إسلام ويب

مداخل الشيطان [2،1]للشيخ : سعيد بن مسفر

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الشيطان هو عدو الإنسان الأول منذ خلق الله آدم عليه السلام، وقد جعل هذا العدو مهمته في هذه الحياة إغواء بني آدم بشتى الطرق والوسائل؛ ليعرض عن الله ويتنكب طريق النجاة. وقد اتبع الشيطان في سبيل تحقيق هذه الغاية وسائل متعددة، ومداخل مختلفة، وهذه المداخل هي التي تناولتها هذه المادة في معرض التحذير منها.
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله هذه الوجوه الطيبة، وجمعنا الله وإياكم في الدنيا على طاعته وفي الآخرة في دار كرامته ومستقر رحمته، اللهم آمين.

    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

    وبعد:

    أولاً: أشكر شباب هذه البلدة المباركة، الذين وفقهم الله وهداهم إلى الصراط المستقيم، وأدركوا المسئولية الملقاة على عاتقهم تجاه ذويهم وأهليهم، فبادروا إلى مثل هذه الندوات الإيمانية، والجلسات العلمية التي تحيي القلوب، وتبارك النفوس، وترضي الله تبارك وتعالى، وهذا من توفيق الله عز وجل لهم ولأهل هذه المنطقة الذين أحسبهم صالحين يستحقون مثل هذا الخير وهذا الفضل، فإن النعمة الكبرى على الناس ليست نعمة الأكل والشرب، ولا نعمة المال والوظائف، والسيارات، هذه نعم لكنها نعم تزول، إن النعمة الكبرى هي نعمة الإيمان، نعمة الدين، فمن أوتي الدين فقد أنعم الله عليه بأعظم نعمة على وجه الأرض، يقول الله عز وجل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [المائدة:3] أي: ديني، ويقول عز وجل: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ [الفتح:1-2] أي: دينه، فليس بمنعم على من يتقلب في النعم المادية وهو عدو لله عز وجل، ليس بُمنعم عليه من يتوعده الله بأن يسجنه في نار جهنم إذا مات وهو على طريق الشيطان، هذا ليس في نعمة، ولهذا يقول الله عز وجل للرسول صلى الله عليه وسلم: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ [التوبة:55] لا تتصور أن من عنده مال وأولاد وبيوت ومساكن ومؤسسات ومزارع ولكنه بعيد عن الله، وعدو لله؛ هاجرٌ لكتاب الله .. هاجرٌ لبيوت الله .. قاطعٌ لرحمه .. عاقٌ لوالديه والعياذ بالله .. سبَّاب .. شتَّام .. مغتاب .. نمام .. شاهد زور .. حالف فجور .. عدو لله.. لا تجده في موقع إلا وهو في الشر، وعنده ثراء ونعمة ولكنها ملغمة بسم، متى تنفجر؟ يوم أن يموت، وإذا بها تقطعه قطعة قطعة في جهنم، فيتمنى أنه ما عرف هذه النعم، يقول الله تعالى: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة:55].

    فالنعمة الحقيقية -أيها الإخوة في الله- في مثل هذه المجالس، ووالله! للحظة يقضيها الإنسان في هذه الندوات، وساعة يقضيها في هذه الأماكن خير من الدنيا وما عليها وسوف يموت، وسوف يجد يوم القيامة الساعات والدقائق مسجلة، إما في ديوان الحسنات وإما في ديوان السيئات، ويتمنى أنه قضى كل حياته في مثل هذه المجالس، فهنيئاً لكم، وبارك الله فيكم، وبارك الله في شبابكم، ونطلب منكم المزيد، ونطلب منكم العون والتأييد، والدعم والجلوس معهم؛ لأنهم إذا وجدوا الإقبال ووجدوا الانصباب والانكباب على العلم استطاعوا أن يذهبوا إلى العلماء، وإلى الدعاة، وأن يجلبوهم لكم، فهم أطباء القلوب.

    لكن إذا رأوا الإعراض، فيأتي الداعية أو العالم ولا يجد أحداً .. من يكلم؟! يقول: كفى..الله المستعان! وهنا تحصل النكبة، ويحصل الدمار والإعراض عن الله، ومن أعرض عنه الله عز وجل دمره الله في الدنيا والآخرة، ومن أقبل على الله بقلبه وقالبه، فإن الله عز وجل يبارك له في حياته وماله، ورزقه وأولاده، وزوجاته .. وفي كل شئونه.

    حال المقبل على الدنيا المعرض عن الآخرة

    قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أصبح والدنيا همه) ككثير من الناس، ينسى الموت وينسى الآخرة، وكأنه لن يموت؛ قلبه مفتوح على مصراعيه للدنيا والعياذ بالله، (من أصبح والدنيا همه، فرق الله عليه شمله) فالعمل الواحد يصبح مائة عمل، أي: بدل أن يجمعها ربي يفرقها، ولا تتجمع في أي حالة من الأحوال (فرق الله عليه شمله، وجعل فقره بين عينيه) ولا يرى إلا الفقر ولو كان معه عشرون مليوناً، فالملايين في البنك لكن الفقر أمام عينيه، فكلما تلفت إذا بالفقر بين عينيه والعياذ بالله! فيطرد ولا يلحق، مثل شارب البحر: كلما ازداد شربه ازداد عطشه والعياذ بالله، حتى لو أتيت تسأله وهو ثري وغني وفي خير، كيف أنت؟ كيف الأمور؟ قال: والله! الأمور صعبة هذه الأيام، الأمور تعبانة، والميزانية متدهورة، والسيولة النقدية غير متوفرة، والأزمات قائمة، والعياذ بالله! كأنه لا يملك ريالاً .. لماذا؟! الفقر بين عينيه؛ الأموال وراء ظهره والفقر بين عينيه، فلا يرى إلا الفقر، فقير حتى على نفسه، فقير حتى على أولاده، وجماعته، ما منه خير والعياذ بالله! (جعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له)؛ المكتوب له لا بد أن يأتي ولا يحول دونه أحد.

    ثم يقول عليه الصلاة والسلام: (ومن أصبح والآخرة همه)؛ أصبح وهو يفكر في يوم الآخرة: يفكر في القبر وضغطته، واللحد وظلمته، والصراط وحِدَّته، والموقف وشدته .. يفكر في عمله .. يفكر في صلاته .. وقراءته للقرآن، ورضا والديه عليه؛ هل أصبحا يدعوان له أم يدعوان عليه .. يفكر في رحمه؛ هل أصبحت رحمه راضية عنه فهي تدعو له؛ كلما ذكرته قالت: مدَّ الله في أجله، الله يوفقه، الله يوسع له في رزقه، أم أنها تقطعه وهو يقطعها وهي تدعو عليه؛ تقول: الله يقطعه كما قطعني، ألهب الله عظامه .. فكثير من الناس موجه ظهره إلى الدنيا .. بل قامت العداوة بينه وبين جميع أقاربه وأرحامه من أجل الدنيا، والعياذ بالله! وتسبب في نكبة نفسه بلعنة الله وسخطه في الدنيا والآخرة .. فيفكر المؤمن في هذا .. وبعد ذلك يصحح الغلطات، كلما رأى في نفسه قصوراً أو خللاً تاب واستغفر ورجع وأصلح حاله مع الله عز وجل.

    (ومن أصبح والآخرة همه جمع الله له شمله) أي: يسر الله أموره، كلما أراد شيئاً إذا به يتيسر؛ إن جاء ليراجع تسهلت، وإن جاء ليشتري اتسعت، وإذا أراد أي شيء إذا به ميسر؛ يرى اليسر في كل طريق؛ لأن الله يسر له الموقف (جمع الله له شمله، وجعل غناه في قلبه) وليس فقره بين عينيه؛ غناه في قلبه ولو كان فقيراً تجده غنياً، لو لم يكن عنده شيء، كيف أنت؟ قال: الحمد لله؛ في ألف نعمة، أبشرك،.. آمنين .. سالمين .. آكلين .. شاربين .. راكبين .. ساكنين .. مستورين، من هو الذي في مثل نعمتنا في هذا الزمان، كيف كنا نتمنى قبل خمسين سنة، لو أتينا بالآباء والأجداد وقلنا لهم: تمنوا النعم كلها، لانتهت بهم الأماني دون أن يبلغوا ما نحن فيه من النعم، من كان يحلم أننا نعيش فيما نحن فيه اليوم، تغير كل شيء في حياتنا: تغيرت المساكن، والملابس، والمآكل والمشارب والمراكب والأواني، وتغير كل شيء .. هل بقي شي من الماضي في بيوتنا الآن؟ ما بقي شيء، أين هي؟ في المتاحف والآثار، إذا دخلت الآثار، يقولون: هذه آثار الماضي، وما هي؟ الملحف والنطع، والجاعد، والجلة، والفنجان الحيسي، والبرمة، والقدر ذاك، كل هذه آثار، آثار من؟ قال: هذه من العصور القديمة، وما عرف أنها من قبل ثلاثين سنة.

    أبي وأبوك وجدي وجدك عاشوا عليها وغير الله حالتنا كلها؛ تدخل على الرجل الآن في بيته فتجد المفارش والملابس والأشياء التي لم يحلم بها، يقول الواحد منا: أنا في الدنيا أم في الجنة؟ كان الناس في الماضي إذا جاء مطر وجاءت السيول، يخافون من المطر في الليل؛ لأنهم يخشون من (الغادي) من يستطيع أن يصعد ليسد تسرب الماء من السقف في الليل، فيتجمعون ويضعون الأواني تحت هذا (الغادي) كأس هنا، وتحت ذاك صحن، وتحت ذاك قدر، وتحت ذاك فنجال، وتبدأ النواقيط، طن .. طن .. تسمعها مثل الموسيقى طوال الليل، وأحياناً لا يبقى في البيت مكان، فيتجمعون في زاوية أو في ركن أو في (الريشة)، ويضعون عليهم (نطعاً) أو ملحفاً حتى لا يأتيهم (الغادي).

    واليوم .. من هو الذي لا يفرح بالمطر في الليل؟ وبيوتنا مسلح، لو يهطل بالليل والنهار لا نشعر به.

    وسياراتنا .. وجميع نعمنا، هذه نعم! فإذا أصبح الإنسان فيها آمناً وشعر بنعمة الله، وقيل له: كيف أنت؟ قال: الحمد لله، أنا في نعمة ما بعدها نعمة، قال عليه الصلاة والسلام: (وجعل غناه في قلبه).

    توفر الدروس الوعظية نعمة وحجة

    فأنتم أيها الإخوة! في جميع النعم؛ النعم المادية، والنعم الدينية؛ المادية هي ما تعرفون، والدينية هي هذه الندوة، هذه الجلسة، لا يوجد في كل قرى عسير وشهران وقحطان مثل هذا الدرس، ففي المدن نعم؛ في أبها والخميس، لكن البلدان الأخرى لا يوجد، ويسر الله لكم من أبنائكم من يأتون ويطلبون من العلماء، ووالله لقد خجلت كثيراً من كثرة إلحاحهم عليّ حتى خفت من الله، وأنا لا أرفض المجيء لأني مستغن عن الله؛ ولكن لأني مشغول ومرتبط كثيراً، حتى إن صوتي انقطع في بعض الظروف، ولكن من خجلي من هؤلاء الشباب وهم يأتون، كأنه يطلبني صدقة! يلح عليّ يقول: اتق الله، اتق الله، لابد أن تأتي .. فأخجل وآتي، وأقول: بارك الله في هؤلاء الشباب، وجزاهم الله عنا وعنكم وعن الإسلام خيراً، ونسأل الله أن يزيدهم؛ لأنهم نور، هؤلاء أنوار في قريتكم، والنور ما يسير بعده إلا النور.

    لكن ما ظنكم لو أن هؤلاء الشباب في المخدرات، أو في الزنا والخمور واللواط وفي الشرور، وجلبوا عليكم الشر والفساد، وأصبح الواحد في المجلس إذا جلس لا يريد أن يقال له: يا أبا فلان، لماذا؟ لأن فلاناً في السجن والمخدرات أو خمار، أو زاني، أو قليل دين، والآن كثير منكم يفرح إذا كان في المجلس، وقالوا: يا أبا فلان، قال: نعم. لماذا؟ لأن ولده كان على المنبر يخطب، ويدعو إلى الله، يبشر بدين الله، ما من هداية تحصل على يد هذا الولد إلا وكما هي في ديوان ولده فهي في ديوان أبيه مثله، لماذا؟ لأنه سبب فيه وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم:39] قال العلماء: إن الولد من سعي أبيه، وإن جميع حسنات الولد مثلها لأبيه إذا رباه على الدين، فلتفرحوا بهذا الخير، ولتؤيدوهم وتناصروهم وتأتون، ماذا يوجد من المغرب إلى العشاء؟ ماذا نعمل في البيوت إذا لم نأت؟ بعض الناس يقول: أقعد من المغرب إلى العشاء؟! وأين تذهب، إذا لم تجلس هنا أين تذهب؟ ما الذي يشغلك؟ لقد أراحك الله يا أخي!

    كان الناس في الماضي فعلاً لا يدخلون بيوتهم بعد المغرب إلا وقد تكسروا؛ الذي يرعى من وقت شروق الشمس إلى غروبها، أو على البئر من شروق الشمس إلى غروبها، أو يقطع أو يحطب، والآن ماذا معك من شغل؟ نائم من وقت شروق الشمس إلى غروبها، وإذا كنت موظفاً تأتيك النقود من الدولة وأنت جالس على كرسي، إذا تعبت وقعت وانصرفت. بعض الناس يقول: متعب، من ماذا؟! قال: من التوقيع، أو من كتابة معاملة، ويلف الورق ويضعها فوق بعضها، وبعضهم ريحه الله بأولاد صالحين وموظفين وليس عنده وظيفة فيأتونه بالخيرات وهو راقد، لا يرعى ولا يعمر ولا أي شيء؛ بل جالس، لماذا لا تستغل هذه النعمة؟ وإذا رأيت أنه يوجد درس مثل هذا الدرس وكان حتى في القرية الثانية فاذهب إليه، فكيف وقد جاء الله به إليك وأنت تترك ولا تأتي، هذا إعراض يا إخواني! الذي لا يأتي إلى مجالس الذكر خصوصاً مجلس الذكر في القرية فهو معرض، يجب أن تخصص هذا اليوم؛ ليلة الأحد من كل أسبوع لله، لا تعزم فيها ولا تنعزم، ولا تسافر فيها، ولو أن أحداً عزمك فقل له: معزوم، عند من؟ عند رب العزة والجلال، عند رب السماوات والأرض.

    إذا أردت أن تعزم أحداً، لا والله! إن كنتم ستأتون فلتأتوا بعد العشاء؛ لأن عندنا ندوة، وإذا ربطت نفسك ببيت الله وبالذكر خلال حياتك -كل أسبوع تأتي هنا لتسمع- فاعلم بأن هذه حياة قلبك بإذن الله، لكن إذا أعرضت عن الله: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا [طه:124-126] أتتك آيتنا إلى قريتك، وجئناك بالعلماء من كل وادٍ ومن كل مدينة، شرفوهم طلابكم ثم تركتم المجيء، ما ظنكم لو جاء أمر في ليلة الإثنين أن من حضر الندوة يصرف له بعدها مائة ريال، هل أحد يترك ولا يأتي؟! والله إنهم سيأتون من العصر، والذي لا يستطيع فسيأتي بالعصا، كل يدق الثاني: أنا الأول ..أنا الأول .. لماذا؟ لأن الصرف بالصف الأول؛ مائة ريال.

    لكن ليس فيها مائة ريال، هل تدرون ماذا يوجد في هذه الجلسة؟ أعطيكم حديثاً في البخاري ، يقول عليه الصلاة والسلام: (إن لله ملائكة سيارة -أي: متجولة، تطوف حلق الذكر، أي: مهمتها البحث عن أماكن الذكر- فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله -مثل جلستكم هذه- حفوهم إلى عنان السماء، ثم يصعدون إلى الله عز وجل فيسألهم الله وهو أعلم: كيف وجدتم عبادي؟ قالوا: وجدناهم يذكرونك ويسبحونك ويهللونك ويحمدونك، فيقول الله: ما وجدتموهم يسألونني؟ قالوا: يسألونك الجنة) نسأل الله وإياكم الجنة، والآن، ماذا تريدون في هذا المجلس؟ ما تريدون إلا رضا الله، من الذي قادكم بالعصا، أو أخذكم بالقوة، ومن الذي سيعطيكم نقوداً بعد هذه الجلسة؟ ما جئتم إلا لله، وعملكم بإذن الله خالص لوجه الله، ترجون رحمة الله وتخشون عذابه، كل منكم يقول: اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار. (فيقول الله: وهل رأوا الجنة؟ قالوا: لا، ما رأوها، قال: كيف لو رأوها؟ قالوا: لكانوا لها أشد طلباً وفيها رغبة، فقال الله: فما وجدتموهم يستعيذون بي، قالوا: وجدناهم يستعيذون بك من النار، فيقول الله: وهل رأوها؟ -هل رأوا النار وما فيها من الأغلال والأنكال والسلاسل والحميم والسموم واليحموم- هل رأوا ما بها من العذاب؟ قالوا: لا، قال: فكيف لو رأوها؟ قالوا: لازدادوا منها هرباً ولها خوفاً، قال الله عز وجل: أشهدكم أني قد غفرت لهم) اللهم إني أسألك من فضلك في هذه الساعة أن تغفر لنا ذنوبنا وذنوب آبائنا وأمهاتنا، وإخواننا وأخواتنا، وجميع المسلمين.

    يا إخواني: إن الله لا يعجزه شيء؛ الله كريم وفضله عظيم .. الله عز وجل يقول في الحديث القدسي: (لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فطلبوني فأعطيت كل واحد مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) إذا أدخلت الإبرة في البحر وأخرجتها كم ينقص البحر؟ أينقص شيء؟ هل يدري البحر أنك أخرجت الإبرة؟ اذهب من طرفه وانظر ما نقص هذا البحر .. إن خزائن رحمة الله واسعة! فنحن إذا طلبنا الله عز وجل في مجلس يقول الله عز وجل -والحديث في صحيح البخاري : (أشهدكم أني قد غفرت لهم، قال أحد الملائكة: رب! فيهم فلان بن فلان كثير الذنوب والمعاصي -ليس منهم؛ ليس من الصالحين والذاكرين لله- ولكن مر لحاجة فجلس، عرض قلبه لذكر الله- قال: رب! فيهم عبدك الفلاني ليس منهم، ولكن أتى لحاجة فجلس، قال الله عز وجل: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) حتى هذا الذي ليس من أهل الذكر، لكن لما لان قلبه لذكر الله وجلس غفر الله له، فهنيئاً لكم، وأرجو الله تبارك وتعالى أن يوفقكم للمحافظة والمداومة وأن يوفق شبابكم للمداومة ولو لم يجلس معهم أحد، ليس ضرورياً أن يمتلئ المسجد، حتى لا يقول أحد: ما جاء أحد، اجلس ولو لم يجلس معك إلا الأربعة العمدان هذه، اجلس واذكر الله في هذه الليلة، لو لم تكونوا إلا أربعة أو خمسة من الشباب، افتحوا كتاب رياض الصالحين ، وتفسير ابن كثير ، وصحيح البخاري ، أو اقرءوا من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكتب الفقه الإسلامي، تعلموا أمور دينكم ليلة في الأسبوع من بعد المغرب إلى العشاء، هذه ساعة تضيع على أكثر الناس، وكثير من الناس يضيعها في غير مصلحة؛ إما في كلام، أو علوم، أو جلسة، أو منادمة مع المرأة، أو عشاء، أو مشاهدة ما لا يرضي الله، أو سماع شيء مما لا يرضي الله .. لكن ساعة تقضيها في بيت من بيوت الله، وتخرج وقد غفر الله ذنبك، ورفع درجتك، وأعلى منزلتك خير لك من الدنيا وما فيها، هذه مقدمة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088458991

    عدد مرات الحفظ

    776852267