إسلام ويب

كيف يكون الاحتفال بالمولدللشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لا يتجلى حبنا للنبي صلى الله عليه وسلم بالاحتفال بمولده ووفاته -وكل ذلك لا يجوز- بقدر ما يتجلى باتباعه والاقتداء به في سائر حياتنا؛ في الإيمان والعبادة، والغضب والرضا، والصفح والعفو والشجاعة والتواضع، في حياتنا مع أهلنا وإخواننا، في الصبر والجود والكرم والعدل، أما ضرب الدفوف، والقيام والجلوس، وهز الرءوس بحجة الفرح بالمولد النبوي فبدعة ما أنزل الله بها من سلطان، والله المستعان.
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وإمام المرسلين وسيد الخلق أجمعين، محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

    فإن أغلب الناس في مثل هذه الليالي وخاصة هذه الليلة يدّعون أنهم يحتفلون برسول الله صلى الله عليه وسلم، فنريد أن نتعرف إلى حقيقة هذه الاحتفالات، وإلى الثمار التي تنتجها وتعقبها للمحتفلين.

    في مثل هذه الأيام لا أقول: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فحسب، بل ولد فيها ومات صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

    فلا ندري أنبكي أم نضحك؟ أنفرح أم نحزن؟ وماذا يجدي الفرح؟ وماذا ينفع الحزن؟

    في مثل هذه الأيام من عام الهجرة، من العام الحادي عشر للهجرة قبض الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم، فأصاب المدينة ظلام، ونزل بأهلها هم تعجز عن حمله الجبال.

    وأصبحت تلك المصيبة التي أصابت المسلمين في رسولهم صلى الله عليه وسلم مضرب مثل، فكانوا يقولون لبعضهم البعض: من أصابته مصيبة فليذكر مصيبته برسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ومن قلة الإدراك، ومن ضعف الوعي أن أحدنا يفرح في المصيبة، ويستبدل الكرب والهم والحزن بالطرب والفرح والرقص! ومثل هذا لا يعده العقلاء من جملتهم.

    لا سيما ونحن نعيش على وضعية من أسوأ الوضعيات، وعلى حال من أسوأ الأحوال، ولم يصب الإسلام والمسلمون بويلات وكوارث كهذه، تتهدد الإسلام أصولاً وفروعاً، وسبحان الله! كيف نفرح؟ ومن أين يأتي الفرح والشريعة تهد أركانها، وتمزق أوصالها، وكل من على الأرض يتكالب على الشريعة الإسلامية، ويريد أن يقضمها، يريد أن يأكلها ويحيلها إلى معنى آخر؟

    فما معنى هذا الفرح؟

    ونحن والحمد لله أخذنا طريقنا، وسلكنا السبيل الموصل إلى ربنا، فبدل أن نطرب ونفرح، ونزغرد ونولول، ونذبح الأغنام، ونأكل الطعام، ونوقد الشموع، ونجمع البخور؛ نبكي ساعة خير لنا من ذلك كله.

    إن من موجعات القلب أن تهجر شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وسنته، ويتلاعب بشرائعه ودينه، وتقام له الحفلات، وتقام له الذكريات!

    إن هذه لمن مظاهر الهلاك، ومن أعراض المرض، ولا تدل على حياة، وإنما تدل على ضدها وهو الموت، يقول تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ [الأحزاب:21]!

    فيا معاشر المستمعين من المؤمنين! سلوني عن الأسوة ما هي؟ وكيف يأتسي المسلم برسول الله صلى الله عليه وسلم؟

    إنك لا تستطيع على أي حال أن تكتسب قدّ رسول الله، ولا أن تكسب زهرة وجهه، ولا نظامة جسمه، ولا كمال ذلك الخلق، فإن هذا مما لا أسوة فيه، فإنك لا تقدر عليه، إنه من هبات الله وعطاياه.

    ففيم الائتساء برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ الائتساء برسول الله صلى الله عليه وسلم لا في ذاته، لا في عينيه، ولا في شعره، ولا في جسمه، ولكن في خلقه وفي سلوكه.

    فينبغي أن يُطالبَ المسلمون من المنبر العالي بالائتساء برسولهم صلى الله عليه وسلم؛ ليكملوا بالكمال الذي كمل به، ويسعدوا على الذي سعد به.

    أما ما يسمونه بالتجمعات، وتلاوة القصائد والمدائح، وأكل الطعام ومثل هذا؛ ليس أبداً من الأسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ولو أنه عليه الصلاة والسلام أقام ذكرى لأبيه إبراهيم، أو لجده إسماعيل، أو لأخ من إخوته من الأنبياء والمرسلين؛ لكانت سنة من سنن الإسلام، سنها رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، ولو كانت لتجاهلها إخواننا وتركوها كما تركت السنن، وكما ضيعت الفرائض، وكما انتهكت الحرمات، واعتديت الحدود، ولكن نصيبنا هو هذا أننا نفرح في المصيبة، ونضحك عند الشدة، فنكون قد تمثلنا مجانين، ما أصبحنا عقلاء، أو أننا نأتسي باليهود والنصارى، فإن لهم أعياداً، ولهم احتفالات وذكريات، فنجري وراءهم لنكون مثلهم، كأننا حلفنا بالله أن نمشي وراءهم، ونتفوق عليهم في باطلهم!

    وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا في قوله صلى الله عليه وسلم: ( لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. قالوا: اليهود والنصارى يا رسول الله؟! قال: ومن؟ ) ومن القوم سوى اليهود والنصارى.

    فمثل هذه الأيام يحتفل النصارى الضلال بعيد الميلاد، وبرأس السنة الميلادية، فجئنا نجري وراءهم؛ لنحتفل نحن كذلك، ونسينا كتابنا، ونسينا نبينا، نسينا شريعتنا، وأصحبنا نلتمس، ونلتقط الفتات من موائد الظالمين الضالين، هذه نكبة أخرى، ومصيبة أعظم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088534705

    عدد مرات الحفظ

    777184208