قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: هذا في الرجل يكون عليه مال وليس عليه فيه بينة، فيجحد المال ويخاصم إلى الحكام، وهو يعرف أن الحق عليه، وهو يعلم أنه آثم آكل الحرام.
وكذا روي عن مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والحسن وقتادة والسدي ومقاتل بن حيان وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنهم قالوا: لا تخاصم وأنت تعلم أنك ظالم ].
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف في الرواية وإن كان إماماً في التفسير، ومثله الواقدي، فهو مؤرخ قوي في التاريخ، وضعيف في رواية الحديث.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقد ورد في الصحيحين عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا إنما أنا بشر، وإنما يأتيني الخصم، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من نار، فليحملها أو ليذرها).
فدلت هذه الآية الكريمة وهذا الحديث على أن حكم الحاكم لا يغير الشيء في نفس الأمر، فلا يحل في نفس الأمر حراماً هو حرام، ولا يحرم حلالاً هو حلال، وإنما هو ملزم في الظاهر ].
أي أن حكم الحاكم يقطع الخصومة في الدنيا فتنتهي، لكن المبطل إذا كان ملبساً على الحاكم الشرعي وأتى بشاهدي زور فالإثم عليه، والحاكم بريء من إبطال الحق، والخصومة لم تنته؛ لأن هناك خصومة بين يدي الله عز وجل يوم القيامة، قال الله تعالى: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [الزمر:31]، فهناك خصومة يوم القيامة ينتصر فيها الله للمظلوم من الظالم، فليحذر المبطل من أن يستغل ضعف حجة الخصم أو ضياع بينته أو موتها أو ضياع الشهود، وعليه أن يتقي الله ويحذر، فإن حكم الحاكم لا يحل له الحرام، إنما هو يحكم حسب البينات، حتى وإن كان الانتصار فيها للظالم، مثلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار، فليأخذها أو ليذرها).
فالحاكم إنما يحكم على حسب البينات، فإذا زور المزور فالإثم عليه، وسوف يقف بين يدي الله عز وجل مع خصمه يوم القيامة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإنما هو ملزم في الظاهر، فإن طابق في نفس الأمر فذاك، وإلا فللحاكم أجره وعلى المحتال وزره، ولهذا قال تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أي: تعلمون بطلان ما تدعونه وتروجونه في كلامكم.
قال قتادة : اعلم -يا ابن آدم- أن قضاء القاضي لا يحل لك حراماً، ولا يحق لك باطلاً، وإنما يقضي القاضي بنحو ما يرى وتشهد به الشهود، والقاضي بشر يخطئ ويصيب، واعلموا أن من قضي له بباطل أن خصومته لم تنقض، بل يجمع الله بينهما يوم القيامة، فيقضي على المبطل للمحق بأجود مما قضي به للمبطل على المحق في الدنيا ].
وقال أبو حنيفة : حكم الحاكم بطلاق الزوجة إذا شهد عنده شاهدا زور في نفس الأمر، ولكنهما عدلان عنده يحلها للأزواج حتى للشاهدين، ويحرمها على زوجها الذي حكم بطلاقها منه، وقالوا: هذا كلعان المرأة، أنه يبينها من زوجها ويحرمها عليه، وإن كانت كاذبة في نفس الأمر، ولو علم الحاكم بكذبها لحدها ولما حرمها، وهذا أولى ].
وقول الأحناف هذا قول ضعيف، وهو أنه إذا شهد شاهدا زور وحكم الحاكم بطلاقها فإنها تحل في نفس الأمر للأزواج، حتى للشاهدين وهما كاذبان، وهذا قول باطل وضعيف ومخالف للجمهور، الصواب أنها لا تحل لهما إذا كانا كاذبين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ مسألة: قال القرطبي : أجمع أهل السنة على أن من أكل مالاً حراماً ولو ما يصدق عليه اسم المال أنه يفسق، وقال بشر بن المعتمر في طائفة من المعتزلة: لا يفسق إلا بأكل مائتي درهم فما زاد، ولا يفسق بما دون ذلك، وقال الجبائي : يفسق بأكل درهم فما فوقه إلا بما دونه ].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما: سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأهلة، فنزلت هذه الآية: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ يعلمون بها حل دينهم وعدة نسائهم ووقت حجهم ].
حل الدين معناه: إذا كان الدين مؤجلاً إلى شهر أو إلى شهرين أو إلى ثلاثة أشهر فإنه يظهر بالأهلة، وكذلك دخول رمضان وخروجه، ووقت الحج، كله يعرف بالأهلة، وكذلك عدة النكاح، فعدة المرأة بالأشهر عند طلاقها، كل هذا يعرف بالأهلة، والسنة تعرف بمضي اثني عشر شهراً وهكذا، والأشهر تعرف بالأهلة.
وقوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) المواقيت: المواعيد المحددة في الديون والآجال وعِدَد النساء، وفي دخول شهر رمضان وخروجه وزمن الحج.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال أبو جعفر عن الربيع عن أبي العالية : بلغنا أنهم قالوا: (يا رسول الله! لم خلفت الأهلة؟ فأنزل الله: ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ )[البقرة:189]).
يقول: جعلها الله مواقيت لصوم المسلمين وإفطارهم، وعدة نسائهم، ومحل دينهم.
وكذا روي عن عطاء والضحاك وقتادة والسدي والربيع بن أنس نحو ذلك.
وقال عبد الرزاق عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جعل الله الأهلة مواقيت للناس، فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوماً).
ورواه الحاكم في مستدركه من حديث ابن أبي رواد به، وقال: كان ثقة عابداً مجتهداً شريف النسب، فهو صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وقال محمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جعل الله الأهلة، فإذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن أغمي عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) ].
وكذا روي من حديث أبي هريرة ومن كلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
قال البخاري : حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه قال: (كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره، فأنزل الله: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا [البقرة:189]).
وكذا رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة عن أبي إسحاق عن البراء قال: كانت الأنصار إذا قدموا من سفرهم لم يدخل الرجل من قبل بابه، فنزلت هذه الآية.
وقال الأعمش عن أبي سفيان عن جابر : كانت قريش تُدعى الحمس، وكانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام، وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من باب في الإحرام ].
أي: إذا جاء الرجل من غير قريش محرماً يريد أن يدخل البيت فإنه يتسلق الجدار، إلا الحمس (قريش) فإنه يفتح لهم الباب فيدخلون، أما غيرهم فلا، فهم متشددون من جهلهم.
قال: [ فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بستان إذ خرج من بابه وخرج معه قطبة بن عامر من الأنصار فقالوا: يا رسول الله! إن قطبة بن عامر رجل فاجر وإنه خرج معك من الباب ].
لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أحمسي من قريش، وقد خرج من الباب، وقطبة هذا ليس من الحمس، ومع ذلك خرج من الباب، وغير الأحمس يتسلق ولا يدخل، وقطبة هذا فعل مثلما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج من الباب.
قال : [ (فقالوا: يا رسول الله! إن
قولهم: (رجل فاجر) أي: خالف ما عليه الناس فخرج من الباب.
قال: [ (قال: رأيتك فعلته ففعلت كما فعلت، فقال: إني رجل أحمس) ].
أي: قال: أنا من الحمس، وأنت لست من الحمس، والحمس يدخلون من الباب، وغير الحمس لا يدخلون.
قال: [ (قال له: فإن ديني دينك، فأنزل الله: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا [البقرة:189]) رواه ابن أبي حاتم ، ورواه العوفي عن ابن عباس بنحوه.
وكذا روي عن مجاهد والزهري وقتادة وإبراهيم النخعي والسدي والربيع بن أنس .
وقال الحسن البصري : كان أقوام من أهل الجاهلية إذا أراد أحدهم سفراً وخرج من بيته يريد سفره الذي خرج له، ثم بدا له بعد خروجه أن يقيم ويدع سفره، لم يدخل البيت من بابه، ولكن يتسوره من قبل ظهره، فقال الله تعالى: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا) الآية.
وقال محمد بن كعب : كان الرجل إذا اعتكف لم يدخل منزله من باب البيت، فأنزل الله هذه الآية.
وقال عطاء بن أبي رباح : كان أهل يثرب إذا رجعوا من عيدهم دخلوا منازلهم من ظهورها ويرون أن ذلك أدنى إلى البر، فقال الله تعالى: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا)، ولا يرون أن ذلك أدنى إلى البر ].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقوله: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [البقرة:189] أي: اتقوا الله فافعلوا ما أمركم به، واتركوا ما نهاكم عنه ( لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) غداً إذا وقفتم بين يديه، فيجازيكم بأعمالكم على التمام والكمال ].
و(لعلكم) هنا للتعليل، أي: اتقوا الله لكي تفلحوا، وسبب نزولها أن الناس من غير الحمس كانوا إذا أحرم أحدهم تسلق الجدار، فأنزل الله هذه الآية، وقال فيها: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى [البقرة:189]، أي أن البر فعل التقوى، وليس من البر كون الإنسان يتسلق الجدار.
وفي هذه الآية بيان أن الاعتماد في دخول الشهر وخروجه، وفي الصيام، وفي الحج إنما هو على الأهلة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدد -وفي لفظ-: فعدوا الشهر ثلاثين).
وهذا هو الذي عليه جماهير العلماء من السلف والخلف، وهو أن العبرة بالأهلة في دخول الشهر وخروجه، لا بالحساب الفلكي، ولكن إذا استعين بالمراصد في معرفة الهلال فلا بأس، ومن يعرف الهلال له أن يستعين بالمراصد لأنها تقرب الهلال، وقد روي عن بعضهم الاعتماد على الحساب، مثل مطرف بن الشخير من التابعين، وابن جريج وجماعة، ثم ترك هذا القول في العصور المتأخرة، وهو قول ضعيف لا وجه له، وهو مصادم للأدلة. كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقد ذكر الإجماع على اعتماد الأهلة، وأنه لا يعتمد على الحساب في دخول الشهر وخروجه، وفي الصيام، وفي الحج، والقول بأنه يعتمد على الحساب قول ضعيف وساقط، وليس له وجه، بل هو مصادم للأدلة، ولهذا قال الله تعالى في هذه الآية الكريمة: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة:189]، فمواقيت الناس والحج هي الأهلة، فلا يعتمد على المراصد، ولا يعتمد على الحساب؛ لأن أهل الكتاب من اليهود والنصارى هم الذين يعتمدون على الحساب؛ لأن أشهرهم على الشمس، أما المسلمون فيعتمدون على الأهلة، للنصوص التي دلت على ذلك، كما في هذه الآية الكريمة، وكما في الأحاديث الصحيحة.
الجواب: الجمهور يرون أن أقل الاعتكاف يوم؛ لأنهم يرون أن الاعتكاف لابد فيه من الصوم، والصوم أقله يوم، وذهب بعض العلماء إلى أنه لا حد لأقله، واختار هذا النووي وجماعة، والإمام ابن ماجة رحمة الله عليه يقول: إذا دخل المسجد ونوى ولو ساعة أو ساعتين فإنه يكتب له نية الاعتكاف.
الجواب: لا، فقد جاء للصلاة وليس للاعتكاف.
الجواب: لابد من رؤيته بالعين المجردة، والآلات يستعان بها.
الجواب: يقال له: ما هو وجه الضبط؟ فإن قال: وجه الضبط أنه لا يتغير قلنا: بل الميلادي يتغير، فعندهم السنة الكبيسة، وعندهم تغير في الشهور، فشهر يكون عدد أيامه ثمانية وعشرين، وشهر تسعة وعشرين، وشهر ثلاثين، وشهر واحداً وثلاثين يوماً، ومع هذا فلو فرضنا أنها ثابتة فالعبرة بالنصوص، بالإضافة إلى أن الأشهر العربية ثابتة، فأنت ترى هلال الشهر بعينك، وإن لم تره فأكمل الشهر، والنصوص لا تعارض بمثل هذا الكلام، ولا تعارض بالرأي الفاسد، ولقد جاءت النصوص باعتماد الأهلة فلا نعارضها بالقياس ونقول: هذا تاريخ ثابت؛ لأن القياس الفاسد هو معارضة النصوص بالعقل والرأي المجرد، وهذه قاعدة عند الأصوليين، ولما عارض إبليس النص -حين قال له الله: اسجد لآدم- بالرأي الفاسد طرده الله ولعنه، قال العلماء: إن القياس الفاسد هو القياس في مقابلة النص، فلا ينبغي للإنسان أن يقول: إن الأشهر هذه ثابتة ليعارض بها النصوص، وإنما على المسلم أن يقول: سمعنا وأطعنا. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة)، والله عز وجل يقول: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [النور:51] فلا تعارض النصوص بالآراء ولا بالعقول.
الجواب: لا يصلح هذا، وينبغي أن يحتاط للخروج منه.
الجواب: بعد صلاة الفجر، وإن دخل قبل الغروب فهو أولى، لكن العلماء نصوا على أنه يدخل بعد الفجر.
الجواب: نسأل الله أن ينصر المجاهدين، وأن يؤيدهم، ويرحم ضعفهم، ويجبر كسرهم، ونسأل الله أن يخذل الكفرة والمنافقين، ونسأل الله أن يخذل اليهود، ونسأل الله أن ينصر إخواننا المسلمين في كل مكان.
الجواب: هذا يحتاج إلى تأمل.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر