الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، نحمده جل جلاله، وأثني عليه الخير كله بما هو أهله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وإمامنا محمداً عبد الله ورسوله، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين. أهلاً بهذه الوجوه الطيبة المباركة، والوجوه المتوضئة الراكعة الساجدة التي أسأل الله جعل وعلا أن يجعلنا وإياكم ممن وفقهم الله وهداهم لما فيه صلاحهم وفلاحهم إنه على ذلك قدير. ثم أحيي على وجه الخصوص فضيلة الشيخين الكريمين: فضيلة الدكتور جابر بن علي الطيب أثابه الله.
وفضيلة الشيخ سعيد بن مسفر حفظه الله، الذي لا يخفى على الجميع. وأسأل الله جل وعلا أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه.
ونحن أيها الأحبة! نتحدث حول هذا الأمر، العظيم الذي ربما لا يكاد يوجد بيت لا يخلو من هذا الأمر، ألا وهو أسباب المشكلات الزوجية، ثم يكون العلاج إن شاء الله في الأخير، وأسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم ممن وفقهم الله وهداهم.
أيها الأحبة! فليتحدث أولاً: فضيلة الدكتور جابر حفظه الله عن أسباب هذه المشكلات التي تحدث وتقع.
وهذه المشكلات في الحقيقة إذ أنها كثيرة، فمن أبرزها وأهمها: المخالفات الشرعية، ثم الغيرة التي تحصل من الطرفين، أو من أحدهما، ومن هذه الأمور الكثيرة التي تكون أسباباً وهي في الحقيقة كثيرة، العيوب الزوجية من الزوجين أو من أحدهما، وكذلك الزواج من الأقارب، وغلاء المهور، ففضيلة الدكتور جابر حفظه الله نود أن يحدثنا حول هذه الأمور وجزاه الله خيراً.
كلمة الشيخ جابر الطيب:
الحمد الله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أحمده سبحانه وأشكره، وأستغفره وأتوب إليه، وأسأله التوفيق والهداية، والسداد والرشاد في الدنيا والآخرة، ثم أصلي وأسلم على نبينا محمد بن عبد الله، نبي الرحمة والهدى والصلاح، صاحب الحوض المورود، والمقام المحمود، والشفاعة العظمى، فصلوات الله وسلامه عليه على آله وأصحابه أجمعين.
وبعد:
فقد سمعتم ما ذكره الشيخ جزاه الله عنا وعن الجميع خير الجزاء في الدنيا والآخرة، وذكر أن هناك مشاكل قد تحصل بين الزوجين، وقد تكون هذه المشاكل ظاهرة، وقد تكون باطنة لا يطلع عليها إلا الله سبحانه وتعالى، وأحب أن أقدم بكلمة عن الزواج، وأن الله سبحانه وتعالى قد شرعه لبني الإنسان، لكي يحفظوا أنفسهم، ولكي يعمروا هذه الدنيا، كما اختارهم الله سبحانه وتعالى لعمارتها، وللقيمومة فيها، فالشباب في حاجة ماسة إلى الزواج.
ولكن هناك من الموانع ما يحول بين الشاب وما يشتهي:
منها: أنه إذا بلغ الشاب الحلم وأصبح رجلاً يصح أن يكن زوجاً يقول في نفسه أو يقول له أهله: ما زلت في عنفوان الشباب وفي ريعان الصبا، فاصبر حتى تكمل رجولتك ونزوجك إن شاء الله، وهذا عندي أنه خطأ فيما أعتقد، وأن هذا من الأخطاء الشائعة بين الناس، فزواج الصغير يحفظه من المعاصي إذا كان عند أهله من المال ما يجعلهم يزوجوه، أما إذا كانوا فقراء فهم معذورون، ولكن إذا كان الله سبحانه قد وسع عليهم، فخيراً لهم أن يبادروا إلى تزويجه ممن يرضون دينها وأهلها وأمانتها وتقواها، وبعضهم يسوِّف ويقول: سوف أتزوج إن شاء الله إذا انتهت دراستي وأمنت مستقبلي، حتى أعيش أنا وزوجتي في أمن واستقرار وحياة سعيدة مملوءة بالخيرات والأرزاق.
وإذا توظف هذا الخريج بعد أن يبلغ من العمر خمساً وعشرين عاماً ونحو ذلك، فإن وظيفته قد تكون بسيطة، وقد يكون مرتبه الذي يتلقاه من ولي الأمر لا يقوم بشئون حياته كاملة، فقد يعول أبويه أو أيتاماً خلفهم أبوه -مثلاً- أو نحو ذلك، فإذا قدرنا راتبه خمسة آلاف ريال أو أربعة آلاف ريال، فقد يكون إيجار الشقة في الشهر ألف ريال -مثلاً- ولا بد أن يأخذ أشياء بالتقسيط، هذه السيارة يدفع عنها كل شهر ألفين أو نحو ذلك، ويبقى له ألفان أو نحو ذلك، فإذا بقي الألفان هل يدخل بها بيته أم ماذا؟
فإذا قلنا: إنه سيوفر في كل شهر خمسمائة ريال، والمهر لا يقل عن مائة ألف ريال، إلا أن يشاء الله، وهو لا بد له من قصر أفراح ومما يفعله الناس في زماننا هذا من المباهات والمبالغة في الذهب وغير ذلك، فإذا قدرنا أن تكلفة زواجه مائة وخمسين ألف ريال، فينبغي عليه أن يمون ذلك ثلاثمائة شهر، وهو عمر طويل، معناه يوفر مائة وخمسين ألف ريال في ثلاثمائة شهر، كل شهر خمسمائة ريال، وإذا قلنا: ألف ريال ويفرفها في أقل من ذلك بقليل، فإذا كان ألف ريال، وهكذا، مائة وخمسين شهر، فهذا قد يصعب عليه، ولا يبلغ حد الزوج إلا وقد عُمِّر طويلاً؟ ولهذا فإن غلاء المهور من الأسباب الشائكة التي تحول بين المرء وبين الزواج.
العنصر الثاني: قد يكون الشاب لا يبالي بالزوجة، يقول: إذا تزوجت كتَّفت نفسي، وحبست حريتي وأصبحت مسئولاً مسئولية كاملة عن الزوجة وأولادها وأنا حر طليق، أنطلق في أرض الله الواسعة فلا أشغل نفسي، فإذا تزوجت وأنا في هذا السن فسوف أصبح أسيراً للمرأة، تحبس حريتي، وتمنعني من الإنطلاق في هذه الحياة، إذا تأخرت في الليل قالت: أين كنت؟ ومن أين أتيت؟ وإذا ما أعجبها شيء تقول: ما هذا الذي أتيت به؟ وهكذا، فأصبح مغلول اليدين والرجلين، فلهذا لا أتزوج.
العنصر الثالث: يكون زواجاً مطلقاً قد يكون وسع الله سبحانه وتعالى عليه وأغناه، وأكثر ماله، لهذا يتزوج في السنة مرة أو مرتين، كما علمنا أن أناساً من هذا النوع وسع الله عليهم بالمال، فأصبح ديدنهم وهمهم أن يتزوجوا باستمرار؛ لكي يتمتعوا بالنساء، ثم يطلقوهن بعد حين، بعد سنة، أو أقل من سنة، وهذا لا يجوز، ولا ينبغي له أن يفعله أبداً إذا كان في قلبه إيمان، إمساك أو تسريح بإحسان، إما أن يمسك الزوجة الصالحة، وإما أن لا يأتي إليهم، فكثير من الأغنياء من الذين وسع الله عليهم، يتزوج من هنا ومن هناك ومن كل مكان؛ ليمتع نفسه بهذه الحياة، وهذا لا ينبغي.
وبعضهم يكون ممن أضله الشيطان من الشباب، فهو كلما جمع شيئاً من النقود، سافر بها إلى القارات، مرة هنا ومرة هناك، يتتبع الحرام، ينام في أحضان المومسات -والعياذ بالله- ويبحث عن الزنا أينما كان، يعجبه ذلك ويطربه، ولهذا لا يقر له قرار ولا يقوم مقام في وطنه، وإنما جل همه أن يذهب إلى القارة الفلانية، فيها من النساء كذا وكذا، وفيها من المومسات كذا وكذا، ويعلم أن ذلك يغضب الله أولاً قبل كل شيء، ثانياً: عنده من الأمراض الخبيثة كالإيدز -والعياذ بالله- وكقمل العانة، وكالسيلان، ونحو ذلك -والعياذ بالله- يظلم نفسه بالإثم العظيم، الذي حرمه الله سبحانه وتعالى ورسوله، حرمه الله في القرآن عندما ذكر صفات المؤمنين، قال في آخر سورة الفرقان: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ [الفرقان:68-70] فمن تاب ورجع إلى الله فهو على خير، هذه هي بعض الأشياء يفعلها الشباب ويبتعدون عنها ويأبون أن يتزوجوا من هذا النوع.
أما العيوب فهي كثيرة، إما أن تكون في المرأة وإما أن تكون في الرجل.
أما عيوب المرأة: فهي العفق والقرن والرتق، فهذا يكون في المرأة، أما العفق: فهو لحم يكون في الفرج يمنع من التمتع بها من زوجها، وهذا في حق المرأة -ولا حياء في الدين إذا قلت هذا الكلام وهذا شيء لا بد أن نوضحه- فالعفق: هو لحم يأتي في فرج المرأة فيمنع سلوك الذكر في الفرج، وهذا عيب من العيوب، وللزوج أن يفسخ النكاح، إذا لم يكن يعلم به قبل عقد النكاح، أما إذا علم بعد عقد النكاح وقد اختلى بها، فإن لها بعض المهر، وأما إذا علم به قبل الزواج وأقدم عليها بطوعه واختياره فقد لا يكون هذا في حقه عيباً.
أما القرن: فقد يظهر في فرج المرأة، مثل قرن الشاة يسمى القرن.
أما الرتق: فقد تكون المرأة رتقاء، أي: أن فرجها لا مسلك فيه للذكر، أي: كالمخيط، أو نحو ذلك، هذا في عيوب المرأة.
ومن العيوب التي تكون عند الرجل والمرأة الجذام، والبرص والغائط أثناء الجماع، أو نحو ذلك، وهذه العيوب يشترك فيها الرجل والمرأة أما عيوب الرجل فهي: العنة، أن يكون عنيناً أي: لا ينتشر ذكره والعنة يستحق بها فسخ النكاح، إذا كان هناك قاضٍ يحكم عليهم ويمهلهم سنة كاملة من تاريخ المحاكمة، إذا تحاكمت المرأة إلى القاضي هي وزوجها، وقالت: يا شيخ: إن هذا لا يفعل شيئاً مما يفعله الرجال، فإذا اعترف الرجل أمهله سنة كاملة من تاريخ المحاكمة، يمر على الفصول الأربعة: الشتاء والصيف والخريف والربيع، حتى إذا ما وفق في هذا الفصل، فالفصل الذي يأتي يكون أحسن من الأول. حتى إذا انتهت السنة ولم يفعل شيئاً، يفسخ النكاح بدون مقابل، وليس له شيء من حقه الذي دفعه لها.
ثانياً: أن يكون مجبوباً، إنسان اُعتدي عليه وجب ذكره، أو خصاه، هذا أيضاً عيبه شرعي، والثالث: العاق، كان طيباً معافىً سليماً لا عيب فيه، وفي أثناء الزواج جاءه العيب حتى أصبح ذكره لا ينتشر فهذا يسمى العاق، وهو مرض عرض له، كذلك هو بالخيار، إن جلست معه فلها ذلك، وإن طلبت الفسخ يفسخ نكاحها بدون أي شيء، هذه هي عيوب الرجل وعيوب المرأة.
كذلك الجذام إذا رأيت امرأة فيها جذام -عافانا الله وإياكم- أو في الرجل فإن كلاً منهما له أن يفسخ نكاح الآخر خوفاً من العدوى لا سمح الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة، ولا هامة ولا صفر). لكن الرسول لما جاءه وفد ثقيف وكان معهم أجذم، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ارجع إلى وطنك فقد بايعناك) معناه: لا يرغب في مقابلته عليه الصلاة والسلام، وفي الأثر: (فر من المجذوم فرارك من الأسد). أما العيضة فهو خروج الغائط منها أو من الرجل أثناء الجماع، فإذا اختلفا وقالت المرأة: إنه من الرجل فقال هو: بل. يظهر أنه منك، فيؤكل القاضي أحدهما أو كليهما من الثوم أو نحو ذلك حتى ينظر من سيخرج منه الثوم فإن خرج منه شيئاً فمعناه أنه مصاب بهذا المرض، وإن لم يخرج منه فإنه يأكل مرة أخرى، وإن خرج منها هذه الرائحة فالعيب فيها، وهكذا.
وإذا كانا معيبين جميعاً مجذومين مثلاً هي جذماء وهو أجذم، أو هي برصاء وهو أبرص، فاختلف العلماء في هذا، فقالوا: ما دام عيبهما واحداً فليس لأحد منهما الخيار في الفسخ؛ ولكن الصحيح والصواب أن لهما الخيار؛ لأن الإنسان لا يرى عيب نفسه؛ كما يرى عيب غيره، والإنسان يتأذى من غيره ولا يتأذى من نفسه.
هذا وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
شكر الله لكم وأثابكم ووفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
نعم في الحقيقة أن أسباب المشكلات كثيرة بلا شك، فلكثرتها أخذ الشيخ حفظه الله بعضها، وكذلك منها المخالفات الشرعية التي تكون سبباً أيضاً لهذه المشكلات، فمنها: أن تخرج المرأة من بيت زوجها من غير إذنه، كما لا يخفى بأن هذا الأمر محظور ولا يحل لها ذلك، فحينئذ يكون الخلاف بين الزوجين، ولا شك أن الذي ينبغي بل يجب على الجميع أن يمتثلوا أمر الله تبارك وتعالى في كل شيء، فلو حكموا كتاب الله جل وعلا، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم لذهبت تلك الأمور.
والآن ننتقل إلى فضيلة الشيخ سعيد حفظه الله، ويحدثنا أثابه الله عن الحياة الطيبة السعيدة بين الزوجين، وأهمية قيامها على التفاهم والمودة والرحمة، فليتفضل مشكوراً مثاباً جزاه الله خيراً.
كلام الشيخ سعيد بن مسفر :
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
أيها الأحبة في الله! الزواج سنة من سنن الأنبياء والمرسلين، جعله الله عز وجل آية من آياته الدالة عليه، يقول عز وجل في سياق عرض الآيات والدلالات التي تدل على الله عز وجل في سورة الروم: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21]. وجعله النبي صلى الله عليه وسلم سنة، وعمل بها، وحث عليها، ونادى وأمر بها، يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيحين : (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج -الباءة: النفقة- فإنه أغض للبصر) أغض هنا من أفعل التفضيل، أي: أفضل ما تغض به طرفك هو الزواج (وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) وفي الصحيحين أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا أصحابه حينما ذهب بعضهم إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وسألوا عن عبادته، فكأنهم تقالوها، لما أُخبروا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: وأين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
فكأنهم رأوا أن يزيدون، ليس كما يفعل بعض الناس الآن، يضيع الدين وإذا قلت: هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: أين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، تريد أن أكون مثل الرسول صلى الله عليه وسلم، أولئك لهم نظر أبعد، يقولون: نحن نزيد على ما كان يتعبد له النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ونحن لم يغفر لنا، أجل سوف نزيد، وهذه الزيادة خطأ؛ لأن أكمل الهدي هديه، وخير الدين دينه، وهو أعبد الناس وأعرف الناس بربه، فقال واحد منهم: أما أنا فلا أفطر أبداً -أي: يصوم الدهر- والآخر قال: وأنا لا أنام أبداً -أي: يقوم الليل- والثالث قال: وأنا لا أتزوج النساء أبداً -أتبتل وأنقطع في العبادة ولا أنشغل عن ربي بشيء من الدنيا وشهواتها، ومن أعظم مشاغلها النساء- فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بهذه المقالة نادى أصحابه وقال: (ما بال أقوام يقولون ويقولون، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له وأعلمكم به، ولكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد.
فإتيان الرجل لزوجته رغم أنه يمارس معها عملاً شهوانياً بحتاً، إلا أنه إذا أحسن النية أصبح عبادة، كأنه يصلي ويصوم ويتصدق.
فينبغي أولاً: أن يوطن الإنسان نفسه على استيعاب تلك الفروقات، وعلى احتواء تلك الفوارق بين الرجل وبين المرأة؛ حتى يحصل اندماج وانسجام، قد لا يكون في الشهر الأول ولا في الشهر الثاني، ولا في الشهر الثالث قد يكون بعد سنة، وأحياناً يكون الانسجام من أول ليلة؛ لأنه يكون الفرق بسيطاً، ولذلك ترون المرأة تسكن في بيت زوجها من أول ليلة، بل في الأسبوع الأول إذا سكنت في البيت عند زوجها وقُدمت لهم دعوة بعد أسبوع أو أسبوعين من الزواج لزيارة الوالدين، دخلت في بيت أبيها الذي عاشت فيه عشرين سنة أو خمسة وعشرين سنة وكأنها لم تعش فيه ليلة واحدة، غريبة وإذا جلست جلست وهي متحفزة هكذا لا تستريح، لماذا؟ مستعجلة تريد أن تمشي، وإذا طلب منها أو قيل لها: افعلي لنا شاي دخلت المطبخ وكأنها ما عرفته، تنادي أمها وتقول: أين أدوات المطبخ حقكم؟ عجيب حقنا! وأين أنتِ مدة حياتكِ، نسيت كل هذه الأدوات بجلسة يوم أو أسبوع في بيت زوجك، نعم. وبعدما تنتهي تراها تطالع في زوجها وفي الساعة، وتقول له: هيّا لنذهب، لكن بعض الأمهات عندها نقص في التفكير تقول: للبنت اجلسي هذه الليلة معنا، وتطلب من زوجها أن يدعها تنام معها، البنت لا تريد، والله لو تفرش لها ذهباً لا تريد ذلك، فتقول لها: نامي معنا.
تقول البنت: إن شاء الله آتي لكم مرة ثانية، لأنه لا يأتيني نوم إلا في بيتي، لماذا؟ لإنه حصل وفاق وسكن، وهذا معنى قول الله عز وجل: لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا [الروم:21] لا تسكن المرأة مع الأم، ولا تسكن نفسياً مع الأب، ولا تسكن المرأة مع الوظيفة، ولا تسكن مع الرصيد، ولا تسكن مع الشهادة، ولا تسكن مع شيء، لا تسكن إلا مع الزوج، نصف يبحث عن نصف، فإذا وجد النصف الثاني سكن.
لكن إذا وجدت المحبة فإن هذا يزيد في الألفة ويزيد في القربة، وإذا عدمت المحبة فلم تعدم الرحمة، ولهذا لما جاء رجل إلى عمر بن الخطاب يريد أن يطلق زوجته، فجاء يستشيره، فقال له عمر : [لا تطلقها، قال: لست أحبها، قال: أوكل الزواج يبنى على الحب؟ أين الرحمة] إذا ما أحببتها ارحمها، إلا إذا شعرت بعدم رغبتك فيها وحبك لها، وطلبت هي منك أن تطلقها فهذا أمر آخر؛ لأن بعض النساء تدرك أنها غير محبوبة عند زوجها، وترى أن هذا نقصاً فيها فلا تريد أن تعيش مع رجل لا يحبها.
وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ [النساء:130] فالتطابق مستحيل، ولذا يجب أن تعرف أنه لا بد أن يكون هناك فروق، وبالتالي لا بد من وجود المشاكل الزوجية، ولا يمكن أن يخلو منها بيت، ليس هناك بيت في الدنيا مثالي (100%) لا يحصل فيه خلاف، حتى أكرم البيوت، بل وأفضل بيت على وجه الأرض حتى بيت المربي الأعظم.. رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يحدث فيه بعض الخلافات، حتى ثبت في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم حصل بينه وبين زوجته وحبه -أحب الناس إليه-: عائشة رضي الله عنها خلاف، فدعا والدها -أي: دعا أبا بكر من أجل أن يصلح الخلاف، فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتكلم، قامت وقالت للنبي صلى الله عليه وسلم: [أقسم عليك بالله لا تتكلم إلا بالحق] تقول للرسول صلى الله عليه وسلم، فتدخل أبو بكر في البداية وضربها على وجهها قال: [قاتلك الله يا عدوة نفسها، وهل يقول رسول الله إلا الحق] تحلفين عليه لا يقول إلا الحق، وهل يمكن أن يقول باطلاً -صلوات الله وسلامه عليه- فشردت بعدما ضربها ولاذت بظهر النبي صلى الله عليه وسلم، فدفعه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (ما لهذا دعوناك) يقول: دعوناك لتصلح ما دعوناك لتضربها يا أبا بكر، اللهم صل وسلم على رسول الله.
فالخلاف يقع بين الزوجين، ولكنه خلاف وقتي تمسح آثاره، وتنتهي معالمه، وتستمر العشرة الزوجية، ولا يطور ولا يصعد؛ لأنه يحصل الخلاف فيستُوعب إما من الزوج أو من الزوجة.
المشكلة تبدأ مثل عود الكبريت، فماذا يحصل إذا أشعل عود الكبريت في البيت، وماذا يحصل في الأسرة؟ كلهم يسارعون إلى إطفائه، لكن إذا أشعل كبريت وقاموا كلهم ينفخون عليه ماذا يصير؟ حريق، كذلك المشكلة.
المشكلة عود كبريت يجب على الزوج أن يطفيه، والمرأة تطفيه، والأب يطفيه، والأم تطفيه، والأسرة كلها تطفيه فتخمد، لكن تشعل عود الكبريت فيشعله الرجل أو المرأة، فيأتي الرجل لينفخ فيذكي، وتأتي المرأة لتنفخ فتذكي، وتنتقل الخلافات إلى الأسرة، فيأتي أبو الزوجة، وانظروا إلى أبي بكر جاء يطفئ المشكلة، ما جاء يصعدها، فتستوعب المشاكل عن طريق التعاون بين الأسرة، وبين الأفراد حتى لا تتفاقم وتتصاعد وتتضاعف هذا شيء.
والشيء الآخر بالنسبة للمشكلة أو الخلاف الزوجي، أنها تعطي الحياة الزوجية نوعاً من التجديد والطعم؛ لأنها كما يسميها المربون، فيقولون: إن الخلاف الزوجي ملح الحياة الزوجية، إذا خلت الحياة الزوجية من الخلافات البسيطة سمجت، ولذا ترى أنت عندما تجلس أسبوعين أو ثلاثة أو أربعة، وأنت صافي لبن، ما شاء الله! لا توجد مشكلة تحس بنوع من الملل، لكن عندما تحصل مشكلة، وتغضب أنت وتغضب هي وتجلس يومين أو ثلاثة وبعد ذلك تتقابلون كأنكم جدد، تجددت الحياة، فهي مثل الملح، لكن الملح في الحياة يجب أن يكون بمقدار، أنت حين تطبخ أرزاً تضع عليه ملحاً، لكن المصيبة أن بعض الناس يكثر من الملح، يريد أن يحصل مشكلة بسيطة، بدلاً من أن يمكث لها غضبان ساعة يمكث غضبان شهراً، وبدلاً ما أن يتكلم كلمة لعلاج المشكلة يتكلم بالعصا فيضرب، وبدلاً من أن يعالج بأسلوب بسيط، يعالج بأسلوب أصعب، فلا يصلح للحياة ملح الآن؛ لأنها أصبحت مشكلة.
لذا -أيها الإخوة- من الأهمية بمكان حتى يسعد الإنسان في الدنيا ويسعد في الآخرة لا بد له أن يستوعب هذه المشاكل والخلافات، وأن يوسع لها صدره، وأن يتحملها ثم يبحث عن العلاج الذي سوف يذكره الشيخ، ونضع ميزاناً واحداً وهو أن تنظر بمنظار التوازن والعدل، لا تنظر إلى عيوب المرأة، انظر إلى حسناتها، يقول عليه الصلاة والسلام والحديث في صحيح البخاري : (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر) أي: لا يبغض مؤمن مؤمنة، فالمرأة دائماً ليست كلها عيوب، وليست كلها حسنات، وإنما فيها حسنات وفيها عيوب، فإذا أردت أن تنظر فانظر بمنظار كامل، انظر فيها أنها صوامة، وقوامة، وحافظة لعرضك، وأنها دينة، ومصلية، وأنها لا تخرج إلا بأمرك، وأنها تغسل ثيابك، وأنها تطبخ طعامك، وأنها تربي ولدك، أي أنها خادمة لك في البيت.
فإذا نظرت إلى هذه الحسنات منها، ونظرت إلى الجانب الثاني إلى أنها قد تعصيك، أو قد تخالف أمرك، فتوازن بين ما تكره منها وبين ما تحب، ستجد أن ما تحب أكثر فتنسى ذلك، لكن بعضهم يوسع عينه كاملة على ما يكره من المرأة، ويغمض طرفه كاملاً عن حسناتها، ولا يعرف لها حسنة، فلا يرى منها إلا السوء، وبالتالي يعاملها على هذه الرؤية، وعلى هذا الأساس فتزداد المشاكل وتسوء العشرة، وتتفاقم الخلافات، وتحصل الكوارث وربما تنتهي إلى الخلاف والفراق والطلاق -والعياذ بالله- وهذا كله من سوء التدبير، وعدم اتباع النصائح والإرشادات النبوية الكريمة التي جاءت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
لا شك أن الحياة الطيبة لا بد أن تقوم على التفاهم بين الزوجين، وعلى الوجه الذي يحبه الله، وشرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا حصل سوء التفاهم بين الزوجين، هناك تقوم المشكلات والمعضلات.
وأذكر قصة حصلت بين زوجين، جاء الزوج يشتكي إلينا في التوعية، يقول: إن زوجتي حصل بيني وبينها سوء تفاهم، ثم إنها رفضت الانصياع إلي، وبقيت ستة أشهر، فأعطاني شخص من الناس حلاً وقال: طلقها واجعل الرجعة بيدها، يقول: ثم انتهت المدة وهي لم تراجعني، فقال: قد خرجت من يدك، المهم ولا زال وراءها، سبحان الله! بعض الناس كما ذكر الشيخ جزاه الله خيراً، في أثناء حديثه عندهم شدة جداً في عدم التفاهم، بل يؤدي ذلك إلى النهاية، وبعض الناس عندهم سهولة جداً فتصبح المشكلات متكررة بين آونة وأخرى، ومن ذلك الغيرة وهي من المشكلات والمعضلات، فبعض الناس عندهم غيرة زائدة، ولا شك أن المؤمن يغار، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، بقوله: (إن
فالغيرة تكون منضبطة، لا تؤدي إلى الشكوك، وإلى أمور فيها سوء الظن بالآخر، وإلى أمور بعيدة المدى، ونتائجها وخيمة والعياذ بالله من ذلك.
فنود أيضاً من الشيخ جابر حفظه الله، أن يحدثنا عن علاج لهذه المشكلات الكثيرة التي تطرأ بين الزوجين.
ويبدو أن من هذا: تعليم المرأة وتفهيمها لما يجب عليها ولها، ومن ذلك الهجر والضرب الغير مبرح، فليتفضل حفظه الله وجزاه الله خيراً.
أولاً: تعليمها والتوضيح لها أن فعلها هذا لا يرضاه الله سبحانه وتعالى، وأن من الواجب عليها أن تطيع زوجها في كل شيء إلا في معصية الله، فلا تصوم النافلة بدون إذنه فإنه لا ينبغي لها هذا إلا بإذنه، بخلاف رمضان، فإنه لا بد أن تصومه؛ لأنه ركن من أركان الإسلام، أما صيام النافلة فلا بد من إذنه، وهجرها المشروع كما يقول العلماء: إذا نام أعطاها ظهره، ثم لا يكلمها ولا يحدثها، ويبتعد عنها أياماً وليال إذا أمكن؛ لعلها ترجع إلى الله سبحانه وتعالى ثم إلى زوجها، ويبين لها ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة، ولا ترفع لهم حسنة: العبد الآبق حتى يعود ويضع يده في يد مواليه، والمرأة الغاضب عليها زوجها، حتى يرضى عنها زوجها، والسكران حتى يفيق من سكره) فهؤلاء الثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة، ولا ترفع لهم حسنة إلى السماء: العبد الآبق، حتى يعود إلى أوليائه ويضع يده في أيديهم، والمرأة حتى يرضى عنها زوجها، والسكران حتى يفيق من سكره، كذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا باتت امرأة وزوجها عليها غضبان باتت تلعنها الملائكة حتى تصبح) -والعياذ بالله- يبين لها الحديث هذا وما أشبهه.
كذلك لو دعاها وهي على التنور يجب عليها أن تلبيه، تقول عائشة رضي الله تعالى عنها: [لو تعلم المرأة ما لزوجها عليها من حقٍ لمسحت تراب قدميه] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كنت آمراً أحداً يسجد لغير الله، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) لعظم حقه عليها، فحقه عليها عظيم، وشأنه خطير.
كذلك يروى في بعض الآثار: أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عندما كان خليفة جاءه أحد الصحابة يشكو إليه زوجته، فقد آذته في نفسه وفي غير ذلك، فوقف في الباب يريد أن يشتكي زوجته إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فإذا عمر وزوجته في كلام كثير، تشتم عمر وتسبه وهو ساكت، وهو الخليفة وقوته معروفة، فقال الرجل: إذا كان هذا عمر في داره فكيف أنا، لا أبد أن أنصرف وأصبر، فانصرف، فخرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا هذا! ارجع ماذا تريد؟ قال: يا عمر! جئت إليك أشكو حال زوجتي عليك، فسمعت من الباب ما بينك وبين زوجتك، فقلت: إذا كان هذا عمر بن الخطاب الخليفة القوي الشديد في الحق كيف يسكت على هذه المرأة! فقال عمر رضي الله عنه: إن لي عندها مصالح، فأنا أصبر على هذا الذي ترى منها، فهي تطبخ طعامي، وتغسل ثوبي، وتطحن دقيقي، وتربي أولادي، وغير ذلك، فلهذا أنا سأصبر عليها وليقع ما يقع، وإنه الفراق في يوم من الأيام، فقال الرجل: وأنا كذلك يا عمر ، ثم انصرف هذا الرجل، ولم يقل شيئاً، انصرف من الباب بعد ما سمع ما قاله ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه.
فالمرأة إذا علمت وفهمت الحق الذي عليها لزوجها، ربما ترجع عن غيها، وتتوب إلى الله سبحانه وتعالى، فيعيشان سعيدين في هذه الدنيا، فالمرأة تعيش مع أهلها عشرين سنة إلى اثنتين وعشرين سنة وهكذا، ثم تعيش مع زوجها ستين عاماً وأكثر من ذلك، وهما سعداء في هذه الحياة، يجتمعان لوحدهما، شابان في عنفوان الشباب، يجتمعان ثم يأتيان بالبنين والبنات، ثم الأولاد يكبرون والبنات يتزوجن ويصبح الأولاد والبنات في سكن آخر غير سكنهما، وهما أصبحا في سن الشيخوخة، هي عجوز وهو كذلك، بعد أن عاشا ستين عاماً أو سبعين عاماً، إذا ذهبت إلى بيت أهلها تتضايق ولا تطمئن إلى أهلها ولا إلى أمها وأبيها، عينها في زوجها، ولهذا لما ضرب أبو بكر ابنته عائشة جاءت تحتمي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تخاصمه، خبأت وجهها خلف الرسول صلى الله عليه وسلم ليمنعها من أبيها، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
هناك قصة عجيبة للصديق وابنته رضي الله تعالى عنهما جميعاً، لما كان الصديق في الغار -غار ثور- كما تعلمون، عندما دخل ونظف الغار، وسد الجحر الذي فيه، إلا جحراً واحداً ما وجد شيئاً يضعه فيه، فوضع قدمه رضي الله عنه خوفاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنام الرسول صلى الله عليه وسلم وجعل رأسه على فخذ أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، فلما كان رجله في الجحر لدغته حية، فآلمته ألماً شديداً، فلم يتحرك؛ لأجل ألا يزعج الرسول صلى الله عليه وسلم ويوقظه من منامه، وكان متعباً بعد صعودهما الجبل الهائل، وفرارهما من قريش خوفاً على نفسيهما، فلما لدغته الحية، آلمته ألماً شديداً ثم بكى فدمعت عيناه رضي الله عنه حتى قطرت على خد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ما هذا يا
والقصة الثانية: لما كان النبي صلى الله عليه وسلم عند عائشة وقد نام على فخذها، فبكت وهو نائم فاستيقظ فقال: ما هذا يا عائشة؟ فقالت: يا رسول الله! ذكرت القيامة وأهوالها، وما فيها من مصائب وآفات، وعذاب شديد أو نعيم مقيم، فهل يلتقي المتحابان في الآخرة يا رسول الله؟ هل يبحث كل عن صاحبه، ويبحث عن أبيه، وعن أبنائه، وعن أمه، وعن أخته، قال: نعم يا عائشة ! إلا في ثلاثة مواقف لا يذكر شخص أحداً، قالت: ما هي يا رسول الله؟ قال: عند المرور على الصراط، كلٌ يقول: نفسي نفسي، والصراط دحض مزلة، فإذا نجا من الصراط، فمنهم من يمر كالريح المرسلة، أو كالبرق الخاطف، أو كالجواد، أو كالدلول، أو يمشي مشياً، أو يحبو حبواً، أو يكردس في النار -والعياذ بالله- هذا موقف لا يسأل أحد عن أحد أبداً.
والموقف الثاني: عندما تتطاير الصحف، لأن كل شخص عند الموت يوضع في قبره، وتوضع معه صحيفته في حلقه، لا يراها إلا الله والملائكة فقط، فإذا أتى يوم القيامة طارت ورجعت إليه، إما في يمينه وإما في شماله، هذا الموقف الثاني.
والموقف الثالث: عند الحسنات، توزن حسناتك وسيئاتك، والملك ماسك بهذا والثاني بهذا، من اليمين والشمال، فإذا رجحت حسناتك على سيئاتك قال: سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبداً، وإن رجحت سيئاتك على حسناتك -والعياذ بالله- قال: شقي فلان شقاء لا يسعد بعدها أبداً.
فهذه ثلاثة مواقف لا يبحث أحد فيها عن أحد.
فإذا انتهت المواقف المذكورة، فكل شخص يبحث عن صديقه، وعن قريبه، وعن أبيه إذا كان مؤمناً، أما إذا كان كافراً فلا.
إن الصبر هو حلية العارفين، إذا صبر الإنسان على زوجته واحتسب، وخاصة إذا كانت جاهلة ولا تفهم شيئاً، يصبر عليها؛ من أجل أولاده وأولادها، وكثير منهن متعلمات لكن أصبحن مسيطرات على الرجال إلا أن يشاء الله، وقد جاء في الحديث: أنه يجوز لك أن تكذب على زوجتك، فتقول لها: أخذت هذا الثوب بعشرين ريالاً، وهو بعشرة ريال -مثلاً- لكن الآن لا تصدق، تقول لك: لا. أنا أعرف السوق، لا تكذب عليَّ، سابقاً كنا نكذب على النساء بهذا بالكلام، ولكن انعكس الآن وأصبحت النساء يكذبن على الأزواج؛ لأنهن عارفات بالأسواق، إلا من هدى الله.
ولهذا جاء في الأثر: يقول الشيطان إذا بث جنوده في الأرض: أيكم يأتني بأعظم شيء فعله فأنا أفعل معه وأفعل معه، فيأتي أحدهما فيقول لرئيسهم الشيطان: أفسدت بين فلان وبين فلان، تخاصما حتى تضاربا، فيقول: ما فعلت شيئاً يصطلحان غداً، قال: فيأتي الثاني فيقول: فعلت وفعلت، فيقول له: ما فعلت شيئاً، فإذا جاء الآخر قال: ما زلت بفلان حتى زنا بفلانة، قال: هذا هو الشيء الطيب، فيلبسه التاج.
فالمرأة دخولها للسوق سبب للمشاكل، وروحتها للغيبة والنميمة والبحث عن عورات الناس، مع فلانة كذا، وفلانة عندها ثوب كذا، وفلانة عندها كذا.
هناك قصة قد تكون غير صحيحة، يقال: إنه كان هناك رجل له صديق في بلد بعيد، وكان يزوره في السنة مرة واحدة، فذهب إلى داره ودق الباب، فقالت زوجته: من؟ قال: أنا فلان أخو فلان في الله، قالت: ذهب إلى كذا لا رده الله ولا بارك فيه ولا وفقه، وقامت تصدر له كلاماً عجيباً من داخل البيت، فقليلاً وإذ بزوجها يأتي وهو محملٌ الأسد حطباً، وذلك يرى أخاه، فجاء وأنزل الحطب وقال: للأسد اذهب بسلامة الله، ثم لم يقل له شيئاً من ذلك الحين، ثم ذهب عنه أخوه هذا وصديقه سنة كاملة، ثم جاءه بعد سنة، ودق عليه الباب فقالت زوجته: من؟ فقال: أنا صاحب فلان أخو فلان في الله، قالت: ذهب يأتي بالحطب، الله يعيده قريباً ذلك الصالح الطيب بارك الله فيه وفي أيامه، ثم دعت له دعاءً عجيباً، فتعجب من كلامها هذا، وقليلاً وإذ بالرجل يحمل الحطب على ظهره الذي هو زوجها، فلما دخل البيت وتغدى هو وإياه قال: يا أخي! رأيت في السنة الماضية عجباً وهذه السنة أعجب، قال: ما رأيت؟ قال: أتيت العام الماضي إليك فإذا المرأة تسب وتلعن وتشتم، وهذه تدعو لك بالطيب وبكل شيء طيب، قال: لا تعجب يا أخي! تلك توفاها الله، فكنت أصبر عليها فأعطاني الله الأسد على هذا الصبر لكي أحمل عليه الحطب، على أجر صبري على هذه المرأة، يأتي الأسد بالحطب إلى باب بيتي، وهذه عندما كانت صالحة ذهب الأسد مني، لأجل أنها صالحة، لا يوجد شيء يأجرني الله عليه منها، لكن تلك لخبثها ولخبث لسانها وعدم استقامتها معي أعطاني الله الأسد يحمل الحطب إلى باب البيت، وهذه لما كانت صالحة الأسد انسحب عني جزاءً؛ لأن عندي امرأة صالحة، وهكذا الزوجات الصالحات، تعين الزوج على طاعة الله سبحانه، وتساعده في دينه ودنياه.
ولهذا من السنة إذا قمت تصلي من الليل أيقظها تصلي معك، وفي الأثر: (رش على وجهها ماء)، فهذا من السنة، توقضها تصلي معك لكي تستقيم ويستقيم دينها وتقواها معك -أيها الزوج الصالح- إن كنت صالحاً.
جعلنا الله وإياكم من الصالحين، وأن يعيننا على أنفسنا، ويعيذنا وإياكم من النار إنه جواد كريم.
وصلى الله على محمد وعلى وآله وصحبه وسلم.
بقي الآثار المترتبة على الخيارات الزوجية، وشرها وآخر العلاج الكي وهو الطلاق، لكن قبل ذلك نود أن نعرج على قضية، وهي: هل تعدد الزوجات سبب من أسباب المشكلات أم لا؟
كلا م الشيخ سعيد بن مسفر :
بسم الله الرحمن الرحيم
كما ذكرنا -أيها الإخوة- أن الزواج يشكل اللبنة أو النواة الأولى من لبنات المجتمع، وعلى ضوء صلاح الأسرة وتفاهمها وانعدام المشاكل فيها، يتكون من ذلك صلاح المجتمع، وفي ظني والله أعلم: أن من أعظم الأسباب التي تؤدي إلى حدوث الخلافات الزوجية إلى جانب ما ذكره صاحب الفضيلة الدكتور الشيخ جابر، والشيخ حامد حفظهما الله، هو عدم قيام أحد الزوجين بالحقوق التي أوجبها الشرع عليهما، سواء المرأة أو الرجل، ومن الطبيعي إذا قصر أحد الزوجين في القيام بالحقوق الواجبة عليه، فإن الطرف الآخر يضطر إلى المطالبة بها، وإذا لم يكن عند الآخر إنصاف وعدل، اعتبر المطالبة بالحق نوعاً من سوء الأدب والعشرة، فيتصرف تصرفاً غير سليم، وبالتالي تزداد المشاكل، والشرع حينما أمر بالزواج نظمه وبيّن الحقوق على الرجل وألزمه بالقيام بها، وأيضاً بيّن حقوق المرأة تجاه الرجل وألزمها بالقيام بها، يقول عز وجل: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228] الدرجة التي ميز الله بها الرجل: هي درجة القوامة؛ لأن الحياة الزوجية شركة، والشركة لا يمكن أن تسير إلا بمسئول، والأقرب إلى القيام بالمسئولية هو الرجل؛ لأن الله أعده لهذا، فلا تصلح شركة فيها مديران، ولا تصلح إدارة فيها مديران، ولا تصلح دولة بملكين، أبداً، لا بد من شخص يتخذ القرار، بل الكون كله لله يقول الله: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا [الأنبياء:22].
فلا بد أن يكون لهذه الشركة مسئول، والمسئول هو الزوج، وهو صاحب القرار، ولكن مسئوليته هذه لا تعني الاستبداد والتسلط والقهر والإذلال، لا. وإنما تعني المسئولية أمام الله، بأنه لا بد أن يرحم هذه الأسرة، وأنه لا بد أن يشاور هذه المرأة، وأن يأخذ بما يسعدها، وأن لا يكلفها ما لا تطيق، ولهذا يقول الله عز وجل: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] ويقول عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي).
وإذا أردت أن تقيِّم رجلاً، فإن أعظم من يقيِّمه زوجته، الناس إذا قيِّموه يكتبون في تقييمهم ما ظهر منه أمامهم، فقد يتظاهر أمام الناس بأنه صاحب خلق، وبأنه حليم، وبأنه كريم؛ لأنهم يعايشونه فترة معينة.
أما المرأة التي تعايشه باستمرار، فهي التي تعرف مدخله ومخرجه، وتعرف جميع وسائل حياته وأساليبها، ولذا إذا أثنت عليه امرأته خيراً فهو ذو خير، وإذا أثنت عليه شراً فهو ذو شر؛ لأنها تقيمه على فهم واضح، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الناس، ومن الذي يثني عليه؟
يثني عليه نساؤه، صلوات الله وسلامه عليه، لما طلبوا المزيد من النفقة أراد الله عز وجل أن يجعل بيت النبوة بيتاً مثالياً لا يمكن لأحد أن يصل إليه، فأمر بتخيير النساء بين العيش معه على العيشة التي قد رضيها الله له، وبين أن يسرح، فبدأ يخيرهن: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً [الأحزاب:28-29].
فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بـعائشة قال لها: (يخيرك الله بين أن تبقي معي على هذا الوضع الذي أنا فيه من شظف العيش من النفقة المحدودة)؛ لأنه بيت مثالي وليس بيت ملك، ولا بيت غني، بل حجرات محدودة، وفراش محدود، وطعام محدود، وعيشة بسيطة، وإن كنت لا تريدين هذه العيشة ولا تستطيعين، قالت: أفيك أخير يا رسول الله؟ أي هل يمكن أن أختار أحداً في الدنيا غيرك؟! لماذا؟ هل أغراها النبي صلى الله عليه وسلم بالمال؟ لا. بعض النساء الآن لا تعيش في ظل زوجها إلا بالإغراءات المادية، يغير لها المتاع كل سنة، يغير لها الذهب كل عيد، يغير لها الملابس بالآلاف، لا تنزل إلى السوق إلا ومعها خمسة أو ستة آلاف ريال، ولذلك يسكت غضبها بالفلوس، بعضهم يغريها بالنواحي الأخرى، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يغرها بالمال، ولم يغرها بأي شيء، وإنما بالخلق الكريم، وبالتعامل العظيم، صلوات الله وسلامه عليه.
فلا بد -يا أخي الكريم- أن تشعر بأن المرأة لها حق، مثل ما لك حق، ولسنا في صدد بيان حقوق الزوج فإن أكثر الأزواج يأخذون حقوقهم بالقوة؛ لأن المرأة ضعيفة، فالرجل دائماً يأخذ حقه إن رضيت بالطيب أو بالغصب، لكننا نوصي -أيها الإخوة- في حقوق النساء؛ لأن كثيراً من الرجال لا يرى إلا حقه أما حقها فلا يراه، مثل البعير لا يرى عوجة رقبته، لو سألت الجمل: كيف رقبتك يا جمل؟ قال: رقبتي أسمح من المسطرة، وهي أعوج رقبة في الدنيا؛ لأنه لا يراها هو، وكذلك بعض الرجال لا يرى الأخطاء التي يرتكبها هو، وإنما يرى أخطاء زوجته ولا يرى أخطاءه، فلا بد أن تكون منصفاً عادلاً، وتقوم بالحقوق التي أوجبها الشرع عليك، من العشرة الطيبة، والمعاملة الحسنة والنفقة بقدر ما منّ الله عليك من الرزق لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ [الطلاق:7] ومن إكرامها إكرام أهلها، والمناداة لها بأحسن العبارات، والمباسطة لها بالقول، والسمر معها، والإدلاء إليها بما في قلبك، ولا تحتقرها، فهي شريكة حياتك، بعض الناس لا يعطي زوجته شيئاً مما في قلبه، بل إذا دق الهاتف ورفع السماعة، رأيت منه رداً غير الرد الذي يتعامل به مع زوجته، زميله يدق عليه فيرفع السماعة: (ألو، أهلاً، كيف الحال، عساك طيب)، وبعد أن يضع السماعة ،قال: يا امرأة هاتي الشاي، لماذا مع المرأة كلام غليظ، ومع ذلك كلام مثل العسل؟ لماذا لا تقول لها: يا فلانة يا أم فلان أعطيني كذا؟! أُدعها بأحسن الأسماء، وأكرمها؛ لأنك إذا أكرمتها حتى لو لم تكن صادقاً.
يقول الشيخ: إن الله أباح لنا أن نكذب على النساء، لماذا نكذب؟
من أجل أن تدوم العشرة، عندما تقول: والله أنا أحبك، ولو أنك لا تحبها، تراها مسكينة تفرح، إذا طبخت لك طعاماً ولو لم يكن حسناً أو جيداً، وقلت لها: إن الطعام شهي، وما أحسن هذا الطعام، تراها تتفانى من غدٍ وتتفانى في تقديم أحسن الطعام، وإذا كان الملح كثيراً قل لها: ما هذا من ملح اليوم، ممتاز مرة، تجعله بعد ذلك أحسن، ولكن أنت عندما تدق عينها، وتحطمها، وتبحث عن عيوبها، طبعاً هي إنسانة مضطرة أن تتعامل معك بنفس التعامل الذي تتعامل به معها.
لا بد -أيها الإخوة- من قضية القيام بالحقوق المشتركة، حقوق الزوج وحقوق الزوجة، فكما أن الله عز وجل أوجب للرجل على المرأة حقوقاً، أيضاً أوجب للمرأة على الرجل حقوقاً، فليعرف كل فرد منهم الحقوق المترتبة عليه وليقم بها، وإذا قام الزوج والزوجة بالحقوق فإن هذا سوف يؤدي إلى انعدام المشاكل، هل يوجد رجل يريد المشاكل في بيته؟ لا.
إذا وصل الرجل إلى بيته من عمله متعباً ووجد امرأته أمامه، تستقبله بالبسمة، وبالعبارة الطيبة، وبالخدمة المتناهية، ثم جلس ووجد الطعام الشهي اللذيذ، ثم بعد ذلك وجد الفراش الوفير، ووجد الطمأنينة، ووجد الأولاد قد حصروا في مكان بعيد عنه، بحيث يجد له ساعة أو نصف ساعة بعد الدوام لينام فيها ويرتاح، ثم بعد العصر يخرج بعد الصلاة ليجد أمامه الشاي والتمر والقهوة والمكسرات، ثم بعد ذلك يجد زوجته تقدم له كتاباً أو تقدم له شريطاً ليسمعه، هل يبقى هناك مشاكل؟ لكن بعض الزوجات ما عندها هذا الكلام كله، فماذا يحصل من الزوج إذا دخل وهي: (لاوية خشمها) ما سلم عليها، حينما يدخل يجد أمامه مشكلة.
عليك أن تعاملها بما ينبغي أن تعاملك به، بحيث تسلم، وتعلمها بالأدب وبالتكرار، حتى تقوم بالواجب، هذا إن شاء الله مع الممارسة ومع الصبر.
وقديماً قيل: حرب الخلاء ولا حرب الدار؛ لأن حرب الخلاء تنتهي، لكن حرب الدار في وجهك كل مرة.
وإبراهيم عليه السلام، لما جاء يزور إسماعيل وسأل زوجته عنه، قالت: ذهب إلى الصيد. قال: كيف أنتم؟ قالت: في شر حال، فقال: قولي له: يغير عتبة البيت، ولما جاء زوجها أخبرته فطلقها، سماها عتبة البيت، ومعنى العتبة: أول ما يصادفه الإنسان عندما يدخل، إذا كانت العتبة طيبة فالبيت كله طيب، وإذا كانت العتبة غير طيبة كلما دخلت آذتك، وكذلك المرأة.
المرأة إذا كانت سيئة الخلق كلما دخلت عليها تجد الحياة أمامك كلها سيئة، وإذا كانت طيبة الخلق تجد الحياة كلها طيبة، فمن الآثار أن الخلافات الزوجية تحول الحياة الزوجية إلى جحيم لا يطاق، ولذا ترون الذي يعيش مع زوجة سيئة الخلق، أو تعيش الزوجة مع زوج سيئ الخلق يتهدم قبل أوانه، قد ترى عمره أربعين سنة، لكن إذا رأيته تقول: هذا عمره ستين سنة، شيَّبته قبل حينه، تجعل نهاره ليلاً، وليله ويلاً.
أحد الناس كان معه زوجة، ولسانها على كتفيها تجلس تثرثر، لا تسكت أبداً، وأخيراً تعبت وتعب هو، وردها إلى أهلها، وفي النهاية اشترط على أهلها: أن تتكلم يوماً وتسكت يوماً؛ لأنها كثيرة كلام، ولما جاءت إلى البيت تريد أن تتكلم في اليوم الأول الذي ليس فيه كلام، وإذا بها تقول: بكرة الكلام، بكرة الكلام، بكرة الكلام، بكرة الكلام، إلى أن جاء بكرة، فإذا بها تورد عليه بكل ما أرادت أن تتكلم، لماذا؟ طبيعتها ثرثارة -والعياذ بالله- وكذلك بعض الرجال -حتى لا نظلم المرأة- سيئ الخلق امرأته فاضلة طيبة دينة ذات خُلق، لكنه سيئ الخلق، فإذا رأيتها رحمتها، تراها وقد انعكف ظهرها، قد شاب رأسها، وساءت حياتها، لماذا؟ لأنه سيئ الخلق، إذا دخل يضع عينه على الأخطاء لو رأى قشة في طرف المجلس أقام عليها مشكلة، لماذا لم تنظفوا المجلس؟ لماذا لم تغلقوا الكهرباء؟ لماذا الماء يصب؟ لماذا؟ لماذا؟ فقط، لكن ما يرى الحسن في المرأة، فتعيش معه زوجته في عذاب -والعياذ بالله- فهذا أول أثر من آثار الخلافات الزوجية، أن الحياة الزوجية تتحول إلى جحيم لا يطاق.
أيضاً يحصل بينهم كراهية للأم إذا كانوا يرونها تتكلم على الوالد، وكراهية للأب إذا رأوه يمد يده ويتكلم على أمهم؛ لأن الولد يقف موقفاً مذهلاً، وهو يرى أباه يضرب أمه، يقول: ما هذا؟! هذا إنسان لماذا يضربها؟! لأن الولد يحب أمه، فإذا رأى الأب يضرب أمه حصلت عنده عقده وكراهية وبغضاء لهذا الأب، وسوف ينتقم منه فيما بعد، وكذلك إذا رأى الولد الأم وهي تنال من الوالد، بأن تلعنه أو تسبه أو تشتمه أو تطول لسانها عليه؛ فإنه يبغضها، ويكرهها، وتتحول المحبة لها إلى بغض وكراهية وإلى عقد نفسية، فلا ينبغي أن يحصل هذا أمام الأولاد، كما قلنا: لا تخلو الحياة، لكن إذا وقعت مشكلة سكت الزوج وسكتت المرأة إلى أن يكون الأولاد غير موجودين في المدرسة أو في أي مكان آخر، أو في غرفة بعيدة ثم ناقشوا الخلاف الذي بينكم، أما أمام الأولاد، فلا.
بعضهم يقول: كيف أسكت وأنا غضبان، لا يعرف الشجاع إلا عند الغضب، يقول عليه الصلاة والسلام: (ليس الشديد بالصرعة) أي: الإنسان المندفع الأهوج، الذي إذا استثير أثار نفسه، لا. (ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) هذا هو الشجاع الحقيقي، أما ذاك المندفع الذي لا يملك نفسه فليس بشجاع، هذا متهور وسوف يندم على تصرفاته، لكن الذي يملك نفسه حتى يذهب إلى الغرفة فتطفأ هذه الفتنة ويطفأ نار الغضب حتى ترعى أولادك، ومن أجل هؤلاء الأولاد حتى لا ينشئون على هذه النشأة، ولذا ترون -أيها الإخوة- الأولاد في المدرسة يلاحظ عليهم قصور في الأداء التعليمي، وكذلك الواجبات غير محلولة، والولد شارد أثناء الدرس، الولد كثير الشغب، فهناك مشرف يسمونه مرشد طلابي، يقوم بدراسة الحالات الفردية لهؤلاء الأولاد، ونتوصل بالنهاية في كثير من الحالات إلى أن السبب هو أن الحياة الزوجية غير مستقيمة في البيت، وأن هناك خلافات في البيت، الأب يضرب الأم، والأم تخاصم الأب، فينعكس هذا على أداء الولد، كيف تريد لولدك يذاكر دروسه في هذا الجو المملوء المشحون بالمشاكل؟ لكن عندما يأتي الولد من المدرسة يجد الأم تبتسم والأب يبتسم والتفاهم قائم والاحترام متبادل والعشرة طيبة، يحس الولد بالأمن ويشعر بالطمأنينة، ويشعر بالسكينة، ويمارس دراسته، ويراجع ويذاكر واجباته في جو آمن، لكنه عندما يرى الأب يضرب، وتلك تصيح، وهذا كذا، وهذا كذا، كيف يذاكر؟ يهرب إلى الشارع وبالتالي يفشل في حياته الدراسية وفي حياته العملية، ويكون السبب أنت أيها الزوج وأنت أيتها الزوجة.
الثالث من الأسباب: وهذا يترتب عليه خلافات تنتشر وتتصاعد وتنال منه بقية الأسرة، الخلاف بين الزوجين، كأن تسمع به الأم -أم الزوج- فتكره الزوجة، أو تسمع به أم الزوجة فتكره الزوج، ويسمع أبو الزوج فيتدخل، ويسمع أبو الزوجة فيتدخل أيضاً، ويسمع الأعمام والأقارب وتحصل الشحناء وتحصل المشاكل والبغضاء، وتتقاطع العلاقات وتنتشر العداوات، وربما تقوم الحروب والمطاحنات من أجل خلاف زوجي بين اثنين، لكن لو كان هناك تفاهم، لحصل التفاهم بين الأسر كلها، وربما يحصل هذا أكثر إلى أن تحصل مشاكل بين القبائل بأسباب خلاف زوجي بين رجل وامرأة، ثم تأتي الطامة الكبرى والنهاية المؤلمة التي قد تقع من أسباب وجود الخلافات الزوجية وهي: الطلاق.
الطلاق الذي نعرف آثاره على الأسر، الأسر تتحطم، والأبناء يشردون، ويحرمون من نعمة الحنان بالنسبة للأم ومن شفقة الأب، إن جلسوا مع أبيهم ضاعوا، وإن ذهبوا مع أمهم جاعوا.
وأيضاً المرأة بعد أن تطلق، المعروف طبعاً في المجتمع أن الناس يعيبون عليها، بعد أن كانت في بيت زوجها ملكة، تصبح في بيت أهلها خادمة، وبعد أن كانت فلانة، قالوا: فلانة المطلقة أو الأرملة.
وأيضاً الزوج إذا جاء يتزوج يُعرَض عنه، وكلما أراد أن يخطب قالوا له: قد طلق زوجته، وإنه رجل مطلاق، فلا أحد يقبله، إلا امرأة طائحة ربما ما امتدت لها يد، فتقبله ولكنها لا تسعده ولا تلبي احتياجه، وبالتالي تحصل المشاكل الكثيرة.
وحتى لا تحصل هذه الآثار، فإننا نوصي أنفسنا ونوصي إخواننا:
أولاً: بالقيام بالحقوق التي أوجبها الله للطرف الآخر.
ثانياً: التعامل على ضوء الكتاب والسنة.
ثالثاً: الصبر والاستيعاب.
رابعاً: العدل والإنصاف، والنظر إلى ما يحبب الرجل من المرأة، كما وجه ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي آخر) عليك أن تنظر بعين العدل، فإذا كرهت منها شيئاً فاعلم أن المرأة خلقت من ضلع أعوج، لا توجد امرأة في الدنيا مستقيمة كالمسطرة، هل رأيت ضلعاً مثل المسطرة، انظر في الأضلاع كلها لا يوجد ضلع إلا وفيه عوج، والمرأة مخلوقة من هذا الضلع، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (استمتعوا بهن على عوجهن؛ فإنك إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن استمتعت به استمتعت به على عوج) أما أن تريد واحدة (100%) مثل المسطرة فهذه ليست موجودة في الدنيا؛ لأنك أنت غير مستقيم، وكذلك المرأة لن تجدها مستقيمة (100%)، إن أردتها فاطلبها في الجنة.
أسأل الله أن يرزقنا وإياكم النعيم الذي وعدنا الله به، ومن ضمن النعيم الحور العين حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ [الرحمن:72].
أسأل الله تبارك وتعالى أن يديم علينا وعليكم نعمة الأمن والإيمان والإسلام، والطمأنينة في الأوطان، وفي المشاكل، وفي الأولاد والزوجات، وأن يوفقنا جميعاً لكل خير، وأن يوفق ولاة أمورنا وعلماءنا ودعاتنا إلى خدمة هذا الدين، والدعوة إليه ومناصرته إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلام الشيخ حامد :
أثابكم الله وجزاكم الله خيراً، لا شك أن الطلاق هو أبغض الحلال إلى الله، ولكنه هو العلاج الأخير، فأسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا جميعاً للتعاون على البر والتقوى، والتناصح والتآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر، على وجه العموم وعلى وجه الخصوص في البيوت، وأن يجعلنا جميعاً مِمن أراد الله بهم خيراً إنه على ذلك قدير.
الحقيقة لعل الإقامة أوشكت، ونود أن يشاركنا: الدكتور الشيخ عبد الرحمن السديس حفظه الله، فليتفضل ليشاركنا ويتحفنا جزاه الله خيراً.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن دعا بدعوته واهتدى بهداه.
أما بعد:
فإننا نحمد الله عز وجل ونشكره جل وعلا على عموم نعمه وآلائه، ومنها نعمة هذا اللقاء الطيب المبارك، في رحاب جامع الدعوة بحي العوالي، وهذا النشاط الذي يقام في هذا الجامع ويؤسفنا أن نقوم لأول مرة في هذا الجامع، لكنها بإذن الله فاتحة خير، فنشكر الله عز وجل على نعمة هذا اللقاء الطيب المبارك، ثم نشكر إخواننا في مركز الدعوة في مكة المكرمة نشاطهم الطيب في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، وإقامة الندوات والمحاضرات المفيدة التي تتحسس مشاكل الناس، وتسعى إلى علاجها، فجزاهم الله خيراً، وضاعف مثوبتهم، وزاد من نشاطهم فيما يحبه ويرضاه، ثم نخص بالشكر أعضاء هذه الندوة المباركة، صاحب الفضيلة: الشيخ الدكتور جابر الطيب، وصاحب الفضيلة: الشيخ سعيد بن مسفر والأخ الشيخ حامد المصلح الذي أدار هذه الندوة، ولا شك أنها ندوة موفقة ومباركة، قد استمعنا جميعاً إلى كلامهم، وإلى بيانهم وبلاغهم وأدائهم، والحق أنهم قد أجادوا وأفادوا، فجزاهم الله خيراً، وبارك فيهم، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن يستمع القول فيتبعون أحسنه.
أيها الإخوة في الله! لا تعليق عندي على ما قاله أصحاب الفضيلة، لكنها رغبة في المشاركة في هذا اللقاء الطيب المبارك، لا سيما والمسجد مسجد حي، وقد حضرنا وأتينا لأداء الصلاة وسمعنا هذه الكلمات الطيبات من أصحاب الفضيلة بما لا مزيد عليه، لكن الحق أنه في كل مشكلة ينبغي أن يشخص الداء وأن يوصف الدواء، فإذا عرف الداء وتشخص استطاع الطبيب أن يذكر العلاج وأن يصفه، ثم لزم المريض أن يتابع هذا العلاج وأن يعمل به، وأن يستمر عليه وأن يتابعه، ليؤتي أكله وثماره حياة سليمة صحيحة، وهذه المشكلات الخاصة بالمشكلات الاجتماعية، ومشكلات الزواج والأسرة والطلاق، مشكلات أقضت مضاجع الأمة، وبحت فيها حناجر الغيورين والمصلحين، ولكنها مع شديد الأسف لا تزال تتضاعف في كثير من المجتمعات، وإن كان مجتمعنا -ولله الحمد والمنة- بحكم إسلامه وتمسك أفراده بشريعة ربهم تبارك وتعالى في الجملة، لا شك أنه خير المجتمعات بالنظر إلى هذه المشكلات، ولا شك أن المجتمع المسلم الذي ترفرف عليه رايات تطبيق شريعة الله عز وجل بقدر تمسكه يكون بعيداً عن المشكلات، وبقدر تساهله في تطبيق شرع الله عز وجل تتضاعف المشكلات، وتتعاظم المعضلات، ويصعب حلها.
أيها الإخوة في الله! الحكم على الشيء دائماً فرع عن تصوره، والمشكلات الاجتماعية فرع عن مشكلات كثيرة أصيبت بها الأمة، والمجتمعات، فتشخص الأسباب في كل مشكلة ومعضلة، ولقد أجاد أصحاب الفضيلة وأفادوا ولا حاجة إلى التكرار، ولو أن الأمة والأسرة والمجتمع بل وكل فرد من الأفراد طبق شرع الله عز وجل في خاصة نفسه لأراح واستراح ولم تحصل منه مشاكل، لا إلى نفسه ولا إلى بيته ولا إلى أسرته، متى ما أصلح الإنسان ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن ذلك أن يصلح الله أسرته، ويصلح أولاده، ويبارك له في داره وسكنه، وبقدر تقصيره يعاقب بمثل هذا الأمر، كما ذُكر عن بعض السلف أنه قال: إني لأعصي الله عز وجل فأرى ذلك في سلوك زوجتي ودابتي وخادمي، أو كما ورد.
فالحاصل أنه ينبغي أن يصلح الإنسان ما بينه وبين الله، وليعلم أن الله عز وجل هو المتكفل بصلاح حاله وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق:4] فينبغي علينا -أيها الإخوة -أن نحرص على تطبيق شرع الله عز وجل في خاصة أنفسنا وأولادنا وأسرنا ومجتمعنا كل في محيطه وكل فيما يستطيعه.
ومن الأسباب أيضاً: تقصير كلاً من الزوجين في القيام بحقه، وكل ينظر ما له ولا ينظر الذي عليه، وهذه قضية ينبغي أن ينظر فيها بعين الإنصاف والعدل والمساواة، وإن كانت المساواة ليست دقيقة على معنى؛ لأن الرجل له أكثر مما للمرأة كما قال عز وجل: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228].
ولا شك أن كل زوج يطالب بحقه، فالمرأة لها حقوق، والزوج له حقوق، وإن كنت لمست أن بعض أصحاب الفضيلة في المحاضرة غلب جانب حقوق النساء أكثر من جانب حقوق الرجال، وقد يكون غيره ركز على حقوق الرجال وقصر في حقوق النساء، القضية ميزان وعدل ينبغي على كل واحد أن يعلم ما له وما عليه، ثم لا أدري لماذا هرب الشيخ سعيد بن مسفر حفظه الله عن السؤال الذي عرض عليه، والمسألة محسومة شرعاً، ولا ينبغي في نظري أن تكون مجال أخذ ورأي، وينبغي أن يعالج في مثل هذا في أخطاء الناس وفي تطبيقهم لشرع الله عز وجل رجالاً كانوا أو نساء.
فإذاً -أيها الإخوة- هذه القضية وهذه القضايا الكثيرة علاجها: أن يعود الناس ولا سيما الزوجين إلى شرع ربهم المطهر، ففيه الشفاء من كل داء، كذلك ينبغي أن تتعاون الجهات كلها على علاج هذه القضايا، وينبغي أن يتعاون حتى أهل الزوجين إذا تضاعفت وتعاظمت الأمور، ينبغي أن تكون هناك لجان للإصلاح بين الأسر: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35] فينبغي أن نسعى جميعاً للإصلاح لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [النساء:114] وقال تعالى: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء:128] فينبغي أن يصطلح الزوجان وأن يكون أهل الزوجين لا سيما الآباء والأمهات حريصين على مصلحة أبنائهم وبناتهم المتزوجين، ومما يستثنى أن بعض الآباء والأمهات ينظر إلى حق ابنه ولا ينظر إلى ما عليه من الحقوق، فتأتيه -مثلاً- ابنته تشتكيه زوجها فيغضب والدها ويريد أن ينتصر لابنته، وربما تكون ابنته هي المقصرة في حق زوجها، فهكذا ينبغي أن يسعى الناس للإصلاح، كما ينبغي أن يربى الأبناء على هذا، وأن يعرف الأبناء حقوق آبائهم وأمهاتهم حتى إذا أصبحوا أزواجاً وأصبحت البنات زوجات قمن بحقوق أزواجهن على ما ينبغي وعلى ما شرع الله عز وجل.
ثم متى يصلح البنيان؟
متى يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا أنت تبنيه وغيرك يهدم |
ينبغي أن تتعاون جميع الجهات المسئولة على توجيه الأمة بما فيها وسائل الإعلام، وبما فيها مناهج التعليم لرعاية حقوق الأسر وتربية الأبناء، ومعرفة حقوق الزواج والزوجين، لكن إذا كانت هذه الوسائل وقد دخلت كل بيت تثير بعض المشكلات التي قد تورث شقاقاً في الأسر بين الزوجين، كقضية التعدد مثلاً، أو قضية عمل المرأة، أو غير ذلك من المسائل، أو كان الأبناء يعيشون على هذه الوسائل والقنوات الفضائية التي تدمر الأخلاق والقيم، فلا شك أنهم سيخرجون إلى المجتمعات أعضاء مسمومة في المجتمع.
على كل حال.. أسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يجعل هذه المشكلات تزول عما قريب عن كل بيت وعن كل أسرة، حتى تتفيأ ظلال الأمن الوارث والسكينة والرحمة التي من أجلها شرع الله الزواج، وأقام عليها عماد البيوت والأسر والمجتمعات.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وشكر حضوركم وإنصاتكم واستماعكم وجعلكم في روضة من رياض الجنة، وجعلكم ممن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده).
والحقيقة أن رسالة هذا المسجد ورسالة المساجد كلها ينبغي أن تتضاعف، ونطالب إخواننا في مركز الدعوة أن يكثروا من هذه الندوات والمحاضرات، في هذا المسجد، وأيضاً نشكر أصحاب الفضيلة أعضاء هذه الندوة المباركة جزاهم الله خيراً على ما قدموا وجعله في موازينهم.
ونرجو أن نراكم قريباً في نشاط قادم إن شاء الله.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر