إسلام ويب

شرح زاد المستقنع باب الهدي والأضحية والعقيقة [1]للشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الهدي والأضحية والعقيقة دماء مشروعة، تختلف في بعض أحكامها عن بعض وتتفق في البعض الآخر، وكلها جاءت به الأدلة الشرعية الدالة على وجوبها أو على استحبابها، وهناك عيوب إذا وجدت في الذبيحة منعت من إجزائها، وكلها مبينة واضحة فيما ذكره الشيخ.

    1.   

    أحكام الهدي والأضحية والعقيقة

    قال المصنف رحمه الله: [باب الهدي والأضحية والعقيقة].

    تعريف الهدي

    قوله رحمه الله: (باب الهدي) الهدي: مأخوذ من الهدية، وهو ما يهدى إلى البيت الحرام، والله سبحانه وتعالى وصف ما يساق إلى البيت بأنه هدياً، فقال سبحانه وتعالى: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة:95].

    أقسام الهدي

    الهدي يكون واجباً ويكون مندوباً؛ فأما الواجب: فإنه يكون في جزاء ما قتل من النعم وهو محرم، كأن يقتل بقر الوحش فيهدي إلى البيت بقرة من بهيمة الأنعام، أو يقتل نعامة فيهدي إلى البيت ناقة، ونحو ذلك.

    وأما غير الواجب، فهو في حكم الهدي الواجب؛ كأن ينذر ويقول: لله عليَّ أن أهدي إلى البيت، فإذا نذر فلا يخلو نذره من أحوال:

    الحالة الأولى: أن يقيد الهدي ويبين نوعه، وحينئذٍ يكون الهدي مقيداً بما ذكر، كأن يقول: لله عليَّ أن أهدي إلى البيت شاة، أو جذعاً من الضأن، أو ثنياً من المعز، أو تبيعاً، أو مسنة، أو نحو ذلك، فإذا عين وحدد فإنه يلزمه ما التزم به من التحديد.

    الحالة الثانية: أن يطلق فيقول: لله عليَّ أن أهدي إلى البيت. فإذا أطلق فقد بعض العلماء: من أطلق في هديه وقال: لله عليَّ أن أهدي إلى البيت؛ فإنه لا يجزيه إلا ما يجزي أقل دم واجب، وذلك هو الثني من المعز، أو الجذع من الضأن، فإذا أرسل جذعاً من الضأن أو ثنياً من المعز أجزأه، ولا يجزي ما كان دون ذلك. وقال بعض العلماء: يجزيه أقل شيء، ولو أهدى إلى البيت بيضة، أو صاعاً من تمر أو بر؛ والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من راح في الساعة الأولى فكأنما أهدى بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما أهدى بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما أهدى كبشاً ..) إلى آخر الحديث، وفيه: (كأنما أهدى بيضة)، والرواية في الصحيح: (كأنما قرب)، قالوا: وعلى هذا فإنه يجزيه أقل ما يصدق عليه أنه هدية، حتى ولو كان يسيراً من الطعام فإنه يجزيه ولا شيء عليه. وإن كان القول الأول أقوى وأرجح إن شاء الله تعالى؛ لأن الله تعالى قال: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة:95]، وخصص ذلك بقوله: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة:95] ، فخص الهدي ببهيمة الأنعام، وعلى هذا فإنه لا يجزيه إلا ما يجزي في الدماء الواجبة على التفصيل الذي ذكرناه.

    حكم الهدي

    وكان الهدي سنة قديمة، وكانوا في الجاهلية يهدون إلى البيت الحرام. والمراد بهدية البيت: أن يبعث الإنسان بإبله أو بقره أو غنمه؛ فتذبح في مكة وتكون طعمة للفقراء، وكانت العرب في جاهليتها الجهلاء وضلالتها العمياء إذا رأوا هذا النوع من بهيمة الأنعام لا يتعرضون له؛ تعظيماً لحرمة هذا البيت، ولذلك قال الله تعالى: لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ [المائدة:2] ، فوصف الله عز وجل ما يهدى إلى البيت بأنه من شعائر الله، وشعائر الله كل ما أشعر الله بتعظيمه، ومن ذلك ما يهدى إلى بيت الله عز وجل، وقد أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجمعت الأمة على مشروعية الهدي للبيت، وهذه السنة أضاعها كثير من الناس إلا من رحم الله، حتى إنها تكاد تكون غريبة في هذا الزمن، ويسن للإنسان ويشرع له أن يبعث إلى البيت ويهدي إليه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى مكة وأهدى إلى البيت في حجته التي تخلف عنها حينما بعث أبا بكر رضي الله عنه وعلياً لينادي في الناس.

    تعريف الأضحية

    قال رحمه الله: (والأضحية).

    الأضحية واحدة الأضاحي، وهي مأخوذة من الضحى؛ والسبب في ذلك: أنها تذبح في ضحى يوم النحر، وهذا من باب تسمية الشيء بزمانه؛ لأن الشيء يسمى بزمانه ويسمى بسببه وبوقته، فيقال مثلاً بالزمان: أضحية، ويقال بالسبب: صلاة الاستسقاء، من باب إضافة الشيء إلى سببه؛ لأن صلاة الاستسقاء سببها القحط وطلب السقيا، وصلاة الكسوف سببها كسوف الشمس وخسوف القمر.

    والأضحية سنة من سنن المرسلين، ولذلك ندب النبي صلى الله عليه وسلم إليها بقوله وبفعله، وأجمع المسلمون على شرعيتها، ففي الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال في خطبته يوم النحر: (من ذبح قبل الصلاة فليذبح أخرى مكانها، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله).

    حكم الأضحية

    وقد اختلف العلماء رحمهم الله في حكمها: هل هي واجبة، أو ليست بواجبة؟

    وذلك على قولين مشهورين:

    القول الأول: قال بعض العلماء: الأضحية واجبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ذبح قبل الصلاة فليذبح أخرى مكانها، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله) ، فألزمه بالقضاء، فدل على وجوبها ولزومها.

    ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا) ، وهو حديث مختلف في إسناده، وإن كان العمل عند جمع من المحدثين على ضعفه.

    وكذلك قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى، وضحى من بعده الخلفاء الراشدون، ولم يؤثر عن واحد منهم أنه ترك الأضحية، ولذلك حُكم بوجوبها.

    ولما سئل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: هل الأضحية واجبة؟ قال: (ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم وضحى المسلمون، فقال له السائل: يا أبا عبد الرحمن ! إنما أسألك أهي واجبة؟ فرد عليه بقوله: أتعقل! ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم وضحى المسلمون)، أي: كيف تتركها وهي بهذه المثابة؟ ولم يرخص للرجل في تركها، وهذا يؤكد القول بوجوبها ولزومها.

    القول الثاني: قال جمهور العلماء بعدم وجوب الأضحية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (ضحى بكبشين أملحين، وقال في أحدهما: اللهم هذا عمن لم يضح من أمة محمد)، وأجيب: بأن هذا الحديث يحتمل: (عمن لم يضح من أمة محمد) جبراً لنقصه، ويحتمل أن يكون المراد به: عمن لم يضح وهو مختار، ولذلك قالوا: إذا تطرق إلى الدليل الاحتمال بطل به الاستدلال. وأيناً ما كان فلا ينبغي للمسلم أن يفرط في هذا الخير العظيم والثواب الكبير؛ فيترك هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده القدرة على الأضحية.

    وإنما تكون الأضحية على من قدر عليها ووجد السعة لكي يضحي، وينبغي للمسلم أن يحرص على وجود هذه السنة في بيته يوم النحر، وليس بالمستحب أن يترك هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخلو بيته من هذه الشعيرة، ولذلك ما زال المسلمون يجدون هذه الأضحية في بيوتهم يوم النحر، حتى كان بعض العلماء يقول: أستحب للحاج أن يترك أضحيته في بيته، ولما سئل عن ذلك قال: لأن صغار المسلمين إذا ألفوا هذه السنة في بيوتهم اعتادوها ونشئوا عليها، ولكنه إذا اعتاد الحج وضحى في حجه؛ خلا بيته عن هذه السنة.

    وقد استحب بعض مشايخنا رحمة الله عليهم أن من أراد أن يتفضل بالأضحية ويتصدق بها في غير بلده، فإنه يضحي عن نفسه في بيته، ثم إذا أراد أن يتصدق في خارج بلاده أو خارج مدينته، فإنه يجعل ذلك فضلاً عن أضحيته في بيته، ولا يجعل أضحية بيته صدقة خارجة عن بيته وبلده؛ والسبب في هذا كله: أن ينشأ أبناء المسلمين وبناتهم على هذه السنة وعلى هذه الشعيرة، فلا تخلو منها بيوت المسلمين، خاصة في هذا اليوم، ولذلك فإن عيد الأضحى يتميز بالأضحية، وقد سمي اليوم يوم النحر وعيد الأضحى لوجود هذه الشعيرة العظيمة التي لا ينبغي التفريط فيها.

    والأضحية لها سنن وآداب وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، واعتنى العلماء والفقهاء رحمهم الله ببيانها؛ فناسب أن يذكرها المصنف بعد الهدي؛ والسبب في هذا واضح: وهو أن الهدي يكون في الغالب في يوم النحر، ومتصل بالحج، فلما فرغ رحمه الله من أحكام الحج وأحكام الفوات والإحصار -وفي الفوات والإحصار الدم الواجب- ناسب أن يتكلم عن أحكام الهدي، وأن يبين ما الذي يجزي وما الذي لا يجزي في الهدي، ثم أتبع ذلك بالأضحية؛ لاشتراك الكل في الزمان، وأتبعه بالعقيقة؛ لوجود المناسبة من جهة تفصيل أحكام الدم في كلٍ.

    أحكام العقيقة

    قال رحمه الله: [والعقيقة].

    وهي ما يعق به عن المولود، ووصفت بذلك؛ لأن المولود يحلق شعره وتذبح عقيقته، والعقيقة: شعر المولود، فلما وجد الحلق لهذا الشعر وصفت بذلك وقيل لها: عقيقة، والعقيقة تعتبر أيضاً من سنن النبي صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه، فقد عق عن الحسن والحسين، وعق عن ولده صلوات الله وسلامه عليه، تشريعاً للأمة، وفيها نوع شكر لله عز وجل على نعمة الولد، وأن الله سبحانه وتعالى لم يقطع عن الإنسان الذرية، وفيها تضمن إثبات أنساب الناس، فإن الناس يعرفون الأنساب عن طريق العقيقة؛ إذ تذبح العقيقة ويدعى لها الناس، فيسألون: ما هذا المولد: أذكر أم أنثى؟ فيثبت للإنسان نسبه، ولكن إذا خلا هذا الاجتماع فإن الناس يتكاثرون ويتوالدون ولا تعرف أنسابهم، ولا تحفظ الذرية.

    كما أن فيها هذا المعنى العظيم الذي يشعر بالتفرقة بين السفاح والنكاح، فإن السفاح والزنا -والعياذ بالله- تكون ولادته خفية، وهي عار على من بلي به -نسأل الله السلامة والعافية- ولكن النكاح يشهر في ابتدائه، كما قال صلى الله عليه وسلم: لـعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه: (أولم ولو بشاة)، وكذلك جعل العقيقة عند وجود أثر النكاح من الولد، كل ذلك ليفرق بين ما شرع الله من النكاح وبين ما حرمه من الزنا والسفاح.

    وقول رحمه الله: (باب الهدي والأضحية والعقيقة)، كأنه يقول: سأذكر لك في هذا الموضع جملة من الأحكام والمسائل المتعلقة بالهدي والأضحية والعقيقة.

    أفضل الذبائح

    قال المصنف رحمه الله: [أفضلها إبل، ثم بقر، ثم غنم].

    الأفضل: هو الأعظم ثواباً والأكثر أجراً، والتفضيل إنما يكون بدليل الشرع، فلا تَفْضُل عبادة على عبادة ولا طاعة على طاعة إلا بدليل من الكتاب أو السنة أو إجماع الأمة، وليس التفضيل بمحض الهوى واختيار الإنسان وحبه، وإنما هو من شرع الله عز وجل، ولذلك يتوقف في الفضائل، ولا يحكم بها إلا بدليل، وليس لأحد أن يحكم ويجزم بتفضيل طاعة على طاعة وقربة على أخرى إلا بدليل من الشرع، وعلى هذا ابتدأ المصنف رحمه الله ببيان أفضل الهدي وأفضل الأضحية وأفضل ما يعق به، فقال رحمه الله: (أفضلها) والضمير عائد إلى هذه الثلاث.

    قال: (أفضلها إبل) والدليل على تفضيل الإبل: أن الله سبحانه وتعالى امتنَّ بها على عباده، فقال سبحانه: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [الحج:36] ، فأخبر سبحانه أنها من شعائره، وهذا بسبب ما يكون فيها من الخير، كما قال تعالى: لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ [الحج:36] ، والخير الموجود في الإبل يدل على فضلها؛ لأنها أعظم جسماً وأكثر لحماً، وهي عند الناس أعز وأشرف، ولذلك لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يذكر فضل الدنيا وفضل ما يكون منها اختار منها حمر النعم؛ وهي الإبل الحمراء؛ لأنها عزيزة، ولما أراد الله سبحانه وتعالى أن يصف أهوال الآخرة وشدائد ما يكون في الرجفة بين يدي الساعة قال سبحانه: وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ [التكوير:4]، فالناقة العشراء الولود من أعز ما يكون على الإنسان، وعلى أهله.

    فالإبل هي أفضل بهيمة الأنعام من عدة وجوه: من جهة ما يكون منها من الخير في ركوبها، والوبر الذي يكون منها، وحمل الأثقال عليها: وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الأَنفُسِ [النحل:7]، وهي السيارة التي يسيرون عليها، وجعل الله فيها من الخصائص والمميزات -بقدرته وعظمته جل جلاله- ما تحار فيه العقول من جهة صبرها على السفر، وتحملها لمشقة الظمأ والعطش أياماً عديدة، فيجد الناس فيها من قضاء المصالح ما الله به عليم، وأعجب ما يكون أنك تراها مع عظم جثتها وضخامتها يقودها الولد الصغير! فهو يأخذ بخطامها فتسير معه حيث سار، وكل ذلك بفضل الله سبحانه وتعالى، فلولا تسخير الله عز وجل لها لم يستطع هذا الغلام أن يقود هذه الدابة، ولربما فتكت به في طرفة عين، فإن البعير إذا هاج ربما يذعر القرية بكاملها؛ لأنه يفتك بالإنسان ويقتله، ولربما قتل صاحبه إذا كان به غل عليه، ينتظر نومه أو غفلته فيبرك عليه فيقتله، ولربما يعضه حتى يقضي ما بيده، ولربما ينزف حتى يموت، ويفعل الأفاعيل التي قد يعجز عنها العدد الكثير من الناس، ففيه قوة وبطش وحنق وغيظ، ولكن الله سبحانه وتعالى يلطف بلطفه.

    فهذا النوع من بهيمة الأنعام لا إشكال في أنه الأفضل؛ لما جعل الله فيه من الخصائص والمميزات، ولأنه أعز ما يملكه الناس، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن: (أعظم الرقاب أجراً أنفسها وأغلاها عند أهلها) ، ثم إن الإبل أكثر ثمناً، والأغلى ثمناً أعظم أجراً؛ لأن فيه مشقة البذل ومشقة الصدق، ولذلك سميت الصدقة صدقة؛ لأن المسلم يصدق فيها، أو تدل على صدق محبته لله عز وجل، وإيثاره للآخرة على الدنيا.

    وأما الدليل الذي دل على تفضيل الإبل على البقر فصريح قوله عليه الصلاة والسلام: (من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في السعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً)، فجعل الساعة الأولى للإبل، والثانية للبقر، والثالثة للغنم، ومعلوم أن مشقة الساعة الأولى أعظم، ومن هنا دل هذا الحديث على تفضيل الإبل على البقر والغنم.

    وذهب الإمام مالك رحمه الله إلى أن الأفضل في الأضحية الجذع من الضأن؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى به، ولا يختار الله لنبيه إلا الأفضل، ولحديث: (إن الجذع أفضل من الإبل)، وفيه أن الله تعالى اختاره فداء لنبيه إسحاق عليه السلام.

    فقالت المالكية: إن الضأن أفضل من الإبل في الأضحية فقط، وأما في الهدي فالإبل أفضل؛ فكأنهم رأوا خصوص ورود النص في الأضحية في الضأن. وهذا القول مرجوح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الإبل أفضل من البقر والغنم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قد يترك الأفضل وهو يحبه -كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها- شفقة على الأمة، ولذلك قال الجمهور: لا يمتنع أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بالكبش لأنه أيسر على الناس، ولذلك ففيه الجذع، والجذع أقل سناً من الثني من الماعز ومن الثني من البقر ومن الثني من الإبل، فكأنه يريد الرفق بالأمة، ومن هنا قالوا: إن هذا لا يستلزم أنه أفضل.

    وأما تفضيل الضأن على الإبل بحديث الفداء، فحديث الفداء ضعيف سنداً ومتناً، أما سنداً: فلأنه من رواية إسحاق الحنيني، وهو ضعيف. وأما بالنسبة للمتن: فلأن فيه: (أن الله اختاره فداء لإسحاق)، والذبيح إنما هو إسماعيل وليس إسحاق عليهما السلام، على أصح قولي العلماء كما لا يخفى؛ والسبب في ذلك: أن التي كانت بمكة إنما هي هاجر، والولد ولدها، ولو كان الذبيح إسحاق لكان النص يعتني بإيراده من الشام إلى مكة، وهذا واضح وظاهر، ومن الأدلة التي تقوي أن الذبيح إسماعيل: أن الله تعالى يقول في نفس الآية: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ [هود:71]، فكيف يبشره بأن إسحاق سيلي يعقوب، ثم يأمره بذبحه؟!! ولذلك قالوا: إن الذبيح إنما هو إسماعيل؛ لأن الله ذكر البشارة بإسحاق بعد إسماعيل، وهذا يدل على أن الذبيح إسماعيل، فذكر قصة الذبح لإسماعيل، ثم بعد ذلك أتبعها بالبشارة: وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ [الصافات:112]، ويدل عليه أيضاً قوله عليه الصلاة والسلام: (أنا ابن الذبيحين)، وذلك واضح من جهة أبيه عبد الله وجده إسماعيل عليه الصلاة والسلام.

    وعلى هذا فالذي يظهر أن الأفضل في بهيمة الأنعام -سواء كانت هدياً أو أضحية- أن نقدم الإبل ثم البقر ثم الغنم؛ لثبوت السنة بالتفضيل.

    قال رحمه الله: (ثم بقر)؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للصحابة أن يشترك السبعة في البعير والبقرة، وضحى عليه الصلاة والسلام عن نسائه ببقرة، فجعل البقرة منزلة البعير من جهة الاشتراك، لكن البقرة دون البعير في الفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الساعة الأولى للإبل، والثانية للبقر، ولأن الإبل أوفر لحماً من البقر -كما لا يخفى- وأطيب عند الناس، وأفضل من لحم البقر، وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن لحم البقر داء ولبنه شفاء)، وهذا صحيح، فإن لحم البقر خاصة في البلاد الحارة يضر بالبدن، وأما بالنسبة للحم الإبل فإنه أطيب، وليس فيه ما في لحم البقر.

    وقد ذكر الأطباء القدماء والمعاصرون هذا الكلام، فمما ذكره الأطباء القدماء: أن لحم البقر يثير السوداء، والسوداء: هي إحدى الخصائص الأربع الموجودة في البدن، فإذا هاجت في الإنسان فإنها تورث الوسوسة، وتؤثر في عقله، وفيها ضرر، فالأطباء لا يحمدون لحمه كما يحمد لحم الإبل، وفي لحم الإبل زهومة وقوة، ولذلك أمر بالوضوء منه؛ أو لما فيها من الشياطين، كما تقدم معنا في مباحث الوضوء ونواقضه.

    وقوله: (ثم غنم) يشمل الزوجين من الغنم: الماعز والضأن، والضأن هو الذي يسميه العامة (الطلي)، وقد اختلف العلماء هل الأفضل الضأن أو الماعز؟ والصحيح: أن الضأن أفضل؛ وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اختاره من بين الغنم، ولأن لحم الضأن أطيب من لحم الماعز، ولذلك قالوا: إنه في الغنم يفضل الضأن على الماعز، مع أن سن الضأن دون سن الماعز؛ ولكنه فضل من جهة حب الناس له، وطيب لحمه، وقد يكون في كثير من الأحوال أوفر لحماً من الماعز.

    ما يجزئ ذبحه

    قال رحمه الله: [ولا يجزئ فيها إلا جذع ضأن وثني سواه].

    الجذع: هو الذي أتم ستة أشهر، ويختلف بحسب اختلاف المرعى، فبعضه يجذع بعد الستة الأشهر؛ لقوة المرعى، وبعضه لا يكون جذعاً إلا بعد ثلاثة أرباع الحول إلى ثمانية أشهر، وبعضه يكون جذعاً قريباً من السنة، وهذا يختلف -كما ذكر أهل الخبرة- باختلاف المرعى، ولكن الغالب أن الجذع إذا أتم ستة أشهر ودخل في أكثر السنة فإنه يكون جذعاً من الضأن، وأما بالنسبة للثني فهو ثني ما سوى الجذع من الضأن، فالمراد به: ما أتم سنة من الماعز ودخل في الثانية، وما أتم الثانية ودخل في الثالثة بالنسبة للبقر، وأما بالنسبة للإبل فهو ما أتم الرابعة وطعن في الخامسة، هذا هو الثني من الماعز والثني من البقر والثني من الإبل، ويسمى بالمسن، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) ، فقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تذبحوا إلا مسنة) يدل على أن الاعتبار بالمسنة إنما هو في الإبل والبقر والغنم، وكذلك أيضاً قوله: (إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) قالوا: إن الجذع من الضأن يوفي ما يوفي منه المسن فيما سواه.

    ثم يقول رحمه الله: [ فالإبل خمس، والبقر سنتان، والمعز سنة، والضأن نصفها].

    على ما ذكرناه، فستة أشهر فأكثر بالنسبة للضأن، وسنة كاملة بالنسبة للماعز، وسنتان بالنسبة للبقر، واستتمام الرابعة والدخول في الخامسة بالنسبة للإبل.

    قال رحمه الله: [وتجزئ الشاة عن واحد، والبدنة والبقرة عن سبعة].

    قوله: (تجزئ الشاة عن واحد)، هذا فيه تفصيل: أما الأصل فإنها تجزئ عن الرجل وعن المرأة، ولكن تجزئ عن الرجل وأهل بيته أيضاً؛ لأن أبا أيوب رضي الله عنه ذكر أن الشاة كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تجزئ عن الرجل وأهل بيته، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم هذا عن محمد وعن آل محمد)، فأدخل عليه الصلاة والسلام آله، ولذلك قالوا: تجزئ عن الرجل وأهل بيته، والمراد بأهل البيت: الزوجة والأولاد، وفي الأولاد تفصيل: فمن استقل من الأولاد بنفقته فلا يدخل، وتكون له أضحيته، فيضحي عن نفسه، وأما إذا كان تبعاً في البيت وكأنه واحد من أهل البيت، فحينئذٍ لا إشكال في دخوله، وإذا ملك القدرة فإنه يضحي عن نفسه، خروجاً من الخلاف.

    وقوله: (والبدنة والبقرة عن سبعة)؛ لحديث جابر رضي الله عنه كما روى مسلم في صحيحه، وقد وقع هذا في صلح الحديبية، فكانوا يشتركون السبعة في البعير، والسبعة في البقرة، وعلى هذا فإن البقرة تجزئ عن سبعة، والبدنة تجزئ عن سبعة، فلو اشترك السبعة في بقرة واحدة أو بعير واحد أجزأهم ذلك.

    1.   

    أحكام عيوب الأضحية

    يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ولا تجزئ العوراء].

    شرع المصنف رحمه الله في بيان جملة من المسائل والأحكام التي تتعلق بالأضحية والهدي ونحوهما من الدماء الواجبة؛ حيث ابتدأ بهذه الجملة في بيان ما ينبغي أن تكون عليه البهيمة من السلامة من العيوب، فإذا أوجب الله على المكلف ذبحها؛ فينبغي أن تكون سالمة من العيوب. وقد نص رحمه الله على هذه الأحكام، وهي التي تسمى: أحكام عيوب الأضحية، ونص عليها بالأضحية لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على بيان العيوب التي تؤثر في الأضحية؛ ففي الحديث الصحيح عن البراء بن عازب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قام خطيباً فقال: (أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عروها، والعرجاء البين ضلعها، والمريضة البين مرضها، والكسيرة -وفي رواية: الكبيرة- التي لا تنقي) ، فبيّن عليه الصلاة والسلام ما ينبغي أن تكون عليه البهيمة من السلامة من العيوب، سواء كانت من الغنم أو البقر أو الإبل، فلا بد من أن تكون سالمة من هذه العيوب الأربعة.

    ولما نص عليه الصلاة والسلام على هذه الأربع نبه على ما هو أولى منها وأشد، وذلك أنه حينما بين أن العوراء لا يجوز أن يضحى بها فمن باب أولى العمياء، ولما نص على أن العرجاء لا يضحى بها فمن باب أولى المشلولة.

    أقسام عيوب الأضحية

    وقد تكلم العلماء رحمهم الله عن هذه العيوب وفصلوا فيها؛ فقسمت إلى قسمين:

    القسم الأول: عيوب منصوص عليها، وهي العيوب التي بيّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث البراء المذكور.

    القسم الثاني: مقيسة وملحقة بالمنصوص عليها، وهذا النوع المقيس والملحق إما أن يكون قياسه من باب أولى؛ كالعمياء والشلاء، وإما أن يكون قياسه عند تساوي العلة فيه، بمعنى: أن يكون العيب متحداً من جهة تأثيره في اللحم أو القيمة؛ على اختلاف بين العلماء في بيان تحقيق المناط في هذا القسم.

    العوراء

    قوله رحمه الله: (ولا تجزئ العوراء): المراد بالعور: ذهاب نور البصر في إحدى العينين، وأصل العور في لغة العرب: النقص، ولما نقص بصر البهيمة نقصت قيمتها.

    وأما كونه لا يجزئ أن يضحى بالأضحية إذا كانت عوراء، فذلك هو نص قوله عليه الصلاة والسلام: (العوراء البين عورها)، والشاهد: أنها إذا كانت عوراء فإما أن يذهب نور العين بالكلية، وإما أن يكون نور العين موجوداً ولكن بشكل ضعيف، فإن ذهب نور العين بالكلية بحيث لا تبصر ألبتة، ويعرف ذلك بطريقة ما، كأن تربط عينها المبصرة وتترك لتسير، فإن لم تسر كما كانت تسير، أو خبطت في مشيها، أو امتنعت وتوقفت؛ دل ذلك على أنها لا تبصر بعينها، فإذا كان بصرها قد ذهب في إحدى العينين فلا يجزئ أن يضحى بها.

    لكن العلماء رحمهم الله قسموا العوراء إلى قسمين:

    القسم الأول: ما كانت فيه العين قائمة.

    والقسم الثاني: ما كان تلف العين ظاهراً عليها.

    أما الذي تكون فيه العين قائمة؛ فإنك ترى البهيمة وكأنها مبصرة -وهي العين التي تسمى بالقائمة- ولا تستطيع أن تقول: إنها عوراء، أو أن بصرها قد ذهب. فهذا النوع يقول فيه بعض العلماء: إذا كانت العين قائمة فإنه يجوز أن يضحى بها؛ لأن قيام العين لا يمنع من الانتفاع من أكل العين، وكأن المنع من التضحية بالعوراء أنه لا ينتفع بالعين، وذلك عند طبخها وأكلها، فإنه يكون نقصاناً في خلقتها ونقصاناً في الانتفاع بها.

    وقال بعض العلماء: إنما أثر هذا العيب لكونها إذا كانت عوراء لم تستطع أن ترعى كأخواتها، فأضر ذلك برعيها وطعامها، ومن ثم تتضرر في لحمها، وينبني على ذلك مسائل:

    المسألة الأولى: الحكم في قوله عليه الصلاة والسلام: (العوراء البين عورها) يدل دلالة واضحة على أن البهيمة إذا كانت لا تبصر بإحدى العينين فإنه لا يجزئ أن يضحى بها، سواء كانت عينها موجودة أو غير موجودة، فإن قوله: (البين عورها) البين: من البيان، يقال: بان الشيء إذا اتضح، ومنه قولهم: بان الصبح، إذا اتضح وبدا ضوؤه، فقوله: (البين عورها) أي: التي يكون العور فيها مؤثراً، والمراد بذلك وجوده حقيقة، ومفهوم قوله: (البين عورها) أنها إذا كانت تبصر نوع إبصار ولو كان ضعيفاً، فإنه يجوز أن يضحى بها؛ لأن المراد بالعور ذهاب البصر، وهذا هو المقصود من قوله: (البين عورها)، سواء كانت العين موجودة أو غير موجودة.

    المسألة الثانية: إذا قلنا: إن العوراء لا يجوز أن يضحى بها، فما حكم العمياء؟

    جمهور أهل العلم رحمهم الله على أن العمياء لا يجوز أن يضحى بها؛ وذلك لأن العين مما يستطاب ويؤكل، فهي ناقصة لعضو من أعضائها، ولذلك قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن العوراء لذهاب جزء هذا العضو، فمن باب أولى إذا ذهب بالكلية.

    وقالت الظاهرية: الحكم يختص بالعوراء، والعمياء يجوز أن يضحى بها. وهو قول مرجوح؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم نبه بالأدنى على الأعلى، فلما قال لنا: إن العوراء لا يجوز أن يضحى بها -وهو صريح قوله في الحديث الصحيح- فإن هذا يدل دلالة واضحة على أن ذهاب البصر بالكلية يعتبر عيباً موجباً لعدم جواز التضحية.

    المسألة الثالثة: إذا كان بها بياض، أي: أن العينين قائمة وموجودة، ولكن فيها بياض يشينها، وتارة يضعف بصرها، فهل يجوز أن يضحى بهذا النوع من البهائم أم لا؟

    للعلماء تفصيل في ذلك: قالوا: إذا كان البياض قد غطى البصر حتى أذهبه؛ لم يجز أن يضحى بها، وإن كان البصر باقياً ولو كان ضعيفاً؛ جاز أن يضحى بها.

    المسألة الرابعة: إذا كانت الشاة لا تبصر بالليل ولكنها تبصر بالنهار -وهو العشي- فإذا كانت على هذا الوجه هل يجوز أن يضحى بها أم لا؟

    الصحيح: أنه إذا كانت تبصر بالنهار ولا تبصر بالليل فإنه يجوز أن يضحى بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على العوراء بقيد، وهو قوله: (البين عورها)، فإذا كان نقص البصر ليس ببين، بمعنى: أنه موجود في النهار وليس بموجود في الليل؛ فلا يؤثر.

    ومما يدل على أنها إذا كانت تبصر بالنهار ولا تبصر بالليل فإنه يجوز أن يضحى بها: أن الناظر في العلة في حال حياتها إنما هو لضعف أكلها ومرعاها، ومعلوم أن الرعي يكون بالنهار ولا يكون بالليل، فأصبحت العلة ضعيفة عن التأثير، وعلى هذا فإنه يجوز أن يضحى بالشاة إذا كانت تبصر بالنهار ولا تبصر بالليل؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قيد المنع بالبيان، وإذا كانت الشاة تبصر بالنهار فإن عورها وذهاب بصرها ليس ببين وواضح؛ فافتقد القيد المعتبر للحكم بالمنع.

    قال بعض العلماء في العوراء: إن العين مما يستطاب في اللحم، وربما أُكرم الضيف بإعطائه العين إكراماً له وإجلالاً، وربما خصوه باللسان، على عادات تختلف بحسب اختلاف أحوال الناس وأزمنتهم، فقالوا: إن العور يذهب هذا المقصود بعد ذبح الشاة وبعد نحر الإبل ونحو ذلك، فقالوا: إنه يعتبر عيباً مؤثراً؛ لأنه نقص في اللحم، ونقص في الانتفاع، وبهذا كان مؤثراً وموجباً لعدم جواز التضحية بهذا النوع من البهائم.

    الهزيلة العجفاء

    قال رحمه الله: [والعجفاء].

    المراد بالعجفاء: الهزيلة، وهي كبيرة السن، وقد جاء تقييدها في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (والكسيرة التي لا تنقي) والمراد بذلك أمور:

    أولاً: أنها كبر سنها ووهن عظمها حتى ذهب المخ الذي في عظامها، والمخ الذي في العظم مما يستطاب، وله فوائد، وقد كانوا يستحبونه في الأكل؛ فذهابه ذهاب لمادة العضو، ولذلك قالوا: إن هذا يعتبر نقصاناً في الخلقة ونقصاناً في المادة؛ لأن المقصود من ذبح الأضحية أن تؤكل، فإذا ذهب مخها -وهو من أفضل ما يستطاب فيها ومما فيه المنفعة- فإن ذلك يؤثر في إجزائها.

    ثانياً: أنها إذا كانت كبيرة ولا مخ فيها فإن لحمها لا يستطاب؛ وذلك لأن الكبيرة يتغير لحمها مع الكبر، وحينئذٍ تكون في هذه الحالة قد ذهب المقصود من ذبحها من استطابة أكلها، وانتفاع الناس بها بعد الذبح.

    ثالثاً: قوله: (والكبيرة -وفي رواية: والكسيرة- التي لا تنقي) فإن الشاة أو البقرة أو الناقة تكون هزيلة لأسباب:

    الأول: أن يكون هزالها بالكبر؛ فحينئذٍ لا إشكال في ذلك، وقد ورد النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكونها لا تجزئ.

    الثاني: أن تكون هزيلة بسبب المرض؛ كأن تصاب بمرض ثم تضعف وتصير هزيلة لا مخ فيها، وهذه لا إشكال فيها أيضاً؛ لأنه قد اجتمعت فيها علتان: العلة الأولى: المرض، والعلة الثانية: ذهاب مخها ونقي عظامها.

    الثالث: أن تكون هزيلة الخلقة، فإذا كان هزالها من أجل أنها منذ أن وجدت وهي في الخلقة ضعيفة الجسم هزيلة ولكنها طيبة اللحم، بمعنى: أنها تطعم وتأكل المرعى، ولكنها لا تُقبل على الأكل كثيراً؛ فهي هزيلة في خلقتها، فمذهب طائفة من العلماء: أن هذا الهزال لا يؤثر، ويجوز أن يضحى بمثلها.

    الرابع: أن يكون الهزال بسبب الجوع وبسبب قلة الأكل والمرعى، كما يقع ذلك في السنين التي تكون شديدة على الناس، فقال بعض العلماء: إذا كانت هزيلة بسبب الجوع فإنه يجوز أن تذبح ويضحى بها؛ وذلك لأن هذا الهزال لا يؤثر في نقي عظامها.. صحيح أنه في بعض الأحيان يضعفه وقد ينقصه، ولكنه ليس ناشئاً عن داء ولا كبر؛ فيعتبر غير مؤثر ولا موجب لعدم الإجزاء.

    العرجاء غير المجزئة في النسك

    قال رحمه الله: [والعرجاء].

    وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: (أربع لا تجوز في الأضاحي -وذكر منها-: العرجاء البين ضلعها)-يعني: عرجها-، والعرج ينقسم إلى قسمين:

    القسم الأول: أن يكون خفيفاً، ولا يستطيع الإنسان تمييزه إلا بدقة النظر؛ فهذا لا يؤثر، وجهاً واحداً عند العلماء.

    القسم الثاني: أن يكون عرجها قوياً ومؤثراً وواضحاً بيناً، فحينئذٍ لا يخلو من أحوال:

    فتارة يكون ملازماً لها؛ كأن يكون خلقة، أو كسرت منها يد فأصبحت تعرج بعد كسرها، أو رجل فأصبحت تعرج بعد كسرها، ونحو ذلك، فإن أصبح ملازماً لها فإنه يؤثر، وأما إذا كان عارضاً يزول بزوال علته؛ فإنه لا يؤثر، ولا يوجب مثله المنع، لكن قال بعض العلماء: لا يضحى بها حال العرج؛ لأنها ناقصة وقت الأضحية.

    والعرج منع منه لعلتين:

    الأولى: أنه يمنع الشاة من اللحوق بصويحباتها عند الرعي، فيفوتها الرعي، وتأتي على آخره ولا تصيب منه إلا القليل؛ فيؤثر في طيب لحمها، وهي مقصودة من أجل أكلها.

    الثانية: لأن العضو قد انتقص، وهو اليد أو الرجل؛ فيكون تنبيهاً من الشرع على أن كل نقص في الخلقة يوجب المنع.

    وفي قوله: (العرجاء) تنبيه على أنها إذا كانت معاقة -كأن تكون مثلاً مشلولة اليدين أو مشلولة اليد- فمن باب أولى وأحرى أن لا تجزئ؛ لأنه إذا كان العرج لا يجزئ، وهو نقصان العضو وليس بذهاب له كله؛ فإنه من باب أولى إذا كانت مشلولة اليد كاملة أو كانت مشلولة الرجل أنها لا تجزئ، ولا يصح أن يضحى بها.

    معنى الهتماء وعدم جواز النسك بها

    قال رحمه الله: [والهتماء].

    الهتماء: هي التي ذهبت ثناياها، وفيها وجهان للعلماء:

    الأول: إن ذهبت ثناياها ولم تستطع أن تأكل كصويحباتها، وأثر ذلك أيضاً في لحمها، فهو عيب ونقص أيضاً في عضو؛ لأن الأسنان من أعضاء البهيمة وأجزائها، فذهابها يعتبر مؤثراً وموجباً للمنع.

    الثاني: أن ذهاب ثناياها لا يمنع من رعيها وانتفاعها بالطعام، ثم إن هذا النقص للعضو لا يؤكل، وقالوا: إنه لا يؤثر؛ لأنه ليس بنقصان، وليس له تأثير على طيب اللحم كغيره من العيوب التي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها.

    وصحح غير واحد من أهل العلم رحمهم الله أنه يجوز أن يضحى بها، وفي النفس من هذا القول شيء، فالأولى والأحوط أن لا يفعل ذلك إلا إذا اضطر إليه.

    صفة الجداء التي لا يجوز النسك بها

    قال رحمه الله: [والجداء].

    الجداء: هي التي جف ضرعها ويبس عن اللبن، فإن التي لا تحلب وجف ضرعها ويبس قد انتقص من عضوها، قالوا: فلما منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من التضحية بالعرجاء والعمياء وذلك كله نقصان في الخلقة، نفهم من هذا أن كل نقص لعضو من أعضاء البهيمة يوجب المنع من التضحية والإجزاء.

    المريضة

    قال رحمه الله: [والمريضة].

    كان الأولى به أن يقدم المريضة على الجداء والهتماء؛ لأنه منصوص عليها، فإن الإجماع قائم على أن المريضة البين مرضها لا تجزئ، والمرض يكون على أحوال:

    فتارة يكون على ظاهر البهيمة، وتارة يكون في باطن البهيمة، وما كان من المرض على ظاهر البهيمة فتارة يكون بعلامة بينة لا مجال للشك فيها كالجرباء، فإذا كانت الشاة أو الناقة أو البقرة جرباء لم يجز أن يضحى بها؛ لأنها مريضة بينة المرض، وأنت إذا رأيتها استبان لك مرضها، ولأنه لا يؤمن من الضرر عند أكل لحمها، ولذلك قالوا: إنه لا يجزئ أن يضحى بمثل هذه؛ لأن مرضها بين واضح.

    وتارة يكون بيان مرضها في داخلها.

    وتارة يكون مرضها بحصول أمارات تدل على وجود فساد في صحة البهيمة، وذلك بقول أهل الخبرة الذين لهم معرفة بالبهائم، فإذا قالوا: إن بها مرضاً، وهذا المرض مؤثر؛ فإنه حينئذٍ لا يضحى بها، أما لو قالوا: هذا شيء عارض وبسيط ولا يؤثر، كما لو أصيبت باستطلاق بطن، وهذا الاستطلاق يقول أهل الخبرة: لأنها أكلت نوعاً من الطعام، وسرعان ما تعود إلى طبيعتها ولا يؤثر؛ فهذا ليس مثله بموجب للمنع من الإجزاء.

    وعليه: فإن المرض إذا كان ظاهراً بيناً كالجرب ونحوه من الغدد المفسدة للحم، التي إذا ذكيت البهيمة ظهر فيها الخراج والغدد الواضحة التي تؤثر في لحمها، أو يرى الأطباء أنها مؤثرة في اللحم؛ فإنه لا يجزئ مثلها، وفي بعض الأحيان يكون مرض البهيمة سارياً إلى من يأكل لحمها، ولذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التضحية بالمريضة البين مرضها؛ لما في ذلك من أذية الناس في صحتهم، وهذا يدل على عناية الإسلام بمبدأ الوقاية ورعايته بالصحة، وهذا مما يعين المسلم على طاعة الله عز وجل، ويقويه على مرضاته؛ لأنه إذا سقم ومرض فلن يستطيع أن يذكر الله سبحانه وتعالى، حتى ربما منع ولم يستطع القيام بفريضة الله في الصلاة ونحوها من الطاعات، ولذلك منع من التضحية بالمريضة البيّن مرضها؛ لما فيها من أذية البدن بأكل لحمها، ومقصود الشرع إنما هو الإحسان إلى الناس لا الإساءة إليهم.

    والمرض ينقسم عند بعض العلماء إلى قسمين:

    القسم الأول: المرض الملازم المصاحب.

    والقسم الثاني: المرض العارض الذي يمكن أن تشفى منه البهيمة إذا مضت فترة يحددها أهل الخبرة جرت العادة بقدرة الله جل جلاله أنها تشفى في مثلها.

    فأما إذا كان المرض ملازماً فلا يجزئ أن يضحى بمثل هذا النوع، وأما إذا كان المرض عارضاً فقال بعض العلماء: ينتظر إلى أن تشفى، ولا يجوز أن يضحى بها أثناء مرضها.

    وقال بعض العلماء: يجوز أن يضحى بها أثناء المرض وبعد المرض؛ لأن هذا المرض ليس ببين، بمعنى: أنه ليس مؤثراً تأثيراً بيناً في البهيمة.

    والصحيح: أنه ينتظر إلى شفائها وطيبها.

    حكم العضباء في النسك

    قال رحمه الله: [والعضباء].

    قال طائفة من أهل العلم: إذا ذهب قرن البهيمة فإنه لا يضحى بها؛ لوجود نقص في عضو من أعضائها.

    وقال بعض أهل العلم: يجوز أن يضحى بمقطوعة القرن، ومنهم من حَدَّه بالثلث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الثلث والثلث كثير) ، ومنهم من حَدَّه بأكثر القرن إذا ذهب، وأما ما دون ذلك فإنه لا يؤثر، وورد عنه عليه الصلاة والسلام في حديث علي رضي الله عنه أمره الصحابة أن يستشرفوا العين والأذن والقرن، قالوا: فهذا أصل يدل على أنه إذا ذهب القرن أو أكثره فلا يجوز أن يضحى بمثله.

    البتراء من النعم وحكمها في النسك

    قال رحمه الله: [بل البتراء خلقة].

    البتراء: هي مقطوعة الذنب، والأبتر: هو المقطوع، ولذلك كان الكفار في الجاهلية يذمونه عليه الصلاة والسلام بذلك، وقالت إحدى نسائهم للنبي صلى الله عليه وسلم: إنه أبتر، قالوا: عنت أنه مقطوع لا ذرية له، وقيل: مقطوع عن دين قومه، فكأنهم بتروه وخرج عنهم، كما يقال: الصابئ، من قولهم: صبأ إذا خرج، فلما قالت ذلك قال الله عز وجل: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:3]، فرد الله عز وجل ما ذكروه من النقص والعيب، والبتر: القطع في الشيء.

    وقد قال بعض العلماء: لا تجزئ مقطوعة الذنب أن يضحى بها، وكذلك إذا كان الكبش مقطوع الإلية فلا يجوز أن يضحى به؛ وذلك لأنه نُقص عضو من أعضائه، والإلية تؤكل، ويستطاب أكلها، وينتفع بها، وقد تكون شفاء ودواء، ويحصل فيها من المنافع ما لا يخفى، قالوا: فإذا قطعت الإلية أو قطع أكثرها فإن هذا يعتبر عيباً مؤثراً وموجباً للحكم بعدم الإجزاء، ولأن هذا القطع يؤثر في البهيمة إذا أخرجت وأفضلت.

    وقال بعض العلماء -كما درج عليه المصنف-: إن البتراء تنقسم إلى قسمين:

    القسم الأول: إن كانت بتراء خلقة، فإن هذا لا يؤثر.

    القسم الثاني: إن كان قطع منها بالقصد بعد وجود ذلك في خلقتها، فإنه يعتبر عيباً مؤثراً. وهذا التفصيل على أنها تجزئ هو الأقوى والأصح.

    أحكام الجماء والصمعاء في النسك

    قال رحمه الله: [والجماء].

    الجماء: هي التي لا قرون لها، والبهيمة أو الشاة الجماء يجوز أن يضحى بها؛ لأنها خلقة قد ذهب قرنها، فليست كالتي يقطع أو يقص منها بعد وجوده، ففرق العلماء رحمهم الله بين كونها وجدت خلقة بهذه الطريقة، وبين كونها قطع منها ذلك.

    ثم قيس على هذه المسألة إذا ما ولدت الشاة لا أذن لها، فقال بعض العلماء: إذا كانت بدون أذن جاز أن يضحى بها، وهي الصمعاء، فقالوا: يجوز أن يضحى بها كالجماء، فإن ذهاب أكثر القرن لم يجزئ عندهم، وأما إذا كان خلقة غير موجود فإنه يجزئ، قالوا: فكذلك الأذن إذا قطع أكثرها أو كلها أثر، وأما إذا وجدت خلقة صمعاء لا أذن لها فإنه يجزئ أن يضحى بها.

    أحكام الخصي في النسك

    قال رحمه الله: [وخصي غير مجبوب].

    وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين موجوءين، وقال العلماء: إن الوجاء يطيب اللحم، فإذا كان خصياً فإن هذا مما يزيد اللحم طيباً، ومن هنا قال العلماء: نقصان الخلقة ينقسم إلى قسمين:

    القسم الأول: أن يكون نقصاناً مؤثراً في الخلقة، كما ذكرنا في العوراء والعرجاء ونحوهما. فهذا يعتبر عيباً في أبواب الفقه، ويشمل ذلك باب الأضحية والبيوع، فلو باعه دابة ولم يخبره أنها عرجاء، فلما ركبها تبين عرجها؛ جاز له أن يردها، ويعتبر هذا عيباً مؤثراً.

    القسم الثاني: أن يكون النقص والعيب كمالاً؛ فهو في ظاهره نقص من الخلقة لكنه كمال فيها، كالخصى والوجاء، فإنه يعتبر مطيباً للحم؛ فحينئذٍ هو نقص من وجه وكمال من وجه آخر، فلا يعتبر موجباً للفساد والمنع في باب الأضحية، ولكنه قد يمنع ويوجب المنع في بيع الأرقاء في باب البيوع؛ وذلك لأنه قد يستفاد من إنجابه ونسله، وكذلك أيضاً يعتبر عيباً بالنسبة للبهيمة إذا بيعت من أجل الانتفاع بالفحل بالضراب، ثم تبين أنه موجوء؛ فإنه حينئذٍ يجوز له أن يرد المبيع ويبطل البيع ويفسخه.

    أحكام ما بأذنه أو قرنه قطع

    قال رحمه الله: [وما بأذنه أو قرنه قطع أقل من النصف].

    هذا حد لبعض العلماء، وبعضهم يحده بالثلث، وأثر عن الإمام أحمد رحمه الله قوله بالثلث أيضاً؛ لأنه إذا جاوز النصف فكأن الشيء قد ذهب؛ لأن أكثر الشيء غالباً ينزل منزلة الكل، فقالوا: إذا قطع أكثر القرن أو أكثر الأذن فإن ذلك كقطع الأذن كلها.

    1.   

    الأسئلة

    حكم التضحية عن الميت

    السؤال: عندنا في عيد الأضحى نضحي عن الميت، فهل هذا له أصل من السنة، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

    أما بعد:

    فالتضحية عن الميت فيها قولان مشهوران:

    قول جمهور العلماء، وهم على جواز التضحية عن الأموات، والدليل على ذلك ما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم لما ضحى بالكبشين قال عليه الصلاة والسلام: (اللهم هذا عن محمد وعن آل محمد)، قالوا: وفي آله الأحياء والأموات، وكذلك قال: (عمن لم يضح من أمة محمد)، فشمل أحياءهم وأمواتهم، وقد تكلم عن هذه المسألة شيخ الإسلام رحمه الله، وذكر أن هذا جائز ولا حرج فيه، ولا بأس به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، وهذه السنة تدل على مشروعية التضحية عن الميت، خاصة إذا وصى بذلك، فقال: ثلث مالي يضحى عني منه، فحينئذٍ تكون الأضحية واجبة؛ لأنها وصية، وإذا كان ثلثه يسع ذلك فإنه يلزم إنفاذ هذه الوصية.

    وخالف في هذه المسألة بعض فقهاء المالكية، واحتجوا بقوله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم:39] ، وقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث) .

    أما الاستدلال الأول فقد أجاب عنه شيخ الإسلام رحمه الله بأجوبة عديدة، وذكر أن قوله: وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم:39] من جهة كونه يستحق الثواب على عمله، أي: أن عمله يتوقف عند موته من جهة كونه يحصل الثواب، أما لو أنه بعد وفاته تفضل عليه الغير بالاستغفار والترحم له، أو الصدقة عنه؛ فإن هذا لا يمتنع؛ بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري وغيره لما قيل له: (يا رسول الله! إن أمي ماتت فجأة أفأتصدق عنها؟ قال: نعم)، ويدل له أيضاً حديث سعد رضي الله عنه في صحيح البخاري: أنه شكى لرسول الله صلى الله عليه وسلم موت أمه فجأة، فقال: (يا رسول الله! أفأتصدق عنها؟ قال: نعم، قال: فجعل لها حائطاً بالمخراف) أي: تصدق عنها بمزرعة، فدل على أن قوله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم:39] لا يعارض الصدقة عن الميت.

    وبناءً عليه فإن هذا لا يعتبر محظوراً شرعاً، بل هو جائز، خاصة وقد وردت السنة بجوازه.

    وأما بالنسبة لقوله عليه الصلاة والسلام: (صدقه جارية)، فقد قال فيه العلماء: إذا وصى بالتضحية عنه فإنها صدقة جارية؛ لأنه هو الذي تسبب فيها، وهذا من سعيه. يقول شيخ الإسلام رحمه الله: لولا أن الإنسان مؤمن، ولولا أنه مسلم، لما تصدق عنه أحد ولما ضحى عنه أحد. فكأن سبب الأضحية هو الإيمان، والإيمان من سعي الإنسان، فلا يكون قوله: وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم:39] مآله من هذا الوجه، فيرى أن هذا من سعيه؛ إذ لولا الإيمان لما ترحم عليه المسلمون ولما دعوا له، وقد تكلم عن هذه المسألة بكلام طويل في مجموع الفتاوى، فحبذا لو يرجع إليه للاستفادة والاستزادة. والله تعالى أعلم.

    جواز تضحية المرأة عن نفسها

    السؤال: المرأة التي ليس لها قيّم هل تلزمها الأضحية؟ وهل تمسك عن شعرها وأظفارها، جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: إذا كان عند المرأة سعة فإنها تضحي، فالأضحية مشروعة للنساء كما هي مشروعة للرجال، وإذا وجدت المرأة القدرة فإنها تتقرب إلى الله عز وجل وتضحي كما يضحي الرجل، وتمسك عن قص شعرها وتقليم أظفارها كالرجل سواء بسواء. والله تعالى أعلم.

    عقيقة الخنثى المشكل

    السؤال: ما هي عقيقة الخنثى المشكل؟

    الجواب: أما بالنسبة للخنثى المشكل فهو مشكل، قال بعض العلماء: الأصل في الخنثى المشكل أنه امرأة، وهذا مبني على القاعدة الشرعية: اليقين لا يزول بالشك. فاليقين أنه في حكم النساء حتى يرتقي إلى درجة الذكورة والفحولة التي هي فوق الأنوثة، ولذلك قال تعالى: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى [آل عمران:36] ، ومن هنا قالوا: إن الخنثى ينزل منزلة النساء، وعليه فإنه يأخذ حكم الأنثى سواء بسواء من جهة العقيقة، ومن جهة معاملته. والله تعالى أعلم.

    حكم العقيقة بالبدنة عن سبعة

    السؤال: ما حكم العقيقة بالبدنة؟ وهل تجزئ عن سبع من البنات، أثابكم الله؟

    الجواب: هذه المسألة مبنية على التداخل، والتداخل في الدماء الواجبة يقع في الهدي والأضاحي، وأما بالنسبة للعقيقة فإن مقصود الشرع أن يراق الدم عن المولود، وعلى هذا فإنه لا تداخل في العقيقة، بخلاف غيرها من الدماء، ولابد في العقيقة من وجود الدم المنفصل عن كل نفس بحسبها. والله تعالى أعلم.

    حكم أخذ الأحكام من الكتب دون الرجوع للعلماء

    السؤال: شخص حدثت له مسألة في الليل، ولا يستطيع سؤال أهل العلم، ثم فتح كتاباً من كتب المذاهب وأخذ بما فيه، فهل عليه شيء، أفتونا جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: أما بالنسبة للسؤال فينبغي أن يكون واقعياً، ويكون السؤال له حقيقة، فبالنسبة لمسائل الحج أنت ترى ونرى جميعاً توافر العلماء والدعاة والمشايخ، والكتب التي فيها توجيه للناس قد لا يحتاج إليها من كثرة ما يسمع من التوجيه والبيان، ولذلك فإن مسألة أن لا يتوافر عالم وهو يحج بين المسلمين هذا أشبه بقولهم: إذا لم تغب الشمس.. فينبغي أن يكون السؤال واقعياً، يعني أن هذه الأمة، والسواد الأعظم من أهل العلم، وما يسفر من وجود العلماء -وهي نعمة عظيمة من الله سبحانه وتعالى- ووجود مراكب لتوجيه الحجاج، وبيان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته، ومع كل هذا يقال: أنه لا يوجد عالم! هذا لا يخلو من نظر، ولذلك فإن هذا السؤال فيه بعد، لكن لو طرأت مسائل على الإنسان قبل أن يأتي إلى الحج، أو أحرم بالحج، ثم وهو في الطريق طرأت عليه؛ فإن العامي والجاهل لا يفتي نفسه، وعلى هذا فإنه لا بد له من الرجوع إلى العلماء، والله تعالى يقول في كتابه: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، فأمرنا بالرجوع إلى العلماء وسؤالهم.

    قال بعض العلماء في قوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور العلماء) قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل قبض العلم بموت العلماء، ولم يذكر الكتب، ولذلك استنبط بعض العلماء أن العلم لا يؤخذ من الكتب وإنما يؤخذ من العلماء؛ لأن الكتب لا يؤمن فيها التصحيف ولا التحريف -تحريف الكاتب والمطبعة- ولا الفهم السقيم؛ فيكون الكلام له معنىً غير المعنى الذي فهمه، ولذلك لا تبرأ ذمته بصورة صحيحة إلا بسؤال أهل العلم والرجوع إليهم.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756667359