بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد: فقد كان الموضوع الماضي في (أولويات المرأة المسلمة) في خاصة نفسها، وسنصل الآن إلى أولوياتها في مجتمعها الذي تعيش فيه.
فالمرأة المسلمة هي عضو من هذا المجتمع، وهي أكثر من نصفه، فما ليس من أولويات المجتمع ليس من أولوياتها، وما كان من أولويات المجتمع لا بد أن يدخل في أولوياتها؛ للكثرة الكاثرة في المجتمع، واهتمامها بكل ما يهتم به، وبالأخص إذا عرفنا أنها ملتصقة ببقية المجتمع، فالنصف الآخر من المجتمع يتربى في أحضان المرأة.
فلذلك كانت أولويات المجتمع أولويات بالنسبة للمرأة المسلمة، وأولويات المجتمع أهمها دين المجتمع وأخلاقه وقيمه، فعقيدة المجتمع والحفاظ عليها لا بد أن تكون من أولويات المرأة المسلمة، فهذه العقيدة هي مبنى العمل، وهي أساس العلاقة بالله عز وجل، وهي ما يدعو إلى الإنتاج في هذه الحياة، ومبناها على تحديد العلاقة بين الرب جل جلاله وعباده.
فإذا آمن الإنسان بالله سبحانه وتعالى، وعرف أنه هو وحده إله هذا الكون، وخالقه، ومدبره، عرف أنه وحده الذي يستحق العبادة، ولا يستحقها شيء مما سواه؛ فلذلك يصرف العبادة له جل جلاله، ويصرف التوكل والدعاء إليه جل جلاله، لعلمه أن من دونه لا يملك لأحد حياةً، ولا موتاً، ولا نشوراً، وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطْلُوبُ [الحج:73]، فهذه العلاقة لا بد أن تكون واضحةً في ذهن المسلم ذكراً كان أو أنثى، لا بد أن يكون واضحاً لديه الفرق بين الرب والمربوبين، أن يعلم أن الرب جل جلاله هو الذي يستحق العبادة وحده، وهو المدبر لهذا الكون وحده، ليس له معين ولا ظهير ولا نظير، وليس محتاجاً إلى أحد من خلقه، وكل ما يجرح هذه العقيدة أو يؤثر فيها فهو ضرر كبير على المجتمع، فإذا نقص منها جانب استحقاق الرب للعبادة، فصرف شيء من العبادة في المجتمع لغير الله يعد ضرراً كبيراً بالمجتمع؛ لأنه يقتضي انتشار الشرك فيه، والشرك أصل لكل خطر وضرر.
وكذلك إذا نقص شيء من إفراده بالتشريع، فأخذت الأحكام من غيره فأصبح المجتمع يتلقى تحليلاً أو تحريماً، أو تشريعاً أو قانوناً من غير الله سبحانه وتعالى، فهذا ضرر بين بالمجتمع؛ لأنه من الشرك كما قال الله تعالى: أَمْ لَهمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21]، وكما قال الله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالًا قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ [يونس:59].
فالمحل المحرم هو الله وحده، فلذلك إذا شرع قانون من دونه لا بد أن يؤدي إلى خلل في المجتمع، وإلى اختلاف فيه.
ولذلك ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الذي أخرجه ابن ماجه في السنن، و الحاكم في المستدرك ، و أحمد في المسند، وابن خزيمة، و ابن حبان في صحيحيهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يا معشر المهاجرين! أعيذكم بالله أن تدركوا خمساً: فما ظهرت الفاحشة في قوم فأعلنوا بها إلا ظهرت فيهم الأوجاع والأمراض التي لم تكن فيمن مضوا من أسلافهم، وما نقص قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وعسف السلطان، ونقص المئونة، ولا منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولا نقض قوم عهد الله وميثاقه إلا سلط الله عليهم عدواً من سواهم فأخذ بعض ما في أيديهم، وما حكمت أئمتهم بغير ما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم ).
فالحروب الأهلية والمشكلات الاجتماعية أساسها تحكيم غير شرع الله، فإذا تحاكم الناس إلى شيء غير شرع الله فذلك سبب للحروب الأهلية المدمرة، وللفساد الاجتماعي الكبير.
فإذاً لا بد أن يكون من أولويات المرأة المسلمة: الحفاظ على هذه العقيدة نقيةً طاهرةً في نفوس المجتمع، وأن تكون راعيةً لها مهتمةً بها، فلا يمكن أن تكون المرأة المسلمة حريصةً على الحفاظ على بيتها ومكاسبه وحليها وأمورها الخاصة بها إذا اعتدى عليها إنسان أو حاول النقص منها دفعته بما تستطيع، ولكنها لا تهتم بأمر عقيدة المجتمع، ولا تدافع عنه، فكياننا الأول وقناعتنا الكبرى هي هذا الاعتقاد، فلذلك إذا كان الإنسان سيدفع عن ترابه وعن أرضه وعن وطنه وعن بيته، فلا بد قبل ذلك أن يدفع عن عقيدته التي هي أصل كل ذلك وهي انتماؤه الحقيقي.
ثم بعد هذا أخلاق المجتمع لا بد أن تكون من أولويات المرأة أيضاً، فهذه الأخلاق هي التي تربط المجتمع فتقتضي من الصغير أن يوقر الكبير، وتقتضي من الكبير أن يرحم الصغير، وتقتضي التعاون على البر والتقوى، وتقتضي برور الأولاد بالأباء والأمهات، والأجداد والجدات، والإخوة والأخوات الكبار، وتقتضي كذلك أداء حقوق الجيران، وتقتضي كذلك الضيافة التي أمر الشارع بها، وتقتضي كذلك حقوق الطريق التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أنس في صحيح مسلم قال: ( إياكم والجلوس في الطرقات. فقلنا: يا رسول الله! ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها. فقال: فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه. قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟! قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر )، فهذه الأخلاق والقيم هي التي تنبني عليها المجتمعات، وبها تقوم حضارتها، وإذا حصل خلل فيها فإن ذلك مؤذن بزوال المجتمع ونهايته، ولهذا قال الشاعر حافظ إبراهيم المصري :
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ولذلك لا بد أن تكون المرأة مهتمةً بأخلاق المجتمع تحافظ عليها، فجانبها الأول هو نفسها، فلا يمكن أن يؤتى المجتمع بخلل عقدي أو خلقي من قبلها، لا بد أن تحفظ عقيدتها وخلقها، فتحفظ بذلك عقيدة المجتمع وأخلاقه.
ثم بعد هذا تصدر ذلك لجاراتها، ومن تؤثر عليه وتسعى لنشر هذه الأخلاق والقيم الرفيعة والدفاع عن هذه العقيدة السليمة.
ثم بعد هذا قيم المجتمع وخصائصه، فكل مجتمع له تاريخ وأمجاد وتراث، فالمجتمع المسلم يختلف عن غيره من المجتمعات، هذا المجتمع المسلم أصل طريقه طريق اختطها الله جل جلاله، واختارها وأرسل بها خير الرسل، وأنزل بها أفضل الكتب، وشرع بها خير شرائع الدين، وبذلك القرون الأول من هذه الأمة قرون مزكاة على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه قال: ( خير القرون قرني الذين بعثت فيهم، ثم القرن الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم )، ولذلك لا بد أن تحافظ المرأة المسلمة على موروث تلك القرون، وعلى القيم التي كانت موجودةً لدى تلك القرون، فلا يمكن أن تكون المرأة المسلمة في هذا العصر مبتورةً عن ذلك التاريخ، لا علم لها بالسيرة، ولا بالغزوات، ولا بتاريخ الخلفاء الراشدين، ولا بالفتوحات الإسلامية، ولا بمؤلفات السلف الصالح، ولا بحياتهم وتراجمهم، لا يمكن أن يكون هذا كله مجهولاً لدى المرأة المسلمة، لا بد أن يكون من أولوياتها التعرف على سلف هذه الأمة، وتاريخاها وقيمها ورجالها الذين صنعوا تاريخها، وحققوا لهذه الأمة أمجادها.
فمن المؤسف جداً أن يكون الجيل الصاعد من نساء المسلمين اليوم ليس لهن أية صلة بذلك الجيل الماضي الفريد، فلا يدرسن شيئاً عن حياة أبي بكر ، و عمر ، و عثمان ، و علي ، و خالد بن الوليد ، و سعد بن أبي وقاص ، و أبي عبيدة بن الجراح ، ولا يتصلن بذلك الجيل، يعرفن كثيراً عن الفنانين والفنانات، والممثلين والممثلات، لكن لا يعرفن شيئاً عن ذلك الجيل الفريد، ولا عن التابعين وأتباعهم بإحسان، ولا عن الأئمة المهديين قادة الإسلام، وقادة الفتوح والجيوش الذين فتحوا مشارق الأرض ومغاربها، فبنوا لهذه الأمة أمجاداً رفيعة، لا يمكن أن تلحق بها الأمم فيها.
إن هذا التراث وهذا المجد الرفيع الذي ورثناه عن أسلافنا لا بد أن يكون من أولوياتنا جميعاً الحفاظ عليه وحفظه من التشويه، وحفظه كذلك من النسيان والطمس، فالمؤامرة على التراث قسمان:
القسم الأول: منها ما يتعلق بتشويهه وتغييره، وهذه المؤامرة بدأت قديماً عندما بدأ وضع الحديث، والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك سيقع في هذه الأمة، وحذر منه، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ).
وقد روى هذا الحديث عنه مائتان من أصحابه، وكذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من يقول علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار ).
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:( إن كذباً علي ليس ككذب على أحد، فمن يقل علي ما لم أقل فليلج النار )، فإذاً لا بد أن يكون من أولويات المرأة المسلمة الحفاظ على تاريخ هذه الأمة، وبالأخص الصدر الأول الذين قال الله فيهم: فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا [البقرة:137]، فالله سبحانه وتعالى رضي لنا ما كانوا عليه، فقال: فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا [البقرة:137]، فلذلك لا بد من الحفاظ على ما كانوا عليه، على سيرتهم وسلوكهم وطريقهم في عبادة الله سبحانه وتعالى، ولذلك كثير من الفوائد في حياتنا فدراسة الإنسان لما عليه السلف الصالح من الاعتقاد والعمل والعبادة حافز عظيم له لمشاركتهم فيما هم فيه، ومنافستهم فيما هم عليه، فهم أقرب الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم وأولاهم بالشفاعة، وأكثرهم تضحيةً في سبيل نصرته، وهم الذين كانوا مثالاً يقتدى، وإسوةً تحتذى في سبيل إعلاء كلمة الله ونصرة دينه، فلا بد إذاً من الاقتداء بهم في ذلك.
