إسلام ويب

الحجابللشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تعتبر فاحشة الزنا من أصول المفاسد التي تقضي على المجتمع، ولهذا كانت أعظم كبيرة بعد الكفر بالله وقتل النفس، ولذلك حارب الإسلام هذا المنكر فعاقب الزاني والزانية الأبكار بالجلد والتغريب، وعاقب القاذف بالجلد ثمانين جلدة، وأوجب غض البصر، وأمر بالحجاب وهو تغطية المرأة كامل جسمها بما في ذلك الوجه والكفين؛ لأنهما عورة وفيهما يكمن الجمال، ولهذا شجع الأعداء المرأة على كشف وجهها لأنه سبيل لكشف كامل جسدها.
    الحمد لله، وصلاة الله وسلامه على نبيه ومصطفاه سيدنا محمد عليه وعلى آله وصحابته وجميع من آمن به، واستن بسنته واهتدى بهداه.

    أما بعد:

    معشر الأبناء والإخوان أحييكم جميعاً بتحية الإسلام، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    لقد طلب إلي أحد الإخوان بأن أتحدث معكم عن الحجاب، ولا أدري هل الحديث في هذا الباب ينفع أو لا ينفع!

    يقول الله تبارك وتعالى وقوله الحق: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:33-34].

    هذه آية من سورة الأعراف يا أهل القرآن العظيم، هذه الآية الكريمة اشتملت على أصول المفاسد، تلك المفاسد التي متى ظهرت في أمة أو شاعت في أناس إلا أنهت حياتهم، وأدت بهم إلى الدمار الكامل والخسران التام، فمن الخير أن نعرف هذه المفاسد التي اشتملت عليها هذه الآية، ولندرسها مسألة مسألة، أو أصلاً أصلاً.. ولنعد تلاوة الآية مرة أخرى وتأملوا يفتح الله عليكم.

    قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:33-34].

    تحريم إشاعة الفاحشة

    فأول مفسدة هي: مفسدة ظهور الفاحشة بين الناس، واقترافها علناً، أو فعلها سراً؛ إذ حرم الله عز وجل على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وفي كتابه عامة الفواحش، سواء كانت علنية أو كانت سرية خفية، لا فرق بينهما.

    والفواحش: جمع فاحشة، وإذا أطلق هذا اللفظ فإنه يتناول أعظم الفواحش وهو فاحشة الزنا واللواط.

    إذا ذكر لفظ الفاحشة يتناول فيما يتناوله ابتداء فاحشة الزنا واللواط، وما ظهرت الفاحشة بهذا المعنى في أمة إلا وتبرئ منها، وهبطت وفقدت كل شيء، فإما أن تباد وإما أن تعيش عيشة البهائم والحيوانات.

    وباسم الله نذكر أن الله تبارك وتعالى حرم الزنا في غير ما آية في كتابه، قال تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [الإسراء:32].

    وتعلمون أن الله عز وجل وضع لهذه الفاحشة أي: لفاعليها حداً من أقسى أنواع الحدود، ألا وهو الرجم بالحجارة حتى الموت، فهذا الحد لا أقسى منه أبداً، هذا الحد وضعه الله تعالى على لسان رسوله ونفذه رسوله صلى الله عليه وسلم بيده في ماعز والغامدية رضي الله تعالى عنهما، هذه الفاحشة التي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ليس هناك ذنب بعد الشرك بالله وقتل النفس أعظم من نطفة يضعها الرجل في رحم لا تحل له ).

    عظم جريمة الزنا وخطرها

    ما من ذنب أعظم من هذه الفاحشة بعد الشرك والكفر بالله وقتل النفس، وقد جاء في سورة الفرقان من صفاتنا يا عباد الرحمن قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ [الفرقان:68] فذكر ثلاثاً من كبريات الذنوب وأمهاتها: الأولى: الشرك، والثانية: قتل النفس بغير حق، والثالثة: الزنا.

    وجاء في حديث صحيح أخرجه الشيخان وغيرهما أن عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه وقف وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: ( أي الذنب أعظم عند الله يا رسول الله؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قلت: ثم ماذا؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قلت: ثم ماذا؟ قال: أن تزاني حليلة جارك ) فانظروا كيف تطابقت السنة مع الكتاب! فلا فرق بين الآية من سورة الفرقان وبين هذا الحديث في الصحيح، أعظم الذنب عند الله أن يشرك العبد بمولاه سواه، أو أن يقتل ولده خشية أن يأكل معه، أو أن يزني بحليلة جاره.

    معاشر الأبناء والمستمعين! ليدلنا على عظم هذه الفاحشة استعراضنا للآيات التي اشتملت عليها سورة النور، فلنستعرضها جميعاً.

    أولاً: اسمع الله تعالى يقول: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2].

    فهذه لفتة نظر إلى عظم هذه الفاحشة، فالبكر من فتياننا وفتياتنا، الذي لم يسبق له أن تزوج وعرف ما الزواج، هذا البكر إذا زنى يجلد مائة جلدة، قد يموت فيها وقد يحيا، وبعدها يغرب عاماً كاملاً، ينفى من القرية أو المدينة نفياً بعيداً لمدة سنة كاملة؛ حتى يزول ذلك القتر الذي على وجهه، وتذهب تلك الوصمة التي يشار إليها، والسر وراء ذلك حتى لا يذكر المؤمنين والمؤمنات بالفاحشة؛ لأنه إذا حد -إذا جلد- ثم أطلق يمشي بين الناس، لا يمر بين يدي فرد إلا ذكره بالفاحشة، وأعوذ بالله ممن يذكر الناس بالفواحش.. إنه الشيطان، إذا لم يغرب، إذا لم ينف، إذا لم يبعد بعيداً عن المدينة والقرية، وتركناه يغدو ويروح بين الناس، فما يمر بين يدي أحد إلا ذكره الفاحشة، هذا الذي زنى وجلد أمس عند باب المسجد.

    وهذه الفاحشة من أقوى عواملها المسببة لها والداعية إليها: ذكرها؛ فلهذا لا يسمح لمن ارتكب هذه الفاحشة أن يبقى معنا لمدة سنة كاملة حتى ننساها وننساه معها.

    أرجو من الأبناء والإخوان أن يتأملوا، لم يغرب هذا الشاب؟ لم ينفى؟ لم يبعد وقد حد وضرب ظهره أمام الملأ؟

    الجواب: حتى لا يذكرنا بالفاحشة؛ لأنه إذا بقي يمشي بيننا ذكرنا بها، والتذكير بها داع إلى عملها والوقوع فيها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088584796

    عدد مرات الحفظ

    777497119