إسلام ويب

واقع الأسرة المسلمة في الغربللشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد ابتعدت الأمة اليوم عن منهج ربها في شتى الجوانب الاعتقادية والأخلاقية والتشريعية ونحوها، وحصل هناك انفصام نكد بين المنهج المنير، والواقع المرير، وإننا اليوم نواجه تحديات خطيرة داخلية وخارجية ضد الأسرة المسلمة تريد تفكيك المجتمع المسلم بأسره، وأن ينحل من قيمه وأخلاقه، وخصوصاً من يعيش داخل المجتمعات الغربية، ولابد من حلول تجابه هذا التحدي، وأولها: العودة إلى المنهج التربوي الإسلامي، وتأسيس الأسرة المسلمة على ذلك، ومن هنا يكون المنطلق إن شاء الله تعالى!

    1.   

    واقع الأسرة المسلمة وتحديات المستقبل

    بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله أجمعين. أما بعد: أحبتي في الله! واقع الأسرة المسلمة وتحديات المستقبل، هذا هو عنوان لقائنا مع حضراتكم في هذا اليوم الكريم المبارك، وكعادتي حتى لا ينسحب بساط الوقت سريعاً من تحت أقدامنا، فسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم -تحت هذا العنوان المهم- في العناصر التالية: أولاً: الانفصام بين المنهج والواقع. ثانياً: تحديات خطيرة. ثالثاً: ما السبيل. وأخيراً: فجر قادم وأمل يتجدد. فأعيروني القلوب والأسماع جيداً، والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الزمر:18].

    الانفصام بين المنهج والواقع

    أولاً: الانفصام بين المنهج والواقع، إن المجتمع المسلم الذي شاد القرآن صرحه الشامخ، وأرسى لبناته على يد المصطفى صلى الله عليه وسلم كان مجتمعاً فريداً، لم ولن تشهد البشرية له مثيلاً على الإطلاق، كان مجتمعاً فريداً في عقيدته، امتثالاً عملياً -من أفراد هذا المجتمع- لقول الله جل وعلا: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [الحج:62]. وكان مجتمعاً فريداً في عبادته، امتثالاً عملياً لقول الله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]. وكان مجتمعاً فريداً في شريعته، امتثالاً عملياً لقول الله جل وعلا: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]. وكان مجتمعاً فريداً في أخلاقه وسلوكه ومعاملاته، امتثالاً عملياً -من أفراد هذا المجتمع الكريم- لقول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ [النحل:90]. وكان مجتمعاً فريداً في محبة المصطفى صلى الله عليه وسلم، واتباع هديه، امتثالاً عملياً لقول الله عز وجل: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]، وكان مجتمعاً فريداً في إقامة بنيان الأسرة المسلمة، أفراد هذه الأسرة يعيشون جميعاً بالإسلام وللإسلام، ويحمل كل أفراد هذه الأسرة هم الإسلام، فالرجل في الأسرة يعمل لدين الله، والزوجة في الأسرة تعمل لدين الله، حتى الأطفال يعملون لدين الله جل وعلا. جاء في الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: (بينما أنا واقف في الصف يوم بدر إذ التفت، فإذا عن يمنيني وشمالي فتيان حديثا السن -أي: رأى صبيين صغيرين إلى جواره في الصف يوم بدر- فلم آمن على نفسي بمكانهما -تمنى أن يكون بين بطلين عظيمين- فغمزني أحدهم سراً من صاحبه، وقال لي: يا عم! هل تعرف أبا جهل ؟ قلت: وماذا تصنع بـأبي جهل يا ابن أخي؟ فقال هذا الفتى المبارك: لقد بلغني أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد عاهدت الله إن رأيت أبا جهل ألا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، يقول عبد الرحمن : فتعجبت! فإذا الفتى الآخر يغمزني سراً من صاحبه: يا عم! يا عم! هل تعرف أبا جهل ؟ قلت: وماذا تصنع أنت الآخر بـأبي جهل يا ابن أخي؟ قال: سمعت أنه يسب رسول الله، ولقد عاهدت الله إن رأيت أبا جهل أن أقتله، أو أموت دونه، وفي لفظ: ألا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، يقول: عبد الرحمن : فوالله ما سرني أن أكون بين رجلين مكانهما، فرأيت أبا جهل يجول في الناس -يعني: يأتي ويروح- فقلت: انظرا! هل تريان هذا؟ هذا صاحبكما الذي تسألان عنه. يقول عبد الرحمن : فانقضا عليه كالصقرين، فقتلاه، وأسرع كل واحد منهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يا رسول الله! قتلت أبا جهل !! والآخر يقول: لا، بل أنا الذي قتلته!! فقال المصطفى: هل مسحتما سيفيكما؟ قالا: لا. فنظر النبي في السيفين، فرأى دماء أبي جهل على السيفين معاً، فالتفت إلى الصبيين -أستغفر الله، بل إلى البطلين، بل إلى الرجلين- وقال لهما: كلاكما قتله). البطل الأول: هو معاذ بن عمرو بن الجموح ، والبطل الثاني: هو معوذ بن عفراء ، فتيان صغيران، تربى كل واحد منهما في أسرة مسلمة، حملته هم الدين!! إن الناس جميعاً -أيها الأحبة- يحملون هموماً على اختلاف عقائدهم ومشاربهم، ولكن الهموم تتفاوت بين الناس جميعاً بتفاوت الهمم، والهمة رزق من الله تعالى: فمن الناس من يحمل هم الدين، ومنهم من يحمل هم الطين، ومنهم من يحمل هم أن يستمتع بامرأة جميلة حسناء في الحلال أو في الحرام سواء، ومنهم من لا هم له إلا أن يحصل على المال ولو من الحرام، ومنهم من لا هم له إلا أن يحصل على المجد والجاه والشهرة، ولو على حساب دينه. قال الشاعر: على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم فكل الناس -أيها الأحبة- يحملون هموماً، لكن: انظروا إلى الهموم التي يربي الآباء والأمهات عليها الأبناء في هذه الأيام، والهموم التي كان يتربى عليها أولاد سلفنا الصالح في بيوت عاشت بالإسلام وللإسلام!! أيها الأحبة! ظل هذا المجتمع الإسلامي العظيم يرفل في ثوب التوحيد الخالص، الذي كساه إياه إمام الموحدين، وقدوة المحققين صلى الله عليه وسلم، وسرعان ما ابتعد هذا المجتمع المسلم رويداً رويداً عن أصل عزه، ونبع شرفه، ومعين كرامته، وتجرد رويداً رويداً من ثوب التوحيد الخالص، فانكشفت سوءاته ، وظهرت عوراته، وراح المجتمع المسلم يحاكي الشرق الملحد، والغرب الكافر، ترك شرع الله المحكم، وتخلى عن المنهج التربوي الإسلامي العظيم، واستبدل بالعبير بعراً، وبالثريا ثرى، وبالرحيق المختوم حريقاً محرقاً مدمراً، فوقع في هذا الخلق الشائن، والانفصام النكد بين المنهج المنير والواقع المرير، ففي الجانب العقدي نرى العقيدة الآن تذبح شر ذبحة على أيدي الكثير من أفراد المجتمع الإسلامي!! وفي الجانب التعبدي نرى كثيراً من الأفراد قد صرفوا العبادة لغير الله. وفي الجانب التشريعي وقع المنكر الأعظم الذي لم يكن يخطر ألبتة لأحد على بال، يوم نحيت شريعة الكبير المتعال، وحكم بالقوانين الوضعية الفاجرة الجائرة في الأعراض والأموال والدماء والفروج، وظنت الأمة المسكينة أنها قد ركبت قوارب النجاة، فغرقت وأغرقت، وهلكت وأهلكت، وظلت وأظلت. وفي الجانب الأخلاقي والسلوكي حدث ولا حرج! ترى انتكاسة خطيرة في الأخلاق، وترى فجوة رهيبة بين منهجنا المنير، وواقعنا المؤلم المرير. وفي الجانب الأسري ترى استقالة تربوية -لا أقول: فردية بل جماعية- في كثير من بيوت المسلمين، استقال كثير من الآباء تربوياً، واستقال كثير من الأمهات تربوياً، وظن الوالد المسكين أن وظيفته أن يقدم لأولاده الطعام والشراب، والمسكن والملبس فحسب، وظنت الأم هي الأخرى أن وظيفتها أن تغذي الأبدان فحسب، وانشغلت بالضرب في الأسواق، والبحث عن أرقى الموضات والموديلات، وأرقى العطور والملابس والثياب، وراحت الأم تحاكي المرأة في الغرب، وتحاكي المرأة في الشرق؛ فشعر كثير من أبنائنا في بيوتنا باليتم التربوي، وخرج الأولاد من البيوت ليقتاتوا قوتهم التربوي في السينما والمسرح عند أصحاب السوء: في الشارع! أو في وسائل الإعلام المدمرة! ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلا إن اليتيم هو الذي ترى له أماً تخلت أو أباً مشغولا هذا هو الواقع المر الأليم.

