وحيا الله هذه الجموع المباركة، وهذه الوجوه الطيبة التي أقبلت على الله، أقبلت تريد طاعة الله حين أقبل الناس على الدنيا، وأقبلت على ذكر الله حين أدبر الناس عن هذا المنهل العذب، وأقبلوا على الغفلة واللعب، وأسأل الله الذي لا إله إلا هو كما جمعنا في هذا المكان الطاهر أن يجمعنا في دار كرامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وبعد:
أيها الإخوة في الله: المصلحون في هذه الأمة والعلماء والدعاة يهتمون كثيراً بأمر المرأة، ويأتي هذا الاهتمام رداً على الحملات الشيطانية المكثفة التي يقوم بها دعاة الفساد والشر والضلال لطعن الأمة عن طريق المرأة، ولابد في مواجهة هذه الحملات من حملاتٍ وحملاتٍ؛ يبين فيها أهل العلم ما يريده أهل الفساد من شعاراتهم الزائفة، ودعواتهم المضللة التي يخدعون بها المرأة .. ينادون بتحريرها! والتحرير لا يكون إلا لمن هو مستعبد، لإنسان يعيش في ظل العبودية والقهر فينادى له بالتحرير.
وحينما يقولون: تحرير المرأة، مِمَّ يحررونها؟ إنهم يحررونها من عبادة ربها وخالقها لتتمرد على الله .. يحررونها من أعظم منزلة أنزلها الله إياها وهي منزلة العبودية؛ لأن أشرف المنازل وأعلى الدرجات هي أن تكون عبداً لله، وأن تكون المسلمة أمةً لله، لا للهوى، ولا للنزوات، ولا للشهوات، ولا للدنيا، ولا للأزياء والموديلات (تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش) المرأة في ظل الإيمان بالله تعبد الله، فينادون بشعار تحريرها .. مم؟! إنهم إنما يريدون بذلك تحريرها من أمرين:
من عرشها ومكان عزتها وهو البيت؛ لتخرج حتى تصل إليها أعينهم الآثمة، وتمتد إليها أيديهم الملوثة، ويمسحوا بها قذاراتهم ونجاساتهم، فيقولون: نحررها من البيت. والله قد أمرها في القرآن أن تستقر في البيت، فقال: وقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33] هذا كلام الله، فيريدون من المرأة ألا تبقى في البيت.
ويحررونها من شيء آخر -حتى ولو خرجت- وهو: الحجاب؛ لأنها إذا جلست في البيت لم يروها، وإذا اضطرت إلى الخروج محجبةً لم يروها، فهم يريدونها أن تخرج، ويريدون مع خروجها أن تكشف حجابها . من أجل ماذا؟ من أجل إرضاء وإرواء نزواتهم وشهواتهم.
قالوا: تحرير المرأة. والإنسان ينخدع بهذا الشعار، ما قالوا: نحررها من عبادة الله.. لا، بل قالوا: نحررها من التقاليد! يسمون الإيمان والدين والقرآن تقاليد بالية عفا عليها الزمن، ويريدون أن يطوروها ويحمروها؛ من أجل أن تكون دابة يمتطوها، وتكون لعبة في أيديهم يشبعون بها رغباتهم ويمسحون بها وساخاتهم، من أجل ذلك يقوم العلماء دائماً بالتركيز على هذا الجانب، ويختارون مواضيع محاضراتهم وتأليف كتبهم للرد على كيد الضالين.
ومن هذا المنطلق -أيها الإخوة- جاء اختياري لموضوع هذه المحاضرة وهو: (توجيهات للمرأة المسلمة).
وهذه التوجيهات وإن كنا نخاطب بها المرأة إلا أن المخاطب بها الزوج؛ لأنها لا تستطيع هي بنفسها أن تنفذ هذه التوجيهات إلا بمعونة الزوج، لأنهما شريكان في المسئولية أمام الله عز وجل، والله عز وجل قد بين أن المرأة مخلوقة من نفس الرجل، يقول عز وجل: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21] فالمرأة مخلوقة من نفس الرجل؛ ولذا لا يمكن أن تستقل هي بتوجيهات الله وأوامره والسير على صراطه إلا بمعونة من الرجل.
وفي البخاري يقول عليه الصلاة والسلام: (ما تركت بعدي فتنةً أضر على الرجال من النساء) وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول أحد السلف: [والله لو أمنتموني على ملء الأرض ذهباً لوجدتموني أميناً، ووالله لا آمن نفسي على أمة سوداء أعلمها القرآن] لِمَ؟
لأن قضية المرأة تصادف غريزة في النفس، الله عز وجل ركب في الإنسان ميلاً إلى المرأة من أجل بقاء الجنس البشري، إذ لو أن الرجل لا يميل إلى المرأة وهي لا تميل إلى الرجل لبقي الرجل في جانب وبقيت المرأة في جانب، وانقرض الجنس البشري، وخلت الحياة من الناس، وتعطلت الوظيفة التي من أجلها خلق الله الأرض وهي: العبادة، فجعل الله مَيلاً عند الرجل، ومَيلاً عند المرأة، ونظَّم هذا الميل ليلتقيا في نقطة شريفة اسمها "الزواج" نقطة مسئولية، لكن عمل أعداء الإسلام على أن يلتقي الرجل بالمرأة في غير النقاط الشريفة .. في نقاط الضلال، فتدمرت الأخلاق والعياذ بالله!
لقد كان للمرأة في بناء الأمة المسلمة دورٌ رائع؛ لما انتفعت الأمة بالحد النافع من سلاح المرأة في القرون المفضلة، حيث كانت نسيبة بنت كعب مجاهدة، وكانت عائشة رضي الله عنها معلمة، روت آلاف الأحاديث، وكانت أي: المرأة مربية، وقانتة، وعابدة، وصائمة، وقائمة؛ ومربية وداعية تصنع الرجال وتخرج الأبطال.
ثم لم يلبث الحال أن تدهورت شيئاً فشيئاً، وجُرحت الأمة من الحد المهلك -من سلاح المرأة- حين سارت في الطريق الذي رسمه أعداء الإسلام لها، لتعطيل المرأة عن وظيفتها الأساسية، والزج بها إلى مواطن الفتنة، وتدمير الأخلاق تحت الشعارات البراقة: كالتحرير، والتجديد، والتقدم، والمساواة ... حتى قال أحد أقطاب الكفار والمستعمرين: "كأس خمرٍ وغانية -يعني: زانية- تفعلان في تحطيم الأمة المسلمة أكثر مما يفعله ألف مدفع". المدفع إذا حمل وقابلته القلوب القوية والإيمان القوي يُدمَّر؛ لأن الله مع المؤمنين، لكن إذا جاءت تلك القوى وقد دمرت القلوب من الداخل، ونسفت العقائد، ودهورت الأخلاق. هنا يسهل القضاء على الأمة المسلمة!
لقد عز على أعداء الإسلام أن تجود المرأة المسلمة على أمتها -كما جادت من قبل- بالأبطال والعلماء والمجاهدين، فاجتهدوا ليجعلوها عقيماً لا تلد مثلَ عمر ، ولا خالد ، ولا صلاح الدين ، ولا عائشة ولا سمية ، اجتهدوا حتى لا تلد إلا الحيات والعقارب والحشرات من المغنيين والمغنيات، والتافهين والتافهات، المنسلخين عن القيم والمبادئ والمنسلخات، أصبحت لا تلد إلا كذاباً، ولعاناً، وسباباً، وشتاماً؛ لأنها كذابة، وسبابة، ولعانة، وشتامة .. أصبحت لا تلد إلا تاركاً للصلاة؛ لأنها لا تصلي، ولا تلد إلا قاطعاً للرحم؛ لأنها لا تصل رحمها .. أصبحت لا تلد إلا هاجراً للقرآن؛ لأنها لا تعرف القرآن .. أصبحت لا تلد إلا سارقاً؛ لأنها سارقة، ولا تلد إلا زانياً؛ لأنها عاهرة منحرفة والعياذ بالله ففاقد الشيء لا يعطيه!
وأخرجوها من عرشها الذي تربعت عليه ردحاً من الزمن داخل مصنع رهبان الليل وفرسان النهار، لقد كانت تهز المهد بيمينها، ولكنها تزلزل عروش الكفر بيقينها؛ لأنها أم المجاهدين، وبنت المجاهدين، وأخت المجاهدين، وزوجة المجاهدين، بصماتها واضحة في حركات المجاهدين. الخنساء يخرج أربعة من أبنائها ويموتون في سبيل الله، ثم لما يعودون في آخر النهار يأتيها الخبر بأنهم قد استشهدوا كلهم في سبيل الله فتقول: [الحمد لله الذي شرفني بقتلهم في سبيل الله].
الصنف الأول: صنفٌ مؤمن مصدق بالله.. راضٍ بشريعة الله، فواجبهن الانقياد والخضوع والاستسلام لأمر الله، شعارهن قول الله عز وجل: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً [الأحزاب:36] لا يسع المؤمن ولا المؤمنة إلا أن يقولوا: آمنا بالله طاعةً لله، إذعاناً له واستسلاماً .. هذا هو موقف المؤمن والمؤمنة.
أما الصنف الثاني: صنف من النساء مكذب منحرف، تربى على الكفر، وتغذى بغذائه، فهؤلاء نتوجه لهن بالدعوة إلى العودة إلى الله، والتصديق بدينه، والرضوخ لشريعته قبل أن يحال بينهن وبين ذلك بالموت، وقبل أن يواجهن المصير المحتوم، والعذاب الأليم، واللعنة والدمار في دار الخزي والبوار .. ندعوهن بدعاية الإسلام إلى إعلان العبودية لله وحده؛ لأن ذلك في مصلحتهن في الدنيا والآخرة.
وقبل كل شيء نؤكد -أيها الإخوة- أن الشريعة وأن دين الله منزه عن الظلم؛ لأن الله يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [يونس:44] ولئن ساء وضع المرأة في فترات الزمن فإن السبب ليس التزامها بالإسلام، بل السبب الحقيقي هو: انحرافها وانحراف الناس عن الإسلام، انحراف الأجيال عن منهج الإسلام في التعامل مع المرأة. فنحن نعلم ما حاق بالمرأة من ظلم وإهانة؛ فهناك من يكلفها ما لا تطيق، وهناك من لا يرحم ضعفها، وهناك من يقسو عليها، ويهدر كرامتها، ويضيع حقوقها، ولكن ما علاقة الإسلام بأخطاء الآخرين؟
نحن لا نريد أن نعالج الخطأ بارتكاب خطأ أفدح منه، ونحن لا ننكر أن الهوة سحيقة والبون شاسع بين ما نحن عليه وبين ما يجب أن نكون عليه، ولكننا نقول لكل مسلمٍِ ولكل مسلمة ترجو الله واليوم الآخر: إنها مسئولة غداً بين يدي الله.
إن ما يسمى بالاستسلام للأمر الواقع سوف يظل في ميزان الإسلام مرفوضاً ومردوداً ومنقوضاً، فالحق واحد لا يتعدد، والباطل مهما تقادم سيظل باطلاً، ولن ينتفع الناس إلا بالحق فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [الرعد:17].
هذا موقف الدفاع لرد تلك الحملات التي يستدلون فيها بالشبهات -مثلاً- يقولون: الإسلام ظلم المرأة! ... لم؟ قالوا: أعطاها نصف ما أعطى الرجل. قاتلكن الله وقاتلكم الله يا من تصفون الله بأنه ظالم حينما أعطاها النصف.
أعطاها الله النصف وأعطى الرجل ضعف ما أعطى المرأة، لكنه كلف الرجل بكل شيء ولم يكلف المرأة بأي شيء، فهل أنصفها الإسلام أو لا؟!
هذا هو الإنصاف، المهر والنفقة على الرجل، وله ضعف نصيبها من الإرث، مثلاً لو مات رجلٌ وترك ذرية ومواريثاً، ثم قُسمت المواريث فأخذ الذكر ثلاثة آلاف، والبنت ألفاً ونصفاً، ثم جاء الرجل ليتزوج فإنه سينفق من الثلاثة آلاف للمهر، والبيت، والنفقة، والبنت تأتي عندما تتزوج لا تدفع من الألف والخمسمائة ريالاً واحداً، إذن من الرابح في المسألة، الرجل أم المرأة؟! لاشك أن الرابح: المرأة.
راعى الإسلام ضعفها. أما لو نظرنا إلى الميراث بمنطق الحسابات، فما دام أن الرجل عليه كل شيء فيكون الميراث للرجل؛ لأن عليه كل شيء، هذا بمنطق الحساب، لكن بمنطق الشرع والدين لا، الرجل عليه كل شيء لأنه يتحمل، والمرأة ليس عليها شيء لأنها ضعيفة، ومع ذلك فلها نصف ما للرجل، فهل هذا ظلم للمرأة أم أعظم عدل ورحمة؟! قاتل الله من يدعي أن الله ظلم المرأة.
أما عند الرومان فكان شعارهم أن المرأة ليس لها روح، ولهذا اختلفوا هل هي من الإنس أم من الجن؟! ولذا كانت تعذب بسكب الزيت المغلي عليها، وكانوا يربطونها ويجرونها خلف حميرهم وبغالهم ويسحبونها حتى تموت.
وقبل الإسلام -أي: عند العرب- لم يكن للمرأة قيمة عند الجاهليين، فلم تكن ترث، ولكن تُوْرَث، توضع مع المتاع (مع الثلاجة والغسالة)، وكأنها قطعة أثاث في البيت، لم تكن ترث شيئاً في الجاهلية بل تُورث ولا ترث.
وكان العرب يخصون الرجال بطعام غير طعام النساء، قال الله تعالى: وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا [الأنعام:139] يأكل الرجل ولا تأكل المرأة، بل كانوا يدفنونها وهي حية، هل هناك أعظم من هذا الظلم؟! وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [النحل:58-59] وهذه نزعة لا تزال فينا إلى اليوم، نزعة البشرى بالولد أو البنت، إذا بشروه قالوا: جاء لك ولد. قال: الحمد لله. وفرح، وإذا جاءت له بنت سكت، ويقولون: جاءت له راعية غنم! فيحزن ويقول: لو يرزقني الله برجل!
من الذي يخلق الرجل ومن الذي يخلق البنت؟ من الذي يهبهم؟ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً [الشورى:49-50] لا تدري ما الخير فيه يا أخي! لعل الخير في هذه البنت، ولعل البركة والدين في هذه البنت، كم من بنت أدخلت على أهلها النور والإيمان والدين! وكم من ولد أدخل على أهله الشر والظلم والفساد ودمر حياة أهله كلها وهو ولد! لا تفرح إلا بما آتاك الله، فإن جاء ولد فاسأل الله أن يكون صالحاً، وإن جاءت بنت فافرح ولا تحزن، ولا تفعل كفعل الجاهليين: يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ [النحل:59].
لكن الله جعل المرأة تستطيع أن تقوم بهذا العمل حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً [الأحقاف:15] فلها وظيفة ولك وظيفة، يريدون أن يغيروا سنة الله في الأرض، يجعلون الرجل يأخذ وظيفة المرأة وهي تأخذ وظيفة الرجل، هذا تغيير: وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً [الأحزاب:62] ومن يغير سنة الله هو الذي يتغير ويخسر وتبقى سنة الله جارية.. لماذا؟ لأن الله هو الخالق لهذه السنة، وهو الموجد لهذه السنن الكونية.
في صلح الحديبية لما كاتب الرسول صلى الله عليه وسلم كفار قريش على أن يرجع وأن ... إلى آخر صلح الحديبية، أمر الصحابة فقال: احلقوا رءوسكم. فالصحابة ترددوا فما حلقوا، فخشي عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم عذابٌ من الله؛ لأنه يأمرهم ولا يطيعونه، كيف لا يطاع الرسول؟ وإذا لم يُطَعِ الرسول فماذا يحصل؟ سيحصل تدمير. فدخل على أم سلمة وهو متغير، قالت: (ما بك يا رسول الله؟ قال: آمُر فلا أطاع. قالت: ابدأ يا رسول الله أنت احلق. فبدأ يحلق فقام الناس كلهم يحلقون) انظروا الرأي السديد عند هذه المرأة العظيمة، ما قالت: ادع عليهم، أو دمرهم.. لا.
فأنت إذا أردت أن تعمل شيئاً شاور زوجتك، لو أردت أن تستأجر شقة فشاور زوجتك، أنت وهي سوف تسكنون، أنت سوف تقعد فيها ساعات وتخرج وهي تقعد فيها طوال الليل والنهار، قل لها: تعالي نرى الشقة هل هي مناسبة أو لا. بعض الناس يقول: والله ما آخذ رأيها، أنا الرجل! (ما دخلها) لماذا آخذ رأي امرأة؟! وإذا جاءت وقالت: ليست الشقة جيدة. قال: جيدة أو غير جيدة، اقعدي على رأسك. ويتصور أن هذا هو الدين، وأن هذه هي الرجولة، هذا قهر، واستبداد، وتسلط، ينبغي عليك أن تكون مرناً، وأن تكون رجلاً ذو عشرة حسنة؛ لأن الله أمر بهذا في القرآن الكريم فقال عز وجل: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة: 228].
هل هناك أعظم من هذا التكريم للمرأة في ظل القرآن الكريم! يخاطبها الله ويقول عز وجل: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ... [الأحزاب:35] إلى آخر الآيات، يذكر الرجال ويذكر النساء، لماذا؟ لأنهم سواء، لا يوجد تفضيل هنا، لماذا؟ لأن الله خلق المرأة لوظيفة وخلق الرجل لوظيفة، إلا أن الإسلام يتعامل مع الأمور بمنطق الواقعية لا بمنطق العاطفة والسطحية.
وأسقط عنها الإحرام، فالرجل إذا أحرم يكشف رأسه وجسمه ولا يلبس إلا رداءً وإزاراً، أما المرأة فلا تفعل مثله؛ وإنما تغطي كل شيء في جسمها إلا وجهها وكفيها، فإذا رأت الرجال تغطي حتى هذا الشيء، تقول عائشة : [كنا إذا قابلنا الركبان أسدلنا، وإذا جاوزونا كشفنا].
وأسقط عنها الجهاد، عليها جهاد لا دم فيه وهو الحج، المرأة ليست بمسئولة عن الجهاد؛ لأنه لا ينسجم مع تكوينها ولا يتلاءم مع ضعفها وطبيعتها.
كما عفاها الإسلام من الصلاة والصوم في فترة الحيض، وهذه رحمة من الله بالمرأة، بعض الناس يقول: إن الإسلام عفاها من هذا الشيء من أجل النجاسة التي تخرج منها وهي: الدم. وليس هذا هو السبب، فإن المرأة أثناء الطهر يخرج منها شيء نجس وهو البول والغائط ومع هذا تتطهر وتصلي وهكذا الرجل، فالدم نجاسته ليست أشد من نجاسة البول والغائط، لكن الله عفاها من الصلاة والصوم أثناء فترة الحيض؛ لأن فترة الحيض تؤثر عليها صحياً، ونزيف الدم الذي يخرج منها يؤثر عليها، وقد أقر الأطباء في دراسات علمية حديثة: أن المرأة تتغير طبيعتها وتكوينها الصحي أثناء الحيض، فترتفع درجة حرارتها، وتصاب بمغص، وتعتريها آلام، وتشعر بتعب، فالله من رحمته بها أسقط عنها الصلاة والصيام.
وبعد ذلك الصلاة لا تقضيها في وقت آخر، ولكنها تقضي الصوم؛ لأن لديها أحد عشر شهراً تستطيع أن تقضي فيه، ولكن لا تقضي الصلاة، وهذه رحمة من الله بالمرأة.
لا إله إلا الله! ما أعظم رحمة الله بالعباد وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [يونس:44].
عفاها الإسلام من الصلاة والصوم لماذا؟ مراعاةً لوضعها الصحي ولعدم ملاءمته لها، وما يجب أن تكون عليه من الراحة النفسية.
ومن ضمن الأشياء التي جعل الله فيها فارقاً بين الرجل والمرأة: أنك تجد الطفل الصغير أو الطفلة الصغيرة عند الولادة أن لديهما شعراً في أجزاء من الجسم سواء بسواء، شعر في الرأس عند الولد والبنت سواء، وشعر في الحواجب والجفون، فإذا ما اكتملت أنوثة الأنثى ورجولة الرجل كان لهما شعر في الإبط والعانة سواء بسواء، ثم يتميز الرجل بأربعة أشياء عن المرأة: يظهر للرجل شعر في وجهه -أي: لحية- ويظهر للمرأة أثداء في صدرها، ويغلظ صوت الرجل ويرق صوت المرأة، وتعظم أكتاف الرجل وتعظم أرداف المرأة. هذه ميزات جعلها الله للمرأة وللرجل لما يتلاءم معها، لماذا؟
لأن المرأة لا تصلح إلا بهذا، ما رأيك لو أن المرأة صوتها ثخين -مثل صوت السيارة الكبيرة- إذا كلمتك؟ تقول: الله أكبر على هذا الصوت! لن تحبها، كذلك لو ذهبت البيت الآن من هذا المجلس المبارك ودخلت على زوجتك وإذا بها لديها لحية، هل تقبل زوجتك بلحية؟ لا تقبلها بلحية ولو كنت تحبها، ولو كان لك منها ذرية، ستقول لها: اذهبي إلى أهلك، لقد صرتِ رجلاً، لماذا أقعد مع رجل؟ لا يمكن أن تستمتع بها إلا إذا كانت بدون لحية.
وكذلك أنت -أيها الرجل- لا يمكن أن تكون ممتعاً لزوجتك إلا بلحية، كما لا تريدها أنت إلا ملساء هي لا تريدك إلا بلحية، فإذا ما وجدتْ لديك لحية تصبح مسكينة؛ لأن ما عندها ورقة طلاق تقدر تطلقك، وقد أجري استفتاء لأربعمائة امرأة كلهن قررن أنهن يفضلن الرجل الملتحي؛ لأن المرأة تشعر أمام الرجل الملتحي بالأنوثة، ترى شيئاً ليس فيها، ترى فيه علامات مميزة عنها، لكن إذا رأته مثلها يحدث العجب، فأحياناً تضطر إلى أنها تصير هي الرجل، حتى في الطريق وهم يمشون تمشي أمامه، وتجعله يأخذ الولد، ويعلق الشنطة في كتفه، إذن ماذا بقي؟ لا حول ولا قوة إلا بالله!!
فالإسلام خصص لهما بعض الأعمال والواجبات بمقتضى إمكانيات كل منهما، فالرجل يتميز بالقدرة والقوة الجسمية، والقدرة على الدفاع عن الأسرة، فحددت مسئوليته بالأعمال الخارجية، المرأة لا تقدر أن تدافع أبداً، ضعيفة هكذا، لكن الرجل يقدر، إذا حدث شيء مزعج يخرج ليتثبت من الأمر، وإذا سمع صوتاً في خارج البيت يخرج هو يستكشفه، ولا يقول: اخرجي يا امرأة! وأنا سوف أقعد، انظري ماذا بالخارج! ... لا، هو الذي يخرج ليكتشف الأمر، المرأة إذا سمعت صوتاً تذهب لتوقظ زوجها وتقول: هناك شيء ...، هناك حركة ...، سمعت شيئاً. مسكينة المرأة! لا تستطيع.
فالله جعل الرجل يقوم بتلك الواجبات الخارجية، والمرأة اختصها الله عز وجل بأشياء أخرى: بالحمل، والإرضاع، والحضانة، والتربية، وتدبير أمور المنزل. فحددت مسئوليتها بالأعمال الداخلية، وهذا تنظيم تقتضيه طبيعة الحياة وهو أن الرجل عليه المسئولية خارج البيت، والمرأة عليها المسئولية داخل البيت، وقد تكون أعباء الداخل أكثر من أعباء الخارج ولكن يتعاون الرجل والمرأة في الحياة الزوجية بهذا الوضع فتستقيم الحياة.
ولما غير الناس هذه الطبيعة تغيرت حالتهم، ولا ينازع في قضية الاختصاصات إلا جاهل.
هذه دعوة ماسونية علمانية، هدفها تدمير البنات والنساء؛ من أجل تدمير الإسلام، يريدون تدمير الحياة الاجتماعية النظيفة الطاهرة التي نعيشها: الأسرة طاهرة، والبيت والمكتب والشارع طاهر عندما كانت المرأة طاهرة والرجل طاهراً، لكن إذا أضرمت النار، ووضع عليها البارود، ساءت الحياة وفسدت وأسنت، وحصل ما حصل في المجتمعات الأخرى التي سبقتنا -نسأل الله أن لا يجعلنا نسير فيما سارت فيه- فقد وصلت إلى حدٍ لا تحسد عليه.
والذين يقولون: نريد المساواة بين الرجل والمرأة: في العمل، والوظيفة، والخروج وغيره، نطلب منهم أيضاً المساواة معها في وظائفها، فنريد أن يحيض الرجل شهراً وتحيض هي شهراً آخر.. هذه المساواة! وأن يحمل بطناً وأن تحمل بطناً آخر، أما الحمل دائماً عليها وفي بطنها وأنت قاعد هناك وتقول: نريد المساواة!
هذه ليست مساواة!! ونريد أن ترضع أنت ولداً وهي ترضع ولداً آخر، وهذا أمرٌ بطبيعة الحال غير وارد أصلاً؛ لأنه يتعارض مع فطرة الله التي فطر الناس عليها.
أكرمها أماً:
الإسلام كرَّمها أماً، فقال عز وجل: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [البقرة:83] وقال عز وجل: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا [الإسراء:23] ويروي البخاري ومسلم في الصحيحين حديث الرجل لما سأل الرسولَ صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحابتي؟) يعني: من هو أولى الناس لأن أكون له أطوع، وأحسن الناس إليه، وأرفق الناس به؟ من هو؟ من هو؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (أمك) الله أكبر! فهذا الرجل أخذها على أنها في أعلى منزلة، قال: (ثم من؟) يريد أن يضع الثاني (قال: أمك.) ضع أمك في المرتبة الثانية أيضاً (قال: ثم من يا رسول الله؟) يريد أن يضع أخرى (قال: أمك) ثلاث مرات: أمك. في الدرجة الأولى، والثانية، والثالثة (قال الرجل: ثم من؟ قال: ثم أبوك. ثم أدناك فأدناك) الآن أكثر الناس لا يتقي الله في أمه بل يجعل امرأته في القائمة الأولى، المرأة هي الأولى في القائمة والأم في آخر القائمة، البسمة للمرأة، والثوب الجيد، والتمشية، والسهرة، والراتب في يد المرأة، وأمه إن لم تكن في بيته فيأتيها في الشهر مرة وهو مستعجل، حتى إنه لا يتفرغ لكي يشرب عندها ماءً، يأتي ولا يطفئ حتى السيارة، يقول: مستعجل .. ذاهب للدوام .. عندي شغل .. عندي موعد .. بينما الجلسات كلها لامرأته، الله أكبر! لا إله إلا الله!
