إسلام ويب

الفرقة الناجيةللشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ثبت في السنة أن هذه الأمة ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة، وأن جميعها في النار إلا ما كان على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولهذا كان للفرقة الناجية جملة صفات تتمثل في الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وتصديقه في كل ما أخبر وأمر سواء كان في العقيدة أو العبادات أو المعاملات أو الأخلاق، ونبذ كل مظاهر الفرقة، والتمسك التام بالقرآن الكريم وما صح من سنة سيد المرسلين.
    قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [الأنعام:159] إننا نتحدث عن هذه الآية توعيةً للأبناء وتفقيهاً لهم، وتبصيراً لهم بدينهم، ليطلبوا النجاة والكمال في الحياة الدنيا وفي الآخرة. ماذا فهمنا من هذه الآية؟

    فهمنا: أن الذين فرقوا دينهم فأصبحوا يعيشون طوائف وأحزاباً وجماعات، كل جماعة تطعن في الثانية، كل جماعة تصادر الثانية، كل جماعة تحمل البغضاء والعداء للأخرى، وجعلوا دين الله قطعاً، كل جماعة ذهبت بقطعة، هذه الطوائف أو الجماعات يُعلم الله تبارك وتعالى أن رسوله صلى الله عليه وسلم بريء منهم، وليس مسئولاً عنهم، وما هو في شيء من شأنهم وحالهم، وليترك أمرهم إلى ربهم، فمن انتقم منه اليوم فقد انتقم منه، ومن أخره إلى يوم القيامة فهو الذي يتولى جزاءه: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [الأنعام:159]، وهذا المعنى قد فهمته أم المؤمنين، أم سلمة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رويت لكم ما صح من أنها: أخرجت يدها تشير بها من وراء الستر والمسجد في فوضى، والغبار يملؤه، وأهله يترامون بالحصى، تلك الفوضى التي كانت بسبب كيد عبد الله بن سبأ اليهودي الصنعاني اليمني ، ومن كان وراء ذلك من المجوس، وبالذات كان أيام حصار الخليفة الراشد ذي النورين عثمان بن عفان ، والمدينة في هيجان، أخرجت يدها واستشهدت لهم بهذه الآية، إن الله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [الأنعام:159].. الآية.

    فنددت بالوضعية التي كانوا عليها من الانقسام والتطاحن والتناحر، فقد فهمت رضي الله عنها من هذه الآية: أن الجماعة أو الأمة إذا انقسمت على بعضها وتلاعنت وتمزقت أوصالها، استحقت نقمة الله، والرسول الذي هو المناعة للأمة والحصانة أمر أن يتخلى عنها لتنزل بها نقمة الله.

    ومن هنا: قلنا: يا أبناءنا! إن الآية تندد بالفرقة، فإياكم ثم إياكم ثم إياكم أن تعملوا على تفرقة هذه الأمة، فمن استطاع أن يجمع فليجمع، ومن استطاع أن يكتل فليكتل، ومن عجز فلا يراه الله يعمل على تفرقتها أو تمزيق شملها، ولا تبرأ ذمتك -يا عبد الله- إلا إذا وقفت أحد الموقفين:

    الأول: إيجابي، أن تعمل بلسانك، بوجهك الصبور، بلسانك الطيب على أن تجمع ولا تفرق، وأن تورث المحبة والولاء والإخاء والمودة بين المؤمنين، وإن عجزت عن هذا فكف لسانك ولا يراك الله تطعن، ولا تفرق ولا تمزق، لا تسب ولا تشتم، فإن من يعمل على تفريق هذه الأمة وتشتيت شملها وتمزيقها جنى جناية لا يُقدر قدرها. فهل أنتم فاعلون؟

    وهنا: ذكرت لكم مذكراً إياكم ومعلماً غير العالمين، من أن هذه الأمة افترقت بالفعل، وتم فيها وعد الله، كما تم في غيرها من الأمم التي سبقتها، وقلنا: هذا علم من أعلام النبوة، بلغة فصيحة: هذا دليل على أن نبينا نبي حق وصدق، إذ أخبر والجماعة هذه على قلب رجل واحد، وأخبر أنها ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة، ومن كان يظن ذلك؟

    جماعة متلاحمة متوحدة متراحمة يؤثر بعضها البعض حتى في الحياة، وتعلم بأنها ستفترق ويقع ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفترق إلى العدد الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    لقد افترق اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى بعد اليهود بزيادة فرقة، وافترقت هذه الأمة بزيادة فرقة، فكانت ثلاثاً وسبعين.

    وقد صنفت ووضعت في قوائم، ذكر هذا الإمام القرطبي في تفسيره عند قوله الله تعالى من سورة آل عمران: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:102-103]، عند هذا النهي الإلهي عن الفرقة، ذكر الفرقة التي تمت وعدد الفرق وصنفها وهي موجودة، ومن أراد الاطلاع عليها فليطلع.

    والذي يهمنا يا طلاب النجاة! أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أعلن عن افتراق هذه الأمة، سئل بعد أن قال: ( كلها في النار إلا واحدة ) ففي الجنة، سئل: من هي الفرقة الناجية؟

    لكن قبل ذلك: هل (كلها في النار) بمعنى الخلود والبقاء، أو بعضها يخلد وبعضها يخرج؟ هذا نعرفه من أصول الدين الأخرى، فالذين كانت فرقتهم على كفر، وعلى ردة، فهم في النار خالدون، كسائر الكافرين والمشركين، ومن كانت فرقتهم على فسق دون الكفر، فهم في النار ولكن يخرجون منها بإيمانهم.

    فلما أعلن هذا الإعلان قال قائلٌ: ( من هي الفرقة الناجية يا رسول الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: هم الذين يكونون على ما أنا عليه وأصحابي )، أي: أهل الفرقة الناجية.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088533692

    عدد مرات الحفظ

    777177086