إسلام ويب

التكافل في الإسلامللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد حرم الله الظلم على نفسه وحرمه على عباده، وجعل له عواقب في الدنيا والآخرة، ومن عواقب الظلم حصول الفتن بين المسلمين، ولهذه الفتن أسباب كثيرة منها الغيبة والنميمة والتجسس ونحوها، ولا يدفع هذا إلا بالأخوة بين المسلمين وترابطهم والتكافل فيما بينهم لدفع الشر وأسبابه، وجلب الخير وأسبابه، وبهذا يكون المجتمع آمناً من كل الشرور.

    1.   

    التحذير من الظلم

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    خطر الظلم وعاقبته

    فإن الله تعالى حرم الظلم على نفسه وجعله محرماً بين عباده، وفي ذلك يقول جل جلاله: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ[فصلت:46]، ويقول رسوله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عنه في الحديث القدسي الصحيح: ( يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا )، وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الظلم وبين عاقبة أمر الظالمين؛ فعاقبة أمرهم هي الخسران المبين كما قال الله تعالى: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ[الشعراء:227]، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ).

    فالظلم ظلمات يوم القيامة بين يدي الإنسان، وهو أحوج ما يكون إلى النور في ذلك اليوم عندما تنسد الأبواب أمامه، وينصب الجسر على متن جهنم، وهو أرق من الشعر، وأحد من السيف، وعليه كلاليب كشوك السعدان، يتفاوت الناس عليه بحسب أعمالهم؛ فمنهم من يمر كالبرق الخاطف، ومنهم من يمر كالريح المرسلة، ومنهم من يمر كأجاويد الخيل والإبل، ومنهم من يمر كالرجل يشتد عدواً، ومنهم من يزحف على مقعدته؛ فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكردس على وجهه في نار جهنم.

    في ذلك الوقت يحتاج الناس إلى النور حاجة شديدة، ولكن الظلم يكون ظلمة في وجوه أصحابه، وقد وصف الله حالهم بقوله: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ المَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا[البقرة:19-20]، فهذا الحال لا يرضاه المؤمن لنفسه، وقد حذره منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أعذر من أنذر، وقد أنذرنا الله بمحمد صلى الله عليه وسلم وأقام علينا الحجة به جميعاً.

    فعلينا جميعاً أن يتذكر حال الظالمين يوم القيامة، وأن نحذر من الظلم بكل أنواع وشتى ضروبه وأقسامه، ولنتذكر ما أخرج البخاري و مسلم في الصحيحين عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: ( كنت أجلد غلاماً لي في الطريق، فإذا صوت من ورائي يقول: اعلم أبا مسعود ! فنظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإذا هو يقول: اعلم أبا مسعود ! أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام؛ فقلت: يا رسول الله! هو حر لوجه الله؛ قال: أما إنك لو لم تفعل للفحتك النار ).

    فليتذكر كل من زينت له نفسه الظلم والانتقام أن الله تعالى أقدر عليه منه على من يريد ظلمه، وعلينا جميعاً أن نحذر وبال الظلم ونتائجه التي تتعدى أصحابه؛ فإن شؤمه يصل إلى الشعوب كلها؛ فما من شعب يشيع فيه الظلم إلا عوقب بعقوبة عامة، والعقوبات العامة هي من أمر الله تعالى وكيده لا ترد بالحيلة.

    الابتعاد عن الظلم سبب للأمن

    فلذلك لا بد أن نعلم أن من الأمن والأمان والرخاء الابتعاد عن الظلم؛ فهو سبب لكل ذلك، وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالعدل في كل الشئون وحض عليه في كل الأمور، وبه قامت السموات والأرض.

    والعدل يقتضي الصدق في حال الغضب وفي حال الرضا، قال الله تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ[المائدة:8]، وقال تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ المَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ[المائدة:2]، وقال تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ[النحل:126].

    فالعدل مطلوب من الإنسان في خاصة نفسه، وفي شهادته على أهله، ومطلوب من كل من تولى أمراً من أمور هذه الأمة في رعيته، وهو أمانة يخاطب عنها الإنسان، ويسأل عنها بين يدي الله تعالى في اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

    ولذلك فإن ترك العدل في أية رعية يتولاها الإنسان تكون سبباً لسخط الله سبحانه وتعالى؛ لأنه ما من راع إلا والله تعالى هو الذي استرعاه على رعيته، وهو سائله عنها، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته )، وقد صح في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من راع يتولى أمر اثنين من أمتي يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة )؛ فلا بد من الحذر من الظلم، ولا بد من الحرص على العدل في الأقوال والأفعال، ولا بد من إشاعة هذا المفهوم وإطلاقه في الناس جميعاً.

    1.   

    خطر الفتن وعواقبها السيئة

    وكذلك لا بد من الحذر من الفتن؛ فإنها مضلة وإنها سبب لانتشار الفوضى والأخلال بشئون الناس، ولا يمكن أن يكون مخلص راغباً في إحياء الفتنة ولا إيقاظها وهي نائمة، والفتن شر للناس لأنها تأكل الأخضر اليابس، وتصيب البريء كما تصيب المشبوه، فلا بد من الحذر منها، والحرص على إطفائها، والابتعاد عنها بالكلية، وقد حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ضررها وأثرها.

    وقد أخرج البخاري في الصحيح أن سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى كان يقول: كان يعجبهم أن ينشدوا في الفتنة:

    والحرب أول ما تكون فتية تسعى بزينتها لكل جهول

    حتى إذا حميت وشب ضرامها عادت عجوزاً غير ذات حليل

    شمطاء جزت رأسها وتنكرت مكروهة للشم والتقبيل

    فلذلك لا بد من الحذر من الفتن قبل نشأتها، ومن الابتعاد عنها، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فتناً ستقع في هذه الأمة، وبين أن ( القاعد فيها خير من القائم، وأن القائم فيها خير من الماشي )، وهذا تحذير بليغ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقتضي من المؤمن أن يكف شره وأذاه عن الناس، وأن يحرص على ألا يشارك في إثارة الفتنة مهما كانت، وأن يحرص على الابتعاد بنفسه إذا خشي أن تصل إليه الفتنة؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً ).

    إن فتن آخر الزمان آتية لا محالة فلا يمكن أن تستمر أمور الناس على ما يحبون، بل لا بد أن تكثر الفتن قبل خروج المسيح الدجال ؛ فهو الفتنة الكبرى، ما بين خلق آدم وقيام الساعة فتنة أعظم من فتنة المسيح الدجال ( وما من نبي إلا وقد أنذره قومه، وإن نوحاً أنذره قومه وهو أول الرسل إلى أهل الأرض، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإني أنذركموه ).

    أسباب الفتن

    فلذلك علينا جميعاً أن نبتعد عن الفتن وأن نحذر من أسبابها، وأن نعلم أن أسباب الفتن كثيرة، فمنها:

    المشي بالنميمة، وقد حرمه الله تعالى في كتابه، وبين ضرره، وقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يدخل الجنة قتات )، وكذلك منها التجسس، وقد حرمه الله في كتابه، ونهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم وبين ضرره وأثره.

    ومنها الكذب واختلاق الأقوال، وقد حذر الله من ذلك فقال: وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى[طه:61]، وحذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً، وإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً ).

    ومنها الغل والحسد، وقد حذر الله من ذلك في كتابه، وحذر منه رسوله صلى الله عليه وسلم، فبين الله تعالى في كتابه أنه من وصف اليهود عليهم لعائن الله، وهو لا يضر المحسود وإنما يضر الحاسد يتقد قلبه بنعم الله التي لا يستطيع إحصاءها ولا توقيفها.

    ومما يثير الفتن عدم التثبت في نقل الأخبار؛ فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ * وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً[الحجرات:6-8].

    ومن الأسباب المثيرة للفتن الطمع؛ فإن الطمع في ما عند المخلوقين سبب للكذب وسبب لقول الزور وسبب لشهادة الزور، وهو سبب للفتن كلها، ولا خير في الطمع؛ فإنما هو غشاوة تصيب الإنسان من الافتقار إلى المخلوق ولا يكون ذلك إلا عندما يزهد فيما عند الخالق فيطرده الخالق عن بابه؛ فيسلطه على نفسه فيذل للمخلوقين على طمع في ما في أيديهم، ويكون ذلك سبباً لإثارة الفتن والمشكلات.

    1.   

    سبل المحافظة على الأمن والطمأنينة لدى الشعوب

    اجتماع المسلمين على كتاب الله وسنة نبيه

    إن الشعوب المطمئنة الآمنة ليس لديها مكسب بعد الإيمان بالله تعالى أعظم من أمنها وطمأنينتها، وبالأخص هذه الشعوب التي امتن الله عليها بالإيمان، وابتعث فيها محمداً صلى الله عليه وسلم، فجاءها بالهدى ودين الحق، وبشرها وأنذرها، وترك فيها هذا الكتاب المبين الناطق عليها بالحق؛ فإن عليها أن تستمسك بحبل الله جميعاً، وألا تتفرق، وأن تحذر من كل ما يؤدي إلى النزاع والفرقة؛ فقد قال الله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ[آل عمران:103-105]، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ[الأنعام:159]، وقال تعالى: وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ[هود:118-119]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[الأنفال:45-46]، وقال تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ[الروم:30-32]، وقال تعالى: وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً[المؤمنون:52]؛ فعلينا جميعاً أن نعتصم بحبل الله تعالى، وأن نحرص على ما يجمع الكلمة، وأن نحذر من كل ما يؤدي إلى التفرقة، وأن نعلم أن وحدة الصف قوة في وجه كل الأراجيف والمرجفين.

    شكر نعم الله والمحافظة عليها

    وما أجدر هذا الشعب القليل العدد، المعروف من قديم الزمان بالإخاء والمودة والمحبة، وبالأمن والأمان أن يحرص على ذلك، وأن لا يمل نعمة الله تعالى عليه، فهذه النعمة التي امتن الله بها على هذا الشعب من الإخاء والمحبة، ومن التناصح ومن الأمن والأمان يسير الراكب في بلاده من شرقها إلى غربها لا يخاف إلا الله تعالى، هذا الأمن نعمة من الله سبحانه وتعالى، ونعم الله لا تقيد إلا بشكرها، ولا يمكن أن يملها عاقل؛ فقد ملها قوم سبأ فماذا حصل لهم؛ أصبحوا مضرب المثال يقال: تفرقت "أيادي سبأ" لأن الله سلط عليهم أضعف جنوده فأرة، فنقبت السد فعاث بهم السيل يميناً وشمالاً؛ فأصبحوا مضرب المثل في التفرق، ولا تمل نعمة الله سبحانه وتعالى باجتماع الكلمة والألفة وحصول المودة والرحمة.

    البعد عن دعوى الجاهلية

    وهذا الشعب عرف من قديم الزمان بتواصله وإخائه وحلمه؛ فمن ظلم منه فعليه أن يصبر كما كان أسلافه يصبرون، ومن ظلم منه فعليه أن يتوب وأن يعود عن ظلمه، وأن يرجع عما فرط فيه؛ فهذا هو الذي تستقيم به الأحوال، وهو الذي تنتظم به الأمور، ولا بد من الحذر من كل ما يؤدي إلى الفرقة والنزاع فيه، وبالأخص التمييز العنصري والطائفي والقبلي والجهوي.. فكل هذه الدعايات منافية لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي جاء بها من عند الله، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أبدعوى الجاهلية وأنا بين ظهرانيكم؟! دعوها فإنها منتنة )، وبين أنها هي الحالقة فقال: ( لا أقول: تحلق الشعر ولكن تحلق الدين ).

    فلذلك لا بد من الحذر من هذه الدعوات المضلة المبعدة عن منهج الله سبحانه وتعالى، ولا بد من الامتثال لأمر الله تعالى في الاستمساك بحبله جميعاً، وهذا الشعب مصيره واحد، وأمله واحد، وألمه واحد وهو بمثابة الأسرة الواحدة، والأسرة الواحدة حتى لو حصل اعتداء من بعض أطرافها على بعض ينبغي أن يحلم بعضها عن بعض، وينبغي لمن اعتدى أيضاً أن يتوب وأن يرجع عن ظلمه، ولنتذكر قول الشاعر:

    قومي هم قتلوا أميم أخي فإذا رميت أصابني سهمي

    فلذا لا بد من التنبيه إلى مثل هذا النوع من المخاطر والحذر منه، وأن يعلم الإنسان أن أية رمية تصدر من هذا الشعب إلى طرف من أطرافه فهي واصلة إليه جميعاً، فهذا الشعب هو بمثابة اليد الواحدة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر )، وقال صلى الله عليه وسلم: ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبك بين أصابعه )، وقال: ( المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم ).

    تحقيق الإخاء في الله

    ولذلك لا بد أن نحقق ما تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإخاء الذي ذكره الله في كتابه وذكره رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته؛ فقد قال الله تعالى: إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ[الحجرات:10]، وقال تعالى: وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ[التوبة:71]، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم تأكيد هذا الإخاء وقد رسخه بين أصحابه؛ فآخى بين المهاجرين والأنصار، وآخى بين المهاجرين أنفسهم، وبين بطون الأنصار، وفي حديث أم العلاء كما عند البخاري قالت: ( كان المهاجري يرث الأنصاري، والأنصاري يرث المهاجري بأخوة الإسلام، حتى نزل قول الله تعالى: وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا[الأحزاب:6]، قالت: فكانوا يوصون لهم ).

    وعندما بدأت الدعوات المغرضة للطائفية المقيتة، والتمييز العنصري كما في عام 1966م في هذه البلاد كان العلماء إذاك لهذه الدعوات بالمرصاد ووقفوا في وجهها وفندوها، وفيها يقول العلامة محمد علي العدوزي رحمة الله عليه في وصف هذا الشعب:

    كالعين ما كان يغني لون أبيضها عن لون أسودها فيما له يرد

    هذا بذاك محوط فهو حاجبه وليس إلا عليه الدهر يعتمد

    وذا بذاك يرى ما ليس يمكنه طبعاً يراه إذا مان كان ينفرد

    فهذا الشعب من قديم الزمان يحافظ على وحدته وإخائه وتراحمه وتعاطفه، ولا بد أن يستمر ذلك الحال فالدواعي إليه كثيرة ضاربة في أعماق التاريخ، ويؤكدها الدين والخلق والمروءة، ولا يمكن أن يوجد من هو مخلص لهذا الشعب ساع لمصلحته يسعى للتفريق بينه أو لإلحاق الأذى بأي طرف منها على حساب طرف آخر؛ فلا يمكن أن يقبل الشعب ذلك فهو من الضيم والأذى له جميعاً.

    إحياء روح التكافل الاجتماعي بين المسلمين

    ومن هنا فلا بد من إحياء روح التكافل الاجتماعي فيما بيننا؛ فعلى كل إنسان أن يتذكر حال إخوانه من أبناء جلدته وسكان بلاده، وأن يحرص على أن يكون من الذين ينفعون الناس؛ ( فإن الناس عيال الله، وأحبهم إليهم أنفعهم لعياله )، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وكالصائم القائم )، جهاد في سبيل الله لا يوصف صاحبه بالإرهاب، وصيام لا يظمأ صاحبه، وقيام لا يسهر صاحبه بأمر ميسور وهو أن يقدم الإنسان فضل ما آتاه الله لبعض المحتاجين من إخوانه؛ فيكون بذلك قد أقرض الله قرضاً حسناً وسيعوضه الله خيراً من ذلك لا محالة؛ وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ[سبأ:39]، وسيخلفه الله سبحانه وتعالى خيراً مما أنفق.

    وعلينا جميعاً أن نتذكر أن الأرملة إذا غاب كافلها وأن الطفلة إذا غاب كاسبها وهما لا يدريان متى يعود؛ كانا أهلاً للرحمة والصدقة، وإن التراحم والتعاطف وصف حميد حض الله عليه في كتابه وكتبه على نفسه؛ فقال: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ[الأنعام:54]، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من لا يرحم لا يرحم )؛ فكل مصيبة نزلت بعبد مؤمن فالعباد جميعاً عرضة لها؛ لأن الله هو الذي تأتي من عنده المصائب، وهو الذي يرفعها إذا شاء؛ فلنتذكر حال المبتلين والمصابين، ولنحرص على تخفيف البلاء عمن كانوا يمونونهم من أهليهم، ولنتذكر جميعاً قول الله تعالى: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا[النساء:9].

    ولنتذكر أن هذه الرحمة التي كتبها الله على نفسه واشتق لنفسه اسمين منها هي صفة هذه الأمة لدى الله سبحانه وتعالى؛ فقد قال الله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا[الفتح:29].

    فوائد التكافل الاجتماعي

    إن التكافل الاجتماعي هو من المروءة والخلق الرفيع، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء )، فالمواساة.. مواساة المصاب بأية مصيبة سبب لرفع تلك المصيبة عن المواسي، وسبب لعافيته واستمرار نعمته، وهي كذلك إقراض لله سبحانه وتعالى بالقرض الحسن الذي يضاعفه الله تعالى، وقد قال الله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ[البقرة:245].

    وكذلك فإن التكافل الاجتماعي سبب لترسيخ الوحدة الوطنية وسبب لإزالة الضغائن والشحناء، وسبب لانتشار المودة بين الناس، ولحصول المحبة بينهم، وهو كذلك مما يؤدي إلى الأمن والأمان المنشود المطلوب؛ فعلينا جميعاً أن نتذكر ما أخرج مسلم في الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الإنفاق وحض على إنفاق فضل الزاد؛ فقال: ( من كان معه فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له، ومن كان معه فضل من ظهر فليعد به على من لا ظهر له، وذكر من أصناف المال ما ذكر حتى ظننا أنه لا حق لأحد منا فيما زاد عن حاجته ).

    وقد كان ذلك واجباً في صدر الإسلام وأنزل الله فيه: وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ[البقرة:219] و(العفو) هو: ما زاد عن الحاجة، ومنه قول الشاعر:

    فتملأ الهجم رسلاً وهي وادعة حتى تكاد نواحي الهجم تنثلم

    ثم بعد اتساع الحال وانتشار الإسلام نسخ وجوب ذلك وبقي ندبه، فقال الله تعالى: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ[البقرة:215]؛ فخير الإنسان في إنفاق ما يستطيعه من ماله ولم يجب عليه إلا ما كان واجباً من الزكاة والمواساة الواجبة وحدها.

    وهكذا فإن التكافل الاجتماعي مرغوب فيه شرعاً، وحض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من النصوص؛ فقد صح عنه أنه قال: ( إن الأشعريين كانوا إذا أرملوا جمعواً أزوادهم في ثوب فاقتسموها بإناء واحد، فهم مني وأنا منهم )، وهذا تشجيع عظيم على هذا التكافل؛ فلا شك أننا جميعاً نحب أن نكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يكون منا، ولا يرضى أحد منا أن يطرد عن حوضه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، ونريد جميعاً أن نبعث تحت لوائه وأن نحشر في زمرته؛ يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ[الإسراء:71]، فمن أراد ذلك فليفعل ما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سبب معيته؛ فذكر أن الأشعريين في مقام الثناء عليهم كانوا إذا أرملوا - أي: افتقروا - جمعوا أزوادهم في ثوب واحد فاقتسموها فيما بينهم بقدح واحد؛ قال: ( فهم مني وأنا منهم ).

    التسابق على إعانة الفقراء والمساكين

    وإن وقتنا هذا هو وقت هجوم شرس على هذه الأمة يقصد به تفتيت كيانها وتمزيق وحدتها، وإشاعة الضغائن والفوضى فيما بينها، ولا بد فيه من الحرص على النظام والحرص على الأمن والأمان، ولا يتم ذلك إلا بحصول الإخاء والتكافل الاجتماعي، والحرص على النفع العام للناس؛ فعلى الإنسان أولاً أن يكف ضرره عن المسلمين، ثم عليه بعد ذلك أن يوصل من نفعه إليهم ما استطاع، وليعلم أن ذلك لا يضيع عند الله تعالى؛ فإن كل من بايع الله فهو الرابح لا محالة، والله سبحانه وتعالى غني عنا وعما آتانا، ولو شاء لأنزل على الفقراء مائدة من السماء كما أنزل في أيام المسيح ابن مريم عليه السلام، ولو شاء لجعلهم أغنياء كما أغنى الأغنياء، لكنه بهذا يبتلي بعضنا ببعض ويمتحن بعضنا ببعض.

    فعلينا جميعاً أن نكون ناجحين في هذا الامتحان، وأن نحرص على أن نكون في مقدمة الركب، وألا نكون من المتأخرين؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( سبق درهم مائة ألف درهم )، وعندما جاءت دافة -أي: الأعراب المسنتون- إلى المدينة فرآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم مجتابي النمار، عامتهم من مضر؛ رحمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة شديدة حتى عرف ذلك في وجهه، ثم قام على المنبر خطيباً؛ فقال: ( تصدق امرؤ من ديناره، من درهمه، من صاع تمره، من صاع بره، وأمر ببسط بسط في مؤخرة المسجد.. )، قال الراوي: ( فرأيت كومين من طعام وثياب على تلك البسط، فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم تهلل وجهه )؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرهم إخاؤكم وتآخيكم وقيام بعضكم بحقوق بعض.

    فالأرملة إذا غاب عنها من كان يمونها تكون محلاً للشفقة والرحمة، ولنتذكر قول الحطيئة :

    ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ زغب الحواصل لا ماء ولا شجر

    ألقيت كاسبهم في جوف مظلمة فاغفر عليك سلام الله يا عمر

    إن هذا الحال الذي يحس فيه الناس بهذه الرحمة يذكرنا جميعاً بما أخرجه مالك في الموطأ و أحمد في الزهد: عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن عيسى بن مريم كان يقول: (لا تكثر الكلام في غير ذكر الله فتقسو قلوبكم؛ فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب، وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد، وإنما الناس مبتلى ومعافى؛ فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية).

    المبادرة في الصدقات

    ورحمة أهل البلاء لا يكفي منها مجرد التوجع القلبي فذلك لا يغني ولا ينفع، إنما تكون بإيصال النفع إليهم بما يستطيعه الإنسان من أنواع المنافع ومنها الدعاء؛ فإنه مواساة جميلة، ومنها الإنفاق على ذويهم، وتلمس حاجاتهم، وسد خلاتهم؛ فهي من صدقات السر التي هي أفضل الصدقات كما قال الله تعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ[البقرة:271]؛ فذلك سبب لإطفاء السيئات، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ).

    ونحن جميعاً نعلم أننا مقصرون وأننا مذنبون مسرفون، وما من أحد إلا وهو يتذكر ما فرط فيه في جنب الله من الخطايا والآثام؛ فإذا أردت أن تطفئ شعلة خطيئتك فتصدق؛ فإنها لا تتعداها، وكذلك تذكر أنها تدفع البلاء عنك؛ فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( باكروا بالصدقة؛ فإن البلاء لا يتعداها ).

    وكذلك فإن الصدقة تبعث في القلوب كثيراً من المحبة المتبادلة، وقد كانت لنا تجربة فيما مضى؛ فقد جربنا في السجن عندما تعاطف الشعب مع المظلومين ووقف معهم جميعاً، وكانت تلك الوقفة التي يظهر منها أنها أريد بها وجه الله سبحانه وتعالى، كان لها من الأثر البليغ في حصول المحبة والألفة وانتشار الأمن والأمان بين هذا الشعب ما هو محتاج إليه؛ فكانت سبباً للرخاء والعافية والأمن والطمأنينة، وهذا ما يحتاج الناس إليه في كل وقت؛ فنحن نحتاج إلى توطيد الروابط والإخاء، ولا نحتاج إلى ما يقطع تلك الروابط وما يمزقها، ولنتذكر قول الله تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ[محمد:22-23].

    1.   

    صور من تراحم المسلمين في القديم

    إن هذا الشعب كله ذرية بعضها من بعض، وهو بمثابة اليد إذا أمسك منها إصبع أمسكت كلها، فلا بد من تحقيق التكافل الاجتماعي بين أفراده، ولا بد كذلك من إشاعة روح المسامحة والإخاء والأمن والطمأنينة، وعدم الاعتداء وعدم الظلم، ولا بد كذلك من إحياء الإخاء بمعناه الكامل الذي يقتضي إزالة الكلفة وتحقق الألفة بين جميع أفراد هذا الشعب؛ فما أحوجنا إلى ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب؛ فقد اشتد بهم الحال حتى كان أحدهم يعصب الحجر على بطنه من الجوع، ولكنهم مع ذلك حققوا أخوة الإيمان، فكان بعضهم يشرك إخوانه فيما يجد؛ فقد صح عن عتبة بن غزوان رضي الله عنه قال: ( لقد رأيتنا في الشعب مع النبي صلى الله عليه وسلم وما منا أحد إلا وهو يعصب الحجر على بطنه من الجوع، ثم لقد رأيت أولئك النفر وما منهم أحد إلا وهو وال على مصر من الأمصار، ولقد خرجت ذات ليلة في الشعب لقضاء حاجتي فوقعت يدي على شيء؛ فإذا هو جبة فنفضتها فأتيت بها أصحابي، فقسموها نصفين فأعطوني نصفها فاتزرت بها، وأعطوا نصفها سعد بن مالك فاتزر به ).

    لاحظ أخي هذا الإيثار العجيب! فهذا الرجل الذي هو محبوس منذ ثلاث سنوات، لا يباع له ولا يشترى منه، وليس بينه وبين الناس علاقة، وليس له فرج إلا من عند الله تعالى مع ذلك يجد جبة وهو لا يجد ما يستر به عورته؛ فلا يستطيع أن يلبسها حتى يأتي بها إخوانه ليحكمهم فيها.

    وكذلك يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (لقد خرجت في الشعب ذات ليلة لقضاء حاجتي فوقعت يدي على شيء فإذا هو جلد؛ فأتيت به أصحابي فغسلناه وشويناه وأكلناه)؛ فهو من الجوع بهذا المستوى، يعصب الحجر على بطنه من الجوع وإذا وجد ما يسد به رمقه في أمس الحاجة إليه لا يستطيع أن يستأثر به دون إخوانه، بل لا بد أن يصل نفعه إلى غيره.

    وكذلك يقول سعد رضي الله عنه كما في صحيح البخاري : ( والله إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله، ولقد رأيتنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم وما لنا زاد إلا ورق السمر وهذه الحبلة، وإن أحدنا ليضع كما تضع الشاة ما له خلط، ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الإسلام خبت إذاً وضل سعيي ).

    وعندما حض رسول الله صلى الله عليه وسلم على تجهيز جيش من الجيوش جاء أبو بكر يحمل ماله كله، وجاء عمر يحمل شطر ماله، وجهز عثمان ثلاثة آلاف مقاتل في جيش العسرة بأزوادها وسلاحها ومراكبها وركائبها؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يضر عثمان ما فعل بعد اليوم ).

    وكان الأنصار إذا قدم عليهم مهاجر ابتدروه؛ فإذا سبق إليه أحدهم حاز الفضل دون سائرهم، وإذا وصل إليه رجلان معاً استهما عليه فأيهما وقع السهم له أخذه ضيفاً إلى بيته.

    1.   

    التآخي والتكافل الاجتماعي في موريتانيا

    ولقد كان هذا النوع من التآخي والتكافل الاجتماعي مشهوراً في بلادنا هذه.

    صور من التآخي والتكافل الاجتماعي

    وكان علماء هذه البلاد يضربون مثلاً رائعاً لهذا الإخاء؛ فمن المشهور عن العلامة محمد بن محمد سالم المجلسي وأولاده أنه كان يأتيهم الطالب الغريب فيعلمونه حتى يتصدر عالماً، ويخرجون عليه الزكاة والصدقات حتى يخرج عند تخرجه غنياً يسوق إبله وقد تخرج بالعلم.

    وكذلك كان عدد كبير من علماء هذه البلاد يعتنون بالفقراء ويتعاهدونهم، وقد أدركنا آخر عمر العلامة أحمد ولد محمد محمود الفتن رحمة الله عليه وكان من الساعين على الأرامل واليتامى، وفي مرثيته يقول العلامة محمد عالي بن عدود رحمة الله عليه:

    إذا قيل أي الناس أحمد سيرة وأقوم قيلاً قيل أحمد أحمد

    لسان سنان في لسان وطاعة وقول بمعروف إذا صفرت يد

    ومهما تصب من نكبة لم يبل بها ويعلم أن اليوم من بعده غد

    وليس بمفراح إذا نال نعمة ولا بجداها وحده يتفرد

    تراث رجال سابقين تقدموا لهم في سماء المجد صرح ممرد

    وكذلك كان العلامة الخرشي ولد عبد الله رحمة الله عليه، وكان فقيراً لا ينال شيئاً إلا اقتسمه مع الطلبة، فلما شب أولاده وأصبح ذا عيال كان يخمس ما يناله فيعطي الطلبة أربعة أخماس، ويمسك هو خمساً لعائلته وأسرته.

    وكذلك كان عدد كبير من العلماء المشهورين يفعلون مع طلابهم ومع الفقراء والمحتاجين، وكان الشيخ يحيى ولد أحمد دفال تندغي رحمة الله عليه مشهوراً بكفالة الأيتام والضعفاء، وكان الناس إذا كان وقت القحط حملوا أراملهم وضعفاءهم فأنزلوهم عند هذا الشيخ وتركوهم إلى أن تمرع الأرض فيأخذ كل إنسان عائلته، والشيخ يتولى رعايتهم في تلك الفترة قبل أن تمطر السماء.

    وهكذا كان العلامة محمود بابا ولد ... رحمة الله عليه يجتذب الماء على يديه من بئر طويلة حتى يسقي الأرامل بها، وكان يوزع الماء بينهم فيحمله على ظهره حتى يوزعه بينهم، وقد أدركنا العلامة الشيخ أحمد ولد محمد فال رحمة الله عليه وهو يجتذب الماء أيضاً بيديه وينتزعه بالرشاء من بئر طويلة ليسقي الطلاب والضيوف وحتى البهائم يسقيها على يديه! وكان شديد الورع يخاف أن يجتذب الماء على بهيمة دون إذن أهلها فتتأثر بذلك، فكان يجذب لها الماء ليسقيها على يديه هو.

    المحافظة على مظاهر التكافل الاجتماعي

    وهذا الحال من التكافل الاجتماعي في هذه البلاد وقد كان معهوداً معروفاً لا بد من الحفاظ عليه، ولا بد من بقائه سائراً بين الناس؛ فهذا الشعب هو الذي أنجب المبرزين الأفذاذ من أمثال الشيخ سيديا رحمة الله عليه، الذي قيل له: إن ناقة عندما حلبت تعشى بلبنها عشرة من الضيوف؛ فقال: انحروها تعشي مائة.

    فهذا النوع من الأفذاذ الذين أنتجهم هذا الشعب وولدتهم نساؤه ما عقمن أن يلدن أمثالهم، وما زال الشعب بحاجة إلى أمثال هؤلاء الذين يحرصون على التكافل الاجتماعي، ويشركون الناس فيما آتاهم الله من أنواع الخيرات.

    ولا يليق بمن أنعم الله عليه بالنعم الجمة الجزيلة وهو يرجو المزيد من فضل الله تعالى أن يشهد مثل هذا الوضع فيتأخر عن الإنفاق والمواساة؛ فذلك سبب لإزالة تلك النعمة، وقد كان الشيخ حبيب الله ولد محمد المداح رحمة الله عليه مشهوراً في أيام الخوف عندما يأتي قطاع الطرق، فيستاقون إبل الناس وبهائمهم يأتي هو بما بقي لديه من النعم فيوزعه بين الناس بالسوية، ويقول: هذا الذي ترك وراء المصيبة لم يغفل ربنا عنه، وإنما تركه للجميع فنحن فيه سواسية؛ ولذلك يقول فيه أحد العلماء:

    من البخل لا أخشى على الجود صولة لأن حبيب الله حام يراقبه

    يدافع عنه جهده ويجيره وأي كريم ما تغب نواهبه

    وإن مبتغ المعروف والعلم زاره ينال مصون الوجه ما هو طالبه

    إننا جميعاً بحاجة إلى إحياء هذه المعاني في أنفسنا والحرص عليها، وقد حدثني عدد من طلاب العلم الذين كانوا يدرسون قديماً في مدينة آطار أن تجار البلد كانوا يتنافسون في الإنفاق على الطلاب؛ فكل واحد من كبار التجار ينفق على عدد كبير من الطلاب؛ فكان الشيخ بازيد ولد السالك و سيدي ولد برو ، و همدي وعدد آخر من الأغنياء يتنافسون في النفقة على الطلاب؛ فكل إنسان منهم يتولى الإنفاق على مجموعة من الطلبة، وبقي ذلك زماناً طويلاً واستمر حتى بعد وفاة بعضهم؛ فقد سمعت: أن بعض النفقات التي كان يجريها سيدي ولد برو رحمة الله عليه على الطلاب قد بقيت بعد موته جارية عليهم، وقد شاهدت أنا بعد موت الشيخ عبد الله ولد الشيخ سيديا رحمة الله عليه بزمان طويل بعض النفقات التي كان يجريها على الأرامل واليتامى، وما زالت جارية بعد موته.

    فهذا النوع من الفضل وبذل المعروف كان في كل أنحاء هذه البلاد، لم تكن تختص به بلدة من أنحائها ولا قطر من أرجائها ولا حي من أحيائها، بل كان سمة بارزة لأهل هذه البلاد كلها؛ بيضها وسودها وجنوبها وشمالها وشرقها وغربها، وكانوا جميعاً يتآخون في الله سبحانه وتعالى وبه، ويتعاونون جميعاً على إقامة شرعه، وعلى التآخي في دينه، وهم بحاجة إلى الاستمرار على ذلك؛ فإن هذه المدنية تأتي بما يغير الأخلاق، والأخلاق دائماً تحتاج إلى فحوص دورية، يحتاج الإنسان إلى فحص خلقه في كل فترة؛ فإن للأخلاق كثيراً من المؤثرات التي تؤثر فيها؛ فمنها الغنى فإنه سبب للطغيان، ومنها الفقر فإنه سبب للنسيان، ومنها الغضب فهو سبب كذلك لقطع الإنسان صلاته وعطاياه، ومنها كذلك تغير البيئة؛ فالذي كان بدوياً فانتقل إلى الحاضرة كثيراً ما تتغير أعرافه وعاداته.

    فعلينا جميعاً أن نقيم فحصاً دورياً لأخلاقنا، وأن نحرص على بقائها على الوجه المحمود المطلوب، فما كان منها طيباً موافقاً للشرع لا بد من الإبقاء عليه وتطويره وزيادته؛ فقد ازدادت النعم علينا وازداد فضل الله لدينا؛ فأسلافنا الذين كنا نتحدث عنهم لم يكن أحد منهم يجد من الماء إلا ما يحفر له بيده في الأعماق، ولم يكن يجد من النفقة كذلك إلا ما يحرثه في الأرض، ويتعب على زراعته ورعايته والتعب فيه، وقد كانوا فقراء ولكنهم مع ذلك كانوا أهل كرم وجود؛ ولهذا قال العلامة المجيدري ولد حفظ الله رحمة الله عليه لما فارق أهل هذه البلاد إلى المشرق فتذكرها يقول:

    يا من يرى ولا يرى عني الكروب نفسي فقد نفى عني الكرى شوقي لأهل تيرس

    لهفي عليهم فضلاء مجربين كملاء..

    إلى أن يقول فيهم:

    إن قيس معبد على غريدهم لم ينبس أو قيس سحبان على بليغهم كالأخرس

    توريث الفضل والكرم للأبناء

    فهذا الفضل الذي كان شائعاً في جميع أنحاء هذه البلاد لا بد من إحيائه وتعاهده، وهو مما ينبغي للأبناء أن يحرصوا عليه من ميراث الآباء؛ فخير الميراث هو الخلق الكريم، وقد كان الأولون يورثون أولادهم حسن الخلق والأدب، وكانوا يقولون: الأدب خير ميراث؛ فخير ما يورثه الآباء أبناءهم هو الفضل والكرم والجود والتضحية والبذل في سبيل الله تعالى؛ فبالأخص إذا عرفنا أن الذين يفخرون بالآباء ويريدون الاغتباط بهم والاتصال بهم إذا لم يسلكوا طريقهم كانت تلك النسبة عاراً عليهم، وقد قال الشيخ محمد ... رحمة الله عليه:

    هي الحسب الرفيع لنا لو أنا على الآثار منهم مقتدون

    إلى أن يقول:

    فكانت في جزيتها حجازاً ونحن لها معد آخرين

    بلاد العامري لنا اجتباها فبارك ربه فيها وفينا

    نزور بها مقابر دارسات على قدم العهود مخلدين

    إلى أن يقول:

    وعابونا بها فمتى نزلنا سوى زحل عددنا عابثين

    وعابونا بها أي: هذه الأخلاق والكرم الذي كان لديهم، ويقول فيه:

    تحدثنا الأباعد ما جهلنا من الخير الذي هم فاعلون

    فهذا الذي كانوا يفعلونه ويعرفه الأباعد والأداني هو عيب على ذرياتهم إذا لم يتبعوهم عليه.

    وعابونا بها فمتى نزلنا سوى زحل عددنا عابثين

    ولذلك فقد حدثني أحد العلماء أنه كان في وقت الظهيرة في شدة الحر ووقت الحاجة عند العلامة محمد فال البابا ولد الحبيب العلوي رحمة الله عليه فجاء ابنه أحمد وكان عند البئر التي تسقى عليه البهائم؛ فسأله: هل شربت فلانة؟ هل شربت فلانة؟.. حتى عد عدداً من البقر فيقول: لا، ما رأيتها، ما رأيتها؛ فقال للضيف الذي عنده: كل هؤلاء البقرات له هو وهي خيرة ما يملكه وقد كان وارداً، لكنه يسقي الناس قبل سقي ما يملكه هو، وكان الوالد يعرف هذا من فضل ولده فنبه الضيف على ذلك؛ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ[البقرة:146].

    فلذلك ينبغي في كل فترة أن نراجع أخلاقهم وتواصلهم وتراحمهم وما كانوا عليه، وأن نتذكر أن الله سبحانه وتعالى قد أنعم علينا بعدهم بما لم ينعم به عليهم، وقد مكنا لنا ما لم يمكن لهم، وهذه النعم الجزيلة العظيمة من عند الله سبحانه وتعالى، وعلينا جميعاً أن نقيدها بشكرها وألا نملها، وعلينا جميعاً أن نكون من المتعاونين على البر والتقوى، وأن نتخذ الخطوات العملية المؤثرة؛ فلا فائدة في الكلام إذا لم يصحبه عمل؛ فلا بد من مجلسنا أن يسامح كل إنسان منا جميعاً أبناء شعبه، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه، وأن يسعى لانتشار الأمن والأمان في أنحاء هذا الشعب، وأنحاء هذه الأمة الإسلامية كلها، وأن يبذل المعروف وبالأخص المواساة الواجبة للفقراء والأرامل والصبية الصغار، الذين لا يجدون من يمونهم ولا من يكفلهم ولا يدرون متى يرجع إليهم من كان يكفلهم ويتولى أمورهم، وعلينا جميعاً أن نتلمس حوائج الناس وأن نتذكر قول الشاعر في عمرو بن عثمان بن عفان رضي الله عنهما:

    سأشكر عمراً ما تراخت منيتي أيادي لم تمنن وإن هي جلت

    فتى غير محجوب الغنى عن صديقه ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت

    رأى خلتي من حيث يخفى مكانها فكانت قذى عينيه حتى تجلت

    ولنتذكر كذلك قول علي رضي الله عنه عندما وقف على طلحة بن عبيد الله شهيداً رضي الله عنه فقال:

    فتى كان يدنيه الغنى من صديقه إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر

    فتى لا يعد المال رباً ولا يرى له جفوة إن نال مالاً ولا كبر

    ولنتذكر قول الآخر:

    وإن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي لمختلف جدا

    أراهم إلى نصري بطاءً وإن هم دعوني إلى نصر أتيتهم شدا

    ولا أحمل الحدق القديم عليهم وليس زعيم القوم من يحمل الحقد

    لهم جل مالي إن تطاول لي غنى وإن قل مالي لم أكلفهم رفدا

    أسد به ما قد أخلوا وضيعوا ثغور حقوق ما أطاقوا لها سدا

    فلا بد من المبادرة إلى البر والتقوى، ولا بد أن نري الله من أنفسنا خيراً؛ فبذلك ترفع الغمة وتزول مشكلات الأمة، وإذا أصلح أهل كل بلد ما يليهم فسيصلح الله أمر الأمة كله، والأمة الآن محتاجة إلى الإصلاح، ولا يكون الإصلاح إلا أن يبدأ من الأفراد؛ فكل فرد يصلح في خاصة نفسه وفي أهل بيته، ثم يتعدى نفعه إلى جيرانه حتى يصل النفع إلى أهل الفلوجة وما وراءها، فكل ذلك هو من واجبات هذه الأمة، ومن أسباب النصر لها على أعدائها، ومن أسباب رفع الغماء وإزالة الكروب.

    نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويذل فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، وتقام فيه حدود الله عز وجل، اللهم اخلف نبيك محمداً صلى الله عليه وسلم في أمته بخير، اللهم اغفر لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم ارحم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم أصلح أمة محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم فرج عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم أصلح أحوال أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767425570