إسلام ويب

دور رجل الأعمال في الدعوة إلى اللهللشيخ : سعيد بن مسفر

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في محاضرة الشيخ حفظه الله في الغرفة التجارية وجه نصائح وتوجيهات للتجار، ابتدأها بذكر الحكمة من خلق الإنسان، ثم انتقل للحديث عن الدعوة إلى الله: من حيث مسئولياتها، وأولوياتها، وموقفنا من الدعوات المنحرفة، وتطرق إلى أهمية التجار في الدعوة قديماً وحديثاً، ثم تكلم عن أسس مهمة من أسس الدعوة، منها: الشعور بالمسئولية، والتخطيط السليم ببرامج مدروسة والتهيئة العلمية والنفسية، واستغلال الطاقات البشرية ... ثم تحدث عن توجيهات مهمة تتضمن حقيقة الاستثمار والإنفاق، وبعض أحكام التجارة ...
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    وبعد:

    أيها الأحبة: هذا الموضوع هو عن دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله عز وجل، وهو موضوع هام؛ لأنه يتناول شريحة من شرائح المجتمع تملك إمكانات وقدرات لو سخرتها التسخير الشرعي الصحيح لحقق الله عز وجل على يديها الخير الكثير والنصر المبين لهذا الدين العظيم.

    وقبل أن أبدأ بطرح هذا الموضوع أود أن أعطي فكرة عما يغيب عن أذهان الناس في هذا الزمان في معظم بقاع الأرض عن الغاية والهدف الذي من أجله خلقهم الله سبحانه وتعالى، وفي ظل غياب هذه الأهداف فقد الإنسان قيمته، وأصبح يعيش حياة بدون معنى؛ لأنه لا يدري لماذا يعيش، وحينما تضيع هذه الأهداف أيضاً يستغرق الإنسان في متع الحياة ولذائذها وشهواتها، ويقضي عمره ولم يشبع من هذه الشهوات.

    لقد ظن قوم أن الهدف هو المتاع فتنافسوا عليه، وسقطوا بهذه الاهتمامات من كرامتهم التي أرادها الله عز وجل لهم، إذ أن من يعيش وهمه الشهوات إنما يعيش بعقليات البهائم التي لا هم لها إلا هذه الأمور، ولذا فالكفار مهما بلغوا من التقدم والرقي المادي إلا أن اهتماماتهم هي اهتمامات البهائم، يقول الله عز وجل فيهم: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ [محمد:12] ويقول عز وجل: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] ليتهم مثل الإنعام لكنهم أضل من البهائم والأنعام؛ لأن تفكيرهم مثل تفكير البهائم، أي إنسان منهم تسأله: لماذا تعيش ؟ فسيقول: لآكل، لأشرب، لأتمتع.

    إن البهائم لو استطعنا الآن أن نتكلم معها وقلنا: ما هي اهتماماتها؟ ما هي آمالها في الحياة؟ لوجدنا نفس الاهتمامات مع فرق نوعي.

    أي أن الإنسان باعتبار أنه إنسان عنده عقل وتفكير وقدرة على الإبداع والاختراع والإيجاد استطاع أن يطور نفسه، بحيث يسكن في ناطحات السحاب، ويسبح في الفضاء، ويطوع المادة لخدمة نفس الأهداف التي تهدف إليها البهائم.

    وخسر الإنسان -حقيقةً- قيمته وكرامته التي أرادها الله وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء:70] بماذا كرمه الله؟ بهذا الدين العظيم.

    وظن آخرون أن الله عز وجل خلق هذه الحياة عبثاً، وقد أبطل الله سبحانه وتعالى هذا الظن، وكذَّب هذا الزعم، وقال في كتابه الكريم: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ [المؤمنون:115-116] تعالى الله عن العبث! لا إله إلا هو! ويقول عز وجل: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً [ص:27] يعني: عبثاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [ص:27] ويقول عز وجل: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ [الأنبياء:16] يعني: عابثين لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [الأنبياء:17-18].

    ثم إن الناظر والمتأمل في الكون وسماواته وأرضه وشمسه وقمره ونجومه وكواكبه وبحره وبره وأنهاره وأشجاره وما بث الله فيه من المخلوقات، ما فيها من الدقة والتدبير والحكمة والتقدير من أصغر جزء في المادة وهو الذرة إلى أعظم جزء في الدنيا وهي المجرة يشهد أنها خلقت كلها لحكمة.

    إذاً: ما هي الحكمة التي خلق الله الناس من أجلها؟ وهل بإمكان الناس أن يعرفوها من عند أنفسهم؟ لا. مهما كان ذكاء الإنسان، ومهما كانت عبقريته لا يستطيع أن يعرف لماذا خلق.. لماذا؟ لأنه لم يخلق باختياره وإنما جيء به، لو أنه جاء باختياره لعرف لماذا جاء، لكن يجاء به من غير اختيار، لا يدري من الذي جاء به، وهل أُخذ رأيك -أيها الإنسان- يوم خُلقت، وهل أنت جئت باختيارك؟ لا إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ [الإنسان:2] لماذا خلقك؟ أنت لا تعرف! فمن الذي يعرف؟ الذي خلقك، فاسأل الله لماذا خلقك؟

    وأنا جئتكم الآن من مكة باختياري، ولذا لو سألني أحد في الطريق: إلى أين؟ لقلت: إني ذاهب إلى جدة، إلى الغرفة التجارية، لدرس أو محاضرة. لكن لو أنني خرجت من بيتي ووقفت عندي سيارة، ونزل منها رجال مسلحون متنكرون، وأداروا أكتافي ووضعوا القيد في يدي ورجلي، ووضعوني في سيارتهم، وذهبوا بي إلى الصحراء أو الجبال ورموني في حفرة أو كوخ، ويأتي شخص ويسألني: لماذا أنت هنا؟ ماذا أقول له؟ أقول له: لا أدري. لأني أُخذت، وكذلك أنت أيها الإنسان! لماذا جئت؟ لا تدري!

    عبادة الله هي الحكمة من خلق الإنس والجن

    أيها الإخوة! لقد كانت وظيفة الأنبياء والرسل من أولهم إلى آخرهم بيان الحكمة التي من أجلها خلق الله الناس، ما جاء نبي يدعو الناس إلى الإيمان بوجود الله؛ فإن وجود الله مما استقر في فِطَرِ الناس، فقد فَطَرَ الله الناس على الإيمان بوجوده، يقول الله: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الروم:30] إن الله حينما خلق الإنسان فطره على الإيمان به، ولهذا (كل مولود يولد على الفطرة) فطرة الإسلام، لكن المسخ والتغيير يأتي من المؤثرات، وعَبَّر الحديث بقوله: (فأبواه) لأن التأثير الأكبر إنما هو للأبوين، لكن اليوم لم يعد الأبوان فقط، بل الأبوان وشياطين كثر يؤثرون في حياة الناس.

    فالأنبياء والرسل كل رسالاتهم تبين لماذا خلقك الله، يقول عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] ويقول عز وجل: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ [النحل:36] ويقول عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] والحصر بين (ما) و(إلا) يفيد أن الغرض هو العبادة فقط، ما خلَقَنا الله لنأكل ونشرب ونتوظف ونبني ونتزوج.. بل لنعبد الله فقط، ولا يعني هذا أننا لا نأكل ولا نشرب ولا نتزوج أو نتوظف.. لا، نحن نأكل ونشرب ونتزوج وندرس ونتوظف ونبني ونسكن لنعبد الله، كل هذه إنما هي وظائف جانبية أو هامشية مساعدة تُسخر لخدمة الغرض الأساسي وهو العبادة، لكن -وللأسف الشديد- انشغل الناس بالأهداف المساعدة عن الهدف الأساسي الذي من أجله خلق الله الإنسان.

    وأذكر أنني كنت قبل سنوات مسافراً من أبها إلى مكة عبر طريق الساحل، ثم وقفت أتزود بالوقود من إحدى المحطات، وبينما أنا أقف وإذ بي أحس بالسيارة ترقص! فنظرت فإذا تسجيلات غنائية ينبعث منها موسيقى غربية يسمونها (الديسكو) عبر سماعات من أضخم ما يكون ترج الأرض رجاً، وإذا بسيارتي ترقص وأنا أرقص، فأطفأت السيارة ونزلت وقصدته، فلما رآني خفض صوت الموسيقى، وأنا أرى الأشرطة تتراقص على الرفوف من قوة الصوت، فلما دخلت سلمت عليه ورد علي، قلت له: يا أخي! يقول الله عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا [الذاريات:56] وسكتُّ! فقال: لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] قلت: أأنت متأكد؟ قال: نعم. قلت: إلا ليعبدون أو إلا ليلعبون؟ قال: أستغفر الله يا شيخ! إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]. قلت: أسألك بالله لو كان هكذا كما تفعل أنت يكون إلا ليعبدون أو يلعبون؟ فسكت. قلت: أخبرني؟ قال: لا والله -يا شيخ- يلعبون. قلت: ليتك تلعب بمفردك، إنك تلعب وتجعل الأمة تلعب، ما من شريط يباع من دكانك هذا إلا وعليك إثمه إلى يوم القيامة، إن الله خلق الناس للعبادة وأنتم جعلتموهم يلعبون ولا يعبدون الله. قال: حسناً، وماذا أصنع يا شيخ؟ قلت: يا أخي غيِّر هذا النشاط، مجالات الرزق كثيرة، أما وجدت إلا هذا المجال الخبيث الذي يضر دينك وعقيدتك، تصرف الناس عن الله، وتقطع الطريق بين العباد وبين خالقهم، وتنشر الباطل؟! قال: إن شاء الله. وذهبت وتركته.

    ومرت سنوات وأتيت في مناسبة أخرى، وتعمدت أن أقف عند تلك المحطة لأرى أتلك البذرة نفعت أو لم تنفع؟ ووقفت ونزلت إلى الدكان، وإذا ببقالة وإذا بالرجل نفسه، فسلمت عليه، ولم يعرفني، قلت: يا أخي الكريم! يقول الله عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا [الذريات:56] وسكتُّ! قال: هو أنت؟ قلت: هو أنا، ويقبل عليَّ ويسلم عليَّ، ويقول: جزاك الله خيراً يا شيخ! والله من ذلك اليوم ما بعت شريطاً واحداً، وقد خلف الله علي برزق وبركة وأمن وراحة في قلبي، من قبل كنا -والله- بالفعل نطرب ونسمع الأغاني ونكسب، لكن هنا شيء مثل النار في قلبي لست راضياً عنه -يعرف أن هذا العمل سيء وأنه سوف يُسأل عنه إذا مات- لكن الآن قلبي مستريح مطمئن، لا أبيع إلا الحلال ولا أمشي إلا في حلال. قلتُ: الحمد لله.

    شمولية العبادة لجزئيات الحياة

    تأمل لم خلق الله الناس؟ أليس للعبادة؟ بلى، ولكن بمفهومها الشرعي الواسع الشامل الذي ينظم كل جزئية من جزئيات حياتك، ليست العبادة -أيها الإخوة- محصورة فيما يفهمه الناس أنها الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، هذه أركان العبادة وأسس الدين، لكن العبادة كما يعرفها شيخ الإسلام ابن تيمية : (اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة). أفعالك تتحول كلها عبادات، حتى جعل النبي صلى الله عليه وسلم إبعاد الأذى عن الطريق صدقة -وإن كان عمل البلدية!- وجعل تبسمك في وجه أخيك صدقة، بل أعظم من هذا، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه في يوم من الأيام: (وفي بضع أحدكم صدقة) فتعجب الصحابة! كانوا يظنون أن الصدقات تكون في الجهاد والإنفاق في سبيل الله، كيف يأتي الرجل زوجته ويكون له بذلك أجر من الله عز وجل؟! قالوا: (أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر؟! قال : أرأيتم إن وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: وكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر). هذا الدين عظيم يتيح لك الفرصة للدخول على الله من كل ميدان.

    هذا المفهوم للعبادة حملته الرسل، ولا تأتي أمة إلا ويبعث الله فيها رسولا، قال عز وجل: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر:24] وقال: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ [الرعد:7] وقال: رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً [النساء:165] هؤلاء الرسل يُرسلون إلى الأمم، وكلما انقرضت رسالة وخلت الأرض من الهدى بعث الله رسولاً بنفس المبدأ والمنهج، المنهج واحد: وهو دعوة الناس إلى عبادة الله وحده وتوحيده، وإن اختلفت الشرائع من رسالة إلى رسالة، كما قال عليه الصلاة والسلام: (نحن معاشر الأنبياء أولاد علات، ديننا واحد وأمهاتنا شتى) الرسالة واحدة وهي التوحيد، والشرائع مختلفة لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً [المائدة:48] إلى أن ختم الله عز وجل الرسالات برسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم وليس بعده نبي، قال: رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40] ومن ضمن عقيدة المسلم أن يؤمن بأنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ومن اعتقد أن هناك نبياً يبعث بعد محمد صلى الله عليه وسلم فقد كفر؛ لأنه كَذَّب ما هو معلوم من الدين بالضرورة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088533829

    عدد مرات الحفظ

    777177609