إسلام ويب

مقدمات في العلوم الشرعية [30]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أدت الحاجة إلى فصل بعض الأبواب الفقهية وجعلها علوماً مستقلة, وقد ألفت فيها العديد من الكتب والمصنفات في جميع المذاهب الفقهية على صفة مستقلة, ومن هذه العلوم: علم الأقضية الذي يتعلق بالقضاء وما يلحق به من فضِّ الخصومات والمنازعات, ومنها: علم الفتاوي والنوازل, والذي يتم فيه جمع المسائل والوقائع النازلة في البلدان.

    1.   

    مقدمة عن علم الأقضية

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    أما بعد:

    فإن الحاجة أدت إلى فصل بعض الأبواب الفقهية وجعلها علوماً مستقلة, وهذه الأبواب بينها تناسب في ذاتها، ومع ذلك فإن بعض المؤلفين فصلوا بعضها عن بعض أيضاً, وهذه الأبواب منها: الأقضية وما يتعلق بها, والإمامة وما يتعلق بها, والحسبة وما يتعلق بها, والخراج وما يتعلق به, فهي أربعة أبواب، وكلها ترجع إلى السياسية الشرعية العامة، وما يحقق مصالح الناس.

    وهذه لا يجمعها عنوان واحد حتى نطبق عليها مبادئ العلوم العشرة، ولكن المبادئ التي ذكرناها في الفقه تختص بها، يعني: تشرك الفروع الفقهية في تلك المبادئ.

    تعريف علم الأقضية وتفريق بعض العلماء بينه وبين علم القضاء

    ويمكن أن نعرف علم الأقضية بأنه: معرفة المدعي من المدعى عليه, والوجه الشرعي في فصل النزاع، وما يحوج ذلك إليه من البينات.

    ومن الفقهاء من يفصل بين كتاب القضاء وكتاب الأقضية؛ فكتاب القضاء عندهم هو الذي يبحث فيه شروط القاضي، وطريقة نصبه, وطريقة عزله, وما يدخل في صلاحياته, والأقضية: هي ممارسات القضاة, ومن الذين ساروا على هذا النهج الخرقي في المختصر, وتبعه ابن قدامة في المغني, ففي كل واحد منهما كتاب للقضاة خاص, وكتاب للأقضية خاص, فكتاب القضاء عندهم: ما يتعلق بالأحكام المتعلقة بنصب القضاة وعزلهم, وشروط القضاة, وما يدخل في صلاحياتهم, أما الأقضية فهي" تصرفات القضاة في أحكامهم.

    وهذا الكتاب عموماً يبحث فيه عن طرق فصل النزاع في القضايا والوقائع المترددة الكثيرة الحصول بين الناس, فالصورة النادرة لا يبوب عليها في الغالب، وإنما يذكرون الصور الذي يكثر دورانها بين الناس, ويذكرون عمل القضاة فيها, ويقترب من هذا فقه النوازل والفتاوي, وهذه ليست ملحقة بباب من أبواب الفقه، فلا يمكن أن نجعلها باباً كالأبواب الأربعة المذكورة هنا؛ ولكنها مع ذلك انفردت في التأليف، وأصبح علم الفتاوي والنوازل علماً من علوم الفقه مستقلاً، وترتب الفتاوي فيها على حسب أبواب الفقه، لكن أبواب الفقه يذكر فيها ما له أصل من قبل، وما وردت فيه نصوص, وأما الفتاوي والنوازل فيذكر فيها الحوادث الحادثة، وأقيسة المجتهدين والمخرجين الذين يلحقونها بما وردت فيه النصوص أو كلام السابقين من الأئمة.

    واضع علم الأقضية ونسبته واستمداده

    وهذا العلم -علم الأقضية- لا يقال: إن واضعه شخص بعينه، وإن كان بعض القدماء ألفوا فيه كتباً مستقلة إلا أنهم بذلك لا يستحقون أن ينسب إليهم على أنه من وضعهم، فهو مثل الفقه كما سبق.

    ونسبته إلى علم الفقه هي نسبة العموم والخصوص المطلقين؛ فهو يدخل في الفقه دخولاً مطلقاً؛ فالفقه أعمَّ مطلقاً, وعلم القضاء والنوازل -وكذلك الحسبة والإمامة- أخص مطلقاً, ومستمده مثل مستمد الفقه؛ من الأدلة الشرعية واجتهادات المجتهدين.

    فائدة علم الأقضية

    وفائدته: حسم النزاع, وعلاج ما يحصل من المشكلات، سواءً كانت في التعامل مع الله كالحدود الخالصة بحق الله، أو في تعامله فيما بين الناس كالنزاعات المتعلقة ببعض الاعتداءات على حقوق الآخرين, والحدود أيضاً التي فيها حق للناس كحد القذف مثلاً.

    وفائدة هذا العلم كذلك: أنه حي مع الحياة سائر معها، فليس مثل المسائل الفقهية المحصورة في قضايا معينة قد حصلت, بل هو قابل للتجدد, وبالأخص ما يتعلق بالقضاء والإفتاء، فكل يوم تتجدد النوازل والمسائل التي ما للأقدمين بها عهد وليست موجودةً في كتبهم.

    فضل علم الأقضية

    أما فضله: فهو مثل فضل الفقه تماماً، فلا يمكن أن يتعبد الله سبحانه وتعالى إلا بتعلم هذه العلوم؛ لأن عبادة الله عن جهل معصية له، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاضٍ في الجنة؛ فالقاضي الذي جهل الحق فقضى على جهل في النار, والقاضي الذي عرف الحق فخالفه وقضى على جور في النار, والقاضي الذي عرف الحق فقضى به في الجنة ).

    أسماء علم الأقضية

    وهذا العلم ما له اسم موحد، فهو يسمى بعلم الأقضية أو عمل القضاة أو أدب القاضي أو أدب القضاء, فكلها أسماء تطلق عليه، وكذلك النوازل والفتاوي, وما يتعلق بالحسبة -علم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- وما يتعلق بالخراج كلها تترك هكذا، ومثل ذلك علم الفرائض والتركات.

    1.   

    أبزر المؤلفات المستقلة في علم الأقضية

    كتب الأقضية الغير مذهبية

    أما الكتب المؤلفة في علم القضاء فمن أبرزها في غير المذاهب: أخبار القضاة للإمام وكيع بن الجراح, وهذا الكتاب يذكر فيه بعض أقضية القضاة من السلف، وما جرى لهم من النوازل وكيف فصلوها, وتذكر فيه تراجم القضاة أيضاً.

    ثم بعد هذا كتاب: قضاة مصر للكندي، وهو يذكر فيه من تولى القضاء في مصر, وكيف كانت أقضيتهم وأمورهم, وكذلك كتاب: قضاة المدينة لـعبد الله بن وهب صاحب مالك.

    كتب الأقضية في المذهب الحنفي

    وبعد هذا كتب المذاهب المتخصصة في الأقضية التي لا يذكر فيها التراجم إلا نادراً، وهذه من أهمها في المذهب الحنفي: أدب القاضي للجصاص, وهو من أقدم الكتب المؤلفة في علم القضاء في المذاهب، وقد شرحه عدد من أئمة الحنفية منهم: الصدر الشهيد، والخصاف, وقد طبع شرحاهما.

    ومن كتب الأقضية كذلك في المذهب الحنفي: كتاب معين الحكام للطرابلسي, وقد أخذ فيه طريقة ابن فرحون في التبصرة -وسنذكرها في كتب المذهب المالكي- حتى إنه ينقل الأبواب الكثيرة كما هي في كتاب ابن فرحون، ولا يغير فيها شيئاً إلا إذا ذكر فيها اسم أحد أعلام المالكية فإنه يبدله: بقال بعض العلماء, فإذا قال ابن فرحون: قال ابن رشد. فإنه يقول هو: قال بعض العلماء أو قال بعض أهل العلم. وقد أضاف في آخر الكتاب أبحاثاً ومسائل كثيرةً على مقتضى مذهب الحنفية, ولولا هذه المسائل التي أضافها في آخر الكتاب لكان كتابه مسروقاً تقريباً, ومع هذا فقد انتشر الكتاب, وطبع عدة طبعات.

    كذلك من كتب الحنفية: كتاب لسان الحكام لـابن الشحنة، وهو مختصر في ترتيب طريقة القضاء, ونوادر القضاة في الأمور, وقد طبع أيضاً مع معين الحكام في بعض طبعاته.

    كذلك من كتب الحنفية أيضاً المهمة في القضاء: كتاب ابن الغرس الذي سماه: المجاني الزهرية, وهذا الكتاب في الأصل شرح لبيتين نظم فيهما أركان القضية الحكمية، وشرحهما بهذا الكتاب, وهذان البيتان هما:

    أركان كل قضية حكمية ست يلوح بعدها التحقيق

    حكم ومحكوم به وله ومحكوم عليه وحاكم وطريق

    فبين في البيتين أركان القضية الحكمية الستة، ثم شرحها بهذا الكتاب, وقد طبع الكتاب، وهو مختصر نافع مفيد, وقد نفدت طبعته من الأسواق الآن, وأصبح يصور من الطبعة القديمة.

    كتب الأقضية في المذهب المالكي

    أما في المذهب المالكي فمن أشهر كتب القضاء وأهمها: كتاب أصول الفتيا لـمحمد بن حارث الخشني, فهذا الكتاب يجمع الأقضية وما يتعلق بالفتيا أيضاً, ومحمد بن حارث الخشني عاش بين القرنين الثالث والرابع، وهو من أئمة القيروانيين من المالكية القدماء, وقد طبع الكتاب؛ طبعته دار الغرب الإسلامي محققاً.

    كذلك من كتب المالكية: كتاب معين الحكام لـابن عبد الرفيع الأندلسي, وقد طبع الكتاب أيضاً محققاً في دار الغرب في مجلدين.

    وكذلك من كتب المالكية: الأحكام للمالقي, وقد طبع أيضاً في مجلد واحد؛ طبعته دار الغرب الإسلامي.

    كذلك من كتب المالكية: فصول الأحكام للإمام سليمان بن خلف الباجي أبي الوليد, وقد طبعته دار الغرب الإسلامي أيضاً محققاً.

    كذلك: كتاب مذاهب الحكام لـمحمد القاضي عياض, وقد طبعته دار الغرب الإسلامي محققاً أيضاً.

    كذلك: كتاب تنبيه الحكام لـابن المناصف, وقد طبعته الدار التونسية محققاً, وسمعت أنه طبع طبعةً أخرى، لكن الطبعة الأولى جيدة عموماً, فالأخطاء فيها قليل, وهي تعتبر نادرة الآن؛ فوجودها نادر في الأسواق هنا، وهو كتاب مهم, ومن الكتب التي عليها المعتمد في كتب القضاء والفتيا والحسبة أيضاً.

    كذلك من كتب القضاء المهمة في المذهب المالكي أيضاً: كتاب الأحكام لـابن سهل, وهو أبو الأصبغ بن سهل الأندلسي الغرناطي, وكتابه طبع في مجلدين، وقد أخذت به امرأة سعودية الدكتوراه بعد أن حققته, وقد وطبع في مجلدين, والكتاب إلى النوازل أقرب، لكن مع ذلك يذكر بعض الأقضية, ومؤلفه من أئمة المالكية المشاهير, وقد حصل فيه لبس عجيب للشيخ عبد الفتاح أبوغدة رحمة الله عليه؛ فإنه حين حقق رسالة الإمام السخاوي في علماء الجرح والتعديل ذكر السخاوي أبا الأصبغ بن سهل, وعده فقط من أئمة الجرح والتعديل, فما عرف عبد الفتاح من أبو الأصبغ بن سهل, وكتب في الهامش: ومن وجده أو وقف له على ترجمة فأسأل الله أن يجزيه خيراً إذا أوصل إليَّ معلومة عنه. وهذا مطبوع في تحقيقه في الرسائل الحديثية.

    كذلك من كتب المالكية في الأقضية: كتاب تبصرة الحكام لـأبي إسحاق إبراهيم بن فرحون قاضي المدينة, وهذا الكتاب مهم جداً, وهو من الكتب التي اعتمد عليها الناس من مختلف المذاهب، وبالأخص أن ابن فرحون رحمه الله لم يكن متعصباً، فقد كان يأخذ في كتابه من فقهاء المذاهب الأخرى, وقد كان ينظر كثيراً في كتب ابن تيمية وابن القيم وينقل منهما, وفي كتب السبكي أيضاً وينقل منها, وهذا الكتاب اعتمده كثير ممن أتوا بعده، ولذلك يقول فيه النابغة الغلاوي في نظمه في الكتب المعتمدة في المذهب المالكي, يقول:

    واعتمدوا تبصرة الفرحون وركبوا في فلكها المشحون

    وقد نظمه الشيخ محمد سالم خالي حين تولى القضاء؛ نظمه ليستظهر به الكتاب أي: ليحفظ به الكتاب، والشيخ ربما يصدره قريباً إن شاء الله.

    كذلك: كتاب العقد المنظم للحكام لـابن سلمون، وقد طبع أيضاً على هامش تبصرة الحكام في إحدى طبعاتها.

    وكذلك: التحفة؛ وهي منظومة لـأبي بكر بن عاصم اشتهرت بالعاصمية, وهي منظومة في ألف وثلاثمائة وثلاثة وثمانين بيتاً، وهي من الرجز, وصاحبها من الغرناطيين المتقنين للنظم، فقد أجاد وأفاد فيها, ونظمها سلس سهل بالإمكان أن يحفظها القارئ في أيام قليلة؛ لسهولة ألفاظها, وحسن سبكها, وقد وضع الله عليها القبول، فتناقلها الناس حفظاً وروايةً وشرحاً وتدريساً, وطبع عدد من الشروح عليها، وطبع متنها وحده عدة طبعات، وطبعت عليها شروح، منها: كتاب حلي المعاصم لبنت فكر ابن عاصم للإمام التاودي, وهو مطبوع.

    ومنها أيضاً: البهجة في شرح التحفة لـعلي عبد السلام التسولي المشهور بـ (مديدش).

    ومنها كذلك: شرح ميارة الذي يسمى: الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام، وعليه حاشية ابن رحال, وقد طبع الشرح والحاشية عدة طبعات, وشروح التحفة كثيرة جداً.

    كذلك من الكتب المهمة في القضاء في المذهب المالكي: لامية الزقاق لـأبي الحسن علي الزقاق, وهذه القصيدة على قافية اللام, وقد نظم فيها ما يلزم القضاة في الأحكام، وما جرى عليه العمل في بعض أمصار الإسلام، ومنها مدينة فاس على وجه الخصوص, وما جرى عليه عمل القضاة يكون دائماً متمسكاً للقضاة, وبالأخص المتدربين ومن على شاكلتهم فإنهم يحتاجون إليه كثيراً، ولهذا قال ابن رشد رحمه الله: لا يستغني طالب العلم عن الجلوس في مجالس أهل الأحكام ومجالس قطع النزاع، فحين وليت القضاء عرضت عليًّ أول مسألة فما دريت ما أقول فيها، وأنا يومئذٍ أحفظ المدونة والمستخرجة الحفظ المحكم، لولا جلوسي في مجالس أبي سعيد بن لب, وأبو سعيد من قضاة المالكية الكبار.

    وما جرى عليه العمل وألف فيه أيضاً عدد من الكتب منها مثلاً: نظم عمل فاس لـعبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي, وهذا من العلماء المتأخرين المشاهير من علماء فاس، وهذا النظم قد طبع عدة طبعات، فقد طبع في مجموعة المتون العلمية، وطبع وحده مع شرح له للمؤلف, وعليه شروح أخرى, وله نظم آخر: اسمه نظم العمل المطلق في عمل الأمصار, فيذكر فيه عمل غرناطة، وعمل إشبيلية، وعمل قرطبة، وعمل طليطلة, وغيرها من أمصار الإسلام, وقد كان في ذلك العصر قاضي مصر الكبير الذي يتبع له عدد من القضاة الذين يقضون في القرى والمدن الصغيرة يسمى: قاضي الجماعة, ففيه قاضي الجماعة في القيروان، وقاضي الجماعة في تلبسان، وقاضي الجماعة في فاس, وقاضي الجماعة في قرطبة، أي: الذين يتبع لهم عدد من الأمصار, وكان عملهم مهماً في استئناس القضاة, فهم يستأنسون به, فالواقعة إذا وقعت فحكم فيها القاضي بكذا فوافقه على ذلك القضاة وجرى العمل عليها كان ذلك مرجحاً, وجريان العمل بمثابة عرف لدى القضاة، ومنه أخذ القانونيون العرف القضائي, وقد أخذ نابليون من الفقه المالكي، وأصبح اليوم دارساً في المحاكم كلها, وقد اعتمد الناس كثيراً مما جرى به العمل في فاس وفي قرطبة وفي القيروان، وألَّف فيه عدد من المؤلفين، بل ألفت رسالة دكتورة مطبوعة اليوم, وهي رسالة الدكتور أحمد الروقي، وعنوانها: نظرية ما جرى به العمل، وقد طبعت في المغرب.

    كذلك من كتب المالكية المهمة في الأقضية: كتاب المباحث المرضية في النوازل والأحكام والأقضية لـعبد القادر جعيط، وهو من علماء تونس المتأخرين, والكتاب مطبوع طبعة قديمة, وقد نفدت من الأسواق؛ لكن طبعته جيدة.

    هذه إذاً أهم كتب القضاء في المذهب المالكي.

    كتب الأقضية في المذهب الشافعي

    أما المذهب الشافعي فمن أهم كتب القضاء فيه: كتاب أدب القضاء لـابن أبي الدم الحموي قاضي حماة, وقد طبع طبعتين:

    إحداهما: بتحقيق عراقي اسمه محي هلال سرحان طبتها دائرة الأوقاف, والطبعة الثانية: تحقيق محمد الزحيلي وهي أكثر تداولاً.

    كذلك كتابان فصلا من كتابين كبيرين للشافعية: أحدهما: أدب القضاء من كتاب الحاوي الكبير للماوردي، وقد طبع أيضاً بتحقيق سرحان في دائرة الأوقاف في بغداد طبع في ثلاثة مجلدات, وقد أعيد طبعه الآن في داخل الحاوي الكبير, وهذا من أهم الكتب في القضاء فيما يتعلق بالتقسيمات, فـالماوردي من أحسن الناس صنعةً في القضاء.

    كذلك من كتب الأقضية في المذهب الشافعي: كتاب أدب القاضي المستخرج من كتب التهذيب للبغوي، فقد أفرد بالتحقيق وطبع مستقلاً في مجلد.

    كتب الأقضية في المذهب الحنبلي

    أما المذهب الحنبلي فكتب القضاء فيه قليلة؛ لأن الذين تولوا القضاء من علماء الحنابلة قلة, فالكتب المتخصصة في القضاء فيه منها كتاب ابن القيم: الطرق الحكمية, وليس للحنابلة -فيما أذكر- كتاب سواه متخصص بالقضاء.

    1.   

    أبرز المؤلفات في علم الفتاوي والنوازل

    كتب الحنفية في الفتاوي والنوازل

    أما علم الفتاوي والنوازل فمن أشهر كتب الحنفية فيه: كتاب الفتاوي الهندية الذي ألفه مجموعة من فقهاء الحنفية، وهو مطبوع ومتداول، وكتاب الفتاوي المهدية لـمحمد المهدي العباسي الحنفي, وهو مطبوع على هامشه أيضاً, ومطبوع لوحده في مجلدين, وكتاب فتاوي قاضيخان، وهو مطبوع أيضاً في خمس مجلدات, وكذلك فتاوي ابن عابدين, وهو مطبوع في مجلد واحد.

    كتب المالكية في الفتاوي والنوازل

    أما المذهب المالكي فمن الكتب المهمة في الفتاوي: كتاب فتاوي ابن رشد، وقد طبعته دار الغرب الإسلامي في ثلاثة مجلدات, وفتاوى الشاطبي, وقد طبعته الدار التونسية في مجلد واحد, وكتاب المعيار المعرب عن فتاوي أهل أفريقيا والأندلس والمغرب للإمام الونشريسي, والونشريسي له كتاب آخر قريب من عمل القضاة؛ وهو ما يتعلق بالشروط، وكتابة الوثائق مطلقاً، وعلم الوثائق علم مستقل, وقد اختص بالمذهب المالكي، فاعتنى به قضاة المالكية عناية كبيرة, وأدخلوا فيه من المؤلفات المختصة في علم الوثائق، فمن ذلك: مثل كتاب الونشريسي المسمى: الفائق في علم الوثائق، وقد طبع, وهناك كتاب آخر من كتب الشروط والوثائق أيضاً هو: الوثائق لـابن خير، والوثائق لـابن عطية صاحب التفسير, وكثير من أئمة المالكية ومن قضاتهم ألفوا كتب الوثائق، مثل: الوثائق لـابن لب، ووثائق ابن العطار, والعديد من الكتب المسماة بالوثائق.

    ثم من فتاوي المتأخرين من المذهب المالكي: النوازل الصغرى، وهو فتاوي جمعها أحد علماء المغرب المتأخرين، وقد طبع, ومثل: فتاوي البصري، وقد طبع طبعةً ونفدت، ومثل: فتاوي ابن الأعمش، والجزائريون ينطقون هكذا: بالأعمش أي: ابن الأعمش، وهذا شهرته هكذا.

    وكذلك من كتب فتاوي المذهب المالكي: كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك, للعلامة عليش.

    وعندنا عدد من الكتب التي تسمى بكتب الفتاوي والنوازل، مثل: النوازل لـسيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم، وهو مؤلف كتاب مراقي السعود وغيره من الكتب، فهو كثير التآليف, وله كتاب النوازل, وقد نظمه أحد العلماء نظماً رائقاً جميلاً، وهو محمد العاقب بن مايابي؛ لكن النظم لم يطبع, وقد طبع الأصل موجود في الفتاوي نفسها.

    كذلك: النوازل لـابن متالي، وقد نظمه ابن أخيه أيضاً, وكذلك نوازل محمود باباه, وهناك عدد من المؤلفين والأئمة تجمع فتاويهم فيما بعدهم فتكون كتاباً, وجدي رحمه الله فتاويه الآن أقيم فيها ثلاث رسائل جامعية في فتاويه.

    كتب الشافعية في الفتاوي والنوازل

    أما الفتاوي المشهورة في المذهب الشافعي فمنها: فتاوي ابن الصلاح وقد طبع في مجلد واحد, وفتاوي النووي وقد طبع كذلك في مجلد واحد, وفتاوي السبكي وقد طبع في مجلدين, كذلك فتاوي الحافظ ابن حجر, وفتاوي زكريا الأنصاري.

    وهناك العديد من المؤلفين في المذهب الشافعي لهم فتاوي لم تصل إلينا بعد، ولكنها مشهورة في مؤلفاتهم، مثل: ابن الملقن, وهو أكثر علماء المسلمين تأليفاً، فلا يعرف علماء الإسلام أكثر منه تأليفاً, وهو أكثر من السيوطي تأليفاً, فالسيوطي نفسه هو الذي ذكر أنه ما عرف في علماء الإسلام أكثر تأليفاً من ابن الملقن، فكتبه كثيرة جداً, وما طبع منها إلا القليل جداً, فغالبها ما زالت مخطوطة.

    كذلك البلقيني وابنه أيضاً جلال الدين, وكذلك الشيخ ابن دقيق العيد، فلكل هؤلاء أفتية مشهورة في كتب الفتاوي.

    كذلك منها: كتاب الحاوي للفتاوي للسيوطي, وقد جمع فيه أفتية نفسه, وكتاب فتاوي عليش -الذي يسمى فتح العلي المالك في الفتاوى على مذهب الإمام مالك- سلك فيه طريقة السيوطي؛ فهو يورد كتاباً لغيره بكامله في داخل فتوى له هو, والكتاب قد طبع فيه عدد من الكتب في داخله، وأدرج فيه المؤلف عدداً من كتب الآخرين، ففي داخل كتاب الفتح العلي لـمالك: كتاب أسنى المتاجر في حكم من غلب على وطنه النصارى ولم يهاجر للإمام الونشريسي, وفي داخله أيضاً كتاب حل الرفقة عن تفسير الصفقة, وكتاب الالتزام للحطاب, فعدد من الكتب الأخرى أوردها في نهاية كتابه, والسيوطي هكذا يعمل, فيأتي بكتب السابقين فيوردها بنصها في فتوى له هو.

    كتب الحنابلة في الفتاوي والنوازل

    أما في المذهب الحنبلي فأشهر فتاوي الحنابلة هو فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية، وهي ثلاثة أنواع:

    النوع الأول: فتاوي ألفها هو، فكتبها في الرد على بعض الأسئلة من بلد من البلدان كالفتاوي المصرية، التي يسميها بعض الناس الفتاوى الكبرى.

    القسم الثاني: اختياراته التي جمعها بعض طلابه، وهذه طبع منها اثنان: الاختيارات الكبير للبعلي, والاختيارات الصغير لـابن القيم وكلاهما مطبوع, وبالنسبة لاختيارات البعلي فقد طبع عدة طبعات، واحدة منها محققة، وطبعت طبعة مع كتاب الفتاوى المصرية في المجلد الخامس, وطبعات مستقلة فيها كثير من الأخطاء, والاختيارات الصغير لـابن القيم هو رؤوس المسائل التي اشتهرت عن شيخ الإسلام ابن تيمية في اختياراته, وهذا القسم طبع مستقلاً.

    القسم الثالث: فتاوي المتناثرة، وقد جمع كثيراً منها عبد الرحمن بن قاسم وابنه محمد رحمة الله على الجميع, وهذه المجموعة في مجموع الفتاوي, وهذه منها بعض المؤلفات الصغيرة التي جعلوها بمثابة فتاويه، وهي في الواقع مؤلفات، مثل: رسائله في العقيدة الواسطية, والتدمرية, والوصية الكبرى, ورسالة الكرسي، فهذه مؤلفات لـابن تيمية أدرجوها في فتاويه, وكذلك أصول التفسير, وكذلك صحة أصول أهل المدينة, وكذلك قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، فهذه كتب ألفها مستقلةً وهم أدرجوها في الفتاوي.

    وهذه الفتاوي التي جمعوها كان من اللازم أن تنقح، فالفتاوي التي رجع عنها شيخ الإسلام فأفتى بها مرةً ثم أفتى بما يخالفها في فتوى أخرى كان اللازم أن يبين ذلك, وفي الترتيب تذكر هذه قبل تلك وتلك قبل هذه؛ وذلك لأنها غير مؤرخة.

    وأيضاً فالكثير منها يصعب التحقق من نسبته لشيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً, فآل تيمية أسرة كبيرة وفيها عدد من العلماء، سوى شيخ الإسلام, وفي عصره هو من طلابه ومن بني عمه عدد من العلماء من آل تيمية, وكل ما كتب عليه ابن تيمية يظن الناس أنه لشيخ الإسلام؛ لأنه أشهر فرد في الأسرة.

    وبالنسبة لبعض فتاوي شيخ الإسلام تجد أنها تنافي فتوى أخرى، فيكون له موقف معين في قضية ثم يتراجع عنها، وهذا إنما يدققه تلامذته هو مثل: ابن القيم، فهو يقول: وقد كان شيخنا أفتى مرةً بكذا ثم بدا له فرجع, وكذلك يذكر هذا ابن مفلح الكبير، وهو تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الفروع.

    ثم فتاوي من وراءه من الحنابلة لم يشتهر منها من المطبوعات إلا أشياء قليلة، وقد جمع ابن قاسم أيضاً فتاوي علماء الدعوة في نجد, وجمعت فتاوي الشيخ محمد بن إبراهيم أيضاً, ورسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي هي بمثابة الفتاوي, وكذلك فتاوي عبد القادر بن بدران الدمشقي, ويمكن أن يعدد من الفتاوي على المذهب الحنبلي: فتاوي المشايخ الموجودين اليوم مثل: هيئة كبار العلماء, ومثل فتاوي اللجنة الدائمة للإفتاء, وفتاوي الشيخ السعدي.

    كتب الفتاوي الغير مذهبية

    وقد اشتهرت بعض الكتب الفتاوي في غير المذاهب ومنها من كتب المتأخرين: فتاوي الشوكاني مثلاً، وفتاوي محمد رشيد رضا, وفتاوي البشتي, وفتاوي شلتوت, وقل من انتصب لرئاسة الأزهر إلا وله كتاب فتاوي مطبوع.

    وقد طبع أيضاً الآن الفتاوي للشيخ يوسف القرضاوي، وفتاوي لـابن منيع، وأكثرها في المسائل المالية المعاصرة.

    1.   

    الأسئلة

    كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين بين كونه كتاب قضاء أو أصول فقه

    السؤال: بالنسبة لكتاب ابن القيم إعلام الموقعين عن رب العالمين, بأي علم يلحق؟

    الجواب: هو فعلاً يذكر مع كتب القضاء؛ لكن الواقع أنه من كتب أصول الفقه، فيه كثير من الأبحاث الأصولية، فهو يتكلم عن أن كل الأحكام الشرعية توافق القياس، هذه المهمة الأولى، إثباتاً لكل الأحكام الشرعية موافقة لمقتضى العقل، ومقتضى العقل هو مقتضى القياس عند ابن القيم, فأراد أن يرد على كل الذين يرون أن بعض الأحكام شرعت على خلاف القياس وهم جمهور الفقهاء الذين يرون أن الشفعة على خلاف القياس, وأن الإجارة على خلاف القياس, وأن السلم على خلاف القياس, وأن الاستلحاق على خلاف القياس، وهو يرد عليهم رداً مطولاً؛ لكن بما أنه ذكر في البداية رسالة عمر في القضاء، وشرح هذه الرسالة وأطال فيها النفس، ذكر الكتاب مع كتب الأقضية، لكن الواقع أن كتب الأقضية هي التي تذكر ما يرفع إلى القاضي في كل باب من الأبواب، وماذا يفعل في خصام الزوجين في كذا، وفي خصام الأجير والمستأجر.. وهكذا, فهذه هي الأقضية.

    طرق المؤلفين في تأليف كتب الفتاوي

    السؤال: [ما هي طرق المؤلفين في تأليف كتب الفتاوي؟]

    الجواب: بالنسبة لطرق المؤلفين في تأليف الفتاوي هو بحسب أحوالهم، وقد ذكرنا من قبل أن المفتي حين يفتي العامي فالأفضل أن يختار له قولاً ودليله، وإذا كانت المسألة خلافية يبين له أن فيها خلافاً بين أهل العلم، لكن يقول له: الراجح عندي فيها هو كذا ودليله كذا, ويمكن أن يفتيه على مقتضى مذهبه هو، فإذا عرف أنه باكستاني أو هندي مثلاً فيفتيه على مقتضى المذهب الحنفي, ويقول: الفتوى في المسألة كذا وكذا وفيها خلاف, وحينئذٍ يستغنى في إفتائه عن الدليل, أو أن يفتيه على مقتضى ما يحتاج إليه طالب العلم؛ وذلك لبيان الأقوال في المسألة وأدلتها جميعاً، ويترك العهدة على المستفتي, وهذا معروف في كتب أدب الفتيا، وقد ألف عدد من المؤلفين في أدب الفتيا، وتعرض لذلك بعض المؤلفين في كتب الفتاوي السابقة مثل: ابن فرحون وغيره.

    ومن أشهر الكتب المؤلفة في أدب الفتيا: كتاب أدب المفتي والمستفتي لـابن صلاح, وكتاب أدب الفتيا لـابن حامد الحنبلي, ولعدد من العلماء كتب أخرى في أدب المفتي والمستفتي, ومن الذين توسعوا في هذا المبحث في أصول الفقه الإمام الشيرازي في كتاب التبصرة في أصول الفقه, وكذلك ابن القيم توسع فيه في عدد من كتبه في أدب المفتي وماذا ينبغي أن يفعل, وابن تيمية رحمه الله تعرض له أيضاً في كتابه: رفع الملام عن الأئمة الأعلام.

    وعموماً لا يخلو قارئ هذه الكتب من فائدة حتى لو كانت خالية من الأدلة؛ لأنه سيرى مناظر أهل العلم ومآخذهم في المسائل الجديدة، وهذا الباب هو الذي نحاه الشيخ بكر أبو زيد في رسالته في فقه النوازل, ونظر إلى أن المسائل تتجدد في كل عصر من العصور، فينظر إلى مآخذ أهل العلم في الفتوى فيها أو في اختلافهم.

    كتب فتاوي مذاهب فقهية أخرى

    السؤال: [ هل هناك كتب خاصة بالفتاوي في كتب المذاهب الفقهية الأخرى؟ ]

    الجواب: بالنسبة للطوائف الأخرى لها فتاوي كثيرة جداً، ففي المذهب الزيدي عدد كبير من الفتاوي، مثل: فتاوي العمراني، ومثل: فتاوي الأمير الصنعاني, وفتاوي أئمة اليمن.

    وكذلك في المذهب الإمامي عدد كبير من المؤلفات في الفتاوي والنوازل، لكن كثير منها بلغات غير العربية, فمثلاً: بالفارسية عدد من المؤلفات، مثل: فتاوي الإمام آية الله منتظري، ومثل: فتاوي الإمام الخميني، ومثل فتاوي آية الله محمد علي التسخيري, وغيرها من مؤلفاتهم في النوازل.

    وكذلك باللغة التركية أيضاً هناك الكثير من المؤلفات على مقتضى مذهب الإمامية في الإفتاء.

    أما الخوارج فلهم مؤلفات في الإفتاء المطبوعة حديثاً, منها الفتاوي لـأحمد الخليلي في عمان, وفتاوي أئمة العدل كما يسمونهم, وهم يقصدون بهم: أئمة الخوارج أهل العدل والتوحيد, فالفتاوي لبعض علمائهم تجمع تحت هذا العنوان: فتاوي أئمة العدل والتوحيد، وقد جمع إبراهيم اطفيش -وهو من المحققين المعاصرين- عدداً من الفتاوي الإباضية في تونس وفي ليبيا وفي الجزائر، واطفيش أصله جزائري، وقد حقق أجزاء من تفسير القرطبي الطبعة القديمة..

    فائدة دراسة كتب الفتاوي

    السؤال: [ ما فائدة قراءة كتب الفتاوي؟ ]

    الجواب: بالنسبة للفتوى في الغالب إنما تتقيد بالنازلة والواقعة التي يفتي فيها؛ ولذلك لا يمكن أن تنسحب على نظائرها لاختلاف البيئة والواقع، ولكن مع هذا يمكن أن يستأنس ويستفاد منها كثيراً لمعرفة الإنسان أن القضية على الأقل قد درست من قبل أو بحثت، ولهذا فلن يعدم الإنسان خيراً إذا قرأ فيها، وبالأخص التي تداولها العلماء وعنوا بها عنايةً بالغة, مثل: فتاوي ابن تيمية ومثل المعيار المعرب للونشريسي, فإن الإنسان إذا قرأ فيه وجد كثيراً من الوقائع الجديدة الحديثة، التي يظن أن ما لها ذكر في كتب الفقهاء الأقدمين، مع ذلك يجد صورها مثبتة, والناس عندنا يذكرون أن أحد المشايخ لا تعرض نازلة إلا أخرجها من المعيار, فأحد العلماء لكونه كثير المطالعة للمعيار صار كأنما يحفظه, فكل نازلة عرضت عليه يمكن أن يستخرجها من المعيار.

    وكثير من فتاوي المتأخرين إنما هي نقول عن السابقين؛ لكنهم يخرجون عليها، ولذلك فإن أحد كبار العلماء وهو الشيخ محمد المامي رحمه الله يقول: إن الناس في زمانه انقسموا إلى قسمين:

    الأول: أهل أصول يدعون أنهم أدرى بالأدلة وأولى بها, ومع ذلك لم يغنوا الناس بشيء.

    الثاني: أهل فروع يزعمون أن باب الاجتهاد قد أغلق، ومع ذلك لا يمر بهم أسبوع إلا واجتهدوا، وهم يزعمون أنهم مقلدون, فهذا التناقض حاصل لدى كثير من المتأخرين، فهم يزعمون أنه لا يجوز تقليد غير الأئمة الأربعة، ومع هذا في كل أسبوع يأتي هو بفتوى جديدة من إنتاجه هو، وهو لا يدعي الاجتهاد.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767419005