وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها،وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
فإن الله سميع بسمع، بصير ببصر، قادر بقدرة، فهو سبحانه يسمع، وسمع الله أحاط بكل شيء، فسبحان الذي وسع سمعه الأصوات كلها، فلا يخفى عليه شيء حتى تفنن الحاجات واختلاف اللغات لا يختلف على الله جل وعلا، فلا تواري منه سماء سماء، ولا أرض أرضاً، ولا بحر ما في قعره، ولا جبل ما في جوفه، والله يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء.
وقلنا: سميع بسمع، لنرد على بعض طوائف أهل البدع الذين يقولون: سميع بصير بمعنى: عليم، ولو قلنا: إن الله يسمع الأصوات، يقولون: لا، وإنما يعلم الأصوات، ويعلم ما يقولون. وإذا قلنا: إنه بصير يرى، قالوا: لا، بل هو بصير بمعنى يعلم هذه الأفعال التي تفعل من عباده.
فنرد عليهم بالأثر وبالنظر. أما الأثر: فالأدلة ظاهرة. قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [الحج:75]، وقال: وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا [المجادلة:1].
أما الأثر فقوله صلى الله عليه وسلم: (أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، وإنما تدعون سميعاً بصيراً).
وأيضاً في اللغة معلوم أن السميع هو: من يسمع الأصوات. وأن البصير هو: من يرى الأشياء. أما هم فقالوا: لا نثبت السمع ولا البصر، ولكنه يعلم الأفعال التي تفعل، ويعلم الأقوال التي تقال.
ونرد عليهم من النظر: بأنهم أولوا السمع والبصر بالعلم، ولا يستلزم العلم السمع والبصر، فلو قلنا بقولهم فلابد أن ننفي صفتي السمع والبصر؛ لأن الأعمى يعلم بوجود سماء، وأرض، وجبال، وبحار، وهو لا يراها، فلا يستلزم العلم بوجود الجبال والسماء والأرض الرؤية. وكذلك لو أولنا السماع بالعلم فإننا سننفي صفة السمع. وهم لا يريدون نفي جميع الصفات مثل الجهمية الذين ينفون كل صفات الله جل وعلا، لكنهم قالوا: السمع بمعنى العلم، ويسمع الأقوال يعني: يعلم الأقوال، فنقول: العلم لا يستلزم السماع، فإذا كان هناك رجل أصم أو أبكم ويرى الناس يتكلمون يعلم بوجود كلام، وأصوات وحروف خارجة من هذه الأفواه، وهو مع ذلك لا يسمع، فلا يستلزم العلم السماع.
وهذه الصفات: السمع والبصر ومثلهما القدرة صفات ذاتية ذاتية، أي: لا تنفك عن الله. فهي أزلية أبدية.
وإذا اقترن السمع بالبصر أو اقترنت الصفة مع صفة أخرى وصفة ثالثة فإن هذا الاقتران يجعل الصفة الثانية والثالثة على كمال فوق كمال، فيزداد الكمال فيكون أكمل، فقولك: سميع بصير أكمل من أن تقول: سميع فقط، أو بصير فقط، فهذا زيادة في الكمال؛ ولذلك استحسن لمن يتوسل إلى الله جل وعلا أن يكثر من ذكر أسماء الله الحسنى التي يتوسل بها، وصفاته العلى.
وهو من الصفات الذاتية الخبرية، وسميت خبرية لأنه غير ممكن للعقل أن يأتي بها أبداً، وإنما ورد بها السمع، فهي صفة ذاتية لا تنفك عن الله، أزلية أبدية، وهي ثبوتية لأنها غير منفية، وهذه الصفة ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، ويمكن تجوزاً أن يكون لها دليل من العقل.
أما ثبوتها بالكتاب فقد قال الله تعالى: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:27]، ولو قال: (ذي) لكانت ترجع إلى قوله: (ربك).
وقال جل وعلا: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88]، فأضاف الوجه إلى الله جل وعلا، والمضاف إلى الله نوعان:
أعيان ومعان، فإضافة الأعيان هي إضافة تشريف، مثل: الكعبة بيت الله، عيسى روح الله، محمد رسول الله.
أما المعاني فهي إضافة صفة إلى موصوف، والوجه صفة من صفات الله أضيفت إلى الله جل وعلا.
وأما ثبوتها بالسنة ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الطويل قال: (وما بين القوم وبين أن يروا ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه سبحانه وتعالى)، فإذا كشفه رأوا الله جل وعلا.
وأيضاً في صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار، ويرفع إليه عمل النهار قبل الليل، حجابه النار) وفي رواية: (حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه).
والشاهد فيه قوله: (حجابه النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه) أي: وجه الله، فالهاء عائدة على الله جل وعلا، فالوجه مضاف إلى الله جل وعلا.
وقوله: (سبحات وجهه) أي: أنوار الله جل وعلا.
وأما ثبوته بالإجماع فقد أجمع سلف الأمة على أن لله وجهاً يليق بجلاله وكماله، لا يشبه وجه المخلوقين، كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]. ولا نكيف وجه الله جل وعلا الذي له العظمة والبهاء.
وقد وصف لنا الله جل وعلا بعض الصفات التي يتصف بها وجهه ومن هذه الصفات:
الصفة الأولى: أنه ذو جلال وإكرام، قال تعالى: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:27].
الصفة الثانية: البقاء، قال تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88] وهذه من صفات الله الأزلية الأبدية.
الصفة الثالثة: البهاء والعظمة، قال صلى الله عليه وسلم: (لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه) أي: بهاء الله جل وعلا، وعظمة وجه الله.
فهذه صفات وجه الله، وهي ثابتة بالكتاب وبالسنة وبإجماع الأمة، وله صفات البهاء والعظمة والجلال الإكرام والبقاء، فهذه صفات أزلية أبدية.
وعندما نعتقد أن لله وجهاً نشتاق لرؤية وجه الله جل وعلا، والمسلم إذا نظر إلى وجه الله فإن الجنة لا تعدل عنده شيئاً، فلا يمكن لنعيم أن يوازي نعيم النظر إلى وجه الله جل وعلا. ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (وأسألك لذة النظر إلى وجهك)، وإذا لم نعتقد أن لله وجهاً فكيف نسأل الله جل وعلا أن ننظر إلى وجهه الكريم؟!
قالوا: وأنتم شبهتم الخالق بالمخلوق؛ لأن المخلوق له وجه وله يد وله ساق، فشبهتم الخالق بالمخلوق، والخالق منزه عن ذلك.
وقالوا: إن الوجه المراد به الثواب، وما يراد به الوجه حقيقة.
فنقول: الرد عليهم من وجوه:
الوجه الأول: أننا نثبت لله وجهاً؛ لأن الله قد أثبته لنفسه، وقد أثبته له نبيه، ونحن لسنا بأعلم من الله جل وعلا، ولا أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله الذي يعلم بنفسه قد أثبت لنفسه وجهاً، والرسول الذي هو أعلم بربه من وحيه قد أثبت له الوجه. فآمنا بالله، وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنا برسول الله، وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله.
أما هذه المقدمة التي قدمتموها وأن فيه تشبيه الخالق بالمخلوق فهي مقدمة باطلة؛ لأننا نثبت لله هذه الصفة دون أن تشابه صفات المخلوقين؛ وذلك تحت قاعدة قعدها الله في كل صفاته، قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، والاشتراك في الاسم لا يستلزم التساوي في المسمى. فعندما أقول: لي يد، وللحيوان يد، وللفيل يد، وللحمار يد، فهل يد الإنسان تشبه يد الفيل؟ لا، وعندما أقول: بأن لي وجهاً، وللمعز وجهاً، فهل وجهي مثل وجه الماعز؟ الجواب: لا. إذاً: فلي وجه، ولله وجه. ووجه الله يليق بجلاله وكماله، ووجه الإنسان يليق بنقصه وضعفه.
إذاً: نثبت ما أثبته الله لنفسه دون أن يشابه المخلوقين.
وأما الرد عليكم بأن المراد بالوجه: الثواب فنقول: أولاً: خالفتم ظاهر القرآن. وظاهر القرآن هو ما قاله الله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88]، وقال جل وعلا: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:27]، فخالفتم الظاهر المعروف من الوجه، فإن الظاهر منه في اللغة معلوم، وإذا خالفتم هذا الظاهر وأولتموه فلا بد أن تأتوا بالقرينة؛ لأن الأصل في اللفظ أن يحمل على ظاهره إلا أن تأتي قرينة تصرفه عن الظاهر إلى المؤول، ولا قرينة لكم هنا.
ثانياً: خالفتم ظاهر حديث النبي صلى الله عليه وسلم، الذي هو أعلم الناس بكلام الله جل وعلا، وأعلم الناس باللغة العربية فإنه قال: (اللهم إني أسألك النظر إلى وجهك الكريم)، وقال في دعاء دخول المسجد: (أعوذ بالله العظيم، ووجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم)، فخالفتم ظاهر كلام النبي صلى الله عليه وسلم من دون قرينة صارفة للحديث عن ظاهره.
ثالثاً: لو تنزلنا معكم وقلنا: إن وجه الله هو الثواب، فكيف نعقل هذه الآية التي يقول فيها الله جل وعلا: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:27]؟
فإن تأويلها عندكم: ويبقى ثواب ربك ذو الجلال والإكرام. فهل الثواب عاقل حتى يوصف بأنه: ذو جلال وإكرام؟ وهل هناك عاقل يصف الثواب بأنه: ذو جلال وإكرام؟
بل الأشد والأنكى من ذلك، وهو الذي بين ضعف عقولكم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (حجابه النار أو النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه). وهذا تأويله عندكم: لأحرقت سبحات ثوابه ما انتهى إليه بصره من خلقه. وهذا عجيب جداً! وهو يبين ضعف تأويلكم. فإن الذي يحرق ما انتهى إليه بصره من خلقه هو وجه الله، وأنوار وجه الله، وبهاء وجه الله جل وعلا.
فقالوا: لا نؤول الوجه بالثواب، ونؤوله بأمر آخر، فنقول: الوجه بمعنى: الذات. والدليل على أن الوجه لا يراد به الوجه، وإنما يراد به الذات قول الله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88]، قالوا: فهل يهلك كل شيء ويبقى وجه الله فقط؟ قالوا: ولو قلنا: بأن الوجه هو الوجه فلا بد أن نقول بأن كل شيء هالك إلى وجهه، أي: أن كل شيء سيفنى، ولا يبقى إلا الوجه، وهذا كلام ليس بصحيح، فلابد أن نقول: إن الوجه هو: الذات، وهذا كلام قوي.
فنقول لهم: قول الله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88] فيها إثبات صفة الوجه، وكل: هنا للعموم، أي: كل شيء. ولكن كل لفظ عام مؤول في القرآن وفي السنة، أما في القرآن فكما قال الله تعالى: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ [الأحقاف:25] يعني: المساكن لم تدمر، مع أنه قال: تُدَمِّرُ كُلَّ يعني: كل شيء من المساكن والبيوت والناس، لكن بقيت المساكن، فنحن نؤول كل بمعنى: تدمر كل ما كان قابلاً للتدمير. فهو مخصوص بالعرف. وكذلك قوله: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ أي: كل شيء قابل للهلاك فهو هالك. أما ذات الله ويد الله وساق الله وبصر الله وعين الله فهذه صفات أزلية أبدية ليست قابلة للهلاك، فنقول: (كل) هنا ليست على العموم.
فقول الله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ يعني: يبقى وجه الله جل وعلا، وباللزوم إذا بقي الوجه يبقى الذات.
ونقول لهم: النبي عليه الصلاة والسلام غاير بين الوجه وبين الذات، فكيف تسوون أنتم بين الوجه وبين الذات؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم غاير بينهما، فعطف الوجه على الذات، وهذا العطف يدل على المغايرة؛ لأن الأصل في العطف المغايرة، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم) فذكر الذات، ثم عطف عليه صفة الوجه، وهذا العطف يدل على المغايرة، وأن الوجه غير الذات، بل الوجه صفة للذات، لأنها أضيفت إليه، كما قال الله تعالى: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ، فأضاف الصفة إلى الذات وهو الموصوف.
فنقول: نحن لا نخالفكم في هذا التفسير، وهذا التفسير لا ينافي إثبات الوجه لله.
وبيان ذلك أن بعض السلف أولوا الوجه في الآية على الجهة. والأصل في أي لفظ أن يكون على ظاهره، إلا أن تأتي قرينة تصرفه من الظاهر إلى المؤول، وهنا قرينة، وهي سبب النزول فسبب نزول الآية: أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا في سفر، واجتهدوا رأيهم أين القبلة، فتوجه كل منهم باجتهاده إلى جهة وصلى، ولكن خافوا ألا تقبل الصلاة؛ لأنهم أخطئوا القبلة، فطيب الله قلوبهم، وبين أن ثوابهم لا يضيع، فأنزل قوله تعالى: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115] أي: فهناك جهة الله جل وعلا، يعني: أينما تولوا وجوهكم باجتهاد فصلاتكم صحيحة، وثوابكم محفوظ عند الله جل وعلا، وأنتم مأجورون على ذلك.
فنقول: إن هذا لا يخالف الحق، فنثبت الجهة ونثبت الوجه لله؛ لأن عندنا الدليل الذي يفسر قول الله تعالى: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115] ووجه الله أحاط بكل شيء؛ لأن الله قد أحاط بكل شيء، فوجه الله أحاط بكل شيء، فأينما تولوا فهناك وجه الله، فوجه الله أحاط بكل شيء وهو على عرشه، ودليل ذلك حديث الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قام أحدكم يصلي فلا يبصقن أمام وجهه، فإن الله قبل وجهه)، فإن الله أحاط بكل شيء، ووجه الله أحاط بكل شيء. فنثبت لله الوجه، وأيضاً: نثبت له الجهة، ولا منافاة. فوجه الله ثابت، والجهة أيضاً ثابتة، فأينما تولوا وجوهكم فهناك جهة الله؛ لأن الله قد أحاط بكم.
إذاً: هذه الصفة الذاتية الخبرية ثابتة بالكتاب وبالسنة وبإجماع السلف.
فنقول: أولاً: ثبت العرش ثم انقش. فأكثر المحدثين على أن هذا الحديث ضعيف بزيادة: (الرحمن)، والاحتجاج فرع عن التصحيح، فإذا كان حديثاً ضعيفاً فلا نحتج به.
ثانياً: لو تنزلنا مع الخصم وقلنا: إن الحديث صحيح، ففي اللغة أن الضمير يعود على أقرب مذكور. وأقرب مذكور هو آدم، فالهاء: عائدة على آدم. أي: خلق الله آدم على صورته التي هو عليها، وهي: أن طوله ستون ذراعاً، وأن عرضه سبعة أذرع، وأن شعره كالشجرة.
فإن اعترض المعترض وقال: إن عندنا قرينة على أنها ترجع إلى الله، وذلك الحديث الذي في النسائي : (إن الله خلق آدم على صورة الرحمن).
فنقول: إن الله خلق آدم على صورة الرحمن، أي: له وجه كما أن لله وجهاً، وله ساق كما أن لله ساقاً، وله يد كما أن لله يداً، ولا يستلزم التساوي في اسم الصفة التشابه والتماثل في الصفة نفسها، فالله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].
وإذا اعترض علينا المعترض بأن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق آدم على صورة الرحمن)، قد صححه بعض العلماء، ومنهم: الشيخ الألباني رحمه الله فنقول: إن تأويله الصحيح عن من صحح إسناد هذا الحديث: (إن الله خلق آدم على صورته) أي: إن له وجهاً كما أن لله وجهاً، وله يد كما أن لله يداً، وله سمع كما أن لله سمعاً، وله بصر كما أن لله بصراً، وله ساق كما أن لله ساقاً.
أو أن الإضافة إلى الله هنا إضافة تشريف، ويكون التأويل الصحيح: إن الله خلق آدم على صورته أي له صفات كما أن لله صفات، له يد كما أن لله يداً، وله عين كما أن لله عيناً، وله سمع كما أن لله سمعاً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر