إسلام ويب

تفسير سورة لقمان - الحروف المقطعة في أوائل السور [3]للشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للعلماء أقوال كثيرة متعددة في معاني الحروف المقطعة، جماعها أن منهم من يرد علم معانيها إلى الله، ومنهم من يخوض في معانيها، والمتكلمون في معانيها منهم من يقول: إنها فواتح أسماء محذوفة مستشهدين على ذلك بشيء من كلام العرب وشعرهم، ومنهم من يقول: إنها أسماء الله تعالى مستشهدين ببعض الآثار الواردة في ذلك.
    الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

    الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير، اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، وأنت رب الطيبين.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:3].

    وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطيبين، وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    معشر الإخوة الكرام! كنا نتدارس معنى الحروف المقطعة في أوائل سور القرآن، وكنا نتدارس تفسير أوائل سورة لقمان الم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ [لقمان:1-2]، وقررت أن الحروف المقطعة في أوائل بعض سور القرآن الكريم اتفق في أمرٍ على معناها، واختلف بعد ذلك في أمرٍ يتعلق في معناها، أما المتفق عليه فقلت: إن الإجماع وقع على أنها ذكرت لحكمة، ولها معنى، وقررت هذا بأدلةٍ.

    وأما الذي اختلف فيه فهل ذلك المعنى يعلم من جميع الوجوه، أو ندركه من وجهٍ دون وجه؟ على أقوالٍ كثيرة زادت على ثلاثين قولاً، قلت: سأقتصر منها على عشرة أقوال، وأبين قيمة كل قولٍ منها إن شاء الله جل وعلا.

    إذاً: هل يعلم تفسير تلك الأحرف من جميع الوجوه، أو يعلم من وجهٍ دون وجه؟ اختلفوا في هذا في أول الأمر على قولين كما تقدم معنا:

    الأمر الأول: نعلم هذا من وجهٍ دون وجه، فهي من المتشابه، غاية ما نقول: حروفٌ من حروف لغة العرب، الله أعلم بمراده منها.

    والقول الثاني: يعلم معناها من جميع الوجوه، وهؤلاء اختلفوا على ثلاثين قولاً أو أكثر كما تقدم معنا.

    استعرضنا القول الأول في بيان ما قيل في معناها وهي أنها إشارةٌ إلى إعجاز الناس عن الإتيان بمثل هذا القرآن، فالقرآن مؤلفٌ من هذه الحروف التي منها كلامهم وبها ينطقون، وهي حروف اللغة العربية من الألف واللام والميم والكاف والهاء والياء والعين والصاد وغير ذلك، فإذا كنتم تزعمون أن هذا القرآن ليس من عند الرحمن وهو من تأليف نبينا محمدٍ عليه الصلاة والسلام، فهاتوا قرآناً مثله بواسطة هذه الأحرف التي تألف منها القرآن الكريم.

    وقلت: هذا القول ذهب إليه جمعٌ من المحققين، وذكرت أدلته أيضاً فيما تقدم.

    والقول الثاني ذكرته وقررته، وأريد أن أكمله بجزءٍ يسيرٍ، ثم أنتقل إلى القول الثالث إن شاء الله.

    القول الثاني: قلت: إن هذه الأحرف المقطعة هي أسماء للسور التي ذكرت فيها، فسورة (ن) سورة القلم تسمى بنون، سورة (ق) تسمى بقاف، سورة البقرة تسمى بألف لام ميم، ولكن تمييزاً لها عن غيرها يقال: (الم) البقرة، (الم) آل عمران، (الم) الروم، لكن هذه الحروف المقطعة هي أسماءٌ للسور التي ذكرت فيها، وذكرت من قال بهذا القول، وحجة هذا القول من كلام العرب، وما ورد أيضاً في الشرع مما يقرره ويدل عليه.

    قبل أن أنتقل إلى القول الثالث، يدخل في القول الثاني ما ورد من أن هذه الأحرف هي أسماءٌ للقرآن العظيم، قلت: إنها أسماء للسور التي ذكرت فيها، ونقل عن عددٍ من السلف أنها أسماء للقرآن العظيم، ثبت هذا في تفسير الطبري عن قتادة ومجاهد عليهم جميعاً رحمة الله، وقد علل الإمام ابن كثير هذا القول الذي اعتبره بعض الأئمة قولاً مستقلاً وأدخلته أنا في هذا القول الثاني، علله بما يئول إلى القول الثاني، فقال: لعلهم يقصدون -أي: من قال إن (الم) اسمٌ للقرآن- لعلهم يقصدون أنها اسمٌ للسورة التي هي من القرآن؛ لأن القرآن يطلق على مجموع السور، ويطلق على كل سورةٍ من سور القرآن أنها قرآن، فسورة البقرة قرآن، وسورة آل عمران قرآن، وسورة الناس قرآن، فمن قال: إن (الم) اسمٌ للقرآن يقصد بذلك اسمٌ للسورة التي هي بعضٌ من القرآن، وجزءٌ من القرآن.

    وهذا القول كما قلت منقولٌ عن قتادة ومجاهد من أئمة التابعين عليهم رحمات رب العالمين، وهذا المعنى الذي أوّل به وعلل به الإمام ابن كثير كلام هذين الإمامين يعود إلى ما تقدم، وهو أن الحروف المقطعة في أوائل السور اسمٌ للسور التي ذكرت فيها، لكن الإمام ابن جرير الطبري عليه رحمة الله ذهب مذهباً آخر، فحمل هذا القول على ظاهره، فقال: هي أسماءٌ لكل القرآن، لا للسورة التي هي قطعةٌ من القرآن، ثم قال: (الم) معناها: والقرآن ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2]، فـ (الم) اسمٌ للقرآن.

    إذاً: إما أن يحمل الكلام على ظاهره وهو أن هذه الأحرف اسمٌ للقرآن بكامله، أو اسمٌ للسورة التي هي قطعةٌ من القرآن، أي للسورة التي ورد في بدايتها هذه الأحرف المقطعة، والعلم عند الله جل وعلا.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088777837

    عدد مرات الحفظ

    778962170