إسلام ويب

شرح مختصر الصارم المسلول على شاتم الرسول - حكم من سب الله عز وجلللشيخ : محمد حسن عبد الغفار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن عظمة الله في القلوب تجعل المسلم يخاف من التجرؤ على سبِّ الله تعالى، فإنَّ سبَّ الله سبحانه وتعالى، أو الانتقاص من قدره، أو الاستهزاء به، أو الشرك به شركاً أكبر هو كفرٌ صريح يخرج صاحبه من الملَّة؛ لأنَّ كل هذه الأمور سبٌ لله سبحانه وتعالى.

    1.   

    تنزيه الله عز وجل لنفسه ورسوله وعباده المؤمنين عن كل نقص وعيب

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    ثم أما بعد:

    لقد ذهب أهل العلم بشرف الدنيا والآخرة، وإن لم يكن العلماء هم أولياء الله فمن يكون ولياً لربه جل في علاه؟!.

    مر الحافظ ابن حجر على يهودي كان يعمل بقالاً وكان الحافظ قاضي القضاة في ذلك العهد، وكان يسير في كوكبة عظيمة في قيمة وعظمة ومكانة شريفة، فنظر اليهودي متعجباً لمكانة الحافظ ابن حجر ؛ فاستوقفه؛ فوقف، فقال له: بالله عليك أما يقول نبيكم: (إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر)، فما بالي أراك في جنة وأرى نفسي في سجن؟ انظروا إلى نباهة المحدث الفقيه الدقيق، وانظروا إلى دقة نظر الحافظ ابن حجر حيث قال له: نعم. والله إن الدنيا هي سجن المؤمن وجنة الكافر؛ لأن ما أنا فيه بالنسبة للنعيم الذي ينتظرني عند ربي جل في علاه سجن، وما أنت فيه بالنسبة للعذاب الذي ينتظرك عند ربك جل في علاه جنة. فالله جل جلاله له الكمال المطلق، والعظمة المطلقة، والجلال المطلق، والجمال المطلق، تقدست أسماؤه، فهو سبحانه جل في علاه له الأسماء الحسنى والصفات العلى.

    عظيم كملت عظمته، قدير كملت قدرته، عزيز كملت عزته، رحيم كملت رحمته، هو السيد كمل سؤدده سبحانه جل في علاه، والله جل في علاه نزه نفسه سبحانه قبل أن ينزهه عباده عن كل نقص وعيب، قال الله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق:38]، أي: نفى الله عن نفسه التعب والإعياء، وكذلك نزه نفسه عن النعاس والنوم، كما في قوله تعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [البقرة:255].

    وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام)، وقال سبحانه: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا [مريم:88-91]، فهو سبحانه جل في علاه الواحد الأحد الفرد الصمد.

    وأيضاً في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً)، فقد نزه الله نفسه عن الظلم، ونزهه رسوله صلى الله عليه وسلم عندما كان مع أصحابه وعلت أصواتهم فقال: (أربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً، ولكنكم تدعون سميعاً بصيراً)، سبحانه جل في علاه، وكثيراً ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسبح الله، ويعلم أصحابه إذا علو جبلاً أن يكبروا، وإذا نزلوا أن يسبحوا، حتى لا ينسب جل في علاه إلى نقص أو عيب.

    فدأب الصالحين والمؤمنين والمتقين أنهم يعملون بأوامر الله جل في علاه وينزهون ربهم جل في علاه عن النقائص، أما السفلة الرعاع الذين لا يعرفون حرمة لربهم سبحانه، ولا يقدرون الله حق قدره، فقد أنكر الله عليهم في كتابه أيما إنكار، فقال: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67]، وقال الله جل في علاه: مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا [نوح:13] أي: لا تعظمون الله حق عظمته.

    ونحن بصدد تبيين حكم الذين يتجرءون على حرمة الله، وعلى تقديسه وكماله إن كان مسلماً، أو حكم من فعل ذلك إن كان ذمياً، وسنتكلم عن حكم من كان مسلماً وتجرأ على الله عز وجل، فمن سب الله أو انتقص من قدره، أو استهزأ به سبحانه فحكمه أنه كافر، وهذا الحكم دلت عليه الأدلة الكثيرة المتوافرة المتظافرة من الكتاب والسنة، وإجماع الملل والنحل وإجماع الأمة بأسرها من أهل البدع وأهل السنة والجماعة، وهو معلوم من الدين بالضرورة.

    أما الأدلة فمنها ما هو صريح، ومنها ما هو أولوي، ومنها ما هو بالإشارة والتلميح.

    الأدلة الصريحة على كفر من سب الله

    من الأدلة الصريحة على كفر من سب الله: قوله تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ [التوبة:65-66]، فالشاهد قوله: قَدْ كَفَرْتُمْ فالله جل وعلا وصفهم بالكفر؛ لأنهم يستهزءون برسوله كما مر في الكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    ومن الأدلة الصريحة: قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا [الأحزاب:57]، الشاهد: لَعَنَهُمُ اللَّهُ واللعن: هو الطرد من رحمة الله جل في علاه، فمن طرده الله من رحمته فلا راحم له غيره سبحانه.

    فهذه آية صريحة على أن من يؤذي الله جل في علاه بأن ينتقص من قدره، ويستهزئ بالذات المقدسة، فهو ملعون مطرود من رحمة الله جل في علاه، لكن هل الإيذاء كالضر أم لا؟ قال الله جل في علاه في الحديث القدسي: (يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري)، فالضر لا يصل إليه سبحانه، لكن الأذى يصل إليه سبحانه، والدليل على ذلك الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما رأيت أحداً أصبر على أذى من الله، يسبونه، يدعون له الولد وهو يرزقهم ويعافيهم).

    الآية الثالثة المصرحة بكفر من آذى الله أو استهزأ به أو انتقص من قدره: قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ [المجادلة:20]، هذا هو الحكم، ولا يكون في الأذلين إلا من اشتد كفره وتعاظم، فهذه آية صريحة في الدلالة على كفر من يحاد الله جل في علاه بالاستهزاء أو بالانتقاص من قدره سبحانه.

    أيضاً من باب أولى قول الله تعالى: يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ [آل عمران:154]، تفسرها الآية الأخرى وهي أعظم منها دلالة: الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [الفتح:6]، فهذه آية صريحة جداً في أن الذي يظن في الله ظناً سيئاً كالذي يقول: لماذا يا رب تظلمني؟! يعني: فهو يظن أن الله يظلمه.

    أيضاً من الأدلة التي تثبت كفر من يتجرأ على الله جل في علاه: قوله تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة:73]، في هذه الآية تصريح على أنَّ من جعل الله ثالث ثلاثة فقد كفر؛ لأنَّ في ذلك شتماً لله عزَّ وجل؛ لأنهم يجعلون له نداً، ويجعلون له ولداً، ففي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم وما ينبغي له ذلك، ثم قال: ويشتمني ابن آدم وما ينبغي له ذلك، ثم قال: فأما شتمه إياي فإنه قال: لي ولد، وأنا الواحد الأحد).

    وهذه دلالة صريحة أنَّ من جعل الواحد ثلاثة فقد كفر؛ لأن في ذلك شتماً لله وانتقاصاً لعظمته، واستهزاء بمكانته العليا سبحانه جل في علاه، وتعالى عن قول الظالمين علواً كبيراً.

    فهذه آيات صريحات في كفر من يسب الله جل في علاه.

    الأدلة على أن التلميح بسب الله كفر

    إن الله عز وجل لعن قوماً وسخط عليهم، وأنزل عليهم العذاب الأليم في الدنيا قبل الآخرة؛ لانتقاصهم من عظمة الله جل في علاه تلميحاً لا تصريحاً، وذلك عندما نسبوا الفقر لله جل في علاه، فهؤلاء كفرهم الله، فما بالكم بمن يسب الله سباً صريحاً؟! قال الله تعالى: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ [آل عمران:181-182]، وعذاب الحريق والخلود لا يكون إلا لمن كفر بالله جل في علاه، فهذه كلها أدلة متوافرة متظافرة على كفر من سب الله جل في علاه.

    الأدلة من السنة على كفر من سب الله جل وعلا

    هناك أحاديث كثيرة تثبت أن سب الله كفر، فكل حديث فيه أن الشرك بالله كفر لك أن تستدل به على أن سب الله كفر، ومن ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتى امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد)، فأيُّ حديث صرَّح فيه النبي صلى الله عليه وسلم بأنَّ الشرك كفر؛ فهو دليل على أنَّ سبَّ الله كفر، وبيان ذلك أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الله جل في علاه وصف كثيراً من الناس بالكفر؛ لأنهم لم ينسبوا النعمة لبارئها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قال ربكم: أصبح من عبادي مؤمن بي كافر بالكوكب، وكافر بي مؤمن بالكوكب، أما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فهذا كافر بي مؤمن بالكوكب)، وهذه دلالة صريحة على أن من نسب النعمة لغير بارئها سبحانه جل في علاه كفر، وهو كفر أكبر بالاعتقاد، وكفر أصغر إذا جعل النوء هو السبب.

    إذاً: فالذي ينسب النعمة لغير بارئها يكفر بذلك.

    كل هذه الأدلة دلالة على أن من سب الله فقد كفر، وكل حديث صرح فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالكفر سواء كان في العمل شرك أصغر أو شرك أكبر فهو دليل على أن السب كفر، والسب أغلظ وأعظم من الشرك، فإذا سمى الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم الشرك شركاً فالسب أغلظ، ويكون من باب أولى أن يسمى شركاً، والدليل على ذلك: أن الله نهى المؤمنين أن يسبوا آلهة المشركين؛ لأن المشركين سيقعون فيما هو أفحش وأغلظ وأقبح من الشرك الذي هم عليه، ألا وهو التجرؤ على الذات العالية.

    قال الله تعالى: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:108]، أي: أنهم سيقعون في أفحش ما يكون وأظلم ما يكون وأقبح ما يكون، ألا وهو سب الذات العالية.

    الإجماع على كفر من سب الله تعالى

    أجمعت الأمة بأسرها أن من سب الله جل في علاه يكفر بذلك ويخرج من الملة، ويعتبر ردة صريحة، وقد اختلف العلماء في مسألة الردة هذه، وهذه المسألة الثالثة التي سنتكلم عنها.

    من صور سب الله سبحانه وتعالى

    إنَّ صور سب الله جل في علاه كثيرة جداً، ومن باب الأدب مع الله فلن نفصل فيها، بل نمر عليها إجمالاً.

    وسب الله قد يكون سباً صريحاً، وهذا يحدث في كثير من البلاد العربية وخاصة في بلاد الشام، نسأل الله أن يردهم إليه رداً جميلاً، وأن يحفظنا جميعاً من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

    فكثير من الناس يتجرءون على الله جل في علاه بالسب الصراح، وهذا كفر محض ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً، فتراه يسب الله ثم يذهب ليفجر نفسه في عملية والله المستعان!

    ومن صور انتقاص قدر الله تعالى تلميحاً أو تصريحاً تلك الرسومات المتحركة، حيث إنَّ بعض الرعاع السفلة يرسمون ناراً والناس فيها يصرخون ويتألمون، وهناك رجل تحتهم في الدرك الأسفل، وفيهم رجلٌ يمسك حمية يشربه واضعاً رجلاً على رجل، والذي ينظر الرسم يتعجب من أناس يصرخون من الألم، وهذا الرجل الذي يمسك حمية لا يشعر بألم، ويشرب حمية أيضاً، وينسبون ذلك إلى الله عز وجل!

    فهؤلاء يحسبون أنهم ليسوا على خطر، مع أنهم ولجوا في الكفر من أوسع أبوابه، فنسأل الله جل وعلا أن يحفظنا ويحفظ ألسنتنا ويحفظ أقلامنا من هذه التراهات.

    1.   

    أقوال العلماء في حد من سب الله تعالى وأدلتهم

    إن حكم من سب الله أنه يكفر وحده القتل بالاتفاق، وهناك أدلة كثيرة جداً قد مرت في (الصارم) في الكلام على سب الرسول صلى الله عليه وسلم، منها: قول الله تعالى: وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ [الأنفال:12].

    وهناك دليل آخر في الكتاب، وهو: قول الله تعالى عن المنافقين: مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا [الأحزاب:61].

    وأيضاً رأس الأدلة: ما رواه البخاري من حديث عكرمة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه)، فاتفق كل العلماء على أن حد من سب الله هو القتل، واختلفوا بعد ذلك، هل يطابق حكمه حكم الردة مطابقة كلية، أم هي حالة خاصة من الردة؟

    اختلف العلماء في ذلك على أقوال ثلاثة:

    القول الأول: يقتل بكل حال ولا يستتاب، فإن تاب لم تقبل توبته. وهذا مذهب الحنابلة والمالكية.

    القول الثاني: يستتاب ويعامل معاملة المرتد، فإن تاب قبلت توبته وسقط القتل سواء في سب الله أو سب رسوله، وهذا مذهب الشافعية والأحناف ورواية عن أحمد ، وهو قول الجمهور.

    القول الثالث: هو التفريق والتفصيل، فقالوا: نفرق بين الله وبين رسوله، فمن سب الله جل في علاه فتاب قبلت توبته وسقط القتل، ومن سب الرسول صلى الله عليه وسلم فتاب لم تقبل توبته، ولم يسقط القتل، أو نستتيبه فيتوب حتى لا يقتل ردة فيقتل حداً.

    فأقول: قال الشافعي ورواية عن أحمد والأحناف: إذا تاب قبلت توبته وسقط القتل، أما التفريق عند بعض الشافعية وبعض الحنابلة فقد رجَّحوه بالإسلام، قالوا: إذا تاب من سب الله جل في علاه قبلت توبته وسقط القتل، وإن تاب من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلت توبته لكنه لا يسقط عنه القتل بحال، بل لا بد أن يقتل ردعاً وزجراً حتى لا يتجرأ أحد على أن يسبَّ عرض النبي صلى الله عليه وسلم.

    أقوال العلماء في حكم من سب الله ورسوله

    أدلة الأقوال الثلاثة: دليل القول الأول الذين قالوا بأن من سب الله وسب رسوله هو كافر ويجب قتله دون الاستتابة، وهؤلاء لهم حظ من الأثر والنظر.

    أما من الأثر: فقد قالوا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه)، والفاء للتعقيب، وليس ثمة مهلة ولا تراخ، وهذا في الردة فما بالكم بأغلظها وهو التجرؤ على الذات الإلهية المقدسة فوجب القتل دون الاستتابة.

    دليل القول الثاني وهم الشافعية والأحناف ورواية عن أحمد الذين قالوا: تقبل التوبة ويعامل معاملة المرتد، قالوا: (من بدل دينه فاقتلوه)، الفاء للتعقيب، لكن الصحابة الذين هم أعلم الناس برواية النبي صلى الله عليه وسلم وبمراده قد طبقوا الاستتابة في المرتدين، فإن عمر بن الخطاب عندما أرسلوا له في رجل قد ارتد فقتلوه دون استتابة قال: (اللهم إني لم أشهد ولم أرض).

    دليل القول الأول من النظر: قالوا: غِلَظُ هذه الردة في سب الذات الإلهية، أو سب عرض النبي صلى الله عليه وسلم يجرئ السفلة الرعاع على الله وانتهاك حرمته وانتهاك حرمة النبي صلى الله عليه وسلم، والواجب أن نمنع الألسنة من التجرؤ على الله أو على الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا القول له قوة وحظ من النظر.

    ودليل القول الثاني من النظر أنهم نظروا إلى مقاصد الشريعة وقالوا: الشرع ينظر إلى العتق وينظر إلى الحرية، ويأمر بعتق الرقبة، فهل هناك أعظم رقّاً من الكفر؟!

    والله جل في علاه أرحم بالعبد من أمه ومن نفسه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أرأيتم هذه المرأة طارحةً ولدها في النار؟ قالوا: لا، قال: لَلَّهُ أرحم بالعبد من هذه الأم بولدها)، فالله أرحم بالعباد من أنفسهم وأمهاتهم فهو القائل سبحانه: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف:156]، (والله جل في علاه أفرح بتوبة العبد من فرح العبد عندما رجعت إليه دابته وعليها طعامه وشرابه)، كما في الحديث المشهور.

    إذاً: من مقاصد الشريعة، أن الشرع يفتح الأبواب لكل كافر أن يدخل في الإسلام، بل ما بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلا رحمة للعالمين، لدعوة الناس أجمعين؛ وليدخلوا في دين الله أفواجاً، فلا بد أن نفتح لهم الباب حتى يتوبوا ويسقط عنهم القتل، وهذا كلام قوي.

    دليل القول الثالث: التفصيل عند بعض الشافعية وبعض الحنابلة الذين قالوا: التفريق والتفصيل بين الله وبين رسوله، وهؤلاء لهم أدلة كلها من النظر قالوا: الأصل في حق الله المسامحة، كما جاء في الحديث: (من تاب تاب الله عليه)، وقوله: (وإن تقرب إلي عبدي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة). فهذا دليل على أن الأصل في حق الله: المسامحة.

    وأيضاً التجرؤ على الله لا يقلل من هيبة الله وعظمته في القلوب؛ لأن من يتجرأ على الله جل في علاه يعلم أن الله قد يصيبه بالعمى، أو بالموت، أو بتحقير الناس له.

    فإبليس لما أعلن سوء الأدب مع الله تعالى أوجب الله عليه اللعنة، والجميع يعلم أن الله قادر على كل شيء، إذا أراد شيئاً فإنما يقول له: كن فيكون.

    أما إبليس فقد قص الله علينا سوء أدبه معه كما قال الله تعالى وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا * قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [الإسراء:61-62]، إلى آخر الآيات. فإبليس يقدح في حكمة الله جل في علاه، فلسان حاله: ليس من الحكمة ولا من العدل أن يسوي الله بين النار والطين، قال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف:12].

    ولم يتجرأ كثير من الكافرين على أن ينتقصوا من قدر الله، فهم يشركون بالله اعتقاداً منهم أنها ديانة وليست مسبَّةً ولا انتقاصاً، فالذين يعبدون الأصنام يقولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، فهم يعظمون الله ولا يتجرءون على التنقيص من قدر الله ولا الاستهزاء بالذات المقدسة، فقالوا: حرمة الله في القلوب معظمة.

    أما بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم فالأصل في حقه أنه حق آدمي، وهذا الحق لا يسقط إلا إذا أسقطه النبي صلى الله عليه وسلم، فإن لم نجد النبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا فإنه لا يسقط، والدلالة على ذلك ما جاء في الصحيح: (أن رجلاً غائر العينين دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! اعدل فإن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، فقام خالد بن الوليد وقال: يا رسول الله! دعني أضرب عنق هذا المنافق)، فهذا الرجل قدح في عدالة النبي صلى الله عليه وسلم، وارتدَّ بذلك، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أسقط حقه؛ لأن له أن يسقط حقه وهو موجود، لكن لما كان النبي صلى الله عليه وسلم غير موجود بين أظهرنا لم يسقط حقه، فاستحق منتقصه القتل.

    إذاً: الأصل في حق الله جل في علاه المسامحة، وأن من تاب تاب الله عليه، وأن من أتى بقراب الأرض خطايا ثم استغفره سبحانه غفر الله له.

    فهذا التفريق تفريق بديع، وأنا أميل إلى القول الثاني، لولا أن القول الثالث وقوته في حفظ جناب النبي صلى الله عليه وسلم قد ألجأني إلى أن أقول: إن الراجح في هذه الأقوال هو القول الثالث الذي فيه التفريق بين من سب الله وسب رسول الله، فمن سب الله فتاب تاب الله عليه ويسقط عنه القتل، وأما من سب رسول الله فإننا نستتيبه وندعوه إلى التوبة، فإن تاب قتلناه حداً لا ردة، حفظاً لجناب النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولأنه ليس بين أظهرنا حتى يسقط حقه، وأن الأصل في حق الله جل في علاه المسامحة، ولن تصيب الله معرة من سب أحد من الرعاع السفلة، والتجرؤ على ذاته المقدسة.

    1.   

    الأحكام المترتبة على من سب الله وكفر بذلك

    إذا حكمنا بكفر من سب الله جل في علاه ترتب على ذلك عدة أحكام:

    أولاً: تبين منه زوجته ويفسخ العقد؛ لأن النكاح يصبح باطلاً، واختلف العلماء فيما إذا أسلم هل يردها بعقد أم بغير عقد؟ وهل لها عدة أم لا؟ على قولين: القول الأول: لا عدة، الثاني: وهو الصحيح الراجح ما رجحه الشافعية ومن نحا نحوهم بأن العدة قائمة، وأن بينه وبينها عدة، فلو أسلم وقد انقضت العدة، فعليه أن يتقدم للزواج منها بمهرٍ جديد وعقدٍ جديد، أما إذا أسلم في وقت العدة فله أن يردها بغير عقد.

    ثانياً: أنه لو مات لا يدفن في مقابر المسلمين ولا يصلى عليه.

    ثالثاً: لا يرث من المسلم ولا يورث، ويكون ماله فيئاً لبيت مال المسلمين.

    1.   

    حكم سبِّ الأسباب كالدهر والريح

    من سب الدهر أو سب الريح فإنه لا يكفر بذلك؛ لأنه لم يسب الله صراحة؛ ولأنه لم يقصد السب لله جل في علاه، والنبي صلى الله عليه وسلم لما نهى عن سبِّ الريح لم يقل: إنه كفر، ففي الحديث الصحيح: (لا تسبوا الريح)، وأما الحديث الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: (قال الله تعالى: لا تسبوا الدهر، فمن سب الدهر فقد كفر) فهو حديث موضوعٌ ومكذوبٌ على النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث الصحيح هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: لا تسبوا الدهر، فأنا الدهر أقلب الليل والنهار)، وقال: (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار). ولم يذكر الكفر فيه.

    فمن سب الدهر أو سب الريح أو سب الأسباب فإنه لا يكفر بذلك، لكنه على خطر عظيم وعلى شفا هلكة؛ لأنه يتخذ ذلك ذريعة ووسيلة إلى أن يتجرأ على الذات العليا، فالله هو الذي سبب الأسباب؛ وهو الذي خلق الريح؛ وهو الذي يقلب الليل والنهار، وهذه مسألة مهمة للتفريق بين من يسب الله، وبين الذي سب الأيام أو الليالي أو الريح.

    فالذي يسب الأيام والدهر والريح لا يكفر وهو على خطر عظيم، لكن إذا قلنا باللازم فإنه يصبح من الممكن أن الإنسان يكفر، وهذه قاعدة عند علمائنا يعملون بها بفضل الله سبحانه وتعالى دائماً، فيقولون: لازم القول ليس بقول إلا أن يحدث الإقرار من صاحب القول بذلك، فنقول له: لازم قولك أنك تسب الله، فإن التزم هذا القول نقول له: قد كفرت بذلك وإلا فلا.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756479300