إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (411)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    مدى صحة قصة الذي استغاث بالله من قاطع طريق

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب.

    رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    المقدم: حياكم الله.

    ====

    السؤال: سماحة الشيخ! أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من الأخ المستمع أحمد سلام من جدة، أخونا أحمد ضمن رسالته جمعاً من الأسئلة، في أحدها يقول: ذكر ابن أبي الدنيا في كتاب المجابين في الدعاء عن الحسن قال: كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار يكنى أبا معلق ، وكان تاجراً يتجر بمال له ولغيره يضرب به الآفاق، وكان ناسكاً ورعاً، فخرج مرة فلقيه لص مقنع في السلاح، فقال له: ما معك فإني قاتلك، قال: فما تريد إلا دمي فشأنك والمال، قال: أما المال فلا، ولست أريد إلا دمك، قال: أما إذا أبيت فذرني أصلي أربع ركعات، قال: صل ما بدا لك، فتوضأ ثم صلى أربع ركعات وكان من دعائه في آخر سجدة أن قال: يا ودود يا ذا العرش المجيد يا فعال لما تريد أسألك بعزك الذي لا يرام وبملكك الذي لا يضام وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني يا مغيث أغثني يا مغيث أغثني، فإذا هو بفارس أقبل بيده حربة قد وضعها بين أذني فرسه، فلما بصر به اللص أقبل نحوه فطعنه فقتله، ثم أقبل إليه فقال: قم، فقال: من أنت بأبي أنت وأمي فقد أغاثني الله بك اليوم، فقال: أنا ملك من أهل السماء الرابعة دعوت بدعائك فسمعت لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجة، ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل لي: دعاء مكروب، فسألت الله أن يوليني قتله. قال الحسن : فمن توضأ وصلى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروباً كان أو غير مكروب. انتهى، هل ما جاء في هذه القصة صحيح؟ وإذا كان صحيحاً هل من الجائز العمل بما قاله الحسن في نهاية القصة، أفتونا في هذا جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فهذه القصة معروفة وذكرها العلامة ابن القيم رحمه الله في الجواب الكافي، وهي من أخبار بني إسرائيل؛ لأن الحسن تابعي ولم يروها عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم مرسلاته لا يحتج بها، وأخبار بني إسرائيل كما في الحديث لا تصدق ولا تكذب، كما قال عليه الصلاة والسلام: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)، وأخبارهم كما قال العلماء على أقسام ثلاثة:

    قسم علم من شرعنا صحته فيصدق، وقسم علم من شرعنا تكذيبه فيكذب، وقسم لم يعرف في الشرع لا هذا ولا هذا، فيكون موقوفاً يخبر به ويحدث به ولا حرج، لما فيه من العظات والذكرى، وهذا الدعاء كله طيب، والله جل وعلا هو القائل سبحانه: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ [النمل:62] فهو سبحانه يجيب دعوة المضطر إذا شاء سبحانه كما وعد بذلك، فهذا إنسان مضطر على تقدير صحة الحكاية، فأجاب الله دعوته، وهو دعا بدعوات عظيمة: يا ودود يا ذا العرش المجيد يا فعال لما يريد أسألك بعز وجهك الكريم وبملكك الذي لا يرام وبنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص، ثم قال: يا مغيث أغثني يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني، فهو دعا دعوات طيبة ليس فيها محذور، فإذا دعا بها الإنسان وهو مضطر أو غير مضطر فليس فيها شيء، وإذا صلى ودعا فالصلاة قربة عظيمة، والله يقول: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة:45]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، فإذا كرب إنسان بظالم أو بشيء شق عليه وفزع إلى الله ودعا واستغاث به أو صلى ودعا كل ذلك طيب، وكله مشروع، سواءً دعا بهذا الدعاء أو بغير هذا الدعاء، بأي دعاء طيب، كأن يقول: اللهم خلصني من كذا اللهم أنجني من كذا اللهم فرج كربتي من كذا، اللهم أعطني كذا، اللهم يسر لي كذا.. الدعوات الطيبة كثيرة، وإذا دعا بنفس هذا الدعاء فلا بأس بذلك كله طيب، لكن ليس محفوظاً عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو مما يروى من الأخبار التي لا تعرف صحتها، لكن معناها صحيح.

    1.   

    تأمين الملائكة على دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب

    السؤال: يقول في سؤال آخر: عندما يدعو الإنسان بدعاء في ظهر الغيب بشر على أشخاص أو فئة معينة سواءً كانوا أهلين لهذا الدعاء أم لا، فهل يقع عليه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال ما معناه: كلما دعا المسلم لأخيه المسلم في ظهر الغيب فله ملك موكل خاص يقول: آمين ولك بالمثل، هل يشمله دعاء الشر هذا؟

    الجواب: لا يدخل في هذا دعاء الشر؛ لأن الملائكة لا تعين على الشر وإنما تعين على الخير، هذا إذا دعا له بالخير دعا له بالتوفيق، دعا له بالهداية، دعا له بالغنى، دعا له بالمغفرة، فالملك الموكل يقول: آمين ولك بالمثل، لأنه محسن والمحسن يستحق أن يدعى له، أما الذي يدعو على غيره فهو ظالم، فلا يستحق أن يعان ولا يؤمن على دعائه، والمشروع للمؤمن أن يتقي الله جل وعلا وأن يحذر، وأن تكون دعواته فيما ينفعه أو ينفع المسلمين، أما أن يدعو على الناس بما يضرهم فلا يجوز له، وإذا كان مظلوماً فبإمكانه أن يطلب القصاص ممن ظلمه من الجهات المسئولة، وإذا دعا عليه بقدر مظلمته لا يضره ذلك، قال الله جل وعلا: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [النساء:148]، لكن لو ترك الدعاء عليه كان ثوابه أكثر يوم القيامة، وإن اشتكاه إلى الجهات المسئولة في الدنيا ليعطوه حقه فلا بأس عليه في ذلك.

    1.   

    حكم وليمة العرس .. وتأثيرها على عقد النكاح

    السؤال: ما حكم من لم يولم لزواجه؟ وهل يتأثر عقد النكاح بهذا؟ وهل يعتبر عاصياً للرسول صلى الله عليه وسلم عندما أمر عبد الرحمن بن عوف حين زواجه أن يولم ولو بشاة؟

    الجواب: الوليمة سنة مؤكدة ولو بشاة، كما قال صلى الله عليه وسلم لـعبد الرحمن بن عوف: (أولم ولو بشاة)، ولكن لا يؤثر في النكاح، النكاح صحيح ولو لم يحصل هناك وليمة، إذا تمت شرائطه وأركانه فهو صحيح وإن لم يولم، لكن كونه يولم بما تيسر هو السنة وهو الذي ينبغي، والقول بوجوب الوليمة قول قوي؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بها (أولم ولو بشاة) فالقول بالوجوب له قوة ولو بالشيء اليسير حسب الطاقة، وترك ذلك خلاف السنة، لكنه لا يؤثر في النكاح ولا يبطله، بل النكاح صحيح إذا استوفى شروطه وأركانه.

    1.   

    دعاء الإمام للمأمومين أثناء تسوية الصفوف

    السؤال: هل من السنة عندما يقول الإمام للمأمومين في تسوية الصفوف بالصلاة: استووا اعتدلوا يرحمني ويرحمكم الله؟

    الجواب: ما نعلم في هذا بأساً إذا دعا لهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرهم بالاستواء، ويأمرهم بتعديل الصفوف، ويأمرهم بسد الخلل، وإذا دعا ما أعلم في هذا بأساً، لو قال: غفر الله لنا ولكم، أو رحمنا الله وإياكم، لا أعلم في هذا بأساً إن شاء الله.

    المقدم: الحمد لله، جزاكم الله خيراً!

    1.   

    الطلاق في يد الزوج لا الزوجة

    السؤال: ما حكم الشرع في بعض العوام من الناس عندما يقول: تكون العصمة في يد الزوجة، أي بمعنى: هي التي بيدها الطلاق وليس الزوج، هل هذا جائز؟

    الجواب: هذا شرط غير صحيح؛ لأنه خلاف ما شرع الله، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط)، فالشروط التي تخالف شرع الله ليست صحيحة، وكونه يشير لها أن الطلاق بيدها هذا خلاف ما شرع الله، الطلاق بيد الزوج، وهذا يسبب فساداً كثيراً؛ لأنها قل أن تصبر على الزوج، بل عند أقل شيء فيصدر منها الطلاق، فالحاصل أن هذا لا يصح، وهذا الشرط باطل.

    1.   

    معاني الهجرة

    السؤال: نرجو من سماحتكم توضيح معنى كلمة (مهاجر) لأن معظم الناس يطلقونها على من ابتعد عن بلده لأي سبب كان وليس بسبب الهجرة في سبيل الله؟

    الجواب: الهجرة الانتقال من بلد إلى بلد، يقال: هاجر إلى البلاد الفلانية إذا انتقل إليها للإقامة فيها، لكن الهجرة الشرعية هي الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، هذه يقال لها: الهجرة الشرعية، أما الهجرة من حيث اللغة فهي أوسع، فينبغي أن يفرق في ذلك، فالمهاجر الهجرة الشرعية هو الذي ينتقل من بلاد الشرك أو من بلاد ظهرت فيها البدع والمعاصي إلى بلاد سليمة، فيقال له: مهاجر، كما سمي المهاجرون من قريش وغيرهم الذين انتقلوا إلى المدينة سموا بذلك؛ لأنهم تركوا بلاد الشرك وانتقلوا إلى البلاد الإسلامية، أما من حيث اللغة فهي أوسع في تسمية المهاجر الذي ينتقل من بلد إلى بلد أو من إقليم إلى إقليم أو من دولة إلى دولة، بمعنى أنه هجر الأولى واستقر في الثانية.

    1.   

    حكم تأخير قضاء صوم رمضان لعدة سنوات

    السؤال: أنا آدم جمعة محمد أحمد سوداني الجنسية، أبلغ من العمر ثماني وثلاثين سنة، قبل بضع سنوات أفطرت رمضان كله بأمر من الدكتور حيث كنت مريضاً، وبعدها أفطرت في رمضان آخر خمسة عشر يوماً لأسباب أخرى، ومر على هذه الأيام سنين وما قضيتها، وصمت بعدها، وأريد أن أقضيها فماذا أفعل، أفيدوني أثابكم الله؟

    الجواب: عليك القضاء مع التوبة إلى الله جل وعلا عما حصل من التأخير، فعليك يا أخي أن تستغفر الله وتتوب إليه وتندم على ما فعلت، وعليك أن تقضي هذه الأيام وأن تطعم عن كل يوم مسكيناً من قوت البلد، نصف صاع من قوت البلد، فعليك ثلاثة أمور:

    الأمر الأول: القضاء والمبادرة به.

    والأمر الثاني: إطعام مسكين عن كل يوم مع القدرة، فإن كنت فقيراً عاجزاً سقط عنك الإطعام وبقي عليك الصيام.

    الأمر الثالث: التوبة إلى الله من هذا التأخير والاستغفار والندم، ومن تاب تاب الله عليه، نسأل الله لنا ولك الهداية.

    1.   

    محاسبة الإنسان في الآخرة إذا رجحت حسناته على سيئاته

    السؤال: من المملكة الأردنية الهاشمية رصيفا رسالة بعثت بها إحدى الأخوات من هناك، تقول: أختكم في الله أم مؤمن ، أختنا سألت جمعاً من الأسئلة في أحدها تقول: هل يحاسب الإنسان على سيئاته إذا كانت حسناته أكثر؟

    الجواب: أخبر الله جل وعلا في كتابه العظيم بقوله: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ [القارعة:6-9] فهو توزن حسناته وسيئاته، كل إنسان يوازن بين حسناته وسيئاته، ومتى رجحت الحسنات أفلح ونجا، وقد يعفو الله سبحانه وتعالى عن العبد ويدخله الجنة من دون أن يحاسبه على سيئاته إما لتوبة فعلها وإما لحسنات عظيمة أتى بها قبل موته، وإما لأسباب أخرى اقتضت رحمة الله عز وجل وفضله سبحانه وتعالى بإدخاله الجنة وعدم محاسبته على السيئات، لكن الأصل الموازنة كما أخبر الله به في كتابه العظيم، فالحسنات توزن والسيئات توزن، وهو لما رجح منها، من رجحت حسناته نجا ومن رجحت سيئاته هلك إلا من رحم الله، لكن قد يعفو سبحانه وتعالى عن العبد ويتجاوز عن سيئاته فضلاً منه وإحساناً، إما للتوبة؛ لأنه وعد التائبين بالمغفرة كما قال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82]، وإما بحسنات عظيمة صارت سبباً لمغفرة ذنوبه، وإما بأسباب أخرى اقتضت حكمة الله أن تكون سبباً للمغفرة.

    1.   

    محاسبة الشهيد الذي لم يقتل في المعركة

    السؤال: هل يحاسب الشهيد الذي لم يستشهد في ساعة المعركة والشهداء أقسام كما نعلم؟ وهل يشفع في سبعين فرداً؟ وهل يحاسب على كل شيء؟ وهل يعفى عنه في كل شيء إلا على الدين؟

    الجواب: جاء في الأحاديث الصحيحة أن الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدين، فالشهيد الذي قتل في سبيل الله صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر يغفر له كل شيء كما قاله النبي عليه الصلاة والسلام، إلا الدين قال: (فإن جبرائيل أخبرني بذلك)، وأن صاحب الدين لا يضيع حقه، بل يرضيه الله عن حقه ويعطيه حقه يوم القيامة ولا يضيع عليه شيء، والشهيد يغفر له كل شيء، لكن الدين الذي عليه الله سبحانه وتعالى يقضيه عنه، لا يضيع على صاحبه.

    المقدم: جزاكم الله خيراً، الشهيد الذي لم يستشهد في المعركة.

    الشيخ: ما دام مات بسبب الجراحات فهو شهيد، ما دام مات في سبيل الله صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، سواء مات في المعركة أو تأخر موته أياماً وليالي لكنه مات بسبب الجراحات التي أصابته.

    المقدم: جزاكم الله خيراً، لعلها تقصد من سؤالها سماحة الشيخ أقسام الشهداء الآخرين؟

    الشيخ: الشهداء أقسام، لكن أفضلهم شهيد المعركة في سبيل الله عز وجل، ومنهم المطعون: الذي يموت بالطاعون، والمبطون الذي يموت بالإسهال في البطن، وصاحب الهدم الذي يموت بالهدم يسقط عليه جدار أو سقف، وفي حكمه من يموت بدهس السيارات وانقلاب السيارات وصدام السيارات، هذا من جنس الهدم، وكذلك الغرق، كل هذه أنواع من الشهادة، لكن أفضلهم شهيد المعركة وهو الذي لا يغسل ولا يصلى عليه، أما البقية فإنهم يغسلون ويصلى عليهم وإن كانوا شهداء.

    المقدم: هل يشفعون؟ هل يعفى عن كل شيء عملوه إلا عن الدين، أم أن ذلك خاص.

    الشيخ: هكذا جاء الحديث الصحيح في شهيد المعركة، وأنه إذا كان صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، هذا جاء في شهيد المعركة، أما غيرهم فالله أعلم، لهم فضل ولهم خير، ولكن كونهم يشفعون في كذا أو كونهم يغفر لهم كل شيء هذا محل نظر ويحتاج إلى دليل خاص، لكن لهم فضل الشهادة.

    1.   

    حكم من تاب من ذنب يستحق القصاص بسببه أو التعزير

    السؤال: إذا ارتكب المسلم إثماً يستحق الحد والقصاص أو التعزير ولم يقم عليه هذا العقاب، ولم يعلم عنه أحد، وتاب توبة نصوحاً، فهل يعاقب يوم الحساب على هذا العمل، أم لا؟

    الجواب: من توبته في القصاص أن يمكن من نفسه حتى يرضى صاحبه أو يقتص، أما بقية المعاصي إذا تاب إلى الله فالله يعفو عنها سبحانه وتعالى، لكن إذا كان الحق للمخلوق كالسرقة والقتل ونحوه فهذا لابد من إعطاء المخلوق حقه، فإن لم يعطه حقه فالتوبة تسقط عنه حق الله وتسقط عنه خطر دخول النار، ولكن يبقى عليه حق القتيل حق المسروق منه، لابد أن يؤدى عنه، فإن تاب توبة صحيحة فيرجى له أن الله سبحانه وتعالى يؤدي عنه إذا لم يستطع أداء الحق، فالله جل وعلا يؤدي عنه تلك الحقوق إذا كانت التوبة صحيحة وسليمة ومستوفية شروطها، ومن شروطها: أن لا يتمكن من أداء الحق للمخلوق، فإن شروطها ثلاثة: الندم على الماضي، والإقلاع من الذنب، والعزم الصادق أن لا يعود فيه، هذه ذنوب متعلقة بالله جل وعلا، وهناك شرط رابع يتعلق بالمخلوق كالدم والسرقة وظلم الأموال والأعراض، فهذا الحق يجب أن يؤدى لصاحبه، فإذا عجز عنه بأن مات صاحبه وليس له ورثة يعطيهم حقهم فإن حق الميت يبقى، وإذا كانت التوبة صادقة فالله يغنيه عنه سبحانه وتعالى؛ لأنه صادق في محبته للتوبة وإعطائه حقه، لكن لم يتمكن من هذا الشيء، لأنه مات وليس وراءه أحد يأخذ الحق، فحينئذ يبقى الأمر بينه وبين الله عز وجل، والله سبحانه وتعالى يتقبل من عبده التوبة الصادقة في جميع الأشياء، كما قال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر:53]، لكن إذا كان صاحب الحق موجوداً فلابد من إعطائه حقه أو استباحته، وإلا فإنه يأخذ من حسناته بقدر المظلمة، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من كان عنده لأخيه مظلمة فليتحلله اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ من حسناته بقدر مظلمته، فإن لم يكن له حسنات -يعني: الظالم- أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه)، فهذا يدل على أن حق المخلوق لابد من أدائه حيث أمكن، أما إذا لم يمكن فالله سبحانه وتعالى يعذره، والتوبة مقبولة ونافعة ومفيدة، ويبقى حق المخلوق الذي لم يستطع أداءه يرضي الله صاحبه عنه بأنواع الثواب والخير، فإنه سبحانه جواد كريم، والعبد معذور بأنه لم يتمكن من أداء الحق.

    1.   

    موضع سجود السهو لمن سها في الصلاة

    السؤال: من باحة سلطنة عمان المستمع علي حمود سعيد البادي بعث برسالة ضمنها جمعاً من الأسئلة، يقول في أحدها: إذا سهوت في صلاة ما فإنني أعلم أنه يجب علي أن أسجد سجود السهو، فمتى أسجده، أفتوني ولكم الأجر؟

    الجواب: هذا فيه تفصيل: فإذا سهوت في العدد وجب عليك البناء على اليقين ويكون السجود قبل السلام، سجدتين قبل أن تسلم، وإذا شككت هل صليت ثنتين أم ثلاثاً جعلتها ثنتين وكملت الصلاة، أو سهوت هل صليت ثلاثاً أم أربعاً في العشاء أو الظهر أو العصر جعلتها ثلاثاً وبنيت على اليقين ثم أتيت بالرابعة، فإذا كملت صلاتك سجدت للسهو سجدتين قبل أن تسلم، أما إن كان السهو نوعاً آخر بأن نسيت التشهد الأول وقمت إلى الثالثة ما جلست للتشهد الأول، أو نسيت سبحان ربي الأعلى في السجود، أو نسيت أن تقول: سبحان ربي العظيم في الركوع، أو نسيت بعض التكبيرات غير تكبيرة الإحرام وأنت منفرد أو إمام فإنك تسجد للسهو قبل السلام سجدتين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما ترك التشهد الأول في بعض صلواته سجد للسهو قبل أن يسلم سجدتين، وهناك أنواع أخرى من السهو لها أحكامها، مثل: من زاد ركعة فهذا يلزمه الرجوع إذا تنبه أو نبه، فإن لم يرجع بطلت صلاته؛ لأنه زاد زيادة متعمداً لها، إذا نبهوه ولم يرجع نبهه اثنان فأكثر ولم يرجع بطلت صلاته إلا إن يتيقن صواب نفسه ويعتقد خطأهم، إذا تيقن صواب نفسه وأن المنبه مخطئ فلا حرج عليه يكمل، والذين يعتقدون أنه زائد يجلسون ولا يتابعونه، فلهم اعتقادهم وله اعتقاده، فإذا اعتقدوا أنه قام إلى خامسة في الظهر أو العصر أو العشاء يجلسون، أو إلى رابعة في المغرب أو إلى ثالثة في الفجر أو في الجمعة يجلسون ولا يتابعونه، فإذا سلم سلموا معه بعد ذلك، أما إذا كان ساهياً فلما نبهوه تنبه ورجع فإنه يتشهد، وإذا فرغ من التشهد سجد سجدتين للسهو قبل السلام أو بعده، وقبله أفضل، وبذلك تتم صلاته في هذا السجود وتنجبر الصلاة بهذا السجود؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في بعض الأحاديث: (إن كان صلى تماماً كان هذا ترغيماً للشيطان، وإن كان صلى ناقصاً جبر له صلاته).

    فالمقصود أنه إن كان صلى صلاة تامة فهو مأجور على سجود السهو وفيه إرغام للشيطان، وإن كان النقص كان جابراً. وهناك نوع آخر وهو أن يسلم عن نقص، يسلم ثلاثاً في الظهر أو العصر أو العشاء أو يسلم من ثنتين في المغرب أو من واحدة في الفجر ثم ينبه، فهذا يقوم ويكمل، فإذا كمل سلم، ثم سجد للسهو بعد ذلك، يكون سجود السهو بعد ذلك، إذا كان سلم عن نقص ونبهوه أو تنبه ثم قام وكمل فالأفضل أن يكون سجوده بعد السلام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سها في صلاته وسلم عن نقص ونبه كمل صلاته وسلم ثم سجد سجدة السهو عليه الصلاة والسلام، فهذا هو الأفضل في هذه الحال، أن يكون السجود بعد السلام، ولو سجد قبل السلام أجزأ، يعني: كونه يتحرى فعل النبي صلى الله عليه وسلم ويسجد كما سجد بعد السلام يكون هذا هو الأفضل.

    المقدم: سماحة الشيخ في الختام أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.

    مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    شكراً لمتابعتكم، وإلى الملتقى، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    766352726