إسلام ويب

المحبة في اللهللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • خلق الله تعالى الإنسان من عقل وبدن وروح، ولأن العاطفة هي الأقوى في التصرف بالبدن من العقل كان لزاماً أن تربط هذه العاطفة بمحبة الله تعالى وأهله، فمن أحب شيئاً سعى لتحقيقه ولو لم يكن فيه مصلحته، والله سبحانه هو المستحق لهذه المحبة لاتصافه بالكمال والجلال والعظمة، بل إن محبته من مقتضيات الشهادتين.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان مؤلفاً من ثلاثة عناصر هي: العقل الذي شرفه به على الحيوان والدواب، والبدن الذي هو من تراب، والروح التي هي نفخة غيبية من أمر الله تعالى.

    وقد قسم الله الدين على عناصر ثلاثة تبعاً لهذه العناصر هي: الإيمان الذي هو لمصلحة العقل؛ فلا يمكن أن يسدد العقل ولا أن يوفق ولا أن يعمل فيما خلق من أجله إلا بالإيمان، والإسلام الذي هو لمصلحة البدن؛ فلا يمكن أن يستقيم حال البدن إلا باستغلاله في هذا الإسلام الذي من أجله خلقت الأبدان لتحقيق العبودية لله؛ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[الذاريات:56]، والإحسان الذي هو لمصلحة الروح، وهو المقتضي تمام المعرفة بالله تعالى وقصده في الأمر كله وتعلق القلب به.

    وكل هذه العناصر الثلاثة -وهي عناصر الدين- تقتضي تحقيق العبودية لله والأنس به والاتصال به على كل الأحيان، وهذا هو شرف الإنسان؛ فالإنسان إذا لم يتصل بالله؛ فلا شرف له، بل هو شر من الدواب والبهائم، مع أن الله جعله بين نوعين من أنواع الخلائق:

    نوع أسمى منه وهو الملائكة، محضهم الله لطاعته وعبادته، عِبَادٌ مُكْرَمُونَ[الأنبياء:26]، لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ[التحريم:6]، يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ[الأنبياء:20]، خلقهم الله للطاعة وكلفهم بالتكاليف ولم يمتحنهم بأن يسلط عليهم الشهوات.

    ونوع أدنى منه هو الحيوان البهيمي، فقد سلط الله عليه شهوات لكنه لم يكلفه بالتكاليف، والإنسان جمع الله له بين الخاصيتين؛ فهو مكلف بتكاليف ممتحن بالشهوات؛ فإن هو أدى التكاليف ولم تضيعه الشهوات التحق بالصنف الأسمى وهو الملائكة، وإن هو ضيع التكاليف واتبع الشهوات التحق بالصنف الأدنى وهو الحيوان البهيمي، بل يكون أدنى منه لأن الحجة قائمة على الإنسان بالعقل والوحي أكبر من الحجة القائمة على الحيوان؛ كما قال الله تعالى: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا[الفرقان:44]، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ[البينة:6]، أي: هم شر ما برأه الله وخلقه من أنواع الخلائق.

    إذا عرف ذلك عرف أن الله سبحانه وتعالى يستحق على الإنسان أن يعبده بكل ما آتاه من النعم، وأن يتصل به في كل أحواله، فتتعلق معرفة الله تعالى بجميع عناصر الإنسان وبجميع ما أنعم الله به عليه من الطاقات، فإذا كان الإنسان يؤمن بالله بعقله ويعبده ببدنه، ولكنه لا يعرفه بروحه لم يكن من المحسنين، ولا من الصادقين، بل يكون مثل الجهاز الذي يعمل وهو لا يدري لماذا يعمل؟ فالجهاز يتحكم فيه من سواه؛ لأن الإنسان بدون الروح جثة هامدة كسائر الجمادات؛ فلذلك يحتاج الإنسان إلى أن يعبد الله بروحه وأن يعرفه بروحه، وهذه المعرفة الروحية تتعلق بالعاطفة التي هي المحبة أو الكراهة، ولا يمكن أن يعمل الإنسان أي عمل إلا وقد اتصل ذلك العمل بعاطفته محبة أو كراهة.

    ومن هنا فإن عناصر الإنسان الثلاثة مرتبة؛ فأعلاها العقل وتحته العاطفة وتحت ذلك البدن؛ فالبدن وتصرفاته ما يتعلق بالعاطفة أقرب إليها مما يتعلق بالعقل، وستفهمون ذلك جيداً إذا أدركتم أن كل واحد منكم يقتنع بكثير من القناعات العقلية ولكنه لا يطبقها؛ فالناس جميعاً يقتنعون بأن الكذب حرام وقبيح، ويقتنعون أن الصدق واجب وحسن، لكن لماذا لا يصدقون؟ لماذا يكذبون؟ لأن هذه القناعة مختزنة في العقل ولم تصل بعد إلى العاطفة، لكن من أحب الصدق منهم وكره الكذب فسيسعى لأن يكون من الصادقين، ولأن يجتنب الكذب بالكلية.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3088776914

    عدد مرات الحفظ

    778954174