اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء حزننا، وذهاب همنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا، وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، واجعلنا ممن يحل حلاله، ويحرم حرامه، ويؤمن بمحكمه، ومتشابهه، ويدعو به وله، واجعله شفيعنا يوم أن نلقاك، واجعله معنا في الدرجات العلا في الجنة.
اللهم اجعلنا من أهل القرآن، ومن حفظة القرآن، ومن دعاة القرآن، اللهم أدخله معنا في قبورنا واحشره معنا يوم لقائك، ثقل به الميزان، وحقق به الإيمان، واخسأ به الشيطان، وفك به الرهان برحمتك يا أرحم الراحمين!
أما بعد:
أيها الأحباب الكرام: إني أحبكم في الله، وأسال الله سبحانه وتعالى أن يعمر هذا الديوان وأهله ومن فيه، ويجعل لآل الرومي خير الدنيا والآخرة لما لهم من أيدٍ بيضاء ولوالدهم رحمة الله عليه أن يجعل قبره روضة من رياض الجنة، وأن يمده بالروح والريحان، والنور والإيمان، والبر والرضوان، وأن يؤانس وحشته، ويرحم غربته، ويغفر زلته، ويقبل حسنته، ويجعله وأمواتنا وأمواتكم في الفردوس الأعلى، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم اجعلنا لإخواننا المسلمين هينين لينين سمحين حبيبين قريبين.
اللهم اجعلنا لإخواننا المسلمين كالأرض الذلول يطؤها الكبير والصغير، وكالسحاب يظل البعيد والقريب، وكالمطر يسقي من يحب ومن لا يحب.
اللهم اجعلنا هينين لينين سمحين حبيبين مبشرين وميسرين، ولا تجعلنا معسرين ومنفرين.
اللهم اجعل هذا البلد وسائر بلاد المسلمين أمناً وإيماناً، سخاءً ورخاء.
اللهم من أراد بنا والمسلمين سوءاً فأشغله في نفسه، ومن كادنا فكده، واجعله تدبيره تدميره.
اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واحفظنا بركنك الذي لا يرام، وارحمنا بقدرتك علينا، ولا نهلك وأنت رجاؤنا يا أرحم الراحمين!
اللهم منزل الكتاب ومنشئ السحاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزم أحزاب الباطل، وانصر حزب الحق يا رب العالمين!
اللهم اغفر لي ولإخواني هؤلاء والمسلمين أجمعين، واجعل جمعنا جمعاً مرحوماً، ولا تجعل من بيننا شقياً ولا محروماً برحمتك يا أرحم الراحمين!
أما بعد:
أيها الأحبة في الله: حديثي معكم هذه الليلة (وقفات إيمانية مع سيرة الفاروق عمر رضي الله عنه وأرضاه) وسيرته وسيرة أصحابه هي البلسم الشافي للقلوب المكدودة، والأرواح المتعبة في زماننا هذا، والله سبحانه وتعالى جعل أصحاب محمد هداة وقادة ومصابيح ونجوماً يهتدى بهم في ظلمات الجاهلية، لهذا كان حديث هذه الليلة عن الفاروق رضي الله عنه وأرضاه.
في خلافته أصابت المدينة المنورة مجاعة وقحط، حتى أصبحت وجوه الناس كالرماد، أصبحت ثيابهم بالية، أقدامهم حافية، أجسادهم عارية، بطونهم خاوية، وجوههم شاحبة، جاءوا وكأنهم الرماد، فسمي العام بعام الرمادة.
أرسل الفاروق عمر إلى عماله في الشام والعراق واليمن بأن يأتوه بالقوافل تلو القوافل لا تنقطع في ليل أو نهار، وبنى في المدينة جفان كالجوار وقدور راسيات يطبخون فيها الطعام الليل والنهار، ثم أرسل مناديه إلى جميع القبائل في جزيرة العرب الجياع؛ الذين أصابهم القحط والسنة، أن هلموا إلى المدينة ، يطعم فيها الجائع، ويكتسي فيها العاري، ويتشافى فيها المريض، ويغنى فيها الغارم، فجاءت القوافل بعد القوافل تقطع الوهاد والجبال والشعاب والصخور، والفاروق رصي الله عنه في هذا الزمهرير البارد، والشتاء القارس لا ينام، يتفقدهم واحداً واحداً في ظلام الليل، حتى تغير وجهه، وشحب لونه، وهزل جسده، لا ينام إلا النزر القليل من الليل، يتقلب ويتململ في فراشه خوفاً على الأمة.
خوصٌ كأشباح الحنايا ضُمرٍ يرعفن بالأمشاج من جذب البرى |
أخفافهن من حفا ومن وجى مرسومةً تخضب مبيض الحصى |
يرسبن في بحر الدجى وفي الضحى يطفون في الآل إلى الآل طفى |
يحملن كل باسلٍ محقوقفٍ من طول تدءاب الغدو والسرى |
وجاءوا كما يقول الشاعر: شاحب، محقوقف أي: منحني على ظهر الناقة من الجوع وطول السفر، وأناخوا على ربض المدينة ، وجاء الفاروق ، جاءت خطاه تقرع سمع الظلام بالليل ليؤسس قواعد العدل؛ فيتعب من بعده الحكام.
وإذا به يسمع بكاء طفل، فوقف على أمه وقال: يا أمة الله! أسكتي طفلك فقد آذى جيرانه، فأسكتته فسكت، ثم انصرف يتفقد الناس، ثم عاد وإذا بالطفل يبكي.
قال: يا أمة الله! ما بال طفلك؟ أسكتيه.
قالت : وما شأنك أنت، ولم تعرفه، لم يكن له هيئة ولا صولجان ولا أبهة بل يفترش الأرض، ويلتحف السماء، يأكل الملح والزيت والخبز اليابس.
فقالت: إن عمر لا يعطي الأطفال أرزاقهم حتى يبلغوا الفطام، وأنا وضعت المر على ثديي لأفطمه، فهو يبكي ولم يكن يبلغ الفطام.
فبكى عمر وتحدرت الدموع على وجنتيه، وقال: أرضعيه يا أمة الله! ويحك يا ابن الخطاب كم طفلاً قتلت وأنت لا تدري؟ أرضعيه حولين كاملين، وغداً يأتيه رزقه ورزق أمثاله، وذهب يتقلب على فراشه لا يطيق المنام، وصلى الفجر بالمسلمين، يقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: صلينا خلفه الفجر، فلم نعِ ما يقول في الصلاة، ولا نفهم قراءته من شدة بكائه وأنينه وأزيزه، فلما فرغ من صلاته التفت، وقال: ليبلغ الشاهد الغائب أن عمر بن الخطاب سيجري لأطفال المسلمين منذ ولادتهم أعطياتهم وأرزاقهم، فانطلق الناس في الجزيرة العربية يبشرون.
هذه الحادثة تدل على قلبه الكبير والتقدم الحضاري التي كانت عليه المدينة الإيمانية بقيادة عمر الفاروق، معظم دول العالم اليوم يجعلون علاوة مادية لرواتب الآباء من أجل الأبناء، أين يصب أجرها وثوابها؟
إنه يصب في ميزان عمر الفاروقفالمال الذي تأخذه أنت زيادة على راتبك من أجل الأولاد أول ما يصب ثوابه في ميزان عمر؛ لأنه أول من سن هذه السنة الحسنة: (فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة).
الدولة الإسلامية لا تعرف هذا الأسلوب، إن عجزت الأسباب، فهناك مسبب الأسباب، فرفع القائد عمر يديه واستغاث الله، هذا أمر مفقود في كثير من القضايا في عالمنا الإسلامي، آلاف القضايا تسجل ضد مجهول؛ لأن المسئول عن البحث في هذه القضية قد لا يكلف نفسه أن يتواضع أمام الله، فيقوم القاضي، أو يقوم المحامي، أو يقوم المسئول في هذه القضية، فيقول: اللهم إني أسألك -وهو يصلي الليل ويبكي- أن تظهر الحق في هذه القضية.
هل تذكرون أنتم على كثرة ما يمر عليكم من القضايا أحداً من الناس تحدث إليكم بهذا الموضوع؟ إذا وجد محامي قضية تعثرت وتعسرت عليه ولم يعرف الحق فيها، هل سمعتم يوماً من الأيام أنه وقف بين يدي الله؟ نعم، هناك محامون مسلمون مؤمنون صادقون مخلصون صالحون، ولكن هذا شيء فوق ذلك، لا تشغله زحمة المواد ولا زحمة القوانين، ولا الحنكة، ولا الفهم، ولا الدراية، ولا الإداريات، ولا الكادر الذي بين يديه، ولا الملفات ولا الذكاء... إلى آخره، ولو أوتي ذكاء إياس بن معاوية ، فلن يستغني عن الله أبداً، لأن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون.
رفع عمر في النهاية يديه إلى الله، وقال: [اللهم إني أسألك أن تظهر لي بالقاتل] وبعد مرور تسعة شهور وإذا بهم يأتون باللقيط، من أين جئتم بهذا اللقيط؟ من المكان الذي وجدنا فيه الفتى مقتولاً، انظر إلى الربط، فقال عمر: وجدت القاتل إن شاء الله، قضية مر عليها تسعة شهور لا تزال عالقةً في باله. إن وجه الربط والعلاقة بينهما أنه المكان الذي وجد فيه القتيل فقط، لكن عمر الفاروق أعطاه الله من الشفافية والفهم أن ربط بين هذه الحادثة وتلك الحادثة، فاستبشر خيراً، معنى هذا أنه فتح الملف من جديد، وبحث القضية من جديد؛ لعله يتوصل إلى نتيجة، حقوق الأمة هامة وأمانة، لا توضع في ملفات ولا رفوف، وتسجل ضد مجهود.
فقام عمر وأخذ اللقيط وأعطاه مربية، وقال: اعتني به، فإذا جاء من يطلبه منك ليراه فلا تمانعي، ولكن أخبريني عن البيت الذي يطلبه، وبينما هذا اللقيط يتربى عند تلك المرأة، وإذا بالباب يقرع في الليل، وإذا جارية تقول: إن مولاتي أرسلتني إليك لترى هذا المسكين الذي عندك فتعطف عليه وتريد أن تهديه لباساً وطعاماً ومالاً لتأخذ به أجر الله، فقالت: على الرحب والسعة، وقامت معها تحمله، وذهبت إلى بيت فلان بن فلان، فأخذته المرأة التي هي أمه، وشمته وقبلته والتزمته وأرضعته، ثم بعد ذلك أعطته الهدايا وذهبت به المربية فلما انصرفت الجارية ذهبت إلى عمر وأخبرته، فقام ولبس السيف تحت الثياب، ولم يكلف أحداً، لماذا لم يكلف أحد؟
لأن القضية فيها أعراض المسلمين، فهي لا تحتاج إلى تطبيل، وتزمير، وصحافة، وإعلانات، وأضواء، وكتابات ومقالات، هو بنفسه يقوم بالمهمة حتى يكتم هذا الأمر، هذه أعراض أمة، قد يكون هناك عذر شرعي خفي سيتوصل هو إليه، فقرع الباب، فإذا أبوها رجل أعمى في الدار ومن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم -أذكر أن اسمه أبو جندب - قال: السلام عليك يا أبا جندب.
قال: وعليك السلام يا أمير المؤمنين.
قال: ما حال بنيتك؟
قال: نعم البنية يا أمير المؤمنين؛ بارة بأبيها طائعة لربها واصلة لأرحامها.
قال: يا أبا جندب ! أتأذن لي بالدخول فأعظها وأنصحها؟
قال: آذن لك يا أمير المؤمنين.
فدخل الفاروق عليها وهي في خبائها في الدار، ثم فتح جلبابه وأراها مقبض السيف، وقال بهمس دون أن يسمع أبوها: اصدقيني يا بنية! من أبو هذا الغلام الطفل الصغير؟ وإلا كما ترين -وأظهر لها مقبض السيف- وعمر إذا قال لا يكذب.
فقالت: هذا الأمر لا يعلمه إلا الله لكن سأخبرك به، كانت لنا جارة عجوز أحسبها مقام أمي وأنا يتيمة، فكانت تصلح شأني بين الحين والحين، تأتي إلى بيتنا ترجل شعري، وتقضي لوازمي، ثم بعد ذلك تعود وأعطيها ما قسم الله، وذات يوم جاءت هذه العجوز -يا أمير المؤمنين- وهي فلانة، وسمتها له, وقالت: أي بنية! إن عندي بنية في عمرك، وأخاف عليها قطاع الطرق وأنا أريد أن أسافر إلى أخوالي وإخواني في مكان بعيد، ألا أتركها عندك في البيت حتى أعود، وهي بنية مثلك؟
قالت: فرضيت، فجاءت بها وقد ألبستها لبس البنات ولم أعلم أنه ابنها، وقد هواني وعشقني وأنا لا أدري، انظر إلى مكر بعض العجائز، تقول: وبينما أنا في فراشي نائمة، وإذا بالبنية التي معي في غرفتي إذا هو شاب غلام يتغشاني وأنا نائمة، فيأخذ مني ما يأخذ الرجل من المرأة، تقول: فأخذت أدفعه ولا أستطيع، وكنت أضع تحت وسادتي شفرة -هي: السكين الصغيرة- تقول: فمددت يدي تحت وسادتي، فأخرجت الشفرة، فوجأته في عنقه يا أمير المؤمنين، فنزف حتى مات؛ دفاعاً عن شرفي وعرضي، تقول: فاحترت في أمره، فلما جاء وقت السحر حملته والجارية، وألقيته على قارعة الطريق حيث أحضروه إليك يا أمير المؤمنين، وكنت أظن أن الأمر ينتهي إلى هنا، ولكني حملت منه من تلك الليلة، وأبي أعمى لا يرى، فتسترت على أمري، فلما ولدت حملت ابنه ووضعته مكانه، وهذه حكايتي، وهذه العجوز موجودة، فأخفى عمر سيفه وستر أمرها، وخرج إلى أبيها وقال: كما قلت يا أبا جندب نعم البنية بنيتك بارةً بأبيها، حافظةً لدينها، واصلةً لأرحامها، الآن أغلقت القضية.
في الحقيقة هذه القصة كم فيها من العظات والعبر؟!
وكم كلفت الفاروق رضي الله عنه من الميزانيات والدعم المادي حتى توصل إلى النتيجة والحكم والقضاء؟ لم تكلفه شيء، ولكن هناك شيء فوق المادة وفوق الأجهزة، هناك شيء اسمه الصدق والإخلاص واليقين والثقة بالله رب العالمين.
وأنا شخصياً في يوم من الأيام ذهبت إلى وكيل الداخلية في مسألة شخصية أمنية تهمني، وأخذت أتناقش معه في هذا الموضوع، فقال: والله يا شيخ! أقسم لك بالله أن معظم الأمور التي نكتشفها من جرائم وفتن ومؤامرات أن الخيط يكون دقيقاً كخيط العنكبوت، ولا نظن أنه سيوصلنا إلى نتيجة، ولكن ببركة الله وفضله وبره وحفظه لهذا البلد تتحقق لنا نتائج باهرة ما تخطر لنا ببال، وهذا الكلام أنقله حرفياً كما سمعته منه، وهذه حقيقة مذكورة في كتاب الله أن الإنسان عندما يقول: أنا وعددي وعدتي، ينتهي، ولو كان المتكلم نبياً أو صحابياً، فالصحابة الذين قالوا: لن نغلب اليوم عن قلة، هم خمسة وفي رواية: أن الذين قالوا عددهم اثنين فقط، والجيش كم كان عدده؟ اثنا عشر ألفاً، هزم الاثنا عشر ألف بسبب خمسة قالوا: لن نهزم اليوم عن قلة في معركة حنين ، ولما جاء التذكير بالأصل الأصيل، فنادى العباس رضي الله عنه: يا أصحاب الشجرة! -بيعة الشجرة بيعة الرضوان عندما بايعوه على الموت في صلح الحديبية - يا أصحاب السمرة! يا أصحاب سورة البقرة! وبغلة الرسول صلى الله عليه وسلم تكاد أن تطير في الهواء لضخامة الهجوم العسكري المفاجئ في الفجر، هجمت هوازن وثقيف مرة واحدة في وادي ضيق، فلم تثبت الخيول ولا الجمال ولا الدواب، وألقت عن ظهورها الفرسان، وتراجعت وجرت خلفها من جرت، فنزل المهاجرون من خيولهم وإبلهم، ونزل الأنصار، ونزعوا دروعهم من صدورهم وألقوها على نحورهم، وصوت العباس ضخم كان يسمع على بعد عشرة أميال، ولم تكن عندهم مكبرات -اقرءوا سيرة العباس في سير أعلام النبلاء، تجدون في ترجمة العباس أن له خدم يعملون في مزرعته، فإذا جاء وقت الغداء أو الفطور أو العشاء، يصعد على الصخرة وبينهم وبينه عشرة أميال فينادي: يا فلان! فيسمعونه- فـالعباس كان يقول: يا أصحاب الشجرة! والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا النبي لا كذب) يحدد موقعه في المعركة، يعني: يا كفار! إذا عندكم حول أكثر من الحول، وقوة أكثر من القوة، فتعالوا، هأنا وحيد، (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب) والبغلة تريد أن تطير، فيمسكها من يمينها العباس ، ومن شمالها أبو سفيان بن الحارث ، ويثبتونها في الأرض، والرسول صلى الله عليه وسلم يدفع بيديه الجحافل والجيوش، وتتقهقر أمامه حتى وصله المهاجرون والأنصار، وصار الالتحام البشري، وحقق الله النصر على أيديهم.
هذا الأمر سببه قول الصحابة حيث أخبر الله عنهم بقوله: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً [التوبة:25] سببه خمسة فقط، التفتوا يميناً شمالاً وإذا بالجيوش جرارة، قالوا: لن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة، لن نغلب اليوم من قلة، فلما جعلوا تحقيق الأهداف والانتصارات بالعدد والعدة، أعطاهم الله درساً.
فنحن أيها الأحباب! بلدنا الحبيب هذا الكويت تستطيع أن تجد التقرير عنه في آية من كتاب الله، قبل أربعين سنة أو ثلاثين سنة ماذا كان يقول القرآن على الكويت ؟ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الأنفال:26] ثالوث خطر كان موجوداً في هذا البلد لو نزل على أكبر حضارة لانتهت من الوجود، فهذا البلد مر بأزمة الحرب العالمية الثانية، والمجاعة قد عمت الدنيا، والكويت كانت تحل أزمة المجاعة في العالم، تصدق أو لا تصدق؟!! كانوا بسفنهم أكثر من أربعمائة أو ثمانمائة سفينة يأخذون التمور من العراق ويرسلونها إلى أفريقيا والهند، فيأخذون السكر والشاي، والأرز، ويعطونهم القمح والشعير، أهل السفن فارقوا أهلهم وأولادهم وأزواجهم، فانحلت الأزمة من الكويت إلى الهند إلى أفريقيا .
في وقت كانت فيه أوروبا وبريطانيا تجمع البطاط وتموت من الجوع.
إذاً: قوله سبحانه وتعالى: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ [الأنفال:26] جاء مرض الطاعون وأخذ ثلثين من أهل الكويت ، ما ترك بيتاً، كانت هناك أسر معروفة مقررة في الوجود، الآن ما لها أثر، قليل: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ [الأنفال:26] مستضعفون في كل وقت يريدون الهجوم عليكم من جهة الجهرة ، ومن جهة الشمال، ومن جهة البحر: فِي الْأَرْضِ [الأنفال:26] (قليل) هذه زاوية من الثالوث الخطر، (مستضعفون) هذه الزاوية الثانية تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ [الأنفال:26] هذه الزاوية الثالثة، عالجها الله أيضاً بثلاثة أمور: فَآوَاكُمْ [الأنفال:26] فأصبحت القلة مع الله كثرة، فمن كان الله معه فهو كثير: وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ [الأنفال:26] فأصبح الاستضعاف لا يهم: وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ [الأنفال:26] فأصبح الذي يخاف أن تخطف لقمته منه الآن لا يخاف، القوافل تأتي براً وبحراً وجواً محملة بالخيرات من جميع بلاد الناس، الناس يزرعون وأنتم تأكلون، وينسجون وأنتم تلبسون، ويصنعون وأنتم تستهلكون، من جميع مشارق الأرض ومغاربها.
أليست هذه الآية تقرير وتشخيص لبلدنا هذه؟ بلى ورب الكعبة، فأصبح من اللازم علينا كمسئولين ومواطنين أننا إذا أحدث الله لنا نعمة، أن نحدث له شكراً، فإذا قبضنا على المفسدين، نقول: الحمد لله بفضل الله وبره وجوده وإحسانه ونعمته ورحمته، وإذا عملنا عملاً عالمياً ضخماً كبيراً، نقول: بفضل الله وبره وجوده، وهكذا نرجع بالأمور إلى الله رب العالمين، فيأتينا المزيد من الله: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم:7] وهكذا يخبر الله سبحانه وتعالى عن هذه الحقيقة.
تطاول هذا الليل واسود جانبه وأرقني أن لا حبيباً ألاعبه |
فوالله لولا الله رباً أراقبه لحرك من هذا السرير جوانبه |
أي: لولا أني أراقب الله وأخافه وهو يراقبني، لأحضرت بديلاً للزوج، وخليلاً وعشيقاً يحرك هذا السرير بالحرام، هذه الأبيات الصادقة من قلب ولهان جعلت عمر الفاروق لا ينام الليل، ويذهب إلى أم المؤمنين حفصة: أي بنية أخبريني كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: أربعة شهور، فكتب: إلى جميع القادة على كل الجبهات أن يعيدوا الجند بعد أربعة أشهر، ويأخذوا غيرهم للجهاد في سبيل الله لكي يحفظوا الأسر والبيوت.
تعال معي الآن إلى أئمة المساجد، ولا أقول كل الناس، أئمة المساجد، يؤتى بالشاب الصالح التقي النقي الورع الذي لا يعرف منذ أن ولدته أمه وما خطرت الفاحشة والزنا في باله، والله إننا نعرف شباباً يعقد العقد على زوجته ويبكي ما يدري ماذا يعمل؟ والله -انظروا أنا أحلف لكم- لأني أنا داعية ومشاكل الناس كلها عندي، يأتيني شباب من هذا البلد عقدوا ولا يعرفون ماذا يعملون؛ لأنه من يوم أن كبر تربى على الدعوة من المسجد إلى العمرة إلى الحج، لا يرى تلفازاً، لا يقرأ الصحف، لا يرى ملاحق، لا يرى شيئاً، ولما تزوج لا يعرف ماذا يعمل ولا يعرف شيء، فوالله نحن نعلمه ماذا يفعل في ليلة الزواج، أليسوا هؤلاء ملائكة تدب على الأرض من البشر في زمان الرذيلة والفحش، في زمان الطفولة وهو يطالع الصور المتحركة عبر التلفاز.
بعض الأئمة يظل السنة والسنتين والثلاث والأربع وهو مرصود في الصحف والمجلات فقط كأن لا قضية له إلا المؤذن والحارس والإمام، ولو زل زلة لطبلوا وزمروا، قرأتم الصحف بين الحين والحين مؤذن مسجد عثر كذا .. إمام مسجد فعل كذا .. وكأنها قضية فلسطين ، وآلاف الفواحش ترتكب ما يكتب عنها أحد، ولا يعلمها أحد، وفي مراكز الشرطة مطوية.
عمر الفاروق حل هذه الأزمة لا لإمام مسجد يصلي بالناس فقط، وإنما حل أزمة لأناس يفتحون مشارق الأرض ومغاربها، مسئوليتهم نشر الدين في أعظم إمبراطورية في أمريكا وفي روسيا، في الروم والفرس، حل الأزمة عندهم، ونعجز ولا نقدر أن نحل أزمة إمام مسجد، نزيده دينارين ونأتي له بأهله وعندنا قناعة أن غرفة كبيرة مثل هذه تكفي، لكن حل هذه المشكلة العويصة التي كان يخاف منها عمر في مجتمع نموذجي إسلامي، وهو مجتمع المدينة الذي الواحد لو يترك عرضه مئات السنين ما يخاف عليهم، فكيف بنا؟!
أنا أذكر السيرة من أجل أن نسمع قصصاً وأحاجي، لا، لا بد من الربط بالواقع ولو ربطاً جزئياً، ليس كلياً، وإلا لو أربط ربطاً كلياً ما ننتهي، لأن مشاكل الأمة كثيرة.
هل من سبيل إلى خمرٍ فأشربها أم من سبيلٍ إلى نصر بن حجاج |
يعني: ما هناك طريق أفرج عن همي، ولو بكأس خمر، ما سبب هذا الهم؟ أنها عشقت رجلاً اسمه نصر بن حجاج تحبه، وما عندهم فيديو، ولا عندهم تلفاز، ولا سينما، ولا عندهم عري، ولا عندهم معارض أزياء، مجتمع نظيف حتى لما سمعت وصف نساء المدينة يقولون: لما نزلت سورة الحجاب، أصبح النساء كالغربان، وضعن عليهن شيئاً أسود ما يبين هذه المرأة من هذه المرأة كالغربان، ومع هذا لما سمع عمر هذا الأمر، معنى هذا وهو يتجول وهو يمشي، ولا يمشي كالأبله الذي أصبح مهتماً بنفسه وبذاته، لا، أذنه في آذان الأمة، وقلبه في قلوب الأمة، وروحه في أرواح الأمة، وجسمه في أجسام الأمة، هو الأمة، يحس بأشواقها وأحزانها وآلامها وحبها وعشقها وغرامها وكل شيء فيها، فعقد اجتماعاً رسمياً لأركان الدولة، تصور قضية مثل هذه يجمع فيها عبد الرحمن بن عوف، علي بن أبي طالب، عثمان بن عفان، سعد بن أبي وقاص، الزبير بن العوام، طلحة بن عبيد الله، هؤلاء كلهم مبشرون بالجنة، وهم مجلس الشورى كله، كل واحد منهم يقود الدنيا بأسرها، فانظر هذه القضية التي جمعت الثمانية المبشرين بالجنة، إنها بنت قرأت بيت غزل. أخي الحبيب لو أن أول منكر وقع عالجناه كعلاج عمر ما اتسع الخرق، لو أن كلمة خبيثة سمعناها عولجت ما اتسع شيء، لو كل فئة مفسدة أظهرت فسادها عوقبت ما اتسع شيء، والآن نقول: يا جماعة اسكتوا، لا يتكلم أحد، لماذا؟ نحن الذين أتحنا للفساد أن ينتشر، لهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده) أنا لا أملك أن أغير بيدي، السلطان هو الذي يقدر أن يغير بيده، الدولة هي التي تغير بيدها، (فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه).
إذاً القلب أصبح ميدان معارك، وإن كنت أنا ألبس غترة وثوباً لكن في قلبي معارك تدور، تقول هذه المعارك: هذا منكر .. هذا منكر .. هذا معروف .. هذا منكر .. لا تنتهي المعارك ولا تتوقف عندي إلى أن ألقى الله سبحانه وتعالى، أما إذا صارت هدنة قلبية بيني وبين المنكر، صرت فرداً منهم.
هل تذكرون أول (منيجون) في الكويت؟
هل تذكرون أول واحدة مزقت (البوشية)؟
هل تذكرون أول واحدة ساقت سيارة؟
هل تذكرون أول واحدة حرقت عباءتها؟ هزة صارت في الكويت ، كلهم يتكلم، وبعد ذلك أصبحت البنت تلحق خلف أبوها عند المسجد (والميكرجوب) إلى باب المسجد تقول: أعطني مصروفاً من أجل أذهب الجمعية، والذي يصلون معه كبار في السن يقولون: ما شاء الله هذه ابنتك، وهم مصلون، لكن الإحساس والشعور انتهى بأن هذا ذنب، لأنه أصبح شيئاً مشتركاً، كل الناس بناتها صارت بهذا الشكل، فصارت الخطيئة والرذيلة فضيلة، ولولا أن الله سبحانه وتعالى أنقذنا بهذه الدعوة، وبهذه الصحوة التي ردت الناس مرة ثانية إلى الخير.
الشاهد يا إخوان: عقد عمر مجلس الشورى وطرح الموضوع، فأجاب عبد الرحمن بن عوف ، عمر يقول: من هذا نصر بن حجاج الذي يتغنى به نساء المدينة؟ أخرجوه.
أما عبد الرحمن بن عوف فقد أصدر تقريراً عنه، لكن ينتظر الإذن فقط، قال: يا أمير المؤمنين! إنه شاب جميل، له شعر ناعم ينوس على أكتافه.
قال: أحضروه. بكل أدب واحترام، ما ذهبوا له وسحبوه ومسحوه بالأرض، قالوا له: أمير المؤمنين يريدك، فنظر إليه عمر وإذا به آية في الجمال، لا ذنب له، هكذا خلقه الله، وأيضاً عمر ما يتحكم في النطف، فقال: احلقوا رأسه.
فقال: ما ذنبي يا أمير المؤمنين تحلق رأسي؟ قال: يا بني لا ذنب لك، الذنب ذنبي أنا لو تركتك هكذا تفسد نساء المدينة، ولست المسئول بل أنا المسئول، أنا أخاف على نفسي عند الله يوم القيامة، لأني سمعت البنات يتغزلن فيك.
والآن ماذا نقول عندما يأتي مطرب تقعد البنات أمامه، وهو في التلفزيون مكحل ومحمر، ويضعون له مكياجاً ألواناً وأشكالاً ويشد قميصه ويبهذل نفسه يعمل حركات وإشارات، فتقوم البنت تتلفت، ليس في أحد عندها وإذا بها قد أحبت التلفاز، والله كنا نرى هذا، كلنا مرت علينا أيام، المطرب الفلاني والمطرب الفلاني، وملك الغزل، وصاروا ملوكاً.
الشاهد: لما حلقوا رأسه وصار أقرع، صار أجمل، أعاد عمر النظر إليه مرة ثانية، وإذا هو أجمل من ذي قبل، فـعمر لما رآه، قرر نفيه مباشرة، قال: احملوه إلى البصرة، ووفروا له منزلاً فيه قوته ووظيفته. لقد كان عمر يهتم بالأسر الكريمة ويحافظ على هذا المعدن (الذهب) أن ينخدش، أما الآن، فتجد الملاهي في العواصم .. البارات في كثير من عواصم الدول العربية، أصبحت العاصمة لا عصمة لها، فلما نفاه، تطهر مجتمع المدينة ، وهناك وفر له الرزق والقوت.
ظهر مغني اسمه معبد، جاء ومعه (طار) وما كان عنده عود أو كمنجة، معه (طار) فأول شيء كسر (الطار) على رأسه، نعم، لا بد من الشدة، الغناء يزرع النفاق والشهوة في القلب كما تظهر النباتات في جانب السيل، وأنا ما أقول له: أنا شيخ صحيح، لكن قبل أن يهديني الله سبحانه وتعالى كنت أعرف أثر الأغنية في نفوس الناس، أعرف أثر الكلمة واللحن عندما يهز الأعماق من الداخل، فكيف الآن والنفوس مهيأة لهذه الكلمات، وأنت لو تتتبع الكلمات، تجد كلمات عجيبة: (حبك كألف حجة) أنا ما أعرف من أين أخرج هذه الفتوى! طيب لما تسمع البنت مثل هذه الكلمة، ما هي قيمة الحج عندها، أو العمرة، أو الدين، أو المبدأ؟ لا شيء، وكل يوم الصحف تنزل الشعر الشعبي أو الشعر النبطي، أو كذا كلمات، وأقول: سبحان الله! ربما الصور أقل فضيحة من الكلمات التي هي موجودة، وأقرؤها أتعجب أين الرقابة عنها؟!
أنا طفل صغير أرضعيني من كذا .. وضعيني على كذا .. مكتوب في الصحف يومياً، والشعر الشعبي النبطي لا يقطعه أحد، ولا يدري عنه أحد، يأخذه الملحن يقعد بالعود يدندن ويخرج أغنية.
عمر بن الخطاب عالج المسألة مباشرة بالحلق، ما أفاد الحلق فأرسله البصرة .
الشاهد: وهذه حادثة ثالثة أن عمر كان يمشي ويراقب مشي الناس، يعني: أنت ما يخطر في بالك خليفة جيوشه تضرب الشام والفرس، ويحل أزمات اقتصادية واجتماعية في جزيرة العرب ، ويراقب مشي الناس، يا جماعة هذا شيء عجيب! وإذا برجل يمشي أمامه ويتكسر، وقد جعل الحناء في رجله ويتكسر في مشيته، فقال له: تعال، امش عدل -ما أعرف، هكذا خلقت- هكذا خلقت! أعطوني السوط. هذا علاج فوري، نعم، لا يحيله إلى الطبيب النفسي، أو يطرحه عند أخصائي اجتماعي يعالج نفسيته، بل أعطاه سوطاً واحداً وقال له: امش، وما زال يتكسر، فضربه ثلاثاً، قال: امش، وما زال يتكسر، قال: تعال، ويعطيه عشرة أسواط، فإذا هو يمشي كالعسكري مثل: جيش النازي، مثل: المغاوير، فقال له الرجل: رحمك الله يا أمير المؤمنين، لقد كان فيَّ شيطان، فأخرجه الله بك، ما قال: والله حقوقي الشخصية، وأنت أهنتني وضربتني وجلدتني، وأنت كذا .. وأنت كذا .. اعتبره أحسن علاج، عشرة أسواط عدلته.
هذه اللمسات السريعة كتشخيص الطبيب، عندما يأتيه المريض، ما يقعد يقول له: والله عيونك صفر، وشعرك ناعم، وضرسك ذهب، اذهب ما بك شيء، لا، فهذا طبيب ليس بمخلص، وليس بصادق، أنا ما أقول هذا الكلام إلا وأنا أحس أن جسمي مريض ويدي مريضة ورأسي مريض وقدمي مريضة، وأنا أشخص وأتعاون معكم على العلاج. فكل واحد منا ومنكم ومن يسمع هذا الشريط له قطاع من المسئولية، وهي في رقبة كل إنسان علقها النبي صلى الله عليه وسلم في كلمته الجامعة المانعة: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته).
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى ووحدانيتك أن تجعل بلدنا هذا آمناً وإيماناً وسخاءً ورخاءً، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم اهد ولاة أمورنا، اللهم اجعل الصالحين مع الصالحين، ويسر لهم بطانة صالحة تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر.
اللهم صل أرحامنا، اللهم ثقل ميزاننا، وأصلح أولادنا، وأصلح بناتنا، اللهم اجعلنا من المسلمين المؤمنين، ممن سلم المسلمون من لسانه ويده إنك على ذلك قدير.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الجواب: زواج المتعة أباحه الإسلام في فترات معينة، كان الصحابة بين شرين إما أن يختصوا، وعرضوا ذلك على الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو اختصوا لانقطع نسل الجهاد، لما فتحت فارس والروم، ولم ينتشر انتشر الدين، لأنه ستنتهي الذرية، وكان هو يتكلم عن الصحابة في بدر ، ويقول: (إن تهلك هذه العصابة لن تعبد على الأرض) فإذا أذن لهم بالاختصاء لن يعبد على الأرض أحد، يموت هذا الجيل وينتهي، وما هناك ذرية. إما الإختصاء أو الزنا، فكان الحل الوسط كطبيعة الإسلام عندما يكون هناك شرين أكبر وأصغر يأخذ الأصغر على الأكبر، ودرء المفاسد يقدم على جلب المصالح، فأذن لهم مؤقتاً لحل هذه الأزمة، ثم لما استقر الإسلام، وتم الفتح، وتمكنت الدولة، وأصبح الدين قوياً، وكثرت الزوجات، وكثر المال، حرم إلى يوم القيامة بإعلان من الرسول صلى الله عليه وسلم بحرمة زواج المتعة إلى يوم القيامة.
أما من يريد أن يتلاعب على الدين، وعلى الأحاديث، فما من فرقة ضالة في الوجود إلا وتأخذ دليلها على انحرافها تأويلاً وانحرافاً من القرآن والسنة؛ الفرقة البيانية التابعة لـبيان بن سمعان، قال: أنا المذكور في القرآن: هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ [آل عمران:138] أنا بيان، وأخرج له فرقة كاملة اسمها البيانية، وهكذا.
والحديث الصحيح الثابت أن زواج المتعة لم يحرمه عمر، إنما حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك بحوث كاملة وكتب مؤلفة تجدها في مكتبة المنار حول تحريم زواج المتعة، جمع لك كل الأحاديث وأسانيدها، وأمتنا بفضل الله مفخرتها بأنها أمة السند، بحيث أنه ليس كل واحد من رأسه يقول: قال رسول الله، لا. تعال، هات السند الذي روى الحديث فلان عن فلان عن فلان، فلان هذا ما اسمه؟ تاريخه، في أي يوم ولد؟ وكم عاش؟ صادق أو كاذب؟ لو ثبت أنه كذب على حصانه ما يؤخذ الحديث منه، اذهب، البخاري نظر إلى أحد الناس يقول لحصانه ويؤشر له بأن يأتي جاء إليه، وما لقي شيئاً.
قال له: ما هذا؟
قال: أكذب على حصاني من أجل أن يأتي.
قال: كذبت على الحصان تكذب على الرسول، تركه، وقد قطع له ألف كيلو متر مشياً بالأقدام من أجل أن يأخذ منه الحديث، فعندما أقول لك: الأحاديث الصحيحة إنها والله ليس كما يقول نابليون ، أو قال هتلر ، أو قال فلان، لا، أمتنا أمة السند، كانوا يأتون إلى رجال يسمونهم أهل الجرح والتعديل، ورجال متخصصين في البحث عن تجريح الرجال وتعديلهم وتوثيقهم، ويسألونهم وهم يعرفون الأنساب والأحساب والتواريخ، بل إن البخاري اشترط أن يكون بين الراوي والراوي لقاء وهناك من يشهد على هذا اللقاء بينهما، أي: يجب أن تثبت عندما تقول قال الشيخ القطان: كيت وكيت وكيت، يجب أن يشهد اثنان أني التقيت معه في مجلس الرومي في يوم من الأيام، وسمع مني هذا الكلام، هذا شرط البخاري، رأيت إلى أي درجة كانوا حريصين على الأحاديث.
الجواب: المسلم في حد ذاته قدوة أينما كان، وداعية أينما كان، وإذا أصلحت نفسك وبدأت بها، غير الله من حولك: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ الرعد:11] إذا كان لك سمت إيماني وإسلامي، تفرض احترامك على الآخرين، ولكن لا يكون الرفق في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه، تريد أن تأتي الناس بالشدة والعنف والزجر والصراخ والتشنج في مجال العمل، أو الوعظ، أو النصيحة، ما تؤدي ثمرات، يكرهك الناس، ولكن عندما تأتيهم بالرفق واللين والمحبة والملاطفة والتهادي عند ذلك تنفتح القلوب، فتكون المحبة، والمحبة تولد الثقة، والثقة تكون الجسر الذي يتلقى منك النصيحة والتوجيهات، ومع الأسف أن بعض الدعاة يظن أن الدعوة هي أن يبلغ لكي يعذر أمام الله سواءً اهتدى من اهتدى، أو ضل من ضل، لا، ليس هذه هي الدعوة، إنما الرسول صلى الله عليه وسلم كانت عنده مفاتيح في فقه الدعوة يدخل بها إلى قلوب الناس، ولا بد نحن كدعاة أن نفقه هذه المفاتيح، كيف نتعامل مع مدير المؤسسة، مع الموظف الذي معي، مع الزميل في العمل، مع المسلم، مع العاصي، مع الكافر، مع الكافر المحارب .. إلى آخره، كل واحد له أسلوب معين، وهذا في الحقيقة ما أستطيع أن أجيب عنه في هذا، لكن في المستقبل أعدكم أن أعطيكم درساً كاملاً تحت عنوانين، العنوان الأول: كيف أتحبب إلى الناس؟ العنوان الثاني: كيف أقنعهم بفكرتي ووجهة نظري؟ بإذن الله رب العالمين تذكروني، لما آتيكم تقولون: وعدتنا بكذا وكذا من أجل أن أحدثكم فيه إن شاء الله.
أقول قولي هذا وأستغفر الله.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا.
اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا يا أرحم الراحمين!
أحبتي! هذا الحديث من السنن المهجورة، يظن بعض الدعاة أنه إذا دعي به في المجلس من البدعة، وهو ليس من البدعة، وإنما هو من السنة، فقد روى النووي في كتابه الأذكار الحديث الذي يقول: (قلما كان يقوم رسول الله من مقامه -أي: من بين إخوانه- إلا ويدعو بهذا الحديث) وقد رواه الألباني في صحيح الكلم الطيب، فارجعوا له، فهو من الأحاديث الجامعة المانعة التي تقال في المجالس الطيبة المباركة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر