إسلام ويب

رسالة إلى العروسينللشيخ : سعيد بن مسفر

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الحياة الزوجية مسئولية مشتركة بين الرجل والمرأة، فلكل واحد منهما على الآخر حقوق وعليه واجبات أوجبها الشرع، ولا تحصل السعادة الزوجية إلا إذا قام كل واحدٍ منهما بهذه الحقوق والواجبات، بانياً ذلك على أساس طاعة الله سبحانه وتعالى، وإقامة الأسرة الإسلامية ذات الدين.
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... وبعد:

    فهذه رسالة أوجهها وهي منبعثة من الأعماق، مجللة بأحر التهاني وأحلى الأماني، لكل شاب وشابة ارتبطا برابطة الزواج الشرعي, في ظل تعاليم الدين الإسلامي، وشجرة ديننا العظيم الوارفة, وأنا أتمنى أن تكون جميع إجراءات الزواج قد تمت حسب أوامر الشرع، بعيداً عن التصورات الجاهلية، والتصرفات البالية التي انتحلتها أفكار الجهلة والمبطلين, فإن كان ذلك فهنيئاً لهما، وإن كانا على غير ذلك فإنني أطلب منهما سرعة التوبة والإنابة والاستغفار، وأن يفتحا صفحة جديدة مع الله عز وجل لتتم لهما السعادة في الدنيا، وليحصل لهما الفوز والفلاح في الدار الآخرة.

    ولما كانت الحياة الزوجية ذات أثر فعال في حياة الزوج والزوجة، وهي مسئولية مشتركة بإذن الله فقد أحببت أن أتوجه إلى العروسين ببعض الوصايا؛ لتكون معالم لهما للسير بأمان في مجاهيل هذه الحياة؛ ليعيشوا حياة زوجية ترفرف عليها السعادة بسلام, ولينقلبوا بعدها إلى دار السلام في جنة عرضها السماوات والأرض.

    هذه الرسالة أوجهها بدافع الحرص على مصلحتهما، بعد أن لاحظت كثرة الفشل في الزواج، وارتفاع نسبة الطلاق مما يدل على وجود خلل في التعامل، وسوء فهم في الواجبات والحقوق، وعدم معرفة للوسائل التي يجب أن تسلك لعلاج المشاكل؛ لذا أحببت تقديم هذه الرسالة مع علمي أنها لن تجد فراغاً في وقت الزوجين الجديدين خصوصاً في (شهر العسل) مع تحفظي على تسميته بـ(شهر العسل)؛ فإن هذه التسمية ليست وليدة الإسلام ولا تصرفات المسلمين، هذه جاءت من البيئات الكافرة؛ لأنهم يرتبطون في الزواج من أجل الجنس فقط, وليس هناك أهداف غير الجنس, كما يرتبط الحمار بالحمارة يرتبط الكافر بالكافرة قال تعالى: أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179] ولذا يستنكحون شهراً فيسمونه شهر العسل، فإذا ذهب ما في قلوبهم من الجنس تحول العسل إلى بصل وخربت الحياة.

    أما في ظل الإسلام فالحياة الزوجية ليست شهر عسل، ولا سنة عسل، ولكن كلها عسل, منذ أن يرتبط المسلم بالمسلمة إلى أن يموت وهما على ضوء الدين، حياتهم كلها عسل وسيكملون العسل -إن شاء الله- في الجنة، يقول الله عز وجل: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21] ويخبرنا الله في سورة غافر أن الملائكة تقول: رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [غافر:8] وقال الله عز وجل: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:23-24] نسأل الله وإياكم من فضله.

    حياة المسلمين كلها عسل، ولكن إذا علمتما مقدار ما بذلته في توجيه هذه الرسالة، فلعل ذلك يدفعكما إلى بذل شيء من الوقت في سماعها, وأفضل وقت للاستماع: هو وقت النزهة بعد صلاة العصر, إذا قلت: يستمعون في الليل فإن الوقت لا يناسب, لكن بعد العصر يتمشّى ويتركها إلى جواره ويشغل الشريط ويذهبون إلى مكان ما, ساعة ذهاب وساعة إياب، يمكن أن سماع هذا الشريط ينفع جداً, واسمعه مرة وثانية وثالثة، ثم ارفعه على أمل أن تسمعه بعد شهر أو شهرين أو ثلاثة؛ لأنك إذا استمررت عليه أكثر من ثلاث مرات قد تمل الشريط ويمكن أن تكرهه, ولكن أبعده فترة ثم إذا رأيت مشكلة بين الأسرة فخذ الشريط وقل: أريد أن أسمع الشريط الذي سبق أن سمعناه يمكن أن نستفيد منه مرة أخرى.

    من أهداف الزواج: اختيار ذات الدين

    تختلف دوافع الزواج وأهدافه وأغراضه من شخص لآخر، ومن بيئة لأخرى، بحسب اختلاف نظرة الإنسان إلى هذه الحياة, فبينما نجد البعض يهدف في نظرته ودوافعه من الزواج إلى مستوى لا يرقى إلى معنى الإنسانية, حين يجعل الهدف محصوراً في المتعة الجسدية، واللذة الجنسية التي يشاركه فيها الحيوان والبهيمة, نجد الإسلام لا يقر شيئاً من هذه التصرفات، وإنما يهدف من وراء الزواج إلى عقد رابطة روحية سامية فاضلة، تنظر إلى كل متطلبات الإنسان بشقيه وجانبيه المادي والروحي.

    ولذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يبين الأهداف الرئيسة التي يقصد من ورائها الزواج في الإسلام، قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري في الصحيح : (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك).

    لمالها: أصحاب رءوس الأموال هم أتباع اليهود؛ لأن اليهود أشد الناس حباً للمال، قال تعالى: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ [البقرة:96] حياة اليهودي كلها تدور حول فلك الريال, ولذا سيطروا الآن على رءوس أموال العالم كله, فالذي عنده نزعة لحب المال فيه شبه منهم.

    ولحسبها: أتباع أبي جهل , الجاهليون الذين لا يؤمنون بما ورد في كتاب الله، ففي سورة الحجرات قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13] هذه الآية مرفوضة عند الجاهليين, يقولون: لا. هناك ذكر (أصلي) وذكر (تقليد) والله يقول في آدم وحواء: ذكر وأنثى, والذي لا يؤمن بهذه الآية يكفر بالقرآن, والذي يكفر بالقرآن يخرج من دين الله, البشر كلهم يرجعون إلى آدم وحواء, الوضيع والشريف، والكبير والصغير، (والقبيلي) و(غير القبيلي) هذه الطبقيات التي يتعارف الناس عليها الآن ما أنزل الله بها من سلطان, لقد جاء الإسلام وأعلن وحدة الجنس البشري, وأعلن أن الناس سواسية كأسنان المشط، وأن سبيل التفاضل بينهم هو التقوى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ [الحجرات:13] لماذا؟ لتتفاضلوا؟ لا. بل لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13] فالجاهليون يبحثون عن الحسب, وإذا جاء صاحب الدين يريد أصله وفصله, ولا يقول: ما دينك؟ لا حول ولا قوة إلا بالله!

    والثالث وهم أصحاب الجمال: وفيهم شبه من النصارى؛ لأن النصارى شقر العيون وشقر الشعر، وفيهم مسحة جمال, فكثير من الناس فيه لذعة من هؤلاء، إذا جاء الشخص بدأ يتفقد ما لونه؟ كم طوله وعرضه؟ كيف عيونه؟! وكيف فمه؟ وكيف خدوده؟ وكيف شكله؟! ولا يسأل عن دينه وصلاته وخوفه وبكائه وخشيته من الله عز وجل.

    ثم قال: ولدينها: هذه الأخيرة من صفات أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم, هذا هدف أهل الإيمان، والحديث في صحيح البخاري : (فاظفر بذات الدين تربت يداك) فالزواج بذات الدين هو الزواج الناجح، وإلا أحاط بالإنسان سوء النتيجة، وخسران البضاعة، كمن لا يجد في يديه شيئاً غير التراب بعد السعي الطويل والعمل الكادح, تربت يداك إذا تزوجت بواحدة من أجل مالها، يقول: (لا تزوجوا النساء لمالهن فعسى مالهن أن يطغيهن, ولا تزوجوا النساء لجمالهن فعسى جمالهن أن يقبحهن, ولا تزوجوا النساء لحسبهن) ثم قال في حديث آخر: (من تزوج المرأة لمالها أورثه الله فقرها, ومن تزوجها لجمالها أورثه الله قبحها, ومن تزوجها لحسبها أورثه الله مذلتها, ومن تزوجها لدينها أورثه الله بركتها)؛ لأن المال والجمال والحسب وإن كان من متطلبات الزواج إلا أنه لا يصح أن يكون أساساً لهذه العلاقة المتينة، إذ لا بد من شيء أقوى من شهوة المال والحسب والجمال وإلا لانهارت هذه الصلة, ولكن إذا تزوج بذات الدين، وكان مع الدين جمال ومال وحسب فهذه حسنة الدنيا قدمت لك قبل الآخرة, فاحمد الله عليها.

    من أهداف الزواج: تحقيق قوة الإيمان بالله

    الزواج في حد ذاته آية من آيات الله الدالة على عظمته، قال عز وجل: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21] أي: من الآيات والعلامات الدالة على عظمة الله هذا الزواج.

    فبينما نرى الزوج والزوجة وهما غريبان عن بعضهما، تقوى بينهما الصلة والعلاقة، وتتنوع بينهما أساليبها, وتزرع المودة والرحمة, وتتولد الثقة والطمأنينة لدرجة أن تصبح الزوجة من ألصق البشر بزوجها, بحيث لا تستطيع العيش بدونه، وهو كذلك, وهناك هدف يتحقق من وراء الزواج وهو قوة الإيمان بالله عن طريق التأمل والتفكر والنظر في هذه الآية.

    من أهداف الزواج: عمارة الأرض ببقاء الجنس البشري

    من أهداف الزواج في الإسلام: عمارة الأرض ببقاء الجنس البشري عن طريق التناسل عبر دائرة المسئولية؛ لأن هناك تناسلاً يأتي عن غير مسئولية وهو: تناسل الزنا والسفاح.

    أما التناسل في الشرع ضمن دائرة المسئولية؛ أب يتزوج بامرأة فيأتي ولد يقوم الأب برعايته، وتدريسه، وتربيته حتى يخرج فرداً صالحاً في المجتمع.

    لكن التناسل عن طريق الزنا يوجد مشاكل، ويخرج في المجتمعات أفاعي, أترون الشيوعية أين انتشرت؟ الشيوعية والبلشفية التي نادى بها ماركس ولينين في روسيا ، نادى بها في صفوف اللقطاء الذين ليس لهم آباء وسماهم الكادحين, ودعاهم وقاموا معه وقامت الثورة؛ لأنهم كانوا يشكلون أغلبية كبيرة في المجتمعات الكافرة من كثرة وجودهم, لكن في ظل الدين لا يقوم إلا الإسلام إن شاء الله.

    يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد والطبراني وصححه ابن حبان : (تزوجوا الولود الودود -الولود في نكاحها, الودود في أخلاقها- فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة).

    من أهداف الزواج: إيجاد البيت المسلم

    من أهداف الزواج: إيجاد البيت المسلم الذي يشكل الخلية الأولى في المجتمع، وعلى قدر صلاح الأسرة يتقرر صلاح المجتمع, ولن يتأتى صلاح الأسرة إلا إذا صلحت المقاصد والنيات.

    هذه بعض الأهداف التي يهدف إليها الإسلام من وراء الزواج, ولكن إذا تحققت هذه الأهداف، وحصل الزواج الذي ينظر إليه الإسلام على أنه رباط نفيس يجمع بين شخصين، قد لا يكون بينهما رابطة أو صلة من قبل، فيجعلهما تحت سقف واحد، هي من الشرق وهو من الغرب، لكن بالزواج تترك أباها وأمها وإخوانها، ومجتمعها، وبيتها الذي عاشت فيه سنين طويلة، وتأتي غريبة مع هذا الرجل تحت سقف واحد، ويحملهما تبعة ومسئولية تكوين هذه الخلية التي يعيشان فيها، وغالباً ما يختلف الزوجان في كثير من النواحي البيئية، والثقافية، والمعيشية، والوضعية.

    وبعض الناس ينكر على زوجته حتى طريقة الأكل, فهي أتت من بيت كانت تأكل فيه بطريقة لا يحبها, وهو كذلك يأكل بطريقة لا تحبها.

    وأيضاً في النوم هي تنام بطريقة لا يريدها, فهي غريبة عليه، فليس هناك توافق بينهما، وهذا لا بد منه.

    لكن متى يحصل الانسجام؟ مع الزمن يحصل الانسجام, فإن -تبعاً للبيئة- كلاً منهما يتميز عن الآخر من حيث العواطف والمشاعر والميول والآلام والآمال التي قد تكون وليدة إحساس خاص، أو جوٍ نفسي معين، ولكن بمقدار تغلب الزوج والزوجة على هذه العوامل، وإيجاد الحلول المناسبة للمشاكل، والتكيف على جو الحياة الزوجية الجديد بمقدار ما تقوى الرابطة، وتدوم المودة، وتصلح الحياة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088544693

    عدد مرات الحفظ

    777235285