حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح وابن عبدة في آخرين -وهذا لفظ ابن عبدة - قال: أخبرنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة (أن أعرابياً دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فصلى -قال ابن عبدة : ركعتين- ثم قال: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد تحجرت واسعاً، ثم لم يلبث أن بال في ناحية المسجد، فأسرع الناس إليه، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين، صبوا عليه سجلاً من ماء. أو قال: ذنوباً من ماء ) ].
وهذا الحديث أخرجه الترمذي والنسائي ، وأخرجه ابن ماجة من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ، وأخرجه الشيخان من حديث أنس بن مالك ، وهو معروف عند أهل العلم بحديث الأعرابي، والأعرابي: من الأعراب، وهم سكان البادية.
وفيه أن هذا الأعرابي قال: [ اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً ] ثم بال، وجاء في الأحاديث الأخرى أن بوله سابق على قوله أولاً، ثم بعد ذلك لما زجره الصحابة، وعلمه النبي صلى الله عليه وسلم، ورفق به قال: [ اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً ]؛ لأنه لما رأى خلق النبي صلى الله عليه وسلم ومعاملته، ورأى شدة بعض الصحابة عليه فقال: [اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً]. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: [ (لقد تحجرت واسعاً) ] ثم لم يلبث أن بال في ناحية المسجد، وقوله: [ يلبث ] هو من لبث يلبث، من باب فرح يفرح، فالأقرب أنه بال أولاً، ثم لما رأى معاملة النبي صلى الله عليه وسلم قال: [اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً]. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: [ (لقد تحجرت واسعاً) فرحمة الله واسعة.
وفي هذا الحديث من الفوائد: رفق النبي صلى الله عليه وسلم بالأمة، وأنه ينبغي الرفق بالجاهل وتعليمه، ولهذا قال النبي: [ (إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين) ] يعني: إنما بعث الله نبيكم صلى الله عليه وسلم الذي تأتمون به وتتأسون به إنما بعث بالتيسير لا بالتعسير، وجاء في رواية أخرى أن النبي قال: (دعوه -وفي لفظ قال: لا تزرموه- حتى قضى بوله ثم أمر بسجل من ماء فصب عليه)، وهذه هي الحكمة، لأنه لما زجره الصحابة لو تركهم النبي صلى الله عليه وسلم يزجرونه لحصل مضار على المسجد وعلى البائل: أولاً: يقطع عليه بوله، وهذا يؤثر عليه صحياً.
ثانياً: يقوم ثم يلطخ بوله ثيابه، وتكون بقع البول في نواح متعددة من المسجد، وكل هذه مفاسد، أما إذا ترك يبول في مكان واحد سلم من الضرر الصحي، وسلم جسمه من البول، وسلمت ثيابه من البول، وسلمت الأماكن الأخرى من البول، ثم يؤتى ويصب عليه الماء وتنتهي المسألة؛ ولهذا ينبغي للإنسان المسلم أنه إذا أراد أن ينكر منكراً أن يتأمل، وأن يحيط بالعواقب والآثام قبل أن ينهى، وينظر ما يترتب على هذا المنكر، ولهذا ما سلكه النبي صلى الله عليه وسلم هو عين الحكمة والمصلحة، قال: (دعوه لا تزرموه، حتى قضى بوله، ثم أمر بسجل من ماء وصب عليه، ثم أتى الأعرابي وقال: له يا فلان! إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من القذر والبول، إنما هي لذكر الله والصلاة) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
وفيه دليل على أنه ينبغي الرفق بالجاهل وعدم العنف، وكذا المتعمد، إذا كان يترتب على التغليظ عليه مفسدة، فلا يغلظ عليه؛ لأنه يترتب على زجره وقيامه من البول مفاسد كما سمعنا.
