أيها الإخوة الكرام! هذه الآية الكريمة قد اشتملت على فوائد:
منها: أن تفسح المسلمين بعضهم لبعض في المجالس محمود مأمور به وجوباً أو ندباً؛ لأنه من مكارم الأخلاق ومن الإرفاق، وهو من مكملات واجب التحابب بين المسلمين، خاصة مجالس العلم، ومجالس الصلاة كصلاة الجمعة ونحوها.
قال الإمام الطبري رحمه الله: والصواب في ذلك أن يقال: إن الله تعالى أمر المؤمنين أن يتفسحوا في المجالس، ولم يخصص بذلك مجلس النبي صلى الله عليه وسلم دون مجلس القتال.
قال الإمام مالك رحمه الله: ما أرى الحكم إلا يطرد في مجالس العلم ونحوها غابر الدهر، يعني: بإطلاق.
ومن فوائد الآية: أن يتجنب المسلمون المضايقة والمراصة بحيث يفوت المقصود من حضور ذلك المجلس أو يحصل ألم للجالسين. يعني: بعض الناس يسم الحديث: (إن الله وملائكته يصلون على أهل الصفوف الأولى)، فيفهم من ذلك: أنه يحشر نفسه حشراً ولو لم يكن في المكان سعة، خاصة إذا كان من أصحاب الأحجام الطيبة، فإنه بذلك يضر إخوانه ويوغر صدورهم، ويفوت عليهم الخشوع في الصلاة، فمن أجل تحصيل فضيلة فإنه يرتكب آثاماً عديدة، وهذا نقول له: لا. اترك المضايقة والمراصة وارتكاب الآثام.
ومن فوائد الآية: أن الجزاء من جنس العمل، كما في الحديث: ( من نفس عن مسلم كربة نفس الله عنه )، ( من يسر على معسر يسر الله عليه )، والحديث الآخر: ( من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة ).
أيضاً: مما يتفرع على هذه الآية قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما )، يعني: لا تأت إلى اثنين وهما قاعدان يتحدثان مثلاً فتجلس بينهما.
ومن فوائد الآية: ما خص الله به أهل العلم من المزايا والفضل.
ومن فوائد الآية: أن المؤمنين ليسوا سواء بل هم متفاضلون في درجاتهم عند الله.
ومن فوائد الآية: أن علم الله محيط بكل شيء.
يذكر العلماء في هذه الآية أيضاً حكماً؛ وهو ما يتعلق بالقيام، فمثلاً: لو أن إنساناً أراد أن يسلم، فقام له المسلم عليه هل يجوز أو لا يجوز؟
بعض أهل العلم رخص في ذلك؛ استدلالاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( قوموا إلى سيدكم ) في شأن سعد بن معاذ رضي الله عنه.
ومن أهل العلم من منع؛ محتجاً بحديث: ( من أحب أن يتمثل الناس له قياماً فليتبوأ مقعده من النار ).
ومنهم من فصل فقال: يجوز عند القدوم من السفر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام لـجعفر بن أبي طالب لما رجع من خيبر، ويجوز للحاكم في ولايته يعني: القاضي ونحوه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( قوموا إلى سيدكم )، لما جاء سعد ليحكم في بني قريظة؛ ولأن ذلك يكون أنفذ لحكمه وأبعث على توقيره واحترامه.
والصحيح والعلم عند الله تعالى: أن ذلك راجع إلى العرف، فإذا كان العرف يعد ذلك من مكارم الأخلاق ومحاسن العادات فلا حرج إن شاء الله خاصة لمن كان كبيراً في سنه أو مقدماً في علمه أو نحو ذلك.
ونسأل الله أن يختم لنا بالمغفرة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.