    1.   

    تحديات خطيرة

    ثم عرف أعداء الإسلام -أيها الإخوة والأخوات- أن الأسرة المسلمة هي اللبنة الأولى الصحيحة في صرح المجتمع المسلم، بل عرف أعداؤنا أن الأسرة المسلمة هي الأمة الإسلامية الصغيرة، فخطط الأعداء بكل سبيل، للقضاء على المجتمع الإسلامي، وبالقضاء على النواة الأولى في صرحه الشامخ، ألا وهي: الأسرة المسلمة. وهذا هو عنصرنا الثاني بإيجاز، تحديات خطيرة في طريق الأسرة المسلمة، وأستطيع أن أقدم لحضراتكم التحديات في نقاط ثابتة محددة أيضاً، وسأقسم التحديات إلى قسمين: أولاً: تحديات خارجية. ثانياً: تحديات داخلية.

    التحديات الخارجية ضد الأسرة المسلمة

    القسم الأول: وهو التحديات الخارجية: وتتمثل في المخطط اليهودي الصليبي الحاقد؛ لإخراج الأسرة المسلمة من المجتمع الإسلامي عقيدة وعبادة وشريعة، وأخلاقاً وسلوكاً، وذلك عبر نقاط محددة، وهي: أولاً: التشكيك، ثم التذويب، ثم إفساد المرأة المسلمة باعتبارها العمود الفقري، والمحور المركزي، لقيام الأسرة المسلمة الصحيحة. أما التشكيك فقد جعل المخطط الصليبي اليهودي يشكك الأسرة، بل ويشكك الأمة الإسلامية الكبيرة، يشككها في منهجها الرباني: في القرآن، وفي السنة، وقالوا: إن القرآن كان يخاطب أناساً في أرض الجزيرة العربية، لكننا نعيش الآن في عصر (الإنترنت)، عصر أتوبيس الفضاء (دسكفري)، إننا نعيش عصراً قد وصل فيه العقل البشري والعلم المادي إلى مكانة عالية: صنع العقل القنبلة النووية، وفجر الذرة، وغاص في أعماق البحار، وانطلق في أجواء الفضاء، فماذا تريدون؟ إن أردتم -أيها المسلمون- التقدم والحضارة والمدنية لابد أن تنبذوا دينكم، وأن تنظروا إلى النموذج الغربي الذي قفز قفزات هائلة في الجانب العلمي، وفي التقدم المادي، وأنا لست كالنعام: أدفن رأسي الآن في الرمال؛ لأنكر ما وصل إليه الغرب في الجانب المادي، كلا، كلا، بل أنا أقر به، لكن يا إخوة! اعلموا يقيناً بأن الحياة لا تتوقف عند الجانب المادي فحسب، ولو أن طائراً عملاقاً أراد أن يحلق في أجواء الفضاء لفترة طويلة؛ فطار بجناح واحد، فإنه حتماً سيسقط، فينكسر جناحه الآخر، فالحياة ليست مادة فحسب، بل إن الغرب وقف عاجزاً أمام الشق الآخر: أمام الروح؛ لأن الروح لا تقاس بالترمومتر، ولا توزن بالجرام، ولا توضع في بوتقة التجارب في معامل الكيمياء والفيزياء، قال تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85]، وأنتم تعلمون يقيناً أن الأسرة في الغرب تفككت وتشتتت، بل إن الغرب يعيش الضنك بكل معانيه، مصداقاً لقول الله: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا [طه:123-124]، انظروا إلى عدد عيادات الطب النفسي! انظروا إلى حالات الانتحار الفردي والجماعي! انظروا إلى حالات القلق النفسي! انظروا إلى حالات الاضطراب! انظروا إلى التفكك الأسري! فأنا لا أنكر أن الغرب وصل في الجانب المادي إلى ما وصل إليه، لكنه يعاني في الجانب الآخر. والله لا أنسى ذلك الموقف وأنا ألقي محاضرة في يوم من الأيام في مركز من المراكز الإسلامية هنا في أمريكا، وإذ بأحد الإخوة يستوقفني، ويقول لي: لو سمحت -يا شيخ- نريد أن يردد هذا الأمريكي الشهادة خلفك، فلقد جاء مسلماً لله جل وعلا، فقلت: تفضل أيها الأخ الكريم! وقبل أن يردد خلفي الشهادتين قلت له: أخي! ما الذي أتى بك إلينا، وأنت ترى أحوال المسلمين لا تسر عدواً ولا حبيباً؟! ما الذي جاء بك إلينا؟ فقال هذا الأمريكي: بأنه ملياردير، يملك الأموال والشركات والأساطيل. ثم يقول: ما شعر هذا الرجل بطعم السعادة قط، يقول: انتشلوه من محاولة الانتحار أكثر من عشر مرات، ثم قال لي: دخلت يوماً على هذا الموظف -وأشار على أخ سوري معه وهو يعمل في شركة من شركاته- فرأيت هذا الموظف يغسل قدمه في حوض الماء الذي أغسل فيه وجهي، فتعجبت وقلت: كيف تغسل قدمك في هذا الحوض؟! قال: أنا أتوضأ وأغسل قدمي خمس مرات في اليوم، فقال: ما الوضوء؟ فأخبره، قال: ولماذا؟ قال: للصلاة، قال: ما الصلاة؟ فعلمه، فقال: تصلي لمن؟ لله، قال: من الله؟ فأخبره، فقال له: لماذا كلما دخلت عليك وجدت السعادة في وجهك، ورأيتك نشيطاً، ما رأيتك سكراناً قط؟! قال: إن ديني يحرم عليّ الخمر، وإن نبيي يعلمني حديثاً يقول فيه: (عجباً لأمر المؤمن!! إن أمره كله له خير، وليس ذلك إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر؛ فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر؛ فكان خيراً له) فقال: ماذا لو دخلت في دينك هذا، هل سأشعر بالسعادة التي تشعر بها؟ قال: نعم، قال: أدخلني. وأنتم تعلمون أنهم لا يتعصبون لعقيدة، وأنا أقول لإخواني دائماً: الذي يسبق إلى الشعب الأمريكي يكسب الجولة، فإنه شعب لا تعصب عنده، لكن المشكلة عندنا، فإننا لا نتحرك لدين ربنا، ولا لدين نبينا صلى الله عليه وسلم، قال: أدخلني، فجاء به إلى المركز الإسلامي، تعجبت حينما قال: بأنه لم يشعر بطعم السعادة، بعدما أصر أن أذهب معه إلى قصره أو إلى بيته؛ لأتناول معه طعاماً في بيته، فدخلت بيتاً مصنعاً من الزجاج على الشاطئ، نصف البيت في المحيط، والنصف الآخر على الشاطئ في اليابسة، فتعجبت كيف يعيش هذا الرجل في هذا النعيم، ومع ذلك لم يشعر بطعم السعادة! فلما قام بين يدي وردد الشهادة، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، بكى بكاء هستيرياً طويلاً!! فأراد الإخوة أن يسكتوه، فقلت: دعوه، اتركوه، فلما كف عن البكاء، وسكنت جوارحه، قلت له: أخي! لماذا بكيت؟ فرد في ترجمة حرفية قائلاً: والله! إني أشعر الآن بسعادة في صدري ما ذقت طعمها قبل الآن! قلت: إنها نعمة شرح الصدر بالإسلام!! ولا يذوق طعمها إلا من شرح الله صدره للإسلام، أنتم -أيها الإخوة الكرام- في نعمة والله! أنتم في نعمة! يا من خلقك الله موحداً وأرسل إليك محمداً! لو وضعت رأسك على التراب؛ لتشكر الله على هذه النعمة حتى تلقاه ما وفيت الله حقه. قال الشاعر: ومما زادني فخراً وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن أرسلت أحمد لي نبيا وقال الله تعالى قبل ذلك: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات:17]، فالمخطط الصليبي اليهودي يسعى للتشكيك في الدين .. في المنهج الإسلامي التربوي، بل ورأينا الآن رجالاً ونساء من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، يرددون ما ردده وأصله اليهود والنصارى، فهم يشككون الآن في الثوابت، وإن المؤتمر الذي عقد في مصر في الشهر الماضي والذي يسمى بمؤتمر تحرير المرأة، وسميته في خطبة جمعة مباشرة: بمؤتمر انفلات المرأة، فهم يشككون في ثوابت الدين .. في أصول هذا الدين وأركانه، تخرج علينا امرأة تنسب إلى الإسلام، فتقول: لا بد من إلغاء قوامة الرجل، وأخرى تقول وهي دكتورة: إن الرجال يركعون أمام ركبتي مادلين وأولبريت الجميلتين، ويفعلون كذا -لفظة يعف لساني والله عن ذكرها- يفعلون فعلة معروفة بين شبابنا إلا من رحم ربك، ويفعلون كذا على صور مارلين مونرو ، ثم تقول أخرى: لا بد من مساواة الرجل بالمرأة في الميراث، وتقول أخرى: لا بد من إلغاء العدة والاكتفاء بالعودة إلى الطب الحديث؛ للتحقق من إبراء الرحم من الحمل من عدمه، حرب على الثوابت، حرب على الأصول والأركان والكليات، مخطط للتشكيك. ثم بعد هذا التشكيك -يا إخوة، ويا أخوات -يكون التذويب .. يصبح المسلم- الذي هزم فكرياً ونفسياً- مستعداً للذوبان في بوتقة الغرب أو الشرق، وصدق المصطفى إذ يقول، كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد : (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب -وفي لفظ: خرب- لتبعتموهم، قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟) من غير هؤلاء؟! إنه الذوبان، وقدموا لنا النموذج الغربي على أنه النموذج الأوحد الفريد في السعادة والتقدم. قال الشاعر: قالوا لنا الغرب قلت: صناعة وسياحة ومظاهر تغرينا لكنه خاوٍ من الإيمان لا يرعى ضعيفاً أو يسر حزينا الغرب مقبرة المبادئ لم يزل يرمي بسهم المغريات الدينا الغرب مقبرة العدالة كلما رفعت يد أبدى لها السكينا الغرب يحمل خنجراً ورصاصة فعلام يحمل قومنا الزيتونا كفر وإسلام فأنى يلتقي هذا بذلك أيها اللاهونا أنا لا ألوم الغرب في تخطيطه لكن ألوم المسلم المفتونا وألوم أمتنا التي رحلت على درب الخضوع ترافق التنينا وألوم فينا نخوة لم تنتفض إلا لتضربنا على أيدينا يا مجلس الأمن المخيف إلى متى تبقى لتجار الحروب رهينا لعبت بك الدول الكبار فصرت في ميدانهن اللاعب الميمونا شكراً لقد أبرزت وجه حضارة غربية لبس القناع سنينا شكراً لقد نبهت غافل قومنا وجعلت شك الواهمين يقينا يا مجلس الأمن انتظر إسلامنا سيريك ميزان الهدى ويرينا إن كنت في شك فسل فرعون عن غرق وسل عن خسفه قارونا

    1.   

    دعوى تحرير المرأة

    التشكيك ثم التذويب في بوتقة المناهج الغربية، ثم إفساد المرأة المسلمة؛ لأن المرأة المسلمة هي العمود الفقري، وهي المحور المركزي لبنيان الأسرة الصحيحة، فحاول هؤلاء أن يفسدوا المرأة، وأرجو من أخواتي الفاضلات الطاهرات أن ينتبهن لهذا المخطط الخبيث، عز على أعداء ديننا -أيتها المسلمة- أن تجود المسلمة من جديد على أمتها بالعلماء العاملين، والمجاهدين الصادقين، فراحوا يشككون المرأة في دينها، وراحوا يفتعلون قضية في بلاد المسلمين تسمى بقضية تحرير المرأة، بل إنهم يريدون أن ينزلوها من عرش حيائها للزج بها في مستنقع الرذيلة الآسن العفن، شككوها في الحجاب، وقالوا لها: لا بد من التحرر، إن القول بالعزل والفصل بين الرجل والمرأة كلام المتخلفين، كلام المتأخرين، تحرري، وهي الحرة بالإسلام، يحررون المرأة من ماذا؟! يا حرة قد أرادوا جعلها أمة غريبة العقل غريبة النسب يا درة حفظت بالأمس غالية واليوم يبغونها للهو واللعب هل يستوي من رسول الله قائده دوماً وآخر هاديه أبو لهب ؟ وأين من كانت الزهراء أسوتها ممن تقفت خطى حمالة الحطب؟! فلا تُبالي يا أختاه! أيتها المسلمة الصابرة! أيتها المسلمة الصابرة على الحجاب! الصابرة على العفة والشرف، الصابرة على تربية الأولاد! لا تبالي بما يلقون من شبه وعندك الشرع إن تدعيه يستجب سليه من أنا من أهلي لمن نسبي للغرب أم للإسلام والعرب لمن ولائي لمن حبي لمن عملي لله أم لدعاة الإثم والكذب هما سبيلان يا أختاه ما لهما من ثالث فاكسبي خيراً أو اكتسبي سبيل ربك والقرآن منهجه نور من الله لم يحجب ولم يغب أنت درتنا المصونة، أنت لؤلؤتنا المكنونة، أنت الأم، أنت الزوجة، أنت البنت، أنت الأخت، أنت الخالة، أنت العمة، أنت المجتمع بأسره، صحيح أن المرأة تشكل نصف المجتمع، ولكنها تقدم للمجتمع نصفه الآخر من أولاد .. من شباب .. من رجال ونساء، فهؤلاء عرفوا خطر المرأة، وعلموا أن المرأة المسلمة من أعظم أسباب القوة في المجتمع الإسلامي، فحاربوها وحارب حجابها وخلقها ودينها وعفتها وشرفها. والذي يدمي القلب أن كثيراً من المسلمات قد تأثرن بهذه الدعاوى الخطيرة التي يغني بطلانها عن إبطالها، وظنت المسلمة أنها بالفعل مظلومة، وأنها شبه مهملة، وأنها رئة معطلة، وأن البيت سجن مؤبد، وأن الزوج سجان قاهر، وأن الأمومة تكاثر حيواني لا يليق بحضارة القرن العشرين، إن ما يزعمونه في المرأة هو المأساة، وظنت المسكينة أنها ظلمت بالفعل. ومن هنا انبرى بعض إخواننا من أهل العلم للرد على هذه الشبهة، من منطلق أن الإسلام بالفعل في قفص الاتهام، فجاءت الردود هزيلة، ومهزومة كهزيمة من رد بها، ولا حول ولا قوة إلا بالله! بل يجب على المسلمة أن تعلم أن الإسلام ما أمرها بالحجاب، وما حرم عليها الخلوة، وما حرم عليها الاختلاط، وما حرم عليها السفر بدون محرم إلا ليحفظ كرامتها، وليصون عرضها وشرفها؛ لأنها لؤلؤة مكنونة، ودرة مصونة، وجوهرة غالية، وأنا لا أتصور عاقلاً من العقلاء يرزق بجوهرة، ثم يلقي بهذه الجوهرة في أي مكان من أماكن البيت، بل سيبحث عن آمن الأماكن؛ ليحتفظ فيه بهذه الجوهرة، وبهذا اللؤلؤ المكنون.

    التحديات الداخلية ضد الأسرة المسلمة

    هكذا أنت أيتها المسلمة الفاضلة! يا صاحبة الحجاب! يا صاحبة العفة والشرف! فهذا هو التحدي الخارجي، أما التحدي الداخلي فحدث ولا حرج، ومنه الجهل بالإسلام، وضعف الإيمان، فأنا لا أتصور أن مسلماً أو مسلمة يعيش بالإسلام للإسلام، وهو يجهل الإسلام!! ومن هذه التحديات غياب القدوة، أختي الفاضلة! أخي الحبيب! إن التربية بالقدوة في داخل الأسرة من أعظم وسائل التربية، فلا يمكن أبداً أن يتعلم الولد الصدق إذا رأى أباه يكذب! ولا يمكن أبداً أن تتعلم البنت الفضيلة، إن رأت أمها مستهترة! ولا يمكن أن تتعلم الأمانة إن رأت أمها خائنة لأبيها أو لزوجها. مشى الطاووس يوماً باختيال فقلد شكل مشيته بنوه فقال علام تختالون قالوا بدأت به ونحن مقلدوه وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه وأيضاً من هذه التحديات الصحبة السيئة، فالصحبة السيئة تؤثر على أولادنا، وعلى أسرنا تأثيراً بالغاً؛ لأن الولد قد يتأثر بأصحابه تأثراً يفوق تأثره بالبيت؛ لذلك قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: (مثل الجليس الصالح، والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي). ومن التحديات الداخلية عدم قيام المسجد والدعاة إلى الله بدورهم الحقيقي، لا أنكر هذا، قد يأتي الشاب إلى المسجد فيرى طرحاً دعوياً مملاً، لا يتناسب مع مشكلاته وأزماته، بل نرى أحياناً القائمين على المساجد يطردون الأطفال، ويسيئون إليهم لمجرد البكاء والضوضاء، هذه عادة الطفل وطبيعته، فهل تريد أن تحكم على الطفل بعقليتك؟! لا تريد منه أن يلعب أو أن يمرح، فإن طردت الأطفال من المساجد، فأين سيتربى أبناؤنا؟! فهذا من عدم قيام المسجد بدوره الحقيقي، والقصور الشديد في الطرح الدعوي. لقد قدر الله أن أكون مسافراً في يوم جمعة، وقلت لأهلي: هيا لنصلي الجمعة ولنسمع، فمنذ زمن وأنا خطيب لا أسمع الخطباء، مع أن المسافر لا جمعة عليه، لكن أحببت ذلك، والله لقد قال الخطيب على المنبر كلاماً لولا خشية الفتنة لارتقيت المنبر، وأتيت به من رقبته، لقد قال هذا الخطيب: لما قتل عثمان بعث معاوية -رضوان الله على معاوية - لـنائلة رضوان الله عليها، وقال لها: يا نائلة ! ها هو ذا عثمان قد قتل، وأنا أريد أن أتزوجك. قالت له: ما الذي يعجبك فيّ يا معاوية ؟ -هكذا على المنبر بهذه الطريقة- قال لها: عيونك! قالت له: طيب، انتظر قليلاً، ودخلت فخلعت عيونها، ووضعتها على طبق، وخرجت لـمعاوية قائلة: يا لي أنت غاوي الجمال روح القبر واطلع تلاقي الجمال بقى رمم وعظم منخلع أهذا يقال على المنابر؟!! فنحن نرى قصوراً خطيراً في الطرح الدعوي، لا يتلاءم ولا يتفق مع مشكلات أولادنا، ومشكلات عصرنا. إن الداعية الأمين -أسأل الله أن يجعلنا منهم- هو الذي لا تغيب عنه أمته بمشكلاتها وأزماتها وجراحها وآلامها، بل يشخص الداء، ويحدد الدواء من القرآن، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم. ثم يأتي الإعلام كتحد سافر يحطم الأسرة المسلمة بلا نزاع، فإنني أقول باطمئنان وثقة: إن وسائل الإعلام كلها من التلفاز والجرائد والمجلات والفيديو والإعلانات والمسلسلات والأفلام والمسرحيات تعزف كلها على وتر واحد، على وتر الجنس، على وتر الدعارة، على وتر العنف والجريمة، وإن وسائل الإعلام مسئولة مسئولية كبيرة عن انحراف أبنائنا، وذوبان أسرنا في بوتقة الشرق الملحد والغرب الكافر. والتعليم الذي كان من المفترض أن يكون عوناً لأبنائنا وبناتنا بعد البيت على التربية، ولكن بكل أسف لا يوجد ذلك، ورحم الله محمد إقبال إذ يقول: إن المناهج التعليمية الحديثة تحسن أن تعلم أبناءنا المعارف والمعاني والعلوم، ولكنها لا تحسن أن تعلم عيونهم الدموع، ولا قلوبهم الخشوع. تلك تحديات خارجية وتحديدات داخلية خطيرة كثيرة، تهدم ما يبنيه كثير من الآباء والأمهات، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

    1.   

    ما هو السبيل؟!

    والسؤال الآن: ما السبيل؟ وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر اللقاء.

    العودة إلى المنهج التربوي الإسلامي

    والجواب في نقاط محددة أيضاً، أولاً: العودة إلى المنهج التربوي الإسلامي، فهو منهج رباني مصدره القرآن والسنة، هذه النقطة العملية الأولى على الطريق، تملكها أنت أيها الوالد! وتملكينها أنت أيتها الأم! ألا وهي: العودة إلى المنهج التربوي الإسلامي؛ لأنه منهج رباني مصدره القرآن، وسنة النبي عليه الصلاة والسلام، وهو منهج يتميز بالتكامل، والشمول، والتوازن، والاعتدال، والتميز، والمفاصلة. منهج يمزج بين الجسد والروح، بين الدين والدنيا، بين الحياة والآخرة، ويجسد هذا المنهج هذا الدعاء النبوي الرقراق الرقيق، كما في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو الله ويقول: (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر).

    تأسيس الأسرة المسلمة على المنهج التربوي الإسلامي

    ثانياً: تأسيس الأسرة المسلمة منذ البداية على هذا المنهج التربوي الإسلامي، وذلك باختيار الزوجة الصالحة؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، وحسبها، ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)، والمسلمة تتخير الزوج الصالح أيضاً، فإن الحياة الزوجية -إن بنيت على هذا الأساس التربوي الإسلامي النبوي- تسعد الأسرة، وتُسعد الأسرة مجتمعها الإسلامي الكبير، إن الحياة الزوجية مملكة إيمانية، الزوج ملكها وربانها، والمسير لدفة شئونها وأمورها؛ بما جعل الله له من قوامة، والزوجة ملكة متوجة هي الأخرى في هذه المملكة؛ لأنها شريكة الحياة، ورفيقة الدرب، وقرة العين، قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21]، والرعية بين هذين الملكين الكريمين هم: لب الفؤاد وفلذة الكبد، وهم زهرة الحياة الدنيا، هم الأولاد، الذي قال الله تعالى فيهم: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الكهف:46]، فإذا ظلل الحياة الزوجية منهج رب البرية وسيد البشرية، عاشت هذه المملكة حياة إيمانية كريمة، وآتت هذه المملكة ثمارها كل صبح وعشية، ولو ظهر في يوم من الأيام نبتة شوك في أرضها -لخلاف ما أو لمشكلة أسرية- فسرعان ما تذبل هذه النبتة؛ لأنها لا يمكن أبداً أن تحيا في أرض طاهرة زكية، تظلل بمنهج رب البرية وسيد البشرية صلى الله عليه وسلم، هنا سيرحم الزوج امرأته، وسترحم المرأة زوجها، وسيتخلق هذا البيت بأخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم. جميل -والله- أن أبلغ حضراتكم أن المصطفى قد حرم على نفسه ما أحل الله له؛ من أجل أن يرضي نساءه، هل تعلمون ذلك؟ الحديث في الصحيحين: (لقد اتفقت عائشة وحفصة -رضوان الله عليهما وعلى زوجات النبي الطاهرات-، على رسول الله؛ غيرة من زينب بنت جحش ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم على حفصة فابتعدت عنه، وقالت: إني أجد -أي: أشم- منك ريح مغافير) ومغافير: نبتة أو زهرة تنبت في أرض المدينة، لها رائحة كريهة، هل تتصور ذلك وعرق المصطفى أطيب من المسك؟! والله لا أقول ذلك من باب العاطفة، بل أقول ذلك من باب التحقيق العلمي: إن عرق الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم أطيب من المسك؛ ففي الصحيحين من حديث أنس قال: (خدمت رسول الله عشر سنين، فما قال لي: أف قط، وما قال لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء تركته: لم تركته؟ وما مسست حريراً ولا ديباجاً ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت مسكاً ولا عنبراً أطيب من ريح رسول الله) وفي صحيح مسلم ومسند أحمد من حديث أم سليم : (نام النبي عندها في وقت القيلولة، فعرق رسول الله، فجاءت أم سليم بقارورة، وأخذت تسلت عرق المصطفى في هذه القارورة، فاستيقظ النبي وهو يقول: ما تصنعين يا أم سليم ؟! فقالت: فقال: عرقك أطيب من طيبنا يا رسول الله!) والشاهد: ( أن النبي دخل النبي على حفصة فابتعدت عنه، وقالت: إني أشم منك ريح مغافير، فقال الحبيب: والله ما أكلت شيئاً -يعني: ليغير رائحة فمي- والله ما أكلت إلا العسل عند زينب ، وترك النبي حفصة ، ودخل على عائشة ، فقالت مثل ما قالت حفصة بترتيب واتفاق، فقالت: إني أجد منك ريح مغافير يا رسول الله! قال: والله ما أكلت شيئاً، والله ما أكلت إلا العسل عند زينب ، والله لا آكل العسل بعد اليوم، فنزل القرآن -وتدبر كلام الرحيم الرحمن-: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التحريم:1]) . فالحياة الزوجية إن أسست وأصلت، ووضع أساسها وبنيانها على المنهج الرباني والنبوي سعدت هذه الأسرة، وأسعدت أسرتها الكبيرة التي تتمثل في أمة الإسلام والتوحيد.

    تحمل مسئولية التربية من قبل الآباء والأمهات

    ثالثاً: تحمل مسئولية التربية، فالتربية مسئولية مشتركة بين الآباء والأمهات، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6]، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في بيته ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، وكلكم راع ومسئول عن رعيته)، وفي الصحيحين من حديث معقل بن يسار أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة) فوظيفتك -أيها الوالد الكريم- ليست مجرد التغذية، كلا. أيها الإخوة! أنا أقول دائماً: إن وجود الأب بين أبنائه -ولو كان صامتاً لا يتكلم- فيه من عمق التربية ما فيه، فكيف لو تكلم فذكر بالله، ودعا إلى الجنة، وحذر من النار، وحمل هموم الأولاد، وأشعر الأولاد بأنه معهم وأنهم في قلبه وكيانه؟! وتزداد المأساة إن استقالت الأم، ماذا تقولون في أم عادت اليوم إلى زوجها، وقالت: زوجي العزيز! سلام الله عليك. أما بعد: فإني أقدم لك اليوم استقالتي من تربية أولادك؟! وماذا تقولون في زوج يذهب إلى امرأته ليقول: زوجتي العزيزة! سلام الله عليك. أما بعد: فإني أقدم لك اليوم استقالتي من تربية الأولاد؟! سيتهم هذا الزوج بالجنون، وكذلك الزوجة، بل أنا أؤكد لحضراتكم: بأن نظرة صادقة مدققة فاحصة لواقع كثير من الأسر المسلمة تبين لنا أن استقالة تربوية جماعية وقعت في كثير من البيوت، فاستقال كثير من الآباء تربوياً، واستقال كثير من الأمهات تربوياً.

    ملء فراغ الأولاد بما ينفعهم

    رابعاً: ملء فراغ الأولاد بأي عمل نافع في الدنيا أو في الدين، لا تترك ولدك فارغاً، وأنت أيها الوالد، وأنت أيتها الأم لا بد أن تشغل نفسك؛ فالنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل. وأخطر أقسام الفراغ: الفراغ القلبي من الإيمان، والخوف من الله والمراقبة ، والفراغ النفسي، فالنفس أمارة بالسوء، إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية. وكذلك الفراغ العقلي، فاشغل عقلك بالنظر في آيات الله، وبالنظر في الكتب الهادفة؛ لتملأ عقلك بالإيمان وبالمعرفة، فإن الفراغ العقلي حياة أهله بوار، وآخرة أهله نار؛ بدليل تصايح أهل النار في قوله تعالى: كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:8-10].

    تكوين تجمعات صالحة في المجتمع الغربي

    ثم الحرص على الصحبة الطيبة، فأنتم في هذه البيئة إن لم تحرصوا على أن تكونوا جماعات طيبة في المساجد والمراكز الإسلامية، والمدارس والأندية، فإن الأسر ستذوب، وسيذوب الأولاد في هذا المجتمع الغربي، الذي يصطدم اصطداماً مباشراً مع عقيدتنا وأخلاقنا، فلا بد من أن تبحث عن صحبة طيبة؛ لتعينك ولتعين أولادك على طاعة الله تبارك وتعالى، بإيجاد المحاضن التربوية في الأندية والمدارس والمراكز الإسلامية والحضانات، بشرط أن يقوم عليها رجال وأخوات من الإسلاميين المؤهلين عقدياً وفكرياً وثقافياً، ويحملون هم الأمة، لما يرون من واقع الأمة الأليم. أيها الأحبة الكرام! هذه نقاط سريعة لهذا الواقع المؤلم، أسأل الله عز وجل أن يعيننا جميعاً وإياكم عليها، وأن يحفظ نساءنا وبناتنا، وأن يصلح أولادنا وشبابنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه. ومع هذا الواقع المؤلم أقول: الفجر قادم، والأمل يتجدد، وإن ما أراه الآن بين يدي لمن أعظم الأدلة العملية على ذلك: فكثير من الأسر المسلمة بدأت تنتقل من أزمة الوعي إلى وعي الأزمة، فكلكم بلا استثناء ما حرصتم على هذا المؤتمر -بنسائكم وأولادكم-، إلا وكلكم حريص على أن يبدأ بأسرته بداية جديدة، كلكم بلا استثناء يتمنى أن يحفظ أولاده وبناته القرآن، وسنة النبي عليه الصلاة والسلام، وهذه هي البداية الحقيقية للعودة، فأرجو ألا نحكم على هذه الصحوة الكريمة بالفشل؛ لأنها لم تحكم الشريعة في الأمة؛ لأن ما هدم في سنوات لا يمكن -على الإطلاق- أن يبنى في أيام.

    1.   

    فجر الإسلام قادم!

    فجر قادم، وأمل يتجدد، نراه في هذه الصحوة التي بدأت تتنزل في كل بقاع الأرض تقريباً، كتنزل حبات الندى على الزهرة الظمأى، والأرض العطشى، لقد ولت هذه الصحوة الكريمة برجالها ونسائها وأولادها ظهرها لواشنطن وبانكوك ومدريد وباريس وتل أبيب وتوجهت من جديد للقبلة التي ارتضاها الله جل وعلا لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم. أيها الإخوة! إن وعد الله قائم بنصرة هذا الدين، وبالتمكين لسنة سيد النبيين، هل تصدقون الله؟ هل تصدقون رسول الله؟ لم اليأس ولم القنوط؟! قال الله جل وعلا: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:81]، وقال جل وعلا: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف:8-9]، وقال جل وعلا: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173] ، وقال صلى الله عليه وسلم -كما في صحيح مسلم من حديث ثوبان -: (إن الله زوى لي الأرض؛ فرأيت مشارقها ومغاربها. وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها)، وقال صلى الله عليه وسلم -كما في معجم الطبراني بسند صحيح من حديث تميم الداري -: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر)، انظروا إلى واقع أمريكا من عشر سنوات، هل كنا نرى هذه المراكز، وهذه المساجد، وهذه الملايين من الموحدين والمسلمات والمؤمنات؟ لا، إن الصحوة تتنزل الآن في كل بقاع الأرض، إنه وعد الله! قال الشاعر: لئن عرف التاريخ أوساً وخزرجاً فلله أوس قادمون وخزرج وإن كنوز الغيب تخفي طلائعاً حرة رغم المكايد تخرج لم اليأس؟! ولم القنوط؟! ولم الهزيمة النفسية؟! إن المهزوم نفسياً مشلول الفكر والحركة، فاعتز -أيها المسلم وأيتها المسلمة- بهذا الدين الذي ارتضاه الله للبشرية ديناً، وإنا ما نراه الآن في هذه القاعة لمن أعظم الأدلة العملية على أن أشد ساعات الليل سواداً هي الساعة التي يليها ضوء الفجر، وفجر الإسلام قادم بإذن الله جل وعلا. قال الشاعر: صبح تنفس بالضياء وأشرق والصحوة الكبرى تهز البيرقا وشبيبة الإسلام هذا فيلق في ساحة الأمجاد يتبع فيلقا وقوافل الإيمان تتخذ المدى دربا وتصنع للمحيط الزورقا ما أمر هذي الصحوة الكبرى سوى وعد من الله الجليل تحققا هي نخلة طاب الثرى فنمى لها جذع قوي في التراب وأغدقا هي في رياض قلوبنا زيتونة في جذعها غصن الكرامة أورقا فجر تدفق من سيحبس نوره أرني يداً سدت علينا المشرقا يا نهر صحوتنا رأيتك صافيا وعلى الضفاف رأيت أزهار التقى قالوا تطرف جيلنا لما سمى قدراً وأعطى للطهارة موثقا ورموه بالإرهاب حين أبى الخنا ومضى على درب الكرامة وارتقى أو كان إرهاباً جهاد نبينا أم كان حقاً بالكتاب مصدقا أتطرف إيماننا بالله في عصر تطرف في الهوى وتزندقا إن التطرف أن نذم محمداً والمقتدين به ونمدح عفلقا إن التطرف أن نرى من قومنا من صانع الكفر الليئم وأطرقا يا جيل صحوتنا أعيذك أن أرى في الصف من بعد الإخاء تمزقا لك في كتاب الله فجر صادق فاتبع هداه ودعك ممن فرقا لك في رسولك أسوة فهو الذي بالصدق والخلق الرفيع تخلقا يا جيل صحوتنا ستبقى شامخاً ولسوف تبقى باتباعك أسمقا

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    757118861