وفيه دليل على أن البول إذا كان في الأرض، يكاثر بالماء ولا يحجر بالتراب ولا ينقل ترابه، فالبول إذا كان في الأرض يصب عليها الماء ويكاثر، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يصب عليه سجل من ماء، ولم ينقل ترابه، أما ما جاء أنه نقل ترابه كما سيأتي فلا يصح، فلم يأمر بنقل ترابه ولا بتحديد التراب، فإذا كان البول في غير الأرض فإنه يغسل، وإذا كان في بسط أو فرش كبيرة فإنه يقلب أو يثقل كما قال أهل العلم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جرير-يعني: ابن حازم - قال: سمعت عبد الملك -يعني ابن عمير - يحدث عن عبد الله بن معقل بن مقرن قال: (صلى أعرابي مع النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القصة -قال فيه وقال يعني: النبي صلى الله عليه وسلم-: خذوا ما بال عليه من التراب فألقوه وأهريقوا على مكانه ماءً) قال أبو داود : هو مرسل؛ ابن معقل لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ].
هذا الحديث كما قال أبو داود رحمه الله مرسل، ابن معقل بن مقرن لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم والمرسل ضعيف، فلا حجة فيما دل عليه من أخذ التراب وإلقائه، والصواب: ما دل عليه الحديث المرفوع من صب الماء على التراب من دون أخذ التراب وإلقائه.
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب حدثني حمزة بن عبد الله بن عمر قال ابن عمر رضي الله عنهما (كنت أبيت في المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت فتى شاباً عزباً، وكانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد، فلم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك) ].
وهذه الترجمة في حكم طهور الأرض إذا يبست، يعني: إذا أصاب الأرض بول مثلاً أو نجاسة ثم يبست بالشمس أو بالهواء، فهل تطهر أو لا تطهر؟ نقول: إذا كانت النجاسة لها جرم فلا بد أن ينقل الجرم، فإذا كانت عذرة أو قطع فنقله لا بد منه، لكن إذا كان بولاً ثم يبست الأرض بالشمس أو بالريح، فظاهر ترجمة المؤلف رحمه الله واختياره أنها إن جفت بالشمس أو بالريح فإنها تطهر، وهذا هو اختيار الأحناف، وما وروي عن أبي قلابة ، واختيار شارح عون المعبود: أبي الطيب محمد شمس الدين ، يقول: إذا أصابت الأرض نجاسة فلها وجهان في التطهير: الوجه الأول: صب الماء عليها، والثاني: جفافها ويبسها بالشمس أو بالهواء، وكأن ظاهر اختيار أبي داود في الترجمة هو هذا، وذهب جمهور العلماء إلى أنه لا بد من الماء وأنها لا تطهر، وأجابوا عن هذا الحديث أولاً: بأن النجاسة محتملة وليست ظاهرة، والأصل الطهارة، وكون الكلاب تقبل وتدبر في المسجد فهذا محتمل أن يكون فيه نجاسة وليست ظاهرة، ولو رأوها لما تركوها هذا محتمل، وفي رواية أبي داود هنا: كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد؛ لأن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عليه أبواب، لكن حديثاً رواه البخاري لفظة: كانت الكلاب تقبل وتدبر في المسجد، في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس في رواية البخاري : لفطة: تبول، فلم يكونوا يرشون شيئاً، إذ أن الأصل الطهارة، وهم لم يروا شيئاً، ولو رأوا شيئاً لغسلوه، وكونها تمر لا يدل على أنها تنجس المسجد ولا سيما إذا كانت يابسة، وهذا لا يوجب غسله والأصل الطهارة، ولم يكونوا يروا شيئاً، ولو رأوا شيئاً لغسلوه، فليس فيه حجة في أن النجاسة إذا يبست بالشمس أو بالهواء يكفي بدون الماء، وليس في رواية البخاري : تبول، إنما في روايته تقبل وتدبر؛ لأن المساجد ليس فيها أبواب، والصواب: ما علمته من العلماء أن النجاسة لا يكفي في تطهيرها الجفاف بالشمس أو بالهواء، بل لا بد من غسلها بالماء، والغسل لا يحتاج إلى نية، فلو جاء المطر وصب عليها لكفى وطهرت؛ لأنها ليست كالعبادة التي تحتاج إلى نية.
إذا اندثر على النجاسة التي في الأرض من الثرى طبقة كبيرة فهي طاهرة، لكن إذا علم النجاسة فلا بد من صب الماء علهيا كما في حديث الأعرابي، وهذا هو الأصل، فلو كانت الشمس والريح تكفي لقالوا: اتركوه حتى تيبس الأرض وتجف، فلما لم يشهد النبي صلى الله عليه وسلم للجفاف، وأمر بأن يصب سجل من ماء على بول الأعرابي، فدل على أنه لا بد من الماء، ولو كان يكفي لقال: اتركوه يجف وييبس ويطهر.
والنجاسة إذا مسستها بيدك وهي يابسة لا يضر، لكن إذا كانت يدك رطبة أو النجاسة رطبة فلا بد حينئذ من الغسل.
وما ورد في رواية أبي داود لم يرد في لفظ البخاري يعني قوله تبول، وقوله: (تقبل وتدبر): هذا يحتمل أنها قد تبول، لكن هذا شيء غير محقق، والصحابة لم يروا شيئاً، ولو رأوا النجاسة لغسلوها كما في حديث الأعرابي.
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم عن محمد بن إبراهيم عن أم ولد لـإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنها سألت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر فقالت
وهذه الترجمة معقودة لبيان حكم النجاسة تصيب الذيل، والذيل: طرف الثوب الذي إلى الأرض، فقد كانت المرأة سابقاً تطيل الثوب حتى يغطي ظهور قدميها؛ ولهذا لما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إرخاء الثوب، قيل: ما تفعل النساء، تنكشف أقدامهن، قال: (يرخينه شبراً فقالت
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي وأحمد بن يونس قالا: حدثنا زهير حدثنا عبد الله بن عيسى عن موسى بن عبد الله بن يزيد عن امرأة من بني عبد الأشهل قالت (قلت: يا رسول الله، إن لنا طريقاً إلى المسجد منتنة فكيف نفعل إذا مطرنا؟ قال: أليس بعدها طريق هي أطيب منها؟ قالت: قلت: بلى، قال: فهذه بهذ) ].
يعني: هذه تطهر هذه، فهذان الحديثان في طهارة ذيل المرأة، ولا بأس بسند الحديثين، فالحديث الأول مقبول، ويسانده الحديث الثاني، والثاني أصح من الأول؛ لأن الأول فيه أم ولد إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وهي مقبولة كما في التقريب، وفي هذا يكون درجة الحديث في القوة والصحة أقل من الثاني، وهما يدلان على طهارة ذيل المرأة إذا مرت بطريق فيها نجاسة، ثم مرت بأخرى طيبة، وزالت عين النجاسة عند اختلاطها بالطين والتراب ويبست وتناثرت أو كانت يابسة فلا يضر، أما إذا بقيت فلا بد من تطهير النجاسة في الثوب بغسله، ويكون الحكم السابق من باب التخفيف، دفعاً للمشقة، كالنعلان كما سيأتي فإنهما يطهران بالدلك والحك.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو المغيرة ح وحدثنا عباس بن الوليد بن مزيد أخبرني أبي، ح وحدثنا محمود بن خالد ، حدثنا عمر -يعني ابن عبد الواحد -عن الأوزاعي: قال أنبئت أن سعيد بن أبي سعيد المقبري
حدث عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا وطىء أحدكم بنعله الأذى، فإن التراب له طهور)].وهذا الحديث فيه حكم الأذى والنجاسة تصيب النعل، وفيه أن التراب له طهور ويكفي، لكن الحديث هذا ضعيف؛ لأن فيه مجهول وهو من أخبر الأوزاعي بهذا الحديث، لكن الحديث الذي بعده يشهد له.
قال: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثني محمد بن كثير -يعني الصنعاني - عن الأوزاعي ، عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه، قال: (إذا وطىء الأذى بخفيه فطهورهما التراب) ].
وهذا الحديث رواه ابن حبان والحاكم ، قال النووي : رواه أبو داود بسند صحيح، والحديث وإن كان في سنده محمد بن كثير وهو ضعيف، لكن تابعه أبو المغيرة والوليد بن مزيد وعمر بن عبد الواحد عن الأوزاعي فيكون الحديث دليلاً على طهارة النعل بالدلك والتراب، دفعاً للمشقة ويؤيد هذا الحديث، ما أخرجه المؤلف أبو داود في باب الصلاة في النعال من حديث أبي سعيد مرفوعاً: (وفيه إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذراً أو أذى فليمسحه وليصل فيهم)، وهذا إسناد صحيح ويكون هذا من باب دفع المشقة، فالنعل والخف إذا دلكهما كفى، كما أن ذيل المرأة إذا مر في أرض نجسة ثم مر بأرض أخرى طيبة، ودُلك عند المشي بالتراب وأزيلت عين النجاسة صار طاهراً دفعاً للمشقة.
قال: [حدثنا محمود بن خالد حدثنا محمد -يعني ابن عائذ - حدثني يحيى -يعني ابن حمزة - عن الأوزاعي عن محمد بن الوليد أخبرني أيضاً سعيد بن أبي سعيد ، عن القعقاع بن حكيم عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعناه ].
بمعناه يعني: إذا وطئ الأذى بخفيه يدلكهما بالتراب ويطهرهما به.
حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثتنا أم يونس بنت شداد قالت: حدثتني حماتي أم جحدر العامرية : (أنها سألت
وهذه الترجمة يقول المؤلف رحمه الله: باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب.
فإذا قيل: هل تعاد الصلاة؟
فالجواب: إذا كانت النجاسة في الثوب، فظاهر ترجمة المؤلف أنه إذا صلى في ثوب فيه نجاسة فإنه يعيد الصلاة، لكن الحديث الذي ذكره هنا ضعيف، أولاً: فيه مجهولان: أم يونس بنت شداد مجهولة، وأم جحدر العامرية مجهولة.
ثم أيضاً ليس في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أعاد الصلاة من النجاسة، فيه أن أم جحدر العامرية سألت عائشة عن دم الحيض يصيب الثوب، فقالت: (كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلينا شعارنا) الشعار هو الثوب الذي يلي الجسد (وقد ألقينا فوقه كساء فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الكساء فلبسه، ثم خرج فصلى الغداة -أي: الصبح- ثم جلس فقال رجل: يا رسول الله! هذه لمعة من دم، فقبض رسول الله على ما يليها -ما يلي اللمعة يعني: البقعة- فبعث بها إلي مصرورة -تقول
وإذا صلى الإنسان في ثوب فيه نجاسة أو في بدنه أو البقعة التي يصلي فيها ثم لم يعلم إلا بعد الصلاة، فالصواب: أنه لا يعيد، وصلاته صحيحة، ومن الأدلة على هذا: حديث أبي سعيد في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بنعاله وخلعها في أثناء الصلاة لما أخبره جبريل أن بها أذى ولم يعد ما مضى من الصلاة، فدل على أنه لا يعيد الصلاة إذا لم يعلم إلا بعد فراغه.
وقال بعض أهل العلم: يعيد الصلاة، كما قال أبو داود هنا، والصواب: أنه لا يعيد، أما إذا علم في أثناء الصلاة، فإن كان يستطيع أن يلقي ما فيه نجاسة فعل واستمر في صلاته، كأن تكون النجاسة في منديل أو عمامة أو كوفية فإنه يلقيها ويستمر في صلاته، وإن لم يستطع فإنه يقطع صلاته، ويزيل النجاسة ثم يستأنف الصلاة، كما لو كانت في ثوبه فتنكشف عورته، أو كانت على بدنه وهذا بخلاف الحدث، فإن النجاسة في الثوب تختلف عن الحدث، فإنه إذا صلى وهو محدث ثم علم بعد الصلاة فإنه يعيد الصلاة مطلقاً؛ لأن الوضوء شرط في صحة الصلاة وهو من باب الإيجاد فلا بد من إيجاده، بخلاف النجاسة فإنها من باب الترك أما الوضوء فلا بد منه، لكن إن كان إماماً، فإنه يعيد وحده، وقد حصل لـعمر رضي الله عنه أنه صلى بالناس، ثم رأى أثر الاحتلام في الضحى فأعاد وحده الصلاة أما إذا كان الحدث في أثناء الصلاة فإنه يستأنف الصلاة مطلقاً، لكن إن كان إماماً فإنه يستنيب من يتم بهم الصلاة وقيل: إن نائبه يستأنف بهم الصلاة ويبتدئ الصلاة من جديد، والأول أصح، وقول من فرق بين سبق الحدث في الإمام وعدم سبقه، فيستأنف بهم الصلاة إذا سبقه ويتم بهم إذا لم يسبقه كما هو مذهب الحنابلة فهو قول ضعيف، وقد سبق لنا في أبي داود أن الصواب أنه يستنيب من يتم بهم الصلاة ولو سبقه الحدث، أما الحنابلة فإنهم يفرقون بين ما إذا سبقه الحدث فإن النائب يستأنف بهم الصلاة، أما إذا لم يسبقه الحدث فإنه يتم بهم الصلاة، ولهذا يقول الحنابلة: وتبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة إمامه، فلا استخلاف، يعني: فلا يستخلف، وعن الإمام أحمد لا تبطل وهو الصواب والأئمة الثلاثة على أنها لا تبطل، فإن عمر استخلف بعد أن سبقه الحدث، وأما هذا الحديث فهو ضعيف، كذلك ليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعاد الصلاة، وقد يقال: إن أبا داود لم يجزم بالحكم، وإنما قال: باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب، يعني: هل تعاد أو لا تعاد؟
لكن ظاهره: أنه يعيد، والصواب: أنه لا يعيد كما سبق، وإن قال به بعض العلماء.
حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثتنا أم يونس بنت شداد قالت: حدثتني حماتي أم جحدر العامرية : (أنها سألت
وهذه الترجمة يقول المؤلف رحمه الله: باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب.
فإذا قيل: هل تعاد الصلاة؟
فالجواب: إذا كانت النجاسة في الثوب، فظاهر ترجمة المؤلف أنه إذا صلى في ثوب فيه نجاسة فإنه يعيد الصلاة، لكن الحديث الذي ذكره هنا ضعيف، أولاً: فيه مجهولان: أم يونس بنت شداد مجهولة، وأم جحدر العامرية مجهولة.
ثم أيضاً ليس في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أعاد الصلاة من النجاسة، فيه أن أم جحدر العامرية سألت عائشة عن دم الحيض يصيب الثوب، فقالت: (كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلينا شعارنا) الشعار هو الثوب الذي يلي الجسد (وقد ألقينا فوقه كساء فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الكساء فلبسه، ثم خرج فصلى الغداة -أي: الصبح- ثم جلس فقال رجل: يا رسول الله! هذه لمعة من دم، فقبض رسول الله على ما يليها -ما يلي اللمعة يعني: البقعة- فبعث بها إلي مصرورة -تقول
وإذا صلى الإنسان في ثوب فيه نجاسة أو في بدنه أو البقعة التي يصلي فيها ثم لم يعلم إلا بعد الصلاة، فالصواب: أنه لا يعيد، وصلاته صحيحة، ومن الأدلة على هذا: حديث أبي سعيد في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بنعاله وخلعها في أثناء الصلاة لما أخبره جبريل أن بها أذى ولم يعد ما مضى من الصلاة، فدل على أنه لا يعيد الصلاة إذا لم يعلم إلا بعد فراغه.
وقال بعض أهل العلم: يعيد الصلاة، كما قال أبو داود هنا، والصواب: أنه لا يعيد، أما إذا علم في أثناء الصلاة، فإن كان يستطيع أن يلقي ما فيه نجاسة فعل واستمر في صلاته، كأن تكون النجاسة في منديل أو عمامة أو كوفية فإنه يلقيها ويستمر في صلاته، وإن لم يستطع فإنه يقطع صلاته، ويزيل النجاسة ثم يستأنف الصلاة، كما لو كانت في ثوبه فتنكشف عورته، أو كانت على بدنه وهذا بخلاف الحدث، فإن النجاسة في الثوب تختلف عن الحدث، فإنه إذا صلى وهو محدث ثم علم بعد الصلاة فإنه يعيد الصلاة مطلقاً؛ لأن الوضوء شرط في صحة الصلاة وهو من باب الإيجاد فلا بد من إيجاده، بخلاف النجاسة فإنها من باب الترك أما الوضوء فلا بد منه، لكن إن كان إماماً، فإنه يعيد وحده، وقد حصل لـعمر رضي الله عنه أنه صلى بالناس، ثم رأى أثر الاحتلام في الضحى فأعاد وحده الصلاة أما إذا كان الحدث في أثناء الصلاة فإنه يستأنف الصلاة مطلقاً، لكن إن كان إماماً فإنه يستنيب من يتم بهم الصلاة وقيل: إن نائبه يستأنف بهم الصلاة ويبتدئ الصلاة من جديد، والأول أصح، وقول من فرق بين سبق الحدث في الإمام وعدم سبقه، فيستأنف بهم الصلاة إذا سبقه ويتم بهم إذا لم يسبقه كما هو مذهب الحنابلة فهو قول ضعيف، وقد سبق لنا في أبي داود أن الصواب أنه يستنيب من يتم بهم الصلاة ولو سبقه الحدث، أما الحنابلة فإنهم يفرقون بين ما إذا سبقه الحدث فإن النائب يستأنف بهم الصلاة، أما إذا لم يسبقه الحدث فإنه يتم بهم الصلاة، ولهذا يقول الحنابلة: وتبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة إمامه، فلا استخلاف، يعني: فلا يستخلف، وعن الإمام أحمد لا تبطل وهو الصواب والأئمة الثلاثة على أنها لا تبطل، فإن عمر استخلف بعد أن سبقه الحدث، وأما هذا الحديث فهو ضعيف، كذلك ليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعاد الصلاة، وقد يقال: إن أبا داود لم يجزم بالحكم، وإنما قال: باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب، يعني: هل تعاد أو لا تعاد؟
لكن ظاهره: أنه يعيد، والصواب: أنه لا يعيد كما سبق، وإن قال به بعض العلماء.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا ثابت البناني عن أبي نضرة قال (بزق رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبه وحك بعضه ببعض).
حدثنا موسى بن إسماعيل قال: أخبرنا حماد عن حميد عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله ].
الحديث الأول مرسل عن أبي نضرة وهو ضعيف، لكن الحديث الثاني الذي بعده مسند وهو دليل على طهارة البزاق، وكذا النخامة والمخاط، وإذا بصق في الصلاة فلا تفسد صلاته، كذلك إذا بصق في منديل أو في ثوبه، ويرد بعضه على بعض، وإذا كان في الصحراء خارج المسجد فلا بأس أن يبصق عن يساره في الأرض، أما إذا كان في الصلاة فإنه يبصق في ثوبه أو في منديل، وفي الصحراء يبصق عن يساره أو تحت قدمه، وإذا أصاب البصاق الثوب فإنه طاهر والبزاق هو البصاق، بضم الباء، أما البزاق ففيه ثلاث لغات: بُزاق، بَزاق، بِزاق، أو بصاق وبساق بالصاد وبالسين، وهذا الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بزق في ثوبه وحك بعضه على بعض، فدل على أن البزاق طاهر، والحديث الأول وإن كان مرسلاً إلا أن الحديث الثاني يسانده.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر