إسلام ويب

شرح متن الرحبية [6]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الإرث ينقسم إلى قسمين: إرث بالفرض، وإرث بالتعصيب، فالإرث بالفرض هو الذي يرث به الإنسان نصيباً مقدراً في كتاب الله، وأصحاب الفروض حدد الله لهم أنصباءهم في كتابه، والثاني: التعصيب: وهو من يرث المال كله إذا انفرد، أو ما أبقت التركة. والفروض في كتاب الله ستة: النصف، والربع، والثمن، والثلث، والسدس، والثلثان.

    1.   

    الإرث بالفرض والتعصيب

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

    قال المؤلف رحمه الله: (باب الفروض المقدرة في كتاب الله)، عقد هذا الباب للفروض التي قدرها الله؛ أي: سماها في كتابه وحددها، وهي ستة كما سبق من يذكرنا بها؟ النصف ونصفه ونصف نصفه، نعم، ثلثان ونصفهما ونصف نصفهما، نعم؛ فلذلك قال:

    (واعلم بأن الإرث نوعان هما فرض وتعصيب على ما قسما)

    أي: اعلم أن الإرث ينقسم إلى قسمين: إلى إرث بالفرض، وإرث بالتعصيب، فالإرث بالفرض هو الذي يرث به الإنسان نصيباً مقدراً في كتاب الله، وأصحاب الفروض حدد الله لهم أنصباءهم في كتابه، فهؤلاء الذين يرثون نصيباً مقدراً في كتاب الله هم الوارثون بالفرض.

    والنوع الثاني: تعصيب، وتعصيب مشتق من العصبة، والعصبة معناه: الذين يحتمون للإنسان وينصرونه من ذويه، والمقصود بالإرث بالتعصيب: إرث العاصب، وهو من يرث المال كله إذا انفرد، وما أسأرت الفروض إن كانت، وما أسأرت الفروض، معناه: ما تركت الفروض إن كانت، معناه: إن كانت فروض، والسؤر والسأر والسائر معناه: البقية.

    ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه وسائره باد إلى الشمس أكتع

    سائره معناه: بقيته، يسمى السائر، ويسمى السؤر: البقية، ما أسأرت الفروض هو الذي يرثه العاصب، فليس له نصيب محدد في كتاب الله، ولكنه يرث المال كله إذا انفرد، مثل الابن والأخ فإنه يرث المال كله إذا انفرد، وكذلك يرث ما أسأرت الفروض؛ أي: ما أبقت، إن كان في المسألة فروض، (على ما قسما)؛ أي: على ما قسم الإرث، معناه: على أية هيئة قسم الإرث لا يخلو من إرث بفرض أو بتعصيب، فلا إرث إلا بالفرض أو بالتعصيب، ويمكن أن تقول: على ذا قسم؛ أي: قسم الإرث على (ذا)؛ أي: على هذين القسمين، واسم الإشارة المفرد وهو (ذا) قد يشار به للجملة، مثل قول الله تعالى: لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ [البقرة:68]، (بين ذلك)؛ أي: بين ذينك المذكورين، فأشير بالمفرد للمثنى، ومثل ذلك قول الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً [الفرقان:67]، (كان بين ذلك)؛ أي: بين ذينك، فاسم الإشارة المفرد قد يشار به لأكثر من مفرد، إذا كان يجمعه شيء فكان جملةً واحدةً كما هنا،؛(على ذا قسما).

    (فالفرض في نص الكتاب سته لا فرض في الإرث سواها البته)

    الفرض في نص الكتاب؛ أي: فيما حدده الله في القرآن، والنص في اللغة: الرفع، كقول امرئ القيس:

    وجيد كجيد الريم ليس بفاحش إذا هي نصته ولا بمعطل

    مفهوم النص لغة واصطلاحا

    (إذا هي نصته)، معناه: رفعته، ولا بمعطل.

    ويطلق على الإسراع في السير، كما في الحديث الصحيح ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وجد فرجةً نص )، نص؛ أي: أسرع، والنصيص: ضرب من السير معروف، ويطلق النص على التصريح، فواضح الدلالة الذي لا يحتمل إلا معنىً واحداً هو الذي يسمى نصاً عند المتكلمين من الأصوليين، فالأصوليون يقسمون اللفظ من ناحية المعنى إلى قسمين: إلى واضح الدلالة، وخفي الدلالة، فالمتكلمون يقسمون كل واحد منهما إلى قسمين: يقسمون واضح الدلالة إلى: نص، وظاهر، فالنص: هو ما أفاد معنًى لا يحتمل غيره.

    والظاهر: هو ما أفاد معنىً يحتمل غيره مرجوحاً.

    وخفي الدلالة يقسمونه إلى قسمين: إلى مجمل، ومتشابه.

    والحنفية يقسمون واضح الدلالة إلى أربعة أقسام، وهي: المفسر، والمبين، والنص، والظاهر، ويقسمون خفي الدلالة إلى أربعة أقسام، وهي: المجمل، والمشكل، والخفي، والمتشابه.

    وهذه التفصيلات معروفة في الأصول، لكن تفهمون بها أن أمور التركة جاءت نصاً في القرآن عند الجميع، فهي جاءت بلفظ لا يحتمل معنىً آخر، وذلك أن الأعداد نص، فعند الأصوليين أن العدد نص في مدلوله، فإذا قيل: ثلاثة أو أربعة فهذا نص في مدلوله، إلا إذا خرج مخرج التكثير، إذا كان العدد يدل على التكثير، كما إذا قلت: لقد اتصلت عليك مائة مرة، وقصدت بذلك التكثير، ولم تقصد أنك أحصيت الاتصالات الهاتفية إلى أن وصلت إلى مائة، وعليهما جاء تفسير قول الله تعالى: إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [التوبة:80]، فقيل: العدد هنا نص على مدلوله، فلو زاد على ذلك لقبل، ويدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: ( لو علمت أني إن زدت غفر لهم لزدت )، وقيل: المعنى التكثير، معناه: إن تستغفر لهم استغفاراً كثيراً فلن يغفر الله لهم، فيكون لفظ (سبعين) غير نص ولكنه للتكثير، جرى مجرى التكثير.

    (فالفرض في نص الكتاب سته لا فرض في الإرث سواها البته)

    فليس في القرآن فرض مقدر لوارث إلا ستة، وهي التي بينها فقال: لا فرض في الإرث سواها في كتاب الله، وسيأتينا أن للفرضيين فرض آخر وهو: ثلث الباقي، وسنذكره إن شاء الله تعالى، فثلث الباقي في عدد من المسائل يكون فرضاً مقدراً، ولكنه ليس نصاً في كتاب الله، والبتة: معناه قطعاً، فهي مصدر منصوب، ولو كان معرفاً بـ (أل) فإن ذلك لا يمنعه من مصدريته، وأن يكون منصوبا على المفعولية المطلقة، فالمعنى: لا فرض سواها قطعاً، لا فرض سواها بتاً، فقيل: البتة، وهذا اللفظ مستعمل في لغة العرب كثيراً، وقد جاء في القرآن في الآية التي نسخ لفظها وبقي معناها، وهي في سورة الأحزاب في قول الله تعالى: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله)، البتة معناه: إلى الموت.

    (نصف وربع ثم نصف الربع والثلث والسدس بنص الشرع)

    (والثلثان وهما التمام).

    فإذاً هذه الستة: النصف، والربع، والثمن، والثلث، والسدس، والثلثان، فقال: ( نصف وربع ثم نصف الربع ) الذي هو الثمن، ( والثلث والسدس بنص الشرع )؛ أي: كلها بنص شرعي؛ أي: بالقرآن المحكم المنزل، ( والثلثان وهما التمام )؛ أي: تمام الفروض الستة، ( فاحفظ فكل حافظ إمام )، فاحفظ هذه الفروض، فكل حافظ للعلم إمام؛ أي: مقتدىً به؛ لأن الحفظ وسيلة من الوسائل المعينة على بقاء العلم في الأذهان؛ ولهذا قال الشافعي رحمه الله:

    علمي معي حيث ما يممت يتبعني قلبي وعاء له لا جوف صندوق

    إن كنت في البيت كان العلم فيه معي أو كنت في السوق كان العلم في السوق

    ومثل ذلك قول أبي محمد علي بن حزم رحمه الله:

    فإن يحرقوا القرطاس لا يحرقوا الذي تضمنه القرطاس بل هو في صدري

    يسير معي حيث استقلت ركائبي ويمكث إن أمكث ويدفن في قبري

    وقد قال الحكماء:

    ليس بعلم ما حوى القِمَطر ما العلم إلا ما حواه الصدر

    القمطر: وعاء الكتب، ودليل هذا حديث أبي هريرة في الصحيح أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إني أسمع منك حديثاً كثيراً فلا أحفظه، فأمره أن يبسط رداءه، فحثا له فيه ثلاث حثيات، فضمه إليه فما نسي شيئاً بعد ).

    فكل حافظ إمام، والإمام في اللغة: المقتدى به من رئيس ونحوه، ويطلق على الخيط الذي يوضع على البناء فيسوى عليه ساقه، ومن ذلك قول الشاعر:

    وربيته حتى إذا تم واستوى كمخة ساق أو كمتن إمام

    قرنت بحقويه ثلاثاً فلم يزغ عن القصد حتى بصرت بدمام

    ويطلق على الطريق المستقيم، ومنه قول الله تعالى: وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ [الحجر:79]؛ أي: بطريق، ويطلق على المقتدى به في الدين، سواء كان الدين مستقيماً أو غير مستقيم، فمن إطلاقه على الدين المستقيم قول الله تعالى: وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان:74].

    ومن إطلاقه على الإمامة في الدين غير المستقيم: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ [القصص:41]، (أئمةً يدعون إلى النار) فالأئمة المقتدى بهم في الدين إما أن يكون دينهم مستقيماً، وإما أن يكون معوجاً، فإن كان معوجاً؛ أي: مائلاً عن دين الله فهم أئمة في الضلال، وإن كان مستقيماً فهم أئمة هدىً، فكل حافظ إمام.

    الوارثون للنصف

    ثم ذكر الوارثين للنصف، وهذه بالإمكان أن تأخذوها باختصار، فهذه الفروض الستة لكل واحد منها عدد من الوارثين إلا واحداً مثلاً، فالنصف يرثه خمسة، والربع يرثه اثنان، والثمن يرثه واحد... لأننا سنذكر الأخت لأم أيضاً فيكون الوارثون للسدس ثمانيةً بدل سبعة، فالنصف يرثه خمسة وهم: الزوج إذا لم يكن للميتة فرع وارث، والبنت بنت الصلب إذا لم يكن لها أخ، وبنت الابن إذا لم يكن لها أخ ولم يكن للميتة بنت، والأخت الشقيقة إذا لم يكن للميت فرع، وانفردت أيضاً، والأخت لأب إذا لم يكن للميت فرع ولا أخت شقيقة، فإذاً هذه خمسة: هاء مقابلها خمسة، باء اثنان، ألف واحد، دال أربعة، باء خمسة، حاء ثمانية، فالنصف يرثه خمسة، وهم: الزوج، والبنت؛ أي بنت الصلب، وبنت الابن، والأخت الشقيقة، والأخت لأب.

    الوارثون للربع

    الربع يرثه اثنان: الزوج عند وجود الفرع الوارث، والزوجة عند عدم وجود الفرع الوارث، سبق أن بينا لكم أن أسباب الإرث الثلاثة واحد منها يورث به بالفرض فقط لا بالتعصيب، وواحد يورث به بالتعصيب فقط لا بالفرض، وواحد يجمع بين الفرض والتعصيب، فالنسب يورث به بالفرض والتعصيب مثل ما رأيتم في النصف، هنا نحن نتكلم عن الفروض فقط، لكن رأيتم أن النصف يرثه البنت وبنت الابن، والأخت الشقيقة والأخت لأب، هذا أربعة بالنسب وواحد الزوج بالنكاح، والربع يرثه اثنان فقط: الزوج عند وجود الفرع الوارث، والزوجة عند عدم وجود الفرع الوارث، الزوج عند وجود الفرع الوارث للزوجة المتوفاة، والزوجة عند عدم وجود الفرع الوارث للزوج المتوفى، والزوجة سواء انفردت أو تعددت فنصيبها هو هو.

    الثمن والثلثان والثلث

    الثمن يرثه صنف واحد، وهو: الزوجة عند وجود الفرع الوارث، والثلثان يرثهما أربعة أصناف، وهم: ورثة النصف ما عدا الزوج عند التعدد، الزوج لا يقبل التعدد أصلاً، فإذاً لا يمكن أن يرث أكثر من نصف، لكن البنت يمكن أن تتعدد بنت الصلب، فإذا كانتا اثنتين أو أكثر فلهما نصف ما ترك، وبنت الابن إذا تعددت فكن بنتين أو ثلاث بنات أو أربع بنات أو عشر بنات فلهن الثلثان، والأخت الشقيقة إذا تعددت فكن أختين أو عشر أخوات شقائق فلهن الثلثان، والأخت لأب إذا تعددت فكن أختين أو عشر أخوات لأب فلهن الثلثان، إذاً ورثة النصف ما عدا الزوج عند التعدد؛ أي: البنات: (البنات، بنات الابن، الأخوات الشقائق، الأخوات لأب) هؤلاء الذين يرثون الثلثين، الثلث يرثه صنفان، وهما: الأم عند عدم وجود العدد من الإخوة، والعدد من أولاد الأم، العدد من الإخوة لأم إذا كان الميت يرثه أخ وأخت لأم، أو أخوان لأم، أو أختان لأم، أو خمس أخوات لأم، أو أربع أخوات لأم، أو أخوان وأختان لأم، فالجميع يشتركون في الثلث، كما قال الله تعالى: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12]، إذاً الثلث يرثه صنفان الأم؛ لأنه قال: وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ [النساء:11]، عند عدم وجود الإخوة.

    الوارثون للسدس

    والسدس أهله ثمانية: الأب عند وجود الفرع الوارث، والأم كذلك، وعند العدد من الإخوة أيضاً، الأب، والأم، والجد، والجدة، وبنت الابن، والأخت لأب، بنت الابن معناه: مع وجود البنت، والأخت لأب معناه: مع وجود الأخت الشقيقة، والأخت لأب، والأخ لأم، والأخت لأم، هذه ثمانية: الأب، والأم، والجد، والجدة، وبنت الابن، والأخت لأب، والأخ لأم، والأخت لأم ثمانية، فهؤلاء هم الذين يرثون السدس.

    شبهة تمييز الرجال عن النساء في الإرث والجواب عنها

    وهنا يأتي الجواب عن الإشكال المعروف لدى كثير من الناس واعتراضهم على الشريعة بأنها تؤثر الرجال على النساء في الإرث، فيجاب: أن الإرث اللازم الدائم هو الإرث بالفرض لا بالتعصيب، والإرث اللازم الدائم ها هو بين أيديكم، وإذا جعلنا هذه الفروض الستة على ستمائة درجة، فسنجد أن النساء يأخذن منها أربعمائة وخمسةً وسبعين جزءاً، وأن الرجال يأخذون مائة وخمسة وعشرين جزء فقط في الفرض، كيف ذلك؟ مثلاً النصف نجعله على مائة درجة، وهو بين خمسة أصناف، فعشرين بالمائة للرجال، وثمانين بالمائة للنساء، والربع بين اثنين: الزوج، والزوجة، فخمسين بالمائة للرجال، وخمسين بالمائة للنساء، والثمن للنساء خالصاً مائة بالمائة، مثل الثلثين أيضاً، الثلثان للنساء خالصاً مائة بالمائة، والثلث للأم والعدد من الإخوة لأم فهذه خمسة وسبعين بالمائة للنساء؛ لأن للأم النصف خمسين بالمائة، والخمسين الأخرى مقسومة بين الإخوة لأم والأخوات لأم، فتكون خمسة وسبعين بالمائة للنساء، وخمسة وعشرين للرجال، والسدس نجد الأب والجد والأخ لأم ثلاثة من الرجال، والباقي كله نساء، فإذا المائة جعلتها على ثمانية، كم جزء السهم؟ اثنا عشر فاصل خمسة تقريباً (12.5)، اثنا عشر فاصل خمسة ضرب ثلاثة سبعة وثلاثين ونصف(37.5) هذه للرجال والباقي للنساء، اثنين وستين فاصل خمسة(62.5) هذه للنساء، فستجد أن نسبة النساء أكبر بكثير من نسبة الرجال، نسبة النساء أربعمائة وخمسة وسبعين تقريباً فاصل...، ونسبة الرجال مائة وخمسة وعشرين.

    1.   

    الأسئلة

    الأخ لأم والأخت صنفان

    السؤال: هل الأخ لأم والأخت لأم صنف أم صنفان؟

    الجواب: نعم، بعض الفقهاء يعد الوارثين للسدس سبعةً؛ لأنهم يجعلون الأخ لأم والأخت لأم سواء، لكن هما في الواقع صنفان كل واحد وحده؛ لأن الله قال: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ [النساء:12]، و(أو) تقتضي التفريق.

    حرمة الصدقة على آل البيت

    السؤال: يقول: قد جاء في الدرس الأول أن بني علي بن أبي طالب قد حرموا الصدقة رضي الله عنه وعنهم، فهل من كان منهم في عصرنا يحرم عليه كل صدقة؟ وما المقصود بالصدقة؟

    الجواب: نعم، لقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم على بني هاشم وبني المطلب ومواليهم الصدقة، وأجمع المسلمون على أن الصدقة الواجبة إذا لم تكن من هاشمي إذا لم تكن منهم هم من صدقاتهم فهي حرام عليهم، وورد في ذلك ثمانية أحاديث صحيحة، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة، وإن مولى القوم من أنفسهم )، هذا حديث أبي رافع في الصحيح، ومثل قوله: ( لا تحل الصدقة لمحمد، ولا لآل محمد )، ومثل قوله: ( لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها، حين وجد تمرةً في طريقه إلى المسجد، فأخذها ومسح عنها التراب، وقال: لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها ).

    ومثل حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما: ( أنه أخذ تمرةً من الصدقة- وهو طفل صغير- فلاكها، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فأمسك فكيه، وجعل يقول: كخ كخ حتى رماها، قال: أما علمت أننا لا تحل لنا الصدقة؟! ).

    واختلف في زكاتهم هم؛ أي: زكاة أغنيائهم على فقرائهم، فإن علة تحريم الصدقة عليهم: أنها أوساخ الناس، وهم منزهون عنها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنما هي أوساخ الناس )، وأيضاً صوناً للعقيدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حض على الزكاة وعلى الصدقة، وأكثر الحض على ذلك، فلو كانت تحل له هو ولآل بيته لأمكن أن يتهمه بعض ضعفة العقول وضعفة القلوب بأنه يريدها لنفسه ولذويه، ويكون ذلك ردةً عن الإسلام، فصان الله العقيدة فحرمها عليهم أصلاً، حتى لا يظن ظان أنه إنما يأمر بالصدقة ليأخذها أو ليعطيها أهل بيته، هي حرام عليهم أصلاً، وكثير من الأحكام ينظر فيها إلى هذه القضية، كثير من الأحكام الشرعية ينظر فيها لصيانة العقيدة.

    ذهب أبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة إلى أن زكاة الهاشمي للهاشمي جائزة، أنه يخرج عليه زكاة ماله، واستدل لذلك بحديث أخرجه الحاكم في علوم الحديث في المثال للأفراد؛ أي: أفراد القبائل، وهو حديث انفرد به بنو هاشم، فكل رواته من بني هاشم، ولكن الحديث فيه ثلاثة رجال من المضعفين؛ أي: من الذين تكلم فيهم، ولم يأخذ به إلا أبو يوسف رحمه الله، وقد نظم ذلك الشيخ محمد عالي رحمة الله عليه فقال:

    فائدة من أطرف الطريف صدقة الشريف للشريف

    أحلها النبي دون باس على سؤال عمه العباس

    يستند المفتي بذا والحاكم بما رواه في العلوم الحاكم

    بسند ما فيه أي هاشم كل رجاله من آل هاشم

    ثم يقول:

    قلت وفي الميزان من هذا السند ثلاثة فمثله لا يعتمد

    ميزان الاعتدال في نقد الرجال ذكر فيه ثلاثة من هذا الإسناد، ولا يترجم فيه إلا لمن تكلم فيهم.

    قلت وفي الميزان من هذا السند ثلاثة فمثله لا يعتمد

    أي: لا يعتمد عليه.

    وأيضاً فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن بني المطلب لا يدخلون مع بني هاشم في تحريم الصدقة، واستدلوا بما أخرجه مسلم في الصحيح من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه، عندما عد آل بيته قال: هم الذين حرموا الصدقة بعده: آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس، فعد هؤلاء وكلهم من بني هاشم، ولم يذكر أحداً من بني المطلب، ولكن عدم عد زيد لهم لا يخرجهم، ولا يمكن أن يقيد به النص؛ لأن النص هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( نحن وبنو المطلب سواء، ما افترقنا في جاهلية ولا في إسلام )، هذا يقتضي التسوية في الحكم.

    والمالكية في القول المشهور عندهم اعتمدوا على حديث زيد بن أرقم فأخرجوا بني المطلب من الآل في تحريم الصدقة، وهذا الذي نظمه سيدي بن عبد الله بن خلف رحمة الله عليهم، فقد قال:

    آل النبي سيد الأنام مختلف بحسب المقام

    مؤمن هاشم عنوا بالآل في منع إعطاء زكاة المال

    وإن إلى نهج الدعاء تذهب فالمؤمنون كلهم آل النبي

    وفي مقام المدح هم أهل العبا ءة الذين الرجس عنهم ذهبا

    وطهروا لما دعا تطهيراً طوبى لهم دعاؤه الشهيرا

    طه وبنت المصطفى سبطاها وبعلها سليل عم طه

    فهذا بناءً على المشهور في المذهب المالكي، لكن في مذهب المالكية قول آخر: بأن بني المطلب أيضاً لا تحل لهم الصدقة؛ ولذلك خليل رحمه الله ذكر في مصرف الزكاة في الموانع قال: (وعدم بنوة لهاشم)؛ أي: الانتساب لهاشم مانع من موانع الزكاة، ولم يعد مواليهم، مع أن الحديث صريح فيهم، مورد الحديث في أبي رافع وهو مولىً لهم، وقال: ( إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة، وإن مولى القوم من أنفسهم )، والبنوة لهاشم المقصود بها: البنوة من جهة الأب لا من جهة الخئولة، فالخئولة يحصل بها شرف ولكن لا يحصل بها منع الزكاة، وهذا هو المشهور، وفي المسألة خلاف قد نظمه العلامة التاه بن يحظيه بن عبد الودود رحمة الله عليهم أجمعين، حيث قال:

    هل شرف الأم يكون الشرف لنسلها به خلاف يعرف

    أصحه أن له منه طرف ليس كمثل ما لكامل الشرف

    فله طرف من الشرف، ليس كمثل ما لكامل الشرف، فلا يحرم عليه به الصدقة، وهذا باق إلى الآن؛ لأن الذين يظنون أن بني هاشم إنما حرموا الصدقة؛ لأن لهم نصيباً في بيت المال مخطئون في ذلك، فليس لهم أي نصيب في بيت المال إلا ما للمسلمين، كان لهم نصيب في الغنائم في الخمس الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذه، فقد قسم الله الغنائم إلى خمسة أقسام، فجعل خمساً منها لله، ثم قسم الخمس الذي لله إلى خمسة أقسام، فخمس الخمس هو للأقربين؛ أي: لذوي قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال الله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ [الأنفال:41]، هذا الخمس لله، وأربعة الأخماس الباقية هي للغزاة المجاهدين، ثم فصل الخمس الذي لله فقال: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ [الأنفال:41]؛ أي: هذا الخمس هو وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّه [الأنفال:41]، فهذه خمسة أقسام يقسم عليها خمس الله، الخمس الذي لله يقسم على خمسة، فخمس الخمس كان للأقربين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسمه في بني هاشم وبني المطلب، وقد ثبت عنه ذلك كما في حديث عثمان وجبير بن مطعم رضي الله عنهما، لكن كان هذا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما توفاه الله لم يعمل الخلفاء الراشدون بهذا، حتى إن بني هاشم جاءوا إلى علي بن أبي طالب لما تولى الخلافة فسألوه نصيبهم وهو خمس الخمس عندما جاءت مغانم خراسان، وقد أغزى علي بن أبي طالب رضي الله عنه زياد ابن أبيه على خراسان، فقال: إن الخلفاء قبلي لم يعطوكم منها شيئاً، ولا أعدل عن مسلكهم، فلم يعطهم شيئاً.

    وفي صحيح البخاري: أن نجدة بن عامر الخارجي - وكان تولى على اليمامة- كتب إلى ابن عباس يسأله: هل لهم حظ في الخمس؟ فأجابه ابن عباس: قد كنا نرى أن لنا حظاً فيه، ولكن الخلفاء منعونا ذلك، فلم نعدل عن قولهم.

    اسم الفعل عند علماء النحو

    السؤال: يقول: إنه بحث عما يسمى باسم الفعل عند علماء النحو، هل هو من قسم الاسم أو من قسم الخالفة كما قال أبو جعفر؟ وما هي علامات الاسم الدالة على أن اسم الفعل اسم مثل: عليك، وهاك، وهلم، وغيرهم؟

    الجواب: أن هذا اسم وليس كما قال أبو جعفر، حتى ما قاله أبو جعفر لا يسلم له، فتقسيم الكلمة ثلاثي فقط، وقد سأل ابن الحاجب النحويين: لم انحصر الكلام في الثلاثة؟ فلم يجيبوه، فأجاب نفسه: بأن الكلمة إما أن تدل على معنىً في نفسها أو لا، الثاني الحرف، فإن دلت على معنىً في نفسها فإما أن تدل عليه بطرفيها؛ أي: بطرفي الإسناد تقبل الإسناد بطرفيه أو لا، الثاني الفعل، والاول الاسم.

    وزاد ابن عقيل تقسيماً آخر فقال: إن الكلمة إما أن تدل على معنىً في نفسها أو لا، الثاني الحرف، والدالة على معنى في نفسها إما أن يكون مقترناً بزمان أو لا، الاول الفعل، والثاني الاسم، وللاسم علامات غير العلامات المشهورة، يدخل بها اسم الفعل، وقد نظمها بعضهم لما قال ابن مالك رحمه الله في علامات الاسم:

    بالجر والتنوين والنداء وأل ومسند للاسم تمييز حصل

    قال بعضهم في ذكر تلك العلامات الزائدة:

    كذاك أن يبدل منه اسم صريح ككيف أنت أسقيم أم صحيح

    نعم المهم أن هذه العلامات يدخل بها اسم الفعل في علامات الاسم، وبالإمكان أن يرجع الأخ السائل إلى شرح الألفية في الموقع في علامات الاسم.

    صحة حديث: (تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة)

    السؤال: ما مدى صحة الحديث التالي وهو: ( تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقةً

    الجواب: أن أصل الحديث مصحح بشواهده، فالحديث جاء من أحاديث عدد من الصحابة رضوان الله عليهم، وليس فيها حديث واحد قائم الإسناد يصحح بذاته، لكن بمجموعها تصحح بالشواهد، والحديث إذا صحح بشواهده لا يمكن أن تصحح أطرافه، فالأطراف التي لا تتفق عليها الشواهد لا تصحح بالشواهد، هذه قاعدة عامة، كل حديث صحح بالشواهد فإنما يصحح ما دلت الشواهد عليه، أما الأطراف التي لم تذكر في الشواهد فلا تصحح بالشواهد، فمثلاً زيادة: ( كلها في النار إلا واحدة )، وزيادة: ( كلها في الجنة إلا واحدة )، وزيادة: ( من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي )، هذه الزيادات ضعيفة كلها؛ لأنها لا يمكن أن تصحح بالشواهد، فأصل الحديث إذا صححناه بالشواهد لا يقتضي ذلك صحة أطرافه، فإذاً هذه الأطراف لا تصح، وأصل الحديث مصحح بالشواهد، فهو صحيح لغيره.

    تقديم قضاء الصوم على النذر

    السؤال: نذرت أن أصوم شهراً لله مع العلم أن علي قضاء عدة شهور، وهي ناتجة عن فترة كان الطبيب قد نهاني عن الصوم فيها، وقد صمت بعد عدة سنوات بعد أن جربت الصوم، فهل أصوم النذر أو لا، أو أقضي وأصوم النذر كيف ذلك؟

    الجواب: بالنسبة للقضاء مقدم على صيام النذر غير المعين، فالنذر المعين مثلاً إذا نذر صيام شهر بعينه فإنه مقدم، وإن لم يكن النذر معيناً إنما نذر أن يصوم أسبوعاً أو شهراً فإنه لا يتعين في شهر محدد؛ فلذلك يقدم عليه قضاء رمضان، ويصوم بعد القضاء ما نذر.

    تولي القضاء في غياب تطبيق الشرعية وفتوى رشيد رضا في ذلك

    السؤال: حكم تولي القضاء في غياب تطبيق الشرعية؟ وهل هناك فتوى لـرشيد رضا تجيز تولي القضاء في الظروف المذكورة؟

    الجواب: أن تولي القضاء فرض كفاية، فإذا كان الإنسان قادراً على الحكم بالحق وإقامة العدل بالكلية وجب عليه ذلك، ولم يحل له الظلم ولا نقص الحقوق، وإن كان لا يقدر على تمام ذلك فيجب عليه أن يبذل الجهد فيما يستطيعه ويقدر عليه، وهو غير مكلف بما لا يستطيعه، فقد قال الله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286]، ولا يحل أن تعطل هذه الفريضة والشعيرة- وهي فض النزاع بين الناس- بسبب أن الحكام لا يجرءون أو لا يقومون بواجبهم بتطبيق الشريعة، فالمعصية على الحكام الذين يتبع لهم القاضي، وليست على القاضي نفسه، فالقاضي يجب عليه أن يبذل الجهد فيما يستطيعه من إحقاق الحق وإزهاق الباطل، وما لا يدخل في اختصاصه الإثم فيه على الحاكم؛ أي: على رأس الدولة، وليس عليه هو فيه إثم، و رشيد رضا رحمه الله له فتوى في فتاوي المنار ذكر فيها أن تطبيق الشريعة في أعناق البرلمان المصري بعد انعقاده، وأنه كل يوم يتأخر فيه الحكام المصريون عن تطبيق الشريعة فإثم ذلك عليهم، هذه الفتوى كانت في زمانه؛ لأنه كان يتحدث عما كان الناس ينظرون إليه من أن البرلمانات والقوانين المنظمة لها واقع ولها وجود، ولكن يتبين يوماً بعد يوم أن هذه صور وأشكال وليس وراءها كبير شيء، وليس وراءها سلطة في الواقع؛ فلذلك القاضي يمكن أن يتولى في ظل الدولة الجائرة الظالمة، حتى الدولة الكافرة يمكن أن يأخذ منها توليه لفض النزاع، ولإقامة القسط والعدل، فقد تولى يوسف الصديق عليه السلام مع ملك مصر الكافر، وعدل فيما يستطيعه، ولم يكلف ما لا يستطيعه، وكان يحتال على تنفيذ شرع الله بالحيل كما قال الله تعالى: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [يوسف:76]، (دين الملك)؛ أي: قانونه، كان يقتضي عقوبةً أخرى للسارق غير العقوبة التي في الشرع الذي يعرفه يوسف، فاحتال هو هذه الحيلة فقال: مَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنتُمْ كَاذِبِينَ [يوسف:74] قبل أن يخرج السرقة، قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [يوسف:75]، فاحتال على تطبيق الشريعة بهذه الحيلة، وحينئذ يجب على الإنسان أن يبذل الجهد، وما عدا ذلك هو غير مكلف به، ومثل هذا ما يتعلق بتقليل الحرام أو تقليل الربا، فالإنسان يعلم أنه إذا اشتغل في الجانب التجاري اليوم لا بد أن يوجد نصف الحلقة نصف الدائرة الاقتصادية خارج البلاد الإسلامية، وتطبق عليه أنظمة الربا، لكن يجب أن يكون النصف الثاني الذي هو في داخل الأمة الإسلامية ممنوعاً من الربا، حتى لو احتجنا في الشق الآخر إليه فهو خارج عن تكليفنا؛ لأنه خارج عن الطوق، والتكليف مختص بالطوق.

    العمل في المحاماة

    السؤال: ما حكم العمل في المحاماة؟ والضابط فيما يأخذه المحامي حتى لا يأكل أموال الناس بالباطل؟

    الجواب: المحاماة هي النيابة في الخصام؛ أي: أن ينوب الإنسان عن أحد الخصمين في خصومته بالوكالة، ويجوز أخذ الأجرة عليها، كما يجوز عليها عقد الجعالة عند الجمهور خلافاً للحنفية، فعقد الإجارة: أن يؤاجره على هذه الخصومة سواء كسبها أو لم يكسبها فله أجرة محددة، وعقد الجعالة: أن يجعل له جعلاً على كسب هذه الخصومة، إذا كسبها فله كذا، وإذا لم يكسبها فليس له شيء، فمذهب الجمهور: جواز الجعالة في هذا، وهذا مذهب المالكية والشافعية والحنابلة خلافاً للحنفية، فلا يرون جواز الجعالة؛ لأنهم يرون أنها عقد غرر، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وأصل المحاماة ما ثبت في حديث العسيف في الصحيحين: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجلان، فقال أحدهما: اقض بيننا بكتاب الله، فقال الآخر: نعم اقض بيننا بكتاب الله، ودعني أتكلم، فقال: إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته، فأخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بوليدة ومائة من الغنم، ثم أخبرت أن ما على ابني الجلد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأقضين بينكما بكتاب الله، المائة والوليدة رد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، ثم قال: واغد يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها، فاعترفت فرجمها ).

    هذا الحديث -حديث العسيف- في الصحيح، وفيه وكالة في الخصومة؛ لأن والد الشاب الذي كان عسيفاً؛ أي: أجيراً تكلم بالنيابة عنه في الخصومة، فخاصم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه المرافعة، وكسب القضية، ولم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن الوكالة؛ لأنها وكالة عرفية معروفة أن هذا يخاصم عن ولده، فمن المعهود أن تكون له وكالة عرفية، فالوكالة إما أن تكون مقاليةً، وإما أن تكون حاليةً، الوكالة الحالية هي: ما كان معروفاً كوكالة الزوج عن امرأته، ووكالة الوالد عن ولده، والوكالة المقالية هي: أن يوكل إنسان بصريح العبارة غيره.

    والضابط فيما يأخذه المحامي هو العقد، فما اتفق عليه في العقد بين الطرفين من غير إكراه هو الذي يلزم؛ لأن الله تعالى يقول: إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29]، فجعل أصل ذلك التراضي.

    وقد أخرج ابن حبان في صحيحه وابن ماجه في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما البيع عن تراض )، فضباط التعامل هو: التراضي، فإذا تراضى شخصان كلاهما رشيد غير مكره على عقد، والتزم كل طرف فيه بشيء محدد بخدمة أو مال فإن العقد ملزم لهما ما لم يخالف الشرع؛ فلذلك إذا قام عنه بالوكالة في أي أمر من الأمور وأداها عنه فإنه يلزمه ما ذكر في العقد.

    أما إذا لم يقع عقد كحال المسخر، والمسخر عند الحنفية هو: الذي يوكله القاضي للإنكار، إذا ادعي على غائب مثلاً، فإن القاضي يوكل إنساناً من الشارع، والأصل أن يكون محامياً، فيقول: تعال أنكر عن هذا الغائب، فينكر بالنيابة عن الغائب حتى يستطيع القاضي تكليف المدعي بإثبات دعواه؛ لأنه لا يمكن أن يكلف بإثبات دعواه قبل الإنكار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين ذلك في قوله: ( البينة على المدعي، واليمين على من أنكر )، فحينئذ ليس في العقد أتعاب محددة للمحامي، فإنما يأخذ أجرة المثل بناءً على القاعدة الفقهية المسلمة وهي: كل من أوصل نفعاً إلى غيره حيث لا يجب عليه له أجرة المثل، وهذه القاعدة في كل شيء كل الخدمات، كل من أوصل نفعاً إلى غيره حيث لا يجب عليه فله أجرة المثل، حيث لا يجب عليه بخلاف من يجب عليه، كمن تعين عليه التدريس ودرس، فلا يحل له أخذ الأجرة على ذلك؛ لأنه متعين عليه واجب عليه أخذ الأجرة على التدريس؛ لأنه متعين عليه فرض عين في حقه، كحديث العصا حديث عبادة بن الصامت في التعليم.

    وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

    وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا إيماناً ويقيناً وصدقاً وإخلاصاً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767139223