إسلام ويب

تفسير سورة غافر [77 - 78]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تواجه الإنسان في هذه الدنيا المشاكل والأزمات، ويجد الصعوبات والعقبات، وما لم يتسلح بالصبر فإنه سيهون أمامها ويلين، ولا يقدر على المواجهة والوقوف أمامها، والمسلم يواجه في حياته أهل الكفر والنفاق والشقاق ومكرهم وكيدهم للدين وأهله، وما لم يكن على هذا الخلق العظيم فإنه لن يقدر على الثبات والمواجهة، وتجده يتزلزل ويتراجع؛ ولذلك أمر الله بالصبر، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم به، وبينا عظيم أجره، وحسن عاقبته، من أجل أن يتمسك ويتخلق به المسلم في حياته، ويكون زاداً له أمام أهل الشقاق والكفر والنفاق.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فاصبر إن وعد الله حق.... )

    أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    أما بعد:

    قال الله عز وجل في سورة غافر: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ [غافر:77-78].

    يأمر الله عز وجل نبيه صلوات الله وسلامه عليه في هذه الآيات بالصبر، قال تعالى: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [غافر:77]، فإنه كما ابتلي صلى الله عليه وسلم وهو في مكة ابتلي أيضاً وهو في المدينة صلوات الله وسلامه عليه، فأمره ربه سبحانه بأن يصبر ويأمر المؤمنين كذلك بالصبر، وإذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصبر فهو أمر بالتبع للمؤمنين؛ لأنه قدوتهم صلى الله عليه وسلم، فأمروا أن يصبروا وأن يصابروا وأن يرابطوا وأن يجاهدوا في سبيل الله عز وجل، قال تعالى: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [غافر:77]، أي: إن وعد الله عز وجل لكم بإحدى الحسنين حق: إما النصر والتمكين، وإما الشهادة وقبض الروح فترجعون إليه ويجازي هؤلاء على ما فعلوا، قال تعالى: وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ [يونس:46] أي: فتبصر وترى ما توعدناهم وتهددناهم به، وما أخبرناك بأنه آتيهم من عذاب الله عز وجل، أو نقبضك إلينا ونتوفينك.

    وكلا الأمرين خير للنبي صلى الله عليه وسلم، فإما أن يقبضه الله عز وجل فيرجع إلى ربه الكريم سبحانه، فيدخله جنات النعيم فيكون خيراً له، أو أن الله سبحانه وتعالى يمكن له وينصره فيرى في أعدائه ما يشفي صدور المؤمنين، قال تعالى: فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ [غافر:77]، وهذا من كرمه سبحانه، فإنه لما هددهم سبحانه علم أن فيهم من يتوب ويرجع إليه فقال: بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ [غافر:77]، وليس كل ما وعدهم الله سبحانه، فقد يعفو عن البعض وقد يعذب البعض، وقد يؤخر الجميع إلى يوم يرجعون إليه سبحانه وتعالى ويفعل الله ما يشاء.

    قال تعالى: فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ [غافر:77]، أي: بعض ما توعدناهم به من العذاب وما هددناهم به من نزول العقاب (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) أي: نرجعك إلينا ونقبضك، قال تعالى: (فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ)، أي: الجميع سيرجع إلى الله، ثم يكون الجزاء والحساب والثواب والعقاب والجنة والنار.

    وقوله تعالى: (إِِلَيْنَا يُرْجَعُونَ)، هذه قراءة الجمهور، وقرأ يعقوب (إلينا يَرجِعون)، أي: يرجع كل إنسان إلى ربه فيجازيه بعمله إن خيراً فخيراً وإن شراً فشر.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك....)

    قال الله عز وجل: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ [غافر:78] يخبر الله سبحانه في هذه الآية أنه أرسل رسلاً قبل النبي صلى الله عليه وسلم، وأن هؤلاء الرسل كانوا من البشر، كما قال الله عز وجل: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [الرعد:38] فالله عز وجل أرسل الرسل وجعلهم من البشر، وجعل لهم أزواجاً وذرية، وابتلاهم عز وجل في هذه الدنيا، وقد كان هؤلاء الرسل والأنبياء كثيرين، قال تعالى: مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ [غافر:78] أي: أن الله عز وجل قص لنبيه صلوات الله وسلامه عليه بعضاً من هؤلاء فقط، فالقرآن ليس كتاب تاريخ وسير حتى يسرد له أسماء جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وإنما القرآن كتاب شريعة، وفيه من الحكم والمواعظ التي يعظ الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.

    بيان أن الله لا يعذب قوماً إلا بعد إقامة الحجة

    والله ما كان ليعذب قوماً حتى يقيم عليهم الحجج ويرسل إليهم الرسل وينزل عليهم الكتب، ثم بعد ذلك يجازيهم على أعمالهم، قال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15] أي: أننا نبعث الرسول ليقيم الحجة على الخلق، ثم بعد ذلك نعذب من عاند ومن جحد ومن شاق الله سبحانه.

    أكثر الرسل لم يذكرهم الله في كتابه

    قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ [غافر:78]، أي: أرسلنا كثيراً من الأنبياء والرسل، وقد ذكروا أن عدد رسل الله سبحانه الذين بعثهم ثلاثمائة وبضعة عشر رسولاً أو خمسة عشر رسولاً، وقد ذكر منهم في القرآن خمسة وعشرين بأسمائهم، وهم: آدم، وإدريس، ونوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، وأيوب، وشعيب، وموسى، وهارون، ويونس، وداود، وسليمان، وإلياس، واليسع، وزكريا، ويحيى، وعيسى، وذو الكفل -عند كثير من المفسرين- وخاتمهم وسيدهم محمد صلوات الله وسلامه عليه، ولم يذكر بقيتهم وهم الأكثرون، وكذلك لم يذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم.

    تكذيب الأقوام لرسلهم وسؤالهم الآيات

    قال تعالى: مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [غافر:78]، أي: لقد كانت عادة الأقوام الذين بعث إليهم الرسل التكذيب، فإذا جاءهم رسول من عند الله كذبوه وأعرضوا عنه وطلبوا منه آية على أنه رسول من عند الله، أو يشترطون عليه أن يعمل لهم ما اشترطوه، فقوم هود طلبوا من نبيهم آية، وكذلك قوم صالح، ومن قبلهم قوم نوح، وهكذا كل نبي بعثه الله إلى قوم كانوا يطلبون منه الآيات ويتعنتون معه، فيرسل الله عز وجل لهم الآيات، ويريهم ما سألوا، ومع ذلك يعرضون ويكذبون إذا جاءتهم الآيات الحسية التي طلبوا أن يروها ولم يؤمنوا بها، فإذا كان السابقون لم يؤمنوا فهؤلاء لن يؤمنوا، وقد جعل الله عز وجل الآية العظيمة والمعجزة الكبرى لرسوله صلى الله عليه وسلم هذا القرآن العظيم، وتحدى به الخلق جميعهم أن يأتوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة:23].

    ولما طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً وأن يبعد عنهم الجبلين اللذين في مكة من أجل أن تتوسع أرضهم؛ لأن أرضهم ضيقة، وأن ينزل عليهم من السماء أمطاراً غزيرة، وينزل عليهم من السماء ذهباً وفضة وينزل عليهم كتاباً من السماء، وتعنتوا فيما طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لم يجبهم ربنا سبحانه إلى ما سألوا وطلبوا؛ لأن الذين من قبلهم لما طلبوا الآيات ورأوها لم يؤمنوا، فهؤلاء مثلهم، فكان من رحمة الله عز وجل ألا يبعث هذه الآيات؛ فإن الله إذا أرسل آية من الآيات وكذب بها الخلق أتتهم العقوبة والاستئصال والإهلاك والتدمير، ولذلك من رحمة الله عز وجل أنه لم يعطهم ما سألوا من الآيات؛ لأنه علم أن الذين يطلبون هذه الآيات سيموتون على كفرهم كـأبي جهل وأبي لهب وغيرهم، فإذا أعطاهم الله عز وجل آية وحول لهم الصفا ذهباً فسيقولون عن النبي صلى الله عليه وسلم: ساحر، ويظلون على تكذيبهم، فيأتيهم العذاب من عند الله فيستأصلهم جميعاً، فمن رحمة الله أنه لم يعطهم الآية التي طلبوها؛ حتى لا يهلكهم ويبيدهم بعد ذلك، وهذا فضل منه ورحمة.

    تعذيب الله تعالى للمكذبين للرسل

    قال تعالى: فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ [غافر:78] أي: إذا جاء وعد الله وجاء العذاب من عند الله سبحانه وتعالى قضى بين هؤلاء بالعدل وبالحق في الدنيا وفي الآخرة، فإذا كذبوا وأعرضوا جاء العذاب، فكان قضاء الله الحق أن يستأصلهم جزاء بما كانوا يعملون، وإذا أخرهم ليوم القيامة قضى الله عز وجل بين عباده بالحق، وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ [غافر:78] والمبطلون: جمع مبطل، والمبطل: المدعي الكذب، وهو الذي يتكلم بالباطل وهو يعرف أنه باطل ومع ذلك يجادل فيه، فهو يلعب في الدنيا ويلهو ويجادل في آيات الله، وكأنه يتكلم بالحق في هذا الذي يقول ويعتقده وهو يكذب، ولذلك فضحهم الله عز وجل وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:33]، وهناك فرق بين من يكذب وهو يعتقد أنه كاذب، وبين من يكذب وهو يعتقد أنه صادق، فهنا يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: فإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ [الأنعام:33]، أي: لا يعتقدون أنك كاذب، وإنما هم مقرون بما تقول في أنفسهم، ولكنهم منكرون في الظاهر أمامك، وهذا هو الجحود، فهم يجحدون بآيات الله سبحانه مع اعترافهم وعلمهم أنها صواب وأنها من عند الله سبحانه وتعالى.

    قال تعالى: فإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ [غافر:78] أي: في يوم القيامة أو في وقت مجيء العذاب، قُضِيَ بِالحَقِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ [غافر:78] أي: في دعواهم أن مع الله آلهة، وحاشا له سبحانه وتعالى! وفي دعواهم أن النبي صلى الله عليه وسلم ساحر أو كاذب أو مجنون، فيخسرون حين يرون العذاب.

    أمر الله تعالى نبيه بالصبر

    وإذا كان الأمر كذلك فاصبر، كما قال تعالى: فاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف:35]، أي: كما صبر الرسل من قبلك فلست أقل منهم شأناً، قال تعالى: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ [الأحقاف:35]، فهذه الدنيا التي يراها الإنسان طويلة عريضة، ويراها زمناً طويلاً، ويرى فيها التكذيب والمحاربة لله سبحانه وتعالى ولرسوله عليه الصلاة والسلام فـ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ [الأحقاف:35]، أي: من العذاب، ويَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ [الأحقاف:35] أي: يوم الحساب، كأنهم ما لبثوا في هذه الدنيا إلا ساعة، قال تعالى: قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ [المؤمنون:113] قال تعالى: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ [الأحقاف:35]، أي: هذا بلاغ وإنذار من الله عز وجل. فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ [الأحقاف:35]، أي: لا يهلك إلا الإنسان الفاسق الذي خرج عن الإيمان وعن طاعة الرحمن وعن دين ربه سبحانه وتعالى، فهو الذي يستحق العذاب.

    فطمأن الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم وأمره بالصبر، فصبر النبي صلوات الله وسلامه عليه، وقد أمره الله عز وجل بالصبر في السور المكية وفي السور المدنية فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200] وهذه في سورة آل عمران وهي مدنية.

    فضل الصبر

    وأما عن فضل الصبر فيقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (ما أعطي عبد عطاء خيراً له ولا أوسع من الصبر)، فالله يرزق العبد الكثير من فضله، ومن أعظم ما يعطيه الله عز وجل للعبد الصبر، فيتجلد لما ينزل به من عند الله سبحانه ويصبر، ويطيع الله سبحانه ولا يعصيه ويصبر على الآلام والأوجاع، وعلى أذى الكفار والمشركين، وعلى الدفاع عن هذا الدين، فيدافع عنه ويجاهد أعداءه ويصبر في ذلك.

    ومما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الصبر أيضاً.

    قوله: (إذا أحب الله قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)، فيبتليهم الله عز وجل بما يشاء ليرفع درجاتهم ويكفر خطاياهم ويعطيهم من فضله سبحانه، فإذا رضي الإنسان عن ربه سبحانه وصبر فله الرضا.

    وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم أعظم الراضين عن ربه سبحانه وتعالى، فكان يصبر ويرضى، ففي يوم أحد لما هزم المسلمون هزيمة شديدة وصعبة وقتل فيها عمه حمزة وبقرت بطنه رضي الله تبارك وتعالى عنه، ورأى صلى الله عليه وسلم في أصحابه قتلاً شنيعاً صعباً، فعندما انتهى القتال قال: (قوموا نحمد الله، فأقام أصحابه وراءه صفاً، وقام حامداً ربه سبحانه وتعالى بمحامد ذكرها صلوات الله وسلامه عليه، فقال: لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت..)، وذكر كلاماً كثيراً صلوات الله وسلامه عليه، فحمد ربه سبحانه وتعالى ثم تعوذ بالله سبحانه وتعالى من الخوف يوم القيامة ومن الفزع الأكبر ومن يوم العيلة ومن غيرها.

    فيحمد ربه وهو في موقف الضعف وهو في موقف الهزيمة، فقد كان يحمد الله على كل حال ليعلم المؤمنين ألا يتسخطوا على ربهم أبداً.

    وقال صلى الله عليه وسلم: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له)، وهذا كما في الحديث السابق: (فمن رضي فله الرضا).

    فالإنسان إذا نزلت به المصيبة إما أن يصبر صبر الكرام، وإما أن يسلو سلو البهائم، فالبهيمة عندما تنزل بها المصيبة تصرخ مدة ثم تسكت، فإذا كان الإنسان يصرخ كذلك إذا نزلت به البلية ثم في النهاية يسكت فقد أشبه البهيمة، وأما إذا تصبر وانتظر أمر الله سبحانه وقال: يا رب يا رب، وطلب الفرج من الله عز وجل فهذا صبر الكرام، فإما أن يصبر صبر الكرام وإما أن يسلو سلو البهائم، ومن رضي عن الله فله الرضا، أي: يرضى الله سبحانه وتعالى عنه، وإذا رضي الله عنه جعل قلبه مليئاً بالرضا.

    وكم رأينا من بلاء ينزل بالصالحين فيصبرون الصبر العظيم، وأعظم من صبر أيوب على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فقد أعطاه الله عز وجل المال فصبر وحمد الله، ثم أخذ منه المال والصحة والولد فصبر وحمد الله سبحانه وتعالى، واستمر ثمان عشرة سنة في البلاء، فجعله الله آية للخلق في الصبر العظيم، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بهؤلاء، قال تعالى: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف:35]، وقال تعالى: اصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [غافر:77].

    نسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756820659