إسلام ويب

شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث [12]للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الإيمان بالقدر خيره وشره من الأمور الواجبة التي لا يصح إيمان العبد إلا بها, فعلى المسلم أن يؤمن بأن الله عز وجل قدر المقادير، وأن تقديره لا يعطل على العبد اختياره ومشيئته. وقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم لكثير من أصحابه أنهم من أهل الجنة, وأفضل أولئك هم العشرة المبشرون بالجنة, وأفضل العشرة هم الخلفاء الراشدون الأربعة.

    بسم الله الرحمن الرحيم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

    قال المصنف رحمه الله: [ ومن قول أهل السنة والجماعة في أكساب العباد أنها مخلوقة لله تعالى، لا يمترون فيه، ولا يعدون من أهل الهدى ودين الحق من ينكر هذا القول وينفيه.

    ويشهدون أن الله تعالى يهدي من يشاء لدينه, ويضل من يشاء عنه، لا حجة لمن أضله الله عليه، ولا عذر له لديه، قال الله عز وجل: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ [الأنعام:149], وقال: وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي [السجدة:13], الآية, وقال: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ [الأعراف:179], الآية, سبحانه خلق الخلق بلا حاجة إليهم، فجعلهم فرقتين: فريقاً للنعيم فضلاً، وفريقاً للجحيم عدلاً، وجعل منهم غوياً ورشيداً، وشقياً وسعيداً، وقريباً من رحمته وبعيداً، لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23]، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54], وقال عز وجل: كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ [الأعراف:29-30], وقال: أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ [الأعراف:37], قال ابن عباس : هو ما سبق لهم من السعادة والشقاوة.

    أخبرنا أبو محمد المجلدي أخبرنا أبو محمد العباس السراج حدثنا يوسف عن موسى أخبرنا جرير عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: ( إن خفق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكاً بأربع كلمات، رزقه وعمله وأجله، وشقي أو سعيد، فوالذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، ثم يدركه ما سبق له في الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخله, وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، ثم يدركه ما سبق له من كتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ) ].

    عدل الله في ختم حياة الإنسان على الخير أو الشر

    هذا يحتاج إلى بيان أن ما جاء في حديث عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب ), هل هذا المعنى على إطلاقه أو هو مقيد؟ باعتبار أن الإنسان يعمل بعمل أهل الجنة حتى إذا بقي على وفاته نحو الذراع سبق عليه الكتاب فعمل بعمل أهل النار. هو مقيد فيما يبدو للناس, يعني: أنه نفاق, وهذا جاء في الصحيح من حديث سهل عليه رضوان الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يعمل بعمل أهل الحنة فيما يبدو للناس )؛ لأن الله أعدل من أن يقوم الإنسان بطاعته سبحانه وتعالى سنين طويلة، حتى إذا بقي من وفاته ساعة أو ساعتان عمل بعمل أهل النار، ثم مات على هذا.

    وكذلك في مسألة أهل النار, قال: ( يعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس ), يظنون أنه من أهل النار، وله خبيئة من عمل وخبيئة من عذر, فسبق عليه الكتاب فكانت خاتمته حسنة.

    ولهذا نقول: إن الله سبحانه وتعالى أعدل من أن يجعل عمل الإنسان لسنين طويلة هباء منثوراً، فيضرب عليه الأمر، فيكتب له بساعة السوء، ولهذا نقول: إن الله عز وجل يعلم باطن الإنسان وظاهره, وإذا أظهر شراً أو أظهر خيراً يعلم بإيمانه ودافعه إلى ذلك, فالعبرة بالخواتيم, كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إنما الأعمال بالخواتيم ), يعني: ما وجد من عمل الإنسان ظاهراً وباطناً فيما يعلمه الله يختم عليه الإنسان, ولهذا الشخص الذي يخالف أمر الله عز وجل بالزنا والسرقة وغير ذلك من الموبقات أن الغالب أن يختم له بسوء إذا كان على هذا الأمر زمناً طويلاً, فلا تكون ميتته ميتة حسنة, فيموت ساجداً أو نحو هذا, كذلك من كان طائعاً لله, صواماً, قواماً, لسنين طويلة, لا يختم الله عز وجل له بآخر ساعة من عمره أن يموت على شرب الخمر, أو يموت على السرقة أو على الزنا أو نحو ذلك, والله عز وجل عدل في هذا الأمر.

    وأما ما يتعلق بجانب العمل السيئ سواء كان كفراً أو كان ذنباً يفعله الإنسان؛ نقول: قد يستمر الإنسان على ذلك دهوراً، ويختم الله عز وجل للإنسان بعمل الخير, كما جاء أن أحد الصحابة أسلم في المعركة, وكان قبل ذلك كافراً, ثم قتل ولم يعمل خيراً قط إلا ما مات عليه من الجهاد والشهادتين وما لحقها من عمل يسير, نقول في مثل هذا: هذا أغلب ظهوراً من الثاني؛ أن يكون الإنسان طائعاً لله عز وجل مدى الدهر, ثم يجعل الله عز وجل ميتته ميتة سوء في آخر ساعة من عمره, أما الثاني لأن الله عز وجل رحمته سبقت غضبه جل وعلا يختم لعباده الذين كانوا على سوء على عمل صالح في آخر حياته أكثر من الأول وأظهر؛ لأن رحمة الله عز وجل ولطفه تسبق غضبه سبحانه وتعالى.

    والغالب في الأمرين أن الله عز وجل يجعل أمر الإنسان على ما كان عليه قبل ذلك, ولكن يظهر ميتته وخاتمته على ما كان عليه من عمل الباطن وعمل الظاهر, والله عز وجل لا ينظر إلى العمل الظاهر مجرداً, بل إذا صح الظاهر جزي الإنسان على عمله الظاهر بالإحسان, وإذا فسد باطنه ولو عمل وأحسن بالظاهر, فإن عمله الظاهر لن يكون إلا فساداً ووبالاً عليه بسوء باطنه؛ لأنه فعل ذلك نفاقاً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088468988

    عدد مرات الحفظ

    776899652