ومن هنا فإن هذه الأولوية لدى المرأة المسلمة في المجتمع تقتضي أيضاً أولويةً أخرى في كفاح ما يضادها ويعارضها، فعادات المجتمعات التي هي غير نابعة مما كان عليه سلف الأمة الصالح، سواءً كانت موروثةً من بيئة؛ كما يورث من مجتمعات البادية من العادات والأخلاق التي ليست موافقةً لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فهذا النوع من العادات لا بد من مكافحة وإزالته، ولا بد أن يكون ذلك من الأولويات؛ لأننا ننطلق من قاعدة هي ضد لقاعدة المشركين، فالمشركون قاعدتهم: لو كان خيراً ما سبقونا إليه، ونحن قاعدتنا: لو كان خيراً لسبقونا إليه، فكل ما هو خير هو ما سبق إليه محمد صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعون، فما سبقوا إليه فهو الخير، فلذلك لا بد أن نحرص جميعاً على إزالة ما لدينا من العوائد التي ليست نابعةً مما كان عليه سلف هذه الأمة الصالح.
وكذلك ما يتجدد من العوائد الناشئة عن الحضارة وعن الاختلاط بالأمم الأخرى، فما ينشأ من الموضات واتباعها، وما يشيع في المجتمع من الثقافات المستوردة والحضارة غير الإسلامية، لا بد أن يعرض على ميزان الشرع، فما وافق منه ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مقبولاً، وما خالفه كان مردوداً لا يمكن أن يعمل به، فقد أخرج البخاري و مسلم في الصحيحين من حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )، وأخرج مسلم في الصحيح هذا الحديث أيضاً بلفظ: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ).
فلذلك لا بد أن يرد من العادات والتقاليد كل ما كان مخالفاً لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عليه وأصحابه، فنحن نعلم أن الله زكى خلق رسول لله صلى الله عليه وسلم، فقال: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، فلذلك لا يمكن أن يعدل عن خلقه إلى خلق آخر مساو له أو أحسن منه، فخير الأخلاق وأطهرها وأزكاها وأحسنها ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ربى عليه أصحابه، وربى عليه الصحابة وكذلك أتباعهم بإحسان.
فإذاً لا بد أن ننقي عاداتنا، لا بد أن يكون من أولويات المرأة المسلمة أن تنظر إلى القيود التي هي مأسورة بها، وما يحيط بها من العادات، فإن كثيراً من البنات يأخذن عن أمهاتهن كثيراً من العوائد، فتترسخ في النفوس حتى تكون كالشرع، وكأن من خالفها فقد عصى وكان آثماً، وهي أمور من العادات المخالفة لما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم، فلا بد إذاً من تنقيتها، والتطهير منها، وهذه العوائد يمكن أن توضع لها قوائم فتوزع، فبعضها يتعلق بالعبادات، فمثلاً: ترك المرأة للطهارة الكبرى كالغسل من الحيض أو من الجنابة في أوقات معينة، ورد ذلك إلى مجرد العادة، فهذه عادة مخالفة للشرع لا بد من محاربتها ونبذها.
كذلك تفريط المرأة في الصلاة في الجماعة، أو تفريطها في تعلم العلم، وظنها أنها يكفي أن تعرف فقط أحكام طهارتها وأحكام صلاتها، وأن ما سواء ذلك من الأحكام لا يعنيها، كأنها غير مخاطبة بالبيع والشراء، والنكاح وغير ذلك من العقود التي تجريها يومياً، فلذلك هذه عادة سيئة وهي نقص العلم والثقافة لدى المجتمع، وهذه العادة قديمة في مجتمعنا، فمجتمعنا هذا قد أنجب الكثير الكثير من العلماء الفطاحلة الكبار، الذين صار ذكرهم في أنحاء المعمورة، ولكن لم يوجد من العالمات من النساء إلا عدداً يسيراً محصوراً، مع أن كثيراً من النساء أذكى وأفهم من الرجال، ووقتهن أوسع من وقت الرجال، فلماذا لا يكون من الأخوات عدد من العالمات كما كان ذلك من الرجال؟ لماذا تحرص الأم على أن يكون أولادها علماء ولا تحرص على أن يكون بناتها علماء؟ هل هذه التربية هي ما ربى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه؟ أبداً، بل كانت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أعلم بكثير من كثير من الصحابة، وكانت ترد عليهم في أقضيتهم وفتاويهم، وقد جمع الزركشي رحمه الله كتاباً سماه الإصابة فيما ردت به عائشة على الصحابة، فلذلك لا بد أن يتأهل عدد من الأخوات الحاضرات الآن والسامعات بأن يكن من العالمات اللواتي يحين لنا تراث عائشة أم المؤمنين، و عمرة ، و بسرة ، و أم سلمة ، و حفصة ، وغيرهن من عالمات هذه الأمة.
كذلك في مقابل هذا من العادات أيضاً ما هو متعلق بعلاقتها مع الولدين ومع الزوج، فكثير من العادات في التعامل إنما هي من هذه العادات السيئة المخالفة للشرع، فلا بد أن يكون من أولويات المرأة المسلمة إزالتها وتركها، فمثلاً بر الولدين يقتضي نصحهما، و إرشادهما، وتعليمها، وكثير من البيئات ترى أن نصح الوالد أو الوالدة أو تنبيهه على أمر فرط فيه، أو تقصير حصل منه أن هذا عقوق، لكن هذه عادة مخالفة للشرع، الدين هو النصيحة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الدين النصيحة )، ونحن نقرأ جميعاً في القرآن ما جادل به إبراهيم خليل الرحمن أباه، فإنه جادله بأسلوب لبق مهذب، لكن مع ذلك لم يسكت على الباطل، فقال: يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا [مريم:44-45]، قبل ذلك قال: يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا [مريم:43].
فلذلك لا بد أن ننظر إلى التعامل مع الآباء والأمهات، و إلى العادة الدارجة في المجتمع في ذلك فنقيسها على الشرع فما وافق منها الشرع أخذنا به، وما خالف بها الشرع رددناه في الشرع خير منه.
كذلك في التعامل مع الزوج، فإن كثيراً من النساء المسلمات اليوم يأخذن علاقاتهن بالأزواج من تقاليد الأمهات وما يسمعن لدى أمهاتهن، والبنت تتربى لدى أمها، ولا تقرأ شيئاً من حسن التبعل، و لا من معاملة الزوج إلا ما تراه عند أمها، تسمع أمها تخاطب الزوج بالكلام النابئ، وتسمعها تعرض عن أوامره كأنها غير واجبة عليها، وتسمعها تجادله في كل أمر وتتهمه في كل أمر، و تخاصمه في كل أمر، كأن البيت مبني على المخاصمة، فتتعود هي على هذا السلوك وهذا النمط من التعامل، وترى أنه هو سلوك مستقيم سوي، وهذه عادة سيئة مخالفة للشرع، فلا بد أن يكون من أولويات المرأة المسلمة إزالتها.
كذلك في التعامل مع أهل الزوج فإن في مجتمعنا كثيراً من التكاليف المادية التي تكلف بها المرأة وأهلها، وتصبح بمثابة الواجب، بل يسمى بعضها بالواجب في العرف، ومن تركها كان ذلك منقصةً في مروءته وفي كرمه، وهذه العادات ما أنزل الله بها من سلطان، وهي مخالفة للشرع، فالشرع لم يوجب على المرأة وعلى أهلها أية تكاليف مادية في الزواج، بل جعل التكاليف المادية على الرجل فقط، فقال تعالى: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ [النساء:24]، وقال: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34].
وإذا كانت المرأة تنفق فسيختل التوازن؛ لأن القوامة التي أوتيها الرجل لها سببان: والفضل والإنفاق، فإذا أنفقت هي فستنافسه في قوامته، وهذا ما نشاهده في مجتمعاً، فالمرأة تريد أن يكون لها من المكانة والتأثير مثل ما للرجل، فتشاركه في القوامة؛ لأنها تنفق مثلما ينفق أو أكثر، فلذلك هذا خلل مخالف للشرع، فلا بد أن يكون من أولويات المرأة المسلمة إزالته.
وكذلك فيما يتعلق بالسلوك العادي، فالمرأة المسلمة في كثير من الأحيان لا تحافظ على ستر ما أوجب الله عليها ستره، وهي مع ذلك تخاف النار وتعلم أن جلدها ضعيف لا يقوى على النار، وأن أطرافها ضعيفة، وأن جهنم وصفها الله عز وجل بأنها نزاعة للشوى، معناها تأخذ الأطراف والجلد فتسلخ ذلك جميعاً، بمجرد النظر إليها والاقتراب منها تسلخ الجلد والأطراف، نسأل الله السلامة والعافية، فإذا كانت المرأة تخاف النار فعليها أن تستر ما أوجب الله عليها ستره، وأن تحافظ على ذلك، نعم، قد كان أهل البادية يجدون شحاً في الملابس، وضيقاً في العيش فكانت المرأة لا تملك إلى ثوباً واحداً تلتحف به، وتجعله ملحفةً ليس لها ما سوى ذلك، وتكون هذه الملحفة لا تستر كل بدنها، فيبقى بعض أطرافها بادياً نظراً للضرورة، لكن زالت هذه الضرورة ولله الحمد، واتسع الحال، فلذلك لا يحل الحفاظ على هذه العادة، ولا البقاء عليها، ولا بد من تغييرها، لا بد أن تحافظ المرأة المسلمة على الستر الذي أوجب الله تعالى وبين رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن ترخي شبراً، أو أن ترخي ذراعاً، وقد أمر الله تعالى بذلك فقال، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59]، وقال تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31]، فلذلك لا بد من الحفاظ على هذا الأمر الذي جاء به رسول الله من عند الله تعالى، ونبذ ما سواه، وأن يكون ذلك من أولويات المرأة المسلمة، ولا يكفي أن تلتزم هي باللباس في خاصة نفسها، بل لا بد أن تسعى لتعويد بناتها، وأخواتها على ذلك، وأن تسعى للدعوة إليه والتنبيه إليه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـعلي رضي الله عنه يوم خيبر: ( فلأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم ).
كذلك فيما يتعلق بالاختلاط بالرجال الأجانب، فإن من عادة المجتمعات البدوية حصول كثير من الاختلاط والتقارب بين الرجال والنساء، وقد يكون ذلك عن غير ريبة ومن غير خلوة، ومن غير سفور أيضاً، لكن يبقى مع هذا فيه كثير من التجاوز، أما ما كان بخلوة أو بريبة، أو بسفور؛ فهو من أكبر الكبائر وأشدها ضرراً على المجتمع، ولهذا لا بد من علاج هذه العادة بالكلية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إياكم والدخول على النساء، قالوا: والحمو يا رسول الله؟! قال: الحمو الموت ).
وكذلك أمر النساء أن لا يحققن الطرق وأن يطفن من وراء الرجال، وأمر بالتباعد بين أنفاس الرجال وأنفاس النساء، هذه أمور لا بد من الحفاظ عليها، وكونها عادةً دارجةً في المجتمع لا يحلها ولا يبيحها، ولنتذكر قول العلامة محمد مولود بن أحمد فال رحمه الله:
فليس بالمفيد جري العيد بخلف أمر المبدئ المعيد
فالعرف إن صادم أمر الباري وجب أن ينبذ بالبراري
فلذلك لا بد من أن يكون من أولويات المرأة المسلمة: مكافحة هذه العادة، والقضاء عليها، ومثل ذلك ما كان من تبرج الجاهلية فإن الله تعالى حذر فقال: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33]، فهذا التبرج الذي كان سائداً في الجاهلية الأولى قسمان كما في حديث علي رضي الله عنه: كان من نساء الجاهلية من لا ترد يد لامس، وكان منهن من يكون لها خدم يأتيها. فهذان أمران كلاهما محظور وممنوع شرعاً، ولا بد من الابتعاد عنه، وكل عادة تؤدي إليه أو تقترب منه، فمن أولويات المرأة المسلمة إزالتها والقضاء عليها، ولذلك فخروج المرأة في الليل إلى الطرق والشوارع وجلوسها مع الرجال كل ذلك مما يعاقب الله عليه المجتمع كله إذا ظهر فيه؛ لأن هذا من المنكرات الكبار التي إذا ظهرت في بلد فلم ينه عنها أصيب ذلك البلد كله بعقوبة شاملة من عند الله سبحانه وتعالى، فلهذا لا بد أن يكون من أولويات المرأة المسلمة أن تكافح هذا النوع من العادات، و أن تقضي عليه.
وكذلك ما يتعلق من العادات أيضاً بالاكتساب والعقول، فإن كثيراً من النساء يخرج لجمع المال ويتنافسن في الدنيا ويتباهين فيها، ولا يتأدبن بالآداب الشرعية في ذلك، فيخرجن مثلاً إلى الدروس أو إلى السوق أو إلى أية حاجة من الحوائج وهن في كامل زينتهن وهذا حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عادة مخالفة للشرع، ولا بد من التنبيه عليها، و لا بد أن يكون من أولويات المرأة المسلمة: القضاء عليها، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن إذا خرجن تفلات )، ومعنى (تفلات): غير متعطرات ولا متزينات، وقال: ( أيما امرأة تعطرت فخرجت من بيتها فهي زانية )، وقال: ( يا معشر! النساء من مست منكن طيباً فلا تشهدن معنا العشاء الآخرة )، فحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من خروج المرأة بالزينة أو بالطيب سواءً كان ذلك إلى المسجد، أو إلى السوق، أو إلى أية حاجة من الحوائج، وانتشار هذه العادة خطر على المجتمع، فلا بد أن يكون من أولويات المرأة المسلمة أن تكافح هذا العادة، و أن تزيلها، تبدأ بنفسها، ثم بمن تؤثر فيه حتى يزول ذلك.
وكذلك ما يتعلق بالاكتساب ...، فإن كثيراً من النساء في اكتسابهن لا يبالين من أين جمعنا المال سواءً كان من حله أو من غير حله، فيأخذنه سحتاً حراماً، ويشجعن على السرقة وعلى الاكتساب من أوجه غير مرضية شرعاً، و يتعاملن بالعقود التي لم يدرسن حكمها، فمن لم يعلم حكم البيع والشراء لا بد أن يقع في الربا إذا مارس البيع، والشراء، وقد صح عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (من لم يكن فقيهاً أكل الربا شاء أو أبى).
فلا بد لمن تمارس الصفق بالأسواق و البيع والشراء أن تتعلم على الأقل بعض أحكام البيوع، فتأخذ شريطاً أو كتاباً، أو تحضر درساً يتعلق بالبيوع، ويكون ذلك من أولوياتها؛ لئلا تأكل الحرام، فكل لحم نبت من حرام فالنار أولى به.
كذلك لا بد أن يكون من أولويات المرأة المسلمة: الحفاظ أيضاً على بيتها، واستمراره، واستمرار هذه العلاقة المقدسة التي سماها الله في القرآن ميثاقاً غليظاً، والسعي لإرضاء زوجها، فقد أوصاها النبي صلى الله عليه وسلم عليه وأكد هذه الوصية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: ( لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها )، وقال: ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت كان الذي فوق السماء عليها ساخطاً )، وفي روية: ( فبات عليها ساخطاً لعنتها الملائكة حتى تصبح ).
وحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء من الخروج بغير إذن الأزواج، وأن يوطئن فرشهم من لم يأذنوا في إدخاله، فلذلك لا بد أن يكون من أولويات المرأة المسلمة أن تزيل هذه العادة السيئة، وأن تسعى لتحكيم شرع الله في هذا الجانب، نحن نعلم أيضاً أنه في المقابل لدى الرجال كثير من القصور والتقصير، ولكن ذلك لا يبيح تقصير النساء؛ لأن كل إنسان يجب عليه أن يؤدي هو الحق الذي عليه، وأن يسأل الله الحق الذي له، كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كذلك فيما يتعلق بتربية الأولاد والحفاظ عليهم لا بد أن يكون من أولويات المرأة المسلمة أن تسعى لصلاح أولادها، والعناية بهم، فهم أفلاذ الكبد والزيادة في العمر، وهن امتداد في العمر بعد الموت، والإنسان لا يرضيه أن يكون آخر عمره سيئاً، نسأل الله السلامة والعافية، فكل إنسان مؤمن يحب حسن الخاتمة، ويكره سوء الخاتمة، والذرية إنما هي خاتمة لعمر الإنسان؛ لأنها امتداد فيه؛ فلذلك لا بد أن يسعى الوالد ذكراً كان أو أنثى لصلاح ذريته، وهذا الصلاح له وسائل لا بد أن تكون من أولويات المرأة المسلمة، فتعليم الأولاد، واختيار الصحبة الصالحة لهم، وتخليقهم بالأخلاق الحميدة، ومحبتهم لله ورسوله وكتابه هذه أولويات لا بد أن تنشئ المرأة المسلمة عليها أولادها، وأن تعودهم عليها، فإذا نشأ الولد لا يحب العلم ولا أهله، ولا يزور المسجد إلا لماماً، ولا يعرف أحكامه، ولا يعرف شيئاً عن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإذا ذكر له بعض قادة الإسلام الكبار كأنه ما سمع هذا الاسم قط، وهو في مقابل ذلك يتلقى من التلفزيون، ومن الجريدة، ومن المجلة، ومن الإذاعة كثيراً من الأسماء التي لا نفع فيها، فيمتلئ ذهنه بالأسماء التي لا نفع فيها، ويترك أسماء سلف هذه الأمة الصالح، فلذلك لا بد أن يكون من أولويات المرأة المسلمة أن تنشئ أولادها هذه التنشئة الصالحة، وأن تحرص على اختيار الصحبة الصالحة لهم، وعلى رعايتهم.
ونحن نعلم أن من العادات السيئة في مجتمعنا أن كثيراً من الأمهات ألسنتهن دائماً معملة في الدعاء على الأولاد، تدعو على أولادها وهي لا تنوي ما تقول؛ لأنها تحبهم وتحب لهم الخير، ومع ذلك تدعو عليهم بقصر العمر، وبفساد الحال، وبالمرض، وغير ذلك، وهي تكره لهم هذه الأمور، وهذا حرام؛ فإن دعاء الوالد على ولده أو له مستجاب، فلذلك يحرم عليها الدعاء على أولادها، وعليها أن تعود لسانها قول الخير، ولا بد أن يكون من أولياتها -وقد سبق ذلك في الدرس الماضي- إصلاح لسانها وكلامها ليكون موفقاً للشرع، إذاً هذا فيما يتعلق بأولوياتها في المجتمع.
أما أولوياتها في الأمة فلا بد أن تكون هذه المرأة المسلمة مهتمةً بشئون هذه الأمة، وأن تهتم بنصرة الله ورسوله، وإعلاء كلمة الله، وأن تهتم بأن تكون ذمة المسلمين واحدة، وأن تهتم بدار الإسلام وأهلها، وأن تهتم بشئون المسلمين وأخبارهم، فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ).
وقال صلى الله عليه وسلم: ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبك بين أصابعه ).
وقال صلى الله عليه وسلم: ( المسلمون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم ).
وقال: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ).
ولذلك لا بد أن يكون من أولويات المرأة المسلمة: أن تهتم بحقوق هذه الأمة وأدائها، فهي فرد من أفراد هذه الأمة ولبنة من لبنات بنائها، فلا بد أن تحرص على ارتفاع شأن هذه الأمة، وعلو منزلتها بين الأمم، وعلى الحفاظ على مكانة هذه الأمة بين الأمم، فإذا كانت المرأة المسلمة لا تهتم بأمتها، ولا تعتني بالشأن العام، فلا تسعى لنشر الدعوة والتزام الناس بدين الله، ولا تسعى كذلك لإعلاء كلمة الله فلا تكثر للمسلمين سواداً، و لا تهتم بأمورهم، ولا تنفق من أجل إعلاء كلمة الله، ولا تبذل أي شيء، لا من حليها، ولا من لباسها، ولا من تفكيرها، ولا من وقتها في إعلاء كلمة الله ونصرة رسوله، فكيف تسعى أن تكون يوم القيامة ممن تبعث تحت لواء محمد صلى الله عليه وسلم، وتدعى باسمه، وتشرب من حوضه؟! إن من لم يعتن بدعوته، ولم يهتم بأمر أمته؛ لا يمكن أن يكون كذلك. فلا بد إذاً أن يكون من أولويات المرأة المسلمة أن تسعى لنصرة هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى: إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:40]، والسعي لنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم يشمل تكثير سواد المسلمين، فتحضر الدرس وإن كان معلوماً لديها فكل ما تسمع فيه محفوظ لديها معلوم، لكن تريد تكثير سواد المسلمين، وتحضر أي نشاط تعلى فيه كلمة الله، ويعز فيه دين الله عز وجل، وتقصد بذلك نصرة رسول لله صلى الله عليه وسلم، وهذا يشمل مختلف الميادين الميدان السياسي، والميدان الاجتماعي، والميدان الاقتصادي لا بد أن يكون فيها الحضور البارز للمرأة المسلمة في نصرة الله ورسوله، وأن تسعى في كل ذلك لأداء حقوق هذه الأمة المسكينة المظلومة، فهذه الأمة الآن لا يمكن أن تفرط في شيء من طاقاتها؛ لأنها ضعيفة محتاجة، فحالها حال من قطعت رجلاه فهو يمشي على يديه، فهذه الأمة الآن ليس لها من القوى إلا اليسير، فلذلك لا يمكن أن تتنازل عن بعض قواها وأن تهملها، لا بد أن يكون الاعتماد على كل ما لديها من قوة، فمن قطعت رجلاه سيمشي على يديه، فكذلك من ضعف أو أية أمة ضعف رجالها لا بد أن تعتمد على جهد نسائها، وعلى ما لهن من قوة.
ولذلك لاحظوا ما يفعله الأخوات في فلسطين من التضحية، و ما زلنا جميعاً نذكر آلاء رحمها الله وتقبلها شهيدةً في سبيله، فإن الله تعالى أوجب على الفلسطينيين جميعاً ذكوراً وإناثاً أن يجاهدوا اليهود المحتلين لبلادهم ولحرم بيت المقدس المطهر، فأوجب على الفلسطينيين الدفاع عن هذا المسجد وعن هذه الحوزة والتراب، وأوجب على المسلمين دعمهم و مساعدتهم في ذلك، فإذا لم يستطع ذلك الرجال وجب على النساء المشاركة فيه، وإذا لم يستطعه الشعب الفلسطيني وجب على الشعوب الأخرى مؤازرته ومساعدته حتى يستطيع ذلك، ومن هنا فإن كثيراً من الأخوات المسلمات الفلسطينيات أظهرن نماذج وأسوات صالحة، وقدوات طيبة يذكرن بتاريخ هذه الأمة والتضحية في سبيل نصرة الدين.
فنحن جميعاً لا زلنا نذكر أن نسيبة رضي الله عنها يوم أحد، حين هرب الرجال وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معه إلا عشرة من أصحابه وهو يقاتل العدو في وجه العدو يمنعه من دخول المدينة، وقفت نسيبة بين يديه وبيديها سيفين تقاتل بهما عن رسول لله صلى الله عليه وسلم، حتى سقطت عندما ضربها رجل من المشركين على عاتقها فقطع عاتقها وهي تقاتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وما زلنا نذكر أيضاً فاطمة بنت يزيد بن السكني ، عندما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة يوم أحد وهو جريح استقبله أهل المدينة، فإذا هو بامرأة تريد أن تنظر إلى وجهه والرجال يردونها دونه، فعرفها فقال: دعوها فقد مات بين يدي اليوم ثمانية من رجالها، مات بين يديه زوجها، وولداها، وأبوها، وأخواها، وعمها، وعم أبيها، فلما وقفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرت إليه فقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! كل مصيبة بعد رؤيتك جلل، فتعزت عن كل مصائبها وكل ما أصابها بمجرد نظرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أهل لذلك.
وكذلك ما زلنا نذكر أيضاً حديث أم سليم بنت ملحان حين هرب الرجال وكانوا اثني عشر ألفاً يوم حنين، فانهزم كثير منهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركوه يقاتل العدو وليس معه إلى مائة رجل، فثبتت أم سليم بنت ملحان ، وكانت حاملاً متماً قد أتمت تسعة أشهر وبيدها خنجر تتقدم على بغلتها فمر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( ما تفعلين يا رميصاء بهذا الخنجر؟ قالت: إن اقترب مني مشرك بعجته به ).
وكذلك ما زلنا نذكر أيضاً قصة أختها أم حرام بنت ملحان ( وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم نائماً في بيتها -بيت عبادة بن الصامت - فاستيقظ يضحك، فقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ما يضحكك؟ فقال: قوم من أمتي ملوك على الأسرة، أو كالملوك على الأسرة يركبون ثبج هذا البحر هم بالجنة. قالت: فقلت: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم قال: أنت منهم -فقد رآها رسول صلى الله عليه وسلم فيهم- ثم نام فاستيقظ يضحك، فقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ما يضحك؟ فقال: قوم من أمتي ملوك على الأسرة -أو كالملوك على الأسرة- يركبون ثبج هذا البحر هم في الجنة. قالت: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت من الأولين )، فليست من أولئك الآخرين الذين رآهم؛ لأنها ستنال الشهادة في سبيل الله في الغزوة الأولى، فخرجت مع معاوية رضي الله عنه مع زوجها عبادة بن الصامت رضي الله عنه في غزوة قبرص، فسقطت عن دابتها بقبرص فماتت شهيدةً في سبيل الله رضي الله عنها وأرضاها.
فلذلك لا بد أن يكون من أولويات المرأة المسلمة: أن تحافظ على أداء حقوق الأمة، وأن تعلم أن انتمائها لهذه الأمة يقتضي منها تضحيةً في سبيلها، إذا كانت المرأة المسلمة تترك أخواتها الفقيرات المسكينات تحت رحمة المنصرات أو المهودات، أو تتركهن للجهل والمرض والتخلف، لا تبالي بذلك، ولا تبذل أي شيء في تعليمهن ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا في علاجهن من أي مرض، ولا في إزالة أية تخلف عنهن فكيف تريد أن تحشر تحت لواء النبي صلى الله عليه وسلم وتبعث في زمرته؟!
إن هذا المقام السامي الرفيع لا ينال إلى بالجهد والتضحية والبذل، فلذلك لا يستوي من يبذل الآن وينفق ومن سيفعل ذلك بعد اتساع الحال وانتشار الإسلام، فنحن الآن في زمان هو قبل الفتح، وقد قال الله تعالى: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا [الحديد:10]، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا تسبوا أصحابي؛ فلو أن أحدكم أنفق مثل جبل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه )، فما تنفقه الأخت المسلمة ولو كان بجهد مقل، ولو كان شيئاً يسيراً وكانت هي فقيرة، فما أنفقته من وقتها، أو مالها، أو تفكيرها في نصرة هذا الدين وإعلاء كلمة الله، ومكافحة الفقر والجهل والتخلف والبدع المضلة كل ذلك يضاعف أضعافاً مضاعفةً لا يمكن أن تخطر على بال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مثل المد من الشعير أو التمر، فهو أرجح في كفة الميزان يوم القيامة من مثل جبل أحد من الذهب، ينفق أحدنا بعد الفتح، لا شك أنه سيضاعف أضعافاً كثيرةً بحسب صدقه وإخلاصه، وأقل ذلك عشرة أضعاف الحسنة بعشر أمثالها، لكن إذا كان من قبل الفتح فالفرق شاسع، والبون الكبير، البون بين مد من الشعير وجبل أحد من الذهب، وهذه الأمة الآن تشكو حالها وما هي فيه، فهي أمة مظلومة مضطهدة، قد قطعت إرباً إرباً، وانفصلت الأواصر والصلات بينها، وأريد بها الابتعاد عن دينها، والابتعاد عن قيمها، والابتعاد عن سنة نبيها صلى الله عليه وسلم، وأصبحت يسوسها أعداؤها الذين لا يريدون لها الخير، ولا يريدون لها الاستقامة على المنهج السوي الذي يرضي الله، فلا بد أن يجتهد كل أعضائها وكل أفرادها الذين يرجون ما عند الله ويخافون عقابه، لا بد أن يجتهدوا في إزالة هذا الحال عن هذه الأمة.
ولا شك أن كل واحدة من الأخوات السامعات الآن تفكر لو كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر أو يوم أحد، ماذا ستصنع وهي تريد أن تكون ذات مقام يذكره لها التاريخ، ويشهد به الجبار جل جلاله يوم القيامة، لكن الفرصة متاحة الآن فكل يوم من أيامنا هذه هو مثل يوم بدر، ويوم أحد، ويوم حنين، ويوم الأحزاب، ولا ينقص إلا أن نضحي نحن ونبذل، فإن ما نحن فيه الآن من الحال أشد من الحال في كثير من تلك الأيام، والأمة الآن أحوج إلى التضحيات والبذل منها في تلك الأيام الماضية، فهي في تلك الأيام الماضية معصومة بعصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو موجود بين ظهراني المسلمين، واليوم ليس في المسلمين معصوم، وليس فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بهم ينصرون، فيحتاج إذاً إلى أن نضحي نحن، وأن نبذل ما كنا سنبذله لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ظهرانينا، وأن نبذل زيادةً على ذلك، وزيادةً في عمر النبي صلى الله عليه وسلم، وامتداداً في أدائه ووظيفته، إن المفكر في حال هذه الأمة، وواقعها يعجب كيف ينام أفرادها، وكيف يركنون إلى الراحة، وكيف يهدءون وينعمون بالاً وهذه الأمة بهذا الحال، وحال أهلها قد وصفه عدد من الشعراء، فقد بينه الشاعر محمود أبو ريشة في قوله يقول فيها:
رب وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم
لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم
وكذلك يقول علال الفاسي رحمه الله:
أبعد بلوغ خمس عشرة ألعب وألهو بلذات الحياة وأطرب
ولي نظر عال ونفس أبية مقاماً على هام المجرة تطلب
وعندي آمال أريد بلوغها تضيع إذا لاعبت دهري وتذهب
ولي أمة منكودة الحظ لم تجد سبيلاً إلى العيش الذي تتطلب
على أمرها أنفقت دهري تحسراً فما طاب لي طعم ولا لذ مشرب
ولا راق لي نوم وإن نمت ساعةً فإني على جمر الغضا أتقلب
فلذلك لا بد أن تحرص المرأة المسلمة على أداء حق الأمة، والقيام بهذا الواجب، وإذا تخلف عنها الرجال فهي فرصتها للتقدم، وأن تقوم بهذا الحق، وأن تؤديه.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يستعملنا أجمعين في طاعته، وأن يجعل ما نقوله ونسمعه حجةً لنا لا علينا، وأن يلهمنا رشدنا وأن يعيذنا من شرور أنفسنا، والحمد لله رب العالمين وصل الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر