الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
مشاهدينا الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في درس جديد من دروس متن عمدة الفقه، في هذا اللقاء وفي كل لقاء من دروس كتاب الحج، يسرنا أن نستضيف فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي عضو هيئة التدريس بقسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، يسرني باسمكم جميعاً أينما كنتم أن أرحب بضيفنا الكريم فحياكم الله يا شيخ عبد الله !
الشيخ: حياكم الله وبالإخوة المستمعين والمستمعات.
المقدم: الترحيب موصول لجميع الإخوة الذين سيحضرون هذا الدرس سواء من داخل الاستوديو أو من على موقع الأكاديمية الإسلامية المفتوحة (www.islamacademy.net) أهلاً ومرحباً بكم، كما أرحب بجميع المشاهدين، وأسعد باستقبال اتصالاتكم وأسئلتكم واستفساراتكم وعرضها على ضيفنا الكريم بعد فاصل هذا البرنامج، ولنبدأ الآن في درسنا.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.
المؤلف رحمه الله قال: (ويقول) أي: الذي يبدأ بالطواف يستلم الركن ويقبله على الأحوال التي مرت معنا ويقول، (بسم الله والله أكبر)، أما قول: (بسم الله) فلم يرد بإسناد صحيح ولا حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوله، والثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث ابن عباس ، وكما في صحيح مسلم من حديث جابر و ابن عمر وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: الله أكبر، قال ابن عباس : ( طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعير يستلم الحجر بمحجنه ويكبر )، وكذلك قال جابر رضي الله عنه: ( كلما أتى الركن استلمه وكبر )، وكذا قال ابن عمر مشيراً إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد روى الإمام البيهقي في السنن الكبرى، و أبو داود في مسائله لـأبي داود من طريق نافع عن ابن عمر أنه كان إذا طاف استلم الحجر وقال: بسم الله والله أكبر، فهذا يدل على أن البسملة إنما ثبتت عن ابن عمر رضي الله عنه، وأما مرفوعة فلم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيقال: إن التكبير سنة، وأما البسملة فحسن؛ لأنها فعل صحابي ولا بأس بذلك، والتكبير ليس بواجب عند عامة الفقهاء، فلو أنه مر على الحجر ولم يكبر فإنه لا شيء عليه ولم يترك واجباً، وإنما ترك السنة، وأما التسمية فحسن؛ فقد فعلها ابن عمر رضي الله عنه وكان يقولها، أما مرفوعة فلم ترد.
يقول المؤلف: [ ويقول: اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم ].
هذا الحديث قال فيه الحافظ ابن حجر : لم أجده بهذا اللفظ، وروى ابن عساكر نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه ضعف، وروى البيهقي من طريق أبي إسحاق عن الحارث الأعور عن علي أنه كان إذا استلم الحجر قال: اللهم إيماناً بك واتباعاً لنبيك وتصديقاً بكتابك ووفاءً بعهدك، هذا الأثر عن علي رضي الله عنه في سنده الحارث الأعور ، ومعلوم أن الحارث الأعور أكثر رواياته عن علي ، وهي ضعيفة، ولكن الثابت أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة بإسناد صحيح أنهم كانوا يقولون لفظاً في أول ابتداء الطواف، نعم ثبت عند ابن أبي شيبة بسند جيد من حديث المسيب بن رافع عن حبيب بن صهبان قال: سمعت عمر رضي الله عنه وهو يطوف عند البيت وليس له هجيرى إلا يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
إذا ثبت هذا وهو أن قول المؤلف رحمه الله: اللهم إيماناً بك. أنه ليس من السنة، فلو أن إنساناً قال ذلك مع الأدعية التي يقولها فلا حرج، كما بينا أن المسلم يدعو بما أحب وبما شاء من خير الدنيا والآخرة، وهل له أن يقرأ القرآن؟ قلنا: إن عمر بن الخطاب كان هجيراه كما ثبت عند ابن أبي شيبة أنه كان يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وهذا دليل على جواز أن يقرأ القرآن، وهذا قول أكثر أهل العلم، وذهب بعضهم إلى عدم المشروعية، وهو قول عند أحمد حيث قال: لا ينبغي، قال ابن تيمية رحمه الله: ومعلوم أن المرء يفعل ما اتفق عليه خير له من أن يفعل ما لم يتفق عليه، والذي اتفق عليه السلف في الطواف هو الدعاء والذكر، والذي اختلفوا فيه هو قراءة القرآن، والصحيح أن قراءة القرآن جائزة والذكر جائز، ولا شك أن الذكر والدعاء خير من قراءة القرآن، وهذا من الأشياء التي ذكر أهل العلم فيها أن الفاضل ربما يكون في زمان أو في مكان أو في حال مفضولاً، كما لا يخفى أن قراءة القرآن من أعظم القربات، ولكن قراءتها في الركوع أو في السجود محرمة عند جمهور الفقهاء.
الواجب في حق الطائف أنه إذا استقبل الحجر أن يستقبله، ثم يستلمه أو يشير إليه إن لم يستطع ذلك، ثم يتقدم عن يمينه جاعلاً البيت عن يساره، والسنة أن يستقبل الحجر بكامل بدنه، أما لو استقبله ببعضه جاز ذلك خلافاً للجمهور، ودليل جواز أن يستقبل الحجر ببعض بدنه ما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على بعير، ومن المعلوم أن الإنسان إذا طاف على بعير فمن الصعوبة أنه إذا وصل إلى الحجر أن يجعل البعير مستقبلاً الحجر حتى يستقبله الراكب بكامل بدنه، فدل ذلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يجعل البعير يمر ويلتفت هو ويستقبل الحجر ببعض بدنه، ثم يشير ويكبر، وهذا يدل على أن الاستقبال بكامل البدن سنة، وأما أنه واجب كما يقول الجمهور فلا.
ذهب عامة الفقهاء إلى أن الواجب في حق الطائف أن يجعل البيت على يساره، وقد ذكروا في ذلك حكماً، وأرى أن فيها تكلفاً، ولكن الحكمة الحقيقية هي اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، أما أن يجعل البيت عن يساره فنقول: الواجب أن يبدأ الطائف من جهة الباب، أما أن يلزم بأن يجعل البيت عن يساره في كل لحظة وفي كل شوط فأرى أن ذلك فيه كلفة، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بذلك، إنما فعله وقد طاف جاعلاً البيت على يساره، لكن إذا كان هناك زحام فربما جعل الإنسان يتقدم قليلاً ويجعل البيت خلفه، ثم ينحني ذات اليسار، وأرى أن ذلك لا بأس به؛ ومما يدل على التخفيف في هذا وقت الزحام أو وقت المشقة أو وقت العذر أن الصحابة كـأبي بكر رضي الله عنه ثبت أنه طاف بابنه محمد بن أبي بكر وهو في المهد، ومعلوم أنه لم يؤمر أبو بكر أن يجعل البيت عن يسار الطفل، وكذلك الذي يحمله فمن العادة أن الإنسان إذا حمله ربما يجعل البيت عن يمين المحمول هذا، أو خلفه، ولم ينقل عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يشددون في هذا الأمر مما يدل على أن الأولى والأحرى والأخلص بالطائف أن يجعل البيت عن يساره، لكنه لو بحث عن طفله الذي ضاع مثلاً، وبدأ يلتفت ذات اليمين وهو يتقدم فلا حرج في ذلك إن شاء الله؛ لأن العبرة هو أن يبدأ طوافه من جهة الباب ولا يذهب من جهة الركن اليماني كما يقول الأحناف.
لا يصح طواف الحاج أو المعتمر حتى يطوف سبعة أشواط، هذا قول عامة الفقهاء خلافاً لبعض الأحناف، فالذي يجب فيه هو أن يطوف سبعة أشواط من الحجر إلى الحجر.
وقولنا: من الحجر إلى الحجر بلا شك أن الإنسان كلما ابتعد عن الحجر كلما كانت محاذاة الحجر أبعد وأكبر، وبالتالي لا يلزم أن يبدأ من نقطة وينتهي من نفس النقطة كما يظنه بعض الناس، المهم أن يبدأ محاذياً للحجر، وينتهي محاذياً للحجر، فالعبرة بالمحاذاة وليست بوجود خط، والحمد لله أن الخط الذي كان موجوداً قد أزيل؛ لأن وجوده ربما يكون فيه مشقة وكلفة على الحجاج؛ لأنهم يرون أنه لا يصح بداية طواف ولا انتهاء طواف إلا من هذا الخط، ولا شك أن الأصل المحاذاة، والمحاذاة بابها واسع، فالمسلم متى ما حاذى الحجر جاز له أن يبدأ، وجاز له أن ينتهي، ولا ينظر إلى النقطة التي ابتدأها والنقطة التي انتهى منها، هذا هو الأقرب والله أعلم، هذه مسألة.
المسألة الثانية: يقول المؤلف: [فيرمل في الثلاثة الأول].
الرمل معناه: إسراع المشي مع تقارب الخطا من غير وثب، يعني: نلاحظ أن بعض الإخوة إذا أراد أن يرمل تجده يرفع ثيابه، وربما شد وقفز وكأنه في حلبة مسابقة، وهذا ليس من السنة، السنة أن يسرع في المشي ويقارب في الخطا من غير وثب، يعني: من غير قفز، هذا هو السنة، والسنة أيضاً أن تكون في الثلاثة الأشواط الأول، فلو أنه نسي أن يرمل في أحد الأشواط فهل له أن يستأنف ذلك في الشوط الرابع أو الخامس أو السادس؟ لو أنه لم يرمل في الشوط الأول مثلاً، فتذكر في الشوط الثاني، فرمل الشوط الثاني، ثم رمل الشوط الثالث، يبقى له شوط واحد لم يرمل، هل يرمل في الشوط الرابع؟ نقول: لا يرمل، لأن السنة هي الرمل في الثلاثة الأشواط الأولى، والسنة في الأشواط الأربعة الأخرى المشي، فهو سوف يفعل سنة ليترك سنة، والسنة إذا ثبتت في محل لا تتجاوز غيرها، ويقال: سنة فات محلها.
ودليل الرمل هو ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر أنه قال: ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما قدم طاف بالبيت فخب ثلاثة أشواط ومشى أربعاً من الحجر إلى الحجر )، وقال جابر رضي الله عنه: ( وحاضت
هذا الرمل إنما هو سنة وليس بواجب، فلو تركه لم يجبره بشيء، هذا قول عامة الفقهاء خلافاً لبعض السلف كـالحسن وغيره.
يقول المؤلف: (من الحجر إلى الحجر)، وقد بينا أن من الحجر إلى الحجر هو آخر فعل النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع.
ذكر المؤلف ثلاث سنن:
السنة الأولى: قال: (استلمهما)، يعني: السنة أن يستلم الركن اليماني والحجر الأسود، قال ابن عمر كما في الصحيحين: ( ما تركت استلامهما مذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما )، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما عند الإمام أحمد و الترمذي من حديث ابن عمر : ( مسحهما يحط الخطايا )، وهذا من السنن التي يغفل عنها كثير من الإخوة في عدم استلامهم للركن اليماني، وقد ربما يسهل عليهم ذلك ولكنهم لا يصنعون. فنقول: السنة أن تستلموهما.
وبين المؤلف أن الاستلام إنما يكون للركن اليماني والحجر الأسود، أما الركنين الشاميين فلا يستلمهما، وقد كان معاوية رضي الله عنه يطوف بالبيت ومعه ابن عباس ، فكان كلما أتى أي ركن استلمه، فقال ابن عباس : ( لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم إلا الركنين اليمانيين فالتفت إليه
قال ابن عمر رضي الله عنه: وأرى أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما استلم الركنين اليمانيين لأنهما بنيا على قواعد إبراهيم، وأما الشماليان فإنهما لم يبنيا على قواعد إبراهيم، وأيضاً لوجود الحجر فيه، وهذا واضح لا يخفى، أما الاستلام فثبت عنه عليه الصلاة والسلام.
السنة الثانية: قال: (وكبر)، بلا شك أن مسألة التكبير للحجر الأسود ثابتة، وقد مرت معنا، أما قول المؤلف: ويكبر عند استلام الركن اليماني، فهذا رواه الطبراني بسند ضعيف، والسنة الثابتة في الصحيحين وهو قول أكثر أهل العلم أن استلام الركن اليماني يكون من غير تكبير، وإن شق عليه الاستلام فإنه لا يسوغ له أن يشير إليه كما يقول الحنابلة، والسنة ألا يشير إلا إلى الحجر الأسود في الطواف، أما الركن اليماني إن استطاع أن يستلمه استلمه، وإلا فليس فيه سنة غير الاستلام.
السنة الثالثة: يقول المؤلف: (وهلل)، يعني: يستحب لمن مس الحجر الأسود أو الركن اليماني أن يهلل فيقول: لا إله إلا الله، أما الركن اليماني فقد مر معنا أنه لم يثبت التكبير فكيف بالتهليل، فعلى هذا لا يشرع أن يهلل المسلم عند استلامه للركن اليماني، أما الحجر الأسود فالثابت في الصحيحين وعند أهل السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر فقط، وثبت عن ابن عمر أنه كان يسمي، أما التهليل فإنما رواه الإمام أحمد من طريق شيخ كبير زمن الحجاج ، كان يحدث عن عمر أنه كان يزاحم على الحجر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا
إذاً اختصاراً: ما الذي يشرع في حق من مس الحجر؟ نقول: يشرع أن تقول: بسم الله، والثاني: أن تكبر وأن تقبله، وإن لم تستطع أن تقبله فقبل يدك التي استلمت بها، فإن لم تستطع تقبيل الشيء الذي مسسته به من عصا ونحوه، فإنك تشير إليه وتكبر أو تسلم، أما الركن اليماني فإنه يستلمه فقط، ولا يقول شيئاً.
والبسملة يكررها عند الحجر، فقد روي عن ابن عمر أنه يقولها في أول مرة، وروي عنه أنه يقولها في كل مرة وهذا أولى، بعض العلماء المعاصرين قال: إنه يقول في أول طواف، وأما رواية البيهقي : وكان ابن عمر إذا مس الحجر قال: بسم الله والله أكبر، وهذا يدل على التكرار.
الركنان هما اليماني والحجر الأسود، يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، ودليله ما رواه الإمام أحمد من حديث عبد الله بن السائب أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ( بين ركن بني جمح )، يقصد بذلك الركن اليماني والحجر الأسود يقول: ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار )، هذا هو السنة، وروي نحوه عن أنس وفي سنده ضعف، هذا السنة أن يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وهل يكرر ذلك؟ نقول: يكرر ذلك حتى يصل إلى الحجر، بعض الذين يطوفون يزيدون فيقولون: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار يا عزيز يا غفار، وهذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، والسنة أولى بالاتباع، لا شك أنه لو دعا بدعاء فلا بأس، لكن أن يظن العامة أن هذا الدعاء ملازم لقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، فهذا لا شك أنه غير مشروع، وخير الأمور اتباع سلف هذه الأمة.
يقول المؤلف رحمه الله: [ ويدعو في سائره بما أحب ].
يعني: يدعو في سائره بما أحب من خير الدنيا والآخرة، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه كان يقول: اللهم قنعني بما رزقتني، واخلف لي على كل غائبة بخير، وقال ابن تيمية : وقد روي عن عبد الرحمن بن عوف أنه كان كثيراً ما يقول وهو يطوف: اللهم قني شح نفسي، وروي عن بعض السلف أنه كان يقول: اللهم اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم، وهذا إنما ثبت عن ابن مسعود بين الصفا والمروة، أما في الطواف فالله أعلم، ولا أظنه يثبت عن أحد من الصحابة، لكننا نقول: يقول ما أحب من خير الدنيا والآخرة.
ومما ينبغي التفطن له أن ذكر أدعية مخصوصة لكل شوط لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما يوجد من بعضهم ممن معهم كتيبات يقولون: دعاء الشوط الأول، دعاء الشوط الثاني، دعاء الشوط الثالث، فهذا لا يشرع، نعم لا بأس أن يستفيدوا من هذه الكتب، فيذكروا الأدعية، لكن لا يخصصوا لكل شوط دعاء، بل يدعوا من خير الدنيا والآخرة، فإنهم ربما لا يستطيعون استحضار الأدعية وقت الطواف، وإذا لم يستطع الإنسان أن يدعو لأجل الزحام استمر على قول: أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله؛ لأن الاستغفار من أعظم ما يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى، كما قال أبو العباس بن تيمية في المجلد الحادي عشر من مجموع الفتاوى: وكلما أحس المسلم في نقص في دين، أو علم، أو نقص حال، أو رزق، أو ولد، أو تقلب قلب، فعليه بالاستغفار والتوحيد.
يقول المؤلف: [ ويدعو في سائره بما أحب ]، المؤلف قال: (يدعو)، وقد بينا أن له أن يقرأ، ولكن الأفضل هو الدعاء والذكر.
لم يذكر المؤلف هل يكبر في آخر شوط أو لا يكبر؟ قولان عند أهل العلم، الأقرب والله أعلم أن المسلم إذا مر على الحجر كبر سواء في أول شوط أو آخر شوط، وهذا هو ظاهر قول ابن القيم رحمه الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما يقول جابر : ( كلما أتى على الركن استقبله وكبر )، فهذا يحصل في أول الشوط، ويحصل أيضاً في آخره؛ لأن التكبير ليس لأجل البداية.
لم يذكر المؤلف أن يتقدم إلى مقام إبراهيم، ويقرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، كما روى مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه أنه قال: ( حتى إذا كان آخر طواف ذهب إلى مقام إبراهيم وقرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125])، ثم يصلي خلف المقام، هذا هو السنة أن يصلي خلف المقام، وهل يجب؟ نقول: لا يجب، وقد صلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة الطواف هذه بذي طوى وقد صلت أم سلمة أيضاً ركعتي طواف الوداع في المحصب، وعلى مرأى ومسمع وعلم من النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن هذا نوع من الإقرار، ولكن الأفضل أن يصلي، ولا يلزم في تطبيق السنة أن يتقدم خلف المقام؛ لأنه لو ابتعد فإنه يصدق عليه أنه صلى خلف المقام، ولو صلى عن يمين المقام مثلاً من ورائه، فلا مانع، يعني: هو لا شك أن استقبال المقام أفضل، ولكن لو جعل المقام عن يمينه قليلاً أو عن يساره قليلاً فيصدق عليه إن شاء الله أن يكون قد صلى خلف المقام: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، ولكن الأفضل هو أن يستقبله بلا شك.
طيب! ماذا يقرأ في الركعتين؟ نقول: يقرأ في الركعة الأولى قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] والركعة الثانية قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] ولهذا قال جابر: فقرأ في الركعة الأولى بـ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] وفي الركعة الثانية بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، كما في قصة صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم له رضي الله عنه.
السنة إن استطاع المسلم إذا صلى ركعتين أن يأتي إلى الحجر فيستلمه، أما إذا لم يستطع أن يستلمه فلا يشير إليه، ودليل الاستلام ما ثبت عن جابر في صحيح مسلم : أنه قال: ( فلما صلى رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج إلى الصفا من بابه ) الحديث، وقد روي عن ابن عمر أنه يصنع ذلك، قال ابن قدامة : وهذا بغير خلاف نعلمه.
وهل له أن يذهب إلى زمزم فيشرب؟ لم يذكر المؤلف هذا، وما جاء في رواية الإمام أحمد ( أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما صلى ركعتين ذهب إلى زمزم فاستقى أو فشرب )، فالله أعلم أن هذه الرواية فيها ضعف، وأكثر الرواة رووها عن جعفر بن محمد عن جابر من غير ذكر هذا.
قوله: (من بابه)، كان الصفا بعيداً عن المسجد، فكان الذي يريد أن يطوف يخرج من المسجد فيدخل الصفا والمروة، ولهذا قال: (من بابه)، يعني: من الباب الذي في المسجد إلى الصفا، والمعلوم أن الصفا لم يكن له (فاصل) مثل وقتنا هذا، ولكن من بابه يعني: من الباب الذي في المسجد الأقرب إلى الصفا، هذا معناه، وقوله: [من بابه، فيأتيه فيرقى]، السنة أنه إذا رأى الصفا قال: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158] فقط، ولا يزيد في هذه الآية؛ لأن جابراً قال: ( فقرأ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158] فسكت )، وأكثر الرواة لم يذكر: فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ [البقرة:158]، ثم يقول: ( أبدأ بما بدأ الله به )، أو ( نبدأ بما بدأ الله به )، هذه روايتان: الأولى رواية مسلم والثانية رواية النسائي ، وأما ( ابدءوا بما بدأ الله به ) فهي رواية لا تصح.
قال: [ فيأتيه فيرقى عليه ]، السنة لمن أراد أن يسعى أن يرقى على الصفا، والحمد لله الآن مجرد أنك تتعدى الرخام المربع الصغير تكون أنت قد رقيت على الصفا فتلتفت إلى البيت، فإن رأيت البيت فإنك ترفع يديك، وتقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر -ثلاث تكبيرات- لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، ثم يدعو بعد ذلك، وكان ابن عمر يطيل الدعاء، ثم إذا انتهى من الدعاء وهو رافع يديه يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم يدعو وهو ما زال رافعاً يديه، ثم يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم ينصرف إلى المروة ولا يدعو بعد الثالثة؛ لأن جابراً يقول: ( ودعا بينهما )، ومن المعلوم أن الدعاء بينهما بين هاتين، لكن له أن يدعو وهو منحط إلى المروة.
المؤلف يقول: [ويكبر الله ويهلله ويدعو] في رواية مسلم لم يبين جابر كم كبر، وقد روى الطبراني بإسناد جيد، و سعيد بن منصور وقد قال فيه ابن تيمية : إسناده جيد، وروي نحوه عن ابن عمر أن يكبر ثلاثاً ثم يهلل اثنتين ثم يدعو، ثم يكبر ثلاثاً ويهلل اثنتين ثم يدعو، ثم يكبر ثلاثاً ثم يهلل اثنتين ثم ينصرف، إذاً يكبر تسع تكبيرات، ويهلل ست تهليلات، ويدعو مرتين، وما يفعله بعض الإخوة أنه إذا أراد أن يكبر يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر إشارة فهذا ليس من السنة، السنة أن يرفع يديه ويدعو، هذا هو السنة كما لا يخفى.
المؤلف يقول: [ ثم يسعى إلى العلم الآخر ]، هذا هو السنة، ودليل ذلك حديث جابر : ( ثم سعى بينهما )، وأما حديث حبيبة بنت أبي تجراة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي )، فهذا حديث ضعيف، كما أشار إلى ذلك غير واحد من أهل العلم كـابن الجوزي وغيره، ولا يقوى بمجموع طرقه.
طيب! ذكر أهل العلم أن السعي هو الإسراع في المشي، وإذا ثبت عندنا أن حديث: ( حتى إني لأرى رداءه يدور من عنده )، ضعيف، فأرى والله أعلم أنه يسعى ولكن لا يبالغ في ذلك؛ لأننا نلاحظ بعض الإخوة يسرعون وربما تصادموا مع الناس، وشق ذلك على حجاج بيت الله، ولا ينبغي لمسلم أن يصيب العنت على حجاج بيت الله، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( السكينة، فإن البر ليس بالإيضاع )، نعم يسعى كما ثبت، ولكن السعي شيء والوثب الشديد شيء آخر، نعم روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سعى بدت ركبته، ولكن في هذا الحديث ضعيف كما مر معنا.
وسبب أن الرسول سعى ما روى ابن خزيمة من حديث ابن عباس أن هاجر أم إسماعيل عندما أرادت أن تبحث عن الماء كان الوادي منصباً، فهي تستسقي وترقى إلى الصفا فإذا وصلت إلى العلم هذا -الذي هو الوادي- تسرع حتى تقطعه، وبعضهم قال: هذا يدل على أن للمرأة أن تسعى مثل الرجل؛ لأن هاجر سعت، وهذا بعيد، بل أجمع أهل العلم خلافاً لـابن حزم وغيره أنه لا يستحب للمرأة أن تسعى، وما ثبت عن هاجر نقول: تعبدنا في المشي بين الصفا والمروة أو بين العلمين إنما هو الاقتداء بمحمد صلى الله عليه وسلم وليس بـهاجر ، و هاجر ليست بنبية، ولا نؤمر باتباعها، إنما اتباعنا لمحمد صلى الله عليه وسلم.
يقول المؤلف: [ ثم يمشي إلى المروة فيفعل كفعله على الصفا ] قوله: (فيفعل كفعله على الصفا) يعني في الدعاء والتكبير، أما أن يقول: أبدأ بما بدأ الله به، أو (إن الصفا والمروة من شعائر الله)، فهذا إنما هو في الصفا فقط، وفي المروة يستقبل البيت ويرفع يديه ويكبر ثلاثاً ويهلل مرتين ويدعو، ثم يكبر ثلاثاً ويهلل مرتين ويدعو، ثم يكبر ثلاثاً ويهلل مرتين ويدعو.
وبالتالي يكون ذهابه من الصفا إلى المروة يعتبر شوطاً، وعودته من المروة إلى الصفا شوطاً ثانياً، ويكون آخر طوافه على المروة.
ويقول المؤلف: [ ويسعى في موضع سعيه حتى يكمل سبعة أشواط، يحتسب بالذهاب سعية وبالرجوع سعية، يفتتح بالصفا ويختم بالمروة ]، المؤلف بين هذا؛ لأن بعض الفقهاء كما يقول المحب الطبري -وهو شافعي- أنه من الصفا إلى المروة ومن المروة إلى الصفا يعتبر شوطاً، ونقل عن ابن حزم ، وقال ابن القيم : وما حج أبو محمد يعني بذلك ابن حزم رحمة الله تعالى على الجميع.
طيب! المؤلف لم يبين في آخر الطواف هل يدعو على المروة أم لا يدعو؟ الأقرب والله أعلم ألا يدعو في آخر الطواف على المروة، ودليل ذلك قال جابر في صحيح مسلم : ( حتى إذا كنا في آخر طواف على المروة قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: أحلوا من إحرامكم، قلنا: أي الحل؟ قال: الحل كله )، وهذا يدل على أنهم في آخر الطواف أمروا بالإحلال وهو الحلق أو التقصير، وهذا يدل على أن المسلم لا يدعو في آخر المروة.
قد يقول قائل: نحن قلنا في الحجر: أن يكبر، فلماذا لا نقول في المروة أن يدعو؟ قلنا: إن الحجر مقصود به التكبير بخلاف المروة والله أعلم.
ولا يكرر الآية في كل شوط بين الصفا والمروة، وإنما يقول: أبدأ بما بدأ الله به، والآية: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158]، إنما يقولها مرة واحدة عند رؤية الصفا.
ومما ينبغي التنبيه له أن الصعود إلى الصفا ذكر أهل العلم أنه سنة، وبعضهم شكك في هذا، والأقرب أنه سنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن ينظر إلى البيت إلا وقد صعد على الصفا، لكن الصعود إلى الجبل فيرقى الجبل هذا مثلما نلاحظ بعض الإخوة يتعلق بالجبل فهذا ليس من السنة، لكن يجب على المسلم أن يأخذ شيئاً من الصفا؛ لأننا نلاحظ في السابق الحمد لله أن المسئولين على الحرمين أزالوا جدار العربات؛ لأن جدار العربات قصير، وبالتالي يأتي هؤلاء الشباب الذين يدفعون الضعفة، ربما بمجرد انتهاء مكان العربات تجدهم ينحرفون ويبدأون بشوط جديد، ولم يصلوا بعد إلى الصفا أو لم يصلوا بعد إلى المروة، وبداية الصفا والمروة هو بمجرد بداية الانحناء وهي في واقعنا المعاصر اختلاف الرخام، من بداية الرخام الأملس مع الرخام المربع يكون قد بدأ الصفا، فيجب عليه أن يكون كعقبيه في بداية الصفا، أو في بداية المروة والله أعلم.
أما الذين يطوفون في الدور الثاني، فلهم أن يدوروا على القبة في الدور الثاني، ولا حرج في ذلك إن شاء الله.
لكن لو أنه أخذ عمرته في أول شوال، فيقال له: الأفضل في حقك أن تحلق؛ لأنك إذا حلقت فسوف ينبت شعرك وقت يوم الثامن من شهر ذي الحجة.
الأمر الأول: ألا يتحلل من إحرامه.
الأمر الثاني: أنه يجب عليه أن يدخل الحج على عمرته، ودليل أنه لا يسوغ له ولا يجوز له أن يتحلل من إحرامه أن مسلماً روى عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من كان معه هدي فلا يحل وليهل بالحج مع عمرته، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً ) فنقول: يبقى على إحرامه ولا يسوغ له أن يتحلل، الثاني: أن يدخل الحج على عمرته ليكون قارناً؛ لأنه لبى بالعمرة ولم يلب بالحج، فإذا أدخل الحج على العمرة صار قارناً، وقد بينا أن صورة القران هو أن يلبي بهما جميعاً أو يلبي بالعمرة ثم يدخل عليها الحج.
يقول المؤلف: [ إلا المتمتع إن كان معه هدي، والمفرد والقارن فإنه لا يحل ].
فالمرأة مثل الرجل في استلام الركن اليماني ما لم تجد زحاماً أو مشقة أو رجالاً؛ فإن المرأة ممنوعة من الاختلاط بالرجال بحيث تثير فتنة يعني: أن تَفْتِن أو تُفْتَن، كذلك مثل الرجل في الأدعية بأن تقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وبالآخرة حسنة وقنا عذاب النار بين الركنين، ومثل الرجل بأن ترفع يديها عند الصفا وتستقبل البيت وتدعو، ولكنها اتفاق الرجل في أنها لا ترمل في الطواف، وكذلك في السعي بين الصفا والمروة، هذا واضح وإن كان بعض العلماء نص على أنه لا يسوغ لها ذلك إطلاقاً.
بهذا نكون قد انتهينا من هذا الأمر، وبينا أن الرمل في حق المرأة لا يشرع، وهو إجماع من أهل العلم، كما نقل الإجماع ابن قدامة و ابن المنذر ، وبهذا نكون قد انتهينا من باب دخول مكة، أسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين، وأن يجعلنا وإياكم ممن حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق، وأن يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
لعلي ابدأ بأجوبة الإخوة على أسئلة الدرس الماضي، فقد وردت إجابات عديدة، لكننا نكتفي بالإجابة الأولى وكانت من إحدى الأخوات تقول: الاضطباع سنة يشرع في حق المحرم من ابتداء الطواف حتى آخره، وليس من حين الإحرام، ولا يشرع في الصلاة لما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يصلي أحدكم في ثوب وليس على عاتقه منه شيء )، وقول عامة الفقهاء أنه لا يشرع أيضاً في السعي وهو الراجح خلافاً للإمام الشافعي رحمه الله تعالى، وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى أن يضطبع في السعي قال: ما سمعنا منه شيء، والقياس لا يصح منه إلا ما عقل المعنى، وهذا تعبد محض.
وإجابة السؤال الآخر تقول: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم التكبير عند استلام الحجر لما روى البخاري وغيره من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( طاف النبي صلى الله عليه وسلم على بعير كلما أتى على الحجر أشار إليه وكبر )، وكذلك روى مسلم من حديث جابر رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كلما أتى على الركن استلمه وكبر )، وقول المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويقول: بسم الله والله أكبر ] البسملة عند الطواف لم يرد فيها حديث بإسناد صحيح مرفوع، إنما رواها البيهقي و أبو داود أن ابن عمر كان إذا بدأ الطواف قال: بسم الله والله أكبر، ثم كبر عند كل شوط، فالسنة أن يسمي المسلم حين استلام الحجر مرة واحدة، وحين ابتداء الطواف، وفي الأشواط الأخرى يكبر فقط.
الشيخ: ما شاء الله الإجابة شافية كافية، إلا أن الأخت ذكرت أن ابن عمر كان عندما يطوف يسمي يقول: بسم الله الله أكبر في أول الشوط، ثم يكبر بعد ذلك، قلنا: إن هذه رواية، وقد ذهب إليها بعض العلماء المعاصرين، وقد وجدت رواية تبين أنه كان يكبر يقول: بسم الله والله أكبر إذا مس الحجر، وهذا يدل على أنه لا بأس أن يسمي ويكبر في كل شوط في الطواف والله أعلم.
لما ذكر المرويات قال: وذكر قراءة هاتين السورتين خاصة في هذا الحديث ليس بمرفوع، وإنما حكاية جعفر بن محمد عن أبيه كما بينه أبو أويس عن جعفر ، وكذلك وهيب و ابن جريج عن جعفر عن أبيه وقال: لم يذكر ذلك في حديث جابر ، إن كان المراد نقله، فسؤالي: إذا صح أن هذه اللفظة مدرجة من قول جعفر ، هل يقال حينئذٍ: أنه ليست هناك سنة للقراءة خلف مقام إبراهيم؟
الجواب: جميل، السائل جزاه الله خيراً يذكر مسائل حديثية وأنا لا أحب أن أذكر هذه الاستطرادات؛ لأن كثيراً من الإخوة لا يستوعبها، وأكثر الإخوة لم يكن قد درس الأسانيد، على كل حال أنا أرى والله أعلم أن قول محمد بن جعفر بن محمد عن أبيه: وأحسبه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. كافية في ذلك، ولا يلزم للمحدث أن يذكر كل شيء على الجزم، ولهذا يقال: شك مسعر أحب إلينا من يقين غيره، فـمسعر رحمه الله كان كثيراً ما يذكر الحديث بالشك، و مالك بن أنس صاحب الموطأ رحمه الله أكثر روايته بالموطأ بالمراسيل، مع أن البخاري و مسلماً قد رويا هذا الحديث من طريق مالك في صحيح البخاري و مسلم موصولاً، فأرى والله أعلم أن قول الخطيب البغدادي هذه وجهة نظره، وأرى أن قول مسلم رحمه الله أولى، وأن رواية محمد حينما قال: وأحسبه أن محمد بن جعفر هو أقرب للرواية من غيره.
الجواب: قول ابن عباس : ( طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعير يشير إليه ويكبر )، البخاري روى مرة لفظة (ويكبر) ومرة لم يرويها، وقد بين السائل أن البخاري قال: وقد تابعه إبراهيم بن طهمان ، وأرى والله أعلم أن البخاري حينما ذكر هذه اللفظة دليل على أن البخاري قوى هذا الأثر، وإن كان بعض العلماء يخالف في ذلك، فأرى أن البخاري حينما ذكر هذه اللفظة وقال: تابعه إبراهيم بن طهمان أن هذا دليل على أن البخاري يقويها، نعم قد يذكر البخاري أحياناً أن في غير الإسناد يقول: وذكر بعضهم كذا، مثل قول البخاري حينما روى قصة امرأة ثابت بن قيس عندما خالعت زوجها وقال: اعتدي بحيضة، هذه اللفظة رواها البخاري لكن لم يرويها موصولة إنما أشار إليها إشارة، وهذا يدل على أن البخاري يرى أنها مرسلة وليست بمرفوعة.
الجواب: قوله تعالى: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، نقول: يحتمل أن الرسول قال ذلك من باب البيان، ويحتمل أن يكون قالها صلى الله عليه وسلم من باب الاقتداء، وإذا تعارض بيان واقتداء فالأولى أن نأخذ بالاقتداء؛ لأن هذا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم في جميع أموره بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.
الجواب: لا يلزم رؤية الكعبة عند الصفا ولا عند المروة، لكن السنة هو استقبال البيت، ومعلوم أنه في هذا الزمان يصعب للإنسان أن يرى الكعبة بسبب الأبنية، ولكن إذا استقبل البيت فإنه يكفيه، والله أعلم.
الجواب: نعم يجوز للمرأة الطواف بدون محرم، فقد روى سعيد بن منصور عن عائشة رضي الله عنها أنها طافت بالبيت حجزة من الرجال، ولم تطف مع محرم، والطواف بالمحرم شيء، والسفر مع المحرم شيء، فلها أن تطوف مع زميلتها أو تطوف وحدها إذا كانت تبتعد عن الرجال، وهنا مسألة أحب أن أبينها: أيهما أفضل في حق الطائف أن يقترب من البيت أم يبتعد منها؟ نقول: إن كان في الطواف رمل فالسنة أن يبتعد ليرمل؛ لأن العبادة المتعلقة بذاتها أولى من العبادة المتعلقة بمكانها، فهذا يدل على أن الرمل أفضل وإن ابتعد عن البيت، أما إذا لم يكن ثمة رمل فإن الأولى أن يتقدم ويقترب من البيت، لكن لو أن اقترابه من البيت يمنعه من الخشوع ويمنعه من الذكر نقول: العبادة المتعلقة بذاتها أولى من العبادة المتعلقة بمكانها، فنقول: ابتعد واذكر ربك وتضرع إليه.
الجواب: إذا دخل المحرم الحرم فالسنة أن يبدأ في الطواف كما قالت عائشة : ( أول ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن طاف بالبيت )، لكن لو أقيمت الصلاة فالسنة أن يصلي؛ لأن هذا مما تفوت الجماعة بخلاف الطواف، أما الذي يأتي البيت وهو غير محرم فالسنة في حقه أن يصلي سنة المسجد مثله مثل غيره من المساجد، أما الطواف في البيت ابتداؤه إنما هو في حق المحرم، أما غير المحرم فإنه يشرع في تحية المسجد كما لا يخفى.
المسألة الأخرى: هل ثبت في رؤية البيت حديث؟ قلنا: لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في رؤية البيت حديث، إنما ثبت أن عمر بن الخطاب كان إذا رأى البيت قال: اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام فقط، وهذا قلنا: أن الاقتداء بـعمر حسن، أما مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يثبت من ذلك شيء.
الشيخ: الأسئلة هي:
السؤال الأول: ما هو الذكر الوارد عند الصفا والمروة؟
السؤال الثاني: ما هي السنة في الركن اليماني في حق الطائف؟
المقدم: أحسن الله إليكم يا شيخ عبد الله وجزاكم الله خيراً، بعد شكر الله تعالى أشكركم على حضوركم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر