أما بعد:
فإن مما ينافي التوحيد والإيمان الشرك والكفر، وقد سبق الكلام على مباحث الكفر، وأن الكفر ينقسم إلى قسمين: كفر اعتقادي، وكفر عملي، وأن الكفر الاعتقادي بأنواعه الخمسة يخرج من الملة، ويحبط الأعمال، ويخلد صاحبه في النار، ولا يغفره الله إلا بالتوبة منه، نسأل الله العافية.
وأما الكفر العملي فإنه ينقسم إلى قسمين: كفر يخرج من الملة، وكفر لا يخرج من الملة، وقد سبق أن ذكرنا أن بعض الناس يقول: إن الكفر لا يكون إلا بالتكذيب أو الجحود أو الإباء أو الاستكبار فقط، وهذا القول ليس معروفاً عن السلف ولا عن العلماء ولا عن الأئمة، وإنما هو قول للجهمية المرجئة.
وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية الإمام المجتهد رحمه الله تعالى إجماع العلماء أن من قدر على أن ينطق بالشهادتين فلم ينطق فإنه كافر، وهو كافر باطناً وظاهراً عند سلف الأمة وأئمتها وجماهير العلماء.
وذهبت المرجئة إلى أنه لا يكون كافراً في الباطن، بل يكون كافراً في الظاهر، وهذا قول جهمية المرجئة، كـالجهم والصالحي ، فيقال: إن هذا القول قول مبتدع لم يقله أحد من العلماء ولا الأئمة، وإنما هو قول مبتدع قالته الجهمية المرجئة، ومن المعلوم أن التكلم باللسان عمل، فالقول بأن الكفر لا يكون إلا بالتكذيب والجحود، أو بالإباء والاستكبار قول باطل لا وجه له، وإنما هو قول المرجئة الجهمية كـالجهم بن صفوان والصالحي ، فهؤلاء هم الذين يقولون: إن الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان، بل قال الجهم : إن الإيمان هو معرفة الرب بالقلب، والكفر: هو جهل الرب بالقلب، فلا تضر مع الإيمان معصية، كما أنه لا تنفع مع الكفر طاعة.
وعند المرجئة -أيضاً- أن الإنسان إذا لم ينطق بالشهادتين وهو مصدق في الباطن فإنه يكون مسلماً، وهذا قول باطل كما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله، فقد نقل اتفاق وإجماع العلماء على أن من لم ينطق بالشهادتين مع القدرة فهو كافر باتفاق المسلمين، وهو عند السلف وجماهير العلماء كافر باطناً وظاهراً، وعند المرجئة كافر ظاهراً لا باطناً، وقال: وهذا قول مبتدع لا أصل له، فينبغي أن يعلم أن هذا القول وهذه الشنشنة التي نسمعها من بعض الناس، وهي أن الكفر لا يكون إلا بالتكذيب والجحود أو الإباء والاستكبار قول باطل، وهو قول المرجئة والجهمية، والصواب أن الكفر يكون بالقول ويكون بالفعل ويكون بالاعتقاد ويكون بالشك، كما في قول الله تعالى: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ [التوبة:74] أي: كفروا بالحلف، وقال تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66] فأثبت لهم كفراً بعد الإيمان بالاستهزاء، وهو عمل، فالقول بأن الكفر لا يكون بالعمل ولا يكون بالقول وإنما يكون بالجحود فقط قول لم يقله أحد من العلماء، بل إذا قدر على التكلم بالشهادتين ولم يتكلم فهو كافر.
وكذلك من سب نبياً من الأنبياء، أو قتله، أو استهان بالمصحف قاصداً ذلك، أو لطخه بالنجاسة، أو بال عليه، فهو كافر باتفاق العلماء، ولم يخالف في هذا إلا المرجئة، والمرجئة والجهمية لا عبرة بخلافهم، فينبغي أن يعلم أن هذا القول -وهو أن الكفر لا يكون إلا بالجحود والإباء والاستكبار- قول باطل لا أساس له من الصحة، وهو مخالف لاتفاق العلماء ولما قرره الأئمة، ومخالف لما قرره السلف، وإنما نبهت على هذا الأمر لأهميته.
قسم يخرج من الملة إذا كان شكاً في العبادة، أو ناقضاً من نواقض الإسلام.
والقسم الثاني: لا يخرج من الملة كما سبق.
واتفق العلماء على أنه إذا جحد وجوب الصلاة عن علم ولم يكن مثله يجهل ذلك فإنه يكفر بالاتفاق، وكذلك إذا جحد وجوب الزكاة، أو جحد وجوب الصوم، أو جحد وجوب الحج، فإنه يكفر إذا كان عالماً، أما إذا كان مثله يجهل ذلك كأن يكون في بلاد بعيدة؛ فإنه لا يكفر حتى يستتاب وتقام عليه الحجة، فإذا أقيمت عليه الحجة وأصر حكم بكفره؛ لأنه أنكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، وكذلك لو أنكر تحريم شيء مجمع على تحريمه وهو معلوم من الدين بالضرورة، كأن ينكر تحريم الفواحش، أو تحريم الزنا، أو الربا، أو شرب الخمر، أو تحريم السرقة، فهذا يكفر، إلا إذا كان مثله يجهل ذلك، بأن نشأ في بلاد بعيدة، أو أسلم حديثاً وهو لا يعلم الحكم، فهذا لا يحكم بكفرة حتى تقام عليه الحجة، ويبين له ويستتاب، فإن تاب وإلا قتل كافراً.
وأما إذا لم يجحد وجوب الصلاة وإنما تركها كسلاً وتهاوناً؛ فهذا هو موضع الخلاف، أو ترك الزكاة بخلاً وتهاوناً، أو ترك الصوم كسلاً وتهاوناً، أو ترك الحج كسلاً وتهاوناً، فهذه الأركان الأربعة إذا تركها كسلاً وهو مؤمن بها مصدق فللعلماء فيها أقوال، وهي روايات عن الإمام أحمد رحمه الله:
القول الأول: أنه يكفر إذا ترك واحدة من هذه الفرائض الأربع، ولو كان مقراً بوجوبها؛ لأن هذه مباني الإسلام العظيمة، وقد قال عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عمر في الصحيحين: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا)، فجعل هذه الأركان الخمسة مباني الإسلام، فإذا ترك واحدة منها كفر، فهذا هو القول الأول للعلماء، وهو رواية عن الإمام أحمد .
القول الثاني: أنه لا يكفر بترك واحدة منها كفراً أكبر، وهو رواية عن الإمام أحمد أيضاً.
القول الثالث: أنه يكفر بترك الصلاة فقط، وأما إذا ترك غيرها تهاوناً فلا يكفر، لكن يرفع به إلى ولاة الأمر ويعزر، وتؤخذ منه الزكاة قهراً، ويعزره الحاكم بالضرب والسجن، حتى يزكي ويصوم ويحج.
القول الرابع: أنه يكفر إذا ترك الصلاة والزكاة دون الصوم والحج، وهي رواية عن الإمام أحمد .
القول الخامس: أنه يكفر إذا ترك الصلاة وكذلك إذا ترك الزكاة وقاتل عليها الإمام، وهذا هو الأقرب عندي، فإنه إذا ترك الزكاة وقاتل عليها فإنه يكفر، والدليل على ذلك أن أبا بكر رضي الله عنه والصحابة قاتلوا الذين منعوا الزكاة واعتبروهم من المرتدين؛ لأنهم منعوها وقاتلوا عليها، فإذا منع الزكاة وقاتل عليها دل ذلك على إنكاره وجحوده لها، فيكون كافراً، أما إذا منعها ولم يقاتل عليها فلا يكفر، وإنما تؤخذ منه قهراً.
فالصواب أنه لا يكفر إذا ترك الزكاة إلا إذا قاتل عليها، ولا يكفر إذا ترك الصوم أو الحج، وإنما يكون مرتكباً لكبيرة، والدليل على ذلك أن الله سبحانه وتعالى قال في المشركين: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11]، فعلق الأخوة في الدين على التوبة من الشرك، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، فدل على أنه إذا لم يفعل واحدة من هذه الثلاث فلا يكف عنه، ولا يكون أخاً لنا في الدين.
فأما الزكاة فقد جاء ما يخرجها من هذا، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته صفح له يوم القيامة صفائح من النار، فيكوى به جنبه وجبينه وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، وما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرر تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها، كلما مر عليه أخراها رد عليه أولاها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار).
ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار)، فدل هذا على أنه ليس بكافر، ولو كان كافراً لم يكن له سبيل إلى الجنة، إلا إذا قاتل الإمام عليها، فإن ذلك يدل على كفره وجحوده.
فمن العلماء من قال: إنه يقتل، وهذا مذهب الجماهير من العلماء، واختلفوا في كيفية قتله، فالجمهور على أنه يقتل بالسيف، وقال بعضهم: يقتل بالخشب حتى يموت، وقال بعضهم: ينخس بالسيف نخساً حتى يموت.
وذهب بعض العلماء من الأحناف وغيرهم إلى أنه لا يقتل، وإنما يحبس حتى يصلي أو يموت، والصواب أنه يقتل، ويكون قْتله بالسيف؛ لأن القتل بالسيف أحسن القتلات، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته)، فإذا ترك الصلاة فإنه يقتل بالسيف؛ لأن المرتد يقتل بالسيف، وأما الزاني المحصن فإنه يرجم بالحجارة حتى يموت، وهذه القِتلة من أشنع القتلات؛ لأمرين:
الأمر الأول: أن الزاني وصلت اللذة المحرمة إلى جميع أجزاء جسده، فعاقبه الله تعالى بعقوبة يصل الألم فيها إلى جميع أجزاء جسده.
الثاني: أن الداعي إلى الزنا قوي، فجعل الله العقوبة قوية؛ حتى تكون رادعة وزاجرة، ولأن هذا الحد يذكر بما فعل الله تعالى بقوم لوط، حيث إن الله أمر جبريل فرفع مدائنهم وقراهم إلى السماء ثم نكسها عليهم، ثم أتبعوا بحجارة من سجيل مسومةٍ، كما قال الله تعالى: فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ [الحجر:74] ، مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود:83]، فأمطر الله عليهم حجارة، فهذه العقوبة تذكر بما فعل الله بقوم لوط.
فالصواب أن تارك الصلاة يقتل، وهل يستتاب أو لا يستتاب؟ ذهب بعض العلماء إلى أنه لا يستتاب، وهؤلاء هم الذين قالوا: إنه يقتل حداً، حيث اختلفوا فيه: هل يقتل حداً أم كفراً؟
فقال بعضهم: يقتل كفراً، وقال آخرون: يقتل حداً، ومن قال: يقتل حداً قال: إنه لا يستتاب؛ لأن هذا حد، فما دام أنه ترك الصلاة فإنه يقتل بتركه لها، كما أن الزاني يجلد لفعله الزنا، وكما أن السارق تقطع يده لفعله السرقة، فإذا وصل إلى الحاكم الشرعي فلا بد من قتله وإن قال: إنه قد تاب.
وأما من قال: إنه يقتل كفراً فإنه يقول: يستتاب، فإن تاب وإلا قتل.
وهل يقتل إذا ترك صلاة واحدة حتى خرج الوقت، أو إذا تضيق وقت الثانية التي تجمع إليها، بحيث ترك صلاة الظهر لا يقتل حتى يضيق وقت العصر قرب غروب الشمس؟ وهذا الثاني هو الأقرب؛ لأن الظهر يجمع مع العصر، والمغرب مع العشاء، فإذا تضيق وقت الثانية واستتيب ولم يتب فإنه يقتل، والدليل على قتل تارك الصلاة ما ثبت في الصحيحين عن علي رضي الله عنه: (أنه أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة من اليمن فقسمها بين أربعة من رؤساء القبائل يتألفهم على الإسلام، فقال له رجل: اتق الله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ويلك! ألست أحق الناس أن يتقي الله؟! فقال له
وثبت -أيضاً- في الحديث الآخر الذي رواه أحمد وغيره وبعض أهل السنن: (أن رجلاً من الأنصار جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يساره ويستأذنه في قتل رجل من المنافقين، فجهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أليس يشهد أن لا إله إلا الله؟ فقال: بلى ولا شهادة له، فقال: أليس يشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: بلى ولا شهادة له، فقال: أليس يصلي؟ قال: بلى ولا صلاة له، فقال عليه الصلاة والسلام: إني لم أؤمر بقتل المصلين) أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فدل على أن من لم يصل فإنه يقتل، وهذه أدلة واضحة.
اختلف العلماء في تارك الصلاة: هل يكفر كفراً أكبر يخرج من الملة، أو يكون كفره كفراً أصغر لا يخرج من الملة؟
فذهب جمهور الفقهاء -ومنهم الإمام أبو حنيفة ومالك والشافعي، وهي إحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله- إلى أنه يكفر كفراً أصغر يوجب استحقاق الوعيد، ولا يوجب الخلود في النار، واختار هذه الرواية من الحنابلة ابن بطة وقال: إن المذهب على هذا، ولم نجد فيه خلافاً فسره، وفي المغني والشرح الكبير أنه يكفر كفراً أصغر لا يخرج من الملة، واستدلوا على ذلك بأدلة:
أولاً: قالوا: إن تارك الصلاة مصدق، وقد دخل في الإسلام بيقين، فلا يخرج من الإسلام إلا بيقين، هو مصدق يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وليس جاحداً ولا مكذباً، فقد دخل في الإسلام بيقين، فلا يخرج من الإسلام إلا بيقين، واستدلوا -أيضاً- بحديث عتبان الطويل، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في آخره: (فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) وتارك الصلاة يقول: (لا إله إلا الله)، فهو داخل في هذا الفضل.
واستدلوا -أيضاً- بحديث عبادة بن الصامت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل) وتارك الصلاة يشهد هذه الشهادة.
واستدلوا -أيضاً- بحديث أنس رضي الله عنه: (يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة)، فهذا يدل على أن تارك الصلاة لا يخلد في النار.
واستدلوا -أيضاً- بحديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين أنه قال: (يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه) وفي رواية (صدقاً من قلبه)، وهذا ينطبق على تارك الصلاة.
واستدلوا -أيضاً- بحديث معاذ أنه كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال له: (يا
واستدلوا -أيضاً- بحديث البطاقة، وفيه (يؤتى برجل يوم القيامة فيخرج له تسعة وتسعون سجلاًً كل سجل مد البصر، وكلها سيئات، فيقال له: هل لك حسنة؟ فلا يجيب، فيقول الله له: بلى إن لك عندنا حسنة واحدة، فيؤتى ببطاقة فيها (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)، فقال: وماذا تفعل هذه البطاقة مع هذه السجلات، فوضعت البطاقة في كفة والسجلات في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، فغفر الله له)، قالوا: ومعلوم أن تارك الصلاة له هذه البطاقة، فهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وغير ذلك من النصوص التي تدل على فضل التوحيد والإيمان.
إذاً: فالصحابة أجمعوا على كفر تارك الصلاة، كما نقله عبد الله بن شقيق العقيلي رحمه الله.
وأدلة القائلين بكفر تارك الصلاة أدلة كثيرة من القرآن ومن السنة، فمن القرآن قول الله تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5] ووجه الدلالة أن الله سبحانه وتعالى أخبر أنَّه لا يخلى سبيل المشركين حتى يتوبوا من الشرك، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فمفهومه أنهم إذا لم يتوبوا من الشرك، ولم يقيموا الصلاة، ولم يؤتوا الزكاة، فلا يخلى سبيلهم، بل يقاتلون، فدل على كفر تارك الصلاة، وأما تارك الزكاة فإخراجه في الحديث السابق، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) فبقي المشرك وتارك الصلاة، فدل على أن تارك الصلاة لا يخلى سبيله؛ لأنه كافر، ومن الأدلة قول الله تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11]، فعلق الله تعالى الأخوة في الدين على ثلاثة أشياء: على التوبة من الشرك، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، فدل على أنه إذا لم يصل فليس أخاً لنا في الدين؛ لكفره.
ومن الأدلة قول الله تعالى: مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا [الروم:31-32] فقال: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الروم:31] ومفهومه أن من لم يقم الصلاة فهو من المشركين.
وقال سبحانه: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ [المرسلات:48] وهذا وصف الكفار، فمن لم يركع ولم يسجد لله فليس بمسلم.
وأخبر سبحانه وتعالى عن الكفار أنهم يُسألون في النار: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ [المدثر:42] فذكروا أوصافاً أولها ترك الصلاة قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ [المدثر:43-44]، فترك الصلاة من أوصاف أهل النار التي استحقوا بها دخول النار.
وقال سبحانه وتعالى: إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ [السجدة:15]، والصلاة من أعظم ذكر الله، فمن لم يسجد فليس بمؤمن، فقد أخبر الله أن المؤمن هو الذي إذا ذكر بآيات الله خر ساجداً، فدل على أن من لم يسجد لله فليس بمسلم.
وقال سبحانه وتعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ [القلم:42-43]، فأخبر سبحانه وتعالى أنهم يدعون يوم القيامة إلى السجود فلا يستطيعون؛ لأنهم دعوا إلى السجود في الدنيا فامتنعوا، فدل على كفرهم.
ومن السنة: ما ثبت في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة)، ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ترك الصلاة حداً فاصلاً بينه وبين الإسلام، فإذا أتى بها فهو مسلم، وإذا تركها فليس بمسلم، والبينية حد فاصل تفصل بين الشيئين، فبين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة، فالبينية تفصل هذا من هذا، فترك الصلاة كفر، وفعل الصلاة إيمان، فمن لم يصل فليس بمؤمن، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم عبر بالكفر، فقال: (بين الرجل وبين الكفر) و(أل) للاستغراق، ولهذا قال في القاموس: إن المراد به الكفر المستغرق وهو الكفر المخرج من الملة، قال شيخ الإسلام رحمه الله: المراد به الكفر الأكبر؛ لأنه أتى بلفظ (الكفر)، بخلاف الكفر المنكر، مثل: (اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت) فالكفر المنكر لا يخرج من الملة، أما الكفر المعرَّف؛ الذي جاء بـ(أل)، (بين فإنه يدل على أن المراد به كفرٌ أكبر مستغرق؛ لأن (أل) للاستغراق.
ومن الأدلة أيضاً: ما رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث بريدة بن الحصيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، فجعل ترك الصلاة كفراً، وهي العهد الذي بيننا وبين غيرنا، فمن تركها فليس منا؛ لأنه كافر، ومن صلى فهو منا.
ومن الأدلة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله)، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الغاية في ترك القتال الشهادة لله بالوحدانية، والشهادة لنبيه بالرسالة، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وقال: (عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها)، فدل هذا على كفر تارك الصلاة.
ومن الأدلة ما ثبت في صحيح البخاري من حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بكروا بصلاة العصر، فمن ترك صلاة العصر فقد حبط عمله) والذي يحبط عمله هو الكافر، فدل على أن من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله بكفره، قال الله تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217]، وبقية الصلوات حكمها حكم صلاة العصر، وإنما خصت العصر بالذكر لشرفها وفضلها.
ومن الأدلة -أيضاً- ما ثبت في صحيح مسلم عن عوف بن مالك الأشجعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم، قلنا يا رسول الله! أفلا ننابذهم بالسيف؟! قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة) فنهى عن قتال الأمراء إذا أقاموا الصلاة.
وفي الحديث الآخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن الخروج عن الأمراء وولاة الأمور ما معناه: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان) فنهى عن الخروج إلا إذا وجد الكفر البواح، فإذا ضممت هذا الحديث إلى حديث عوف بن مالك الأشجعي : (لا، ما أقاموا فيكم الصلاة) فمفهومه أنهم إذا لم يقيموا الصلاة فهم كفار يقاتلون، وفي الحديث الآخر نهى عن قتالهم إلا إذا وجد الكفر البواح، فدل على أن ترك الصلاة كفر بواح، وهذا من أقوى الأدلة في كفر تارك الصلاة.
فجمهور فقهاء المتأخرين الذين يقولون: إن تارك الصلاة لا يكفر مادام مصدقاً، ومعه أصل التصديق بماذا يجيبون عن هذه الأدلة التي استدل بها هؤلاء العلماء؟
يجيبون عنها فيقولون: هذه الأدلة محمولة على كفر النعمة لا كفر الجحود، أو أن المراد: قارب الكفر، يعنون قوله: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة) فتأولوا فصار المعنى: قارب الكفر، أو أن ذلك محمول على كفر النعمة، مثل قوله تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ [النحل:112] فتارك الصلاة كافر بالنعمة، لكن لا يخرج من الملة، وهو مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت) فالطعن والنياحة كفر لا يخرج من الملة، فكذلك تارك الصلاة، ومثل قوله: (من أتى امرأة في دبرها فقد كفر)، ومثل قوله: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: (من تعلم الرمي ثم تركه فهو نعمة كفرها)، ومثل قوله: (لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم) فمن رغب عن الانتساب إلى أبيه فقد كفر، فهذا كفر لا يخرج من الملة، ومثل قول ابن عباس لما سئل عن الحكم بغير ما أنزل الله: هل هو كفر؟ قال: (ليس بالكفر الذي تذهبون إليه، بل إذا فعله فهو به كفر، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر) وقال عطاء: هو كفر دون كفر.
وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم نفى الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر، فقال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن) قالوا: نفى عنه الإيمان، ولكنه ليس بكافر، فكذلك إذا أطلق الكفر على تارك الصلاة، فليس هو كفراً يخرج عن الملة، كما في نفي الإيمان عن الزاني وعن السارق وشارب الخمر، فقالوا: تلك النصوص محمولة على الزجر والتنفير، وهي متأولة بأن المراد بالكفر فيها كفر النعمة، أو متأولة بأنه: قارب الكفر.
وأقوى ما استدل به جمهور فقهاء المتأخرين على أن تارك الصلاة لا يكفر حديث عبادة بن الصامت الذي رواه الإمام أحمد وغيره، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن أتى بهن - وفي لفظ: فمن حافظ عليهن- كان له عهد على الله أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن لم يكن له عهد على الله، إن شاء أدخله الجنة وإن شاء عذبه) وفي رواية ابن ماجه : (ومن انتقص منهن شيئاً لم يكن له عهد عند الله، فإن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له) قالوا: هذا دليل على أن تارك الصلاة ليس بكافر، بل هو تحت مشيئة الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن شاء عذبه وإن شاء غفر له) فدل على أنه ليس بكافر، وقد قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، ولكن يجاب عن هذا الحديث بجوابين:
الجواب الأول: أن الحديث في سنده رجل اسمه المخدجي، وهو مجهول، فالحديث ضعيف لا يصح، ولو صح فهو محمول -كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله- على المحافظة عليها في الوقت، فدل على أن هذا الوعد لمن حافظ عليها في الوقت، أما من لم يحافظ عليها في الوقت بأن أخرها عن وقتها فيجيئ في حقه هذا الوعيد، ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه يأتي أمراء بعده يؤخرون الصلاة عن وقتها، فقالوا: يا رسول الله! فماذا تأمرنا؟ فقال: صل الصلاة لوقتها، ثم إذا أدركتهم يصلون فصل معهم؛ فإنها لك نافلة) ولم يقل: إنهم كفار، ولم يقل بقتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها؛ لأنهم صلوها، وما أصروا على تركها.
فحديث عبادة الذي هو أقوى ما استدل به الجمهور حديث ضعيف؛ لأن في سنده مجهولاً، وهو المخدجي.
ولو صح فهو محمول على عدم المحافظة عليها في وقتها، فهم لا يتركونها، أو أنه محمول على من انتقص شيئاً منها، أي: أخل بشيء منها، وما تركها بالكلية، وإنما انتقص شيئاً منها، وهذا لو صح، لكنه حديث ضعيف لا يصح.
يريد أن يحكم بينهم، ثم قال: معرفة الصواب في هذه المسألة مبني على معرفة حقيقة الإيمان والكفر، ثم يصح النفي والإثبات بعد ذلك، ثم ذكر رحمه الله كلاماً تستخلص منه الأصول الآتية:
الأصل الأول: أن الإيمان والكفر متقابلان، فمتى زال أحدهما خلفه الآخر، فإذا زال الإيمان خلفه الكفر، وإذا زال الكفر خلفه الإيمان، فالكفر والإيمان متقابلان، فمتى زال أحدهما خلفه الآخر.
الأصل الثاني: أن الإيمان أصل له شعب متعددة، وكل شعبة منها تسمى إيماناً، والكفر أصل له شعب متعددة، وكل شعبة منها تسمى كفراً.
الأصل الثالث: أن شعب الإيمان متفاوته، كما في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق)، فالأصل الثالث: أن شعب الإيمان متفاوتة، فأعلاها شعبة الشهادة، وأدناها شعبة إماطة الأذى عن الطريق، وبينهما شعب متفاوتة، منها ما يقرب من شعبة الشهادة، ومنها ما يقرب من شعبة إماطة الأذى عن الطريق، وكذلك الكفر شعب متفاوتة.
الأصل الرابع: أن الإيمان قسمان: قول وعمل، وكذلك الكفر قسمان: قول وعمل، وأن الإيمان قد يحصل بشعبة قولية، كشعبة الشهادة، وقد يحصل بشعبة فعلية، كشعبة التصديق.
وكذلك الكفر قد يحصل بشعبة قولية، كالإتيان بكلمة الكفر اختياراً، وقد يحصل بشعبة فعلية، كالسجود للصنم، والاستهانة بالمصحف.
الأصل الخامس: أن حقيقة الإيمان مركبة من قول وعمل، والقول قسمان: قول القلب وهو التصديق والاعتقاد، وقول اللسان: وهو التكلم بكلمة الإسلام، وعمل القلب: وهو نيته وإخلاصه واعتقاده، وعمل الجوارح، فحقيقة الإيمان مركبة من قول اللسان، وقول القلب، وعمل القلب، وعمل الجوارح، فإذا وجدت هذه الحقيقة المركبة من هذه الأمور الأربعة، وجد الإيمان بالاتفاق، وإذا فقدت هذه الأربعة، فقد الإيمان بالاتفاق، وإذا وجدت، وتخلف التصديق والاعتقاد، فإنه لا تنفع بقية الأجزاء؛ لأن التصديق شرط في صحتها، وإذا وجد التصديق، وانتفى عمل القلب: وهو نيته وإخلاصه، ومحبته وانقياده، فهذا موضع الخلاف والمعركة، بين أهل السنة وبين المرجئة، فأهل السنة يقولون: لا يحصل الإيمان، والمرجئة يقولون: يحصل الإيمان.
الأصل السادس: أنه لا يلزم من قيام شعبة من شعب الإيمان بالعبد، أن يسمى مؤمناً، وإن كان ما قام به إيماناً، ولا يلزم من قيام شعبة من شعب الكفر بالعبد، أن يسمى كافراً وإن كان ما قام به كفراً.
الأصل السابع: أن سلب اسم الإيمان عن تارك الصلاة، أولى من سلبه عن مرتكب الكبائر، فالنبي صلى الله عليه وسلم سلب الإيمان عن مرتكب الكبائر، فقال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) فسلبه عن تارك الصلاة أولى، وسلب اسم الإسلام عن تارك الصلاة أولى، من سلبه عمن لم يسلم المسلمون من لسانه ويده، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) فالذي لم يسلم المسلمون من لسانه ويده سلب عنه الإسلام، فسلب الإسلام عن تارك الصلاة أولى.
الأصل الثامن: أنه إذا كان الإيمان يزول بزوال عمل القلب -وهو المحبة والانقياد- فغير مستنكر أن يزول الإيمان بزوال أعظم أعمال الجوارح، وهي الصلاة.
ثم بعد ذلك عند التأمل قال: هل ينفع تارك الصلاة ما معه من التصديق، في عدم الخلود في النار أولا ينفعه؟
فتارك الصلاة معه شعبة واحدة من الإيمان، وهي شعبة التصديق، فهل ينفعه ما معه من الإيمان؟ وهل تنفعه هذه الشعبة -وهي التصديق- في عدم الخلود في النار أو لا تنفعه؟
والجواب أن يقال: تنفعه إن لم يكن المتروك شرطاً في صحة الباقي واعتباره، أما إذا كان المتروك شرطاً في صحة الباقي واعتباره فإنها لا تنفعه، ولهذا لم تنفع الشهادة لله بالوحدانية وأنه لا إله إلا هو، من أنكر رسالة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة؛ شرط في صحة الشهادة لله بالوحدانية، ولم تنفع الصلاة لمن صلاها عمداً بغير وضوء؛ لأن الوضوء شرط في صحة الصلاة؛ لأن شعب الإيمان قد يتعلق بعضها ببعض؛ تعلق المشروط بشرطه، وقد لا يكون كذلك، فالصلاة هل تتعلق بالإيمان تعلق المشروط بشرطه؟ أي: هل هي شرط في صحته أو لا؟ هذا هو سر الاختلاف.
والأدلة الكثيرة التي سبقت وغيرها؛ تدل على أنه لا يقبل شيء من أعمال العبد إلا بفعل الصلاة، وأن الصلاة هي رأس مال ربح الإنسان، ومحال بقاء الربح؛ مع ضياع رأس المال، فإذ خسر الصلاة خسر أعماله كلها، كما أشار إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (فإن ضيعها فهو لما سواها أضيع) وقوله: (أول ما ينظر من عمل العبد الصلاة، فإن جازت له نظر في سائر عمله، وإن لم تجز له لم ينظر في سائر عمله)، وهي أول ما يحاسب العبد عنه، إذا وضع في قبره، فالأدلة الكثيرة تدل على أن ترك الصلاة، ملزوم بعدم محبة القلب وانقياده، وعدم محبة القلب وانقياده، ملزوم بعدم التصديق الجازم، وعدم التصديق الجازم، ملزوم بالكفر، فيلزم من ترك الصلاة، عدم محبة القلب وانقياده، ويلزم من عدم محبة القلب وانقياده، عدم التصديق الجازم، ويلزم من عدم التصديق الجازم، الكفر.
هذا هو ترجيح الإمام العلامة ابن القيم ، فقد توصل إلى أنه يلزم من ترك الصلاة، عدم محبة القلب وانقياده، ويلزم من عدم محبة القلب وانقياده، عدم التصديق الجازم، ويلزم من عدم التصديق الجازم، الكفر.
ثم يصور رحمه الله صورة واقعة لتارك الصلاة، فيقول فيمن يقول إن تارك الصلاة لا يكفر: ومن العجب أن يقع الشك في كفر من أصر على ترك الصلاة، ودعي إلى فعلها على رءوس الملأ، وهو يرى بارقة السيف على رأسه، وعصبت عيناه، وشد للقتل، وقيل له: تصلي وإلا قتلناك، فيقول: اقتلوني ولا أصلي أبداً، فهل يقع الشك في كفر هذا؟!
يقول: أنا مصدق، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن الصلاة واجبة، ولكني لا أصلي، فاقتلوني ولن أصلي أبداً، فهل يقع الشك في كفر هذا؟! يقول: ومن لا يكفر تارك الصلاة، ويقول في هذا الرجل الذي عصبت عيناه، وشد للقتل، ويرى بارقة السيف على رأسه، وقيل له: تصلي وإلا قتلناك فيقول: اقتلوني ولا أصلي أبداً، يقول: هذا مسلم مؤمن، يغسل ويصلى عليه، ويدفن مع المسلمين في مقابرهم؟
ثم يقول: وبعضهم يقول: إنه مؤمن كامل الإيمان، فإيمانه كإيمان جبريل وميكائيل، فهؤلاء هم المرجئة، فالمرجئة يقولون: إنه مؤمن كامل الإيمان، إيمانه كإيمان جبريل وميكائيل، وكإيمان أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب.
ثم قال: أفلا يستحي مَنْ هذا قوله من إنكاره كفر من شهد بكفره الكتاب والسنة، واتفاق الصحابة؟! والله الموفق.
فهذه صورة لتارك الصلاة: رجل عصبت عيناه، وشد للقتل، وامتنع من الصلاة، فهل يكفر أو لا يكفر؟ فمن لا يكفر تارك الصلاة يقول: لا يكفر، وهل يعقل أن يكون شخص استقر الإيمان في قلبه، ويعرف الوعيد على ترك الصلاة، والفضل العظيم على فعلها، ثم يبقى طول دهره، وبقية عمره، لا يصلي، ويكون في قلبه إيمان؟! هل يعقل هذا؟! لا فلو كان في قلبه إيمان لصلى لله، فأين الإيمان؟! وهل يعقل أن يكون هناك شخص يقول: إنه مصدق، وإنه في قلبه إيمان، ويعترف بوجود الصلاة، ويعرف الأدلة على وجوبها، والفضل العظيم لمن أدى هذه الصلاة، والوعيد الشديد على من تركها، ثم يبقى دهره لم يصل، ولم يسجد لله سجدة واحدةً ويقول إنه مؤمن؟! هل يعقل هذا؟! لا يمكن ولا يعقل. فلا ومن أقوى الأدلة ما ذكره ابن القيم رحمه الله وهو حديث الأمراء، والنهي عن الخروج عليهم إلا عند الكفر البواح، أما حديث عوف بن مالك الأشجعي في النهي عن الخروج عليهم ما أقاموا الصلاة، وهذا من أقوى الأدلة، فنهى عن الخروج إلا عند الكفر البواح، وفي حديث عوف بن مالك نهى عن الخروج ما داموا يقيمون الصلاة، فدل على أنهم: إذا لم يقيموا الصلاة؛ فقد أتوا كفراً بواحاً، وكذلك حديث البخاري (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله) والذي يحبط عمله، هو الكافر، ثم إجماع الصحابة أيضاً، وكذلك حديث: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة) فقد جعل حداً فاصلاً بين الكفر وبين الإيمان، فالبينية تفصل بين الشيء وغيره.
ومن الأدلة أيضاً: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص الذي رواه الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الصلاة يوماً فقال: (من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاة يوم القيامة، وحشر مع فرعون و
ففيه أن من لم يحافظ عليها يحشر مع أئمة الكفر، مع قارون ، ومع فرعون الطاغية؛ الذي ادعى الربوبية والألوهية، فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24] ومع هامان وزير فرعون ، وقارون الذي خسف الله به الأرض، وأبي بن خلف تاجر الكفار بمكة، يحشر مع هؤلاء الكفرة، فالذي يحشر مع هؤلاء الكفرة هل هو مؤمن؟! لا يمكن ذلك، فدل على كفره، فلولا أنه كافر لما حشر مع هؤلاء الكفرة الذين هم رءوس الكفر، ففرعون هو الذي ادعى الألولهية، وهامان وزير فرعون ، وقارون صاحب الأموال الكثيرة الذي خسف الله به الأرض، وأبي بن خلف تاجر كفار مكة.
قال العلماء: إن كون تارك الصلاة يحشر مع هؤلاء الأربعة لأنَّه إما أن يتركها لأنه اشتغل بملكه، أو يتركها اشتغالاً بماله، أو يتركها اشتغالاً برئاسته، أو يتركها اشتغالاً بتجارته، فإذا ترك الصلاة منشغلاً عنها بملكه حشر مع فرعون، وإذا ترك الصلاة اشتغالاً برئاسته ووزارته حشر مع هامان ، وإذا ترك الصلاة اشتغالاً بماله، حشر مع قارون ، وإذا ترك الصلاة اشتغالاً بتجارته حشر مع أبي بن خلف ، نسأل الله السلامة والعافية.
فهذه أدلة واضحة صريحة في كفر تارك الصلاة، أما تأويل الجمهور بأن الكفر محمول على كفر النعمة، أو أنه قارب الكفر، فهذا التأويل صرف للنصوص عن ظاهرها، فهي نصوص ظاهره واضحة في كفر تارك الصلاة.
وفي الحديث الآخر: (من ترك صلاة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله) وفي حديث معاذ : (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة) فإذا كانت الصلاة عمود الإسلام، وسقط العمود، فهل يستقيم الإسلام؟! لا يستقيم، كما أن الخيمة إذا سقط عمودها الأعظم لم ينتفع بالأطراف ولا بالأوتاد، فكذلك الصلاة إذا سقطت لم ينتفع ببقية شرائع الإسلام، فالتأويل الذي ذهب إليه الجمهور بأنه قارب الكفر، أو أنه محمول على كفر النعمة ليس بوجيه.
وأقوى ما استدل به الجمهور - جمهور الفقهاء المتأخرين- حديث عبادة بن الصامت، وقد سبق الكلام عليه، والباقي من أدلتهم في فضل التوحيد، وأن من قال: (لا إله إلا الله)، دخل الجنة، ومن وحد الله دخل الجنة، كحديث: (من أسعد الناس بشفاعتك؟! فقال: من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه) فكل أدلتهم إنما تدور على فضل التوحيد والإيمان، ومن أتى بالشهادتين، وهذه الأدلة تبين لي الجواب عنها، وهو ظاهر كلام العلماء، وإن لم يكن نصاً ظاهراً، وهو أن الأدلة التي استدل بها الجمهور في فضل التوحيد عامة، وأدلة تكفير الصلاة خاصة، ومن القواعد المقررة في أصول الفقه أن الخاص يقضي على العام، وأن الخاص يخصص العام، والأدلة التي استدل بها الجمهور أيضاً مطلقة، وأدلة كفر تارك الصلاة مقيدة، والقاعدة الأصولية المقررة في علم الأصول تقول: إن المطلق يحمل على المقيد.
فيتبين بهذا أن أدلة كفر تارك الصلاة مخصصة لعموم النصوص التي تدل على فضل التوحيد، ومقيدة لمطلقها، وهذه قاعدة أصولية معروفة لدى أهل الأصول، فالمطلق يحمل على المقيد، والخاص يخصص العام ويقضي على عمومه، وعلى ذلك يكون تارك الصلاة انتقض توحيده وإيمانه؛ لأن فعل الصلاة شرط في صحة الإيمان.
وحديث عتبان : (فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)، يحمل على أنه إذا ترك الصلاة انتقضت عليه كلمة (لا إله إلا الله)، فلو كان يبتغي وجه الله لصلى، فلما لم يصل انتقضت عليه كلمة التوحيد، وكذلك حديث عبادة : (من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى
والخلاصة أن من لم يصل فليس بموحد، فانتقض توحيده وإيمانه؛ لأنه ترك شرطاً من شروط الإيمان، كما لو ترك شرطاً من شروط الصلاة فصلى بغير وضوء، فلا تصح صلاته؛ لأنه ترك شرطاً، وكذلك لو شهد أن لا إله إلا الله، ولم يشهد أن محمداً رسول الله لا تصح شهادته، فاليهود يشهدون أن لا إله إلا الله، لكنهم كفروا؛ لأنهم لم يشهدوا بأن محمداً رسول الله، فشهادة أن لا إله إلا الله لا تصح إلا بشهادة أن محمداً رسول الله، وشهادة أن محمداً رسول الله، لا تصح إلا بشهادة أن لا إله إلا الله، فمن أتى بواحدة منهما دون الأخرى، لم يقبل منه، وكذلك الصلاة شرط في صحة الإيمان، فمن لم يأت بالصلاة فليس بموحد وليس بمؤمن.
وبهذا يتبين في هذه المسألة أن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة، وأن من ترك الصلاة فليس بمؤمن؛ لأن الصلاة شرط في صحة الإيمان، وهذه المسألة مسألة عظيمة.
وقد ابتلي كثير من الناس بمن يترك الصلاة من أقاربه، أو أولاده، وعلى من ابتلي بأحدٍ من هؤلاء أن ينصحه، ويكرر النصيحة عليه مرة بعد مرة، لعل الله أن يهديه، فإن لم يستجب، فليرفع به إلى ولاة الأمر، حتى يقام عليه الحد، فيرفع به إلى المحكمة حتى يقام عليه الحد، وهو القتل على كل حال، والحاكم الشرعي والقاضي إذا اختارا أحد القولين ارتفع الخلاف، فإذا اختار القول بتكفيره قتل كفراً، وإذا اختار القول بعدم تكفيره قتل حداً، فالقتل لا بد منه، لكن إذا اختار القول بتكفيره، فلا يغسل، ولا يصلى عليه، ولا يدفن مع المسلمين في مقابرهم، وإن حكم بقتله حداً، فإن حده كحد الزاني، والسارق، فيغسل، ويصلى عليه، ويدفن مع المسلمين في مقابرهم، والذي يحكم عليه هو الحاكم الشرعي، وليس للإنسان أن يقتل شخصاً تاركاً للصلاة، فيقول: أنا أقتله، فهذه فوضى، بل يرفع به إلى المحكمة الشرعية، والحاكم الشرعي يختار أحد القولين، فإذا اختار أحد القولين ارتفع الخلاف؛ لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف.
وهذا بعد الاستتابة، فإذا استتابه ولم يتب، قتل، وأما بالنسبة لك فعليك المناصحة فقط، فإذا لم يمتثل فإنك تهجره، ولا تجالسه، ولا تؤاكله، ولا تجب دعوته، فليس لك أن تجيب دعوته، فإذا نصحته وأصر على ترك الصلاة فلا خير فيه، ولا تجب دعوته، ولا تسلم عليه، ولا ترد السلام عليه، ولا تزوجه، بل ترفع به إلى ولاة الأمر، إذا غلب على ظنك أنه لا تنفع فيه النصيحة؛ حتى تبرأ ذمتك، وحتى يقام عليه الحد.
وفق الله الجميع لطاعته، ورزق الله الجميع العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
الجواب: السبب الذي إذا اعتقده يكون شركاً هو الذي لم يجعله الله ولا رسوله سبباً، أي: ليس سبباً شرعياً ولا سبباً عقلياً ولا سبباً حسياً، فالسبب الشرعي جعله الله سبباً، فالرقية سبب شرعي، فإذا اعتقد أن الرقية سبب شرعي فهذا لا بأس به، لكن إذا اعتقد أن النجم سبب لإنزال المطر فهذا باطل وشرك؛ لأنه ليس سبباً شرعياً، والدواء كذلك، فإذا كان مباحاً فهو سبب شرعي، فأنت مأمور بالتداوي ولا بأس بذلك، وكذلك -أيضاً- حرث الأرض وبذرها، فهو سبب حسي، وقد فطر الله عليه الخلق، إنما يكون السبب شركاً إذا لم يجعله الله سبباً حسياً ولا شرعياً.
أما إذا جعله الله ورسوله سبباً؛ فلا يكون شركاً، فالرقية والتعويذات وقراءة الآيات أسباب شرعية، وبذر الأرض وحرثها وشقها أسباب حسية في النبات، وفي الزرع وفي حصول الثمرة، فهذا لا يكون شركاً.
أما إذا اعتقد أن النجم سبب لإنزال المطر، -والحال أنه ليس سبباً شرعياً ولا حسياً- فيكون ذلك شركاً؛ لأنه إذا اعتقد شيئاً سبباً ولم يجعله الله ورسوله سبباً فقد أشرك.
فالسبب الشرعي: هو ما جاء من الشرع ما يدل على أنه سبب فهذا مشروع، وكذلك إذا كان الحس والعقل يدل على أنه سبب: مثل: بذر الأرض وشقها، فهذا سبب حسي فطر الله عليه الخلق، أما إذا لم يكن هذا ولا هذا، فهذا هو الذي يكون شركاً، كما لو اعتقد أن النجم سبب في إنزال المطر.
الجواب: يخشى عليه إذا تركها متعمداً متهاوناً بها، بحيث إنه لا يصلي إلا بعد طلوع الشمس دائماً، فإنه يخشى عليه من الكفر، وهذا أمر خطير جداً، وسمعت شيخنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله يقول: إن من يترك صلاة الفجر باستمرار، وعادته ذلك كافر؛ لأنه تعمد ترك الصلاة، بينما يهيئ يشغل منبه الساعة لفطوره وعمله، فهذا معناه أنه تعمد ترك الصلاة، نسأل الله السلامة والعافية.
الجواب: إذا تحقق أنه ترك الصلاة متعمداً ستة أشهر وهو غير متأول فإنه يخشى عليه؛ لأن بعض المرضى يتأول بأنه مريض في المستشفى، ويظن أنه لا يصلي حتى يشفى من مرضه، وأن ثيابه نجسة، فهذا لا يكفر، أما إذا تركها عمداً من غير تأويل فإنه يخشى عليه.
فينبغي أن يعلم المرضى في المستشفى بأن المريض يصلي على حسب حاله، فإن استطاع أن يلبس ثوباً طاهراً لبسه، وإلا صلي بثوبه، وإن استطاع أن يتوضأ، وإلا فإنه يتيمم أو ييممه غيره، فإن لم يستطع صلى على حسب حالته من غير ماء ولا تراب، وإن استطاع أن يوجه السرير إلى القبلة وجهه، وإلا صلى إلى غير القبلة، ولا تؤخر الصلاة عن وقتها. فالمريض الجاهل بالأحكام الشرعية أو المتأول لا يكفر، لكن الذي ترك الصلاة متعمداً بدون عذر ولا تأويل هذا هو الذي يخشى عليه، والخلاصة في هذه المسألة أن ترك الصلاة كفر، ومن أدلة القائلين بتكفير تارك الصلاة قوله سبحانه وتعالى: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [القيامة:31-32]؛ لأن الإيمان: تصديق الخبر والانقياد للأمر، أي: تصديق خبر الله ورسوله، وانقياد لأمرهما، وعدم التصديق هو التكذيب، وترك الصلاة هو التولي، قال تعالى: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [القيامة:31-32]، فإذا كذب كفر، وإذا تولى عن الصلاة كفر.
وقوله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ [مريم:59-60]، فاشترط في توبة من أضاع الصلاة الإيمان، فدل على أن تارك الصلاة ليس بمؤمن.
وقوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5]، أي: يسهون على الصلاة فيؤخرونها عن وقتها.
فالمقصود أنه إذا كان قد ترك الصلاة عمداً بغير تأويل؛ فإنك لا تستغفر له ولا تدع له، وأمره إلى الله، وإذا كنت تدعو لوالدتك فقل: اللهم اغفر لوالدتي فقط.
الجواب: ليس في هذا دليل؛ لأن معنى: (لم يعملوا خيراً قط) أي: لم يعملوا زيادة على التوحيد والإيمان، والصلاة شرط في صحة الإيمان، فإذا تركها فليس بمؤمن، فهؤلاء القوم ليس عندهم إلا التوحيد والإيمان، ولا يتم الإيمان والتوحيد إلا بالصلاة، فمن تركها فلا يكون عنده شيء من التوحيد والإيمان.
الجواب: هذه المسألة تعالج بالنصيحة للرجل، فيجتمع أهل المسجد ويتكلمون مع هذا الرجل فيبينون له أنه لا ينبغي رفع الصوت، وأن الأمور تعالج من غير رفع الصوت، وإذا كان الإمام عليه شيء فإنه ينصح فيما بينه وبينهم من دون رفع صوت.
الجواب: لا ينبغي للإنسان أن يكفر إلا عن بصيرة، فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله، ثم إن الشخص المعين إذا كان له شبهة لا يكفر حتى تقوم عليه الحجة، فقد يتكلم الإنسان بكلام كفري، فيقال في هذه المقالة: إنها كفرية، والشخص لا يكفر حتى تقوم عليه الحجة؛ لأنه قد يكون له تأويل، وقد يكون له قصد آخر، فلا يكفر الإنسان إلا عن بصيرة، فإذا قامت عليه الحجة وأصر وعاند والأمر واضح ليس فيه لبس ففي هذه الحالة يكفر.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر