وبعد:
فإن الفتن لا شك أنها موضوع خطير، وهي تكون بالقتال، وتكون بالشهوات، وتكون بالشبهات، وتكون بالجميع، نسأل الله العافية.
وقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (تكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي، من يستشرفها تستشرفه).
وقال عليه الصلاة والسلام: (بادروا بالأعمال الصالحة فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً، ويُمسي كافراً، ويُمسي مؤمناً، ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا؛ وفي لفظ: بعرض من الدنيا قليل).
ونحن في هذا الوقت، وكذلك مضت أوقات أيضاً وقع شيء منها كثير فيما مضى، ولكن في هذا الوقت أكثر، فتن الشبهات، وفتن الشهوات، وفتن القتال، كلها واقعة.
فإذا رزق الناس المال وقدروا على مطالبهم من هذه الشهوات المحرمة، فالعصمة قليلة، فمن ابتُلي بالمال الكثير، ولا سيما مع قلة العلم، وقلة البصيرة، وقلة العقل الراجح، وقلة الأخيار وصحبة الذين يوجهون إلى الخير، وكثرة المنحرفين، والذين يقودون الناس إلى أسباب الهلاك..
من هذه الأسباب يعظم الخطر، وتكثر المصائب في الدين، قال جلَّ وعَلا: وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ [هود:116].
فالترف له عواقب وخيمة، في الملبس، والمأكل، والمشرب، والمركب، والمسكن.. وغير ذلك، وهو يفضي إلى غايات خطيرة بانتهاك محارم الله، والضعف عن أداء ما أوجب الله، واقتحام الحدود، وعدم المبالاة بخطر العقوبات، وبغضب الله عزَّ وجلَّ، قال سبحانه في كتابه الكريم: كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7] .
وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (والله ما الفقر أخشى عليكم، وإنما أخشى عليكم الدنيا، أن تُبسط عليكم كما بُسطت على من كان قبلكم، فَتَنافَسُوها كما تَنافَسُوها، فتهلككم كما أهلكتهم).
فالواجب على كل مؤمن أن يحذر الفتن من الشهوات والشبهات، قال عليه الصلاة والسلام: (يتقارب الزمان، ويفشو الزنا، ويُشرب الخمر، ويقل العلم، ويظهر الجهل، ويكثر الهرج، قيل: يا رسول الله وما الهرج؟ قال: القتل القتل) في آخر الزمان تكثر أسباب القتال والفتن، والقتل بغير حق، باب العدوان والظلم، وهذا واقع في نواحي كثيرة من هذه الدنيا.
ومن أسبابه: الظلم والعدوان، وحب المال والجشع في تحصيله وجمعه من الدول والأفراد:
- من الدول: الجشع على المال من أنواع المعادن؛ كالبترول وغيره.
- ومن الأفراد: كذلك يُفضي بهم إلى السرقات، والخيانات، والغش في المعاملات، وغير هذا من أنواع الضرر والظلم، الذي من أسبابه الجشع على المال والحرص عليه.
فإن الإنسان بسبب الشبهة كثيراً ما يخرج عن دينه بين وقتٍ وآخر، يصبح مؤمناً، ثم تعرض له شبهة في جريدة أو في كتاب أو من طريق مجادل ومناظر ومخاصم فيضل ويخرج عن دينه بسبب ذلك.
- والشُّبَه أنواع متنوعة:
بعضها يتعلق بالله سبحانه.
وبعضها يتعلق بالرسل عليهم الصلاة والسلام.
وبعضها يتعلق بالقرآن.
وبعضها يتعلق ببعض الواجبات.
وبعضها يتعلق ببعض المحرمات.. إلى غير ذلك.
فلا يزال به أعداء الإسلام يجادلونه، ويبذرون في قلبه بذور الشر، ويشككونه في دينه، ويقولون: لِمَ كذا؟! ولِمَ كذا؟! ولِمَ شُرِع كذا؟! ولِمَ صار كذا؟! وأين كذا؟! وأين الدليل على كذا؟! حتى يضل عن دينه، وحتى يهلك بجهله بالله، وجهله بدينه، ولاستيلاء هذه الشبه على قلبه، حتى لا يجد لها دافعاً من قلبه، ولا يجد لها حالاًّ ومنقذاً من مجالسيه، ومن أصحابه الذين يسمع لهم ويثق بقولهم؛ لأن الأصحاب والجلساء يغلب عليهم في هذه الأوقات الأخيرة الجهل وقلة العلم، ويغلب عليهم أيضاً إيثار الشهوات، وحب العاجلة، والإعراض عن الدين، واستثقاله؛ لأن دين الله يقيدهم عما حرم الله، وهم يجدون في الدين ما يقيدهم عن الزنا، وما يمنعهم من شرب المسكرات، وما يمنعهم من أخذ المال بغير حق بالرشوة، والخيانة، والغش في المعاملة؛ فلهذا يستثقلون الدين، ويودون التملص والتخلص منه، حتى يشبعوا رغباتهم من هذه الشهوات المحرمة.
فهذه كلها فتن، حذر منها النبي عليه الصلاة والسلام.. فتن الشبهات، وفتن الشهوات، وفتن القتال، وأسباب القتال، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (بادروا بالأعمال الصالحة فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً، ويُمسي كافراً، ويُمسي مؤمناً، ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا) والعياذ بالله!
يجد في كتاب الله الدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال.
يجد في كتاب الله الأدلة القاطعة على وجود ربه، وعلى أسمائه الحسنى، وعلى صفاته العلى، وعلى استحقاقه للعبادة والطاعة.
ويجد في كتاب الله الأدلة القاطعة على صحة ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأنهم حق من عند الله عزَّ وجلَّ.
يجد في كتاب الله الدلالة القاطعة والبراهين الساطعة على إثبات الآخرة، والجنة والنار، والبعث والنشور، وأن ذلك حق.
فإذا تدبر مع ذلك أحوال العالم، وأن هذا العالم فيه الضال، وفيه المهتدي، وفيه الظالم، وفيه الجاهل، وفيه العالم، وفيه أنواع الفساد؛ عرف أن هذا العالم لا بد له من منتهى، ولا بد له من غاية، ولا بد له من لقاء مع ربه، يجازي فيه المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته.
كثير من هؤلاء الذين ظلموا الناس، وأكلوا أموالهم بغير حق، واعتدوا على حقوقهم.. كثير منهم يموتون ولم يؤخذ منهم الحق، فلا بد لهم من يوم ومكان تؤخذ منهم الحقوق فيه، ويُنصف المظلومون منهم، ويُلزمون بأداء الحقوق، وذلك اليوم هو يوم القيامة، هو يوم الحشر والجمع، هو يوم التغابن، كما قال جلَّ وعَلا: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ [إبراهيم:42].
وقال جلَّ وعَلا: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:7-8]، وقبلها قوله جلَّ وعَلا: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ [الزلزلة:6]، فلا بد من عرض أعمالهم، ولا بد من جزائهم عليها.
وقوله جلَّ وعَلا: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97].
ويقول جلَّ وعَلا: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا [الإسراء:7].
فالمقصود أن هناك موعداً مع الله عزَّ وجلَّ يجازي فيه سبحانه المحسن لإحسانه، والمسيء لإساءته.
فنسأل الله أن يرزقنا وإياكم الاستعداد، والحذر من الفتن، والإقبال على كتاب الله عزَّ وجلَّ، والعناية بذلك.
ومن أسباب النجاة: العناية بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم والإقبال عليها، والنظر في سيرته عليه الصلاة والسلام، وسيرة أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وسيرة سلفنا الصالح، الذين درسوا كتاب الله، وتعقلوه، وتدبروه، وعملوا به، ودرسوا السنة وعظموها، وانقادوا لها، وساروا على ضوئها في حياتهم؛ فإن في دراسة ذلك ما يعين على الأخذ بها، والتمسك بها مع كتاب الله عزَّ وجلَّ، وفي الإعراض والغفلة عن ذلك ما يسبب الهلاك والوقوع في حبائل ومكائد الشيطان، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
الجواب: عليه أن يعرِّفها سنة كاملة في مجامع الناس، في الشهر مرتين، أو ثلاث، أو أربع: من له الساعة؟ من له الساعة؟ فإذا وجد من يصفها بصفتها الخاصة الدقيقة أعطاه إياها.
وإن مضت السنة ولم يعرفها أحد فهي له، كسائر ماله، فإن جاء بعد ذلك من يعرفها ولو بعد سنتين أو ثلاث أو أكثر، أعطاه إياها.
الجواب: هذا يسأل عن ابنة عمه التي تسلم على والده؛ تقبِّل رأسه، وبعضهن يصافحن، وبعضهن يقبلن الفم، بنات العم، وبنات الخال في كثير من الناس، ولا سيما عند بعض البادية وبعض القرى الجنوبية وغيرها، وهذا لا شك أنه لا يصلح ولا يجوز؛ لأن ابن العم وبنت العم وبنت الخال وبنت الخالة ليسوا محارماً، بل يجوز لابن العم أن ينكح بنت عمه، وبنت خاله، وبنت خالته وبنت عمته، وليس لها أن تقبل رأسه، ولا يده، ولا جبهته، ولا أنفه، ولا تصافحه، بل السلام من بعيد، من دون تقبيل، لا للرأس، ولا لليد، ولا المصافحة، كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصافح النساء، ويقول: (إني لا أصافح النساء). وقالت عائشة رضي الله عنها: [ما مست يدُه يدَ امرأة قط، ما كان يبايعهن إلا بالكلام].
وما يُروى في بعض الأحاديث أن المرأة كانت تقدم يدها للرسول صلى الله عليه وسلم وتبايعه، كلها أحاديث ضعيفة، لا صحة لها عن النبي عليه الصلاة والسلام.
فالمرأة الأجنبية وإن كانت ابنة عم لا تقبل ابن عمها، ولو قدم من سفر، لا تقبل رأسه ولا أنفه، ولا جبهته؛ لأنها قد تقبله، وتكون معها روائح فتفتنه.
المقصود: أنه ليس من الْمشروع، وليس من الجائز التقبيل للأجنبي، لا لرأسه، ولا جبهته، ولا أنفه، ولا يده، بل ولا تصافحه أيضاً، بل يكون بالكلام: التحية بالكلام، السلام عليكم، كيف حالكَ يا فلان؟ كيف حالكِ يا فلانة؟ وما أشبه ذلك من الكلام الطيب.
الجواب: هذا ليس له أصل، ليس بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، هذا من قول بعض السلف، وليس بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أتى به.
إنما جاء إخبار النبي عليه الصلاة والسلام أن من أشراط الساعة: (التطاول في البنيان) هذا الذي جاء في أشراط الساعة، التطاول في البنيان من أشراط الساعة ولكن ليس فيه النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن من أشراطها: (أن تلد الأمة ربتها) هذا من أشراطها، ويجوز التسري، وللسيد أن ينكح جاريته ويطأها وتلد منه، وهذا واقع من عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومن جملة ذلك: مارية ، فإنها جارية، وقد تسراها النبي صلى الله عليه وسلم، وولدت له ابنه إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فالتسري كثرته من أشراط الساعة، وليس بحرام، ولقد وقع من ذلك الشيء الكثير من التسري من الأمراء والأغنياء وغيرهم، زمن كثرة الأرقاء وقيام الجهاد.
الجواب: كذلك اللحوم المصبغة التي تأتي من الخارج فيها تفصيل..
أما ما يرد من بلاد أهل الكتاب من النصارى أو اليهود، فهذا أصله الحل؛ لأن الله أباح لنا طعامهم، وجعل نساءهم المحصنات وطعامهم حلاً لنا.
فما ورد من بلاد النصارى كالدانمرك ، وفرنسا ، وإنجلترا ، وهولندا ، وأشباه ذلك، فالأصل فيه حله لنا، إلا إذا علمنا أن هذا الدجاج أو هذا البقر من مجزرة تذبح ذبحاً غير شرعي، إذا علمنا ذلك يقيناً حرُم علينا ذلك الشيء المعين، أو علمنا أن هذه الذبيحة ذُبحت على غير الوجه الشرعي بالخنق أو بغير ذلك، حتى ولو كان الذابح مسلماً، إذا ذبحها بغير الشرع، أو خنقها، أو ضربها بمثقِّل حتى ماتت فتصير موقوذة؛ فلا تحل، لا من مسلم ولا من كتابي.
أما إذا جاءت مذبوحة ولا نعرف، فالأصل في ذبائحهم الحل لنا، كذبائح أهل الإسلام.
وأما من عرفناه من شركة أو جزار معين يذبح الذبح غير الشرعي، فإنا لا نأكل ذبيحته.
أما ما يَرِد من بلاد الشيوعيين كالصين الشعبية، وبلغاريا ، وكرواتيا ، وألبانيا ، وأشباه ذلك، هذه البلاد الشيوعية كفرها أعظم من كفر الوثنيين، فذبائحهم لا تحل، وهكذا البلاد الوثنية، مثل: الهند ، واليابان ، وكوريا ، وأشباهها، هذه كذلك؛ لأن البوذيين لا دين لهم.
فالحاصل أن بلاد أهل الكتاب أصلها حل لنا، وما كان في بلاد غيرهم من الوثنيين والشيوعيين، فإن الأصل فيه تحريمه، حتى نعلم أنه ذبحها مسلم أو كتابي، فإذا علمنا ذلك أكلناه.
السائل: يا شيخ! ما حكم ما جاء من دول شيوعية؛ ولكن مكتوب عليه: ذُبح على الطريقة الإسلامية؟
الشيخ: ما دام أنَّها بلاد شيوعية فلا ينبغي أن يوثق بذلك؛ لأنهم يكذبون ولا يبالون، حتى نعلم من طريق ثابت، ومن طريق الثقات أن هناك هيئة إسلامية تَذْبح في البلاد الشيوعية، في رومانيا ، أو بلغاريا ، أو ما أشبهها، إذا علمنا أن هناك مسلمين موحدين قد وُكِل لهم الأمر، وأن هذه تأتي من طريقهم، إذا علمنا ذلك جاز لنا، كما يجوز لنا أن نأكل ذبيحة المسلمين وأهل الكتاب.
الجواب: إذا كان أبو السائل قد رضع من زوجة أخيه فإنه يكون ولداً لأخيه، ويكون أخاً له، ويكون ابناً له من الرضاعة، إذا رضع من زوجة أخيه خمس رضعات أو أكثر، ولو لم تكمل السنة، إذا رضع رضاعاً شرعياً في الحولين خمس رضعات أو أكثر، صار ابناً لأخيه، وصار أولاد أخيه إخوة له، وصار أولاده حينئذٍ أبناء ابن لأخيه من الرضاع، وصار أولاد أخيه أعماماً لأولاده، والبنات عمات لأولاده؛ لأن الرضاع كالنسب، يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.
السائل: هم أصلاً أولاد أخيه حتى بدون الرضاعة محرمات عليه.
الشيخ: فقط أبناؤه.
السائل: نعم.
الشيخ: أبناؤه، أبناء أخيه أبناؤه.
السائل: إذا رضعت ابنتي من امرأة أخرى، هل يحق لي أنا أن آخذ بنات المرأة؟
الشيخ: هذا يسأل: إذا رضعت ابنته من امرأة، فإن المرأة تكون أماً للبنت الرضيعة، إذا رضعت خمس مرات فأكثر، ولا حرج عليه أن ينكح من بنات هذه المرضعة؛ لأنه لا تعلق لها بكونهن أخوات لبنتك، لكن نفس أولاد بنته ليس له ذلك؛ لأنه حينئذ تكون بناته خالات لهم، أختاً لأمهم.
أما والد البنت فلا حرج عليه أن يتزوج المرضعة، أو يتزوج بناتها؛ لأنه لا تعلق برضاع بنته منها، كي يمنع تزوجه بها وببناتها اللاتي هن غير بنته.
الجواب: الحلي الذي عند النساء من الذهب والفضة فيه خلاف بين أهل العلم:
إذا كانت تستعمل أو تُعار، فبعض الصحابة ومن بعدهم قالوا: لا زكاة فيها، ويكفي لبسها وإعارتها.
وقال آخرون من الصحابة ومن بعدهم: فيها الزكاة؛ لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة في الذهب والفضة، ولأحاديث خاصة جاءت في الحلي، منها: حديث عبد الله بن عمرو ، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في يد امرأة مسكتين من ذهب، -أي: سوارين- فقال: (أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا. قال: أيسرك أن يسوِّرك الله فيهما يوم القيامة سوارين من نار؟ فألقتهما وقالت: هما لله ولرسوله).
ولما جاء أيضاً في الحديث الصحيح عن أم سلمة رضي الله عنها أنها كانت تلبس أوضاحاً من ذهب، فقالت: (يا رسول الله، أكنز هذا؟ قال: ما بلغ أن يزكى فزكي فليس بكنز) ولم يقل لها: ليس في الحلي زكاة.
والصواب: أن فيها الزكاة إذا بلغت النصاب، من الذهب والفضة، ولو أنها تستعمل أو تعار، هذا هو الصواب من القولين؛ لأن الله جلَّ وعَلا يقول: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] الآية.
وقد رددنا هذا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فوجدناه يأمر بالزكاة في سعر الذهب والفضة، وليس لنا أن نترك الزكاة إلا بدليل يخص شيئاً من ذلك، ولا دليل في هذه المسألة، بل الدليل يقتضي وجوب الزكاة.
أما حديث: (ليس في الحلي زكاة) فهو حديث ضعيف عند أهل العلم.
وأما إذا كان الحلي يعد للنفقة والادخار لحاجات الزمان، لا للبس ولا للعارية، فهذه عند الجميع فيها الزكاة، إنما الخلاف فيما إذا كانت للبس أو العارية.
وأما إذا أعدت للتجارة أو للحاجات الأخرى، تدخر حتى تباع في وقت الحاجة، فهذه فيها زكاتها عند الجميع.
وكذلك الحلي من الماس، أو من اللآلئ، أو ما أشبه ذلك، هذه لا زكاة فيها، ما تلبسه المرأة أو تعده للبس من اللآلئ والماس والجواهر الأخرى غير الذهب والفضة، هذه لا زكاة فيها.
السائل: إذا هي تبيع منه هل تؤدي زكاة؟
الشيخ: نعم.
السائل: حتى ولو استهلكته.
الشيخ: تؤدي منه وإلا من غيره.
الجواب: النوم بعد صلاة الصبح ما نعرف فيه حديثاً صحيحاً يدل على كراهته أو النهي عنه.
الجواب: ليس لك أن تحلق لحيتك لأجل الدراسة في الكلية؛ لأن هذا إقدام على معصية الله التي نهاك الرسول عليه الصلاة والسلام عنها وقال: (قصوا الشوارب، وأوفوا اللحى) (أرخوا اللحى) (أعفوا اللحى) فليس لك أن تقدم على هذه المعصية، وفي إمكانك أن تدرس في كليات أخرى ليس فيها هذا الشرط، وفي بلادنا ليس هذا الشرط موجوداً، وسألنا المسئولين فقالوا: لا صحة لهذا، قالوا: إن الطالب لا يؤمر بحلق لحيته، ولا يلزم بذلك، وإنما بعض الناس عنده تساهل، فإن رأى زملاءه يحلقون حلق معهم، وإلا فليس بملزم بهذا في هذه البلاد.
أما البلاد الأخرى فلا أعلم ذلك، يُقال عنها: إنها تلزِم، ولا ندري عن صحة الأخبار، وأما هنا فقد سألنا بعض الجهات المختصة في الكليات العسكرية فأجابوا بأنه لا يلزم أحدٌ بحلق لحيته.
وإذا كان السائل يعلم أن هذه الكلية تأمر بذلك فنرجو منه أن يكتب لنا بذلك، وأن يعرفنا عن هذه الكلية أين وجودها، في الرياض أو في أي مكان، حتى نتكلم مع المسئولين في ذلك.
الجواب: صور وساعات الصليب معروفة عند الناس وليس فيها إشكال، فإذا كانت الساعة فيها الصليب فلا يجوز لبسها؛ لأن هذا من شعار النصارى، وهكذا الملابس، الغُتَر، أو القُمُص، أو المشالح، أو غير ذلك، التي فيها شعار النصارى يجب أن يزال، وهو الصليب، فلا يجوز لبس أي ملبس فيه شعارهم إلا بإزالته أو الطمس عليه وجعل بقعة عليه تطمسه.. وهكذا ساعات الصليب يجب أن يُطمس الصليب، إما بالحت، وإما بوضع مادة عليه تزيله حتى لا يرى، وسواءً كان في الصلاة أو في غير الصلاة لا يلبسها.
وأما وضع الخاتم من الفضة في الإصبع اليمنى أو اليسرى فلا حرج في ذلك، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لبس الخاتم من الفضة في اليسرى واليمنى جميعاً، في خنصر اليمنى واليسرى، وربما لبسه في هذه وربما لبسه في هذه عليه الصلاة والسلام، فلا حرج في ذلك.
الجواب: لا حرج إذا رمى الإنسان جمرة العقبة أو غيرها من الجمار عن أمه أو زوجته؛ لأنها لا تستطيع الرمي بسبب الزحام، إذا وكَّلته في ذلك فلا حرج عليه، يرمي عن نفسه وعن موكله في موقف واحد عند كل جمرة، ولا حرج في ذلك؛ لأنه لا ينبغي المخاطرة بالنفس في مثل هذه الأمور، ويكفي التوكيل، والنساء من شأنهن الضعف في رمي الجمار وأشباهها في الزحامات التي مع الرجال، فإذا وكلت المرأة من يرمي عنها، ولا سيما كبيرة السن، والضعيفة، ومن ليس عندها قوة في مثل هذا الأمر، أو تشكو مرضاً، أو حُبلى، أو معها طفل ليس عندها من يصونه ويحفظه حتى ترجع، كل هؤلاء ينبغي لهن أن يوكلن حتى لا يخاطرن بأنفسهن ولا بأطفالهن، والوكيل يقوم مقامهن في الرمي عن نفسه وعن موكلاته، كما يوكل الشيخ الكبير والمريض، وكما يرمي الإنسان عن أطفاله الذين معه وصبيانه إن حج بهم؛ لأنهم لا يستطيعون الزحام في رمي الجمار.
الجواب: إذا دعت الحاجة إلى الوضوء في الحمامات فلا بأس أن يسمي الله؛ لأن التسمية واجبة عند جمع من أهل العلم، فلا يُترك الواجب لشيء مكروه، إذا جاء الواجب زالت الكراهة، فإذا كان في حمام فيه مغسلة ولا يتيسر له الوضوء خارج الحمام، سمَّى عند بدء الوضوء وقال: باسم الله، وبدأ الوضوء، ولا يضره ذلك.
أما إذا كان بإمكانه الخروج فله الخروج، ويُسمي خارجاً إذا كان هناك مغسلة خارجية، يغسل ويتوضأ فيها.
أما الشهادة بعد الوضوء فالأولى والسنة أن يؤخرها حتى يخرج، إذا فرغ من وضوئه يخرج ويتشهد خارج الحمام الذي يقضي فيه الحاجة، ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ما من عبد يتوضأ فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فُتِّحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيِّها شاء) -وفي رواية أخرى: (اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين) فهذه سنة بعد الوضوء.
فإذا كنت في الحمام فتخرج وتأتي بهذا الذكر بعد الخروج من الحمام، هكذا في السنة.
أما عند بدء الوضوء فلا بأس أن تقول: باسم الله، عند البدء ولو في الحمام؛ لأنك مأمور بالتسمية عند بدء الوضوء.
الجواب: هذا يسأل عما يفعله بعض الناس عند كل عضو من أعضاء الوضوء، يدعو بدعوات، هل هذا مسنون؟
وذلك أن بعضهم يقول عن غسل الوجه: اللهم بيِّض وجهي يوم تبيضُّ وجوه وتسودُّ وجوه.
وبعضهم يقول عند غسل اليدين: اللهم أعطني كتابي بيميني، ولا تعطني بشمالي.
وبعضهم يقول عند مسح الرأس: اللهم أظلني تحت ظل عرشك، يوم لا ظل إلا ظلك.
وبعضهم يقول عند غسل القدمين: اللهم ثبت قدمي عند الصراط.
وهذه كلها لا أصل لها، ولم يُحفظ فيها شيء عن النبي عليه الصلاة والسلام، فلا تستحب هذه الدعوات عند هذه الأعضاء، وإنما المستحب شيئان:
أولاً: عند البدء بالتسمية.
ثانياً: بعد الفراغ بالشهادة.
هذا هو المشروع في الوضوء.
الجواب: هذا يسأل عما يفعله بعض الناس من استقبال العمال، ويدخلهم تحت كفالته، ويأخذ منهم شيئاً من النسبة المعروفة كالثلث، بكسبهم أو بغير كسبهم، أو ما أشبه ذلك، وهذا قد كثر السؤال عنه، ولم يتضح لنا حِل هذا الشيء، ولا تزال هذه تحت البحث، وإن شاء الله يصدر فيها جواب، ولعله أن يكون قريباً، فإن الظاهر من كلام العلماء أن هذا ممنوع، وأنه لا يجوز، هذا معروف من كلام أهل العلم؛ لأن معناه: أنه أخذ عوضاً عن كفالته لهم، وعن ضمانه لهم، والأصل عند العلماء أن أخذ العوض عن الكفالة والضمان ممنوع، هذا معروف عند أهل العلم.
ولكن لا نزال ننظر في الموضوع، ونلتمس الأمر الواضح الذي لا شك فيه في تحريم هذا الشي، أو في حل هذا الشيء، أما الآن فالأظهر والأشهر منعه وعدم حله، ولكن من غير قطع؛ لأنه إلى الآن محل الدراسة ومحل النظر.
أما إذا استقدمه بمعاشٍ معلوم على حسابه، كل واحد له معاش معلوم، سواءًَ عنده أو عند غيره، فهذا لا بأس به؛ لأنه قد ملك منافعه، إذا استقدمه من مصر أو من سوريا أو غير ذلك، كل واحد له كذا من الدراهم معلومة، خمسمائة أو ألف كل شهر، ثم صرفهم في الناس كي يعملوا عندهم، بمعاش معلوم له، ويعطيهم معاشهم، ويستعملهم عند الناس بمعاش آخر أقل أو أكثر، فلا حرج في ذلك، حسب الشروط التي بينه وبينهم حتى تنتهي المدة، ولا بد أن يكون في جنس العمل التي تمت المعاقدة عليه، أو في عمل يرضون به، لا يُكرهون عليه، لا يلزمهم إلا العمل إن تم الاتفاق عليه، أو ما يجانسه ويقاربه، ولا يزيد عليه.
الجواب: لا ينبغي استخدام الكفار لا من النصارى ولا من لا يصلي، بل ينبغي الاستغناء عنهم بالمسلمين؛ لأن هذه الجزيرة حرم الله جلَّ وعَلا أن يكون فيها دينان، يجب ألا يكون فيها إلا دين الإسلام فقط، لكن يجوز استخدام الكافر بصفة مؤقتة عند الحاجة إليه، كما استخدم النبي صلى الله عليه وسلم اليهود في خيبر عند الحاجة إليهم بسبب شغل المسلمين بالجهاد، وكما استأجر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أريقط المشرك ليدله على طريق المدينة .
فالمقصود أنه إذا كان هناك حاجة فلا بأس باستقدام الكافر بصفة مؤقتة، ثم يرجع إلى بلاده.
فإذا كان الأمر هكذا؛ فينبغي للمؤمن ألا يستخدم أحداً من الكفرة، ومن لا يصلي؛ لأنه كافر والعياذ بالله! قال النبي عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر).
وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة).
وقال عليه الصلاة والسلام في حديث عبادة بن الصامت: (قال
فلا يجوز للمؤمن أن يستقدم نصرانياً، أو شيوعياً، أو وثنياً، أو من لا يصلي، من أجل حاجاته الدنيوية التي يمكن أن يستغني عنهم بأناسٍ مسلمين، فإن ذلك هو الواجب، وعلى الأقل هو الذي ينبغي، وطريق الاحتياط إن لم يكن واجباً فإنه متأكِّد، واستقدامهم إما محرم، وإما مكروه، ولا سيما إذا طالت المدة، بخلاف المدة القليلة التي يُستقدمون فيها ثم يرجعون.
فينبغي للدولة وللمسلمين جميعاً أن يلاحظوا هذا، وألا يُستقدم من الكفرة إلا من تبدو لهم ضرورة بصفة مؤقتة؛ لأن هذه الجزيرة هي مهد الإسلام، وهي منبع الإسلام، ولا يكون فيها دينان.
السائل: وبالنسبة لغير الجزيرة فهل يجوز؟
الشيخ: أما مثل الشام والعراق فلا بأس باستقدام الكفرة، ولا بأس باستعمالهم فيها؛ لأنها مشتركة بين المسلمين وغيرهم لكن بشرط أن يكونوا تحت السيطرة، ولا يكون منهم ضرر، فإذا كان استقدامهم يضر بالمسلمين في أي بلد كان فلا يستقدموا فيه، إذا كان يضر المسلمين، أما إذا استقدموهم في الأجرة، ومع مراعاتهم، ومع منع شرهم، ومنع عدم ظهور شعائرهم الخبيثة، فلا بأس بذلك إذا استقدموا في غير الجزيرة .
السائل: وتأجيرهم البيوت، وربما يشربون فيها الخمر، أو يلعبون فيها.
الشيخ: في غير الجزيرة لا بأس، وذنبهم عليهم.
السائل: ولو شربوا الخمر.
الشيخ: ولو شربوا الخمر في بيوتهم، لا يكره الناس غير المسلمين.
الجواب: هذا الشيخ إذا كان يأخذ القسط من المال برضى العادات التي رتبت لهم من جهة الحكومة فلا بأس، وإلا فليس له أن يأخذ بغير رضاهم؛ لأنه مكلف في هذه الدولة أن يبلغ هذه الأموال إلى أهلها، وشيخ القبيلة كالأمير، أن يبلغ المسلمين حاجاتهم، وأن يكون واسطة بينهم وبين ولي الأمر، فليس له أن يأخذ من معاشاتهم وما تعطيهم الدولة من الضمان الاجتماعي وغيره، ليس له أن يأخذ شيئاً من ذلك، بل عليه بحكم وظيفته أن يوصل المال إلى مستحقه، وألا يأخذ شيئاً أبداً إلا برضاهم، فإذا رضوا وقالوا: لك كذا وكذا من المائة [5]، أو من المائة [3] إذا رضوا بذلك، فهذه أجرة له برضاهم، فلا بأس.
السائل: له أجرة من الدولة، له راتب.
الشيخ: المقصود سواء له أجرة أو ليس أجرة، ليس له أجرة إلا برضاهم حتى ولو كان فقيراً.
الجواب: يجوز أن يصلي الإنسان صلاتين وثلاثاً وأربعاً وخمساً بوضوء واحد، والحمد لله، ما دام على الطهارة فله أن يصلي، وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم عدة صلوات بوضوء واحد، عليه الصلاة والسلام.
الجواب: سجود السهو مشروع في جميع الصلوات نافلة أو فريضة، إذا سها في الفريضة أو في النافلة سجد سجود السهو، أما الفريضة فأمر واضح.. وهكذا في النافلة، لو سلم قبل أن يقرأ التحيات ساهياً ثم ذكر، فيعود فيقرأ التحيات ويسجد السهو، كذلك لو نوى تَنَفُّل ركعتين كالراتبة، ثم جلس في الأولى منها يحسب أنه انتهى، ثم ذكر وقام، فيجلس كمن يصلي ويسجد سجود السهو، أو نسي الركوع، سجد ثم انتبه، يعود فيأتي بالركوع ثم يسجد، ثم إذا انتهت الصلاة يسجد للسهو.
الجواب: التورُّق مسألة معروفة، ويسميها العامة (الوِعْدَة) وهو: أن يشتري مالاً من تاجر أو غيره، لا يقصد استعماله وأكله إن كان طعاماً، وإنما يشتريه ليبيعه، ويأخذ نقوده لحاجته إلى الزواج، أو إلى قضاء دين، أو إلى شراء مسكن، أو سيارة، أو ما أشبه ذلك، هذا هو التورق وهو (الوِعْدَة) يذهب إليه يريد العون، فيقول: بِعْنِي مائة طاقة، ومائة كيس سكر، أو سيارة، بِعْنِي إياها إلى أجل معلوم، وقصده من هذا الشراء أن يبيع هذا المبيع في مكان آخر، فيأخذ دراهمه وينتفع بها، فيأخذ السيارة مثلاً، ثم يبيعها في المعرض، ويأخذ دراهمها ليتزوج، أو ليشتري عقاراً، أو ليقضي ديناً، أو ما أشبه ذلك، وهكذا حكم الأكياس التي اشتراها إلى أجل، فيبيعها في أي مكان، ثم يأخذ الثمن، فيَقضي حاجته من زواج أو غيره.
هذه مسألة التورق، ويسميها بعض الناس (الوِعْدَة) وهي جائزة في أصح قولي العلماء، أي: المداينة جائزة، وبيع الآجل جائز، هذا هو الصحيح من أقوال العلماء، وهو داخل في قول الله جلَّ وعَلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282].
فهي مداينة إلى أجل، بيع إلى أجل، أما كون المشتري يستعمل ذلك أو يبيعه فلا يضر ذلك، المشتري إذا اشترى المال له التصرف فيه، إن شاء باعه، وإن شاء أبقاه إلى وقت آخر، وإن شاء استعمله إذا كان يستعمل، وإن شاء أكله إذا كان يؤكل، هذا إليه، ولا حرج فيه، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل الله في كتابه أن على المشتري أن يستأنف الشراء، والتجار يشترون إلى آجال، ويبيعون، ويتصرفون، ويطلبون الربح، وهو تاجر ببضاعتة بالأموال الجزيلة إلى آجال، ثم يتصرف بها ويبيع يطلب الربح، وهكذا صاحب الوِعْدَة وصاحب التورق، يشتري السلعة الكبيرة بالثمن الكبير، ليوفي ديناً أشغله أهله، أو ليتزوج، أو ليشتري بيت سكن له، أو ما أشبه ذلك، ويسدد هذا الثمن على أقساط مما يرزقه الله عزَّ وجلَّ، ففيها سعة للمشتري، وفيها مصلحة للبائع.. البائع يستفيد من هذا الأجل ما يُعطاه من الزيادة في الثمن، والمشتري ينتفع بهذه السلعة حتى يتوسع بها في زواجه، أو قضاء دينه، أو شراء سكن له، أو نحو ذلك.
هذا هو الصواب الذي نفتي به، وهو الحق جاء بالدليل.
وهناك مسألة أخرى تسمى: العينة، هي غير التورق ، يقال لها: العِينة، وهي من جنس التورق؛ لأنها شراء إلى أجل ولكنها تخالفها؛ لأن المشتري يردها على بائعها بثمن ممقوت، هذا هو الوجه المخالف، فبيع العِينة ممنوع؛ لأنه من الربا، وصفة ذلك: أن تشتري سلعة من إنسان إلى أجل معلوم، مثل أن تشتري سيارة من إنسان بثلاثين ألفاً إلى أجل معلوم.. سنة أو سنتين، أو أقساط، ثم بعد أخذ السيارة التي اشتريتها بثلاثين ألفاً تردها عليه بعشرين ألفاً، أو بخمسة وعشرين ألفاً نقداً، تسلمها له، فهذه معناها: حيلة، السيارة حيلة، والحقيقة: أنه أعطاك خمسةً وعشرين ألفاً بثلاثين ألفاً إلى أجل، وباعها نقوداً بنقود ولكن السيارة جعلت واسطة.. هذا هو الممنوع، وهكذا كأن تشتري الطوائق أو أكياس أرز أو سكر إلى أجل معلوم، ثم تبيعها عليه بأقل من المال الذي اشتريتها به نقداً، هذه هي العينة، وهي ممنوعة.
أما إذا بعتها على غيره فلا بأس، إذا أخذت السيارة أو الأكياس من هذا التاجر الذي باعك إياها إلى أجل معلوم، ثم بعتها على غيره بما يشاء الله، كان هذا هو التورُّق إذا كنت أردت المال والثمن.
فينبغي العلم بالفرق بين الصفتين، فهذه جائزة وهذه ممنوعة، العينة ممنوعة عند جمهور أهل العلم؛ لأنها وسيلة للربا، ولأنها جُعلت فيها السلعة ذريعة للربا، ووسيلة إلى استحلال ما حرم الله، أما التورق فهي مسألة حصلت للتوسع من المشتري في أداء واجباته التي عليه، وفي قضاء حاجاته من زواج وغيره، أو مصلحة ظاهرة للجميع ضد الربا، وضد الضرر.
فليس كل واحد يجد من يقرضه حتى يقضي حاجته، أو حتى يتزوج، ليس كل واحد منا يجب أن يقرضه أو يعطيه أموالاً يتزوج بها، أو يقضي بها دينه، أو يشتري بها مسكناً، أو نحو ذلك؛ فلهذا يحتاج المسلم في بعض الأحيان إلى بيع التورُّق، وشراء السلعة إلى أجل معلوم، ثم يبيعها بالنقد على غير من باع عليه، ويتوسع بالنقد، هذه هي مسألة التورُّق.
الجواب: لا بأس أن يأكل معهم؛ لأن هذا عارض، وليس من دلائل الصحبة، ولا مصادقة، بل هذا من العوارض.
فإذا أكل معه عارضاً، وهو يبغضه في الله، وينصحه لله، ويدعوه إلى الله، ويعلمه فيه، فلا حرج عليه؛ بل إنه يستغل الفرصة في نصيحتهم ودعوتهم إلى الله عزَّ وجلَّ.
الجواب: إذا كنتَ تعرف أن هذا كاهن فلا تنتظر أن يبلغوا، بلِّغ أنت الحاكم، أو القاضي أو الأمير الذي عندكم، واستعن بالله ثم بالأخيار الذين عندكم، يساعدونك حتى يبلغوا معك، ولا يمكن أن تكون البلاد كلها أشرار، كلهم متفقون على موالاة الكاهن، استعن بالله ثم بالأخيار منهم وبلغوا عنه، حتى يؤدب أو يُنهى من هذا الفعل، من أن يدعي علم الغيب، ومعالجته للمرضى، هذا يؤدب، فإن تاب وإلا وجب قتله؛ لأن السحر كفر بالله جلَّ وعَلا.
الجواب: هذا يقع كثيراً، بعض الناس من الشام ، أو من مصر ، أو من أفريقيا ، أو من نجد ، أو من غير ذلك، يؤدون العمرة في شوال، أو في أول ذي القعدة، أو في أثناء ذي القعدة، فإذا فرغوا من العمرة توجهوا إلى المدينة للزيارة، أو إلى الطائف، أو إلى جدة ، أو غير ذلك، يريدون الحج والعمرة جميعاً.
فذهب بعض أهل العلم إلى أن من سافر للعمرة مسافة قصر ثم أراد الحج من الميقات الذي يمر عليه، فإنه يكون بهذا قد نقض تمتعه، ويسقط عنه الدم؛لأن السفر الذي تجاوز به مسافة قصر كذهابه إلى منى وإلى الطائف ونحو ذلك، ورُوي أنه لا ينقض متعته بذلك ما دام جاء للحج، ولكنه استغل الفرصة، وذهب إلى المدينة ؛ لأن الوقت فيه سعة، أو إلى الطائف يسكن فيها ويزور فيها أصحاباً له، وقالوا: هذا لا يسقط عنه الدم، بل هو متمتع، وإن ذهب إلى المدينة ورجع بحج مفرد، أو إلى الطائف وجاء إلى الحج لا يسقط عنه الدم، وهذا القول أظهر وأقرب إلى الصواب.
فينبغي لمثل هذا أن يهدي وألا يترخص برخص السفر؛ لأنه متمتع، وتعمه الآية الكريمة في قوله سبـحانـه وتعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] وإن تمتع بالعمرة وحل منها، وسافر وأتى أهله فهو متمتع، فينبغي له أن يُهدي، بخلاف الذي رجع إلى بلاده وأقام فيها بنية الحج المفرد، فهذا عند عامة أهل العلم على أنه لا هدي عليه، يأتي إنسان من الشام أو من الرياض عمرة في شوال أو ذي القعدة، ثم رجع إلى بلاده وأقام فيها، ثم جاء بحج مفرد وقت الحج، هذا قول جمهور أهل العلم وأكثرهم على أنه لا هدي عليه؛ لأنه جاء بحج مفرد.
وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن عليه الهدي ولو رجع إلى بلاده، لكن المعروف عن ابن عمر رضي الله عنهما أن من ذهب إلى بلاده ثم رجع بحج مفرد لا شيء عليه، وبه قال أكثر أهل العلم، فهذا لا شيء عليه، وإن أهدى تطوعاً أو احتياطاً فحسن.
الجواب: السنة للمسلم تغيير الشيب، لا يدعه أبيض، يغيره بالصفرة والحمرة، أو بالحمرة والسواد مختلطَين، حتى لا يكون سواداً خالصاً مثل الحناء والكتم، هذا هو السنة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يغير شيبه وهكذا الخلفاء، وهكذا الصحابة رضي الله عنهم، كانوا يغيرون الشيب بما تيسر من الحناء والزعفران، ونحو ذلك.
أما تغيير الشيب إلى السواد الخالص فهذا لا يجوز؛ لأنه ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه أمر بتغيير الشيب، وأمر بتجنيبه السواد، ولما رأى والد الصديق رضي الله تعالى عنهما، وهو عثمان بن عامر التيمي ، وهو مشهور بـأبي قحافة ، لما رأى رأسه ولحيته قد امتلأت بياضاً قال: (غيروا هذا الشيب، وجنبوه السواد) أمر أبا بكر أن يغير شيب أبيه، وأن يجنبه السواد، فدل ذلك على أن السنة تغيير الشيب، ولكن لا بالسواد الخالص، بل بغير السواد.
وفي المسند وسنن أبي داود بإسناد جيد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (يكون في آخر الزمان قوم يخضبون بالسواد كحواصل الحمام، لا يريحون رائحة الجنة) وهذا وعيد شديد يدل على تحريم صبغ الرأس بالسواد الخالص؛ أي: كله، ليس فيه خلط أحمر ولا أصفر ولا غيره، سواد كالح، هذا ممنوع.
أما إذا كان مخلوطاً بالحمرة، بالحناء، أو بما يجعله بين السواد والحمرة، فلا بأس.
أما المسح على الجورب فلا بأس به، والخف من الجلد، والجورب يكون من القطن أو الصوف أو الشعر إذا كان ساتراً، ولبسه على طهارة، فإنه يمسح عليه، وقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه مسح على الجوربين والنعلين، وثبت عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يمسحون على الجوارب؛ ولأنها من جنس ما يستر القدم، وتقيه البرودة، وتقيه الشوك ونحوه، فلا بأس بذلك.
الجواب: المبيت ليس بلازم، من شاء بات ومن شاء نَفَرَ قبل غروب الشمس؛ لأن الله قال: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:203] واليومان: يوم الحادي عشر، والثاني عشر، ويوم العيد لا يُعد منها، يوم العيد يظن بعض العامة أنه يُعد، لكنه لا يُعد منها، اليومان: الحادي عشر، والثاني عشر، هذا هو التعجُّل، وإذا شاء أن يجلس للثالث عشر، ولا يلزمه المبيت في ليلة الثالث عشر، لكن إذا غابت عليه الشمس وهو في منى فيلزمه أن يبيت ويبقى حتى تطلع الشمس من اليوم الثالث عشر، فيرمي ثم ينفر بعد ذلك، ثم ينتهي الرجم بعد الثالث عشر، لو بقي في منى بعد ذلك في الرابع عشر فلا يرمي؛ لأن الرمي انتهى في الثالث عشر، إذا رمى بعد الزوال في الثالث عشر تم له الرمي؛ لأنه لم يتعجل، كما أفتى بهذا عمر رضي الله عنه وأرضاه، ويبقى في الثاني عشر والثالث عشر، ثم يرمي الجمرات الثلاث، ثم ينفر إذا شاء.
الجواب: حكم الأذكار باليمنى هو أفضل؛ لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسبح بيمينه، وفي الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله يعجبه التيمُّن، في تنعله، وطهوره ، وترجله، وفي شأنه كله).
فكونه يعد الأذكار باليمين أفضل، وإن عدَّها بالشمال فلا حرج، وقد جاء في بعض الأحاديث ما يدل على ذلك؛ لكن باليُمنى أفضل
السائل: هل يكون التيمن في اللبس والخلع سواء؟
الشيخ: عند اللبس تلبس اليمنى قبل اليسرى، وعند الخلع تخلع اليسرى قبل اليمنى، وهكذا تفعل في السراويل، والقميص، تبدأ بالكم الأيمن قبل الأيسر في اللبس، وتبدأ بالأيسر في الخلع، أما النعلان والخفان والملابس التي لها كمان، ففي اللبس تبدأ باليمين، والخلاء تبدأ باليسار، هكذا السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
السؤال: ما حال الأحاديث التي ترد في فضل التسبيح باليمين؟
الجواب: نعم. قد رواها الترمذي وأبو داود وغيرهم ولا بأس بذلك، وهو الأفضل.
الجواب: الراتبة ركعتان، وإن صلى أربع ركعات فلا بأس، فقد جاء في الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي أربعاً قبل أن ينام) وإذا فعلها الإنسان فلا بأس، وإن اقتصر على ركعتين فهي الراتبة، والراتبة التي كان يحافظ عليها: بعد العشاء ركعتان، ثم ينام، ويقوم في آخر الليل يتهجد عليه الصلاة والسلام.
الجواب: يقوم بالدعوة بالتجول في المواضع التي يستطيع التجول فيها، بلغة القوم، أو بمترجمين يترجمون له بلغتهم، فيدعوهم، فإن كان القوم وثنيين أو نصارى أو يهود دعاهم إلى الإسلام، وبيَّن لهم دين الإسلام بالأسلوب الحسن، بالأسلوب اللين الواضح، ويبين لهم أن دينهم الذي هو اليهودية أو النصرانية منسوخ، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم بعث للناس عامة، وأن الواجب على أهل الأرض جميعهم اتباعه، والانتهاج بشريعته، وأن من مات على اليهودية أو النصرانية فقد مات على غير الإسلام، فيكون من أهل النار، يبين لهم هذا بالأسلوب الواضح وباللغة الواضحة التي يعرفونها؛ ولكن بالحكمة والكلام الطيب وعدم العنف، ويبين لهم ما لهم عند الله من الخير العظيم، وأن هذا الإسلام هو الدين الحق، وديننا ليس يوجد دين سواه، ويبين له بطلان الأديان الأخرى ببعث محمد عليه الصلاة والسلام، وأن شريعته عامة للناس، وأن جميع الشرائع قد نسخت كلها، وهكذا إذا كان في بلاد أخرى مسلمة، وقد شاع بينهم الخمر، والربا، وغير ذلك، أن يبين لهم ما شاع بينهم، وأنه باطل ومحرم ومنكر، بالوسائل الناجعة الجيدة، ويقيم الأدلة من الآيات والأحاديث، ويُرغِّبه في الحق، ويحذره من البقاء على المعاصي، وأن بقاءه عليها من أسباب دخول النار، ومن أسباب مرض القلوب، والانحراف عن الهدى، والزيغ، إلى غير ذلك، وهو يستعمل الأسلوب الناجع مع بيان الأدلة من القرآن والسنة، مع العناية بالترجمة إذا كان المدعو غير عربي، أو كان من العرب وهو غير عربي، فيستعين بالترجمة.
الجواب: لا حرج في ذلك، إذا أعطوه ما يرضيه ألفاً وثمانمائة وما أشبه ذلك، وأصلح الخراب بأقل فلا حرج عليه في الزائد؛ لأنهم أعطوه برضاهم.
أما إذا قالوا له: أصلحها، ورد علينا الزائد، فيصلحها ويرد عليهم الزائد.
أما إذا أعطوه إياها طيبة من أنفسهم من غير محاكمة ولا غير ذلك، إذا أعطوه طيبة من أنفسهم له، فهو يصلحها بما شاء، أو يأخذها ولا يصلح السيارة.
الجواب: إذا جاء الإنسان وقد صلى الناس ووجد جماعة، فإن السنة أن يصلي جماعة، ولا يصلي فرداً، يصلي جماعة، لأن الجماعة مطلوبة، وقد جاءت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحث على الجماعة، بغير تقييد للجماعة الأولى، بل عمَّم عليه الصلاة والسلام وأطلق حتى قال: (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين ودرجة) -وفي لفظ آخر: (بخمس وعشرين ضعفاً)- فهذا يدل على العموم.
وهكذا حديث أبي بن كعب : (صلاة الرجل مع الرجل أفضل من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أفضل من صلاته مع الرجل، وكلما أكثر فهو أحب إلى الله عزَّ وجلَّ) .
وهكذا حديث الذي دخل والناس قد صلوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الحاضرين: (من يتصدق على هذا ويصلي معه) فقام بعض الصحابة وصلى معه جماعة.
وثبت عن بعض الصحابة كأنس رضي الله عنه وأرضاه، أنه كان إذا أتى المسجد وقد صلوا صلى بأصحابه جماعة.
ورُوي عن بعض السلف أن الأفضل أن يصلي وحده، ويرجع إلى بيته ويستحي، ولكن هذا قول ضعيف، والراجح والأقرب والصواب أنه يصلي مع الجماعة إذا تيسر في المسجد أو في غيره، حسب التيسير، هذا هو الصواب والصحيح من القولين، أن الأولى والذي ينبغي أنه إذا أدرك جماعة يصلي معهم؛ اغتناماً لفضل الجماعة، وعملاً بالحديث الصحيح في ذلك، وعملاً بالآثار عن بعض الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.
وأما قول من قال: إنه يصلي وحده فرداً، ويصلون أفراداً، فهذا قول ضعيف لا وجه له، ولا ينبغي أن يعوَّل عليه.
الجواب: إذا وفد إنسان على آخر وتكلف له وليمة، وحلف ألا يأكل منها، أو ألا يأكل ذبيحته، أو طلَّق على ذلك قصد منعه، أو قال: عليَّ الحرام ما آكل، قصد منعه، فإن هذا كله في حكم اليمين، ولو أنه بلفظ الحرام أو الطلاق، ولهذا فإنه إذا كان قصده منعه من هذه الوليمة أو من هذه الذبيحة، وليس قصده تحريم أو فراق أهله، وإنما قصده أن يعظم عليه الأمر حتى يمتنع، فهذه حكمها حكم اليمين؛ لقول الله جلَّ وعَلا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم:1-2] .
والمقصود أن مثل هذا حكمه حكم اليمين، ولو كرر ذلك مرات كثيرة فحكمه يمين واحدة، إذا كان الشيء على واحد.. إذا كان التكرار على طعام واحد، أو على ذبيحة واحدة، فإن التكرار حكمه حكم الواحدة، فيه كفارة اليمين، وهي: إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، من قوت البلد من بر أو غيره، أو كسوتهم، يُعطى كل واحد قميصاً أو إزاراً ورداءً، هذه هي كفارة اليمين، وإن عشاهم أو غداهم بطعام مصنوع جاهز كفى ذلك.
السائل: لكن إذا كان الموضوع يختلف، فهل كل موضوع له كفارة؟
الشيخ: أي نعم. إذا حلف على ذبيحة هذا وعلى ذبيحة هذا وعلى ذبيحة هذا، فكل واحد له كفارة.
السائل: لو قال بعدما رأى من صاحب الذبيحة: أستغفر الله وأتوب إليه.
الشيخ: يأتي ولو استغفر بكفارة يمين.
السائل: لا بد من كفارة اليمين؟
الشيخ: لأنه ليس بذنب، هذا ليس بذنب، إنما تركه أولى، أما التحريم فهو ذنب يستغفر ربه منه، ليس للمسلم أن يحرم ما أحل الله له، يقول: عليَّ الحرام أني ما آكل، وعلي الحرام من بيت فلان، أو كذا، ما ينبغي له، هذا ذنب ومعصية ينبغي له التوبة من ذلك مع كفارة يمين إذا حلف على الترك.
الجواب: هذا حكمه حكم اليمين، عليه صيام سنة، أو عليه الحج إلى بيت الله، أو عليه أن يذبح كذا وكذا من الإبل أو الغنم، كل هذا المقصود به النهي، وليس المقصود به التقرب إلى الله، المقصود منعه من التصرف، أو منعه من الذبيحة، فهذا حكمه حكم اليمين، ولا شيء عليه سوى كفارة يمين فقط إذا أكل.
الجواب: إذا سافرت امرأة للحج أو غيره، وتركت طفلتها عند أخواتها، أو عند أخت من أخواتها اللاتي يستطعن أن يصنَّ الطفلة ويحسن إليها، فلو ماتت الطفلة بعد ذلك فلا حرج على الوالدة المسافرة، إذا كانت البنت التي بيدها الطفلة قد اعتنت بها، أما إذا كانت البنت التي عندها الطفلة قد قصَّرت وسعت فيما يوجب موت الطفلة، فهذا إثمه على البنت التي ماتت عندها الطفلة، والكفارة عليها لا على المرأة المسافرة، المسافرة ما عليها شيء، إذا تركتها عند من يعتني بها ويقوى على ذلك، لا شيء عليها.
الجواب: إذا عطس الإنسان وحمد الله يقال له: يرحمك الله، وهو يقول: يهديكم الله ويصلح بالكم، هذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: (إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له: يرحمك الله، فإذا قال: يرحمك الله فليقل له: يهديكم الله ويصلح بالكم) هذه هي السنة، أما إذا لم يحمد الله فيسكت ولا يُشمَّت، فلا يقال: يرحمك الله، حتى يحمد ربه، هذه هي السنة، فينبغي أن يرفع صوته حتى يسمعه من حوله: الحمد لله، حتى يدعو له من حوله، لا يسكت بينه وبين نفسه، بل يظهر صوته حتى يحصل هذا الدعاء من إخوانه، ويقول له: يرحمك الله إذا قال: الحمد لله، وهو يقول له: يهديكم الله ويصلح بالكم، وبعض الناس يقول: يهدينا ويهديك الله، والأفضل اتباع السنة، أن يقول: يهديكم الله ويصلح بالكم.
الجواب: لا بأس بالمتاجرة معها.. شراء حاجات.. شراء طعام، أو ملابس، أو سلاح، لا بأس، هذا لا يلزم الموالاة، يشتري السلاح والحاجات من كل دولة، ولو أنها كافرة؛ لكن بشرط أن يكون ذلك لا يجر إلى موالاتها، ولا يجر إلى استحسان دينها، بل إنما هو تعاون فيما ينفع المسلمين، فهو يشتري منها الطعام والحاجات الأخرى والسلاح، لا يضره ذلك إذا كان لا يتضمن الموالاة لها، ولا فعل ما حرم الله جلَّ وعَلا، والنبي صلى الله عليه وسلم اشترى من الكفار وعاملهم، كما اشترى من يهودي طعاماً، واشترى من أعرابي كافر غنماً، إلى غير ذلك، فالبيع والشراء مع الكفرة لا حرج فيه، المهم الممنوع هو موالاتهم ومحبة دينهم، ومحبتهم ونصرهم على المسلمين، هذا هو الممنوع، أما كونه يشتري منهم أو يتاجر معهم مع بغضهم في الله، فلا حرج في ذلك.
الجواب: على التي أفطرت في رمضان لحيض ولم تقضِ، ومضى عليها سنوات بسبب جهلها، أو بسبب تلبيس بعض النساء عليها، عليها أن تستغفر الله وتتوب إليه، وعليها أن تصوم ما أفطرت من أيام، وتطعم عن كل يوم مسكيناً مع ذلك؛ لأنها أخرت الصيام بغير حق، فعليها الصوم وقضاء عدد الأيام التي أفطرتها، وعليها مع ذلك إطعام مسكين عن كل يوم، كما أفتى به جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ولا يسقط عنها ذلك بقول بعض السفيهات لها: لا عليك شيء، فقد أجمع العلماء على أن المرأة إذا أفطرت في رمضان أنها تقضي الصيام.
وأما الصلاة فلا تُقضى، قالت عائشة رضي الله عنها: (كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) رواه البخاري ومسلم في الصحيحين .
فالمرأة إذا حاضت أو نفست في رمضان، عليها بعد الطهر أن تقضي ما أفطرته من أيام رمضان في بقية السنة قبل رمضان الثاني، فإذا جاء رمضان ولم تقضِ أثمت، وعليها القضاء بعد ذلك، وتُطعم مسكيناً عن كل يوم بعد رمضان.
أما الصلاة فلا تقضى، وهذه من رخص الله جلَّ وعَلا، الصلاة في الحيض والنفاس لا تقضى؛ لأنها تتكرر كثيراً، ولو طلب منها القضاء لشق عليها ذلك كثيراً، فمن رحمة الله أن أسقط عنها ذلك، وجعل الصلاة تسقط عن الحائض والنفساء، ولا تقضى، هذا من رحمة الله جلَّ وعَلا، أما الصوم فيجب قضاؤه.
الجواب: هذا غلط من المرضى، بعض المرضى -كما ذكر السائل- لا يصلي، وهذا غلط، والواجب على المريض أن يصلي على حسب طاقته، إن كان يستطيع القيام صلى قائماً، وإذا لم يستطع القيام صلى قاعداً، وإذا لم يستطع القعود صلى على جنبه، وإذا لم يستطع على جنبه صلى مستلقياً، هكذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام، والله يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
ولما اشتكى عمران بن حصين للنبي صلى الله عليه وسلم لمرض قال: (صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب، فإن لم تستطع فمستلق) هذا ما يجب عليك يا عبد الله، ولا يجوز لك التأخير، تقول: أنا الآن مريض، وأنا لا أحسن الطهور، أو كذا أو كذا! لا. صلِّ على حسب حالك، ولو بالتيمم ولو بالتعفُّر بالتراب إذا شق عليك الماء لمرض، أو ما تيسر لك الماء؛ لأن ما عندك أحد يلاحظك، ولم يتيسر من الممرضين أن يجيئوا بالماء، فعليك أن تصلي ولو بالتيمم.
وهكذا المرأة عليها الصلاة، إذا كانت مريضة، والصلاة تكون ولو لغير القبلة وأنت على السرير فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] ، يصلي على حسب حاله، إن تيسر له أن يتوضأ وأن يصلي إلى القبلة، فعلى ذلك وجب عليه ذلك، فإن لم يتيسر ذلك ولم يكن عنده من يلاحظه، صلى في ثيابه التي فيها النجاسة، وعلى فراشه، وليس عليه إلا ذلك... فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
أما إذا تيسر له من ينظفه ويعتني به ويلبسه ثياباً حسنة للطهارة والصلاة، ويغسله من أوساخه، إذا تيسر له ذلك ويستطيع ذلك، ولا يشق على الإنسان المرض وجب عليه ذلك.
أما إذا كان الماء يضره ويزيده ألماً، فإنه لا يلزمه الماء، ولكن يؤتى له بتراب في إناء أو في كيس أو أشباه ذلك، ويضرب التراب بيديه، ويمسح وجهه وكفيه، وإن كان يعجز فيُضربُ له التراب بيديه ويُمسحُ بهما وجهه وكفاه ويكتفي بأمره هذا، ثم يصلي على حاله، فإن كان قاعداً صلى إيماءً، وإن لم يستطع السجود في الأرض صلى بالإيماء ويجعل السجود والركوع بالنية، ويخفض رأسه وظهره حسب طاقته، وإن كان لا يستطيع ذلك صلى قاعداً، ونوى الركوع والسجود، وأتى بالأذكار المشروعة في كل وقت، فيـكبر ويقرأ في أول الصلاة، ويكبر ويركع بالنية ويقول: سبحان ربي العظيم، ويقول: سمع الله لمن حمده، ويرفع بالنية، ويقول: ربنا ولك الحمد، ويكبر ويسجد بالنية، وهو جالس أو على جنبه أو مستلقٍ بالنية، نية السجود والركوع، وقراءة التحيات، إلى غير ذلك، فيفعل أمور الصلاة بالنية والكلام إذا كان عاجزاً عن الحركة، سواءً كان قاعداً أو على جنبه أو مستلقياً، فينبغي أن نفهم هذا جيداً، وينبغي لكل منا أن يبلغ المرضى ذلك، والذي ترك ذلك بسبب اعتقاده أن هذا أولى، وأنه سيقضي بعد ذلك، فعليه القضاء بعد الصحة، يقضي ما ترك من الصلوات التي تركها، إلا إذا كان قد ذهب عقله، ولم يعرف ما فاته بسبب شدة المرض، أي: ذهب بعقله، كما يقع لكثير من المصابين بالدهس وأشباه ذلك، فإذا كانت الأيام كثيرة سقطت عنه الصلاة، أما إذا كانت يومين أو ثلاثة، بسبب الغشيان الذي أصابه؛ لأن هذا نوع من الإغماء، فإذا كان مدة يسيرة يقضي، أما إذا كانت مدة طويلة فحكمه حكم المجنون والمعتوه لا قضاء عليه.
السائل: ترتبيها كيف يكون؟
الشيخ: يرتب كما أمر الله، يبدأ بالفجر، ثم الظهر، ثم العصر، ثم المغرب، ثم العشاء، ثم الفجر، ثم الظهر... وهكذا يرتبها.
السائل: والصلاة التي حلت عليه.
الشيخ: صلِّ الصلاة في وقتها واقضِ الفروض.
السائل: أصلي الوقت هذا؟
الشيخ: صلِّ ما تيسر قبلها، ثم صلِّها، ثم اقض الفروض.
الجواب: لا أعرف عنها شيئاً، لكن إذا عُرِف أنها معطرة بأشياء مسكرة فلا يجوز استعمالها؛ لأنها نجسة عند أكثر أهل العلم، ولأن هذا فيه استعمال لما حرم الله، فلا ينبغي.
هذا إذا ثبت.
الجواب: التصوير للحيوانات ولذوات الأرواح كله ممنوع، سواء كانت شمسية فوتوغرافية، أو كان بالنحت واليد، أو بأي نوع من أنواع التصوير، كل أنواع التصوير شمسياً أو جسمياً باليد أو بغير اليد، كله ممنوع؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفساً يعذب بها في جهنم)، ولقوله عليه الصلاة والسلام (أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون) .وقوله عليه الصلاة والسلام: (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال: أحيوا ما خلقتم) . ولما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه (لعن آكل الربا وموكله، ولعن المصور).
هذه وما جاء في ذلك كلها تدل على تحريم التصوير مطلقاً، ولو كان شمسياً، في قرطاس ونحوه؛ ولأنه لما رأى تصاوير في ستر عند عائشة ، هتكه، وتغيَّر وجهه، وقال: (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال: أحيوا ما خلقتم) وهو ستر، فأخذته عائشة ومزقته وجعلته وسادتين للنبي عليه الصلاة والسلام؛ ولأنه لما رأى صوراً في جدار الكعبة، أخذ ماءً وثوباً وجعل يرش الماء ويزيل هذه الصور بالثوب، حتى محاها من الجدار.
هذا هو الواضح من سنته عليه الصلاة والسلام.
وأما تساهل الناس اليوم بالتصوير، فقد ملئوا الدنيا بالتصوير، وهذا تساهل لا وجه له، وهو يدل على قلة المبالاة، وعلى ضعف الدين ممن تعاطاه، والله المستعان.
السائل: هل هناك فرق بين الراضي وغير الراضي؟
الشيخ: على الفاعل والراضي، إلا إذا كان لضرورة كمن يضطر فهو كالمكره، فإذا اضطر إلى ذلك كأخذ التابعية والجواز، يحتاج إلى جواز السفر، أو رخصة قيادة، هؤلاء المضطرون والمحتاجون هم أشبه الناس بالمكره، فنرجو ألا يكون عليهم بأس إذا كانت قلوبهم غير راضية بهذا الشيء، كارهة، ولكن أخذوه للحاجة، والضرورة دعتهم إلى ذلك.
السائل: اللعب التي للأطفال الصغار هل تجوز؟
الجواب: لا يصلح هذا، الصور كلها ممنوعة، لا للكبار ولا للصغار، أما إذا كان لهم لعب عادية ليس فيها صور، فلا بأس، الألعاب العادية التي ليس فيها صور.
السائل: ما حكم المال الذي يكتسب من الصور؟
الجواب: المال الذي يُكتسب من الحرام لا يجوز، وما يُكتسب من الحرام كالربا أو الصور أو غيرها، ويحج به فالحج صحيح، وهو آثم، حجه صحيح، وهو آثم.
السائل: ...
الجواب: إثمها عليهم، لا تصور أنت وإثمها عليهم، الذين صوروها عليهم الإثم، وأن تُسأل عن هذا، وعمَّن هذا؟ وعمَّن هذا؟ لكن لا تصور، المصيبة أنهم يطلبون منك أن تصور أنت، فلا تصور.
السؤال: ..!
الجواب: الدرس أسهل، إذا كانت لا تصور أسهل، إذا كان يوجد فائدة من منافع هذا الحيوان، تقرأ وتأخذ فوائد من منافع هذا الحيوان، وخواص هذا الحيوان، كما تقرءوه في بعض الكتب الأخرى من فائدة، فأنت لا ترضى التصوير ولا تفعل بالتصوير، وفي كتب الحيوانات قد يصوَّر فيها بعض الحيوانات.
الجواب: أما الدعاء في الصلاة فلا بأس أن يكون لنفسه ولوالديه، الدعاء مطلوب للوالدين وللمسلمين، فإذا دعا في الصلاة في سجوده، أو في آخر الصلاة لنفسه أو لوالديه فلا بأس، بعض العامة يظن أن الدعاء يكون له وحده، وهذا تحجُّيرٌ لواسع، بل يدعو لنفسه ولوالديه وللمسلمين، في الصلاة وغيرها، في السجود، وفي التحيات، وفي الفريضة، وفي النافلة، كل هذا لا حرج فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: (أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء) .
وقال عليه الصلاة والسلام: (أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمنٌ أن يستجاب لكم)ولم يقل: في النافلة فقط، بل عمَّم، وعندما علم أصحابه التحيات قال: (ثم ليختر من الدعاء ما أعجبه ثم يدعو) ، هكذا قال في الصحيحين من حديث ابن مسعود ، عندما علمه التشهد، قال: (ثم ليختر من الدعاء ما أعجبه ثم يدعو) ، ولم يقل: لنفسه، فإذا قال: اللهم اغفر لوالدَيَّ، أو اللهم اقض حوائج المسلمين، أو اللهم انصر دينك، أو اللهم وفق ولاة أمر المسلمين، هذا كله طيب، أما ما يقوله بعض العامة أنه لا يدعو إلا لنفسه، فهذا قول لا أساس له.
وأما تثويب القراءة في الطواف للوالدين، أو لغيرهم من المسلمين، فهذا محل خلاف بين العلماء:
بعض أهل العلم يرى أنه لا بأس به، ويقول: إن هذا من جنس الضحية عنه والصدقة عنه، يجوز الدعاء لهم، وهذا قول الأكثرين، إذ لا بأس أنه يطوف عن الميت ويثوب له الطواف، ويثوب له الصلاة، ويثوب له القراءة، لا بأس.
وقال آخرون من أهل العلم: الأولى أنه يقتصر على الوارد، مثل: أن يصوم عن الميت إذا كان يصوم، ومثل الحج عنه، ومثل الدعاء له، ومثل الصدقة عنه، هذا هو الوارد، ومن أراد القراءة له، أو الصلاة أو الطواف، فهذا ما ورد، فتركه أولى.
وهذا قولٌ حسن، ولكن لا نقول بالتحريم، نقول: أحسن وأولى، ولا ينبغي التشديد في هذا، لكن يقال: هذا أولى، كونه يقرأ لنفسه ويدعو لوالديه.. يطوف لنفسه ويدعو لوالديه في الطواف.. يصلي لنفسه ويدعو لوالديه في الصلاة، هذا طيب، أما أن ينوي الصلاة عن والديه، أو قراءة عن والديه، أو يطلب ثواب صلاته لوالديه، أو ثواب قراءته، هذه لا أصل لها واضح، ولا دليل عليها واضح، وأكثر العلماء قاسوه على الصوم عن الميت، والحج عن الميت، وأنه عن العاجز، والصدقة عن القاصر، وهذا على هذا، وقالوا: إن هذا مثل هذا.
وبعض أهل العلم قال: لا وجه للقياس في هذا، والأولى عدم القياس، وأن يُقتصر على الوارد، وهذا أحسن إن شاء الله، ولكن لا نقول: إنه يحرم، أو إنه باطل، لا. لكن نقول: هذا أولى، والاقتصار على الوارد أولى وأحسن وأحوط.
والله أعلم، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر