلم، وهذه طريقة الأئمة الأوائل، ولهذا إذا أردنا أن ننظر إلى كلام العلماء عليهم رحمة الله في مسألة الرواية عن المبتدع نجد أنهم يتفقون على أن البدعة ليست سبباً في رد رواية المبتدع بعينها، وإنما الأمر خارج عنها، وذلك في كثير من المسائل منهم من يقيد ذلك بالدعوة إلى البدعة، ومنهم من يقيد ذلك بالمخاصمة والمجادلة ونحو ذلك، وغير ذلك من الأمور التي يقيد بها العلماء.

    والمتأخرون إنما اضطربوا في هذا الباب للخلل الذي لم ينظروا فيه إلى الجهتين وهي جهة النظر إلى القول بسياقه، والجهة الثانية: النظر إلى أفعال العلماء به مع أقوالهم وجمعها فإنه يتبين مذهب ذلك الإمام، أما أن يأخذ إطلاقات عن أحمد ، وإطلاقات عن الشافعي ، وإطلاقات مثلاً عن البخاري ونحو ذلك في مسألة الرواية عن المبتدع ثم يأخذها على الإطلاق ويريد من ذلك أن يجعل هذا مذهباً وقع في ذلك اضطراب، ولهذا تجد في من يتكلم في مسألة الرواية عن المبتدع يقول لـأحمد في ذلك روايتان، وهذا أحد قولي الإمام، وإنما قوله واحد لو جمعت هذه الأقوال فإنه يؤخذ من ذلك قول في هذا.

    ولهذا نقول: إن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ولو وصف هو وأبوه بالإرجاء فإن أحاديثهما من جهة الأصل القبول لو كانت العلة فيهما، وأما والعلة في غيرهما وهي في يحيى بن سعيد بن سالم القداح وذلك في تفرده بهذا الحديث، ولهذا نقول: بعدم صحة هذا الحديث بل نقول بنكارته، وقد أخرج البخاري و مسلم في صحيحيهما لبعض الرواة الذين وصفوا بالبدعة وذلك كبدعة التشيع، التشيع الخفيف وليس الرفض، وكذلك في بدعة الإرجاء، وكذلك القدر، والرواة ليسوا بالكثير ولكن يدل هذا على الأصل الذي تكلمنا عليه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088532128

    عدد مرات الحفظ

    777167997