وأكرمها الإسلام بنتاً، فقد كانت توأد في الجاهلية، والله عز وجل حرم هذه العادة وأبطلها، وجعل تربية اثنتين من البنات سبباً لدخول الجنة، ففي الحديث الصحيح من رواية مسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (من عال -أي من ربى- جاريتين -يعني: ابنتين- حتى تبلغا؛ جاء يوم القيامة أنا وهو معاً، وضم إصبعيه الاثنتين) من عنده اثنتان من البنات يربيهن على الإسلام ويعلمهن الإيمان إلى أن يزوجهن هذا رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة.
والمرأة أكرمها الإسلام زوجةً، يقول عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) وامتدح الله رسله فقال: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً [الرعد:38] وجعلها نعمة وآية من آياته قال: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا [الروم:21].
وأكرمها أيضاً مؤمنة، فكان أول قلبٍ مؤمن تألق بنور الإيمان هو قلب خديجة رضي الله عنها، فأول من آمن من النساء خديجة رضي الله عنها، وكانت أول شهيدة في الإسلام امرأة وهي سمية أم عمار بن ياسر وزوجة ياسر رضي الله عنهم. قتلها أبو جهل، وكانت الأسرة كلها مؤمنة: سمية وولدها عمار وزوجها ياسر. الأسرة كلها مؤمنة، وهم كانوا عبيداً وموالي، وكان أبو جهل يعذبهم تعذيباً لا يعلمه إلا الله، ويمر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ويقول: (صبراً آل
وامتدحها الله عز وجل صابرةً، هذه أم سليم بنت ملحان -في قصة طريفة جداً- مرض ولدها ثم مات، ودخل عليها أبو طلحة -زوجها- من المسجد وقد تطيبت وتصنعت وقالت لمن في البيت: لا تخبروه. وغطت الولد بعدما مات بلحاف، وقامت تتجمل، وتتزين، وتتعطر، ولما دخل أبو طلحة قالت لمن في البيت: لا تعلموه. فلما سألها عنه قالت: هو أسكن ما يكون. وصدقت لأنه في سكون تام، لكنه فهم أنه قد شُفي. قالت: هو أسكن ما يكون. ثم قدمت له العشاء، ثم أتما ليلتهما على أتم حال، فلما كان آخر الليل -طبعاً قد هدأت الدنيا، لم يعد هناك سخط ولا غضب، وإنما الأنس والوفاق- جاءت تعرض الخبر عرضاً أدبياً جميلاً، قالت له: يا أبا طلحة ألم ترَ آل فلان -ضربت مثلاً- استعاروا عارية ثم تمتعوا بها، ثم طُلبت العارية منهم فشق عليهم ردها -أبوا ردها وقالوا: لا نرد العارية- قال: ما أنصفوا، هذا ظلم، كيف يرفضون رد العارية؟! قالت: فإن ابنك كان عاريةً من الله فقبضه. الله أكبر ما أعظم صبر هذه المرأة! ما أعظم هذه العقلية! فالرجل قد ضربت له مثالاً، لم يعد بوسعه أن يعمل شيئاً فاسترجع وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. وحمد الله وقال: الحمد لله. وقال: والله لا أدعك تغلبيني على الصبر، أي: لا أجعلك تسبقيني إلى الصبر، سأصبر اقتداءً بك.
فلما أصبحا من الغد ذهبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد نزل عليه الوحي من السماء وأخبره الله بخبرهما في الليل فقال: (بارك الله لكما في ليلتكما) فحملت تلك الليلة ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وولدت ولداً سماه أبوه عبد الله لم يكن في الأنصار شابٌ أفضل منه، ولم يمت حتى رزق عشرة من الأولاد كلهم حفظوا القرآن؛ ببركة هذا السلوك العظيم من هذه المرأة الطاهرة.
لكن لو أنها من نسائنا ومات ولدها لصعقت وصاحت، وإذا دخل بعلها قالت: ما ذهبت به إلى المستشفى، أنت الذي أمَتَّ ولدي، وأنا أطلب منك أن تأخذه إلى الطبيب كل يوم، أنت راضٍ .. وقامت تضع المسئولية عليه بدلاً من أن تقول مثل هذا الكلام العظيم الذي قالته هذه المرأة الفاضلة، هذه المرأة الصابرة من أين اكتسبت هذا الصبر؟ ومن أين تحلت بهذه الأخلاق؟ لقد -والله- تحلت به من الإيمان الذي عمر قلبها، ومن النور الذي أنار باطنها، وهذا غيض من فيض، وقليل من كثير من حديث اهتمام الإسلام بالمرأة وإكرامها، يقول الشاعر:
فلو كان النساء كمن ذكرن لفضلت النساء على الرجال |
وما التأنيث لاسم الشمس عيبٌ وما التذكير فخر للهلال |
أما الاختلاط: فهو اجتماع الرجل غير المحرم بالمرأة اجتماعاً غير شرعي في خلوة أو في سفر، ويمكنه من النظر إليها أو الحديث والكلام معها، وهو محرَّم بالكتاب والسنة، يقول الله عز وجل في التبرج: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33] ويقول عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الأحزاب:59] ويقول عز وجل: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31] ما ظهر منها يعني: شكلها العام بعد الحجاب وليس وجهها، ومن قال بهذا القول فقوله مردود ومنقوض ولا يدعمه دليل من كتاب ولا من سنة، والأدلة التي أوردوها على هذا كلها مردودة: إما منسوخة، أو ضعيفة، أو موضوعة؛ كما قرر ذلك أهل التحقيق من أهل العلم، كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وكثير من علماء الأمة، ولم يقل بأن الوجه أو الكفين ليس بعورة أحد ممن يعتد بعلمه ويؤخذ بقوله، كيف يأمر الله المرأة بألا تضرب برجلها ثم يبيح لها أن تكشف وجهها؟!! إذاً: فما معنى الحجاب الذي يقول الله فيه: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53]؟!
إنها دعوة تخدم أغراض الماسونيين، إذا نزع الحجاب فتح الباب وصار الشر وحصل الفساد والعياذ بالله! فالله يقول: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ [النور:31] إلى آخر الآيات.
وهب أن العجوز هذه تبرجت، هل هناك فتنة؟ نعم، يمكن أن هذا العجوز ما درى الناس أنها قاعدة فقامت واستعملت حُمرة أو حناءً أو تطيبت أو أخذت لها ملابس ودخل رجل مُسن ورأى العجوز، فقد يحصل ما يُعبر عنه المثل: (لكل ساقطة لاقطة!) قال الإسلام: هذه العجوز ليس عليها جناح أن تضع ثيابها لكن بشرط غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ [النور:60] وقال الله: وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ [النور:60] لماذا؟ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور:60] إذا تغطت العجوز ذات السبعين أو الثمانين سنة فهو أفضل لها، فكيف بالبنت التي عمرها عشرون سنة أو خمسة وعشرون أو ثلاثون تتبرج وتخرج في ثياب مزركشة، الآن هناك عباءات فاضحة، العباءة أصلاً وضعت للستر، أليس كذلك؟ فإذا أصبح الساتر فاضحاً؟ كما لو كانت العباءة منقوشة أو مطرزة أو ملمعة، بالإضافة إلى أنها مرفوعة من فوق الرجل، وأيضاً تلبسها على الكتف، وهو ما يسمونه (الكاب) هذا يُجسم صدرها ويكشف أكتافها، ثم تلبس الكعب العالي وتمشي عليه مع صغره كأنه حافر حمار، وكذلك تعلوها زينة وعطور ومشية مميلة و(باروكة) فوق الرأس..! هذا كله حرام في دين الله، وتخرج أكثر البنات في هذا الوضع ولا ينكر عليها زوجها ولا أبوها ولا أخوها، وتمارس هذا الأمر وكأنه شيء طبيعي، هذا هو تبرج الجاهلية الأولى .. بل أشد.
إذا خرجت المرأة فعليها أن تخرج في حذاء مستوٍ، فإن الله خلقها تمشي على رجلها، ولو أرادها أن تمشي بحافر حمار لجعل لها حافر حمار، وعلى المرأة المسلمة إن خرجت أن تمشي بعباءة ساترة من رأسها إلى قدمها فضفاضة واسعة تجر الأرض، وتمشي في ثياب مبتذلة، لا تأخذ ثياب الزينة ولا تتعطر، وكذا تخرج إذا خرجت للضرورة فقط، الخروج بالنسبة للمرأة أمر طارئ عارض؛ لأن الله يقول: وَقَرْنَ [الأحزاب:33] ما قال: اجْلِسْنَ، ولا امْكُثْنَ. والقرار: هو الدوام. يقال: الجبل قار يعني: لا يتحرك. ولا يقال: الجبل ثابت أو الجبل جالس، الجالس سوف يقوم، والثابت سوف يتحرك، لكن قار يعني: لا يتحرك ولا يخرج، قال الله: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33] حتى المرأة العجوز يقول الله عنها: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ [النور:60].
ثم إذا كانت اللعنة قد وجبت على نساء بني إسرائيل لما خرجن إلى المساجد فكيف لا تجب على من تخرج إلى الأسواق والمجتمعات لنشر الفساد والمنكر وللدعوة إلى الجريمة؟!!
روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: [رحم الله نساء الأنصار لما نزل قول الله عز وجل: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31] شققن مروطهن واختمرن بها] وفي الترمذي قال عليه الصلاة والسلام: (إن المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان).
من هذه الأدلة -أيها الإخوة- يتضح تحريم التبرج تحريماً قطعياً لتصان المرأة من التهتك والسقوط؛ لأن الرجال فيهم البر والفاجر، والطاهر والعاهر، والحجاب يمنع الفتنة ويدعو إلى الحياء والعفة، ويحفظ المرأة من تعرضها للفسقة والأذى، والاختلاط لإبقاء الثقة بين الزوجين، ولقطع دابر الريبة والجريمة والشكوك، والتهم التي تؤدي إلى هدم البيوت وتفكيك الأسر، والبيت للمرأة المسلمة كالصدَفة بالنسبة للؤلؤة تزداد به حسناً وجمالاً وبهاءً ودلالاً، وحين تتبرج وتخرج يذهب جلالها، ويتضاءل جمالها، وينطفئ نورها.
نتيجته الفساد والإغراق، أن تغرق المجتمعات في الجريمة والعياذ بالله، وللتدليل على ما نقول نورد -أيها الإخوة- مثالين من عالم الواقع في أسباب ما وصلت إليه المرأة -أعني: في بعض المجتمعات- وصلت رسالة تقول صاحبتها: أنا أبلغ من العمر تسعة عشر عاماً -طبعاً في غير هذه البلاد، والحمد لله هذا الكلام ليس في بلادنا- وأدرس في السنة الأولى من الجامعة، وهناك شاب اعتدت أن أراه في ذهابي وعند عودتي من الجامعة، ولأنني حاسرة الرأس عارية الصدر والسيقان والأذرع كان هذا المنظر يشده إلي أكثر، وكان يبادلني التحية والمجاملة، وصادف أن التقينا في مكان عام وطلب مني أن أمشي معه، وطلبني زوجةً له فرضيت، وتقدم لخطبتي، وإثر ذلك حدث بيني وبينه لقاء فقدت فيه بكارتي -يعني: أوقعها في الزنا- بعد أن وعدني بلسانه المعسول أن يتزوج بي، وبعد ذلك اختفى من حياتي وركلني بقدمه، وأرسل إلى أهلي طالباً منهم فسخ الخطبة، وإلى اليوم والحزن لا يفارق قلبي، وأصبحتُ أعيش في سجنٍ مليءٍ بالحسرة واللوعة والأسى والندامة، ولا يمكن أن أنسى ما أصابني من هذا الذئب البشري الضاري الذي أعطيته أغلى ما أملك بل كل شيء وجعلني لا أساوي شيئاً.
ونحن نقول لها: إن هذا ثمرة عدم الشعور بالمراقبة لله عز وجل، فهذه الفتاة لم تصل إلى هذه الحالة المؤسفة إلا بعد أن أباحت لنفسها أن تتبرج وأن تختلط ثم تلتقي بهذا الذئب، ثم تسلمه نفسها من غير خوفٍ ولا مراقبة لله عز وجل.
أما المثال الثاني: شاب جامعي كان يحيا حياةً مليئة بالحب مع حبيبته -كما يقول- ولكن مشكلته بدأت منذ شهور حين تقدم لهذه الحبيبة شاب آخر على جانبٍ من الجمال والثقافة والعلم، فقبلته ووافق أهلها عليه ويقول: ماذا أفعل؟ لقد صدمت، إنني لن أتركها تتزوج بشخص غيري، ولو كلفني ذلك حياتي؛ لأن حياتي لا تساوي شيئاً بعدها. وهذا بلا شك ثمرة التبرج والاختلاط والعياذ بالله ...!
وإننا نعجب -أيها الإخوة- ممن تقرع سمعه مثل هذه المآسي ثم يستمر في تجاهل أمر الله، وفي حسن الظن بالشيطان فالشيطان له رغبة جامحة في الإغواء والإضلال، ولا يأمر بمعصية واحدة إلا بعد التخطيط لها ورسم خطواتها لأن الله يقول: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة:168] فهو يلقي في نفس الفتاة أموراً منها:
أن فلاناً الذي يكلمك عبر الهاتف حسن النية، وأن الحديث معه لا مانع منه ما دام الهدف هو الزواج، ثم يخطط للقاء تأكيداً للثقة، وشعارهم: (ماذا فيها إذا التقينا؟ الثقة موجودة)، أنا واثقة من نفسي، وهو يقول: أنا واثق من نفسي، نحن نخاف الله عز وجل، وإذا التقينا ماذا يصير؟ تحترق الدنيا تأكيداً للثقة، وأيضاً منعاً للكلفة وجلباً للألفة، ثم ينتقل الشيطان إلى خطوة هي التبسم معللاً ذلك بعامل الذوق والمجاملة، ليس من المعقول أن تلقى حبيبتك وأنت عبوس.
ثم يستمر الشيطان في خطواته حتى تتلامس الأيدي وتحترق القلوب، فيصرخ الشيطان: المكان غير مناسب، والوقت ضيق، ولا بد من إعداد مكان وتهيئة وقت، وأن أفضل شيء لطرح القضايا هو الانفراد، وتوافق الفتاة، ويقفز الشيطان في المرحلة الأخيرة من أدواره ومسرحيته حين تتم الخلوة ... فتحصل الفاحشة؛ لأن تكوين الرجل والمرأة لا يسمح بالعواطف فقط ولا بد من ... وهنا تحصل الكارثة.. ويوجد العار.. وتتبدد الكرامة.. وتبدو الفضيحة.. ويخرج الرجل من المسرحية منكراً للمرأة سالباً لها شرفها، منكراً أن يكون له أي دورٍ في دمارها، بل يلومها كما يلومها الناس، ويعيرها كما يعيرها الآخرون، ثم يتركها وينفض يده منها لتعاني من آثار الفضيحة والحمل والولادة والإرضاع لطفلٍ حرام، أو الإقدام على قتل هذا الطفل، وهذا جرمٌ أكبر وأكبر ..!!
وتلتصق آثار الفضيحة بالأسرة والأب والأم والإخوة، بل القبيلة بأكملها، ولا تجد بعض الفتيات سبيلاً للخلاص من فضيحتها إلا بالموت لتؤدي آخر دور في مسرحية الهلاك، وتغدو قاتلة لنفسها بالانتحار، وبالتالي إلى النار وبئس القرار، والعياذ بالله! كل هذا سببه الاختلاط والتبرج، وخروج المرأة عن طريق الله، وعدم وقوفها عند حدود الله عز وجل..!
وبمناسبة ذكر الجامعة فإنا لا ننسى أن نشيد وأن نشكر ولاة الأمر جزاهم الله خيراً على إلغاء نظام الساعات من التعليم الجامعي؛ فإن هذا النظام نظامٌ شيطاني أفقد الأسرة السيطرة على الأولاد والبنات، تخرج البنت الساعة السادسة بعد المغرب، ما عندكِ؟ قالت: عندي حصة، عندي ساعة. وتخرج الساعة الثامنة صباحاً وتقول: عندي ساعة. وتخرج الساعة الثانية عشرة وتقول: عندي ساعة. تبقى طوال اليوم كلما أرادت أن تخرج قالت: عندي ساعة وتبرر خروجها بذلك. الآن.. لا، لم يعد هناك ساعات إلا من الصباح إلى الظهر، والكل يظل في بيته، فالحمد لله، ونسأل الله عز وجل أن يتبع هذه الخطوة خطوات من الإصلاح فإنا نأمل من المسئولين تدارك الأخطاء وتصحيح الغلط، فإن الخطأ إذا صحح عادت الأمة إلى الصواب، ولكن إذا ترك الخطأ تولد عنه أخطاء؛ تتولد عن الأخطاء كوارث، والكوارث لا تصيب أحداً وتدع آخر.. بل تصيب الكبير والصغير، وتغرق السفينة كلها؛ لأن المجتمع مثل السفينة إذا تُرك الخارق فيها ليخرق غرق الخارق والساكت الذي رآه يخرق ولم يأخذ على يديه.. نعم، المجتمع يجب أن يكون متماسكاً، ونحن نأمل من المسئولين تصحيح الأوضاع الأخرى ليبقى لهذا المجتمع تماسكه.
أو الخوف من التعدد، بعض النساء تقول: لا تتزوجي (مطوعاً) من يوم يأخذك سوف يأتي بواحدة غيرك، وأن هذه الحياة تكون معقدة معه، وفيها كلفة.
هذه إشاعات مغرضة الهدف منها: تنفير الفتيات الملتزمات من الشباب الملتزم، وبالتالي التورط مع شريك حياة -زوجٍ- فاسقٍ لا يراقب الله ولا يقيم لدين الله وزناً.
أما دعوى عدم توفيره وسائل اللهو فهذه تعتبر ميزة في الرجل المسلم وليست صفة نقص بل هي صفة كمال فيه؛ لأنه مسئول أمام الله عز وجل عن هذه الزوجة، ومسئوليته تفرض عليه أن يكون جاداً مع نفسه، وألا يترك لنفسه المجال إلا في حدود الحلال والمباح، وهو ما يتوفر في حياة الملتزمين -والحمد لله- من النكتة البريئة، والنزهة الهادئة، وهو ما تشعر به كل مؤمنة تزوجت بمؤمن، بل لقد صرحت بذلك إحدى المؤمنات وقالت: والله لو يعلم النساء الأخريات ما نحن فيه من السعادة لحسدونا عليها، تقوله واحدة لي في الهاتف: والله قد كنت أتصور أن حياة النساء مع الملتزمين عذاب، ولكن والله إنها أكرم وأعظم حياة أن تعيش المرأة مع رجل ملتزم يخاف الله عز وجل.
أما دعوة التعقيد فمردودة من أساسها، فالمتدين ليس معقداً ولكنه إنسانٌ منضبط السلوك محدد الاتجاه، وهذا يسّهل العيش معه لمعرفة اتجاهه، أما ذلك المنفلت فمن الصعب التعامل معه، لأنه غير محكومٍ بمنهج وغير منضبطٍ بأي أمر.
أما التعدد ودعواه أنه يتزوج، وما تخشاه المرأة من حصوله فهذا لا مكان له إذ لا يتم أولاً إلا نادراً، وعندما يتم فبشروطه: من العدل والإنصاف ومراقبة الله، وخير لك -أيتها الأخت في الله- ألف مرة أن تكوني زوجة أو أن يكون لزوجك امرأة أخرى حلالاً خير وخير من أن تكون له رفيقة حراماً، بعض النساء تقول: لا، لا أريد زوجي أن يعدد. فيقعد معها لكن معه عشرين صديقة ورفيقة وأقربهم الخادمة لأنها قريبة في المنزل، فكيف يذهب يبحث عن صديقة والخادمة في البيت، حتى إن أحدهم عندما يأتي بخادمة يسافر إلى الخارج ويقول: أعطوني صورهن لأرى. ويختار واحدةً كأنه يريد أن يتزوج بها، وترضى زوجته بأن يعاشر الحرام وما ترضى أن يعدد في الحلال؛ فيكون هو يعيش على الحرام وتكون هي تعيش على الحرام؛ لأنه إذا انتهك حرمات الله لم تبق هي قاصرة عليه؛ لأن من زنا زُني بأهله ولو بحيطان جداره:
عفوا تعفُّ نساؤكم في المحـرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم |
إن الزنا دين فإن أقرضته كان الوفا من أهل بيتك فاعلم |
وكما يقال: (الذي يدور على الناس يدور الناس عليه) والذي يعف نفسه عن الناس فإن الله عز وجل يجعل الناس يعفون عن عرضه، فما دام هو فسد مع الخادمة وفسد مع الأخريات تفسد زوجته مع السائق والآخرين، والعياذ بالله! والجزاء من جنس العمل، وقد قيل: (من دق باب الناس دقوا بابه)، فخيرٌ لكِ أن يكون لزوجك امرأة أخرى حلالاً من أن تكون له رفيقة حراماً تدمر حياتك وحياة زوجك وأبنائك.
فنقول: إذا رزقك الله زوجاً فحاولي أن تحفظيه، وأن تتمسكي به بكل ما أوتيتِ من وسائل الخدمة أو المنافسة في تقديم أفضل عمل له؛ حتى تقصري عينه عليك ولا يفكر في غيرك.
ليس الجمال بأشكالٍ نزينهـا إن الجمال جمال الدين والأدب |
إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى تقلب عرياناً ولو كان كاسيا |
فخير لباس المرء طاعة ربه ولا خير فيمن كان لله عاصيا |
بعض النساء يعطين اهتماماً كبيراً يفوق التصور لمواضيع الأكل وتعدد الأنواع والتفنن في الأشكال، حتى ألفت في ذلك المجلدات، أنا وجدت كتاباً مجلداً بمائتي ريال اسمه " فن الطبخ "! مائتا ريال في مجلد! قلت: لا إله إلا الله مائتا ريال أعمر بها مكتبة إسلامية في بيتي من كتب الإسلام! مائتا ريال في فن الطبخ! تباع هذه الكتب بمئات الريالات! وهذا يدل على فراغٍ نعاني منه، وتعاني منه المرأة المسلمة حين تجعل جل اهتمامها في هذه الأمور، حتى يصل الأمر بها إلى شراء تلك الكتب والعكوف عليها في حين لا تجد في بيتها كتاب الله، ولا تجد في بيتها أي كتاب إسلامي يرفع الروح ويبارك النفس ويزكيها.
إن أمتنا الإسلامية ليست بحاجة إلى التفنن في الأكلات بقدر حاجتها إلى معرفة دورها ورسالتها في الحياة، إن موضوع الأكل سهل ومعتاد، ويكفي المرأة أن تعرف ما تيسر من أنواع الطهي مما هو شائع في مجتمعها، ومحاولة التجديد، ومعرفة تنويع الأشكال وأنواع الأطعمة في بيئات أخرى، تجديد فيما لا ينفع، بل ربما يضر، فإن الإنسان له رغبة فيما تعود عليه، وللجسم حاجة فيما ألفه.
وأيضاً فإن التفنن في هذا النوع يدعو إلى الإسراف والإكثار من الطعام؛ وبالتالي إصابة المرأة بالسمنة، وإصابة الأولاد بالتخمة وأمراض كثيرة كالسكر والربو وغيرها، فنحن بحاجة إلى التقليل والاختصار والاكتفاء بما هو ضروري لضمان راحة القلب وسلامة الجسد.
تقضي بعض النساء الكثير من الوقت في مكالمات الهاتف، وقد تكون مكالمات بريئة مع أمها أو أختها أو جارتها أو صديقتها، بدون داعٍ، وقد تستمر هذه المكالمات ساعات طوالاً، وهذا إهدار لقيمة الوقت والمال، ولحق الزوج، وتضييع للعمر فيما لا فائدة منه، والأخطر من هذا: إذا كانت المكالمات في غيبة أو نميمة: (فلانة طويلة، وفلانة قالت كذا، وقالت كذا)، أو أكل لحوم الناس، والأخطر أيضاً: أن تكون المكالمات في حرام ..! ..! والعياذ بالله!.
هذا دورك وهذا اختصاصك بتقديم أفضل خدمة له، وبالطاعة المطلقة له إلا في معصية الله، وبمراعاة حالته وعدم إرهاقه، وبالقيام بالحقوق الواجبة له، وبالابتسامة في وجهه، وبالصفح والعفو عن زلاته، وعدم محاسبته على كل صغير وكبير من أمره؛ لأن كثرة العتاب والمحاسبة توجب النفرة والكراهية وتحمل على هذا.
واعلمي -أيتها الأخت المسلمة- أن تقييم المرأة يتم عن طريق زوجها وعلاقتها به، وليس عن طريق علاقتها بأهلها أو جيرانها، فإذا كانت صالحة طائعة لزوجها فهي طيبة عند كل الناس، وهي موضع احترام الجميع، أما إذا كانت سيئة مع زوجها فهي سيئة في نظر الناس، وموضع ازدراء عند الآخرين .. لماذا؟ لأن العلاقة الزوجية هي المحك الصحيح الذي يكشف أخلاقيات المرأة، أما بقية العلاقات فهي مجاملات فقط، وعلاقات منافع ومصالح لا تكشف عن معدن المرأة ولا عن أخلاقياتها.
واعلمي أن كسبك لك وحدك، فإن كسبت خيراً فلك، وإن كسبت شراً فعليك، وهناك لا تنفع المعاذير، ولا تقبل الحجج، ولا تعاد الفرص: يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:52] إنها فرصة واحدة، إنها حياة واحدة فلا تتركيها تضيع، فتندمي أشد الندم يوم لا ينفع الندم..!!
مع تمنياتي لك -أيتها الأخت المسلمة- بحياة إيمانية سعيدة. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
هذه الرسالة من أخيك في الله/
مدينة أبها
يوم 18/6/1412هـ.
ألقيت هذه الرسالة بمدينة الرياض بجامع الراجحي بحي الربوة بـالرياض.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر