إسلام ويب

مسلمات في العقيدةللشيخ : ناصر بن عبد الكريم العقل

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المسلمات في الدين هي المناهج والأصول التي يقوم عليها الدين علماً واعتقاداً وعملاً، فحين كثرت الفتن والصوارف عن دين الله عز وجل، وتداعت الأمم الكافرة بعقائدها وأفكارها وأخلاقها لطمس هذه المسلمات، كان لزاماً على جميع الأمة أن يقفوا أمام هذه الموجات العاتية؛ للحفاظ على هذه المسلمات، التي بها إقامة الدين وعزة المسلمين.

    1.   

    دواعي التذكير بمسلمات العقيدة وإبرازها

    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    فإن مما ينبغي التنبيه عليه بين يدي هذه المحاضرة والتي هي بعنوان: مسلمات في العقيدة، مما ينبغي التنبه له أولاً: أن هذه المسلمات التي سأذكر طرفاً منها، كانت إلى وقت قريب بدهية، ينشأ عليها الكبير والصغير في هذه البلاد التي بحمد لله نشأت على السنة، وكان أهل العلم يتعهدون غيرهم من طلاب العلم والعامة في تلقين المسلمين هذه المسلمات في سن الطفولة والشباب، وسن الكهولة والشيخوخة، وكانوا يتعهدون الناس ويلقنونهم هذه المسلمات بطرائق شتى، واستخدموا لذلك شتى الوسائل التي يقدرون عليها في ذلك الوقت، ومن ذلك أنهم كانوا يتعهدون المصلين بين وقت وآخر، فيعلمونهم أمور دينهم، وكانوا يقرءون عليهم المتون الضرورية التي تبنى عليها أساسيات الدين، وكانوا يعلمون الصغار هذه الأمور مع تعليمهم لهم لكتاب الله عز وجل، وكانت هناك الكتاتيب والمدارس التي ترعى الناشئة، وتلقنهم هذه المسلمات، وكان أهل العلم وطلاب العلم يتعهدون الناس في مجالسهم أيضاً، ليس في المساجد فحسب أو في المدارس، بل حتى في المجالس، فإلى وقت قريب كانت مجالس الناس في هذا البلد لا يمكن أن تخلو من التعلم والتعليم، حتى المجالس الأسرية والمجالس العامة واجتماعات الأفراح.. وغيرها من الاجتماعات، التي تكون في المجتمع على مستوى الأسرة والحي والبلد وجماعة المسجد.. وغير ذلك مما هو معروف واعتاد عليه الناس في هذا البلد من الاجتماعات الصغيرة والكبيرة، كان طلاب العلم يتعهدون الناس في هذه المجالس ويعلمونهم أصول دينهم.

    الأمر الثاني: وهو أنه في الآونة الأخيرة لما كثرت مصادر التلقي، وتداعت على هذه الأمة المسلمة وهذا المجتمع بصفة خاصة في هذا البلد، تداعت عليه الأمم بعقائدها وأفكارها وأخلاقها بكل الوسائل الشيطانية التي توافرت من الفضائيات، ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، فنجد الواقع أن الأمة الآن تتحول تحولاً مخيفاً عن دينها، وعن أخلاقها، وأن هذا المجتمع الذي نعيش فيه على السنة والفضيلة بحمد الله استهدف من جميع أعدائه في الداخل والخارج، فكثرت الفتن والصوارف عن دين الله عز وجل، والدعوة إلى ما يفسد العقيدة والفضيلة، وبدأت البدع العقدية والفكرية والثقافية والعملية ترفع رأسها على أيدي أناس من الأعداء، بل ومن أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ويدّعون أنهم منا، وهذا استوجب على طلاب العلم أن يعيدوا للأمة التذكير بمسلمات الدين.

    وقد يقول قائل: لماذا نتحدث عن مسلمات الدين ونحن بحمد الله في بلد كثر فيه التعليم والكتابة؟

    أقول: نعم، ومع كثرة التعليم كثر الجهل بالدين هذا هو الواقع، ومن شاء فليستعرض في ذهنه واقع كثير من شبابنا ومثقفينا ومفكرينا، ومن هم في مراكز التأثير في الفكر والأدب وغيره على ناشئة الأمة، يستعرض في ذهنه ماذا عندهم من المسلمات؟ ليس عندهم إلا القليل النادر، وأغلب ما يوجد عند الكثيرين ما يزعزع العقيدة ويشكك في هذه المسلمات؛ بسبب ما ذكرته لكم من المؤثرات الوافدة عبر الوسائل التي هجمت علينا من كل حدب وصوب.

    1.   

    نماذج من مسلمات الدين والعقيدة

    موضوع هذه المحاضرة: هو مسلمات في الدين، أو مسلمات في العقيدة.

    المسلمات: هي أصول الدين وأركانه، والمناهج التي يقوم عليها الدين علماً واعتقاداً وعملاً، وسأذكر طائفة من هذه المسلمات على سبيل التمثيل لا على سبيل الحصر؛ لأن الحديث عن المسلمات يطول، لكني سأعرض ما تيسر له الوقت، ولذلك أحب أن أنبه إلى أني استأذنت الإخوة القائمين على هذا البرنامج جزاهم الله خيراً بأن نجعل الأسئلة بعد صلاة العشاء لمن شاء أن يجلس؛ لأن الموضوع سيستغرق فيما يظهر لي كل الوقت المتاح حتى إقامة الصلاة.

    والآن لنتحدث عما يتيسر مما هو معلوم بالضرورة من مسلمات الدين، التي لا يسع المسلم أن يجهلها، والتي تدخل تحت الفريضة الواجبة على كل مسلم ومسلمة.

    مصادر الدين هي الكتاب والسنة

    أول هذه المسلمات: ما يتعلق بمصادر الدين، وأعني بمصادره: الأمور التي يستمد منها الدين، وهذه من أخطر الأمور التي تزعزعت في قلوب كثير من مثقفين ومفكرين في هذا العصر، واتبعوا فيها أهل الأهواء وهم لا يشعرون؛ وذلك لأن مصادر الدين إنما هي القرآن الكريم كلام الله عز وجل، وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير.

    ويعبر عن ذلك تعبيراً شرعياً بالكتاب والسنة، الكتاب كتاب الله، والسنة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه مصادر الدين وليس غيرها، ولا يجوز لأحد أن يستمد الدين من غير هذين المصدرين.

    قد يقول قائل: والإجماع؟

    نعم، الإجماع مصدر من مصادر الدين، لكنه مصدر غير مستقل، فالإجماع لا يكون إلا إذا استمد من الكتاب والسنة، بل لا يوجد إجماع يعول عليه في العقيدة من مسلمات الدين إلا وهو مستمد من الكتاب والسنة، بل لا يحدث إجماع في الدين إطلاقاً معتبر إلا ويستند على نصوص الكتاب والسنة، والإجماع بعضه يستند على نص أو أكثر، وبعضه يستند على مجموعة نصوص، وبعض الإجماع يستند على قواعد الشرع المستمدة من النصوص.

    إذاً: الدين لا يستمد أبداً إلا من القرآن والسنة والإجماع المبني على القرآن والسنة، فيجب على كل مسلم أن يسلم قطعاً أنه لا يمكن أن يستمد الدين إلا من الكتاب والسنة.

    إكمال الله تعالى للدين

    من المسلمات: أن الدين ما شرعه الله وشرعه رسوله صلى الله عليه وسلم.

    من المسلمات: أن الله قد أكمل الدين، وهذا الكمال باق إلى قيام الساعة، منذ أن أنزل الله قوله عز وجل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]، والدين قد اكتمل بجزئياته وكلياته، ولا يجوز لأحد بعد ذلك أن يحدث شيئاً زاعماً أنه من الدين، لا بزيادة ولا نقص؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ر).

    وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).

    وقال صلى الله عليه وسلم: (كل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة).

    وهذه المسلمات يندرج بعضها تحت بعض، ولا يمكن أن تتخلف واحدة، وهي متعلقة بمصادر الدين.

    قد يقول قائل: أليس باب الاجتهاد باق إلى قيام الساعة؟

    نقول: نعم، الاجتهاد باق، لكن لا يمكن أن يصح حكم مبني على الاجتهاد إلا وله دليل من الكتاب والسنة، أو مبني على قاعدة استمدت من الكتاب والسنة، وهذه مسلمة لا بد منها، وإلا نكون قد فتحنا باب الأهواء في الدين، وانتقض اعتقادنا بأن الله أكمل الدين، وانتقض اعتقادنا بأن الله ختم النبوة، وانتقض اعتقادنا بأن الوحي قد انقطع، كذلك لو قلنا: إن الناس قد يحتاجون إلى جزئية واحدة من الدين لم يشرعها الله ولا رسوله، أو لا يوجد لها دليل وتحتاج إلى وحي، فهذا لا يمكن أبداً، أما الاجتهاد فلا شك أنه باق، ولا تستقيم الأمور إلا به، سواء مما هو حادث أو مما سيحدث من النوازل والقضايا التي تحتاجها هذه الأمة، سواء في العبادات أو الأمور الأخرى التي تتعلق بمصالح الأمة، كل ذلك لا بد فيه من اجتهاد، في المستجدات وغير المستجدات، لكن يبقى الاجتهاد على أصوله وضوابطه الشرعية؛ لأن الاجتهاد لا يمكن أن يكون إلا من النصوص الشرعية، أو القواعد المستمدة من النصوص.

    من المسلمات: أن مبنى الدين في قلب مسلم والجماعة والأمة لا يصح إلا بالتسليم لله عز وجل، والتسليم لرسوله صلى الله عليه وسلم، ومعنى التسليم: التصديق والإذعان والخضوع والرضا بحكم الله عز وجل، ثم ما يتبع ذلك من خضوع القلب والجوارح والاعتقاد والعمل.

    ثم ينبني على التسليم الدخول في الدين، بمعنى أن المسلم إذا سلم بمقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فلا بد أن يكون خاضعاً لدين الله عز وجل، وخاضعاً لكل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    العمل بخبر الآحاد الصحيح في العقائد وغيرها

    من المسلمات: أن كل ما جاء في كتاب الله، وكل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير وجب قبوله، سواء كان من المتواتر أو من الآحاد؛ لأن أهل الأهواء خالفوا أهل السنة والجماعة، وخالفوا طريق الحق باعتقادهم أنه لا يصح اعتقاد شيء لم يثبت بالتواتر، وإذا قلنا بهذا المبدأ نقضنا أكثر الدين، والمقصود أن ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسند صحيح وجب قبوله في الاعتقاد والعمل؛ لأن الكثير من أمور الدين انبنى على أحاديث الآحاد، حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل أفراد الصحابة يقيمون الحجة على أمم، وقامت الحجة على الفرس وعلى رأسهم كسرى برجل واحد، وقامت الحجة على الروم وعلى رأسهم هرقل برجل واحد، وقامت الحجة على أهل مصر وعلى رأسهم المقوقس برجل واحد، وقامت الحجة على كثير من قبائل العرب والدول المحيطة بالمسلمين بإرسال آحاد الأمة إلى أولئك الملوك والأمم، فقامت عليهم الحجة واستحلت دماؤهم بذلك، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أفراد الصحابة لتبليغ الدين والجهاد وتطبيق الحدود، كما أرسل معاذاً إلى اليمن، وكما فعل الصحابة حينما بلغوا بتحويل القبلة إلى الكعبة فاتجهوا إلى الكعبة بخبر واحد، ثم إن الصحابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلوا كثيراً من الدين بخبر الواحد من الصحابة، إذا روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً أو فعلاً أو تقريراً أخذوا به، وجعلوه من الدين، وعلى هذا فإن أكثر الدين فيما يتعلق بالأحكام مبني على أخبار الآحاد. فهذه من المسلمات.

    العمل بمقتضى الشهادتين

    من المسلمات: أن رأس الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فلا يصح إسلام المسلم إلا بهما، ولا يصح إسلام الكافر إذا دخل الإسلام إلا بهما؛ فهي أصل الإسلام، ولا تصح ولا تعتبر الشهادتان إلا بشروطهما، فلو أن إنساناً شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، إذا كان لأول وهلة نقول: دخل في الإسلام، لكن إذا لم يعمل بمقتضى الشهادتين خرج من الإسلام، من لم يعمل بمقتضى الشهادتين بشروطهما خرج من الإسلام، فلنفرض أنه شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، لكن أبى أن يعمل أي عمل من أعمال الإسلام، لا الصلاة ولا غيرها من أركان الإسلام الأخرى، ولا بشيء من أعمال الإسلام، يكون قد ارتد بعد دخوله الإسلام، والمسلم الذي نشأ في بلاد مسلمة أو بين المسلمين ويشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، لكنه معرض عن الدين بالكلية، ولم يقم بشروط لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، خرج من مقتضى الإسلام، ودلائل ذلك نصوص كثيرة لا يتسع الوقت لذكرها، وهي معلومة عند أهل العلم، وينبغي أن تكون من مسلمات الدين؛ ولذلك لما طلب النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين أن يعصموا دماءهم وأموالهم بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله أبوا؛ لأنهم يعلمون أن وراءهما عمل وشروط، وإلا فسهل النطق بكلمة لا إله إلا الله، لكن كانوا يعلمون بمقتضى فقههم للعربية، ومقتضى ما هم عليه من الإدراك العام لرسالات الرسل السابقين، والبدهيات التي يعلمها سائر البشر، أنهم إذا شهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله لابد أن يعملوا بمقتضاهما.

    قيام الدين على أركان وواجبات وشروط

    من أساسيات الدين ومسلماته: أن الدين لا يقوم إلا على أركان وواجبات وشروط، وأول ذلك ما يتعلق بمراتب الدين الثلاث وما يدخل فيها من أركان:

    المرتبة الأولى: الإسلام، فلا يصح إسلام المسلم حتى يسلم بأركان الإسلام الخمسة، ويعمل بما يستطيعه منها، يعلمها أولاً ثم يعمل بها ثانياً بحسب استطاعته.

    المرتبة الثانية: الإيمان، لا يصح إسلام المسلم إلا بأن يؤمن بأركان الإيمان الستة وما يندرج تحتها من الأصول، الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسوله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من الله عز وجل.

    هذه الأركان الستة لا تصح وحدها مجردة، لو أن إنساناً آمن بالله، لكنه أنكر أسماء الله وصفاته وأفعاله، وجحد ما يلزم لله عز وجل من التعظيم والتوقير والمحبة، فإنه يكفر وإن أقر بالإيمان بالله، وهو ركن من أركان الإيمان.

    إذاً: هذه الأركان الستة كالأركان الخمسة في الإسلام لها شروط، لا يصح من المسلم أن يعترف بها مجردة عن شروطها وضوابطها وقواعدها التي فصلت وبينت بالنصوص الشرعية الأخرى، مثال ذلك: لو أن إنساناً آمن بالملائكة وبجميع أركان الإيمان الأخرى، لكنه قال: أنا لا أصدق أن جبريل من الملائكة، بل أرى أنه عدو للبشرية، هل يصح إيمانه؟ المبدأ أقر به، لكن لوازم هذا المبدأ وأركان هذا المبدأ وواجبات هذا المبدأ أخل بها.

    المرتبة الثالثة: الإحسان، من لوازم الدين الإحسان، وهو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

    إذاً: كل ركن من أركان الدين يتفرع عنه أصول وشروط ضرورية تعتبر من المسلمات في الدين، وهذه الشروط تجب على كل مسلم بحسب ما يرد إليه من الخبر، وتعلم هذه الأصول واجب على كل مسلم، بل فريضة، لكن مع ذلك فإن الذي يتعين عليه هو ما يرد إليه من الخبر ويرد إليه بالتعليم، فما تعلمه من أصول الإسلام وجب أن يقر به، وما لم يصل إليه ربما يعذر به، ما لم يكن من الأعمال الضرورية المعلومة من الدين بالضرورة.

    اتباع سبيل المؤمنين

    من المسلمات: أن الدين إنما يتمثل بالسنة وهو حبل الله المتين، وهو الصراط المستقيم، والدين هو سبيل المؤمنين، وسبيل المؤمنين هو طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين من أئمة الهدى، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وهم أهل السنة والجماعة، السلف الصالح، ومن خالف خالف السنة وخرج عن مقتضى الصراط وهو سبيل المؤمنين فهم نوعان: إن خرج بما يقتضي الردة فهو ليس من المسلمين، وإن خرج بما لا يقتضي الردة فهو يخرج من أهل السنة ولا يخرج من مسمى المسلمين، فهذا مما سيأتي الإشارة إليه بعد قليل.

    قيام دعوة الرسل على عبادة الله عز وجل واجتناب الطاغوت

    من المسلمات: أن دعوة الرسل جميعاً قامت على أساسين: أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، ويتفرع عن هذين الأصلين سائر أمور العقيدة والتشريع.

    عدم قبول دين غير الإسلام

    من المسلمات: أن الدين عند الله الإسلام، بحيث لا يقبل الله من البشر غير الإسلام، كما قال عز وجل: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19].

    وقال سبحانه: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85].

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره: (والله! لا يسمع بي رجل من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار)، والنبي صلى الله عليه وسلم أقسم على ذلك قسماً وخص اليهود والنصارى؛ لأنهم أهل كتاب، فغيرهم من باب أولى، إذا كان اليهودي والنصراني سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤمن به دخل النار، وحكم عليه بالكفر الأكبر فغيرهم من أصحاب الديانات الوضعية والوثنية والنفاق والردة من باب أولى، وهذا ينبغي أن تكون من المسلمات، يتفرع عن هذه مسلمة أخرى كثر فيها الكلام في الآونة الأخيرة، وهذا برهان ما أشرت إليه قبل قليل من أن بعض المسلمات ضاعت في بعض الأجيال المتأخرة، خاصة عند بعض المثقفين والمتعلمين الذين لم يتمكنوا من تعلم أصول الدين الضرورية.

    حكم تكفير الكفار الأصليين

    من هذه المسلمات: أنه لا بد من الحكم بكفر الكافرين الخلص، وأنهم من أهل النار، فهذا أمر لا ينبغي أن يجادل فيه مسلم، الكافرون الخلص هم اليهود والنصارى وأصحاب جميع الديانات الوضعية والوثنية كل من لم يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويدخل في ذلك المنافقون الخلص، ويدخل في ذلك المرتدون، هؤلاء يدخلون في حكم الكفر الخالص، وأنهم من أهل النار، وهذا الحكم إجمالي لا يتعلق بمعين؛ لأن المعين لا نعلم على أي حال لقي الله عز وجل سواء المسلم أو الكافر، لكن يبقى الحكم على العموم وعلى الظاهر، ونحن لا نعلم إلا بالظاهر، ولذلك فنحن نحكم بالظاهر.

    فعلى هذا من المسلمات التي لا يجوز الجدال فيها: أن الله حكم بكفر الكافرين الخلص، أما من كان مسلماً فالحكم بكفره يحتاج إلى قواعد أخرى ليس هذا مجال الحديث عنه.

    إذاً: الأصل في المسلمين الإسلام، والأصل في الكفار الكفر، ولا ينبغي للإنسان أن يجادل في هذه المسلمة إلا بما يحكم به أهل العلم على ضوء قواعد الشرع، والله عز وجل يقول: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا [البينة:6]، ولم يرد في الكتاب والسنة استثناء أحد من الكفار أبداً، وحكم الله فيهم قاطع أنهم كفار وأنهم من أهل النار، أما مسألة الحكم على المعين فهذه مسألة أخرى تحتاج إلى تفصيل.

    الإسلام هو دين الله في كل زمان بحسبه، فالإسلام في عهد جميع الأنبياء هو ما جاء به كل نبي، ثم الإسلام بعد بعث النبي صلى الله عليه وسلم هو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا الدين، فليس الإسلام غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم بعد مبعثه، وهو هذا الدين المتمثل بالكتاب والسنة، فمن ابتغى غيره من الديانات فقد كفر وارتد، ومن هنا ندرك خطورة مسلك بعض الذين يدّعون الإسلام ويدْعون إلى الجمع بين الديانات الكتابية، وهي ما تسمى بالديانات الإبراهيمية، هذه كفر وضلال مبين، فإن الله عز وجل حكم بكفر اليهود والنصارى ونسخ دينهم المبدل، وأمرهم وجوباً وحتماً بأن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم فكفروا به، فلا يجوز للمسلمين أن يعدوهم من أهل الديانات الصحيحة أبداً، وعلى هذا فإن دعوى صحة الديانات السابقة، أو أنها ممكن أن تجتمع على أصول.. أو نحو ذلك كله من الباطل؛ لأن الله عز وجل أغنى المسلمين بالحق عن أن يحتاجوا إلى الديانات الباطلة المنسوخة، وأصول الإسلام لا تتوافق مع ما عند أهل الكتاب، فالإسلام فيه غنى عما عندهم، فيجب عليهم هم أن يرجعوا إلى الإسلام، لا أن يعود المسلمون إليهم أو يتقربوا إليهم بأي أصل من الأصول، فإن ذلك من الكفر والضلال المبين.

    عدم عصمة أحد غير النبي صلى الله عليه وسلم

    من المسلمات: أنه لا عصمة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ليس من الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم من هو معصوم، يؤخذ قوله بلا عرض على الكتاب والسنة، بل كل أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم قد يقع في الخطأ والزلة، حتى العلماء الكبار قد يقعون في بعض الزلات؛ ليسوا معصومين، لكن العبرة بجملتهم وبمنهجهم العام لا بما قد يقع من الأفراد.

    عدم اجتماع الأمة على ضلالة

    يقترن بهذه المسلمة مسلمة أخرى وهي: أنه لا تجتمع الأمة على ضلالة، ومعنى ذلك أنه لا يمكن في يوم من الأيام أن تتفق الأمة على جحد شيء من الدين، أو زيادة شيء في الدين، أو نقص شيء من الدين، أو تشريع ما لم يشرعه الله، أو الإجماع على بدعة، أو ترك سنة، لا يمكن هذا أبداً؛ لأن الله عز وجل تكفل بحفظ الدين، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه لا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم، ولو افترض أن يخفى الحق أو تخفى السنة أو تعم البدعة لضاع الدين بذلك، ووقع عليه اللبس والشك، وهذا لا يمكن أبداً، ولاحتاج الناس إلى النبوة وإلى الوحي، وهذا لا يمكن أبداً.

    الأصل التوحيد والفطرة لا الشرك والضلال

    من المسلمات: أن الأصل التوحيد والفطرة، وأن الشرك والضلال أمور تطرأ على البشر، سواء من ناحية تاريخية لعامة البشرية أو من ناحية خلقية، فمن الناحية التاريخية: أن الله عز وجل جعل آدم على الفطرة وعلى الدين القويم، بل كان نبياً وكذلك كان أبناؤه الأولون على الفطرة وعلى الدين القويم، وإن حدثت منهم أخطاء، ولم يكن الشرك إلا بعد أحقاب طويلة بعد آدم عليه السلام، وكذلك (الأصل) في الأفراد الفطرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ما من مولود إلا ويولد على الفطرة)، وفي بعض الألفاظ: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، لكن هذه الفطرة إجمالية ليست تفصيلية، لا يفطر أحد على معرفة تفاصيل الدين، لكن يفطر على قبول الحق والهدى والفضيلة والخلق القويم، ثم بعد ذلك التربية إما أن تنشئه على العمل الصالح والعقيدة السليمة، وإما أن تنشئه على غير ذلك كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح.

    وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال: (خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين).

    ضرورة فهم العقيدة والدين بمقتضى النصوص الشرعية وفق منهج الاستدلال

    من المسلمات: أن فهم العقيدة وسائر أمور الدين لا يمكن أن يكون إلا على مقتضى النصوص الشرعية، وعلى منهج الاستدلال الصحيح، لكن ليس لكل أحد أن يتناول نصوص الشرع ثم يقول أنا أفهم معناها ومقتضاها، لا؛ لأن الدين يقوم على الاتباع والاهتداء والاقتداء، ويقوم على الأصول والضوابط والشروط التي جاءت في الاجتهاد، ففهم الدين إنما يقوم على منهج كسائر العلوم الأخرى، بل هو أولى؛ لأن الخوض في الدين بغير علم وعلى غير أساس من المنهج السليم هو القول على الله بغير علم، فلا بد أن تفهم العقيدة وسائر أمور الدين على منهج شرعي وفق استدلال السلف، وأعني بذلك أن فهم الدين على نوعين: الأول: فطري وبديهي، الثاني: يحتاج إلى استنتاج من الكتاب والسنة على ضوء قواعد الاجتهاد، وهذا ليس لكل أحد أن يجتهد في الدين بمجرد رأيه وبمجرد مزاجه، فلا بد أن تتوافر فيه شروط الاجتهاد؛ لأن الله عز وجل قال: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].

    وقال سبحانه في الذين تنازعوا في الدين: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء:83]، وهم العلماء، ولذلك نوه الله عز وجل عن الراسخين، وأنهم هم الذين يعلمون ما أشكل من كثير مما ورد في نصوص الكتاب والسنة، ولأن الله عز وجل أخبرنا بطائفة من أهل الزيغ الضلال يتبعون ما تشابه من نصوص الشرع، كما قال سبحانه: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:7]. بالوقف على لفظ الجلالة، وفي قراءة أخرى صحيحة بالوصل: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ .

    إذاً: هناك جزء كبير من أمور الدين ليس لكل أحد أن يتناوله ما لم تتوافر فيه الشروط والضوابط الشرعية باجتهاد.

    من هنا أحب أن أنبه على ظاهرة مزعجة وخطيرة على الأمة، وهي أن كثيراً من الناس تجرءوا على القول على الله بغير علم، وعلى القول في الدين بلا دليل، أو يأخذون الدليل على غير معرفة بمنهج الاستدلال، فتناولوا قضايا العقيدة والأحكام بمجرد أمزجتهم وأهوائهم، فهم بمجرد أن يعرفوا النصوص ويتصفحوها خاضوا فيها بغير علم، وهذا لا شك أنه خطأ عظيم وباب فتنة، ومن هنا ندرك أيضاً مدى لعب الشيطان بهذا الصنف من الناس، وهم أكثرية اليوم، وندرك هذه الظاهرة من خلال ما نلاحظه في مجالس الناس اليوم، لا توضع قضية من قضايا الدين إلا وتجد أجهل الحاضرين هو أجرؤهم على القول، وهذا أمر خطير جداً؛ لأنه قول على الله بغير علم، وهو من أعظم الذنوب ومن كبائرها.

    فمن هنا يحسن أن نتنبه وننبه على هذه القضية؛ لأن الجرأة على القول في دين الله بغير علم من أخطر الأمور، واستهان الناس بالعلماء، ولم يرجعوا إلى أهل الاختصاص من أهل العلم.

    يقول بعضهم مقولة في الحقيقة تدل على الجهل المركب، يقول: إننا إذا حجرنا الدين على العلماء هذه كهنوتية كما هي عند النصارى.. وغيرهم، نقول: هذا لا شك أنه جهل مركب، ولا شك أن الدين هو دين الله عز وجل، وأمر الله جميع البشر بأن يلتزموا به، لكن الدين أعلى وأجل وأهل أن يصان وأن يحترم، ولابد له من مناهج للاستدلال وشروط وضوابط لا تتوافر لكل واحد، وهذا إذا كان في كل علم من العلوم فكيف بما يتعلق بعلوم الشرع؟! أقول: إننا ندرك جميعاً الآن أنه لا يجوز لأحد أن يتكلم في الطب إلا إذا كان متخصصاً، ولا في الهندسة إلا إذا كان متخصص، ولا في غيرها من العلوم الأخرى إلا إذا كان متخصصاً، مع أنهم يعملون للدنيا، ولو تكلم أحد في هذه العلوم من غير أهل التخصص لعابه الناس، بل تجد أكثر الناس إذا أراد أن يتكلم بمجرد رأيه في هذه العلوم، تجده يحترز من أن يتكلم عند المتخصصين؛ يخشى أن يعاب، ومع ذلك الجرأة على الدين وعلى العلوم الشرعية كثرت، مع أنها أولى أن تحترم، وأن يرجع فيها إلى أهل الاختصاص، فليس في الدين كهنوتية، لكن الدين علم من العلوم التي ينبغي أن تؤخذ على أصولها ومناهجها وقواعدها وشروطها، وإلا لماذا أرشدنا الله عز وجل إلى سؤال أهل الذكر، وإلى الرجوع إلى الراسخين، وإلى احترام العلماء، والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن العلماء هم ورثة الأنبياء، وأخبر بأن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، إنما ورثوا العلم، وهو الدين.

    فعلى هذا لا يجوز لأحد أن يتناول أمور الدين دون أن يستوفي الشروط، وإلا فقد قال على الله بغير علم، وافترى على الله الكذب.

    إذاً: هذه ينبغي أن تكون من المسلمات.

    وجوب التزام السنة والجماعة وعدم التفرق في الدين

    من المسلمات في الدين: أنه لا يجوز التفرق في الدين، ويجب التزام السنة والجماعة، كما أمر الله عز وجل: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103].

    والافتراق واقع في هذه الأمة، فحين نهانا الله عن التفرق في الدين، فقد أخبرنا أن التفرق سيكون، كما قال سبحانه عن الأمم: وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ [هود:118-119]، فالافتراق واقع لا شك، لكن لا يعني ذلك أن جميع الأمة ستقع في الافتراق، بل لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عن الافتراق أخبر أن طائفة تبقى على الحق ظاهرين وهم الجماعة وهم أهل السنة، ولما سأله الصحابة عن هؤلاء: من هم؟ قال: من كان على ما أنا عليه اليوم وأصحابي، وبهذا نعرف تميز أهل السنة والجماعة بهذا الوصف.

    إذاً: الافتراق واقع في طوائف من المسلمين، وقد يكون في الأكثرية؛ لأن الإسلام قد يكون في غربة أحياناً، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الدين سيعود غريباً كما بدأ غريباً، والغربة نسبية قد تكون في زمن دون زمن، وفي مكان دون مكان، لكن لا يمكن أن ينمحي الدين بالكلية أبداً، لا بد أن يبقى أهل السنة وأهل الحق وهم الطائفة المنصورة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، لا بد أن يبقوا إلى قيام الساعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم حتى تقوم الساعة)، وهم الذين يقاتلون الدجال ويقاتلون مع المهدي ومع عيسى عليه السلام، وبعد أن تقبض أرواحهم لا يبقى بعدهم إلا شرار الخلق مدة يسير ثم تنتهي الدنيا وتقوم الساعة.

    إذاً: الحق باق بمن تقوم به الحجة على الخلق، وهم أهل السنة والجماعة إلى قيام الساعة، لكن مع ذلك تقع طوائف الأمة في صراع، دليل ذلك قوله عز وجل: وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ [هود:118-119].

    وما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع) وفي بعض الروايات: (حذو القذة بالقذة).

    وضرب النبي صلى الله عليه وسلم لذلك مثلاً قال: (حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم) يعني: طوائف من الأمة، وليس كلهم.

    ومن يبقى على الحق هم أهل الحق، هم الذين على السنة، ولذلك سموا أهل السنة، وهم الجماعة المعتصمون بحبل الله، ولذلك سموا الجماعة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الأهوال والفتن، قال: (عليكم بسنتني وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ) وقال: (عليكم بالجماعة؛ فإن يد الله مع الجماعة) .. إلى آخره من النصوص التي تدل قطعاً أن من المسلمات الضرورية أن الجماعة لا بد أن تبقى وإن قلّت، ولا بد أن تظهر السنة وإن قل أهلها، وهؤلاء هم الذين على منهج السلف الصالح، وهم الطائفة التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم أنها على البيضاء، التي ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، وهي السنة.

    إذاً: من المسلمات أن الافتراق واقع وهو خبر الله وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا يكذب، ووقوعه حق وصدق، فلا بد من التسليم بذلك، لكن الشأن في أن على كل مسلم أن يحفظ نفسه من الوقوع في الأهواء ويحذرها، وإلا فالشرور والأهوال والبدع والافتراق لا بد أن تحدث إلى قيام الساعة وتتجدد أيضاً، لكن ينبغي أن يعلم أن المفارقين للسنة والجماعة على صنفين:

    الصنف الأول: الذين يخرجون من الملة، نسأل الله العافية، فهؤلاء لا يعدون من فرق المسلمين الثنتين والسبعين فرقة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة) وهذه الواحدة هي أهل السنة والجماعة، لكن الفرق التي تفارق الجماعة إلى أمر يخرجها من الملة ليست من الفرق الثنتين والسبعين المتوعدة الهالكة، ومن هؤلاء الذين يخرجون من الملة: غلاة الجهمية، الرافضة الباطنية، الفلاسفة، أهل الردة، المنافقون الخلص.. ونحو هؤلاء، هؤلاء لا يعدون -وإن انتسبوا للإسلام- من فرق المسلمين، لكن الذين خالفوا السنة بالبدع والأهواء والافتراق، ولم يقعوا فيما يخرج من الملة، وهم الأكثرية من فرق المسلمين الثنتين والسبعين، هؤلاء من المسلمين، لكنهم ضلوا، يسمون: أهل الأهواء، ويسمون أهل البدع، ويسمون: أهل الافتراق، ويسمون: أهل الوعيد، وأعمالهم وأفعالهم هي من كبائر الذنوب، ويخشى على الواحد منهم إذا ما تاب أن يدخل النار إذا لم يتغمده الله برحمته.

    أقول: إن الفرق الثنتين والسبعين مثل: فرق الخوارج، والمرجئة، وبعض فرق القدرية، وأكثر المعتزلة، وأهل الكلام، ومتكلمة الأشاعرة، والماتريدية، وأكثر الفرق التي تعد من فرق المسلمين لا تخرج من الدين، وإنما تعد من الفرق المخالفة للسنة لا الخارجة عن الإسلام.

    ينبغي أن يكون هذا الأمر من المسلمات؛ لأنه محل اتفاق عند أئمة السلف المحققين لم يخالف فيه إلا بعض من يجهلون هذه القاعدة من المتأخرين، لكن بعض هذه الفرق التي سميتها وغيرها قد يكون من أفرادها من يغلو أو يتعصب ويرد نصوص الكتاب والسنة، فهذا يخرج من الملة، لكن الكلام على عموم هذه الفرق، فهؤلاء لا يخرجون من الملة إلا إذا ارتكبوا ما يقتضي خروجهم، بمقتضى اجتهاد المحققين من أئمة الدين.

    فليس لكل أحد أن يتناول مسألة التكفير بمجرد رأيه، ولم تتوافر فيه شروط الأصول في العلم.

    التباس طريق السنة مع وضوحه على كثير من الناس

    من المسلمات: أن طريق السنة مع وضوحه ومع جلائه، ومع أنه هو مقتضى الوحي الذي أنزله الله فسماه النبي صلى الله عليه وسلم: الصراط المستقيم، وسماه الله عز وجل: حبل الله، فرغم وضوح السنة ورغم وضوح الدين ونهج السلف الصالح، إلا أنه من المسلمات قد يلتبس على بعض المسلمين وعلى أهل الأهواء والابتداع والافتراق وعلى الأفهام طريق السنة وإن كان واضحاً؛ وذلك أن الهداية هي لله عز وجل، فلا أحد من الناس ينفعه ذكاؤه ولا مقدرته ولا مواهبه مهما قويت ولا علمه إذا لم يوفقه الله للسنة والحق.

    فعلى هذا نتأمل هذه المسألة تأمل اعتبار وعظة وعبرة، وندرك مدى وصية النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه: (يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك)، وأن يسأل المسلم ربه العافية دائماً، وأن يعتصم بالله ويدعوه بأن يوفقه ويثبته؛ لأن أي بشر مهما توافرت عنده المواهب والقدرات إذا لم يوفقه الله عز وجل فإنه قد ينتكس عن السنة وتخفى عليه، وقد يظن الباطل أنه الحق، ولذلك أشير إلى ظاهرة في الآونة الأخيرة: ظاهرة الخروج عن السنة من قبل بعض المتعالمين والمغرورين من المثقفين.. وغيرهم، تجد كثرة سؤال الشباب عن هذه الظاهرة: نحن نعرف أن فلاناً قد درس دراسات شرعية، أو أنه تخرج من جامعة شرعية، أو أنه مثلاً عرف بأنه متعلم وقرأ كتباً إسلامية، ودرس على المشايخ، كيف تخفى عليه هذه الحقيقة؟

    أقول: نعم، تخفى عليه؛ لأن الله عز وجل ما أراد له التوفيق، فلا يمكن أن يضل مثل هؤلاء إلا عن دفينة في قلوبهم، والله أعلم بما في القلوب؛ لأن من يتق الله يجعل له مخرجاً، لكن هؤلاء لا بد أن يكون عندهم خلل فعميت بصائرهم عن الحق نسأل الله العافية.

    لذلك يجب على المسلم إذا ادلهمت الفتن والصوارف عن الحق والسنة أن يكثر من دعاء الله عز وجل بأن يحميه ويوفقه ويسدده، ويثبت قلبه على الحق والهدى، وأن يلتزم أهل الحق ولا يزيغ مع أهل الباطل.

    عدم اختلاف أهل السنة والجماعة في أصل من أصول الدين

    من البديهيات ومن المسلمات: أن أهل السنة والجماعة الذين يتمثل فيهم سبيل المؤمنين، والذين هم على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته إلى قيام الساعة، أنهم لا يختلفون في أصل من أصول الدين أبداً، وليس عندهم خلاف في قضايا العقيدة إطلاقاً، وهذه مسلمة أتحدى من يأتي بخلافها، لكن قد توجد بعض المسائل ملحقة بأصول العقيدة، وهي ليست من الأصول يختلف عليها السلف، تذكر من الناحية العلمية فقط، مثلاً: السلف لا يشكون أبداً بوقوع الرؤية العينية من قبل المؤمنين لربهم في الجنة، نسأل الله أن يمتعنا بذلك جميعاً، ولكن مع ذلك اختلفوا في الرؤية العامة في يوم المحشر مع أنها ثابتة قطعاً، لكن اختلفوا هل هي بالعين أم بالقلب؟ بينما رؤية المؤمنين لربهم في الجنة ثابتة بالعين لا شك في ذلك، وليس عند السلف اختلاف في ذلك، لكن هناك خلاف في نوع الرؤية العامة لا في أصلها.

    أيضاً السلف ألحقوا كثيراً من المسائل بأصول العقيدة، واختلفوا في هذه الملحقات الفرعية لهذه الأصول، ولذلك هذه ميزة يدركها من بصره الله ووفقه للحق: أن أهل السنة بحمد الله إلى يومنا هذا وإلى أن تقوم الساعة لا يختلفون في أصل من أصول الدين إطلاقاً، وليس عندهم أصل من الأصول ليس عليه دليل، ومن هنا أحب أن أشير إلى الذين لبسوا على كثير من شبابنا الآن ممن لم يوفقهم الله للهدى وانصرفت قلوبهم عن الحق، هؤلاء زعموا أن كثيراً من أصول الدين عند السلف مختلف عليها، وكذبوا والله وليس عندهم على ذلك دليل، وزعموا أن أصول الدين ليست كلها من الكتاب والسنة، إنما هي تراكمات تاريخية -بزعمهم- صنعها السلف وردود أفعال،.. وزعمهم أن أصول السلف وأهل السنة والجماعة كانت نتيجة صنع السياسة، في عهد بني أمية وبني العباس، وأما السلف ما هم إلا رجال خضعوا للسلاطين فقرروا من الدين ما يهواه السلاطين، وبدعوا من يخالف السلاطين، وحكموا بقتل من لا يرضاه السلاطين، وزعموا -قاتلهم الله أنى يؤفكون- أن السلف ما قاموا ضد الجهمية إلا استجابة لرغبة بني أمية، وما قاموا ضد المعتزلة إلا استجابة لرغبة الحكام، وما حكموا بقتل الجعد بن درهم إلا استجابة لسلاطين بني أمية، وما حكموا بقتل الجهم إلا استجابة لطلب بني أمية، وهذا القول قاله أسلافهم من ماضي القرون، والعجيب أن ينطلي هذا على أناس ينتسبون للعلم الديني من أبناء أهل السنة والجماعة، ويقع في نفوسهم أن العقيدة ردود أفعال.

    وهؤلاء الملبسون هم الذين قال الله فيهم: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ [آل عمران:7] أي: من القرآن والسنة والدين، ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ [آل عمران:7]، ولذلك عمت الفتنة بهذه المقالات بعض شبابنا الآن، وصدقوا هؤلاء وزعزعوا عقائدهم، وجعلوهم يتساءلون التساؤل الذي يدل على الشك في البدهيات.

    إذاً: أهل السنة لا يختلفون في أصل من أصول الدين، لكن مع ذلك قد يكون من بعض أفراد أهل السنة حتى من العلماء من تكون له أقوال شاذة، لكن ليست محسوبة على العقيدة، قد تكون منهم مواقف شاذة من أفرادهم لا من جملتهم، أما في الجملة فهم معصومون؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تجتمع أمتي على ضلالة)، لكن أفرادهم ليسوا بمعصومين، فقد يقع إمام من أهل السنة في زلة في عقيدة أو في قول أو في موقف أو في خلق أو في تعامل مع الآخرين، فالدين بريء من هذه الزلات، والسنة بريئة منها، لذلك لا نجد أصلاً من أصول السنة إلا وهو متفق عليها، وما لم يتفق عليه فليس بأصل، وما ليس له دليل من الكتاب والسنة فليس بأصل، وما أثاره أولئك الملبسون الذين أشرت إليهم من أن أهل السنة يستدلون بالضعيف والمرجوح، هذه مهزلة، لا يجب أن تنطلي على أحد، فهم خلطوا بين الاستدلال وبين وجود الأحاديث الضعيفة والموضوعة في بعض كتب أهل السنة، نعم، قد توجد في كتب أهل السنة أحاديث ضعيفة، لكن ليست أدلة، إنما جاءت عند بعض السلف الذين ظنوا أنها صحيحة، أو عرفوا أنها ضعيفة، لكن جاءوا بها للاعتضاد، مثلما تجيش جيوشاً من القواد المدربين ومن عامة الناس غير المدربين، فالأصل والعمدة هم أولئك المدربون القواد، فهم الذين يعتمد عليهم بعد الله عز وجل في القيادة، فكذلك النصوص الشرعية لا يؤخذ منها في الدين إلا ما كان صحيحاً، وما لم يصح قد يستدل به بعض الأئمة من باب الاعتضاد لا من باب الاعتماد، فليس عند أهل السنة ولا أقرانهم استدلال على أصل من أصول الدين القطعية بدليل ضعيف، لكن يستدلون بالآية وبالحديث الصحيح، ثم قد يأتون بأدلة ضعيفة من باب الاعتضاد؛ لأنها محتملة الصحة، كذلك من الأحاديث الموضوعة بعض الأئمة قد يرى صحته فيرويه، وغيره يرى أنه موضوع، فقد نحكم على هذا الحديث بأنه موضوع، ومن يرويه يرى أنه ضعيف.

    أقول: وقع من بعض المسلمين من يزعم أن أهل السنة يستدلون بهذه الأحاديث الضعيفة، وأنه وجدت في كتبهم الأحاديث الضعيفة، نقول: نعم، توجد أحاديث ضعيفة خاصة في غير الصحيحين، مثل السنن فيها أحاديث ضعيفة، لكن ليست عمدة في الاستدلال، ولذلك في القضايا الاجتهادية يرى بعض أئمة السلف أن الحديث الضعيف يعمل به في باب الآداب والأحكام لا في العقيدة، فالأحكام التي لا نجد لها دليلاً صريحاً نعيدها لقواعد الشرع ونؤيد هذه القواعد بالحديث الضعيف، وهذا قول صائب، والقول الصائب من الحكمة، والحكمة ضالة المؤمن.

    إذاً: أعود وأقول: أهل السنة لا يستدلون بالحديث الضعيف ولا بالمنامات ولا الحكايات، ولا الكرامات.. ولا غيرها في الأصول، إنما يأتون بهذه الأحاديث الضعيفة في كتبهم من باب الاعتضاد ومن باب حشد النصوص، لا من باب الاعتماد على غير الصحيح.

    لا يصح إيمان المسلم حتى يستقر الإيمان في قلبه

    من المسلمات: أنه لا يصح إيمان المسلم حتى يستقر في قلبه الإيمان، الإيمان بالله عز وجل ومحبته ورجاؤه وخوفه، بأن يحب الله ويحب ما يحبه ويبغض ما يبغضه؛ لأن الله حكم بأن من لم يفعل ذلك فليس بمسلم ولا مؤمن، والله عز وجل فرق بين الهدى والضلال، وبين الحق والباطل، وبين الفضيلة والرذيلة، وبين الإيمان والكفر، وأنكر أشد الإنكار على من لم يفرق، كما قال سبحانه: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [القلم:35-36].

    وقال سبحانه: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ [السجدة:18].

    ولذلك ينبغي أن تكون أعمال المسلم، أي: أعمال الجوارح ظاهرة في تعامله مع الأشخاص، فإن التمييز بين الحق والباطل، والهدى والضلال، وبين الفضيلة والرذيلة من ضروريات الدين وإن كانت تتفاوت، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه) وقد ورد في بعض الألفاظ: (وذلك أضعف الإيمان).

    بمعنى أنه من لم ينكر في قلبه المنكر ليس عنده إيمان قط، ومن لم يكن عنده أدنى ذرة من الإنكار للمنكر فليس بمؤمن، فقد نفى الله عز وجل الإيمان عمن في قلبه مودة لمن حاد الله ورسوله، قال تعالى: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22]، هذا يدل على نفي الإيمان في قلب من لم يعمل بمبدأ الولاء والبراء مطلقاً، وإلا فإن الولاء والبراء قد يضعف في قلب المسلم بقدر قوة إيمانه أو ضعفه، لكن أن ينعدم الولاء والبراء فقد نفى الله الإيمان عن هذا الصنف.

    الرضا بحكم الله عز وجل وقدره

    من المسلمات: أنه لا يصح الدين والإسلام إلا بالرضا بحكم الله عز وجل وقدره، حكم الله الذي هو شرعه، ولا يصح الإسلام إلا بالحكم والتحاكم إلى شرع الله عز وجل، ولذلك نفى الله عز وجل الإيمان عمن لم يفعل ذلك، قال سبحانه: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65].

    وقال سبحانه: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ [المائدة:50]، فالمسلم الذي ليس في قلبه الرضا بحكم الله والتسليم له أو ادعى الإسلام وليس كذلك فليس بمسلم، أما مخالفة التسليم بحكم الله عز وجل من حيث العمل الظاهر، فهذه لها قواعدها، قد تكون كفراً أكبر إذا كانت إعراضاً عن الدين بالكلية، أو تشريعاً بغير ما شرع الله عز وجل، أو مضاهاة لشرع الله، أو عدم الرضا بشرع الله.. ونحو ذلك، هذه أمور يعرفها أهل العلم بقواعدها، لكن المسلمات في الدين أنه لا يصح إيمان المسلم إلا بالرضا والتسليم بشرع الله حكماً وتحاكماً وخبراً، ومن لم يفعل ذلك فإنه ليس بمسلم، أما المخالفة في الأعمال فهذه تكون في بعضها معصية وفي بعضها كفر.. إلى غير ذلك.

    ذكرنا في المسلمة الأولى: أنه يجب التزام السنة والجماعة، فهنا نقول: إن المخالف لأهل السنة والجماعة في أصل من أصول السنة لا يستحق أن يكون من أهل السنة والجماعة، ما لم يكن هذا المخالف عالماً زل في مخالفة أصل من الأصول وليس في مخالفة منهج أهل السنة والجماعة، كما عليه جميع أهل الأهواء وغيرهم من الفرق فهؤلاء يخرجون من السنة، لكن المخالفة في أصل عن اجتهاد من عالم راسخ فهذه زلة من عالم لا يتبع عليها، ولا تخرجه هذه المخالفة من السنة، وهذه لا تكون إلا للعلماء؛ لأنه لا يتصور من العلماء الراسخين تعمد ترك السنن، أما الجهلة الذين لا يرعوون للنص ولا يتبعون الدليل، ولا يخضعون لقول الحق، فهؤلاء يخرجون عن السنة بمخالفة أصل أو أكثر من أصول السنة.

    من المسلمات: أن الجهاد فرض كفاية على الأمة، إذا قام به البعض سقط عن الآخرين، وأنه قائم إلى قيام الساعة.

    الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    من المسلمات: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأصول والمسلمات الضرورية التي أوجبها الله عز وجل على جميع طوائف الأمة على الولاة وعلى العلماء، ثم على كل من الهيئات والمؤسسات.. وغيرها كل بحسبه، ثم على الأفراد، والدليل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على جميع الأمة بمجموع أفرادها، قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى) وهذا يدل على الأفراد والجماعات: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه) لكن كما هو في جميع أصول الدين أن للتغيير شروطاً وضوابط وقواعد لا بد منها.

    كذلك من الأدلة: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)، هذا يدخل فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وغير ذلك.

    أقول هذا؛ لأن بعض المتحذلقين خاصة من الذين لم يفقهوا الدين من المتعلمين والمثقفين.. وغيرهم يعتبرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ممارسات من بعض أهل الغيرة تتعلق بهوايات لهم، أو ممارسات شخصية أو اجتهادات فردية، أو أنهم احتسبوا هذا الأمر من عند أنفسهم، فلا شك أن هذا إخلال بأصل الدين، فإن الله عز وجل وصف الأمة بأنها خير أمة، قال سبحانه: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [آل عمران:110].

    وقال تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ[آل عمران:104].

    فإذاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل وليس مجرد اجتهادات فردية، أو إرضاء لطائفة من الناس، أو مجرد إجراء رسمي تفرضه الدولة، إنما هو واجب على الجميع كل بحسب استطاعته، والإخلال به إخلال بأصل من أصول الدين.

    التزام جماعة السنة والسمع والطاعة لولاة الأمر المؤمنين بالمعروف

    من المسلمات: التزام جماعة السنة، يتبع ذلك كما هو في نصوص القرآن والسنة أيضاً أن من المسلمات السمع والطاعة لولاة الأمر من المؤمنين بالمعروف، كما جاءت في ذلك النصوص المتكاثرة، وما عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين... إلى يومنا هذا، وأيضاً الصبر على الظلم والأثرة والجور، لا يجوز الخروج على الإمام المسلم إلا بشروط وضوابط، كأن يكون هناك ترك الصلاة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا، ما أقام فيكم الصلاة)أو كفر عند أهل العلم عليه من الله برهان، فهذه الأمور تعرف بشروطها عند أهل العلم، وإلا فمن المسلمات على كل مسلم: السمع والطاعة لولي الأمر بالمعروف، وعدم جواز الخروج، ووجوب الصبر على ما يحدث من الولاة من الظلم والأثرة، وهذا مقتضى وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، واتفق عليها سلف الأمة وخلفها، كما قال سبحانه: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59].

    ضرورة التزام أصول الدين التي عليها أهل السنة والجماعة

    من المسلمات: أن أصول الدين التي عليها أهل السنة والجماعة والسلف الصالح هي التي تمثل الدين الحق، وهي التي أمر الله سبحانه ونبيه صلى الله عليه وسلم بالتزامها، وأن أهل السنة والجماعة هم الذين سلموا من الافتراق والوقوع في البدع، وهم الذين بقوا على البيضاء وعلى الصراط المستقيم، وهم المؤمنون الذين توعد الله عز وجل من خالف سبيلهم بقوله: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:115]، ولذلك فإن هذا النهج الذي عليه السلف الصالح هو الذي تقوم به الحجة، وهو الذي عليه أئمة الهدى، والعلماء المصلحون الراسخون هم مرجع الأمة، وهم أهل الذكر إلى قيام الساعة، فيتمثل فيهم المنهج الحق الذي هو الأسلم والأعلم والأحكم، وخلاف عقيدة أهل السنة والجماعة ناتج عن هوى أو جهل أو غلو، فالطعن في سبيل السلف الصالح وأصولهم ومنهجهم وأشخاصهم في الجملة من لمزهم بغير حق كل ذلك إنما هو من منهج أهل الأهواء والبدع، وهذا الطعن يرجع إلى الدين نفسه، كما سيأتي في الكلام عن حقوق الصحابة رضي الله عنهم.

    براءة السلف الصالح من الأهواء والبدع

    من المسلمات: براءة السلف الصالح وأهل السنة والجماعة إلى يومنا هذا مما وقع فيه أهل الأهواء، خوارج، روافض، قدرية، مرجئة، معطلة، جبرية، معتزلة، جهمية، وسائر العقديات الجاهلية، والحزبيات والشعارات، والصوفية، وأهل الكلام، فأهل السلف السنة بريئون من هذه المناهج، ومن وقع فيها ممن ينتسبون للسنة فهو خطأ لا نقر به، يخطأ به صاحبه، وإن كان هذا الخطأ من عالم فهو زلة، وإن كان من غير عالم فهو بدعة.

    إذاً: منهج أهل السنة والجماعة أمر الله بالاستمساك به، وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالاستمساك به، وهو سنته سنة الخلفاء الراشدين، وهو الجماعة التي أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بلزومها.

    محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

    من الأصول الضرورية والمسلمات: محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمحبتهم دين وإيمان، وبغضهم كفر ونفاق، وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وآل بيته لهم حق خاص من المحبة والولاء، والعشرة المبشرون بالجنة لهم حق خاص.

    إذاً: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفاوتون بأفرادهم ومجموعاتهم، لكنهم... في الجملة هم خير أصحاب نبي من الأنبياء، وهم خير الناس بعد النبيين، وهم أصحاب أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم، وقد رضي الله عنهم، ورضي عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم ونهى عن سبهم أو سب أحد منهم، وهم نقلة الدين، فالطعن فيهم طعن الدين نفسه ولا شك، ثم إن الطعن فيهم طعن في وهو النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر معلوم عند الناس بالضرورة، فإنك إذا طعنت في أصحاب شخص من الأشخاص أياً كان، فإن ذلك لا بد أن يرجع إلى الإساءة إليه، فالطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجع بالإساءة إليه، والطعن في إحدى أو في بعض أو في كل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو طعن في عرضه صلى الله عليه وسلم؛ لأنهن فراشه، ولا أقرب إلى الإنسان من زوجته، فمن طعن في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقد طعن في شخصه.

    هذه من المسلمات ومعلومة ليست فقط في الدين، بل معلومة في بدائه العقول.

    من ذلك خطأ وشذوذ هذه الطائفة الزائغة الباطلة التي تطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذلك الطعن فيمن سلك سبيل النبي صلى الله عليه وسلم أو سبيل الصحابة من العلماء المهتدين وأئمة الدين، من الأولين والآخرين، فكل من طعن في إمام من أئمة الدين أو في عالم من العلماء فقد استهدف الطعن في الدين والطعن في الأمة، ما لم يكن ذلك على سبيل بيان الخطأ الذي يقع فيه البشر، لكن الطعن الذي يرجع إلى الدين أو يرجع إلى المنهج أو يرجع إلى قواعد السلف حتى وإن وجه إلى الأشخاص، فإنه يكون طعناً في الدين نفسه إذا قصد به صاحبه الطعن في المنهج.

    تميز منهج أهل السنة عن سائر المناهج الضالة

    من المسلمات المعروفة في منهج أهل السنة والجماعة قديماً وحديثاً: تميز منهج أهل السنة عن جميع المناهج الضالة، فسلموا من الغلو والتعصب، كما سلموا أيضاً من الإعراض عن الدين، هذا في جملتهم، وإلا فإن بعض الأفراد المنتسبين للسنة يكون منهم العاصي والفاسد والمقصر والمعرض، لكن هذا لا يرجع إلى المنهج ولا يرجع إلى الدين نفسه، إنما يرجع إلى سلوك الأفراد، كما ذكرت سابقاً قد يخطئ عالم منتسب للسنة، فهذا الخطأ لا يرجع إلى المنهج والدين والمسلمات، وإنما يرجع إلى تصرف هذا العالم أو لاجتهاده أو زلة أو خطأ، فالمنهج والمسلمات وعقيدة السلف سالمة منه، والأشخاص في الجملة هم أهل الاتباع والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ وهم من وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعون له بإحسان.

    براءة أهل السنة والجماعة مما وصفهم به خصومهم

    من المسلمات: أن أهل السنة والجماعة بريئون مما وصفهم به خصومهم من كل الألقاب التي عيروهم بها قديماً وحديثاً، فقد وصفوهم بأنهم نواصب وهذا من الافتراء، ووصفوهم بأنهم مرجئة وهذا من الافتراء، ووصفوهم بأنهم أهل غفلة ودروشة وهذا لا شك أنه من أعظم الافتراء؛ لأنه لا يعقل أن يكون الملتزم بالدين من الدراويش؛ فوصفهم خصوهم بذلك لأنهم يتورعون عن المراء والجدل، ويتورعون عن الدخول في المشتبهات، ويتورعون عن مخالطة أهل الأهواء والفرقة، ويتورعون عن الدخول في مداخل السوء ومواطن الريبة، فوصفهم خصومهم بالغفلة وبالسذاجة بسبب ذلك، وإلا فالصحابة رضي الله عنهم والتابعون وأئمة الدين هم أصحاب مواقف تحتاج إلى علم راسخ وذكاء وقاد وعندهم مواهب فاقوا غيرهم من أولئك المغرورين المتعالمين من أهل الأهواء والبدع، وكلنا يعرف ما قام به أولئك السلف في الرد على الخصوم، بمواقفهم المشهودة نصر الله الحق، كل ذلك ناتج عن ذكاء ومواهب عالية خص الله بها أهل العلم من الصحابة وغيرهم.

    فـابن عباس لما ناقش الخوارج حاجهم بمحاجة شرعية وعقلية يندر أن يوجد مثلها في التاريخ، وكذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكذلك عبد الله بن عمر وغيره واجهوا القدرية بالحجة، كذلك الأئمة الأربعة من أئمة المسلمين وعلى رأسهم الإمام أحمد عندما قامت الجهمية المعتزلة بفتنة الناس بأن يقولوا بالكفر تصدى لهم بقوة الحجة والبيان، ولم يعجز من أن يرد عليهم بأساليب شرعية، لكنه تفادى المراء والجدل، وقد ذكر التاريخ مواقف أئمة السنة، وأنهم وهبهم الله من المواهب والذكاء والفطنة بخلاف ما يصفهم به خصومهم من أنهم أصحاب دروشة ... إلى غير ذلك، وهذا لا شك أنه من الجهل والبغي.

    كذلك التكفير والتفسيق والتبديع والسب والشتم والأخلاق الرديئة لم يعرف بها أئمة أهل السنة والجماعة، بل هم على درجة من الأخلاق والأدب والتورع عن التكفير، إلا من حكم الله بكفره واقتضت النصوص بيانه من مقالات الكتب ولتحذير الأمة منه، وهذه المسألة من المسائل التي أثارها بعض من ينتسب إلى الإسلام في الآونة الأخيرة، زعم أن من سمات السلف كثرة التكفير والتبديع والتفسيق للخصوم، قاتله الله أنى يؤفك، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

    على أي حال أهل السنة والجماعة يكفرون من كفره الله ورسوله، ويحكمون على المقالات الكفرية بأنها كفر، سواء كانت عقائد أو أعمالاً، وأيضاً من قامت عليه الحجة ممن وقع في بدعة وانحراف يبينون خبثه ويحذرون منه، وكان السلف بناء على الأمر الشرعي الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم به في الحديث الصحيح: (إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما)، كانوا يحذرون كل الحذر من تكفير المعين، لكنهم بينوا أحوال الكفر، وبينوا سائر الكفر والكفريات من أهل البدع، وكذلك بينوا البدع وبدعوا من عمل بها في الجملة، وكفروا من عمل بخبث في الجملة، لكنهم قل أن يكفروا المعين، أكبر قضية يمكن نجد فيها البرهان على ذلك قضية المعتزلة والجهمية في وقت المأمون من القول بخلق القرآن وهي كفر، ومع ذلك تصدى لها السلف وتكلموا فيها كلاماً مشهوراً في المحاضرات والمحاجات والخصومات، وتكلموا فيها بالكتب والمؤلفات والرسائل، ومع كثرة أهل الباطل في ذلك الوقت نجد أنه يندر أن يكفروا معيناً ممن قال بهذه الفتنة، رغم شهرة القضية وقيام الحجة فيها.

    كذلك مسألة التفسيق والتبديع ليست من سمت السلف، لكن التزموا شرع الله عز وجل ببيان أحوال الفسق والبدعة والكفر؛ لتحذير الأمة منها ولإقامة الحجة على أصحابها، لعلهم يرجعون، فلا بد من بيان أحوال الكفر والفسق والبدع إذا كثر أصحابها، ولا شك أنه مع كثرة الفرق والابتداع والأهواء في الأمة كثر الفسق والبدعة والكفر، فأكثر السلف من النهي عنها، وهذا أمر تقتضيه النصيحة لله عز وجل ولكتابه ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولأئمة المسلمين وعامتهم، وهي من مسلمات الدين.

    فمن مقتضى النصيحة بيان أحوال الكفر والفسق والبدعة والتحذير منها، وبيان أحوال أهل الفسق والكفر والبدعة والتحذير من التلقي عنهم؛ فإن ذلك من النصيحة التي أوجبها الله، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فما عمله السلف هو الواجب عليهم، أفيكون ذلك عيباً فيهم؟ ومع ذلك قد يقع في بعض السلف شيء من الجهل والظلم، وقد يقع من بعض أفراد السلف اعتداء في الحكم بالكفر والفسق، هذا يقع من أفراد وهي زلات، وليست هي المنهج الذي سطروه، أما ما حدث من بعض أفرادهم فليس هو الدليل، ومن سلك مسلك الانتقاء بمثل هذه الأمور بألفاظ وبنقول مبتورة فسيطعن في القرآن نفسه، أليس الله عز وجل قال: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5]؟ وقد فعل هذا بعض الزنادقة، قال: أنا يكفيني قوله عز وجل: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) إذاً أنا منهي عن الصلاة.

    فهذا استعمل الدليل على غير وجهه، وهذا أسلوب الذين اتهموا السلف بمثل هذه الأمور، أخذوا بمتشابهات الألفاظ وأخذوا بأحوالهم وزلات بعض أفرادهم، فجعلوها هي الأصل، فراحوا يشككون في عقيدة السلف ومناهجهم، ويشككون في المسلمات البدهية التي عليها أجيال المسلمين، حتى نشأ على هذا بعض المسلمين وبعض الجهلة، وظنوا أن ذلك يقتضي إعادة النظر في سبيل السنة وسبيل المؤمنين ومنهجهم.

    ونسأل الله للجميع التوفيق والسداد، ونسأل الله أن يعافينا من الأهواء والبدع والافتراق، وأن يعصمنا من الزلل، وأن يوفقنا لسبيل السنة والجماعة، وأن يوفق جميع المسلمين للاعتصام بحبل الله جميعاً، ويحميهم من الفرقة والضلالة والبدعة.

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767945204