إسلام ويب

فوربك لنسألنهم أجمعين (1، 2)للشيخ : سعيد بن مسفر

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله عز وجل لم يخلقنا عبثاً، وإنما خلقنا لعبادته وحده، وأوجدنا في هذه الحياة، لنغتنمها بما يعود علينا بالنفع في الآخرة، فنحن مسئولون عن كل عمل نعمله في هذه الدنيا، قال تعالى: ( فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ )، فلنعد للسؤال جواباً، وللجواب صواباً؛ لننقذ أنفسنا من عذاب الله، وذلك بلزوم الاستقامة على شرع الله، فلزوم الاستقامة كرامة، والميل عنها خزي وندامة.
    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    إن من أوجب الواجبات، ومن أعظم مسئوليات المسلم في هذه الحياة، أن يستغل فرصتها، وأن يغتنم فترتها، ليتعلم كيف يجيب على السؤالين الهامين، اللذين أخبر الله عز وجل في كتابه الكريم، أنهما سيقدمان إلى كل مكلف في هذه الدنيا؛ لأن بمقدار قدرته على الإجابة الصحيحة على هذين السؤالين، يكون مقدار فوزه وسعادته، أو هلاكه وخسارته -والعياذ بالله- وانشغال الناس الآن، وبذل القسط الأوفر والجزء الأكبر من حياتهم، لشيءٍ لا ينفعهم في الآخرة، هذا من نقص عقولهم، ولذا يوم القيامة حينما تنكشف لهم الحقائق وحينما تزول الحجب ويرون الأمور على حقائقها يعترفون بأنهم لم يكونوا عقلاء، قال عز وجل: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:10].

    أي يقولون: والله لو عندنا عقول وأسماع، ما تورطنا هذه الورطة، ولا تركنا هذه الفرصة، وما كنا بضلالنا وجهالتنا وإعراضنا وانشغالنا بما لا ينفعنا، ما كنا في أصحاب السعير، ولكن الذي جعلهم -والعياذ بالله- في السعير؛ أنهم ما كانوا يسمعون، ولا كانوا يعقلون، فلم يكونوا يسمعون عن الله، ولم يعقلوا دين الله، لكنهم يسمعون شيئاً لا يريده الله منهم، ويعقلون ويتفكرون ويبدعون، لكن في غير الميدان الطبيعي الذي خلقهم الله له، فإذا زالت الحُجب ورأوا أن جهدهم ضياع وعمرهم هباء قالوا: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:10].

    ما هذان السؤالان؟

    ورد السؤال الأول في كتاب الله عز وجل، يقول الله عز وجل فيه: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:92-93] هذا هو السؤال الأول، والخطاب موجه للنبي صلى الله عليه وسلم، والله يقسم بنفسه تبارك وتعالى في هذا الأمر الهام، والذي يتأمل الأقسام القرآنية كما يقول ابن القيم في كتاب مخصص اسمه أقسام القرآن: يعني بهذه الأشياء التي أقسم بها الله عز وجل، فلا يقسم الله عز وجل بذاته إلا في الأشياء المهمة، مثل: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [التغابن:7] ومثل: فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ [الذاريات:23].

    وفي هذه الآية يقول الله عز وجل: فَوَرَبِّكَ [الحجر:92] يا محمد لَنَسْأَلَنَّهُمْ [الحجر:92] وجاء الأمر بعدة مؤكدات: لام التوكيد، ونون التوكيد الثقيلة لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر:92] توكيد لفظي عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:93] و(ما) هنا: اسم موصول تعم العاقل وغيره، تعم كل شيء، فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:92-93].

    تذكرة الآخرة وأحوال أهل النار

    قل لي يا أخي! بربك إذا وقفت ذلك الموقف الرهيب، تصور -يا أخي- ولا تعش في الخيالات ولا تلغِ عقلك.

    مثل لنفسك أيها المغرور     يوم القيامة والسماء تمور

    قد كورت شمس النهار وأدنيت     حتى على رأس العباد تفور

    وإذا الجبال تقلعت بأصولها     ورأيتها مثل السحاب تسير

    وإذا البحار تأججت نيرانها     ورأيتها مثل الحميم تفور

    وإذا الوحوش لدى القيامة أحضرت     وتقول للأملاك أين نسير

    فيقال سيروا تشهدون فضائحاً     وعائبٌ قد أحضرت وأمور

    وإذا الجنين بأمه متعلق     يخشى الحساب وقلبه مذعور

    يخاف، يقول الله: يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً [المزمل:17]كيف أنا وأنت ذلك اليوم؟ الأمر أصعب من ذلك، بم تجيب إذا سُئلت هذا السؤال؟ ماذا كنت تعمل؟ ماذا تقول؟ أعد من الآن الجواب.

    وأنت الآن في الدنيا إذا مت وفارقت الحياة عند القبر، وقيل لك: ماذا كنت تعمل؟ وقلت لهم: كنت مديراً، هل ينفعك هذا؟ كنت ملازماً، طبيباً، وزيراً، أميراً، ملكاً، رياضياً، نجماً، روائياً، مطرباً، كل هذه لا تنفعك، عندك شيء ثانٍ، ابحث عن غير هذه الوظائف، هذه كلها تنفعك هنا في الدنيا، لكنها عند الموت لا تسقي صاحبها شربة ماء.

    يقولون: ماذا كنت؟

    كنت مصلياً، قواماً في الليل، صواماً، آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، تالياً لكتاب الله.

    هل كانت مخافة الله بين عينيك، فترى عذاب الله دائماً، كأنما لا يعذب في الدنيا إلا أنت، أم أنك تقتحم الذنوب والمعاصي كأنك ضد النار.

    فالذي يرى أعمال بعض العباد يقول: إما أن هؤلاء ضد النار أو أنهم مكذبون بالنار، فإن كانوا هم ضد النار فليجربوا وليأخذوا عود كبريت، لا نقول: يأخذوا جمرة، ولا تنوراً كبيراً، ولا النار الكبيرة التي يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سمع وجبةً وهو مع بعض أصحابه فقال: (أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إن هذا حجر ألقي من شفير جهنم منذ سبعين خريفاً والآن وصل).

    ولما نزل قول الله عز وجل: النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [البقرة:24] قال رجلٌ: (يا رسول الله! أحجارة جهنم كحجارة الدنيا؟ -أي: مثل الجبال هذه- قال: والذي نفس محمد بيده! لصخرة من صخر جهنم أعظم من جبال الدنيا بأسرها) ويذكر الإمام السيوطي في صحيح الجامع حديثاً يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إن مقعد الكافر في النار كما بين مكة والمدينة- أربعمائة وعشرون كيلو متراً، هذا الكرسي للكافر في جهنم، وهذا ذكره في صحيح الجامع-: وإن ضرس الكافر في النار مثل جبل أحد ) وهذا الضرس! فكيف بالرأس الذي فيه اثنان وثلاثون ضرساً.

    والجسم له سبعة جلود؛ لأن الله يقول: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [النساء:56] لأن وسائل الإحساس في الجلد، فلو احترق هذا الجلد وما بُدل فلن يحس بالنار، فالله يبدل الجلود، لكي يستمر الإحساس بعذاب النار، وأنت عندما تدخل الإبرة في جلدك، تحس بها في أول الوخزة؛ لكن بعدها لا تحس؛ لأن وسائل الإحساس جعلها الله في خارج الجسد، حتى يحمى الجلد، بحيث تحس بأي شيء، لكن إذا لم يوجد إحساس فإنه يمكن لشخص أن يؤذيك، ويخرج دمك، وأنت لم تحس، وهذه من حكمة الله.

    سبعة جلود ما بين الجلد والجلد مسيرة ثلاثة أيام، وغلظ الجلد مسيرة ثلاثة أيام، ومن شدة الإحراق تبدل في كل يوم أربعمائة مرة، فستسأل في ذلك اليوم: ماذا كنت تعمل؟ وهناك: يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:52].. وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [الشعراء:227].. وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر:47] ما لم يكن يخطر في باله من العذاب، شيء لا يتصوره العقل إذا سقطوا في الإجابة على هذا السؤال.

    فمن الآن صحح المسار، واضبَّط العمل، واعرف أنك عن كل شيء مسئول، والله يقول: وَقِفُوهُمْ [الصافات:24] أي: قفوهم في عرصات القيامة: إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ [الصافات:24] أي: مناقشون ومحاسبون: مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ [الصافات:25-26] فليس هناك أنصار، ولا شيع، ولا أحزاب، ولا قوميات، ولا معسكر شرقي، ولا معسكر غربي، إنما بعضهم يلعن بعضاً: كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً [الأعراف:38] إذا تجمعوا: قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ [الأعراف:38] فكل جماعة تقول: هؤلاء الذين أضلونا لينالوا ضعف نصيبهم لكن: قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:38] نعوذ بالله وإياكم من النار.

    فأعد لهذا السؤال جواباً، واجعل هذا السؤال بين عينيك: عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:93] فإذا أردت أن تسهر في الليل، فاسأل نفسك: هل هذا العمل ستجيب عليه ورأسك مرفوع، أم منكوس؟ فإن كان مما تفخر به بين يدي الله فاعمله، وإن كان مما تخجل منه بين يدي الله فكف عنه: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ [الصافات:24]... فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:92-93].

    النفس بين المجاهدة والدعة

    النفس أيها الإخوة! تحب الدعة، وتكره القيود، تحب اللعب والغفلة، وأنت تعرف نفسك إذا أعطيتها لعبة، فإنك تبذل فيها أربع أو خمس ساعات لا تمل ولا تكل، لكن أعطها كتاب علم أو آية أو حديثاً تضيق، لكن ما هو موقفك أنت أمام نفسك؟ هل الانهزام أم السيطرة؟ اسمعوا لهذه الآية الكريمة: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ [النازعات:40] وماذا؟ وَنَهَى [النازعات:40] لم يستسلم وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى [النازعات:40] الهوى هو: الكيف الذي يقولون الآن: أنا على كيفي، وأنا على هواي، وأنا حر. أنت حر لكن سوف تندم فيما بعد، وعلى هواك الآن وعلى كيفك، لكن إذا دخلت الحفرة فأنقذ نفسك هناك، والله ستذهب الحرية والكيف والهوى، وتتمنى لو ترجع كي تلغي كيفك، وتشطب على هواك، وتبعد حريتك، وتعلن عبوديتك وخضوعك لربك فتستسلم؛ لكن لا تجاب إلى هذا، وهل أجيب إنسان على هذا الطلب؟!

    يا إخواني! لماذا لا نستقرئ التاريخ، فمنذ آدم عليه السلام إلى يومنا هذا، هل وجد شخص طلب الرجعة وأرجعه الله؟ لا. إذاً لماذا نماطل في العمل، حتى يصير الإنسان إلى هذا المصير الأسود؟ -أعوذ بالله وإياكم منه- فالنفس تحب الدعة، ليكن موقفك من نفسك السيطرة، والحديث صحيح في سنن الترمذي : (الكيس من دان نفسه) دانها أي: غلبها وسيطر عليها؛ لأن النفس مثل الحصان، إن ركبته قادك، وإن أطلقته داسك ثم ركب عليك، وكثير من الناس الآن هو مطية نفسه، نفسي تقول لي! عقلي يقول لي! كيفي يقول لي! لكن عندما يكون عبداً لمولاه وخالقه، فنفسه تمشي مثل الحمار تحته، فيأمر نفسه بالصلاة فتنصاع له، وتدغدغه للدخان فينهاها؛ لكن الذي نفسه ركبته، فإذا رأى (سيجارة) قام إليها متلهفاً، وإذا سمع الأغنية أصغى لها، وإذا رأى فتاة ضيع دينه؛ لماذا؟ لأن نفسه مسيطرة.

    أما المؤمن المسيطر على نفسه فلا: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:40-41] نسأل الله وإياكم من فضله: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت) الكيس في اللغة: العاقل الفطن اللبيب، صاحب العقل والنظرة البعيدة، ومن سيطر وقهر وغلب نفسه، وعمل لما بعد الموت، فالدنيا في يده والدين في قلبه، والآمر هو الدين، والدنيا هي المأمورة، ولذا تمشي كلها في طاعة الله، يأتيه المنصب يقبله لكنه يسخره في دين الله، تأتيه الأموال يأخذها لكنه ينفقها في سبيل الله، يأتيه الأولاد يقبلهم لكنه يربيهم على طاعة الله، الزوجات كذلك يربيهن على طاعة الله، كل شيء في حياته يسخره في هذا الاتجاه؛ لماذا؟ لأن الآمر هنا (عمل لما بعد الموت) رفع نظره وعلا ببصره إلى ما بعد هذه الحياة.

    والخامل العاجز الكاسل الفاشل من أتبع نفسه هواها، والشيطان يأخذه من زبالة إلى زبالة، من زبالة الغناء إلى زبالة الزنا، إلى زبالة اللواط، هذه زبالات وقاذورات من تلطخ بها هنا فلا تنظفها إلا النار، إلا من كان يتنظف منها هنا، لكن من توسخ بهذه القاذورات، ثم لقي الله وهو ملطخ بها فأين نغسله؟ لا يوجد في الآخرة إلا مغسلة واحدة، اسمها: جهنم ينظف فيها، فإن كانت الأوساخ عالقة -أي: سطحية- نظف بقدرها، ثم يخرج جوهرة، ويذهب إلى الجنة إن كان موحداً، وإن كانت هذه الأقذار والأوساخ عميقة داخلة في قلبه من كفر ونفاق -والعياذ بالله- يخرجه من الدين، فهذا لا يطهره شيء وإنما يقعد فيها حتى أبد الآبدين.

    والعاجز -والتعبير عنه بالعاجز يدل على أنه إنسانٌ شهواني، ضعيف الإرادة، خسيس النفس، عاجز الهمة، لا يصلح للجنة- إنما نظر بعينه الهابطة، فلم يرفع نظره، ولو رفعه لرأى الحور العين، وعندما يرى الحور العين يقول:

    تهون علينا في المعالي نفوسنا     ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر

    ونحن أناس لا توسط بيننـا     لنا الصدر دون العالمين أو القبر

    فهو عندما يرفع نظره، ويرى الحور العين، ويرى القصور العالية والأنهار الجارية، والثمار الدانية، ويتذكر أنه في يوم من الأيام سوف يدخل هذه الجنة، وفي يوم من الأيام سوف يدعى إلى سوق المزيد، وفي يوم من الأيام سوف يدعى للمحادثة مع الله عز وجل، والمكالمة مع ربه، كما جاء في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة النصف لا تضامون في رؤيته) وكما جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما منكم إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان) هذا المؤمن، أما العاجز فلا يستطيع؛ لأنه أَتْبَع نفسه هواها، ومع عجزه وضعفه وخسته ودناءة نفسه -أيضاً- يتمنى على الله الأماني، ويقول: أريد الجنة، تريد الجنة! الجنة لها طلاب، والطريق شاق.

    يقول ابن القيم في الجواب الكافي وفي الفوائد: يا مخنث العزم! الطريق شاق، والعقبة كئود، قذف فيه في النار إبراهيم، وعرض فيه على السكين إسماعيل، وألقي فيه في الماء يونس، وشج فيه وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وبنيت عليه جماجم الشهداء، لو عرف من قتل في سبيل الله لسالت منه الجبال رءوسهم.

    وهذا على المعاصي أربعة وعشرين ساعة، وهو يقول: الله غفور رحيم، إن شاء الله نحن على خير، يحسن الظن بربه ويسيء العمل مع الله.

    يقول الحسن البصري في هذا: [إن قوماً غرهم حسن الظن بالله حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم -يقولون: نحسن الظن بالله- كذبوا والله لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل] لكنهم أساءوا الظن بالله، وظنوا أن الله يجزي الجنة على المعاصي فأساءوا العمل وهذا من سوء الظن بالله، أن تظن أن ربك يعطيك على السيئة حسنة، وهو يقول: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النمل:89-90].

    فمن الآن يا أخي! لا تستسهل شيئاً ولا تستبسطه، تقول: لا أريد الدخان؛ لكن أريد الشيشة أخف منه، فليس هناك خيارات، ولا يوجد بدائل ولا أنصاف حلول، هناك إيمان وكفر، هناك إسلام، وهناك معاصٍ ونفاق، فأنقذ نفسك يا أخي! من الغيبة والنميمة والورق واللعب والمنكرات، وكن عبداً ربانياً، والتحق بربك، ولا تعمل عملاً يسوؤك غداً أن تراه.

    يقول الحسن البصري رحمه الله: [اكنـز ما تود وتحب أن تراه] أما أن تكنـز عقارب وحيات وجمراً فهذا لا ينبغي، بل لا بد أن تكون من أهل الإيمان، الذين يعرفون كيف يغتنمون هذه الحياة، ولا يفرطون في شيء، محافظين على أمر الله عز وجل، هذا هو السؤال الأول.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088521444

    عدد مرات الحفظ

    777100583